المزمور 41 - الإنسان المطوب
الأحد أبريل 05, 2009 5:25 pm
المزمور الحادى والأربعون الإنسان المطوب بين المزمورين الأول والحادى والأربعين القسم الأول من سفر المزامير عند اليهود يضم المزامير 1 – 41 . ويشترك المزموران الأول والأخير من هذا القسم فى الآتى : 1 – كلاهما يبدآن بكلمة " طوبى " ، الأول يعلن عن تطويب الرجل الذى يلهج فى ناموس الله نهارا وليلا ، ليمارس الوصية فى حياته اليومية العملية ، والأخير يطوب الإنسان الذى ينظر إلى المسكين ، الأول يعلن حب المؤمن الحى للوصية بكونها وصية الله ، والأخير يعلن حبه الحى للمسكين بكونه أخا للسيد المسيح ، موضوع اهتمام الله وحبه . 2 – المزموران نبويان ، يتحدثان عن مقاومة الأشرار للسيد المسيح ، وآلامه ، ونصرته . أشار السيد المسيح إلى هذا المزمور ( 41 ) بكونه نبوة عن خيانة يهوذا له ( يو 13 : 18 ) ، كما أشار إليه القديس بطرس ( أع 1 : 16 ) . " طوبى للذى يتفهم فى أمر المسكين والفقير ، فى يوم السوء ينجيه الرب . الرب يحفظه ويحييه ، ويجعله فى الأرض مغبوطا ، ولا يسلمه بأيدى أعدائه " [ 1 ، 2 ] . من هو هذا المسكين ؟ 1 – واضح أن كلمة " المسكين " تعنى " الضعيف " أو الذى " بلا معين " . فالله فى غناه يشتاق أن يفيض بالعطاء على بنى البشر ، ليس فقط العطاء المادى ، وإنما عطاء نفسه ليتمتعوا به كأولاد له ينعمون بأحضانه الإلهية . هذا العطاء المجانى هو نعمة إلهية توهب بروح الله القدوس مشروطة برغبتنا نحن أيضا فى العطاء ، حتى يتحقق الحب المتبادل بين الله وأولاده . عطاؤنا له يتم عمليا فى إخوته المساكين ، إذ يقول : " الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد اخوتى هؤلاء الأصاغر فبى فعلتم " مت 25 : 40 . + الفقير يمد يده متوسلا ، ولكن الله هو الذى يقبل صدقتك . + لقد بلغك عنى أنى متسربل بالنور كالرداء ، لكنك متى كسوت عريانا أشعر أنا بدفء وأننى تسترت . 2 – المسكين هنا أيضا هو الفقير فى الإيمان وفى معرفة الله ومحبته ، والمحتاج لكلمة الله ، كما يقول الرسول بولس : " كفقراء ونحن نغنى كثيرين " ، بمعنى أننا نحن فقراء فى المال لكننا أغنياء بالسيد المسيح ، به نغنى كثيرين . 3 – المسكين الذى يلزمنا أن نتفهم أمره هو السيد المسيح ، الذى لأجلنا وهو الغنى افتقر . صار كمن هو بلا معين وهو خالق الكل ، يطلب من السامرية أن تعطيه ليشرب ( يو 4 : 7 ) ... مشتاق إلى قلوب أولاده التى يغمرها بينابيع حبه ويشرب هو منها ! لننظر إلى مسيحنا الذى صار عبدا مسكينا ، لننظره فى آلامه وفى صلبه وهو يصرخ : " أنا عطشان " ! لقد قدم له التلاميذ طعاما ، أما هو فقال لهم : " أنا لى طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم " يو 4 : 31 . ما هو هذا الطعام إلا اتحادنا به ، وقبولنا آلامه وصلبه فننعم بقوة قيامته وأمجادها ! باهتمامنا بالمسكين ، سواء المعتاز إلى أمور مادية أو روحية أو معنوية نهتم بالمسكين الذى افتقر لأجلنا ، ونتحد بذاك الذى نزل إلينا ، فإن ثمر هذا الأهتمام أو هذا الفهم العملى هو الآتى : 1 – " فى يوم السوء ينجيه الرب " [ 1 ] : ارتفاع نظرنا إلى السيد المسيح بعمل روحه القدوس يرفعنا إلى فوق لنجتاز يوم السوء ونعبره فى أمان . 2 – " الرب يحفظه ويحييه " [ 2 ] . إذ يعد الرب شعبه أنه بالكيل الذى به يكيلون يكال لهم ويزاد ( مت 7 : 2 ) لذلك فهو يعد من يحفظ المسكين فى أمور زمنية بسيطة ، مقدما له ضروريات الحياة ، يهبه حفظا من كل شرير حتى يدخل به إلى حياة الدهر الآتى . يقدم الإنسان الزمنيات ليتمتع بالسماويات ومعها البركات الأرضية أيضا . 3 – " ويجعله فى الأرض مغبوطا " [ 2 ] ، إذ يحول له الأرض سماء . المحب للفقراء ينعم بالأرض الجديدة ، أرض الأحياء ، الحياة الكنسية ، حيث يمتلىء قلبه فرحا وغبطة ... ينعم بعمل السيد المسيح الساكن فيه ، الذى يقيم داخله ملكوته كملكوت تسبيح وتهليل وشكر على غنى نعمة الله المجانية ! 4 – " ولا يسلمه بأيدى أعدائه " [ 2 ] . + العدو هو الشيطان . لا يفكر أحد أن انسانا ما عدوه عند سماعه هذه الكلمات .. 5 – " الرب يعينه على سرير وجعه ، صرفت مضجعه كله فى مرضه " [ 3 ] . الصدقة تعين المؤمن الحى على التمتع بالشفاء الروحى والجسدى ، ليس ثمنا لعمله ، وإنما لأن الله الرحوم يهب مجانا نعمته لمن يعلن عن قبولها بتقديم الحب والرحمة للغير ( مت 5 : 7 ) . يرى القديس أغسطينوس أن السرير هنا هو ضعف الجسد الروحى ، فالنفس المتعبة بالخطية تجد لذتها فى ملذات الجسد كما على سرير مريح ... لكنه سرير ألم ومرض . والرب فى حنانه يطلب منه أن يقوم ليحمل سريره ويمشى إلى بيته ( مر 2 : 11 ) . بمعنى آخر يهب النفس قوة القيامة ، فلا يحملها الجسد فى ملذات باطلة ، بل بالروح تحمل تحمل الجسد فى قدسية ونقاوة لتنطلق إلى البيت السماوى ، وتجد راحتها فى حضن الآب . وكأن العطاء يهبنا فرصة التمتع بعمل الله المجانى ، فيه نقوم من فراش جسدنا وننطلق بكمال الحرية كما بجناحى الحمامة نحو السمويات . " أنا قلت يارب ارحمنى . اشف نفسى لأنى قد أخطأت إليك " [ 4 ] . هذه صلاة فى منتهى البلاغة فى اللغة العبرية ، فإنه ماذا يمكن لإنسان أن يفعل أكثر من الأعتراف بإخلاص وأمانة بخطاياه . ما هو ارتباط هذه الصلاة بحديثه السابق عن الإهتمام بأمر المسكين ؟ يبدو أن المرتل قد سقط تحت تأديب إلهى ، إذ يربط ضيقته بإثمه ، متوقعا أنه إذ ينظر إلى أمر المسكين ، يتطلع الله إليه كمسكين لكن ليس دون اعتراف بخطاياه . هنا يبرز المرتل أن ما يناله الإنسان من هبات كثمرة العطاء المملوء حبا لا يتم عن بر ذاتى ، وإنما عم مراحم الله المجانية ، إذ يعترف المرتل بخطيته طالبا الرحمة والشفاء . " أعدائى تقولوا على شرا : متى يموت ويباد اسمه ؟! " [ 5 ] . يود العدو الشرير أن يطيح بأولاد الله الأبرار ، ويظن أن هذا يتحقق فعلا ، متجاهلا أن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم . ويرى البعض أن هذا هو صوت السيد المسيح الذى اتهمه الأعداء كذبا ، وتآمروا على قتله وإبادة اسمه . ويبقى صوته هذا ينطق به فى كنيسته التى تتألم لجله والتى يريد العالم أن يمحوها لينزع اسم مسيحها تماما . وكما يقول سفر الأعمال عن القديسين بطرس ويوحنا : " فدعوهما وأوصوهما أن لا ينطقا البتة ولا يعلما باسم يسوع " أع 4 : 18 . مات المسيح ولم يبد اسمه ، ومات الشهداء ونمت الكنيسة ، ونمى اسم المسيح بين الأمم لقد دبر أخيتوفا المؤامرة لقتل داود الملك وإبادة اسمه فكان رمزا لعدو الخير إبليس الذى هيج الكثيرين ضد ابن داود للخلاص منه بالصليب ، فجاءت كلمات داود النبى تنطبق بصورة أكمل فى شخص السيد المسيح ، إذ يقول : " كان يدخل لينظر فكان يتكلم باطلا ، وقلبه جمع له إثما . كان يخرج خارجا ويتكلم على معا . على تدمدم جميع أعدائى . وتشاوروا على بالسوء ، وكلاما مخالفا للناموس رتبوا على . هل النائم لا يعود أن يقوم ؟! " [ 6 – 8 ] . تحققت هذه النبوة قفى شخص السيد المسيح حيث اجتمع رؤساء الكهنة والكهنة والكتبة والفريسيون والناموسيون وبيلاطس وهيرودس عليه . تدمدموا معا أى تهامسوا أو تشاوروا من وراء السيد ، وحكموا عليه على خلاف الناموس ، وظنوا أنه نام فى القبر ولا يعود يقوم . بعد أن تحدث عن الأعداء صالبى المسيح تكلم بوجه الخصوص عن يهوذا مسلمه ، التلميذ الخائن : " وأن انسان سلامتى الذى وثقت به الذى أكل خبزى رفع على عقبه " [ 9 ] . + من هو انسان سلامته ؟ يهوذا .... لقد خانه بقبلة غاشة ( يو 6 : 70 ) ، ليظهر ما قيل عنه : " رجل سلامتى " . نصرة قيامة : " وأنت يارب ارحمنى وأقمنى فأجازيهم . بهذا علمت أنك هويتنى ، لأن عدوى لن يسر بى " [ 9 – 10 ] . لقد ظنوا أنه قد مات ودفن ولن يقوم ، لكنه إذ مات لأجلنا وبإسمنا يقوم أيضا بإسمنا ، فيصرخ " أرحمنى وأقمنى " . له سلطان أن يضع نفسه وأن يأخذها كما أعلن بنفسه ، لكنه كممثل لنا فى طاعة مات وفى طاعة قام ، لنصير نحن فيه أبناء طاعة وموضع سرور الآب .. قيامته أعلنت تبريرنا فيه ، لنقول : " بهذا علمت أنك هويتنى " . نحن موضع سرور الآب بعد أن كنا موضع سرور العدو الذى ملك على قلبنا وحياتنا واستخدمنا لحساب ملكوت ظلمته . بقوة القيامة تعلمنا روح النصرة والغلبة ، لا بالعنف والمكابرة بل بالوداعة التى ننالها فى المسيح يسوع ، به نصير موضع سروره وقبوله فنثبت أمامه إلى الأبد : " وأنا من أجل دعتى قبلتنى وثبتنى أمامك إلى الأبد " [ 12 ] . يختم المرتل المزمور بذكصولوجية ليتورجية جماعية ، فما يناله من بركات يفرح الكنيسة كلها ! " مبارك الرب إله إسرائيل من الأبد وإلى الأبد ، يكون يكون " [ 13 ] . يرى البعض أن هذه الذكصولوجية هى ختام القسم الأول من سفر المزامير [ مز 1 – 41 ] ، حيث يسبح المؤمن إله الكنيسة الجامعة ( إسرائيل الجديدة ) ، كعربون لحياة التسبيح السماوية ، فى أورشليم العليا . + + + |
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى