مريم أم الله : قراءة كتابية + الأب منير سقال
الجمعة سبتمبر 10, 2010 11:56 am
مريم أم الله : قراءة كتابية الأب منير سقال
مقدمة: سموّ مقام مريم وجمالها
إن مقام مريم وجمالها يفوقان كل وصف" لا يستطيع أحد أن يضاهي مريم إذ لا أحد أكبر منها ما خلا الله الذي لا أكبر منه " ( مار انسلموس) . وسبق داود الملك وتنبأ عن البتول الممتلئة جمالاً وقال : قامت ابنة الملك بالمجد والقداسة واشتهى الملك حسنك فنزل وحلّ في حشاك ( مز 45).
مريم فتاة بتول مختارة, أم بلا عيب, حمامة بيضاء كالثلج معصومة من الخطيئة الأصلية .عاشت على الأرض زنبقة فواحة نضرة نقية طاهرة غير مدنّسة. جمال مريم فريد, وإزاء هذا الجمال تتحيّر العقول وينذهل الفكر, ويبقى الإنسان متحيّراً فيلتجئ إلى ابن الله ليعطيه نطقاً ويغني كنارته من موهبته حتى يرسم لوالدته صورة في غاية الحسن...
وإذ ينذهل العقل البشري من جمال مريم يتساءل من هي هذه العذراء الواقفة بين أجيال العالم تمنع الظلام أن يخيّم على أرجائه ؟ هي مريم المرسوم النهار على محيّاها والتي عندما تتكلم تشرق الشمس من شفتيها. اننا نمدح مريم مدحاً عظيماً اذا قلنا: كفى أن نقول عنك أيتها العذراء الطوباوية إنك أم سيدنا يسوع المسيح.[/td][/tr]
[tr]
1 - اختيار مريم أماً لله : [/td][/tr]
[tr]
أختار الله مريم من قبل انشاء العالم ليحقق مخطط الخلاص الذي قررته عنايته . انتخبها الآب منذ البدء ابنة له ، واختارها الأبن أماً له ، واصطفاها الروح القدس عروسة له ، ولذا كانت مباركة منذ بدء حياتها . وعصمها الله من الخطيئة الأصلية منذ أن حُبل بها . مريم ، اصطفاها المسيح ابن الله من بين كل أجيال الخليقة واتخذ له منها جسداً وظهر على الأرض مثل انسان متألم، هو الله. أمام هذا الإختيار يهتف الانسان : فليُغبّط مريم من له فم ولسان ونطق فهي تستحق الغبطة. سعداً لك يا بنت الأبرار ، يا أم الله لقد نلت رحمة ووجدت حظوة وحملت الله فعظّم ذكرك في السماء وعلى الأرض .فمن يستطيع أن يمجّد بتوليتك أيتها البتول الطاهرة المجيدة والدة الإله الأم غير المتزوجة الممتلئة محاسن أم النور. إنك أنت وحدك والدة الله يا مريم التي صارت بمحاسنها أم سيد الملوك .وفي هذا الصدد جاءت طلبة لمار يعقوب: " أقول وأنا مندهش اندهاشاً من المقام السامي الذي ارتفعت اليه مريم بنت الأرضيين. فهل النعمة هي التي استمالت اليها الابن أم هل هي حسنت لأن تكون أم ابن الله؟"
اختار الله الآب مريم لتواضعها كي تكون أماً لوحيده المخلص الموعود به ، فكتب رسالة سلام لم يسجّلها قلم ولم يخطّها مداد بعث بها مع الملاك الى مريم : "يا ممتلئة نعمة ، لا تخافي ، أراد الرب أن تكوني أماً لوحيده وهوذا منذ الآن تحبلين حبلاً ملؤه العجيب و تلدين ولداً هو بكر الآب ولا انقضاء لملكه . إن الروح القدس يأتي اليك وقوة العلي تحلّ وتستقرّ بك فتلدين ولداً عجيباً يخلص البرايا بمولده ". وفي هذا تتوجه الكنيسة فرحة وهي تقول : يا أم الله ، انذهل جبرائيل ببتوليتك فكتف يديه وخرّ ساجداً لك و سلّم عليك ، فلقد تبيّن له أن سيده حالّ بك وانت مثل المركبة تحملين حامل البرايا " الحمامة الوديعة التي تحمل النسر الجبار " لقد اصبحت مقصورة مزيّنة دخلها الله وحلّ بك فصرت أم ربنا .
والكنيسة السريانية في صلوات " الأشحيم " تغدق بغزارة على العذراء أوصافا كثيرة فتصفها : بسماء تألقت فيها شمس البرارة ، منديل اللاهوت ، سماء ثانية حملت ابن الله، سفينة مزينة حلّ بها التاجر ، حصن منيع اقتبلت مهندس العلي وحملته وولدته وهي محافظة على طهارتها وبتوليتها "...سبحان الآب القدوس الذي أرسل ابنه القدوس، فهبط وحلّ بالحشا النقي المقدس ، وصار منا ومثلنا كي نصير مثله ، صار بإرادته انساناً ليصيّرنا أبناء أبيه وشركاء الروح القدس " .[/td][/tr]
[tr]
2 - مريم البتول والدة الله الكلمة - الفادي :[/td][/tr]
[tr]
لما شاء ربنا أن تصير الأمة أماً له ، تحرك كلمة الآب وهبط من مساكنه العلوية وحلّ بالعذراء، فحبلت به وولدته . فكل الرموز الغامضة بطلت بالحق الذي اشرق : "طوباك يا مريم بنت داود التي استحقيت أن تكوني أماً لله وقد تجسد منك . إنك فخر المعمورة يا والدة الله. فمحروم كل من لا يصدق أن مريم ولدت الله ميلاداً عجيباً دون زرع بشري، وكافر كل من لا يعترف انه هو الله وابن الله . ولده الآب منذ الأزل وفي آخر الأزمنة أشرق من مريم، فالمولود من الآب ومن مريم هو واحد ومسجود له" .
ولدت العذراء الله الكلمة ، دخلها إلهاً وخرج منها إلهاً وإنساناً ، فهي والدة الله . ويقول مار أفرام الشاعر المريمي الأول : " تصرخ عظامي من القبر ان مريم ولدت الله واذا خامرني ريب فليرذلني الحق وإن وجد في لساني تبديل فليُرمَ بي في جهنم مع يهوذا " .وفي الصلوات الفرضية تسأل الكنيسة مريم قائلة لها: "ماذا أسميك يا بنت داود، لا أعلم ، وبأي اسم أكنيك ، لا أدري . أأسميك بتولاً وهنالك ابن يرضع منك . أأسميك أماً وأنت بكارتك ثابتة . اني أدعوك إذاً والدة الله " وتوجه مريم الكلام الى ابنها فتقول: "بني ، لا أدري ماذا أسميك . أأسميك طفلاً وأنت أقدم من الدهور . أأسميك شيخاً وأنت وليد . اني سأسميك ضياء أضاء من الآب وجاء فأنار البرايا كلها . فالطوبى لي لأني ولدت من يسجد له ملوك الارض, وأربّي من بإشارته يدبّر الأقطار والأقاصي". وقد دُعي يسوع المسيح ابن الله وابن مريم بألقاب كثيرة في صلوات الفرض السريانية وأهمها : النسر القديم الأيام, الولد العجيب , عمانوئيل الله , الجبار الذي يزن الجبال ... ولكي تعبّر مريم عما في نفسها من مشاعر الشكر لله على أنه اختارها أماً لابنه قالت للعذارى رفيقاتها : " كبير هو فرحي وسروري لأني أحمل حامل البرايا ذلك الذي تخدمه الملائكة والمتيقظون وأناغي ذلك الذي علّم البشر النشيد : قدوس قدوس قدوس الرب " .[/td][/tr]
[tr]
3 - الأم والطفل الرضيع :[/td][/tr]
[tr]
بعد أن ولدت مريم العذراء الإله الذي صار طفلاً من أجلنا ، وضعته في مذود وأخذت تناغيه في المغارة وتقول له: "طوبى لي يا بنيّ لأني صرت أمك ، أنت قوّيتني فحملتك ...إن اللهيب يحفّ بالمذود الصغير ويرفرف الساروفيم ذو الستة الأجنحة فوقه فمرهم أن يرفعوا أجنحتهم لأدخل وأخرّ أمامك وأسجد لك وأرضعك حليباً صافياً يدرّ بإرادتك ". طوباك يا أم الله لأنك ضممت بذراعيك وعانقت وأحتضنت طفلاً هو الأقدم من الدهور . وان الذي يعطي الجائعين خبزا ًرضع الحليب كطفل، والابن الذي لا بداية له شاء وصار له بداية وأتى للولادة وليس له نهاية. والذي يوفّر الفيض في السحاب ويسكب الرذاذ على الأرض رضع قطرات الحليب من ثديي البتول مريم وملأ والدته عجباً وهي تحمله ... طوباك لأنك حملت جبار العالمين وحامل الأرض بإشارته الخفية وهو طفل وقبّلته وأحببته ، طوباك لأنك وضعت فمك الطاهر على شفتي ذلك الذي يحجب بحضرته الساروفيم وجوههم ... طوباك لأنك بحليبك الصافي ربّيت الطفل الذي هو كالثدي الذي ترضع منه العوالم حياة ونورا ".[/td][/tr]
[tr]
4 - المواضيع الكتابية المريمية :[/td][/tr]
[tr]
إن عدنا إلى رسالة أم الفادي ، وعدنا إلى المجمع الفاتيكاني الثاني وبالأخص في الفصل الثامن من الدستور العقائدي في الكنيسة ، وعنوانه : الطوباوية مريم أم الله في سر المسيح والكنيسة، لنكتشف المواضع الكتابية التي تشدد عليها الكنيسة عندما تحدثنا عن مريم العذراء.
قال بولس الرسول الى أهل غلاطية (4/4) : "فلما تم ملء الزمن أرسل الله ابنه مولوداً من أمرأة ... " من هذه الآية انطلق المجمع الفاتيكاني الثاني ليشدّد على أن يسوع كان إنساناً حقاً وأنه أقام بين البشر بواسطة امرأة فأتم وعد الله للانبياء . هذا يعني أن مريم تقبّلت ابنها وتقبّلت معه مواعيد الله.
بدأ تاريخ الخلاص منذ زمن بعيد، وتمّ يوم أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة . وحين قبلت مريم عطية الله أاتمت تاريخ الخلاص. وهكذا أدخل آباء المجمع مريم العذراء في تاريخ الخلاص ، وما أرادوا أن يتأملوها وحيدة فريدة وكأنها ليست من نسل البشر .هي جميلة ولا شك ، ولكنها ليست نبع الجمال. نبع الجمال هو الله. لعبت دوراً في سر الخلاص، ولكن المخلص الوحيد يسوع المسيح، وهي كانت خادمة سر الخلاص فوقفت قرب صليب ابنها على الجلجلة.
أ - ثلاث نبوءات تتكلم عن الأمومة في العهد القديم :
• سفر التكوين: "بنيك وبين المرأة أقيم عداوة وبين نسلك ونسلها فهو يترقب منك الرأس وأنت تترقبين منه العقب" (3/15) .
نتوقف هنا عند المرأة التي تلد، ونحاول أن نطبقها على مريم العذراء ، النبوءة هنا مواعيد تهيّىء الشعب لقبول عطايا الله. وبالعودة الى نص سفر التكوين نفهم أنه يمكن للمرأة أن تكون سبباً ومناسبة لسقوط البشر، ويمكنها أن تكون ينبوع خلاصهم. والخبر الذي نجده في الفصل الثالث يصور لنا الحالة التعيسة للعيلة الاولى ، وينقلنا حالاً الى وعد الخلاص يوم يقهر الشر بواسطة النسل. وكلمة نسل تدلّ على شخص فرد، وهذا الشخص يسحق الشر. ولكن الشر سيؤلمه حين يصيبه بجروح،حين يعضّه. أما المرأة فتمثل البشرية ،وواحد من نسل المرأة ، من البشرية سيخلص البشرية. أجل، إن الخلاص لا يأتي مباشرة من السماء بل يحتاج الى مشاركة البشر. والمخلص المنتظر يكون ابن البشرية وابن المرأة . وعندما يأتي ملء الزمن ،سنفهم أان المرأة شخص فرد. انها مريم التي تشارك ابنها في صراعه مع الشر , انها البشرية المخلَّصة تشارك مسيحها في عمل الخلاص. نسل المرأة يخلصنا , والمرأة تمثل البشرية الخاطئة. ولكن هذه البشرية تحمل بذار القداسة, ومن هذه البذار ينبت المخلص . وهنا تبدو مريم عظيمة لأنها تمثل البشرية العائشة في ضيق والمنتظرة ساعة الخلاص. مريم هي حواء الحقيقية وأم الاحياء لان ابنها يسوع هو حياة العالم.
• أشعيا : آية عمانوئيل : "ولكن السيد الرب نفسه يعطيكم هذه الآية : هاهي العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل " ( 7/14 ).
يحدثنا نص أشعيا عن ام عمانوئيل . ام عمانوئيل صبيّة . الصبية هي البقية الباقية التي تستطيع أن تعطي ثمراً , التي تستطيع أن تلد . هذه البقية هي خصبة , ووجود الولد سيجسّد حضور الله بيننا , انه عمانوئيل . وهذا الولد سيعرف أن يختار الخير ويرذل الشر ( عكس آدم ) عمانوئيل هذا سيكون خلاصاً للشعب الخاطىء. ونتساءل : من هي الصبية, وأين نجد المرأة المثالية التي تقف أمام الملكة ؟ إنها تلك التي تجسّد شعب الله.
هذه البقية أكانت صبية أم عذراء ستكون خصبة في شخص مريم العذراء التي ستكون بتولاً بكل معنى الكلمة فتلد يسوع المسيح , وتكون في الوقت ذاته أماً لأبناء عديدين .
• ميخا: " لكن يا بيت لحم افراته, صغرى مدن يهوذا, منك يخرج لي سيد على بني اسرائيل, يكون منذ القديم, منذ أيام الأزل. لذلك يترك الرب شعبه إلى حين تلد الوالدة , فيرجع الباقون من بني قومه" (5/2-3).
يحدثنا نص ميخا عن الوالدة التي تلد العشيرة والشعب ، والتي تمثّل الشعب الذي اختاره الرب .وهذا الشعب ، وهذه الوالدة ، سيلد يوماً ابن الله وستكون امراة واحدة هي العذراء مريم التي تلزم نفسها بدعوة الوالدة التي تجسّد شعب الله .
ب- موضوعان كتابيان يرمزان الى شعب الله ومساكين الرب :
• مريم ابنة صهيون:" سيأتي يوم يقال لأوراشليم : لا تخافي ... الرب إلهك معك ، وهو المخلص الجبار. يُسرّ بك ويفرح وبمحبته يحرسك، يرنم لك ابتهاجاً " (صفنيا 3/16-17 ).
مريم هي ابنةصهيون الحقيقية وفيها ترمز الكتب المقدسة الى شعب الله في ملامح امرأة.إن صورة المرأة تبرز بوضوح في ابنة صهيون والنصوص التي نقرأها في ميخا (4/10 ) "تلوّي يا ابنة صهيون وتوجعي كالتي تلد..." وزكريا(9/9) :"ابتهجي يا بنت صهيون، واهتفي يا بنت اورشليم ها ملكك يأتيك عادلاً مخلصاً وديعاً راكباً على حمار، على جحش ابن أتان". وعند غيرهم، توصلنا إلى نص القديس لوقا (1/26-38) الذي يحدثنا عن بشارة مريم العذراء.
كانت المدن تعتبر مثل امرأة ،لأن فيها أبناء عديدين، لأنها تجمع أبناءها وتنظمهم كما تفعل الأم في العائلة. فمن هي ابنة صهيون ؟ هي البقية التي عبرت في المحن تحمل رجاءً كبيراً ، لأنها وضعت أملها في خلاص الله. هي الذين يدعون بإيمان اسم الرب في الإيمان والرجاء المسيحاني؛ وصارت البقية عدداً قليلاً، وتركزت أخيراً في شخص مريم العذراء التي استحقت لقب ابنة صهيون بالإيمان. انها ابنة صهيون الحقيقية حين يتم الزمان ويرسل الله الخلاص لشعبه عبر ابنه الوحيد.
لماذا نشدد على موضوع ابنة صهيون؟ بسبب التقارب بين هذا الموضوع ومشهد بشارة مريم العذراء الذي دوّنه لوقا مرتكزاً على أقوال الأنبياء :[/td][/tr]
[tr]
medium none" width=257>
medium none">
افرحي يا ابنة صهيون
الرب ملك اسرائيل في وسطك
لا تخافي يا صهيون
في حشاك الرب الاله
افرحي يا ممتلئة نعمة
الرب معك
لا تخافي يا مريم
ستحبلين وتلدين ابناً اسمه يسوع [/center]
[/td][/tr]
[tr]
أجل ان العذراء تنتظر مجيء الرب في حشاها كما انتظر الشعب مجيء الرب في وسطه . هنا يلتقي الرب وشعبه في جو من الفرح يدوم الى الأبد. ذاك هو الفرح المسيحاني ، لأن الله حاضر بيننا، ولأن حضوره يكمّل عطاياه. في هذا الفرح المسيحاني يمتزج صوت مريم بصوت شعب العهد القديم، بصوت الكنيسة الأولى: "تعظم نفسي الرب ، وتبتهج روحي بالله مخلصي " (لو 1/46-47 ) .
• مريم ومساكين الرب: تحتل مريم مركز الصدارة بين مساكين الرب الذين يطوبهم يسوع، فهو يبدأ خطابه الإفتتاحي بتطويب المساكين (متى 5/3 ولو 6/20 ) وكأنه يرى فيهم الورثة المفضّلين للملكوت الذي جاء يبشربه . وكما رنّمت مريم العذراء أمة الله المتواضعة (لو 1/46-55) فقد أتت الساعة التي تتحقق فيها المواعيد القديمة : "سيأكل البائسون ويشبعون " (مز 22/27 ) ، ويدعى المساكين لوليمة الله. وجاء المسيح ليبشر المساكين: "روح السيد الرب عليّ ، لأن الرب مسحني له. أرسلني لأبشّر المساكين " (اش 61/1). بهذه الروح، روح مساكين الرب، ترتبط بتولية مريم التي كانت استعداداً تاماً وتقبلاً لإرادة الله يوم قالت: "ها أنا خادمة للرب فليكن لي حسب قولك".
ج- شعب الله والمرأة الملتحفة بالشمس :
نقرأ في أشعيا (66/7-14) : "قبل أن تتمخض ولدت ، وقبل أن يأخذها الطلق ولدت ذكراً. من سمع بمثل هذا الأمر؟ من رأى شبيها له؟ أتولد أرض في يوم واحد، أم تخرج أمة في لحظة ..."
هذا النص يوصلنا الى انجيل يوحنا الذي يشدّد على مريم كأم لجماعة من الأخوة . هذاالنص يماثل بين الشعب والأرض . مريم العذراء بعد أن ولدت يسوع لا تحتاج أن تلد بل هي ستتقبل من الله الأولاد العديدين. وهكذا تصير لا أم يسوع بل أم الآخرين .
سيعطي يسوع المرأة مريم أولاداً في شخص التلميذ الحبيب اليه . وهكذا ترتبط المرأة مريم بالأمومة وبالساعة. حينذاك تتقبل مريم أولاداً لم تلدهم ، وتلد الكنيسة (بالعماد ) شعباً من المخلصين.
ما قرأناه هنا في أشعيا نرى صورة عنه في سفر الرؤيا (12) " ثم ظهرت آية نبية في السماء : امرأة ملتحفة بالشمس والقمر تحت قدميها ... حبلى تصرخ من ألم المخاض ... وضعت ولداً ذكراً ...ورفع الولد الى حضرة الله، الى عرشه ..." انه كما ولد المسيح شعباً على الصليب ، كذلك ولدت المرأة بالألم ذلك الذي سيكون المسيح، وولدت معه أخوة كثيرين . يشرك يسوع شعبه في عمله ويجعله يمر عبر الصليب . هذا الشعب تمثله امرأة تبدو وكأنها شخص فرد – مريم. هذا الشعب يجتمع كما في عائلة حول أمه – مريم.[/td][/tr]
[tr]
5 - الرموز والألقاب والتشابيه : [/td][/tr]
[tr]
على لسان الأنبياء والآباء جاءت رموز وألقاب وتشابيه عن والدة الله القديسة مريم الام البتول التي ولدت رب الملوك وتمت فيها الرموز والتشابيه والألقاب. وهذه أهمها:
1- مريم هي ينبوع الحياة – حواء الجديدة ، ومعين الخلاص.
2- هي السلم التي رآها يعقوب البار في البرية في حاران بحلمه" سلماً مصعداً الى السماء " (تك 28/11-17.
3- الحقل المبارك الذي أنبت لنا سنبل الأفراح – المسيح خبز الحياة.
4- المركبة التي رآها في عين النبوءة حزقيال (حز 1/4-27 ).
5- العليقة التي رآها موسى على جبل سينا (خر 3/2)، عليقة تشتعل ولا تحترق، صورة لمريم البتول التي حل في حشاها الله فلم تحترق من ناره.
6- السماء الثانية التي حملت ابن الله – الكلمة (رؤ 21/1)
7- سفينة الحياة التي صار المسيح ملاّحها ، أقلّت السعادة والكنوز من بيت الرب وأفرغتها في ارضنا الفقيرة. هي سفينة نوح.
8- الباب المغلق (خر 44/1-5 ) الذي لم يفتح إلاّ للرب وحده ولم يدخله غير ربنا الذي تواضع الى هذا الحد لكي يعيد آدم الى ميراثه .
9- الغيم السريع الذي يركبه الرب فيضطرب من وجهه الشيطان والعالم والخطيئة (اش 19/1 )
10- تابوت العهد الذي يحمل خبز السماء بدل المن والمخلص وواهب الحياة بدل عصا هارون التي أورقت (خر 27/1 تث 10/3 يو 6/49-51 ) .
11- عصا هارون (عدد 3/16 ) التي طريت وأورقت بالسر .
12- جزّة جدعون والندى الساقط عليها (قضاة 6/37-38 )
13- الجرة الجديدة التي صوّرها اليشاع ، فان اليشاع كسر الأعداء بكسر الجرار ومريم بموت ابنها كان النصر لأبنائها على الشيطان والخطيئة.
14- الصخرة التي نبعت منها الأنهار في الصحراء (خر 17/5-6 ) ومن هذه الصخرة الروحية يشرب المؤمنون نعم الله .
15- وهي أيضا : كرسي الحكمة ، بيت الذهب، برج داود، برج العاج، العروس الجليلة، الطالعة من البرية، المشرقة كالصبح، الجميلة كالقمر، البهية كالشمس، مقصورة الملك، مسكن الله ...
ولقد شبه الآباء العذراء ونسيبتها اليصابات بجفنتين مغروستين في كرم الرب. فالخليقة تتنعم بخمر عناقيدهما. الجفنتان هما مريم واليصابات والعنقودان هما المسيح ويوحنا ، العريس (يسوع ) والأشبين (يوحنا ). [/td][/tr]
[tr]
medium none" height=45 background=images/645p.gif]
[tr]
هذا هو وجه مريم في النصوص الكتابية ، في الرموز والآيات والتشابيه . ليست مريم خارج شعب الله بل وسط شعب الله.
هي المنعم عليها مثل جميع المؤمنين (أف 1/6 ) ولكن النعم التي حصلت عليها فاقت كل تصور "ممتلئة نعمة" سيكون لها ملء نعم الله ومواهب الروح .
ونختم بهذه الصلاة المريمية القديمة جداً ومن أصل سرياني ، وضعها مار رابولا في ابتهالاته بالقرن الخامس، التي يتلوها المؤمنون وخاصة في المحن، صلاة تحت ذيل حمايتك "استرينا يا والدة الله تحت أكناف شفاعتك من كل الآفات. فأنت ملاذنا ورجاؤنا الوطيد وانتعاش جميعنا، أخمدي وأزيلي عنا نيران الخصوم الذين يعادوننا من جراء شرنا."[/td][/tr]
[tr]
افرحي يا أرضاً غير مزروعة
افرحي يا عليقة غير محترقة
افرحي يا عمقاً يعسر النظر اليه
افرحي يا جسراً ناقلاً الى السماء
افرحي يا سلماً مصعداً الى العلاء وقد شاهده يعقوب
افرحي يا جرة المن الإلهية
افرحي يا مزيلة اللعنة
افرحي يا معيدة آدم الى وراثته ، الرب معك. [/center]
[/td][/tr]
مقدمة: سموّ مقام مريم وجمالها
إن مقام مريم وجمالها يفوقان كل وصف" لا يستطيع أحد أن يضاهي مريم إذ لا أحد أكبر منها ما خلا الله الذي لا أكبر منه " ( مار انسلموس) . وسبق داود الملك وتنبأ عن البتول الممتلئة جمالاً وقال : قامت ابنة الملك بالمجد والقداسة واشتهى الملك حسنك فنزل وحلّ في حشاك ( مز 45).
مريم فتاة بتول مختارة, أم بلا عيب, حمامة بيضاء كالثلج معصومة من الخطيئة الأصلية .عاشت على الأرض زنبقة فواحة نضرة نقية طاهرة غير مدنّسة. جمال مريم فريد, وإزاء هذا الجمال تتحيّر العقول وينذهل الفكر, ويبقى الإنسان متحيّراً فيلتجئ إلى ابن الله ليعطيه نطقاً ويغني كنارته من موهبته حتى يرسم لوالدته صورة في غاية الحسن...
وإذ ينذهل العقل البشري من جمال مريم يتساءل من هي هذه العذراء الواقفة بين أجيال العالم تمنع الظلام أن يخيّم على أرجائه ؟ هي مريم المرسوم النهار على محيّاها والتي عندما تتكلم تشرق الشمس من شفتيها. اننا نمدح مريم مدحاً عظيماً اذا قلنا: كفى أن نقول عنك أيتها العذراء الطوباوية إنك أم سيدنا يسوع المسيح.[/td][/tr]
[tr]
1 - اختيار مريم أماً لله : [/td][/tr]
[tr]
أختار الله مريم من قبل انشاء العالم ليحقق مخطط الخلاص الذي قررته عنايته . انتخبها الآب منذ البدء ابنة له ، واختارها الأبن أماً له ، واصطفاها الروح القدس عروسة له ، ولذا كانت مباركة منذ بدء حياتها . وعصمها الله من الخطيئة الأصلية منذ أن حُبل بها . مريم ، اصطفاها المسيح ابن الله من بين كل أجيال الخليقة واتخذ له منها جسداً وظهر على الأرض مثل انسان متألم، هو الله. أمام هذا الإختيار يهتف الانسان : فليُغبّط مريم من له فم ولسان ونطق فهي تستحق الغبطة. سعداً لك يا بنت الأبرار ، يا أم الله لقد نلت رحمة ووجدت حظوة وحملت الله فعظّم ذكرك في السماء وعلى الأرض .فمن يستطيع أن يمجّد بتوليتك أيتها البتول الطاهرة المجيدة والدة الإله الأم غير المتزوجة الممتلئة محاسن أم النور. إنك أنت وحدك والدة الله يا مريم التي صارت بمحاسنها أم سيد الملوك .وفي هذا الصدد جاءت طلبة لمار يعقوب: " أقول وأنا مندهش اندهاشاً من المقام السامي الذي ارتفعت اليه مريم بنت الأرضيين. فهل النعمة هي التي استمالت اليها الابن أم هل هي حسنت لأن تكون أم ابن الله؟"
اختار الله الآب مريم لتواضعها كي تكون أماً لوحيده المخلص الموعود به ، فكتب رسالة سلام لم يسجّلها قلم ولم يخطّها مداد بعث بها مع الملاك الى مريم : "يا ممتلئة نعمة ، لا تخافي ، أراد الرب أن تكوني أماً لوحيده وهوذا منذ الآن تحبلين حبلاً ملؤه العجيب و تلدين ولداً هو بكر الآب ولا انقضاء لملكه . إن الروح القدس يأتي اليك وقوة العلي تحلّ وتستقرّ بك فتلدين ولداً عجيباً يخلص البرايا بمولده ". وفي هذا تتوجه الكنيسة فرحة وهي تقول : يا أم الله ، انذهل جبرائيل ببتوليتك فكتف يديه وخرّ ساجداً لك و سلّم عليك ، فلقد تبيّن له أن سيده حالّ بك وانت مثل المركبة تحملين حامل البرايا " الحمامة الوديعة التي تحمل النسر الجبار " لقد اصبحت مقصورة مزيّنة دخلها الله وحلّ بك فصرت أم ربنا .
والكنيسة السريانية في صلوات " الأشحيم " تغدق بغزارة على العذراء أوصافا كثيرة فتصفها : بسماء تألقت فيها شمس البرارة ، منديل اللاهوت ، سماء ثانية حملت ابن الله، سفينة مزينة حلّ بها التاجر ، حصن منيع اقتبلت مهندس العلي وحملته وولدته وهي محافظة على طهارتها وبتوليتها "...سبحان الآب القدوس الذي أرسل ابنه القدوس، فهبط وحلّ بالحشا النقي المقدس ، وصار منا ومثلنا كي نصير مثله ، صار بإرادته انساناً ليصيّرنا أبناء أبيه وشركاء الروح القدس " .[/td][/tr]
[tr]
2 - مريم البتول والدة الله الكلمة - الفادي :[/td][/tr]
[tr]
لما شاء ربنا أن تصير الأمة أماً له ، تحرك كلمة الآب وهبط من مساكنه العلوية وحلّ بالعذراء، فحبلت به وولدته . فكل الرموز الغامضة بطلت بالحق الذي اشرق : "طوباك يا مريم بنت داود التي استحقيت أن تكوني أماً لله وقد تجسد منك . إنك فخر المعمورة يا والدة الله. فمحروم كل من لا يصدق أن مريم ولدت الله ميلاداً عجيباً دون زرع بشري، وكافر كل من لا يعترف انه هو الله وابن الله . ولده الآب منذ الأزل وفي آخر الأزمنة أشرق من مريم، فالمولود من الآب ومن مريم هو واحد ومسجود له" .
ولدت العذراء الله الكلمة ، دخلها إلهاً وخرج منها إلهاً وإنساناً ، فهي والدة الله . ويقول مار أفرام الشاعر المريمي الأول : " تصرخ عظامي من القبر ان مريم ولدت الله واذا خامرني ريب فليرذلني الحق وإن وجد في لساني تبديل فليُرمَ بي في جهنم مع يهوذا " .وفي الصلوات الفرضية تسأل الكنيسة مريم قائلة لها: "ماذا أسميك يا بنت داود، لا أعلم ، وبأي اسم أكنيك ، لا أدري . أأسميك بتولاً وهنالك ابن يرضع منك . أأسميك أماً وأنت بكارتك ثابتة . اني أدعوك إذاً والدة الله " وتوجه مريم الكلام الى ابنها فتقول: "بني ، لا أدري ماذا أسميك . أأسميك طفلاً وأنت أقدم من الدهور . أأسميك شيخاً وأنت وليد . اني سأسميك ضياء أضاء من الآب وجاء فأنار البرايا كلها . فالطوبى لي لأني ولدت من يسجد له ملوك الارض, وأربّي من بإشارته يدبّر الأقطار والأقاصي". وقد دُعي يسوع المسيح ابن الله وابن مريم بألقاب كثيرة في صلوات الفرض السريانية وأهمها : النسر القديم الأيام, الولد العجيب , عمانوئيل الله , الجبار الذي يزن الجبال ... ولكي تعبّر مريم عما في نفسها من مشاعر الشكر لله على أنه اختارها أماً لابنه قالت للعذارى رفيقاتها : " كبير هو فرحي وسروري لأني أحمل حامل البرايا ذلك الذي تخدمه الملائكة والمتيقظون وأناغي ذلك الذي علّم البشر النشيد : قدوس قدوس قدوس الرب " .[/td][/tr]
[tr]
3 - الأم والطفل الرضيع :[/td][/tr]
[tr]
بعد أن ولدت مريم العذراء الإله الذي صار طفلاً من أجلنا ، وضعته في مذود وأخذت تناغيه في المغارة وتقول له: "طوبى لي يا بنيّ لأني صرت أمك ، أنت قوّيتني فحملتك ...إن اللهيب يحفّ بالمذود الصغير ويرفرف الساروفيم ذو الستة الأجنحة فوقه فمرهم أن يرفعوا أجنحتهم لأدخل وأخرّ أمامك وأسجد لك وأرضعك حليباً صافياً يدرّ بإرادتك ". طوباك يا أم الله لأنك ضممت بذراعيك وعانقت وأحتضنت طفلاً هو الأقدم من الدهور . وان الذي يعطي الجائعين خبزا ًرضع الحليب كطفل، والابن الذي لا بداية له شاء وصار له بداية وأتى للولادة وليس له نهاية. والذي يوفّر الفيض في السحاب ويسكب الرذاذ على الأرض رضع قطرات الحليب من ثديي البتول مريم وملأ والدته عجباً وهي تحمله ... طوباك لأنك حملت جبار العالمين وحامل الأرض بإشارته الخفية وهو طفل وقبّلته وأحببته ، طوباك لأنك وضعت فمك الطاهر على شفتي ذلك الذي يحجب بحضرته الساروفيم وجوههم ... طوباك لأنك بحليبك الصافي ربّيت الطفل الذي هو كالثدي الذي ترضع منه العوالم حياة ونورا ".[/td][/tr]
[tr]
4 - المواضيع الكتابية المريمية :[/td][/tr]
[tr]
إن عدنا إلى رسالة أم الفادي ، وعدنا إلى المجمع الفاتيكاني الثاني وبالأخص في الفصل الثامن من الدستور العقائدي في الكنيسة ، وعنوانه : الطوباوية مريم أم الله في سر المسيح والكنيسة، لنكتشف المواضع الكتابية التي تشدد عليها الكنيسة عندما تحدثنا عن مريم العذراء.
قال بولس الرسول الى أهل غلاطية (4/4) : "فلما تم ملء الزمن أرسل الله ابنه مولوداً من أمرأة ... " من هذه الآية انطلق المجمع الفاتيكاني الثاني ليشدّد على أن يسوع كان إنساناً حقاً وأنه أقام بين البشر بواسطة امرأة فأتم وعد الله للانبياء . هذا يعني أن مريم تقبّلت ابنها وتقبّلت معه مواعيد الله.
بدأ تاريخ الخلاص منذ زمن بعيد، وتمّ يوم أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة . وحين قبلت مريم عطية الله أاتمت تاريخ الخلاص. وهكذا أدخل آباء المجمع مريم العذراء في تاريخ الخلاص ، وما أرادوا أن يتأملوها وحيدة فريدة وكأنها ليست من نسل البشر .هي جميلة ولا شك ، ولكنها ليست نبع الجمال. نبع الجمال هو الله. لعبت دوراً في سر الخلاص، ولكن المخلص الوحيد يسوع المسيح، وهي كانت خادمة سر الخلاص فوقفت قرب صليب ابنها على الجلجلة.
أ - ثلاث نبوءات تتكلم عن الأمومة في العهد القديم :
• سفر التكوين: "بنيك وبين المرأة أقيم عداوة وبين نسلك ونسلها فهو يترقب منك الرأس وأنت تترقبين منه العقب" (3/15) .
نتوقف هنا عند المرأة التي تلد، ونحاول أن نطبقها على مريم العذراء ، النبوءة هنا مواعيد تهيّىء الشعب لقبول عطايا الله. وبالعودة الى نص سفر التكوين نفهم أنه يمكن للمرأة أن تكون سبباً ومناسبة لسقوط البشر، ويمكنها أن تكون ينبوع خلاصهم. والخبر الذي نجده في الفصل الثالث يصور لنا الحالة التعيسة للعيلة الاولى ، وينقلنا حالاً الى وعد الخلاص يوم يقهر الشر بواسطة النسل. وكلمة نسل تدلّ على شخص فرد، وهذا الشخص يسحق الشر. ولكن الشر سيؤلمه حين يصيبه بجروح،حين يعضّه. أما المرأة فتمثل البشرية ،وواحد من نسل المرأة ، من البشرية سيخلص البشرية. أجل، إن الخلاص لا يأتي مباشرة من السماء بل يحتاج الى مشاركة البشر. والمخلص المنتظر يكون ابن البشرية وابن المرأة . وعندما يأتي ملء الزمن ،سنفهم أان المرأة شخص فرد. انها مريم التي تشارك ابنها في صراعه مع الشر , انها البشرية المخلَّصة تشارك مسيحها في عمل الخلاص. نسل المرأة يخلصنا , والمرأة تمثل البشرية الخاطئة. ولكن هذه البشرية تحمل بذار القداسة, ومن هذه البذار ينبت المخلص . وهنا تبدو مريم عظيمة لأنها تمثل البشرية العائشة في ضيق والمنتظرة ساعة الخلاص. مريم هي حواء الحقيقية وأم الاحياء لان ابنها يسوع هو حياة العالم.
• أشعيا : آية عمانوئيل : "ولكن السيد الرب نفسه يعطيكم هذه الآية : هاهي العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل " ( 7/14 ).
يحدثنا نص أشعيا عن ام عمانوئيل . ام عمانوئيل صبيّة . الصبية هي البقية الباقية التي تستطيع أن تعطي ثمراً , التي تستطيع أن تلد . هذه البقية هي خصبة , ووجود الولد سيجسّد حضور الله بيننا , انه عمانوئيل . وهذا الولد سيعرف أن يختار الخير ويرذل الشر ( عكس آدم ) عمانوئيل هذا سيكون خلاصاً للشعب الخاطىء. ونتساءل : من هي الصبية, وأين نجد المرأة المثالية التي تقف أمام الملكة ؟ إنها تلك التي تجسّد شعب الله.
هذه البقية أكانت صبية أم عذراء ستكون خصبة في شخص مريم العذراء التي ستكون بتولاً بكل معنى الكلمة فتلد يسوع المسيح , وتكون في الوقت ذاته أماً لأبناء عديدين .
• ميخا: " لكن يا بيت لحم افراته, صغرى مدن يهوذا, منك يخرج لي سيد على بني اسرائيل, يكون منذ القديم, منذ أيام الأزل. لذلك يترك الرب شعبه إلى حين تلد الوالدة , فيرجع الباقون من بني قومه" (5/2-3).
يحدثنا نص ميخا عن الوالدة التي تلد العشيرة والشعب ، والتي تمثّل الشعب الذي اختاره الرب .وهذا الشعب ، وهذه الوالدة ، سيلد يوماً ابن الله وستكون امراة واحدة هي العذراء مريم التي تلزم نفسها بدعوة الوالدة التي تجسّد شعب الله .
ب- موضوعان كتابيان يرمزان الى شعب الله ومساكين الرب :
• مريم ابنة صهيون:" سيأتي يوم يقال لأوراشليم : لا تخافي ... الرب إلهك معك ، وهو المخلص الجبار. يُسرّ بك ويفرح وبمحبته يحرسك، يرنم لك ابتهاجاً " (صفنيا 3/16-17 ).
مريم هي ابنةصهيون الحقيقية وفيها ترمز الكتب المقدسة الى شعب الله في ملامح امرأة.إن صورة المرأة تبرز بوضوح في ابنة صهيون والنصوص التي نقرأها في ميخا (4/10 ) "تلوّي يا ابنة صهيون وتوجعي كالتي تلد..." وزكريا(9/9) :"ابتهجي يا بنت صهيون، واهتفي يا بنت اورشليم ها ملكك يأتيك عادلاً مخلصاً وديعاً راكباً على حمار، على جحش ابن أتان". وعند غيرهم، توصلنا إلى نص القديس لوقا (1/26-38) الذي يحدثنا عن بشارة مريم العذراء.
كانت المدن تعتبر مثل امرأة ،لأن فيها أبناء عديدين، لأنها تجمع أبناءها وتنظمهم كما تفعل الأم في العائلة. فمن هي ابنة صهيون ؟ هي البقية التي عبرت في المحن تحمل رجاءً كبيراً ، لأنها وضعت أملها في خلاص الله. هي الذين يدعون بإيمان اسم الرب في الإيمان والرجاء المسيحاني؛ وصارت البقية عدداً قليلاً، وتركزت أخيراً في شخص مريم العذراء التي استحقت لقب ابنة صهيون بالإيمان. انها ابنة صهيون الحقيقية حين يتم الزمان ويرسل الله الخلاص لشعبه عبر ابنه الوحيد.
لماذا نشدد على موضوع ابنة صهيون؟ بسبب التقارب بين هذا الموضوع ومشهد بشارة مريم العذراء الذي دوّنه لوقا مرتكزاً على أقوال الأنبياء :[/td][/tr]
[tr]
medium none" width=257>
صفنيا 3/14-17
medium none">
لو 1/26-38
افرحي يا ابنة صهيون
الرب ملك اسرائيل في وسطك
لا تخافي يا صهيون
في حشاك الرب الاله
افرحي يا ممتلئة نعمة
الرب معك
لا تخافي يا مريم
ستحبلين وتلدين ابناً اسمه يسوع
[/td][/tr]
[tr]
أجل ان العذراء تنتظر مجيء الرب في حشاها كما انتظر الشعب مجيء الرب في وسطه . هنا يلتقي الرب وشعبه في جو من الفرح يدوم الى الأبد. ذاك هو الفرح المسيحاني ، لأن الله حاضر بيننا، ولأن حضوره يكمّل عطاياه. في هذا الفرح المسيحاني يمتزج صوت مريم بصوت شعب العهد القديم، بصوت الكنيسة الأولى: "تعظم نفسي الرب ، وتبتهج روحي بالله مخلصي " (لو 1/46-47 ) .
• مريم ومساكين الرب: تحتل مريم مركز الصدارة بين مساكين الرب الذين يطوبهم يسوع، فهو يبدأ خطابه الإفتتاحي بتطويب المساكين (متى 5/3 ولو 6/20 ) وكأنه يرى فيهم الورثة المفضّلين للملكوت الذي جاء يبشربه . وكما رنّمت مريم العذراء أمة الله المتواضعة (لو 1/46-55) فقد أتت الساعة التي تتحقق فيها المواعيد القديمة : "سيأكل البائسون ويشبعون " (مز 22/27 ) ، ويدعى المساكين لوليمة الله. وجاء المسيح ليبشر المساكين: "روح السيد الرب عليّ ، لأن الرب مسحني له. أرسلني لأبشّر المساكين " (اش 61/1). بهذه الروح، روح مساكين الرب، ترتبط بتولية مريم التي كانت استعداداً تاماً وتقبلاً لإرادة الله يوم قالت: "ها أنا خادمة للرب فليكن لي حسب قولك".
ج- شعب الله والمرأة الملتحفة بالشمس :
نقرأ في أشعيا (66/7-14) : "قبل أن تتمخض ولدت ، وقبل أن يأخذها الطلق ولدت ذكراً. من سمع بمثل هذا الأمر؟ من رأى شبيها له؟ أتولد أرض في يوم واحد، أم تخرج أمة في لحظة ..."
هذا النص يوصلنا الى انجيل يوحنا الذي يشدّد على مريم كأم لجماعة من الأخوة . هذاالنص يماثل بين الشعب والأرض . مريم العذراء بعد أن ولدت يسوع لا تحتاج أن تلد بل هي ستتقبل من الله الأولاد العديدين. وهكذا تصير لا أم يسوع بل أم الآخرين .
سيعطي يسوع المرأة مريم أولاداً في شخص التلميذ الحبيب اليه . وهكذا ترتبط المرأة مريم بالأمومة وبالساعة. حينذاك تتقبل مريم أولاداً لم تلدهم ، وتلد الكنيسة (بالعماد ) شعباً من المخلصين.
ما قرأناه هنا في أشعيا نرى صورة عنه في سفر الرؤيا (12) " ثم ظهرت آية نبية في السماء : امرأة ملتحفة بالشمس والقمر تحت قدميها ... حبلى تصرخ من ألم المخاض ... وضعت ولداً ذكراً ...ورفع الولد الى حضرة الله، الى عرشه ..." انه كما ولد المسيح شعباً على الصليب ، كذلك ولدت المرأة بالألم ذلك الذي سيكون المسيح، وولدت معه أخوة كثيرين . يشرك يسوع شعبه في عمله ويجعله يمر عبر الصليب . هذا الشعب تمثله امرأة تبدو وكأنها شخص فرد – مريم. هذا الشعب يجتمع كما في عائلة حول أمه – مريم.[/td][/tr]
[tr]
5 - الرموز والألقاب والتشابيه : [/td][/tr]
[tr]
على لسان الأنبياء والآباء جاءت رموز وألقاب وتشابيه عن والدة الله القديسة مريم الام البتول التي ولدت رب الملوك وتمت فيها الرموز والتشابيه والألقاب. وهذه أهمها:
1- مريم هي ينبوع الحياة – حواء الجديدة ، ومعين الخلاص.
2- هي السلم التي رآها يعقوب البار في البرية في حاران بحلمه" سلماً مصعداً الى السماء " (تك 28/11-17.
3- الحقل المبارك الذي أنبت لنا سنبل الأفراح – المسيح خبز الحياة.
4- المركبة التي رآها في عين النبوءة حزقيال (حز 1/4-27 ).
5- العليقة التي رآها موسى على جبل سينا (خر 3/2)، عليقة تشتعل ولا تحترق، صورة لمريم البتول التي حل في حشاها الله فلم تحترق من ناره.
6- السماء الثانية التي حملت ابن الله – الكلمة (رؤ 21/1)
7- سفينة الحياة التي صار المسيح ملاّحها ، أقلّت السعادة والكنوز من بيت الرب وأفرغتها في ارضنا الفقيرة. هي سفينة نوح.
8- الباب المغلق (خر 44/1-5 ) الذي لم يفتح إلاّ للرب وحده ولم يدخله غير ربنا الذي تواضع الى هذا الحد لكي يعيد آدم الى ميراثه .
9- الغيم السريع الذي يركبه الرب فيضطرب من وجهه الشيطان والعالم والخطيئة (اش 19/1 )
10- تابوت العهد الذي يحمل خبز السماء بدل المن والمخلص وواهب الحياة بدل عصا هارون التي أورقت (خر 27/1 تث 10/3 يو 6/49-51 ) .
11- عصا هارون (عدد 3/16 ) التي طريت وأورقت بالسر .
12- جزّة جدعون والندى الساقط عليها (قضاة 6/37-38 )
13- الجرة الجديدة التي صوّرها اليشاع ، فان اليشاع كسر الأعداء بكسر الجرار ومريم بموت ابنها كان النصر لأبنائها على الشيطان والخطيئة.
14- الصخرة التي نبعت منها الأنهار في الصحراء (خر 17/5-6 ) ومن هذه الصخرة الروحية يشرب المؤمنون نعم الله .
15- وهي أيضا : كرسي الحكمة ، بيت الذهب، برج داود، برج العاج، العروس الجليلة، الطالعة من البرية، المشرقة كالصبح، الجميلة كالقمر، البهية كالشمس، مقصورة الملك، مسكن الله ...
ولقد شبه الآباء العذراء ونسيبتها اليصابات بجفنتين مغروستين في كرم الرب. فالخليقة تتنعم بخمر عناقيدهما. الجفنتان هما مريم واليصابات والعنقودان هما المسيح ويوحنا ، العريس (يسوع ) والأشبين (يوحنا ). [/td][/tr]
[tr]
medium none" height=45 background=images/645p.gif]
خاتمة
[/td][/tr][tr]
هذا هو وجه مريم في النصوص الكتابية ، في الرموز والآيات والتشابيه . ليست مريم خارج شعب الله بل وسط شعب الله.
هي المنعم عليها مثل جميع المؤمنين (أف 1/6 ) ولكن النعم التي حصلت عليها فاقت كل تصور "ممتلئة نعمة" سيكون لها ملء نعم الله ومواهب الروح .
ونختم بهذه الصلاة المريمية القديمة جداً ومن أصل سرياني ، وضعها مار رابولا في ابتهالاته بالقرن الخامس، التي يتلوها المؤمنون وخاصة في المحن، صلاة تحت ذيل حمايتك "استرينا يا والدة الله تحت أكناف شفاعتك من كل الآفات. فأنت ملاذنا ورجاؤنا الوطيد وانتعاش جميعنا، أخمدي وأزيلي عنا نيران الخصوم الذين يعادوننا من جراء شرنا."[/td][/tr]
[tr]
افرحي يا أرضاً غير مزروعة
افرحي يا عليقة غير محترقة
افرحي يا عمقاً يعسر النظر اليه
افرحي يا جسراً ناقلاً الى السماء
افرحي يا سلماً مصعداً الى العلاء وقد شاهده يعقوب
افرحي يا جرة المن الإلهية
افرحي يا مزيلة اللعنة
افرحي يا معيدة آدم الى وراثته ، الرب معك. [/center]
[/td][/tr]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى