دراسة كتابية أثقل الناموس: الحق والرحمة والإيمان - 1 -
الأحد نوفمبر 29, 2009 7:48 pm
دراسة كتابية | الحق والرحمة |
دكتور جميل نجيب سليمان
قبل أيام من صلبه، وقف يسوع أمام الجموع وتلاميذه يُحذِّرهم للمرة
الأخيرة من أخطر ما يتهدَّد العبادة، وهو الرياء والتظاهُر، حيث يتخذ العابد سمات
التقوى إرضاءً للذات والناس، لأن الله يكون غائباً عن حياته دون أن يعي.
وهو قد
يُمارس كل ألوان العبادة: صلاةً وصوماً وعطاءً، ولكن هذه كلها تؤدَّى صورياً بغير
مشاركة الروح والقلب والذهن. فليس هناك غير جسده يذهب ويجيء ويرفع اليدين والصوت
وينحني ويسجد ويصوم ويتصدَّق كما يفعل الإنسان الآلي (الروبوت)، ولكن الحياة في
أعماقها خاوية أسيرة لا تتغيَّر، والتوبة كالغريب المنبوذ لا مكان لها ولا ترحيب.
والرب حمَّل الكتبة والفرِّيسيين تبعة هذا الانحراف المدمِّر
المؤدِّي إلى الهلاك، لأنهم «يقولون ولا يفعلون»،
و«كل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس» (مت 23:
5،3).
وهم منشغلون بالقشور عن لُبِّ العبادة وجوهرها، حريصون أن
يُعشِّروا النعنع والشبث والكمون والسذاب، مغالاة في تطبيق وصية العشور(1) حتى على
الزراعات الثانوية قليلة المحصول، بينما يُغفلون ما سمَّاه الرب: «أثقل الناموس: الحق والرحمة والإيمان» (مت 23:
23)(2)،(3).
وهكذا أفرغوا الناموس من مضمونه، وفقدوا الطريق إلى ملكوت السموات
كما أغلقوه قدام الناس (مت 23: 13).
أثقل الناموس:
والرب قصد بـ ”أثقل الناموس“،
التوجُّهات الرئيسية أو جماع الوصايا التي تُشكِّل مركز الثقل في
الناموس(4)، والتي يمكن أن تنبثق منها سائر الوصايا.
وكان الرب في تعليمه، بصورة عامة، يوجِّه أنظار المؤمنين أولاً إلى
الجوهر لا الشكل، وإلى الأصول لا الفروع، لأن سلامة ماء النهر تعتمد على سلامة
المنبع.
وهـو بهذا يُنير الطريق أمـام المؤمن ويقوده إلى الأساس والغاية،
فلا يتوه في التفاصيل.
+ فهو قال مرة عن محبة الله أنها: «الوصية
الأولى والعُظمى، والثانية مثلها (أي عظيمة أيضاً) تحب قريبك كنفسك»، وأضاف أنه: «بهاتين
الوصيتين يتعلَّق الناموس كله والأنبياء» (مت 22: 37-40؛ مر 12: 29-31)،
أي أنه يمكن اختصار الناموس كله في هاتين الوصيتين.
وتبعه القديس بولس الذي كتب إلى
أهل رومية أن «مَن أحب غيره فقد أكمل الناموس»، وأن
كل الوصايا «هي مجموعة في هذه الكلمة: أن تُحِبَّ قريبك
كنفسك... فالمحبة هي تكميل الناموس» (رو 13: 8-10).
+ وهو قد يُلخِّص الوصية في نموذج في كلمات قليلة مُركَّزة تصبح
شعاراً للحياة ونوراً للطريق.
ففي حديثه لتلاميذه عن نقاوة القلب والبساطة والإيمان بغير حدود،
وجَّه أنظارهم إلى الأطفال كنموذج: «إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات»
(مت 18: 3)، «دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم
لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات. الحق أقول لكم: مَن لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن
يدخله» (مر 10: 15،14؛ لو 18: 17،16).
كما قدَّم نفسه هو نموذجاً كاملاً
للوداعة والاتضاع (وبالطبع لسائر الفضائل) قائلاً: «تعلَّموا
مني لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم» (مت 11: 29).
وهكذا كتب أيضاً معلِّمنا بطرس: «فإن المسيح
أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته» (1بط 2:
21).
فغاية كل مؤمن في تنفيذ الوصايا أن يصير مثل المسيح
(1يو 3: 10).
الحق والرحمة والإيمان:
من الواضح أن الرب اختار هذه الثلاثية مُعتبراً إيَّاها
جوانب محورية في الناموس، ولا يقصد قصر الناموس عليها. فكل الوصايا هامة وضرورية
للحياة، وإنما يكون إتمام هذه الوصايا الرئيسية مؤشِّراً أن المؤمن سائر في الطريق
الروحي، فالذي يُنفِّذ الأصعب لابد أنه يُنفِّذ الأسهل.
وتوجد شواهد في الكتاب على أن تنفيذ إحدى الوصايا الرئيسية يُعتبر
في حد ذاته تتميماً للناموس في هذا الجانب. ونذكر المثلين التاليين:
+ فالقديس بولس يطلب أنْ: «احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا تمِّموا fulfill ناموس المسيح» (غل 6: 2).
فناموس المسيح لم ينحصر في هذه الوصية وحـدها، ولكن تنفيذ أية وصية
هو في حقيقته تنفيذ جزئي لناموس المسيح الذي يضم كل الوصايا.
+ ومن جانبه يقول معلِّمنا يعقوب
أنَّ «الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي
هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم، وحِفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم»
(يع 1: 27).
فهل هذا هو كل شيء؟ وهل لأنه لم يذكر محبة الله أو الإيمان أو
التوبة بشكل صريح (مع أنها متضمَّنة في الآية)، فتكون هذه ليست من قواعد الديانة
النقية؟
فالآيات كلها تتكامـل، والرسول يقصد هنا أن التديُّــن الحقيقي
يستلزم الطهارة وحياة التوبة بالنسبة للنفس وعمل الخير والرحمة بالنسبة للآخر.
ويكتب معلِّمنا يعقوب أيضاً: «إن كان أحد لا
يعثر في الكلام، فذاك رجل كامل قادر أن يُلجم كل الجسد أيضاً» (يع 3:
2)، فمَن يستطيع أن يضبط لسانه قادر أن يضبط كل أهوائه وأن يصير كاملاً(5).
ورغم تداخُل المعاني وتواصلها، فالحق
ليس مستقلاً عن الرحمة والإيمان، والرحمة
لا تنفصل عن الإيمان والحق (فبدون
الإيمان لا يمكن إرضاء الله
الحق، والرحمة بغير الإيمان يمكن أن
تكون عملاً ميتاً من أعمال الذات)، كما أن الإيمان
يتضمن الحق والرحمة.
ولكن يمكن مع هذا تناول دور كل من هذه الأعمدة الثلاثـة في بناء
العبادة، وبيان علاقـاتها البينية، وكيف تستدعي سائر جوانب الحياة المسيحية التي
صـارت لنا بخلاص المسيح.
أولاً: الحق
هذه الكلمة في أصلها اليوناني تعني العدل krisis (أو القضاء العادل
أو الدينونة العادلة). ومذكورة justice في الترجمة الإنجليزية NKJV والأرثوذكسية،
وكثيراً ما تقترن الكلمتان في الكتاب، وهذا منطقي، فما قيمة حق لا يستهدف العدل،
وما قيمة عدل لا يضمن الحق؟ وإذا كان للحق من قوة تحميه، فالعدل بدوره يضبط الحق من
أن تتجاوز قوته حدودها وإلاَّ تحوَّل إلى تسلُّط وغطرسة.
1. في الأساس الله هو الحق ومصدره (إش 30: 18؛ إر 10: 10؛ يو 7: 28؛ 8: 26)، وهذا
ما قاله الرب عن نفسه (يو 14: 6) وعن الروح القدس (يو 14: 17؛ 15: 26؛ 16: 13؛ 1يو
5: 6). ونحن عرفنا الحق بيسوع المسيح (يو 1: 17،14)، لأنه هو المُخبر والشاهد للحق
(إش 42: 1؛ يو 18: 17).
2. وكلمات الكتاب تشهد لله وطرقه وأحكامه بالحق والعدل: «العدل والحق
قاعدة كرسيك» (مز 89: 14؛ 97: 2)، «أنت أجريت حقّاً
وعدلاً» (مز 99: 4)، «أحكام الرب حقٌّ عادلة
كلها» (مز 19: 9)، «يقضي للمسكونة (يدين المسكونة) بالعدل» (مز 9: 8؛ 96: 13؛ 98: 9؛ أ‘ 17: 31)، «كل أعماله
حق وطرقه عدل» (دا
4: 37)، «دينونتي حق» (يو 8: 16)، «دينونتي
عادلة» (يو 5: 30)، «ونحن نعلم أن دينونة الله هي
حسب الحق» (رو 2: 2)، «الرب الديان العادل» (2تي 4: 8)، «حق وعادلة
هي أحكامك» (رؤ 16: 7؛ 19: 2).
والله يغفر خطايا التائبين التزاماً بوعده كإله عادل: «إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويُطهِّرنا
من كل إثم» (1يو 1: 9).
3. والحق متجسِّد في كلمة الله ومن
خلالها نعرف الحق ونثبت فيه، وكثيراً ما كان الرب يبدأ كلامه بالقول: «الحق أقول لكم»، مُنبِّهاً إلى أن ما يقوله هو الحق الجدير
بالطاعة: «شريعتك حق. وكل وصاياك حق. رأس كلامك حق»
(مز 119: 160،151،142)، «كلامك هو حق»
(يو 17: 17)، «مَن قال قد عرفته وهو لا يحفظ
وصاياه، فهو كاذب وليس الحق فيه» (1يو 2: 4). وفي طاعة الحق أي في حفظ
الوصية والخضوع لها، تطهيرٌ للنفس مما قد يعلق بها من شوائب (1بط 1: 22).
4. الحق يتوافق مع الاستقامة
والصدق وكل بر. فالخطية هي الضلال عن الحق (يع 5: 19)، وتبنِّي الباطل والكذب،
ومكتوب عن إبليس أنه «ليس فيه حق»، وأنه «متى تكلَّم بالكذب فإنما يتكلَّم مما له،
لأنه كذَّاب وأبو الكذَّاب» (يو 8: 44)، ومثله الذين يحجزون الحق بالإثم (رو 1:
18). ومعرفة الحق تُحررنا وتنزع الخوف منا عندما نشهد له (يو 8: 32). وهكذا انطلق
الآباء الأوائل يُبشِّرون العالم بالخلاص، ولم يبالوا بكل ألوان المقاومة ولا
بمواجهة الموت الأليم. فالمستند إلى الحق لا يخاف ولا يكذب ولا يستطيع أن يكتم
الشهادة: «نحن لا يمكننا أن لا نتكلَّم بما رأينا وسمعنا
(وتعلَّمنا واختبرنا)» (أع 4: 20). وعلى
نهجهم على مرِّ القرون قدَّم الآلاف حياتهم على مذبح الشهادة، كباراً وصغاراً، من
أجل محبتهم في الملك المسيح الإله الحق.
5. المؤمن والحق: إذا كان الحق هو
الله فأيضاً يكون كل ما يقوله، أي وصاياه وتعاليمه، وكل ما يفعله أي أحكامه وطرقه
وتعاملاته في الكون وخاصة مع بني البشر الذين خلقهم على صورته. فماذا يعني التزام
المؤمنين بالسلوك بالحق (3يو: 4) طاعةً لصوت الرب «اجروا حقّاً
وعدلاً» (حز 45: 29؛ إر 22: 3)؟
+ الالتزام بوصية الله التي هي حق
وعدل، فهي تهب الإنسان الهداية ووضوح الرؤية وعدم الزلل لأنها نور السبيل (مز 119:
105) والقلب. وروح الله (روح الحق) يهب المؤمن أن ينحاز لوصية الله ويحفظه من
عصيانها، ففي ذلك افتقاد النور والدخول في الظلام وضياع الطريق «ولا يعلم إلى أين
يذهب» (يو 12: 35؛ 1يو 2: 11). وأُولى الوصايا وأعظمها محبة
الله من كل القلب وكل النفس وكل القدرة وكل الفكر، ومحبة القريب كالنفس (لا 19: 18؛ تث 6: 5؛ مت 22: 37-39؛ مر 12: 29-31؛
لو 10: 27)، واعتبار أنَّ «محبة العالم عداوة لله» (يع 4: 4). والمؤمن الحقيقي مُمارِس المحبة «لا يفرح بالإثم
بل يفرح بالحق» (1كو 13: 6) وسيادته وانتصاره.
+ أن يصير الحق هو الشاهد والفيصل
والقاعدة في التعامل مع الآخرين، والإذعان له أي إلزام النفس به قبل
الغير. ونحن هنا نحتاج إلى قوة الله ونعمته كي تُجرِّد المؤمن من الانحياز لنفسه
ومجاملتها على حساب الحق، وإعطاء كل ذي حق حقه حتى مع خسارته هو، وإنصاف الضعفاء
والمظلومين والمرؤوسين، والتأسُّف والاعتذار إن كان مخطئاً، وأن يغفر ويُسامح عند
خطأ الآخر. على أنه ليس مُجبراً على التنازل عن حقِّه إذا كان الآخر متعسِّفاً
متجبِّراً وظالماً، فهذا يستحق أن يؤدَّب ليعود إلى جادة الصواب. فالقانون هو أيضاً
من الحق، وجُعل في المجتمعات لكي ينال الناس حقوقهم لا أن تُغتصب بواسطة الآخرين
الأقوياء، وهؤلاء سيطالهم العقاب من أجل تقويمهم.
والرب أشار إلى القانون والعقاب كوسيلة في العالم لضمان الحقوق:
«كُن مُراضياً لخصمك سريعاً ما دمت معه في الطريق
(تنشدان حلاًّ ودياً)، لئلا يُسلِّمك الخصم إلى القاضي،
ويُسلِّمك القاضي إلى الشرطي، فتُلقى في السجن. الحق أقول لك: لا تخرج من هناك حتى
توفِي الفلس الأخير» (مت 5: 26،25).
+ أن يحكم الحق حركة الحواس،
ونشاط الفكر والانفعالات. وبمعونة النعمة ينضبط اللسان (يع 3: 2)،
وتُقتَنَى العين البسيطة (مت 6: 22)، ويُرفض الشر والنميمة، ويُحتوَى الغضب (وليس
الغيرة على الحق) (يع 1: 20،19)، ويُخضع الفكر لحراسة الروح (1كو 2: 16)، وبالتوبة
تتم تنقيته أولاً بأول مما يتسلل إليه من العالم المتربِّص بنا.
+ رفض الغيرة الذاتية والتحزُّب،
فهما ضد الحق، والباب المؤدِّي للانقسام والخراب: «إن كان لكم غيرة مُرَّة وتحزُّب في قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على
الحق... لأنه حيث الغيرة والتحزُّب هناك التشويش (فقدان السلام)
وكل أمر رديء» (يع 3: 16،14).
الانصياع للحق وطاعته هو إذاً علامة ساطعة عن صحوة روحية ونصرة
داخلية، وتجاوزه يكشف عن حياة تتخبط في الظلام. ولهؤلاء الذين يتهربون من الإذعان
للحق يأتيهم صوت الإنقاذ: «اذكر من أين سقطت وتُب، واعمل
الأعمال الأولى» (رؤ 2: 5). فبالتوبة يعودون إلى طريق الحق والتمتُّع من
جديد بالحياة في النور.
************************************************************
الصلاة هي ضياء النفس
[ + الفضيلة العُظمى هي الصلاة، وهي الحديث الودِّي مع الله. هي
علاقة بالله واتحاد معه. وكما أنَّ عيني الجسد تستضيء عند رؤية النور؛ كذلك النفس
تنعطف نحو الله، وتستنير بنوره الذي لا يُعبَّر عنه.
+ الصلاة ليست فعلاً صادراً عن وضعٍ خارجي، بل هي تصدر من القلب.
هي لا تنحصر في ساعاتٍ أو لحظاتٍ محدَّدة، وإنما هي في حركة دائبة في الليل كما في
النهار.
+ لا ينبغي أن نكتفي بتوجيه الفكر نحو الله في أوقات الصلاة فقط،
ولكن حتى عندما نكون منشغلين في أعمالٍ أخرى - كالعناية بالفقراء، أو الاهتمام بأي
عملٍ صالح ونافع - من الأهمية بمكان أن نمزج بكل عمل نؤدِّيه الاشتياق إلى الله
والتذكُّر الدائم له، حتى بهذا نُقدِّم لربِّ الكون طعاماً حلواً متبَّلاً بملح
محبة الله.
+ الصلاة هي ضياء النفس. هي معرفة الله الحقيقية. هي الوسيط بين
الله والناس... بواسطتها ترتفع النفس إلى السماء وتُعانق الرب بقبلات لا يُعبَّر
عنها. وكالرضيع نحو أُمِّه، هكذا تصرخ النفس نحو الله باكية، متعطِّشة للَّبن
الإلهي. إنها تُعبِّر عن أشواقها الحارة، فتتقبَّل عطايا فائقة أسمى من كل طبيعة
منظورة. الصلاة التي بواسطتها نمثُل بوقارٍ أمام الله، هي فرحة القلب وراحة
النفس.
+ الصلاة تقود النفس إلى الينبوع السماوي، ومن هذا الشراب تفيض
عليها ويفيض منها ينبوع ماء ينبع إلى حياةٍ أبدية (يو 4: 14). إنها تُعطي وعداً
صريحاً بالخيرات العتيدة، وبالإيمان تُعرِّفنا جيداً ما هي حقيقة الخيرات
الحاضرة...
+ لا تظن أن الصلاة تقتصر على كلماتٍ؛ إنها انجذاب نحو الله، إنها
حُبٌّ لا يُعبَّر عنه غير صادر من البشر، حسب قول الرسول الطوباوي: «لأننا لسنا
نعلم ما نُصلِّي لأجله كما ينبغي، ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنَّاتٍ لا يُنطق
بها» (رو 8: 26)].
[القديس يوحنا ذهبي
الفم بطريرك القسطنطينية (347-407م) - عن: ”عظة على الصلاة“]
************************************************************
](1) «وكل عُشر الأرض من حبوب الأرض والثمار والشجر
فهو للرب. قدسٌ للرب... وأما... البقر والغنم... يكون العاشر قُدساً للرب» (لا 27:
32،30)، «تعشيراً تُعشِّر كل محصول زرعك الذي يخرج من الحقل، سنة بسنة... عُشر
حنطتك وخمرك وزيتك وأبكار بقرك وغنمك. في آخر ثلاث سنين تُخرج كل عُشر محصولك في
تلك السنة وتضعه في أبوابك، فيأتي اللاوي والغريب واليتيم والأرملة الذين في أبوابك
ويأكلون ويشبعون، لكي يُباركك إلهك في كل عمل يديك الذي تعمل» (تث 14: 23،22،
29،28).
[=](2) يذكرها إنجيل القديس لوقا هكذا: «وتتجاوزون عن
الحق ومحبة الله» (لو 11: 42). ويذكرها قطمارس الكنيسة المتُرجم عن القبطية: «الحكم
والرحمة والإيمان». [/]
3) الرب يستعيد بصورةٍ ما ما سجَّله الوحي على لسان
ميخا النبي قبل ميلاد المسيح بما يقرب من ثمانية قرون: «بـِمَ أتقدَّم إلى الرب
وأنحني للإله العلي. هل أتقدَّم بمحرقات بعجول... هل يُسرُّ الرب بألوف الكباش...
قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب، إلاَّ أن تصنع الحق
وتُحِب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك» (ميخا 6: 6-8).
[=9](4) الرب لا يشير بالطبع إلى أن الوصايا ثقيلة في
ذاتها، فهو على العكس يقول إن: «نيري هيِّن وحِملي خفيف» (مت 11: 30). ويؤكِّد
القديس يوحنا في رسالته الأولى أنَّ «وصاياه ليست ثقيلة» (1يو 5: 3)، ذلك أن المؤمن
لا يحفظ الوصية بمفرده («لأنه لا يستطيع» - يو 15: 5)؛ وإنما بالمسيح الذي يحيا فيه
(غل 2: 20)، وبالروح القدس الساكن فيه (2تي 1: 14)، فلا تصير هناك صعوبة في
تنفيذها. أما ما هو ثقيل بالفعل، فهو هموم وأحمال الحياة الجسدية التي دعانا الرب
أن نأتي بها إليه كي يحملها عنا فنرتاح (إش 53: 4؛ مت 11: 28). [/size]
[](5) وبنفس القياس يقول القديس يعقوب إنَّ مَن عثر في
إحدى الوصايا (العشر) يصير مُجرماً في الكل ومتعدِّياً على كل الناموس (يع 2:
11،10). فإذا كان إتمام وصية يشير إلى السير في الطريق الصحيح لإتمام سائر الوصايا،
فإنَّ التعثُّر في وصية كبرى يشير إلى انتكاسة روحية وانحراف عن الطريق والحاجة إلى
التوبة. والمستوى الروحي لا يُقاس بحصيلة جمع الحسنات والسيئات، فالنور والظلمة لا
يجتمعان، وأية خطية تلوِّث الكيان كله ولابد أن تُستبعد. وكما يُنبِّه القديس بولس:
«أنَّ خميرة صغيرة تُخمِّر العجين كله. إذاً نقُّوا منكم الخميرة العتيقة لكي
تكونوا عجيناً جديداً» (1كو 5: 7،6). وهذا ينطبق على الفرد كما ينطبق على الجماعة
الكنسية. [/]
[/]
[]نقلا عن مجلة مرقس
[/size]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى