- مايكل عادلعضو نشيط
الطريق إلى نضوج الشخصية1
الأربعاء مايو 28, 2008 2:27 pm
الطريق الى نضوج الشخصية
(1) امكانيات الانسان لتحقيق نفسه:
يقول عالم النفس ابراهيم ماسلو بأنه نسبة صغيرة جدا من الناس تحقق
امكانياتها وتعيش ملء شخصيتها الانسانية. وبالمقابل، يجد ماسلو بأن اكثرية الناس لا تحقق الاّ 10% من امكانياتها، وأنها لاتعيش الاّ على المستوى السطحي من انسانيتها، فتبقى بالنتيجة الطاقات العميقة في الإنسان، كطاقة الحب، ضعيفة وهزيلة. وفي الواقع، كثيرا ما نجد مع الأسف بأن قوى الإنسان العميقة تهدر، وذلك بسبب الفوضى في حياة الإنسان ، وما يعاني منه من الخوف والغضب والحسد والاستياء والعزلة وخيبة الأمل . وكثيرا ما يفتقر الإنسان الى الحماس والحمية والشعور بالفرح وبهجة الحياة. فمن خلال دراسة استطلاعية وجدت هيئة الصحة العالمية للأمم المتحدة بأن الاكتئاب النفسي هو اكبر مشكلة صحية في العالم.
بناء على ما سبق، كيف بامكاننا ان نخرج من الدوامة والحلقة المفرغة التي ندور فيها ، والتي تجعلنا لا نعيش ملء شخصيتنا الإنسانية ، وتؤدي بنا كثيرا الى عدم التوازن العاطفي والإنسانى؟ ان الإجابة عن هذا السؤال ليس هينّا ابدا ، وتعتمد كثيرا على امكانية تخطي الصعوبات والضغوطات الكثيرة في داخل الانسان وخارجه، التي تتحدانا وتنغّص علينا حياتنا. ولكن مهما يكن من امر، فأن الإنسان قادر ان يخرج تدريجيا من هذا المأزق. ويعتمد ذلك على اخذ طريق الانفتاح الى عمق ا لكيان الإنسانى، بتبني نظرة نفسية وايمانية، تساعد على تحرير طاقات الخير والحب والعطاء.
(2) نظرة نفسية للشخصية الإنسانية حسب عالم النفس كارل يونج:
حسب يونج ان النصف الأول من دورة حياة الإنسان ، التي تشمل مراحل الطفولة والمراهقة والشباب، هي فترة النمو للوعي الذاتي. في هذه الفترة يتطور ما يسمى "الأنا"، مركز الوعي في الإنسان، واذن مركز التفكير والإرادة والاختيار. و"الأنا" اعتياديا يكون تحت تأثير المجتمع والبيئة ، ويجعل الإنسان يتكيّف مع ما يتوقعه الآخرون، من اهل ومدرسين وزملاء ورجال دين وآخرين في المجتمع.
ويتميز "الأنا" بتوجيه امكانيات الانسان من العالم الداخلي الى العالم الخارجي، فبذلك يعمل الإنسان حسب توقعات ومتطلبات الآخرين.
وهناك حسب يونج ما يسميه "الذات"، الذي يعتبره مركز النفس في مستويه الواعي واللاواعي، ويتميز بتوجيه امكانيات الإنسان من العالم الخارجي الى العالم الداخلي. وفي اوائل النصف الثاني من حياة الإنسان، اي مع تقدم مرحلة الشباب، يصبح الإنسان يشعر اكثر واكثر بعدم التحمس لمسايرة المجتمع كما كان يعمل سابقا . وعندئذ، يصبح يشعر تدريجيا بضرورة التحرر من توجيه "الأنا" الذي يساير المجتمع ويتكيّف معه.
وهكذا، يصبح الإنسان اقل تحت تأثير "الأنا"، وأكثر تحت تأثير "الذات" ، الذي هو المركز العميق للشخصية ، ويوجّه امكانيات الإنسان من العالم الخارجي الى العالم الداخلي. وبذلك يصبح بامكان الإنسان ان يمشي تدريجيا نحو النضوج والاستقلالية، بأخذ مواقف شخصية في التفكير وفي المسلكية.
ويتكلم يونج عمّا يسميه "الظل" ، الذي هو في مستوى اللاوعي، والذي يتجمع فيه مختلف المشاعر والاندفاعات الغريزية اللاارادية التي تقمع ولا يعترف بها في مستوى الوعي. وحسب تقدير يونج، يحسن للانسان ان يعترف بهذه المشاعر الموجودة في "الظل" والمعتبرة سلبية ومرفوضة، في مستوى الوعي. ويمكن الكشف عن هذه المشاعر الدفينة من خلال ردود الفعل والانزعاجات والشهوات التي ننفر منها ونحاول عدم مجابهتها. فيحسن بنا ان ننتبه بشكل خاص لأميالنا المختلفة وللأمور التي تزعجنا وتجعلنا نغضب ونكره ونحسد ونستاء ، وبذلك نواجهها بواقعية ولا نهرب منها ونتوصل تدريجيا الى توازن عاطفي وانساني.
ونحن كمؤمنين بحضور الله فينا ، الذي يعمل لخيرنا في عمق كياننا الإنسانى من خلال روحه القدوس، ما علينا الا ان نتشجع ونتحدى "الأنا" الذي يوجّهنا نحو المسايرة والتكيّف الزائد مع متطلبات المجتمع. فنتعاون مع الروح القدس الذي يسندنا ويقوينا، ونجابه بشجاعة المقاومات والمخاوف المتواجدة فينا، بدون تغطيتها والتهرب منها. وبذلك، يصبح بإمكاننا ان نتجاوز ما يزعجنا ويؤلمنا ، ونسير تدريجيا نحو النضوج ، على الطريق الضيق والوعر .
(3) ضرورة تصحيح نظرتنا لأنفسنا:
على هذا، من الضروري جدا التوصل الى نظرة مجددة لأنفسنا، مستندة على نظرة محررة لشخصيتنا الإنسانية، ومنطلقة من رؤية متكاملة للحياة وللعالم ولله. ونحن كمسيحيين، نؤمن بأن الإنسان ليس مسيّرا من قبل قوى تتحكم فيه، وكأنه دمية متحركة. نحن نؤمن بأن الإنسان حر ومسؤول عن ذاته وحياته. فقد خلقنا الله احرارا بالرغم من الصعوبات والضغوطات والأمور شبه المستعصية في اعماقنا وفي عالمنا الخارجي. يقول الفيلسوف وليم جيمس بأن الإنسان هو الوحيد بين كل مخلوقات الأرض، الذي بإمكانه ان يغيّر نمط حياته. فالانسان وحده هو ، مع الله ، المخطط لمصيره، وبإمكانه اذن ان يغيّر امور حياته الخارجية ، وذلك من خلال تغيير مواقفه الأساسية بقدر الامكان.
وفي الواقع، بسبب متاعب الحياة وتقلباتها المختلفة منذ الطفولة، كثيرا ما نتبنى نظرة لأنفسنا غير سليمة وأفكارا عن الحياة مسبقّة ومغلوطة. وبذلك نصبح مقيّدين وأسرى وغير منطلقين، وبالنتيجة مكتئبين وناقمين على الحياة وعلى الناس الذين نحتك بهم ونتفاعل معهم. على هذا، لا نستطيع ان نسير اعتياديا نحو النضوج الإنسانى الاّ اذا حررنا انفسنا من المواقف والأفكار المسبّقة عن انفسنا ، التي تشلّنا حقيقة وتقيّد حريتنا وانطلاقنا.
(4) كيفية تصحيح نظرتنا لأنفسنا:
ثمة شروط أساسية لابد منها اذا اردنا ان نصحح نظرتنا لأنفسنا. فما هي بعض هذه الشروط؟
1- الاقتناع بضرورة الانفتاح على ذواتنا ومجابهتها بواقعية وصدق في ايجابياتها وسلبياتها. فحياتنا ، عن طريق احداثها وتقلباتها ، تطرح علينا تساؤلات مختلفة ، وتتطلب اجابات وتوضيحات من خلال مشاعرنا المختلفة، من فرح وحزن وتحمس وأستياء وردود فعل مزدوجة ومتضاربة. فمن الضروري جدا ان نتفاعل مع مشاعرنا بصدق وشجاعة، اذ ا اردنا ان نتوصل الى موقف سليم ومتزن تجاه احداث حياتنا.
2- الإصغاء الى الحياة كما تجري، وذلك فيما نراه ونسمعه ونلمسه ونحسّه في
اجسادنا وفي نفوسنا وقلوبنا ومن خلال ردود فعلنا. فنكشف بذلك عن الجانب المفرح والمشجع وكذلك عن الجانب المعتم والمكبوت من شخصيتنا. والإصغاء الى ا لحياة ، حتى يكون شاملا ومتكاملا، لابد ان يشمل الآخرين في حياتنا، خاصة اذا اردنا ان نتعمق في علاقتنا معهم. ومن ناحية اخرى، فالإصغاء الى الحياة اساسه ومصدره هو الإصغاء الى الله الحاضر والفاعل فينا.
3- الاعتماد اذا امكن على صديق يؤتمن عليه، الذي بامكاننا ان نصارحه بأمورنا الخاصة الشخصية وان نتحاور معه. فالانفتاح على الصديق والتداول معه يساعدنا على تحديد مشاكلنا وتوهماتنا، كما ان مجرد المحاولة للتعبير عن أفكارنا وتصوراتنا ومشاعرنا الدفينة تساعدنا كثيرا على ان نخرج من الأمور الغامضة التي تزعجنا . يقول عالم النفس آدلر بأن العلاقة الحميمية وما يتضمنها من محبة غير مشروطة هي ضرورية لتشجيع الإنسان في مجابهة وتفهم اخطائه وتوهماته. ويقترح آدلر ، في حال عدم وجود الصديق
المناسب، الانتماء الى جماعة صغيرة من الأصدقاء المستعدين لاستماع وتقبل بعضهم لبعض ببساطة ودفء بشري.
4- كتابة يوميات حياتنا في مذكّرة تتضمن ابرز الأمور التي تحرّك مشاعرنا خلال النهار ، بالإضافة الى ردود فعلنا الحيوية. فذلك يساعدنا كثيرا على التعبير عن مشاعرنا الدفينة ومراجعتها وتعديلها تدريجيا.
5- الخلوة اليومية مع انفسنا خلال اوقات الفراغ في بحر النهار، وذلك للتوصل الى صمت داخلي ومراجعة حياتية وتقويم للمشاعر . وثمة طرق مساعدة للدخول في الصمت الداخلي وهي : التنفس الإيقاعى البطيء وتمارين اليوغا للاسترخاء الجسمي وتهدئة واراحة الأعصاب وتمارين الانتباه لاحساستنا ومشاعرنا المختلفة..الخ.
(5) طريقة عملية لتقويم مواقغنا السلبية ومثال توضيحي:
ما يلي طريقة تعتمد على مراجعة الذات حول احداث تثيرنا وتزعجنا وتتضمن مواقف سلبية:
1- تحديد الحدث الذي يزعجني.
2- تحليل الحدث وتحديد بقدر الإمكان الموقف الضمني الذي يحرّكني ويستفزّني، وذلك من خلال مشاعري وردود فعلي.
3- مناقشة الموقف الضمني، استنادا الى ما سبق في الكلام عن مواجهة انفسنا بواقعية وصدق وشجاعة، وبدون تهرب من المواجهة .
4- التوصل الى ردة فعل جديدة وموقف آخر ايجابي، يساعدني على تقويم موقفي السلبي.
ما يلي حالة نفسية مزعجة ومحاولة لتقويم هذه الحالة. انها حالة الانزعاج من نقد جارح. بامكاننا القيام بتقويمها، وذلك باتباع الخطوات المقترحة:
1- الحدث السلبي: يوجّه الي نقد جارح وقاس، يشعرني بالكآبة وهبوط الهمة.
2- الموقف الضمني: يجب ان اكون محبوبا ومقبولا دائما من قبل الجميع، وذلك للحفاظ على سمعتي امام الناس.
3- مناقشة الموقف: موقفي غير صحيح، اذ ليس من الضرورة ابدا ان اكون دائما محبوبا ومقبولا لأحافظ على سمعتي وكرامتي. ومن ناحية ثانية، تخفّ وطئة انزعاجي عندما احاول ان افهم سبب تصرف الناقد، فقد يكون محقا بعض الشيء. ومن ناحيته، قد يعاني شخصيا من نقص او آخر، وقد يعوّض عن نقصه بانتقاده للآخرين واحراجهم.
4- ردّة فعل جديدة: اعترف بواقعية بأنني خاطئ في شيء ما، وفي الوقت نفسه اتقبل ذاتي بارتياح اكبر، وأتحمل الناقد بتفهم افضل.
على ضوء ما سبق، كيف يمكنك في حالة الشعور بالفشل لسبب ما ان تقوّم حالتك وأن تتوصل الى ردّة فعل جديدة وموقف ايجابي من الفشل؟
.
الأب يوسف بربي اليسوعي
(1) امكانيات الانسان لتحقيق نفسه:
يقول عالم النفس ابراهيم ماسلو بأنه نسبة صغيرة جدا من الناس تحقق
امكانياتها وتعيش ملء شخصيتها الانسانية. وبالمقابل، يجد ماسلو بأن اكثرية الناس لا تحقق الاّ 10% من امكانياتها، وأنها لاتعيش الاّ على المستوى السطحي من انسانيتها، فتبقى بالنتيجة الطاقات العميقة في الإنسان، كطاقة الحب، ضعيفة وهزيلة. وفي الواقع، كثيرا ما نجد مع الأسف بأن قوى الإنسان العميقة تهدر، وذلك بسبب الفوضى في حياة الإنسان ، وما يعاني منه من الخوف والغضب والحسد والاستياء والعزلة وخيبة الأمل . وكثيرا ما يفتقر الإنسان الى الحماس والحمية والشعور بالفرح وبهجة الحياة. فمن خلال دراسة استطلاعية وجدت هيئة الصحة العالمية للأمم المتحدة بأن الاكتئاب النفسي هو اكبر مشكلة صحية في العالم.
بناء على ما سبق، كيف بامكاننا ان نخرج من الدوامة والحلقة المفرغة التي ندور فيها ، والتي تجعلنا لا نعيش ملء شخصيتنا الإنسانية ، وتؤدي بنا كثيرا الى عدم التوازن العاطفي والإنسانى؟ ان الإجابة عن هذا السؤال ليس هينّا ابدا ، وتعتمد كثيرا على امكانية تخطي الصعوبات والضغوطات الكثيرة في داخل الانسان وخارجه، التي تتحدانا وتنغّص علينا حياتنا. ولكن مهما يكن من امر، فأن الإنسان قادر ان يخرج تدريجيا من هذا المأزق. ويعتمد ذلك على اخذ طريق الانفتاح الى عمق ا لكيان الإنسانى، بتبني نظرة نفسية وايمانية، تساعد على تحرير طاقات الخير والحب والعطاء.
(2) نظرة نفسية للشخصية الإنسانية حسب عالم النفس كارل يونج:
حسب يونج ان النصف الأول من دورة حياة الإنسان ، التي تشمل مراحل الطفولة والمراهقة والشباب، هي فترة النمو للوعي الذاتي. في هذه الفترة يتطور ما يسمى "الأنا"، مركز الوعي في الإنسان، واذن مركز التفكير والإرادة والاختيار. و"الأنا" اعتياديا يكون تحت تأثير المجتمع والبيئة ، ويجعل الإنسان يتكيّف مع ما يتوقعه الآخرون، من اهل ومدرسين وزملاء ورجال دين وآخرين في المجتمع.
ويتميز "الأنا" بتوجيه امكانيات الانسان من العالم الداخلي الى العالم الخارجي، فبذلك يعمل الإنسان حسب توقعات ومتطلبات الآخرين.
وهناك حسب يونج ما يسميه "الذات"، الذي يعتبره مركز النفس في مستويه الواعي واللاواعي، ويتميز بتوجيه امكانيات الإنسان من العالم الخارجي الى العالم الداخلي. وفي اوائل النصف الثاني من حياة الإنسان، اي مع تقدم مرحلة الشباب، يصبح الإنسان يشعر اكثر واكثر بعدم التحمس لمسايرة المجتمع كما كان يعمل سابقا . وعندئذ، يصبح يشعر تدريجيا بضرورة التحرر من توجيه "الأنا" الذي يساير المجتمع ويتكيّف معه.
وهكذا، يصبح الإنسان اقل تحت تأثير "الأنا"، وأكثر تحت تأثير "الذات" ، الذي هو المركز العميق للشخصية ، ويوجّه امكانيات الإنسان من العالم الخارجي الى العالم الداخلي. وبذلك يصبح بامكان الإنسان ان يمشي تدريجيا نحو النضوج والاستقلالية، بأخذ مواقف شخصية في التفكير وفي المسلكية.
ويتكلم يونج عمّا يسميه "الظل" ، الذي هو في مستوى اللاوعي، والذي يتجمع فيه مختلف المشاعر والاندفاعات الغريزية اللاارادية التي تقمع ولا يعترف بها في مستوى الوعي. وحسب تقدير يونج، يحسن للانسان ان يعترف بهذه المشاعر الموجودة في "الظل" والمعتبرة سلبية ومرفوضة، في مستوى الوعي. ويمكن الكشف عن هذه المشاعر الدفينة من خلال ردود الفعل والانزعاجات والشهوات التي ننفر منها ونحاول عدم مجابهتها. فيحسن بنا ان ننتبه بشكل خاص لأميالنا المختلفة وللأمور التي تزعجنا وتجعلنا نغضب ونكره ونحسد ونستاء ، وبذلك نواجهها بواقعية ولا نهرب منها ونتوصل تدريجيا الى توازن عاطفي وانساني.
ونحن كمؤمنين بحضور الله فينا ، الذي يعمل لخيرنا في عمق كياننا الإنسانى من خلال روحه القدوس، ما علينا الا ان نتشجع ونتحدى "الأنا" الذي يوجّهنا نحو المسايرة والتكيّف الزائد مع متطلبات المجتمع. فنتعاون مع الروح القدس الذي يسندنا ويقوينا، ونجابه بشجاعة المقاومات والمخاوف المتواجدة فينا، بدون تغطيتها والتهرب منها. وبذلك، يصبح بإمكاننا ان نتجاوز ما يزعجنا ويؤلمنا ، ونسير تدريجيا نحو النضوج ، على الطريق الضيق والوعر .
(3) ضرورة تصحيح نظرتنا لأنفسنا:
على هذا، من الضروري جدا التوصل الى نظرة مجددة لأنفسنا، مستندة على نظرة محررة لشخصيتنا الإنسانية، ومنطلقة من رؤية متكاملة للحياة وللعالم ولله. ونحن كمسيحيين، نؤمن بأن الإنسان ليس مسيّرا من قبل قوى تتحكم فيه، وكأنه دمية متحركة. نحن نؤمن بأن الإنسان حر ومسؤول عن ذاته وحياته. فقد خلقنا الله احرارا بالرغم من الصعوبات والضغوطات والأمور شبه المستعصية في اعماقنا وفي عالمنا الخارجي. يقول الفيلسوف وليم جيمس بأن الإنسان هو الوحيد بين كل مخلوقات الأرض، الذي بإمكانه ان يغيّر نمط حياته. فالانسان وحده هو ، مع الله ، المخطط لمصيره، وبإمكانه اذن ان يغيّر امور حياته الخارجية ، وذلك من خلال تغيير مواقفه الأساسية بقدر الامكان.
وفي الواقع، بسبب متاعب الحياة وتقلباتها المختلفة منذ الطفولة، كثيرا ما نتبنى نظرة لأنفسنا غير سليمة وأفكارا عن الحياة مسبقّة ومغلوطة. وبذلك نصبح مقيّدين وأسرى وغير منطلقين، وبالنتيجة مكتئبين وناقمين على الحياة وعلى الناس الذين نحتك بهم ونتفاعل معهم. على هذا، لا نستطيع ان نسير اعتياديا نحو النضوج الإنسانى الاّ اذا حررنا انفسنا من المواقف والأفكار المسبّقة عن انفسنا ، التي تشلّنا حقيقة وتقيّد حريتنا وانطلاقنا.
(4) كيفية تصحيح نظرتنا لأنفسنا:
ثمة شروط أساسية لابد منها اذا اردنا ان نصحح نظرتنا لأنفسنا. فما هي بعض هذه الشروط؟
1- الاقتناع بضرورة الانفتاح على ذواتنا ومجابهتها بواقعية وصدق في ايجابياتها وسلبياتها. فحياتنا ، عن طريق احداثها وتقلباتها ، تطرح علينا تساؤلات مختلفة ، وتتطلب اجابات وتوضيحات من خلال مشاعرنا المختلفة، من فرح وحزن وتحمس وأستياء وردود فعل مزدوجة ومتضاربة. فمن الضروري جدا ان نتفاعل مع مشاعرنا بصدق وشجاعة، اذ ا اردنا ان نتوصل الى موقف سليم ومتزن تجاه احداث حياتنا.
2- الإصغاء الى الحياة كما تجري، وذلك فيما نراه ونسمعه ونلمسه ونحسّه في
اجسادنا وفي نفوسنا وقلوبنا ومن خلال ردود فعلنا. فنكشف بذلك عن الجانب المفرح والمشجع وكذلك عن الجانب المعتم والمكبوت من شخصيتنا. والإصغاء الى ا لحياة ، حتى يكون شاملا ومتكاملا، لابد ان يشمل الآخرين في حياتنا، خاصة اذا اردنا ان نتعمق في علاقتنا معهم. ومن ناحية اخرى، فالإصغاء الى الحياة اساسه ومصدره هو الإصغاء الى الله الحاضر والفاعل فينا.
3- الاعتماد اذا امكن على صديق يؤتمن عليه، الذي بامكاننا ان نصارحه بأمورنا الخاصة الشخصية وان نتحاور معه. فالانفتاح على الصديق والتداول معه يساعدنا على تحديد مشاكلنا وتوهماتنا، كما ان مجرد المحاولة للتعبير عن أفكارنا وتصوراتنا ومشاعرنا الدفينة تساعدنا كثيرا على ان نخرج من الأمور الغامضة التي تزعجنا . يقول عالم النفس آدلر بأن العلاقة الحميمية وما يتضمنها من محبة غير مشروطة هي ضرورية لتشجيع الإنسان في مجابهة وتفهم اخطائه وتوهماته. ويقترح آدلر ، في حال عدم وجود الصديق
المناسب، الانتماء الى جماعة صغيرة من الأصدقاء المستعدين لاستماع وتقبل بعضهم لبعض ببساطة ودفء بشري.
4- كتابة يوميات حياتنا في مذكّرة تتضمن ابرز الأمور التي تحرّك مشاعرنا خلال النهار ، بالإضافة الى ردود فعلنا الحيوية. فذلك يساعدنا كثيرا على التعبير عن مشاعرنا الدفينة ومراجعتها وتعديلها تدريجيا.
5- الخلوة اليومية مع انفسنا خلال اوقات الفراغ في بحر النهار، وذلك للتوصل الى صمت داخلي ومراجعة حياتية وتقويم للمشاعر . وثمة طرق مساعدة للدخول في الصمت الداخلي وهي : التنفس الإيقاعى البطيء وتمارين اليوغا للاسترخاء الجسمي وتهدئة واراحة الأعصاب وتمارين الانتباه لاحساستنا ومشاعرنا المختلفة..الخ.
(5) طريقة عملية لتقويم مواقغنا السلبية ومثال توضيحي:
ما يلي طريقة تعتمد على مراجعة الذات حول احداث تثيرنا وتزعجنا وتتضمن مواقف سلبية:
1- تحديد الحدث الذي يزعجني.
2- تحليل الحدث وتحديد بقدر الإمكان الموقف الضمني الذي يحرّكني ويستفزّني، وذلك من خلال مشاعري وردود فعلي.
3- مناقشة الموقف الضمني، استنادا الى ما سبق في الكلام عن مواجهة انفسنا بواقعية وصدق وشجاعة، وبدون تهرب من المواجهة .
4- التوصل الى ردة فعل جديدة وموقف آخر ايجابي، يساعدني على تقويم موقفي السلبي.
ما يلي حالة نفسية مزعجة ومحاولة لتقويم هذه الحالة. انها حالة الانزعاج من نقد جارح. بامكاننا القيام بتقويمها، وذلك باتباع الخطوات المقترحة:
1- الحدث السلبي: يوجّه الي نقد جارح وقاس، يشعرني بالكآبة وهبوط الهمة.
2- الموقف الضمني: يجب ان اكون محبوبا ومقبولا دائما من قبل الجميع، وذلك للحفاظ على سمعتي امام الناس.
3- مناقشة الموقف: موقفي غير صحيح، اذ ليس من الضرورة ابدا ان اكون دائما محبوبا ومقبولا لأحافظ على سمعتي وكرامتي. ومن ناحية ثانية، تخفّ وطئة انزعاجي عندما احاول ان افهم سبب تصرف الناقد، فقد يكون محقا بعض الشيء. ومن ناحيته، قد يعاني شخصيا من نقص او آخر، وقد يعوّض عن نقصه بانتقاده للآخرين واحراجهم.
4- ردّة فعل جديدة: اعترف بواقعية بأنني خاطئ في شيء ما، وفي الوقت نفسه اتقبل ذاتي بارتياح اكبر، وأتحمل الناقد بتفهم افضل.
على ضوء ما سبق، كيف يمكنك في حالة الشعور بالفشل لسبب ما ان تقوّم حالتك وأن تتوصل الى ردّة فعل جديدة وموقف ايجابي من الفشل؟
.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى