- الإكليريكي/ مايكل وليمعضو VIP
مجمع خلقدونية......!!!!!.......الجزء الاول
الثلاثاء أغسطس 14, 2007 4:27 pm
بطريركية الأقباط الكاثوليك
كلية العلوم الإنسانية و اللاهوتية
بالمعادي
مجمع خلقيدونية
اعداد/جون جبرائيل إشراف /الأنبا
مكاريوس توفيق
ابريل 2002
المقدِّمة
كثيراً ما سمعت عن مجمع تمَّ في القرن الخامس الميلاديّ بمدينة كانت تدعى خلقيدونية، وخصوصاً من خلال أحاديثي مع أصدقائي غير الكاثوليك. و قد لاحظت، في أثناء الحديث معهم، أنَّ هناك لبثاً في بعض الألفاظ، و أنَّ كلانا يؤمن بالإيمان المستقيم الذي سلَّمه لنا الرسل. فأردت أن أتعرَّف أكثر على ما تمَّ في هذا المجمع من أحداث و حوارات. و ما هي الأسباب التي أدَّت إلى انعقاده ؟ و ما هو عدد جلساته ؟ و هل أنَّ كلَّ ما نوقش فيه هو فقط ما يتعلق بالكريستولوجيَّا ؟ و ما هي الدوافع و الأسباب التاريخيَّة أو الخلفيَّة التاريخيَّة وراء حدوث هذا النوع من سوء التَّفاهم ؟
و قد ظننت أنَّني أستطيع الكلام في هذا البحث عن مجمع خلقيدونية فقط، غاضّاً البصر عن المجامع الأخرى السابقة له. إلاّ أنَّني وجدت أنَّه من المستحيل أن يُفهم هذا المجمع بدون الرجوع إلى ما سبقه من مجامع، فهي أثَّرت تأثيراً شديداً في أحداثه و قراراته. لذالك سيأتي هذا البحث مكوناً من فصلين، في الفصل الأوَّل ألقي نظرة سريعة على أهمِّ الهرطقات التي ظهرت في القرن الخامس الميلادي، والمجامع التي قاومت هذه الهرطقات. أما في الفصل الثاني فسأتعرَّض بنوع من الاهتمام بما تمَّ في مجمع خلقيدونية من حيث الأحداث و القرارات المهمَّة، ثم نظرة سريعة مختصرة عن وضع الكنيسة بعد انعقاد هذا المجمع.
الفصل الأوَّل
الكنيسة قبل خلقيدونية
الكنيسة بعد قسطنطين
بعد ما نالت الكنيسة السَّلام، وأمنت من الاضطهاد، بدأت تحاول فهم إيمانها بطريقة أفضل، بالأخصّ حين بدأت تظهر في الكنيسة بدع غريبة و كثيرة. ولكنَّ الكنيسة تصدَّت لها وقاومتها من أجل الحفاظ على استقامتها وسلامها. ونلقي الآن نظرة سريعة على المدارس التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وكذلك أهمّ الهرطقات التي ظهرت في القرن الخامس الميلاديّ، لما في ذلك من مساهمة في توضيح وفهم موضوعنا الأساسي وهو مجمع خلقيدونية. مدرسة الإسكندريَّة
كان لمدرسة الإسكندريَّة القيادة في الفكر المسيحيّ، ضاهتها في ذلك مدرسة أنطاكية. وكان لكل مدرسة أسلوبها ومنهجها ومصطلحاتها الخاصَّة، وتبنَّت كلُّ مدرسة طريقة خاصَّة في تفسير الكتاب المقدس. نادت مدرسة الإسكندريَّة بكمال الطبيعة الإلهيَّة وبكمال الطبيعة الإنسانيَّة في شخص المسيح. ورأت أنّ هناك اتّحاداً جوهريّاً وشخصيّاً وطبيعيّاً بين الطبيعتين. ونادى بعضهم بطبيعة واحدة متجسِّدة، ولكنَّه عني بذلك الاتّحاد اللاهوتي بين الكلمة وناسوته، وأنَّ الإله المتجسِّد هو شخص واحد وليس اثنين، لأنَّ كلمة طبيعة ( fusi" ) كانت تعني عندهم الشخص و الأقنوم ( upostasei" ). ولم ينكر أحد منهم الطبيعتين بمعنى الجوهر اللاهوتي و العنصر البشري. وكمواجهة لبدعة آريوس ركَّزت الإسكندريَّة على لاهوت المسيح أكثر من ناسوته. لذلك سمَّت مريم العذراء والدة الإله ( upostasei" )قائلة إنَّها ولدت إلهاً و هو ولد و تألّم و صلب. يتَّضح لنا من ذلك، أنَّ لاهوت مدرسة الإسكندريَّة هو لاهوت تنازلي، فإنَّها تنطلق من ألوهيَّة المسيح لتصل إلى إنسانيَّته.
