الأقباط تحت حكم الإسلام - الجزء الثاني
الأربعاء أبريل 07, 2010 1:30 am
الأقباط تحت حكم الإسلام - الجزء الثاني
بقلم: الأب أنطون فؤاد
ثانياً: الأقباط تحت حكم الدولة الأموية (664ـ750)
ينتمي الأمويون إلى عبد مناف الجد الأكبر لمحمد نبي الإسلام, لذا شعروا أن حقهم في الخلافة قائم على هذا الأساس وهذا النسب, لذا تزعم معاوية بن أبي سفيان حركة التمرد ضد علي بن أبي طالب حتى وصل للخلافة فحول مقرها من المدينة النورة إلى دمشق معلناً قيام دولة الأمويين, والتي استمرت حتى مقتل آخر خلفاء الدولة الأموية مروان الثاني على يد العباسيين عام 750.
1. ملامح حكم الأمويين في مصر
أ. كثرة عدد الولاة
حكم مصر أثناء خلافة الأمويين واحد وعشرين والياً, أثنان منهم وليا الحكم مرتين, وواحد منهم ثلاثة مرات, خمسة من هؤلاء الولاة من أسر الخلفاء, مات ستة منهم أثناء ولايتهم على مصر, قتل الخليفة وأقال أحدَ عشر منهم, استقال منهم واحد, وطرد الجند أحدهم لأنه خفض رواتبهم, مكث أحدهم في ولاية البلاد ستة عشر يوماً فقط.
لم يكن هذا التغيير السريع والكثير للولاة في صالح البلاد, حيث انشغلوا جميعاً بجمع أكبر قدر من المال قبل ترك الولاية دون تفكير في تطوير أو تحديث البلاد. هذا النهم بجمع المال عاد بالسلب غالباً على الأقباط أكثر من غيرهم, بما تبعه من زيادة في قيمة الضرائب المفروضة عليهم, كذلك كثرة المظالم التي يتعرضون لها من قتل وتهديد لإخراج مدخراتهم (كنوزهم) وتقديمها للوالي (حادث شخص يدعى بطرس في صعيد مصر). كذلك فرض أتاوات باهظة على البطريرك وإلزامه بدفعها أو سجنه لحين الوفاء بها كما فعل عبدالله بن مروان مع البطريرك الكسندروس الثاني البطريرك 43 (700ـ724), كذلك أيضاً فعل نع نفس البطريرك الوالي اللاحق قرة بن شريك, والذي طالبه بدفع مثل ما دفعه لسلفه.
ثبت بعض الولاة الضرائب على الرهبان, كما فعل أسامة بن زيد الذي أمر الشرطة بالإغارة على الأديرة بحثاً عن الرهبان الفارين من الضرائب وقتلهم بقطع رؤوسهم.
ب. تحول المسيحيين إلى الإسلام هرباً من الضرائب.
كان التعسف في الاستيلاء على أموال المسيحيين بدعوى أنها ضرائب واجبة سبباً في ضعف ولاء الأقباط لمسيحيتهم, فأنكروها ليفوزوا بالإعفاءات الممنوحة للمتحولين للاسلام.
ج. عدم وجود سياسة واضحة في معاملة الأقباط
لم يكن للحكم الإسلامي ليس فقط في مصر بل في كل الأقطار التي احتلوها خطة مرسومة واضحة, سواء للقرارات السياسية أو الإقتصادية. كذلك في تعاملهم مع الأقباط؛ فتارة يمارسون التشدد في التمسك بالشروط العمرية وتارة يتهاونون في تنفيذها, تارة يمنعون بناء الكنائس وتارة يسمحون ببنائها ويفتون أنها من عمارة البلاد. الشئ الوحيد الذي حرصوا عليه هو ألا يختلط جنودهم بالشعوب المغلوبة حتى يتجنبوا إمكانية شرائهم من قبل المغلوبين.
د. التحقير الأدبي للأقباط
في عهد الدولة الأموية شعر المسلمون نتيجة فتوحاتهم بتفوقهم على سائر الشعوب المغلوبة فتغيرت سياسة المهادنة التي اتبعوها في بداية فتوحاتهم إلى سياسة تحقير تجاه هذه الشعوب, فيذكر المقريزي عن معاوية بن أبي سفيان قوله "وجدت اهل مصر ثلاثة اصناف, فثلث ناس, وثلث يشبه الناس, وثلث لا ناس, فاما الثلث الذين هم ناس العرب, والثلث الذي يشبهون الناس فالموالي والثلث الذين لا ناس المسالمة يعني القبط".
كما سبق وذكرنا أن سياسة العرب تجاه الأقباط لم تكن واضحة, وتختلف من والي لآخر حسب ميوله, كذلك أيضاً المضايقات التي تعرض لها الأقباط لم تكن دائمة ولكنها تختلف من والي لآخر. لكن هذا لا يمنع تعرض الأقباط لنوع من التحقير الأدبي تمثل في فرض زي معين عليهم (الغيار), عدم السماح لهم بركوب دواب معينة كما المسلمين, عدم تمثل منازلهم بمنازل المسلمين, عدم الأعتراف بشهادة الذمي وهكذا من أمثلة التحقير المختلفة.
شرع عمر بن عبد العزيز (الملقب بخامس الخلفاء الراشدين) (99ـ101?) بفرض نوع جديد من التحقير على الأقباط وهو احلال المسلمين محل المسيحيين حتى في الوظائف الصغيرة, وأعقب ذلك بكتاب رسمي يأمر الأقباط المتمسكين بمسيحيتهم أن يتخلوا عن وظائفهم ومن يريد منهم الاحتفاظ بعمله فعليه بالدخول في دين محمد, أدي هذا المنشور إلى تحول عدد من المسيحيين ذوي الوظائف العليا للدخول في الاسلام. كذلك فض عمر على أحياء الأقباط ضرائب من مات منهم حتى يجبرهم على الدخول في الاسلام.
?. انتشار اللغة العربية ونزوح القبائل العربية لمصر
ما يميز عصر الأمويين هو بدء انتشار اللغة الهربية كلغة الإدارة, كذلك نزوح القبائل العربية إلى مصر وسكناها بها, وامتزاجها بالأقباط من خلال الزواج. كثرت هذه الهجرة بوجه عام في خلافة هشام بن عبد الملك (724ـ744). تمركز معظم العرب الماهاجرين في منطقة الدلتا (مما قد يبرر تقلص عدد المسيحيين في منطقة الدلتا فيما بعد), وبسبب سكنى هؤلاء العرب وزواجهم من قبطيات بدأ الاسلام ينتشر ويأخذ أولى خطواته ليصبح أغلبية في مصر.
2. أمثلة لبعض الأحداث الجسام أثناء حكم الأمويين
أ. سلب وحرق مدينة الفسطاط
بينما كان الخليفة مروان بن عبد الحكم منشغلاً بقمع ثورة البشموريين في الشمال, بلغه أن أبا مسلم الخرساني وجنده قد دخلوا الحدود المصرية, فأمر جنوده بالعودة إلى الفسطاط ونهبها هي والمدن التي في طريقهم ثم أشعال النار فيها حتى يتلركها خراباً لعدوه, فأمر المنادي أن ينادي في الفسطاط بحرق المدينه بعد ثلاثة أيام, من لم يخرج من المدينة في غضون الأيام الثلاثة سيقتل, فهرب الناس إلى الجيزة والجزيرة في هرج ومرج أودى بحياة الكثيرين. تفقد مروان الفسطاط بعد الثلاثة أيام فوجد بها العجزة والمسنين فأمر بحرق المدينة وهم فيها.
ب. الحرب على الصور والصلبان
أمر الخليفة يزيد بن عبد الملك (101ـ105?) عام 104? بأن تكسر الصلبان وتمحى الصور في كل ربوع الخلافة الإسلامية, كذلك التماثيل التي بالكنائس؛ فتحطم عدد كبير من الإيقونات في مصر وكذلك الصلبان وشملت هذه الحرب أيضاً العديد من الأثار الفرعونية.
ج. حرق الكنائس والأديرة
نشب الخلاف على الخلافة في دمشق فهرب الخليفة مروان بن محمد إلى مصر مع جنوده, الذين عاسوا فساداً فيها فسبوا نساء الأقباط ونهبوا أموالهم, ولكي يظهروا تدينهم هدموا كثيراً من الكنائس وحرقوا آخر, وكان والي مصر في ذاك الوقت هو الوالي عبد العزيز, الذي كثيراً ما دخل الكنائس وعبث بها وكان يلصق على جدرانها ما يحقر العقيدة المسيحية من آيات القرآن[1].
3. ثورات الأقباط
لم يستمر تفاؤل الأقباط كثيراً, فقد خاب ظنهم في الفاتح الجديد, وادركوا أنه مستعمر كالآخرين؛ لا يبغي سوى نهب ثروة البلاد وتحويل الأقباط عن دينهم.
حاول الأقباط مساندة الروم في هجومهم على الاسكندرية لإستعادتها عام 646, ولكن مع إنكسار الروم إنكسرت همة الأقباط من جديد, فلم يحاولوا إستغلال الصراع الدائر بين على ومعاوية لتنظيم عمل عسكري لإستعادة مصر, وقد يرجع ذلك لكون الإكليروس رأوا في عمرو قائداً يهادن الأقباط ويكرم البطريرك.
لما قامت ثورة العباسيين ضد الأمويين كان الأقباط قد أدركوا تماماً أن المحتل مثل غيره لا هم له سوى نهب ثرواتهم وثروات البلاد. ولما كان المحتل قد سبق وفرض ضرائب على الإكليروس والرهبان عام بعد أن كان تم إعفائهم وقت عمرو. عام 725 أثناء خلافة هشام بن عبد الملك وولاية الحر بن يوسف على مصر (724ـ727) قام أهل الحوف الشرقي (شرق فرع دمياط) بالاعتصام وعدم دفع الضرائب, فأرسل الخليفة جيشاً لمحاربتهم, ولكنهم استبسلوا في المقاومة , فخرج الخليفة بنفسه لمحاربتهم, استمرت الحرب بينهم لمدة ثلاثة شهور حتى انتصر المسلمون وقتلوا الثوار جميعاً ولكن الخليفة عقب ذلك قام بنقل الوالي.
في الولاية الثانية لحنظلة بن صفوان (737ـ724) والذي فرض ضرائب إضافية على الأقباط وكان قاسياً في معاملتهم, قام أهل الصعيد بطرد عمال الخراج, ودخلوا في حرب مع جند الوالي انتهت بهزيمة الأقباط وخراب عدد من الأديرة والكنائس ولكن الخليفة قام ايضاً بنقل الوالي.
في ولاية عبد الملك بن موسى, أثناء خلافة مروان بن محمد أخر خلفاء الدولة الأموية, الزم الوالي البطريرك خائيل, البطريرك 46 من بطاركة الاسكندرية, (744ـ768) بدفع مبالغ طائلة له, ولما كان البطريرك لا يملك تلك الأموال, قام بالتجول في صعيد مصر ليتسول هذه الأموال لكن أقباط الصعيد لم يسعفوه وذلك لأن المحتل كان قد سبق وجردهم من أموالهم, ظل البطريرك في سعيه حتى وصل حدود مصر الجنوبية فسمع بذلك قرياقص ملك النوبة. قام ملك النوبة بتجهيز جيوشة وتوجه إلى مصر هادفاً فتحها إنتقاماً لإهانة البطريرك. وصل ملك النوبة بجيوشه قرب الفسطاط, فانزعج الوالي واستدعى البطريرك وأبرأ ذمته من الأموال المطلوبة بشرط التوسط لدى ملك النوبة لسحب جيوشه والعودة إلى بلاده, ونفذ البطريرك ذلكوعاد ملك النوبة إلى بلاده.
أثناء وجود مروان بن محمد أخر خلفاء الدولة الأموية في مصر, والتي فر إليها بغية الاحتفاظ بها بعيداً عن العباسيين حتى تستمر كمقر لخلافته, وجدت مصر في حالة هياج شديد بسبب سياسة الولاة الرامية إلى مضاعفة الضرائب, وإسائة معاملة الشعب, من أمثلة هذا الهياج ثورة البشموريين.
البشموريون هم سكان الأرض الواقعة بين بين فرعي دمياط ورشيد, كانوا قد ثاروا على عمال الخراج وقتلوهم, تحت زعامة قبطي يدعى مينا بن بقيرة, سير الوالي جنوده لمحاربة البشموريين والذين هزموا جيوش الوالي في معركتين متتاليتين واجبروا جنود الوالي على الفرار أمامهم. تحرك الخليفة بنفسه لمحاربتهم, لكنهم احتموا ببلادهم كثيرة الماء والغاب, فعجز الخليفة في الوصول إليهم, فقبض على البطريرك وبعض أساقفة الوجه البحري وأساء معاملتهم حتى يستسلم الثوار, ورغم إلحاح البطريرك على ذلك, رفضوا الأستسلام, أثناء ذلك وصل العباسيون (الخراسانيون) إلى الدلتا فانضم البشموريون إليهم.
أثناء فرار مروان بن محمد إلى صعيد مصر, عاث جنوده فسادً, فنهبوا أموال الأقباط وسبوا نساءهم, فتصدى لهم أهل طحا (قرية طحا العمودين الحالية بمنطقة المنيا) وحاربوهم, فأمر الخليفة جيوشه بالقضاء عليهم وهدم ديارهم وكنائسهم, ولم يستبق منها سوى واحدة أفتداها الأقباط بالمال فحول ثلثها إلى مسجد.
4. اسباب فشل ثورات الأقباط
من يسمع تاريخ هذا العدد من الثورات القبطية ضد المحتل الاسلامي طبيعياً كيف لم تتحقق هذه الثورات تحرير مصر؟ ولماذا بائت جميعها بالفشل؟ لذا يمكننا تحليل اسباب إخفاق هذه الثورات في عددة عوامل منها:
· هدف الثورات: تلخص هدف ثورات الأقباط في شيئين هما تخفيض الضرائب أو التخلص من أحد الولاة ولكن لم تتجاوز هذا لمشروع استقلالي شامل.
· عدم دراية الأقباط باساليب وتقنيات الحرب, كذلك أفتقارهم لحنكة عقد التحالفات العسكرية والأتفاقيات التي تحقق أهدافهم.
· عدم توحد ثوراتهم في كل مصر في لحظة واحدة بحيث لا يمكن للمسلمين التغلب عليهم.
· عدم وجود القائد العسكري الذي يمكنه توحيد الجهود وتنظيم جيش, وعدم سعي البطريرك للعب هذا الدور أو تشجيع من يلعبه.
· إيثار البطريرك دائماً للسلامة, حتى أنه خضع لأوامر الوالي وتوسط لدى ملك النوبة للتراجع رغم كونها فرصة ذهبية لطرد المسلمين من مصر نهائياً.
· الروح الانهزامية لدى الأقباط وعدم ثقتهم في امكانيتهم لحكم البلاد.
5. العلاقة بين الخلقدونيين وغير الخلقدونيين في حقبة الأمويين
اقيم بطريرك للأقباط الخلقدونيين في الفترة ما بين 728 و 756 يدعى قسما قام بتجليسه بطريرك الخلقدونيين بالشام ثاوفيلكتس, طلب قسما من الوالي الحصول على بيعة مارمينا بميروط والتي كانت سابقاً خلقدونية وهبها المسلمون لغير الخلقدونيين كنكاية بالروم, لكن الوالي مجدداً حسم الخلاف لغير الخلقدونيين.
في مارس وابريل 749 بادر قسما بعقد مباحثات وحدة مع الأرثوذكس الأقباط, وقد وصلت المباحثات مكانة متقدمة ولكن إصرار بطريرك الأرثوذكس على خضوع البطريرك الكاثوليكي له كواحد من اساقفته أوقف المباحثات وعرقل الوحدة.
6. مشاهير بطاركة الغير خلقدونيين في عصر الدولة الأموية
* البابا أغاثو البطريرك ال39 (662ـ689)
معاصراً لمعاوية بن أبي سفيان, اشتهر بشراء العبيد المسيحيين المسبيين من صقلية وباقي بقاع التوسع العربي, ثم تحريرهم وإكالهم لأسر مسيحية لتربيتهم حتى لا يجبرهم المسلمون على ترك الإيمان المسيحي.
* البابا خائيل (ميخائيل) البطريرك ال46 (744ـ768)
سبق التعرض لما حل به من ضيقات, وقد شهد عهده نهاية دولة الأمويين وقيام دولة العباسيين, وقد سجن هذا البطريرك أكثر من مرة أثناء مدة ولايته كبطريرك.
ثالثاً: الأقباط تحت حكم الدولة العباسية (751ـ870)
بدأت الدولة العباسية بسقوط الأمويين أمام عبدالله أبو العباس, الذي أسس الدولة العباسية ونقل عاصمة الخلافة من دمشق إلى الكوفة ببغداد. كان العباسيون خليط من العرب والفرس والخرسانيين والأتراك, لذا عرفوا في كتابات المؤرخين الأقباط باسم الخرسانيين.
تلقى العباسيون غبان قدومهم إلى مصر المعاونة من الأقباط الثائرين ضد الأمويين, لذا نادى العباسيون بادئ الأمر بالأمان للمسيحيين عامة وللأقباط خاصة, وكانت نوياهم لأقباط مصر حسنة نتيجة حاجاتهم لهم, ولكن بمجرد أن استتب لهم الأمر تغيرت المعاملة معهم من اللين إلى الشدة وزادو في تحقيرهم.
ملامح عصر العباسيين في مصر
1. كثرة عدد الولاة
كان لبعد مصر عن مركز الخلافة, وخوف الخليفة الدائم من استقلال الولاة, دافعاً لإتباع الخلفاء العباسيين نفس السياسة التي أتبعها أسلافهم الأمويين في تغيير الولاة سريعا وعدم السماح لهم بالمكوث طويلاً حتى لا يعد نفسه للإستقلال بالبلاد بل بالغوا في اتباع السياسة السابقة أكثر من الأمويين أنفسهم فعين العباسيون على مصر أربعة وستون والياً. يمكننا التدليل على ذلك أنه في فترة خلافة هارون الرشيد والتي امتدت ثلاثة وعشرين عاما تغير على ولاية مصر أربعة وعشرون والياً.
كنتيجة طبيعية لكثرة تغيير الولاة لم يهتم أحد بتطوير أو عمارة البلاد, كذلك زاد أهتمامهم بجمع أكبر قدر من المال عن طريق فرض ضرائب جديدة على الكل ولكن بصورة أكثر قسوة على الأقباط خاصة. تعددت كذلك حوادث إبتزاز البطريرك ليدفع مبالغ أكثر للوالي خارج نطاق الضرائب المحددة, كما حدث مع البابا شنودة الأول البطريرك 55 (859ـ880) عام 861 في ولاية يزيد بن عبدالله وخلافة الخليفة المنتصر, فقد أمر الوالي البطريرك بدفع خمسة آلاف دينار, ولما كان البطريرك لا يملك هذا المبلغ هرب لأحد الأديرة, فثار الوالي على الكنائس ونهبها وخربها وقبض على عدد من الكهنة وأخذ يعذبهم حتى اجبر البطريرك على تسليم نفسه, وحتى يعاقبه زاد المبلغ إلى سبعةألاف دينار, تمكن البطريرك بمساندة الأساقفةوالشعب أن يسدد منها فقط أربعة ألاف, فأطلقه الوالي بعد تعهده بسداد الباقي.
2. عدم إتباع سياسة واضحة
ككل الخلفاء والولاة المسلميين لم يكن للعباسيين سياسة واضحة في معاملتهم مع الأقباط, فتارة يتركون لهم حرية العبادة, ويحسنوا معاملتهم, وتارة يتشددوا في تنفيذ الشروط العمرية ويجبروا الأقباط على الإلتزام بها, بل قد يزيدوا في تحقيرهم أدبياً.
كذلك أيضاً لم يكن لهم سياسة إدارية واضحة في البلاد, مثلاً, قد أعادوا حفر قناة تراجان من أجل تسهيل ارسال القمح المصري للبلاد العربية, ولكنهم قاموا بردمها عامي 761ـ762 حتى يمنعوا القمح من الوصول للمدينةالمنورة حينما كثرت بها الثورات ضدهم.
التحقير الأدبي ضد الأقباط أثناء خلافة العباسيين
كما سبق القول امعن كثير من العباسيين في تحقير أهل الذمة, ولكن وصل هذا التحقير إلى ذروته وقت الخليفة المتوكل على الله العباسي, الذي فرض مجدداً على أهل الذمة لبس الغيار (الزي المخالف لزي المسلمين) كما فرض على نسائهم لبس ملابس البغايا, كذلك منع أهل الذمة من ركوب الخيل وعدم ركوب الدواب بشكل طبيعي, كذلك أمر بأخذ العشر من مساكنهم وتحويلها إلى مساجد أو للمنفعة العامة. امر كذلك بوضع صور شياطين على منازلهم لتميزها عن منازل المسلمين, امر في مصر بهدم كل الكنائس المحدثة بعد دخول المسلمين. أمر كذلك أهل الذمة بعدم التظاهر بإحتفالاتهم الدينية, وأمر أن تساوى قبورهم بالأرض حتى لا تتشبه بقبور المسلمين.
بدأ في عهد العباسيين فكرة هدم الكنائس الفخمة واستخدام اعمدتها ورخامها في تشييد المساجد و قصور الخلفاء, بدأت هذه الظاهرة أثناء بطريركية البطريركيوساب الأول (830ـ849)
ثورات الأقباط في عهد العباسيين
في بداية امر العباسيين بمصر استعانوا بسكانها الأقباط لمعاونتهم في إدارة شئون البلاد, ووجد الأقباط حظوة في عيونهم, ولكن لم تمض ثلاث سنوات حتى بدأوا في زيادة الضرائب ومضاعفتها على الأقباط, الأمر الذي أثقل كاهل الأخرين وعجزهم عن السداد, فعانوا من سوء معاملة الولاة, فتولدت داخلهم روح الثورة على هذه المظالم؛ من أمثلة هذه الثورات
1. ثورة أهل رشيد
في خلافة أبي جعفر المنصور العباسي وولاية يزيد بن حاتم بن الهلب بن أبي صفرة على مصر (762ـ769), قام الوالي بإضطهاد البطريرك مينا الأول إضطهادً شديداً, فساء ذلك في عيون الأقباط عامةوسكان رشيد وسخا خاصة, فجاهروا بالعصيان, فأرسل الوالي قوة من الجيش لمحاربتهم, ولكنهم هزموا هذا الجيش, فثار الوالي, وكعقاب للأقباط قام بهدم الكثير من كنائس مصر وخاصة كنائس مدينة الفسطاط.
2. ثورة أقباط الحوف
وقعت أحداثها في ولاية الليث بن الفضل (799ـ803), حيث تظلم أهل الحوف من المساحين لعدم دقتهم, فلم يستجب الوالي لتظلمهم, فتجمهروا أقباط وأعراب وساروا نحو الفسطاط, فلما خرج الوالي لمحاربتهم هزموه في الجولة الأولى, لكنه أعاد الكرة وتمكن من هزيمتهم في المرة الثانية, فقتل منهم عدداً كبيراً, وذبح زعمائهم, وحمل معه رؤوسهم وعلقها على أسوار الفسطاط, ليكونوا عبرة للأقباط وليلقي الرعب في قلب كل من يفكر في الثورة, لكن هذه القسوة دفعت عدداً من الأقباط في اماكن مختلفة للمجاهرة بالثورة.
3. ثورة أقباط الوجه البحري
في خلافة المأمون العباسي (813ـ833) كثرت المظالم والتحقير الأدبي ضد الأقباط, فامتنع أقباط الوجه البحري عن دفع الخراج, وشاركهم في ذلك الأعراب, فقامت بينهم وبين الولاة حروباً كثيرة, في نفس الوقت كان المأمون مشغولاً فيحربه ضد الروم, فحاول تهدئة سكان سكان مصر عن طريق الرسائل لكنه لم يفلح. فور انتهاء حربه ضد الروم قصد مصرو التي كان واليها آنذاك عيسى بن منصور (831ـ832), والذي عنفه الخليفة وحقره وأمر بنزع ملابسه الخارجية كعقاب له على ما وصلت إليه البلاد.
وسط المأمون البطريرك الأنبا يوساب (830ـ849) البطريرك 52 ان يكتب للأقباط يحثهم على الهدؤ مقابل أن ينظر الخليفة في مظالمهم, وبالفعل استجاب الأقباط لنداء البطريرك, عدا البشموريين. سار الخليفة مع جيوشه لمحاربة البشموريين, فهزمهم, وأمر بقتل جميع رجالهم, وسبي نسائهم واطفالهم وبيعهم كعبيد, كذلك مصادرة جميع مالهم وهدم جميع كنائسهم.
كانت هذه الثورة آخر ثورات الأقباط ضد الحكم الاسلامي, ولم يخرج الأقباط في ثورات ىخري حتى مشاركتهم مع المسلمين في ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي.
4. اسباب فشل ثورات الأقباط ضد العباسيين
يمكن القول أن اسباب فشل ثورات الأقباط في عهد العباسيين هي نفسها اسباب فشلها في عهد الأمويين. فهدف الثورات محدود في تخفيض الضرائب وليس أكثر, كذلك عدم وجود القائد الذي يوحد صفوفهم في كل مصر في نفس الوقت, كذلك عدم امتلاكهم الحنكة العسكرية.
ولكن ما يميز ثورات عهد العباسيين هو مشاركة الأعراب المسلمين مع الأقباط مما يعني أن سوء الحوال كان قد طال الجميع,وإن كان قد طال يشكل خاص الأقباط.
الأقباط في المجتمع الأموي والعباسي
1. الأقباط والأعمال الإدارية والمالية في عهد الأمويين والعباسيين
رغم كل المضايقات التي حلت بالأقباط تحت الحكم العربي, ورغم جهود الخلفاء واهتمامهم بتطبيق تعاليم القرآن الخاصة بأهل الذمة, استمر الأقباط في شغل الوظائف الإدارية. وكان لهم في احيان كثيرة سلطة الأمر والنهي في مواقعهم, ذلك أن نظام الضرائب والحسابات ظل في ايديهم وذلك لإفتقار المسلمين لملكة إدارة مثل هذه الأمور, وبالتالي دفعتهم حاجتهم للأقباط أحياناً للتغاضي عن تنفيذ احكام القرآن في شأنهم.
أظهركثيرمن الخلفاء مراراً رغبتهم في ابعاد اهل الذمة عن الوظائف الإدارية, وكثيراً ما اظهروا خيبة املهم ـ شفهياً إن لم يكن كتابياً ـ كلما استخدمهم الولاة في وظائفهم, لذا لما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة, بعد مضي قرن على فتح مصر, ذكر حكام الأقاليم بواجبهم, فوجه إليهم رسالة قوية قال فيها "عمر بن عبدالعزيز يقرأ لكم كلمات الله هذه (الأيات القرآنية الخاصة بأهل الذمة) لقد سمعت أنه فيما مضى, عندما كانت الجيوش الاسلامية تدخل البلاد, كان المشركون يذهبون لمقابلتهم, وأن المؤمنون يطلبون معاونتهم في إدارة البلاد لسداد رأيهم ودرايتهم في الشئون الإدارية وجباية الضرائب, ولكن لا يوجد الرأي السديد ولا الدراية عند الذين يستأثرون غضب الله ورسوله, ثم أن الله أمر بنهي هذه الحالة, ولا أود أن يخبرني أحد بأن والياً ترك في ولايته عاملاً يدين بعقيدة غير العقيدة الإسلامية, وإني سأقيل هذا الوالي في الحال, وإنه من الواجب علينا أن نبعد الذميين من الوظائف, كما أنه من الواجب علينا أن نقضي على دينهم, فليخبرني كل وال عما فعله في ولايته"
لما تلقى أيوب بن شرحبيل والي مصر هذه الرسالة, ألغى امتياز الأقباط الخاص بإدارة أموال المقاطعات وأحل المسلمين محلهم.
خمسة وثلاثون عاماً على اصدار عمر بن عبد العزيز لهذا الأمر, طلب من الخليفة العباسي المنصور بوجوب اصدار أوامر دقيقة بخصوص ابعاد الذميين من الوظائف, ورغم أمر الخليفة بتنفيذ ذلك إلا أن أمره لم يأخذ حيز التنفيذ الجدي.
في خلافة المهدي أصبح الذميون أصحاب الأمر والنهي واظهروا كبريائهم حتى سخط عليهم المسلمون واحتجوا على ذلك, فأمر الخليفة آنذاك ألا يترك الوالي بجانبه أي كاتب ذمي, وامر بقطع يد المسلم الذي يستعين بكاتب نصراني.
لم يحاول الخليفة المهدي, رغم ذلك, تنفيذ أوامره دفعة واحدة, ورغم تشدده في بعض الأحيان استمر اهل الذمة في تولي وظائفهم, حتى أنه يصرح لكاتم اسراره قائلاً عما كان في مصر "لقد سئمت من الشكاوي التي اتلقاها ضد النصارى بخصوص اضطهادهم للمسلمين وعدم نزاهتهم في إدارة الشئون المالية". هكذا يمكننا القول إن قرارات عزل أهل الذمة من وظائفهم ظلت في كثير من الأحيان صورية, وذلك ليس لتسامح المسلمين ولكن لحاجتهم للأقباط في تلك الوظائف.
لم تكن براعة أهل الذمة في إدارة الأمور المالية فقط, ولكن شاعت سمعة بعض الأطباء المسيحيين والذين نالوا حظوة خاصة في عيون العباسيين, وظلوا برفقة الخلفاء لفترات طويلة. قدم هؤلاء الأطباء للعلم مجموعة من الكتب سواء المترجمة من اليونانية و السريانية أو الموضوعة مباشرة في اللغة العربية.
2. الأقباط وتطبيق الشريعة الاسلامية عليهم
بزغت شمس الإمبراطورية الاسلامية في عهد الأمويين, فلما اصبحت حدودهم في مأمن من الخطر أخذوا يعملون على طبع البلاد المحتلة بطابع عربي إسلامي, من أمثلة هذا:
· لما وضع عمرو بن العاص نظاماً للقضاء في مصر, احترم شريعة الأقباط, بأن جعلهم يحاكمون أمام قضاة من جنسهم ودينهم’ فيما عدا الحوادث الجنائية, لكن لما تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة (644) أمر أن يعين إلى جانب القاضي القبطي قاضياً مسلماً.
· في عام 745 قرر حفص بن الوليد توزيع ميراث الذميين حسب تعاليم الشريعة الاسلامية لا حسب شرائعهم.
· في خلافة عمر بن عبد العزيز قرر أنه إذا قتل مسلم ذمياً, لا يحكم عليه بالإعدام, ولكن يلزم فقط بدفع الفدية, والتي حددها بأقل من فدية المسلم.
3. الأقباط واللغة العربية
بين الأمور ذات الأثر الكبير في حياة الأقباط الاجتماعية, قرار استعمال اللغة العربية في المعاملات الرسمية. صدر هذا القرار عام 705, في ولاية عبدالله بن عبد الملك, مما تسبب في أهمال الأقباط تدريجياً لدراسة اللغتين القبطية واليونانية, والسعي لتعلم العربية حفاظاً على وظائفهم. في نفس الوقت شرع بعض المسلمون في تعلم اللغة القبطية بناء على طلب الخلفاء تجنباً لمكائد الأقباط, وتجنباً لتآمرهم مع البيزنطيين.
أثارت سرعة الأقباط في تعلم اللغة العربية قلق المسلمين, لأن هذا يتيح للأقباط الاستمرار في وظائفهم دون تغيير ديانتهم, لذا طلب بعض الخلفاء من الأقباط تعليم أولادهم اللغة العبرية أو السريانية وليس العربية. كذلك ظل المسيحيون المتحولون للاسلام موضع شك وربية الحكام المسلمين و الشيوخ وذلك لشكهم دائماً في اسباب اسلامهم ونوياهم من ورائه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] . راجع الخريدة النفيسة ص 123
بقلم: الأب أنطون فؤاد
ثانياً: الأقباط تحت حكم الدولة الأموية (664ـ750)
ينتمي الأمويون إلى عبد مناف الجد الأكبر لمحمد نبي الإسلام, لذا شعروا أن حقهم في الخلافة قائم على هذا الأساس وهذا النسب, لذا تزعم معاوية بن أبي سفيان حركة التمرد ضد علي بن أبي طالب حتى وصل للخلافة فحول مقرها من المدينة النورة إلى دمشق معلناً قيام دولة الأمويين, والتي استمرت حتى مقتل آخر خلفاء الدولة الأموية مروان الثاني على يد العباسيين عام 750.
1. ملامح حكم الأمويين في مصر
أ. كثرة عدد الولاة
حكم مصر أثناء خلافة الأمويين واحد وعشرين والياً, أثنان منهم وليا الحكم مرتين, وواحد منهم ثلاثة مرات, خمسة من هؤلاء الولاة من أسر الخلفاء, مات ستة منهم أثناء ولايتهم على مصر, قتل الخليفة وأقال أحدَ عشر منهم, استقال منهم واحد, وطرد الجند أحدهم لأنه خفض رواتبهم, مكث أحدهم في ولاية البلاد ستة عشر يوماً فقط.
لم يكن هذا التغيير السريع والكثير للولاة في صالح البلاد, حيث انشغلوا جميعاً بجمع أكبر قدر من المال قبل ترك الولاية دون تفكير في تطوير أو تحديث البلاد. هذا النهم بجمع المال عاد بالسلب غالباً على الأقباط أكثر من غيرهم, بما تبعه من زيادة في قيمة الضرائب المفروضة عليهم, كذلك كثرة المظالم التي يتعرضون لها من قتل وتهديد لإخراج مدخراتهم (كنوزهم) وتقديمها للوالي (حادث شخص يدعى بطرس في صعيد مصر). كذلك فرض أتاوات باهظة على البطريرك وإلزامه بدفعها أو سجنه لحين الوفاء بها كما فعل عبدالله بن مروان مع البطريرك الكسندروس الثاني البطريرك 43 (700ـ724), كذلك أيضاً فعل نع نفس البطريرك الوالي اللاحق قرة بن شريك, والذي طالبه بدفع مثل ما دفعه لسلفه.
ثبت بعض الولاة الضرائب على الرهبان, كما فعل أسامة بن زيد الذي أمر الشرطة بالإغارة على الأديرة بحثاً عن الرهبان الفارين من الضرائب وقتلهم بقطع رؤوسهم.
ب. تحول المسيحيين إلى الإسلام هرباً من الضرائب.
كان التعسف في الاستيلاء على أموال المسيحيين بدعوى أنها ضرائب واجبة سبباً في ضعف ولاء الأقباط لمسيحيتهم, فأنكروها ليفوزوا بالإعفاءات الممنوحة للمتحولين للاسلام.
ج. عدم وجود سياسة واضحة في معاملة الأقباط
لم يكن للحكم الإسلامي ليس فقط في مصر بل في كل الأقطار التي احتلوها خطة مرسومة واضحة, سواء للقرارات السياسية أو الإقتصادية. كذلك في تعاملهم مع الأقباط؛ فتارة يمارسون التشدد في التمسك بالشروط العمرية وتارة يتهاونون في تنفيذها, تارة يمنعون بناء الكنائس وتارة يسمحون ببنائها ويفتون أنها من عمارة البلاد. الشئ الوحيد الذي حرصوا عليه هو ألا يختلط جنودهم بالشعوب المغلوبة حتى يتجنبوا إمكانية شرائهم من قبل المغلوبين.
د. التحقير الأدبي للأقباط
في عهد الدولة الأموية شعر المسلمون نتيجة فتوحاتهم بتفوقهم على سائر الشعوب المغلوبة فتغيرت سياسة المهادنة التي اتبعوها في بداية فتوحاتهم إلى سياسة تحقير تجاه هذه الشعوب, فيذكر المقريزي عن معاوية بن أبي سفيان قوله "وجدت اهل مصر ثلاثة اصناف, فثلث ناس, وثلث يشبه الناس, وثلث لا ناس, فاما الثلث الذين هم ناس العرب, والثلث الذي يشبهون الناس فالموالي والثلث الذين لا ناس المسالمة يعني القبط".
كما سبق وذكرنا أن سياسة العرب تجاه الأقباط لم تكن واضحة, وتختلف من والي لآخر حسب ميوله, كذلك أيضاً المضايقات التي تعرض لها الأقباط لم تكن دائمة ولكنها تختلف من والي لآخر. لكن هذا لا يمنع تعرض الأقباط لنوع من التحقير الأدبي تمثل في فرض زي معين عليهم (الغيار), عدم السماح لهم بركوب دواب معينة كما المسلمين, عدم تمثل منازلهم بمنازل المسلمين, عدم الأعتراف بشهادة الذمي وهكذا من أمثلة التحقير المختلفة.
شرع عمر بن عبد العزيز (الملقب بخامس الخلفاء الراشدين) (99ـ101?) بفرض نوع جديد من التحقير على الأقباط وهو احلال المسلمين محل المسيحيين حتى في الوظائف الصغيرة, وأعقب ذلك بكتاب رسمي يأمر الأقباط المتمسكين بمسيحيتهم أن يتخلوا عن وظائفهم ومن يريد منهم الاحتفاظ بعمله فعليه بالدخول في دين محمد, أدي هذا المنشور إلى تحول عدد من المسيحيين ذوي الوظائف العليا للدخول في الاسلام. كذلك فض عمر على أحياء الأقباط ضرائب من مات منهم حتى يجبرهم على الدخول في الاسلام.
?. انتشار اللغة العربية ونزوح القبائل العربية لمصر
ما يميز عصر الأمويين هو بدء انتشار اللغة الهربية كلغة الإدارة, كذلك نزوح القبائل العربية إلى مصر وسكناها بها, وامتزاجها بالأقباط من خلال الزواج. كثرت هذه الهجرة بوجه عام في خلافة هشام بن عبد الملك (724ـ744). تمركز معظم العرب الماهاجرين في منطقة الدلتا (مما قد يبرر تقلص عدد المسيحيين في منطقة الدلتا فيما بعد), وبسبب سكنى هؤلاء العرب وزواجهم من قبطيات بدأ الاسلام ينتشر ويأخذ أولى خطواته ليصبح أغلبية في مصر.
2. أمثلة لبعض الأحداث الجسام أثناء حكم الأمويين
أ. سلب وحرق مدينة الفسطاط
بينما كان الخليفة مروان بن عبد الحكم منشغلاً بقمع ثورة البشموريين في الشمال, بلغه أن أبا مسلم الخرساني وجنده قد دخلوا الحدود المصرية, فأمر جنوده بالعودة إلى الفسطاط ونهبها هي والمدن التي في طريقهم ثم أشعال النار فيها حتى يتلركها خراباً لعدوه, فأمر المنادي أن ينادي في الفسطاط بحرق المدينه بعد ثلاثة أيام, من لم يخرج من المدينة في غضون الأيام الثلاثة سيقتل, فهرب الناس إلى الجيزة والجزيرة في هرج ومرج أودى بحياة الكثيرين. تفقد مروان الفسطاط بعد الثلاثة أيام فوجد بها العجزة والمسنين فأمر بحرق المدينة وهم فيها.
ب. الحرب على الصور والصلبان
أمر الخليفة يزيد بن عبد الملك (101ـ105?) عام 104? بأن تكسر الصلبان وتمحى الصور في كل ربوع الخلافة الإسلامية, كذلك التماثيل التي بالكنائس؛ فتحطم عدد كبير من الإيقونات في مصر وكذلك الصلبان وشملت هذه الحرب أيضاً العديد من الأثار الفرعونية.
ج. حرق الكنائس والأديرة
نشب الخلاف على الخلافة في دمشق فهرب الخليفة مروان بن محمد إلى مصر مع جنوده, الذين عاسوا فساداً فيها فسبوا نساء الأقباط ونهبوا أموالهم, ولكي يظهروا تدينهم هدموا كثيراً من الكنائس وحرقوا آخر, وكان والي مصر في ذاك الوقت هو الوالي عبد العزيز, الذي كثيراً ما دخل الكنائس وعبث بها وكان يلصق على جدرانها ما يحقر العقيدة المسيحية من آيات القرآن[1].
3. ثورات الأقباط
لم يستمر تفاؤل الأقباط كثيراً, فقد خاب ظنهم في الفاتح الجديد, وادركوا أنه مستعمر كالآخرين؛ لا يبغي سوى نهب ثروة البلاد وتحويل الأقباط عن دينهم.
حاول الأقباط مساندة الروم في هجومهم على الاسكندرية لإستعادتها عام 646, ولكن مع إنكسار الروم إنكسرت همة الأقباط من جديد, فلم يحاولوا إستغلال الصراع الدائر بين على ومعاوية لتنظيم عمل عسكري لإستعادة مصر, وقد يرجع ذلك لكون الإكليروس رأوا في عمرو قائداً يهادن الأقباط ويكرم البطريرك.
لما قامت ثورة العباسيين ضد الأمويين كان الأقباط قد أدركوا تماماً أن المحتل مثل غيره لا هم له سوى نهب ثرواتهم وثروات البلاد. ولما كان المحتل قد سبق وفرض ضرائب على الإكليروس والرهبان عام بعد أن كان تم إعفائهم وقت عمرو. عام 725 أثناء خلافة هشام بن عبد الملك وولاية الحر بن يوسف على مصر (724ـ727) قام أهل الحوف الشرقي (شرق فرع دمياط) بالاعتصام وعدم دفع الضرائب, فأرسل الخليفة جيشاً لمحاربتهم, ولكنهم استبسلوا في المقاومة , فخرج الخليفة بنفسه لمحاربتهم, استمرت الحرب بينهم لمدة ثلاثة شهور حتى انتصر المسلمون وقتلوا الثوار جميعاً ولكن الخليفة عقب ذلك قام بنقل الوالي.
في الولاية الثانية لحنظلة بن صفوان (737ـ724) والذي فرض ضرائب إضافية على الأقباط وكان قاسياً في معاملتهم, قام أهل الصعيد بطرد عمال الخراج, ودخلوا في حرب مع جند الوالي انتهت بهزيمة الأقباط وخراب عدد من الأديرة والكنائس ولكن الخليفة قام ايضاً بنقل الوالي.
في ولاية عبد الملك بن موسى, أثناء خلافة مروان بن محمد أخر خلفاء الدولة الأموية, الزم الوالي البطريرك خائيل, البطريرك 46 من بطاركة الاسكندرية, (744ـ768) بدفع مبالغ طائلة له, ولما كان البطريرك لا يملك تلك الأموال, قام بالتجول في صعيد مصر ليتسول هذه الأموال لكن أقباط الصعيد لم يسعفوه وذلك لأن المحتل كان قد سبق وجردهم من أموالهم, ظل البطريرك في سعيه حتى وصل حدود مصر الجنوبية فسمع بذلك قرياقص ملك النوبة. قام ملك النوبة بتجهيز جيوشة وتوجه إلى مصر هادفاً فتحها إنتقاماً لإهانة البطريرك. وصل ملك النوبة بجيوشه قرب الفسطاط, فانزعج الوالي واستدعى البطريرك وأبرأ ذمته من الأموال المطلوبة بشرط التوسط لدى ملك النوبة لسحب جيوشه والعودة إلى بلاده, ونفذ البطريرك ذلكوعاد ملك النوبة إلى بلاده.
أثناء وجود مروان بن محمد أخر خلفاء الدولة الأموية في مصر, والتي فر إليها بغية الاحتفاظ بها بعيداً عن العباسيين حتى تستمر كمقر لخلافته, وجدت مصر في حالة هياج شديد بسبب سياسة الولاة الرامية إلى مضاعفة الضرائب, وإسائة معاملة الشعب, من أمثلة هذا الهياج ثورة البشموريين.
البشموريون هم سكان الأرض الواقعة بين بين فرعي دمياط ورشيد, كانوا قد ثاروا على عمال الخراج وقتلوهم, تحت زعامة قبطي يدعى مينا بن بقيرة, سير الوالي جنوده لمحاربة البشموريين والذين هزموا جيوش الوالي في معركتين متتاليتين واجبروا جنود الوالي على الفرار أمامهم. تحرك الخليفة بنفسه لمحاربتهم, لكنهم احتموا ببلادهم كثيرة الماء والغاب, فعجز الخليفة في الوصول إليهم, فقبض على البطريرك وبعض أساقفة الوجه البحري وأساء معاملتهم حتى يستسلم الثوار, ورغم إلحاح البطريرك على ذلك, رفضوا الأستسلام, أثناء ذلك وصل العباسيون (الخراسانيون) إلى الدلتا فانضم البشموريون إليهم.
أثناء فرار مروان بن محمد إلى صعيد مصر, عاث جنوده فسادً, فنهبوا أموال الأقباط وسبوا نساءهم, فتصدى لهم أهل طحا (قرية طحا العمودين الحالية بمنطقة المنيا) وحاربوهم, فأمر الخليفة جيوشه بالقضاء عليهم وهدم ديارهم وكنائسهم, ولم يستبق منها سوى واحدة أفتداها الأقباط بالمال فحول ثلثها إلى مسجد.
4. اسباب فشل ثورات الأقباط
من يسمع تاريخ هذا العدد من الثورات القبطية ضد المحتل الاسلامي طبيعياً كيف لم تتحقق هذه الثورات تحرير مصر؟ ولماذا بائت جميعها بالفشل؟ لذا يمكننا تحليل اسباب إخفاق هذه الثورات في عددة عوامل منها:
· هدف الثورات: تلخص هدف ثورات الأقباط في شيئين هما تخفيض الضرائب أو التخلص من أحد الولاة ولكن لم تتجاوز هذا لمشروع استقلالي شامل.
· عدم دراية الأقباط باساليب وتقنيات الحرب, كذلك أفتقارهم لحنكة عقد التحالفات العسكرية والأتفاقيات التي تحقق أهدافهم.
· عدم توحد ثوراتهم في كل مصر في لحظة واحدة بحيث لا يمكن للمسلمين التغلب عليهم.
· عدم وجود القائد العسكري الذي يمكنه توحيد الجهود وتنظيم جيش, وعدم سعي البطريرك للعب هذا الدور أو تشجيع من يلعبه.
· إيثار البطريرك دائماً للسلامة, حتى أنه خضع لأوامر الوالي وتوسط لدى ملك النوبة للتراجع رغم كونها فرصة ذهبية لطرد المسلمين من مصر نهائياً.
· الروح الانهزامية لدى الأقباط وعدم ثقتهم في امكانيتهم لحكم البلاد.
5. العلاقة بين الخلقدونيين وغير الخلقدونيين في حقبة الأمويين
اقيم بطريرك للأقباط الخلقدونيين في الفترة ما بين 728 و 756 يدعى قسما قام بتجليسه بطريرك الخلقدونيين بالشام ثاوفيلكتس, طلب قسما من الوالي الحصول على بيعة مارمينا بميروط والتي كانت سابقاً خلقدونية وهبها المسلمون لغير الخلقدونيين كنكاية بالروم, لكن الوالي مجدداً حسم الخلاف لغير الخلقدونيين.
في مارس وابريل 749 بادر قسما بعقد مباحثات وحدة مع الأرثوذكس الأقباط, وقد وصلت المباحثات مكانة متقدمة ولكن إصرار بطريرك الأرثوذكس على خضوع البطريرك الكاثوليكي له كواحد من اساقفته أوقف المباحثات وعرقل الوحدة.
6. مشاهير بطاركة الغير خلقدونيين في عصر الدولة الأموية
* البابا أغاثو البطريرك ال39 (662ـ689)
معاصراً لمعاوية بن أبي سفيان, اشتهر بشراء العبيد المسيحيين المسبيين من صقلية وباقي بقاع التوسع العربي, ثم تحريرهم وإكالهم لأسر مسيحية لتربيتهم حتى لا يجبرهم المسلمون على ترك الإيمان المسيحي.
* البابا خائيل (ميخائيل) البطريرك ال46 (744ـ768)
سبق التعرض لما حل به من ضيقات, وقد شهد عهده نهاية دولة الأمويين وقيام دولة العباسيين, وقد سجن هذا البطريرك أكثر من مرة أثناء مدة ولايته كبطريرك.
ثالثاً: الأقباط تحت حكم الدولة العباسية (751ـ870)
بدأت الدولة العباسية بسقوط الأمويين أمام عبدالله أبو العباس, الذي أسس الدولة العباسية ونقل عاصمة الخلافة من دمشق إلى الكوفة ببغداد. كان العباسيون خليط من العرب والفرس والخرسانيين والأتراك, لذا عرفوا في كتابات المؤرخين الأقباط باسم الخرسانيين.
تلقى العباسيون غبان قدومهم إلى مصر المعاونة من الأقباط الثائرين ضد الأمويين, لذا نادى العباسيون بادئ الأمر بالأمان للمسيحيين عامة وللأقباط خاصة, وكانت نوياهم لأقباط مصر حسنة نتيجة حاجاتهم لهم, ولكن بمجرد أن استتب لهم الأمر تغيرت المعاملة معهم من اللين إلى الشدة وزادو في تحقيرهم.
ملامح عصر العباسيين في مصر
1. كثرة عدد الولاة
كان لبعد مصر عن مركز الخلافة, وخوف الخليفة الدائم من استقلال الولاة, دافعاً لإتباع الخلفاء العباسيين نفس السياسة التي أتبعها أسلافهم الأمويين في تغيير الولاة سريعا وعدم السماح لهم بالمكوث طويلاً حتى لا يعد نفسه للإستقلال بالبلاد بل بالغوا في اتباع السياسة السابقة أكثر من الأمويين أنفسهم فعين العباسيون على مصر أربعة وستون والياً. يمكننا التدليل على ذلك أنه في فترة خلافة هارون الرشيد والتي امتدت ثلاثة وعشرين عاما تغير على ولاية مصر أربعة وعشرون والياً.
كنتيجة طبيعية لكثرة تغيير الولاة لم يهتم أحد بتطوير أو عمارة البلاد, كذلك زاد أهتمامهم بجمع أكبر قدر من المال عن طريق فرض ضرائب جديدة على الكل ولكن بصورة أكثر قسوة على الأقباط خاصة. تعددت كذلك حوادث إبتزاز البطريرك ليدفع مبالغ أكثر للوالي خارج نطاق الضرائب المحددة, كما حدث مع البابا شنودة الأول البطريرك 55 (859ـ880) عام 861 في ولاية يزيد بن عبدالله وخلافة الخليفة المنتصر, فقد أمر الوالي البطريرك بدفع خمسة آلاف دينار, ولما كان البطريرك لا يملك هذا المبلغ هرب لأحد الأديرة, فثار الوالي على الكنائس ونهبها وخربها وقبض على عدد من الكهنة وأخذ يعذبهم حتى اجبر البطريرك على تسليم نفسه, وحتى يعاقبه زاد المبلغ إلى سبعةألاف دينار, تمكن البطريرك بمساندة الأساقفةوالشعب أن يسدد منها فقط أربعة ألاف, فأطلقه الوالي بعد تعهده بسداد الباقي.
2. عدم إتباع سياسة واضحة
ككل الخلفاء والولاة المسلميين لم يكن للعباسيين سياسة واضحة في معاملتهم مع الأقباط, فتارة يتركون لهم حرية العبادة, ويحسنوا معاملتهم, وتارة يتشددوا في تنفيذ الشروط العمرية ويجبروا الأقباط على الإلتزام بها, بل قد يزيدوا في تحقيرهم أدبياً.
كذلك أيضاً لم يكن لهم سياسة إدارية واضحة في البلاد, مثلاً, قد أعادوا حفر قناة تراجان من أجل تسهيل ارسال القمح المصري للبلاد العربية, ولكنهم قاموا بردمها عامي 761ـ762 حتى يمنعوا القمح من الوصول للمدينةالمنورة حينما كثرت بها الثورات ضدهم.
التحقير الأدبي ضد الأقباط أثناء خلافة العباسيين
كما سبق القول امعن كثير من العباسيين في تحقير أهل الذمة, ولكن وصل هذا التحقير إلى ذروته وقت الخليفة المتوكل على الله العباسي, الذي فرض مجدداً على أهل الذمة لبس الغيار (الزي المخالف لزي المسلمين) كما فرض على نسائهم لبس ملابس البغايا, كذلك منع أهل الذمة من ركوب الخيل وعدم ركوب الدواب بشكل طبيعي, كذلك أمر بأخذ العشر من مساكنهم وتحويلها إلى مساجد أو للمنفعة العامة. امر كذلك بوضع صور شياطين على منازلهم لتميزها عن منازل المسلمين, امر في مصر بهدم كل الكنائس المحدثة بعد دخول المسلمين. أمر كذلك أهل الذمة بعدم التظاهر بإحتفالاتهم الدينية, وأمر أن تساوى قبورهم بالأرض حتى لا تتشبه بقبور المسلمين.
بدأ في عهد العباسيين فكرة هدم الكنائس الفخمة واستخدام اعمدتها ورخامها في تشييد المساجد و قصور الخلفاء, بدأت هذه الظاهرة أثناء بطريركية البطريركيوساب الأول (830ـ849)
ثورات الأقباط في عهد العباسيين
في بداية امر العباسيين بمصر استعانوا بسكانها الأقباط لمعاونتهم في إدارة شئون البلاد, ووجد الأقباط حظوة في عيونهم, ولكن لم تمض ثلاث سنوات حتى بدأوا في زيادة الضرائب ومضاعفتها على الأقباط, الأمر الذي أثقل كاهل الأخرين وعجزهم عن السداد, فعانوا من سوء معاملة الولاة, فتولدت داخلهم روح الثورة على هذه المظالم؛ من أمثلة هذه الثورات
1. ثورة أهل رشيد
في خلافة أبي جعفر المنصور العباسي وولاية يزيد بن حاتم بن الهلب بن أبي صفرة على مصر (762ـ769), قام الوالي بإضطهاد البطريرك مينا الأول إضطهادً شديداً, فساء ذلك في عيون الأقباط عامةوسكان رشيد وسخا خاصة, فجاهروا بالعصيان, فأرسل الوالي قوة من الجيش لمحاربتهم, ولكنهم هزموا هذا الجيش, فثار الوالي, وكعقاب للأقباط قام بهدم الكثير من كنائس مصر وخاصة كنائس مدينة الفسطاط.
2. ثورة أقباط الحوف
وقعت أحداثها في ولاية الليث بن الفضل (799ـ803), حيث تظلم أهل الحوف من المساحين لعدم دقتهم, فلم يستجب الوالي لتظلمهم, فتجمهروا أقباط وأعراب وساروا نحو الفسطاط, فلما خرج الوالي لمحاربتهم هزموه في الجولة الأولى, لكنه أعاد الكرة وتمكن من هزيمتهم في المرة الثانية, فقتل منهم عدداً كبيراً, وذبح زعمائهم, وحمل معه رؤوسهم وعلقها على أسوار الفسطاط, ليكونوا عبرة للأقباط وليلقي الرعب في قلب كل من يفكر في الثورة, لكن هذه القسوة دفعت عدداً من الأقباط في اماكن مختلفة للمجاهرة بالثورة.
3. ثورة أقباط الوجه البحري
في خلافة المأمون العباسي (813ـ833) كثرت المظالم والتحقير الأدبي ضد الأقباط, فامتنع أقباط الوجه البحري عن دفع الخراج, وشاركهم في ذلك الأعراب, فقامت بينهم وبين الولاة حروباً كثيرة, في نفس الوقت كان المأمون مشغولاً فيحربه ضد الروم, فحاول تهدئة سكان سكان مصر عن طريق الرسائل لكنه لم يفلح. فور انتهاء حربه ضد الروم قصد مصرو التي كان واليها آنذاك عيسى بن منصور (831ـ832), والذي عنفه الخليفة وحقره وأمر بنزع ملابسه الخارجية كعقاب له على ما وصلت إليه البلاد.
وسط المأمون البطريرك الأنبا يوساب (830ـ849) البطريرك 52 ان يكتب للأقباط يحثهم على الهدؤ مقابل أن ينظر الخليفة في مظالمهم, وبالفعل استجاب الأقباط لنداء البطريرك, عدا البشموريين. سار الخليفة مع جيوشه لمحاربة البشموريين, فهزمهم, وأمر بقتل جميع رجالهم, وسبي نسائهم واطفالهم وبيعهم كعبيد, كذلك مصادرة جميع مالهم وهدم جميع كنائسهم.
كانت هذه الثورة آخر ثورات الأقباط ضد الحكم الاسلامي, ولم يخرج الأقباط في ثورات ىخري حتى مشاركتهم مع المسلمين في ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي.
4. اسباب فشل ثورات الأقباط ضد العباسيين
يمكن القول أن اسباب فشل ثورات الأقباط في عهد العباسيين هي نفسها اسباب فشلها في عهد الأمويين. فهدف الثورات محدود في تخفيض الضرائب وليس أكثر, كذلك عدم وجود القائد الذي يوحد صفوفهم في كل مصر في نفس الوقت, كذلك عدم امتلاكهم الحنكة العسكرية.
ولكن ما يميز ثورات عهد العباسيين هو مشاركة الأعراب المسلمين مع الأقباط مما يعني أن سوء الحوال كان قد طال الجميع,وإن كان قد طال يشكل خاص الأقباط.
الأقباط في المجتمع الأموي والعباسي
1. الأقباط والأعمال الإدارية والمالية في عهد الأمويين والعباسيين
رغم كل المضايقات التي حلت بالأقباط تحت الحكم العربي, ورغم جهود الخلفاء واهتمامهم بتطبيق تعاليم القرآن الخاصة بأهل الذمة, استمر الأقباط في شغل الوظائف الإدارية. وكان لهم في احيان كثيرة سلطة الأمر والنهي في مواقعهم, ذلك أن نظام الضرائب والحسابات ظل في ايديهم وذلك لإفتقار المسلمين لملكة إدارة مثل هذه الأمور, وبالتالي دفعتهم حاجتهم للأقباط أحياناً للتغاضي عن تنفيذ احكام القرآن في شأنهم.
أظهركثيرمن الخلفاء مراراً رغبتهم في ابعاد اهل الذمة عن الوظائف الإدارية, وكثيراً ما اظهروا خيبة املهم ـ شفهياً إن لم يكن كتابياً ـ كلما استخدمهم الولاة في وظائفهم, لذا لما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة, بعد مضي قرن على فتح مصر, ذكر حكام الأقاليم بواجبهم, فوجه إليهم رسالة قوية قال فيها "عمر بن عبدالعزيز يقرأ لكم كلمات الله هذه (الأيات القرآنية الخاصة بأهل الذمة) لقد سمعت أنه فيما مضى, عندما كانت الجيوش الاسلامية تدخل البلاد, كان المشركون يذهبون لمقابلتهم, وأن المؤمنون يطلبون معاونتهم في إدارة البلاد لسداد رأيهم ودرايتهم في الشئون الإدارية وجباية الضرائب, ولكن لا يوجد الرأي السديد ولا الدراية عند الذين يستأثرون غضب الله ورسوله, ثم أن الله أمر بنهي هذه الحالة, ولا أود أن يخبرني أحد بأن والياً ترك في ولايته عاملاً يدين بعقيدة غير العقيدة الإسلامية, وإني سأقيل هذا الوالي في الحال, وإنه من الواجب علينا أن نبعد الذميين من الوظائف, كما أنه من الواجب علينا أن نقضي على دينهم, فليخبرني كل وال عما فعله في ولايته"
لما تلقى أيوب بن شرحبيل والي مصر هذه الرسالة, ألغى امتياز الأقباط الخاص بإدارة أموال المقاطعات وأحل المسلمين محلهم.
خمسة وثلاثون عاماً على اصدار عمر بن عبد العزيز لهذا الأمر, طلب من الخليفة العباسي المنصور بوجوب اصدار أوامر دقيقة بخصوص ابعاد الذميين من الوظائف, ورغم أمر الخليفة بتنفيذ ذلك إلا أن أمره لم يأخذ حيز التنفيذ الجدي.
في خلافة المهدي أصبح الذميون أصحاب الأمر والنهي واظهروا كبريائهم حتى سخط عليهم المسلمون واحتجوا على ذلك, فأمر الخليفة آنذاك ألا يترك الوالي بجانبه أي كاتب ذمي, وامر بقطع يد المسلم الذي يستعين بكاتب نصراني.
لم يحاول الخليفة المهدي, رغم ذلك, تنفيذ أوامره دفعة واحدة, ورغم تشدده في بعض الأحيان استمر اهل الذمة في تولي وظائفهم, حتى أنه يصرح لكاتم اسراره قائلاً عما كان في مصر "لقد سئمت من الشكاوي التي اتلقاها ضد النصارى بخصوص اضطهادهم للمسلمين وعدم نزاهتهم في إدارة الشئون المالية". هكذا يمكننا القول إن قرارات عزل أهل الذمة من وظائفهم ظلت في كثير من الأحيان صورية, وذلك ليس لتسامح المسلمين ولكن لحاجتهم للأقباط في تلك الوظائف.
لم تكن براعة أهل الذمة في إدارة الأمور المالية فقط, ولكن شاعت سمعة بعض الأطباء المسيحيين والذين نالوا حظوة خاصة في عيون العباسيين, وظلوا برفقة الخلفاء لفترات طويلة. قدم هؤلاء الأطباء للعلم مجموعة من الكتب سواء المترجمة من اليونانية و السريانية أو الموضوعة مباشرة في اللغة العربية.
2. الأقباط وتطبيق الشريعة الاسلامية عليهم
بزغت شمس الإمبراطورية الاسلامية في عهد الأمويين, فلما اصبحت حدودهم في مأمن من الخطر أخذوا يعملون على طبع البلاد المحتلة بطابع عربي إسلامي, من أمثلة هذا:
· لما وضع عمرو بن العاص نظاماً للقضاء في مصر, احترم شريعة الأقباط, بأن جعلهم يحاكمون أمام قضاة من جنسهم ودينهم’ فيما عدا الحوادث الجنائية, لكن لما تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة (644) أمر أن يعين إلى جانب القاضي القبطي قاضياً مسلماً.
· في عام 745 قرر حفص بن الوليد توزيع ميراث الذميين حسب تعاليم الشريعة الاسلامية لا حسب شرائعهم.
· في خلافة عمر بن عبد العزيز قرر أنه إذا قتل مسلم ذمياً, لا يحكم عليه بالإعدام, ولكن يلزم فقط بدفع الفدية, والتي حددها بأقل من فدية المسلم.
3. الأقباط واللغة العربية
بين الأمور ذات الأثر الكبير في حياة الأقباط الاجتماعية, قرار استعمال اللغة العربية في المعاملات الرسمية. صدر هذا القرار عام 705, في ولاية عبدالله بن عبد الملك, مما تسبب في أهمال الأقباط تدريجياً لدراسة اللغتين القبطية واليونانية, والسعي لتعلم العربية حفاظاً على وظائفهم. في نفس الوقت شرع بعض المسلمون في تعلم اللغة القبطية بناء على طلب الخلفاء تجنباً لمكائد الأقباط, وتجنباً لتآمرهم مع البيزنطيين.
أثارت سرعة الأقباط في تعلم اللغة العربية قلق المسلمين, لأن هذا يتيح للأقباط الاستمرار في وظائفهم دون تغيير ديانتهم, لذا طلب بعض الخلفاء من الأقباط تعليم أولادهم اللغة العبرية أو السريانية وليس العربية. كذلك ظل المسيحيون المتحولون للاسلام موضع شك وربية الحكام المسلمين و الشيوخ وذلك لشكهم دائماً في اسباب اسلامهم ونوياهم من ورائه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] . راجع الخريدة النفيسة ص 123
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى