الإنسان أرخص شيء بمصر

الإنسان أرخص شيء بمصر
الثلاثاء ٢٥ يناير ٢٠١١

بقلم: باسنت موسى
اليوم هو الثلاثاء الماضي ...الساعة نحو الواحدة ظهرًا ....الحدث والدتي بالمستشفي الحكومي التأمين الصحي، ذلك لأنها سقطت على رأسها بسبب" سلك أتشنكلت فيه" مما عرضها لنزيف شديد من الأنف والفم نُقلت على أثره لذلك المُستشفي الحكومي لكي تُثبت أن ما حدث لها " إصابة عمل" ومن ثم تُمنح كافة حقوقها المادية وغيرها من جهة عملها خاصة إذا نتج عن أصابتها تطورات خطيرة.
حادث مؤسف أشعرني بالخوف على والدتي لا شك مع نمو خوف ليس أقل أهمية على وطني مصر،ذلك لأن تجربة الساعات القليلة بذلك المستشفي الحكومي البائس زاد في داخلي التأكيدات التي تعلن صراحة أن" الإنسان أرخص شيء بمصر" وأقول "شيء" لأن البشر هنا بوطني ليسوا إلا مجرد أشياء يتربون على أنهم كذلك ومن ثم يكون التعامل معهم وفق نهج كونهم " شيء" بلا إرادة بلا فكر بلا هدف يشبهون بعضهم البعض ككتل الأثاث الموحد التصميم.
المشهد داخل المستشفي بائس وحزين مليء بالألم والقذارة إضافة إلى الانحطاط الأخلاقي والإنساني المُغلف بأغطية رأس ولحي طويلة ونغمات دينية لهواتف محمولة تُستخدم في صناعة الفساد كنشاط أول وربما وحيد.
المساحة التي تقع عليها تلك المستشفي الحكومي شاسعة جدًا تم بداخلها زراعة ثلاثة مباني بنية اللون متوسطة الارتفاع ومتهالكة الشكل، مما يُشعرك بداية بالكآبة والانقباض الذي يتحول مع تجولك بطرقات المستشفي إلى حالة "إكتئاب" رسمي قد تحتاج للمُهدئات لاستيعاب قسوتها التي يمكن إجمالها بنقاط محددة.
بداية المستشفي مقسمة كعنابر أحدهم للحريم –عفوًا للفظ- لكنهم يسمونه كذلك والثاني للرجال،كل عنبر مكون من ثلاث حجرات بكل واحدة منهم ست أسره لمرضي بإصابات مختلفة، فتجد من يتأوه بأعلى صوت له مجاورًا لأخر يعاني من ألم بالرأس وعلى الرغم من أن تأوهات الأول هذا تؤلم الثاني إلا أن كل ذلك ليس بالمهم،فالشكر كل الشكر للجهات المعنية على إن ذلك المريض وجد سرير يأوي جسده، ثم أنه بالنهاية الرعاية الطبية ليست بالمهمة ذلك لأننا شعب يؤمن بأن لكل منا عمر سينتهي حتمًا في وقته المحدد له وما حوادث الطرق والإهمال والفساد الطبي وغيره أسباب وضعت من السماء لنموت نحن بالأرض.
ليس هناك مريض بلا زوار ولكم أن تتخيلوا حجم ومقدار التلاحم الشعبي بتلك الغرف ذات الست أسره،قوى الشعب تجدها واقفة صامدة حول المرضي مُتبادلين الأحاديث والنكات وأحيانًا الفواكة وربما اللب والتسالي.
لأن الغرفة ذات الست أسره بنوافذ مقطوعة الأسلاك لهذا تجدها دائمًا مغلقة لماذا؟ الإجابة بسيطة حتى لا يتعرض المرضي والزوار الواقفين طوال النهار لمطاردة الحشرات،والحق يقال أن لتلك النوافذ المُغلقة فائدة كبيرة جدًا حيث زادت من حجم التلاحم الشعبي وعمقت تبادل الأنفاس المحملة بالجراثيم والميكروبات،ولهذا على كل مواطن صالح يريد أن يعرف مدي استعداد جسده لفيروس بعينه أن يذهب لتلك الغرف ليتلاحم شعبيًا، ويدرك نوعية فيروساته التي ستُعلن عن نفسها سريعًا.
حتى تعيش لابد لك أن تتنفس معلومة قديمة أعرف ذلك لا تضحكون وانتظروا اكتشافي الذي سأقوم بتسجيله بالشهر العقاري بأسمى وكلمة السر فيه الـ" 5 جنية" فلكي تتحرك بحرية داخل مستشفي حكومي عليك أن تقوم " بفك ميه جنية خمسات" لتقوم" بغمز" الممرضات "المزز" بها في يدها في صدرها المكان الذي تفضله لدس تلك الخمسايه يمكنك استخدامه المهم الحصول عليها وبعدها يمكنك أن تحصل على بعض الرعاية لمريضك كما يمكنك الاستفسار على أي معلومة تُريدها،ولكن أحذر تأثير دس "الخمساية" لا يستمر أكثر من عشر دقائق ليكون عليك معاودة الدس من جديد.
كانوا يقولون لنا بالماضي السحيق- لظروف التطور الأمر أختلف- أن السرير يحتاج لغطاء يُسمى"ملايه" لكنني اكتشفت بالمُستشفي الحكومي أنه ليس بالضرورة أن يكون لكل سرير" ملايه" خاصة إذا كان أحدهم وهو مريض تبول عليها أو أفرز عليها أي إفرازات نتيجة عملية جراحية خضع لها،حيث تتم إزالتها وإلقاءها بعيدًا دون تنظيف لتبقي مشكلة كبيرة ألا وهي إذا كنت أنت من القدماء وأصررت علي وجود" ملايه" على سرير مريضك هنا يمكنك الحصول عليها بدس ست خمسات جملة واحدة وعشرة خمسات إذا أردتها جديدة وعليك الاختيار.
ذلك بعض من جزء رأيته بعيني ولا يمكنني نسيانه رغم أن معاصرتي له لم تستمر سوى ساعات قليلة،ليبقي مشهد أخير مع رجل يعمل بالأمن بتلك المستشفي دار بيننا الحوار التالي وبه الخلاصة والختام.
رجل الأمن: صعبانة عليا بابنتي متزعليش كله هنا بالفلوس...ادفعي الدكتور هيجى ويطمنك.
أنا: أدفع ليه مش أمي بتدفع تأمين وهما المفروض يعالجوها ...ثم ليه مفيش دكتور يلف يوضح الحالة.
رجل الأمن: النظام هنا كده ده انا بشوف بلاوي الناس هنا بتيجى علشان تموت أقول إيه ولا إيه كل يوم ناس بتموت للإهمال قدام عيني ربنا المنتقم.
أنا: طب ممكن تحكيلي نقعد مع بعض وأحكي ونحاول ننشر ده ونوصل صوتنا لحد يمكن حاجه تتغير.
رجل الأمن: لا مقدرش أخرب بيوت ناس وأحكي اللي هعمله هحاول أدور على شغل تاني...سكوتي على اللي بيحصل هنا بيغضب ربنا أنا عارف.
أنا: دى ناس تستحق بيوتها تتخرب لأنهم فاسدين سكوتك عنهم تدعيم لفسادهم وإستمرار تربحهم من الفساد ده...ومنرجعش نقول الدنيا صعبة والفساد كبر ليه ما إحنا بنسكت واللي يسكت يستاهل يأخذ بالجزمة وميقلش أي.