مدرسة أنطاكية
تتبع مدرسة أنطاكية اللاّهوت التَّصاعدي، فهي تنطلق من المسيح الإنسان لتصل إلى المسيح الإله أي أنَّها تنطلق من الإنسان إلى الله. والمدرستان متكاملتان، لأنَّهما لا يناديان بالانقسام. وميَّزت المدرسة بين النَّاسوت واللاّهوت في شخص المسيح الواحد. ومع اعتقادها بأنَّ المسيح واحد وليس اثنين، رفضت الاتِّحاد الطبيعي والامتزاج بين الطبيعتين، ونادت بأقنوم واحد ذي طبيعتين متَّحدتين بدون امتزاج أو اختلاط أو تشويش.
نلاحظ بذلك أنَّ المدرستين علَّمتا تعليماً سليماً ولكن بمناهج مختلفة، واستأثرت كلٌّ منهما عبارات تطلَّبتها الظروف الخاصة بكلِّ مدرسة. فاستأثرت الإسكندريَّة المصطلحات والعبارات التي توضِّح كمال اللاّهوت لكي تتفادى بدعة آريوس. بينما استأثرت أنطاكية عبارات توضح كمال النّاسوت حذراً من بدعة أبوليناروس. فإن آريوس كان من الإسكندريَّة، وأبوليناريوس كان من اللاذقيَّة بأنطاكية.
نسطوريوس
ولد في ضواحي مرعش في الربع الأخير من القرن الرابع. كان في بدء حياته من تلاميذ تيودور المبسوستيائي. أصبح بطريركاً على القسطنطينية في سنة 428 م. أخذ يعتمد على كتابات ديودوروس أسقف طرسوس (378-394)، والقس اناسطاسيوس الأنطاكي وبشكل خاص تيودور المبسوستيائي ( 390-448 م). فوجد صعوبة في التعبير عن الوحدانيَّة والثنائيَّة في المسيح، فبدأ يعلّم بأنَّه لا يمكن أن تدعى مريم والدة الله بل والدة المسيح؛ لأنَّ الإله لا يولد من بشر وأن ابن الله هو غير المسيح، فلا يمكن أن يكون هناك طبيعة قابلة للألم وأخرى غير قابلة معاً، فقاوم بذلك فكرة اتِّحاد الطبيعتين اتّحاداً طبيعيّاً وجوهريّاً. و وضع نسطوريوس في المسيح أقنوما إلهياًّ و أقنوماً بشريّاً، اتَّحدا اتحاداً أزليّاً عن طريق الصدفة. وأنَّ الوحدة في المسيح هي وحدة خارجيَّة مثل وحدة الثوب مع من يرتديه، وبذلك يدعى يسوع إلها لأنَّه متّحد بالكلمة وبالشرف والسُّلطة. إنَّ أوَّل المشكلة التي لم تدركها الإسكندريَّة و أنطاكيا هي المشكلة اللغويَّة، خصوصاً كلمة طبيعة وشخص. فالكلمات لم تكن واضحة في زمانهم، فعندما رفض كيرلس كلام نسطوريوس واستخدم عبارة طبيعة واحدة للكلمة المتجسِّد ( mia fusi" tou Qeo logou sesarkwmenh ) قصد بذلك شخصاً واحداً، ورفض ذلك نسطوريوس قائلا:" إنَّ ليسوع طبيعتين" لأنَّه فهم طبيعة بمعنى عيني مجردي لا وجودي شامل وله حق في ذلك. وعندما قال أيضا نسطوريوس إنَّ ليسوع شخصين كان يعني بذلك طبيعتين فإنَّ هذه اللفظة كانت تعني عند كيرلس ( كائنا ذاتيََّا يقوم بحدِّ ذاته ) أي بمعنى لغويّ دقيق. وله الحقّ في ذلك. ولذلك رفض كيرلّس تعبير نسطوريوس. إلاّ أنَّ خطأ نسطوريوس الأكبر أنَّه رفض أن يكون ما حدث للمسيح في إنسانيَّته يقال على الكلمة، وأن يكون ما حدث ليسوع يخصُّ الكلمة, وأن يكون الكلمة فاعلها، وأن تكون مريم أمَّ الله، فهو يرفض أن يكون الله ولد وعطش وتألَّم ومات … فإنَّ هذا يخص يسوع المسيح الإنسان فقط. إذن بالنِّسبة لنسطوريوس لم يَصِر الكلمة جسداً, بل الكلمة كائن مستقلّ يكون داخل إنسان وهو يسوع, شخص مستقلّ قائم بحد ذاته, فالتجسُّد بالنسبة إليه هو واحد داخل واحد
مجمع افسس (431م)
كان بطريرك الإسكندريَّة منذ 412م القديس كيرلُّس الإسكندري. وكان أفضل المدافعين عن الإيمان, وبدأ يدحض آراء نسطوريوس. أرسل إلى أساقفة مصر والبابا سليستينوس ونسطوريوس نفسه رسائل يفنِّد فيها تعاليم نسطوريوس. فعقد سليستينوس مجمعا محليَّا في روما في أبريل 430, وطالب المجمع نسطوريوس بالتخلّي عن معتقداته. وأبلغ سليستينوس كيرلّس بهذا القرار وكلَّفه بتنفيذه. عندما ساءت الأمور وتعقّدت في الإسكندريَّة، اضطر الإمبراطور ثيئودوسيوس الثاني إلى عقد مجمع مسكوني في أفسس في 10 يوليو 431م حضره الأمير كنديديانوس ممثِّلاً للإمبراطور، كما حضر أساقفة من جميع أنحاء العالم عدا يوحنَّا أسقف أنطاكية لعدم رغبته في الحكم على نسطوريوس. دعا الأساقفة نسطوريوس أكثر من مرة إلا أنَّه أبى الحضور معلِّلاً ذلك بغياب يوحنَّا؛ ولمّا حضر أسقفان نيابة عن يوحنّا، رفض أيضاً الحضور. وتلا الأساقفة رسالة سليستينوس إلى نسطوريوس وفصولاً من كتابات الآباء أمثال أمبروزيوس وقبريانوس وأثناسيوس وباسيليوس، وقارنوها بكتابات نسطوريوس و تعاليمه، فحرموها، وحرموا من يتبعها، وحرموا نسطوريوسَ نفسَه. وأعلنوا أنَّ مريم العذراء هي أمُّ الله وأنَّ للمسيح طبيعتين. ولمّا وصل يوحنا بعد يومين من انعقاد المجمع، رفض قراراته، فجرّده الأساقفة من رتبته. ولكن تمَّ التفاهم فيما بعد فوقَّع كيرلّس ويوحنّا قرار الاتّفاق سنة 433م. ففد كان كيرلس افتتح المجمع رسميّاً قبل وصول ممثلي البابا، ولكن اعترف المجمع رسمياً برسالته الثانية إلى نسطوريوس، وتمَّ عرض رسالته الثالثة إلى نسطوريوس المتضمِّنة اثنا عشر إبسالاً، ولا شكَّ في أنّها قرئت، ولكن من المحتمل أنَّه لم يوافَق عليها رسميّاً؛ ففيها عبارات غامضة ولا يمكن اعتبارها معصومة عن الخطأ، واعتبرت على كلِّ حال، معبِّرة عن التَّعليم الصحيح.
وكتب الآباء إلى الإمبراطور ما تمَّ في المجمع، فثبّت أعماله ونفى نسطوريوس إلى دير بأنطاكية، وما لبث أن نُفي إلى مدينة تانس بمصرحيث توفى نحو عام 450م.
نلاحظ أخيراً أنَّ مجمع أفسس ركز على وحدة شخص يسوع المسيح، ولكنّه لم يميّز بدقَّة بين الطبيعتين الإلهيَّة والإنسانيَّة.
أوطيخا
كان رئيس دير بالقرب من القسطنطينيَّة، أُعتُبِرَ من المدافعين عن الإيمان المستقيم. في محاولاته لدحض بدعة نسطوريوس، سقط في بدعة أخرى، فأنكر أن يكون للمسيح طبيعتان بعد الاتِّحاد. فللمسيح طبيعة واحدة هي الطبيعة الإلهيَّة؛ ويعود رفضه هذا إلى اعتقاده بأنَّه نتيجةً للتجسد، اختلطت المميّزات والخصائص الإنسانيَّة والإلهيَّة في المسيح. فجسد المسيح أصبح مختلفاً عن جسد الإنسان العادي – بدون الوقوع في المظهريَّة- أي أنَّ الطبيعة الإلهيَّة امتصَّت الطبيعة البشريَّة، فتلاشت، وذابت الإنسانيَّة في الألوهيَّة.قد مال أوطيخا ميل مجمع أفسس الأول الوحدوي، ولكنَّه حرَّف المعنى والقصد- وإن لم يقصد أفسس ذلك الانحراف- إلاّ أنَّه يحوي في داخله النّزعة الوحدويَّة التي فيها تذوب الإنسانيَّة وتتلاشى وتختلط في الألوهيَّة. وعلى أي حال، نرى أن لنظرة أوطيخا ميزة، فنظرته تؤكد أنّ الطبيعة الإلهيَّة أعظم من الطبيعة الإنسانيَّة. ويرى البعض أنَّ أوطيخا لم يكن مونوفيزيًّا، فقد كان يقصد بالطبيعة الواحدة الأقنوم الواحد.
مجمع أفسس الثاني 449م
عقد فلابيانوس أسقف القسطنطينية مجمعاً محليّاً عام 448م حرم فيه أوطيخا، ورفع دعواه إلى لاون الكبير بابا روما فثبت الحكم. إلاّ أنّ أوطيخا لجأ إلى الإمبراطور ثيئودوسيوس الثاني و ديوسقوروس بطريرك الإسكندريَّة، فسانداه. وأمر الإمبراطور بعقد مجمع مسكوني في أفسس ليتباحث في القضية برئاسة ديوسقوروس، و عُقد المجمع في الأوَّل من آب 449م.لم يبالِ ديوسقوروس بطوموس ( رسالة ) لاون إلى فلافيانوس، ولم يتمكن ممثّلو البابا من قراءتها، فأُبرىء أوطيخا، وحُرم فلافيانوس، وحُكم عليه بالنفي، فمات من العذاب في طريقه إلى المنفى. و قد ساد العنف في هذا المجمع، ومُزِّقت الأعمال، وطُرد فلافيانوس وبعض الأساقفة بعد ضرب كثير. أمَّا الذين بقوا فأجبروا على التوقيع على صفحات بيضاء. واعترف ديوسقوروس بتعليم أوطيخا، وأقام شمَّاسه أناطولي بطريركاً على القسطنطينية. واعتبر الإمبراطور ثيئودوسيوس المجمع مسكونيّاً ، أمَّا البابا لاون فاحتجَّ لدى الإمبراطور ونعت المجمع بأنّه مجمع اللصوص، ولكنَّ الإمبراطور لم يصغ إليه.
بعد موت ثيئودوسيوس الثاني في 28تموز 450م، سعى الأساقفة المظلمون وأسقف روما إلى الإمبراطور الجديد مركيانوس، فأرجع المنفيين ووافق على دعوة لاون إلى عقد مجمع مسكوني جديد يبحث في أمر أوطيخا ويصلح ما فعله ديوسقوروس ، الذي بتمسكه الحرفي المتشدد بعبارات كيرلّس لم يتمكَّن من تصوّر اتّحاد اللاّهوت و النّاسوت في المسيح الذي تم في شخص واحد، فقد ركز على أنَّ اللاَّهوت و النَّاسوت كانا منفصلين، ولمّا اتَّحدا، انصهرا في طبيعة جديدة مونوفيزيَّة.
من كل ما سبق، نستطيع أن نتخيل مدى التوتر الذي كان بين كرسي الإسكندريَّة وكرسي القسطنطينية، فقد حارب كيرلس نسطوريوس بطريرك القسطنطينية، وبعده تولى ديوسقورس طرد فلافيانوس بطريرك القسطنطينية وحرمه مع عدد من أساقفته. وأخيراً يسمح ديوسقوروس لنفسه أن يقيم شمَّاسه بطريركاً على القسطنطينية. في هذا الجو التاريخي المتوتِّر أصبح مركيانوس إمبراطوراً فأصغى إلى البابا لاون ووافقه ودعا إلى عقد مجمع مسكوني في مدينة خلقيدونية.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى