- مايكل عادلعضو نشيط
الرسالة العامة (بالرجاء مخلصون)4 البابا بندكتس
الأربعاء مايو 14, 2008 3:47 pm
بالرجاء مخلصونSpe Salvi
11- مهما كان يقصد القديس أمبروسيوس بكلامه – فصحيحٌ أن إزالةَ الموتِ أو حتى تأجيله المستمرّ تضعُ الأرضَ والبشريةَ في حالةٍ فظيعة كما أن ذلك لا يعني منحَ الفردِ خيراً. من الواضح أن هناك تناقضاً في موقفنا يُعبِّرُ عن تناقضٍ أعمق يخصُّ وجودَنا نفسه. من جهةٍ، نحن لا نريد أن نموتَ؛ وفوق كل شيء مَن يُحبنا لا يُريدُ أن نموتَ. ومن جهةٍ أخرى، لا نرغب في أن نستمرَّ في الحياة على الدوام، ولا حتى الأرض قد صُنِعت لهذا الهدف. فإذاً، ماذا نريدُ في الحقيقة؟ يَطرحُ هذا التناقضُ الظاهريُّ في موقفنا سؤالاً أعمق: ما هي حقيقةُ «الحياة»؟ وماذا يعني في الحقيقةِ كلمة «أبدية»؟ هناك لحظاتٌ نستشعرُها بشكلٍ مفاجئ ونهتف: نعم، تلك هي «الحياةُ» الحقيقية، هكذا يجب أن تكون. وإذا ما قارنا ما ندعوه «حياةً» بشكلٍ معتاد مع هذا الإستشعار نجد أن ما ندعوه حياةً ليس في الحقيقة بحياة. في رسالته المُطوَّلة عن الصلاة، الموجَّهة إلى بروبا – أرملة رومانية ثرية وأم لثلاثة قناصل – كتب أغسطينوس ذات مرة: «في الواقع نحن نريدُ شيئاً واحداً - «الحياة السعيدة»، الحياة التي هي ببساطة «حياة»، ببساطة «سعادة». في نهاية الأمر لا يوجد شيءٌ آخر نطلبُهُ في الصلاة. هذا هو الأمر الوحيد الذي نسعى إليه، هذا هو فقط». بعد ذلك يقول أيضاً أغسطينوس: إذا أمعنّا النظر نجد أننا لا نعرف أبداً ماذا نرغبُ، ماذا نودُّ في الواقع. نحن لا نعرف أبداً واقع ما نرغب؛ حتى في تلك اللحظات التي نظنُّ أننا لمسناهُ، في الحقيقة نحنُ لا نَصلُ إليه. «نحن لا نعرف ما نطلب»، يعترف مستخدماً كلمة بولس (روم 8 / 26). ما نعرفه فقط هو أنه ليس هذا. مع ذلك، ومع أننا لا نعرف هذا الواقع، نعرف أنه موجودٌ. «فينا إذاً نوعٌ من الجهلِ المُثقَّف (docta ignorantia)» يكتب أغسطينوس. لا نعلمُ ما نريدُ في الحقيقة؛ لا نعرفُ هذه «الحياة الحقيقية»؛ ومع ذلك نعلمُ أنه لا بدَّ من وجودِ شيءٍ ما نجهلهُ لكننا نشعر بإندفاعنا إليه [8].
12- أعتقد أن أغسطينوس، بهذه الكلمات، يصفُ بشكلٍ دقيقٍ جداً وصالحٍ لكلِّ زمن حالةَ الإنسانِ الجوهرية، الحالة التي عنها تنتج كل تناقضاته وآماله. نحن نرغبُ بشكلٍ من الأشكال الحياةَ نفسها، تلك الحقيقية، تلك التي لا تصلُ إليها يدُ الموتِ؛ وفي نفس الوقت لا نعرفُ ما هو الشيء الذي نشعرُ بأننا مندفعين نحوَه. نحن لا نستطيع إيقافَ هذا الإندفاع ومع ذلك نعرف بأنَّ كل ما نقدرُ أن نختبرَ ونحقِّق ليس هو الشيء الذي إليهِ نصبو. هذا «الشيء» المجهول هو «الرجاء» الحقيقيّ الذي يدفعنا، وكونه مجهولاً يجعلُهُ، في نفس الوقت، سببَ كلِّ اليأس وكل الإندفاعِ الإيجابيّ أو المُحطِّم نحو العالَم الأصيل والإنسان الأصيل. إن تعبير «الحياة الأبدية» هو عبارة عن تسمية تشير إلى ذلك الواقع المجهول المعلوم. وهي طبعاً عبارة غير كافية وتُسبب تشويشاً. فكلمة «أبدية» توقظُ فينا فكرة اللانهاية، وهذا يخيفنا؛ أما كلمةَ «حياة» تجعلنا نفكر بالحياة التي نعرفها ونحبّها ولا نريد أن نخسرها، والتي هي في نفس الوقت تعبٌ أكثر من كونها إشباعاً، هكذا بينما نحن نرغبُ فيها من جهةٍ لا نريدها من جهةٍ أخرى. نحن لا نستطيع إلا أن نُحاولَ الخروجَ بأفكارنا من حدودِ الزمن الذي نحن سُجناء فيهِ، فنستبقُ بشكلٍ من الأشكال الأبدية التي ليست عبارةً عن أيامِ رزنامةٍ تتابعُ يوماً تلو الآخر، بل شيئاً ما كلحظةٍ يملؤها الإشباع، فيها يُعانقنا الكلُّ ونحن نعانق الكلّ. ستكون لحظةُ انغمارنا في محيطِ المحبة اللامتناهي، حيث الزمنُ – ما قبلُ وما بعدُ – يكفُّ عن الوجود. نحن لا نستطيعُ إلا أن نفكّر أن تلك اللحظة هي الحياةُ بالمعنى الكامل، إنغمارٌ مستمرٌّ في فساحةِ الكيان، يُرافقه فرحٌ يغلبُ كياننا. هكذا يُعبر عنهُ يسوعُ في إنجيل يوحنا: «سأعودُ فأراكم، فتفرحُ قلوبُكم فرحاً لا ينتَزعهُ منكم أحدٌ» (16 / 22). إذا أردنا أن نفهم غايةَ الرجاء المسيحيّ وما ننتظره من الإيمان ومن كوننا في المسيح، علينا أن نفكر بهذا الشكل [9].
هل الرجاء المسيحي ذو نزعة فردية؟
13- على مر العصور، حاول المسيحيون أن يُترجموا معرفتهم لهذا الشيء المجهول بأشكال يمكن تخيّلها، وقد طوَّروا صوراً للـ «سماء» تبقى بعيدة عن الحقيقة التي يمكننا معرفتها فقط بطريقة سلبية، أي عن طريق اللامعرفة. جميع هذه التصورات عن الرجاء قد أعطَت الكثيرينَ عبر التاريخ الدافع ليعيشوا حسب الإيمان وليتخلّوا أيضاً عمّا يملكوه من «hyporchonta» أي الخيرات الماديّة اللازمة لحياتهم. لقد سردَ كاتب الرسالة إلى العبرانيين في الفصل الحادي عشر منها نوعاً من تاريخِ أولئك الذين عاشوا في الرجاء، واصفاً مسيرتهم، منذ هابيل حتى عصره. إلا أنه في عصرنا الحديث قد ظهر نقدٌ شديدٌ لهذا النوع من الرجاء وما زال متصاعداً في حدَّته: فهو يتهمُ هذا الرجاء بأنه ذو نزعة فرديّة صافية، لأنه يتخلى عن العالم تاركاً إياه في شقائه بينما يلجأُ إلى خلاصٍ أبديّ فرديّ. لقد جمع هنري دو لوباك (Henri de Lubac) في مقدمة كتابه الأكثر شهرةً «Catholicisme. Aspects sociaux du dogme» («الكاثوليكية. مظاهر العقيدة الإجتماعية») بعض هذه الإنتقادات، منها واحدة تستحق الذكر: «هل وجدتُ الفرح؟ لا ... لقد وجدتُ فرحي أنا. إنه لأمرٌ مختلفٌ بشكلٍ رهيب ... إنَّ فرحَ يسوعَ يمكن أن يكون فردياً. يمكنه أن يعودَ لشخصٍ واحدٍ، وبالتالي فذاك الشخصُ يَخلُص. هو يعيشُ بسلامٍ...، الآن وللأبد، لكنه يعيشه هو وحده. لا يقلقه أن يعيشَ الفرحَ وحيداً. لا بل على العكس: فهو المُختار! في سعادته يجتازُ الصراعات حاملاً وردةً في يده» [10].
الحواشي:
8) رسالة "نحو البرهان" للقديس أغسطينوس (Ad Probam 14, 25-15, 28: CSEL 44, 68-73 130).
9) راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، عدد 1025.
10) Jean Giono, Les vraies richesses, Paris 1936, Préface in: Henri de Lubac, Catholicisme. Aspects sociaux du dogme, Paris 1983, VII.
11- مهما كان يقصد القديس أمبروسيوس بكلامه – فصحيحٌ أن إزالةَ الموتِ أو حتى تأجيله المستمرّ تضعُ الأرضَ والبشريةَ في حالةٍ فظيعة كما أن ذلك لا يعني منحَ الفردِ خيراً. من الواضح أن هناك تناقضاً في موقفنا يُعبِّرُ عن تناقضٍ أعمق يخصُّ وجودَنا نفسه. من جهةٍ، نحن لا نريد أن نموتَ؛ وفوق كل شيء مَن يُحبنا لا يُريدُ أن نموتَ. ومن جهةٍ أخرى، لا نرغب في أن نستمرَّ في الحياة على الدوام، ولا حتى الأرض قد صُنِعت لهذا الهدف. فإذاً، ماذا نريدُ في الحقيقة؟ يَطرحُ هذا التناقضُ الظاهريُّ في موقفنا سؤالاً أعمق: ما هي حقيقةُ «الحياة»؟ وماذا يعني في الحقيقةِ كلمة «أبدية»؟ هناك لحظاتٌ نستشعرُها بشكلٍ مفاجئ ونهتف: نعم، تلك هي «الحياةُ» الحقيقية، هكذا يجب أن تكون. وإذا ما قارنا ما ندعوه «حياةً» بشكلٍ معتاد مع هذا الإستشعار نجد أن ما ندعوه حياةً ليس في الحقيقة بحياة. في رسالته المُطوَّلة عن الصلاة، الموجَّهة إلى بروبا – أرملة رومانية ثرية وأم لثلاثة قناصل – كتب أغسطينوس ذات مرة: «في الواقع نحن نريدُ شيئاً واحداً - «الحياة السعيدة»، الحياة التي هي ببساطة «حياة»، ببساطة «سعادة». في نهاية الأمر لا يوجد شيءٌ آخر نطلبُهُ في الصلاة. هذا هو الأمر الوحيد الذي نسعى إليه، هذا هو فقط». بعد ذلك يقول أيضاً أغسطينوس: إذا أمعنّا النظر نجد أننا لا نعرف أبداً ماذا نرغبُ، ماذا نودُّ في الواقع. نحن لا نعرف أبداً واقع ما نرغب؛ حتى في تلك اللحظات التي نظنُّ أننا لمسناهُ، في الحقيقة نحنُ لا نَصلُ إليه. «نحن لا نعرف ما نطلب»، يعترف مستخدماً كلمة بولس (روم 8 / 26). ما نعرفه فقط هو أنه ليس هذا. مع ذلك، ومع أننا لا نعرف هذا الواقع، نعرف أنه موجودٌ. «فينا إذاً نوعٌ من الجهلِ المُثقَّف (docta ignorantia)» يكتب أغسطينوس. لا نعلمُ ما نريدُ في الحقيقة؛ لا نعرفُ هذه «الحياة الحقيقية»؛ ومع ذلك نعلمُ أنه لا بدَّ من وجودِ شيءٍ ما نجهلهُ لكننا نشعر بإندفاعنا إليه [8].
12- أعتقد أن أغسطينوس، بهذه الكلمات، يصفُ بشكلٍ دقيقٍ جداً وصالحٍ لكلِّ زمن حالةَ الإنسانِ الجوهرية، الحالة التي عنها تنتج كل تناقضاته وآماله. نحن نرغبُ بشكلٍ من الأشكال الحياةَ نفسها، تلك الحقيقية، تلك التي لا تصلُ إليها يدُ الموتِ؛ وفي نفس الوقت لا نعرفُ ما هو الشيء الذي نشعرُ بأننا مندفعين نحوَه. نحن لا نستطيع إيقافَ هذا الإندفاع ومع ذلك نعرف بأنَّ كل ما نقدرُ أن نختبرَ ونحقِّق ليس هو الشيء الذي إليهِ نصبو. هذا «الشيء» المجهول هو «الرجاء» الحقيقيّ الذي يدفعنا، وكونه مجهولاً يجعلُهُ، في نفس الوقت، سببَ كلِّ اليأس وكل الإندفاعِ الإيجابيّ أو المُحطِّم نحو العالَم الأصيل والإنسان الأصيل. إن تعبير «الحياة الأبدية» هو عبارة عن تسمية تشير إلى ذلك الواقع المجهول المعلوم. وهي طبعاً عبارة غير كافية وتُسبب تشويشاً. فكلمة «أبدية» توقظُ فينا فكرة اللانهاية، وهذا يخيفنا؛ أما كلمةَ «حياة» تجعلنا نفكر بالحياة التي نعرفها ونحبّها ولا نريد أن نخسرها، والتي هي في نفس الوقت تعبٌ أكثر من كونها إشباعاً، هكذا بينما نحن نرغبُ فيها من جهةٍ لا نريدها من جهةٍ أخرى. نحن لا نستطيع إلا أن نُحاولَ الخروجَ بأفكارنا من حدودِ الزمن الذي نحن سُجناء فيهِ، فنستبقُ بشكلٍ من الأشكال الأبدية التي ليست عبارةً عن أيامِ رزنامةٍ تتابعُ يوماً تلو الآخر، بل شيئاً ما كلحظةٍ يملؤها الإشباع، فيها يُعانقنا الكلُّ ونحن نعانق الكلّ. ستكون لحظةُ انغمارنا في محيطِ المحبة اللامتناهي، حيث الزمنُ – ما قبلُ وما بعدُ – يكفُّ عن الوجود. نحن لا نستطيعُ إلا أن نفكّر أن تلك اللحظة هي الحياةُ بالمعنى الكامل، إنغمارٌ مستمرٌّ في فساحةِ الكيان، يُرافقه فرحٌ يغلبُ كياننا. هكذا يُعبر عنهُ يسوعُ في إنجيل يوحنا: «سأعودُ فأراكم، فتفرحُ قلوبُكم فرحاً لا ينتَزعهُ منكم أحدٌ» (16 / 22). إذا أردنا أن نفهم غايةَ الرجاء المسيحيّ وما ننتظره من الإيمان ومن كوننا في المسيح، علينا أن نفكر بهذا الشكل [9].
هل الرجاء المسيحي ذو نزعة فردية؟
13- على مر العصور، حاول المسيحيون أن يُترجموا معرفتهم لهذا الشيء المجهول بأشكال يمكن تخيّلها، وقد طوَّروا صوراً للـ «سماء» تبقى بعيدة عن الحقيقة التي يمكننا معرفتها فقط بطريقة سلبية، أي عن طريق اللامعرفة. جميع هذه التصورات عن الرجاء قد أعطَت الكثيرينَ عبر التاريخ الدافع ليعيشوا حسب الإيمان وليتخلّوا أيضاً عمّا يملكوه من «hyporchonta» أي الخيرات الماديّة اللازمة لحياتهم. لقد سردَ كاتب الرسالة إلى العبرانيين في الفصل الحادي عشر منها نوعاً من تاريخِ أولئك الذين عاشوا في الرجاء، واصفاً مسيرتهم، منذ هابيل حتى عصره. إلا أنه في عصرنا الحديث قد ظهر نقدٌ شديدٌ لهذا النوع من الرجاء وما زال متصاعداً في حدَّته: فهو يتهمُ هذا الرجاء بأنه ذو نزعة فرديّة صافية، لأنه يتخلى عن العالم تاركاً إياه في شقائه بينما يلجأُ إلى خلاصٍ أبديّ فرديّ. لقد جمع هنري دو لوباك (Henri de Lubac) في مقدمة كتابه الأكثر شهرةً «Catholicisme. Aspects sociaux du dogme» («الكاثوليكية. مظاهر العقيدة الإجتماعية») بعض هذه الإنتقادات، منها واحدة تستحق الذكر: «هل وجدتُ الفرح؟ لا ... لقد وجدتُ فرحي أنا. إنه لأمرٌ مختلفٌ بشكلٍ رهيب ... إنَّ فرحَ يسوعَ يمكن أن يكون فردياً. يمكنه أن يعودَ لشخصٍ واحدٍ، وبالتالي فذاك الشخصُ يَخلُص. هو يعيشُ بسلامٍ...، الآن وللأبد، لكنه يعيشه هو وحده. لا يقلقه أن يعيشَ الفرحَ وحيداً. لا بل على العكس: فهو المُختار! في سعادته يجتازُ الصراعات حاملاً وردةً في يده» [10].
الحواشي:
8) رسالة "نحو البرهان" للقديس أغسطينوس (Ad Probam 14, 25-15, 28: CSEL 44, 68-73 130).
9) راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، عدد 1025.
10) Jean Giono, Les vraies richesses, Paris 1936, Préface in: Henri de Lubac, Catholicisme. Aspects sociaux du dogme, Paris 1983, VII.
- mmmknnعضو جديد
رد: الرسالة العامة (بالرجاء مخلصون)4 البابا بندكتس
الجمعة نوفمبر 07, 2008 8:33 am
الحياة مع المسيح افضل
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى