- الإكليريكي/ مايكل وليمعضو VIP
نظرة السماء للخدام وللخدمة
الثلاثاء مايو 13, 2008 5:26 pm
حدث فى تلك الليلة اننى كنت وحيداً فى غرفتى الخاصة ، متمدداً على مقعدى وناظراً الى لاشئ ، واذ بإبتسامة خاطئة تمر على شفتى - لعلنى كنت افكر فى نفسى كخادم - وهنا حدث حادث غريب : هل ثقلت رأسى فنمت ، ام اشتطت افكارى فتحولت الى احلام؟ ام اشهر الله لى احدى الرؤي؟ لست ادرى ولكننى ادرى شيئاً واحداً وهو اننى نظرت فإذ امامى مجموعة من الملائكة النورانيين واذا بهم يحملونى على اجنحتهم ويصعدون بى الى فوق وانا انظر الى الدنيا تحتى فاذا هى تصغر شيئاً فشيئاً حتى تتحول الى نقطة صغيرة مضيئة فى فضاء الكون وانصت الى اصوات العالم وضوضائه فإذا هى تأخذ فى الخفوت حتى تتحول الى سكون واتأمل نفسى فإذا بجسمى يخف ويخف حتى احس كأننى روح من غير جسد - فأتلفت فى حيرة حولى لأرى أرواحاً كثيرة سابحة مثلى فى الفضاء اللا نهائى وأرى من الملائكة الوفاً وربوات ربوات - هاهم الشاروبيم ذوو الستة الاجنحة والساروفيم الممتلئون اعيناً - وهاهى اصوات الجميع ترتفع فى نغم واحد موسيقى عجيب "قدوس قدوس قدوس" ولا اتمالك نفسى فأنشد معهم دون ان احس "قدوس الله الآب ..... قدوس ابنه الوحيد قدوس الروح القدس" وأستيقظ عن انشادى لأسمع نغمة قدسية خافتة لم تسمعها اذن من قبل فأتجه فى شوق شديد نحو مصدر الصوت فإذا امامى على بعد مدينة جميلة نورانية معلقة فى مِلك الله تموج بالتسبيح والترتيل كلما اسمع منها نغماً يمتلئ قلبى فرحاً وتهتز نفسى اشتياقاً ثم انا انظر فأرى فى المدينة على بعد اشباحاً اجمل من الملائكة : هوذا موسى ومعه ايليا وجميع الانبياء هوذا أنبا انطونيوس وأنبا اثناسيوس وجميع القديسين هاهم آبائى الأساقفة وآبائى الكهنة – وها هو اب اعترافى - ثم هاهم زملائى مدرسى مدارس الاحد... ولم استطع ان اتأمل اكتر من ذلك بل اندفعت فى قوة نحو تلك المدينة
ولكن عجباً - اننى لا أستطيع التقدم فهناك ملاك جبار كله هيبة وجلال ووقار يعترض سبيلى قائلاً :
- "مكانك قف! الى اين انت ذاهب ؟" فأجيبه:
- "الى تلك المدينة العظيمة ياسيدى الملاك - الى حيث زملائى واخوتى وآبائى القديسون". ولكن الملاك ينظر الىَّ فى دهشة ويقول:
- "ولكنها مدينة الخدام فهل انت خادم؟" فلما اجبته بالإيجاب قال لى :
- "إنك مخطئ ياصديقى فاسمك ليس فى سجل الخدام" وعصفت بى الدهشة فصرخت فى هذا الملاك حارس المدينة:
- "كيف هذا؟ لعلك لا تعرفنى ياسيدى الملاك. إسأل عنى مدارس الاحد واجتماعات الشباب وأسأل عنى الكنائس والجمعيات. بل اسأل عنى ايضاً فى مدينة الخدام اذ يعرفنى هناك كثيراً من زملائى مدرسى مدارس الاحد ..."
واجابنى الملاك فى صرامة وصراحة :
- "اننى اعرفك جيداً وهم ايضاً يعرفونك ولكنك مع ذلك لست بخادم فهذا حكم الله"
ولم احتمل تلك الكلمات فوقعت على قدمى ابكى فى مرارة ولكن ملاك آخر اتى ومسح لى كل دمعة من عينى وقال لى فى رفق :
- "إنك يا أخى فى المكان الذى هرب منه الحزن والكآبة فلماذا تكتئب ؟ - تعال معى ولنتفاهم".
وجلسنا منفردين نتناقش فقال لى:
ولكن عجباً - اننى لا أستطيع التقدم فهناك ملاك جبار كله هيبة وجلال ووقار يعترض سبيلى قائلاً :
- "مكانك قف! الى اين انت ذاهب ؟" فأجيبه:
- "الى تلك المدينة العظيمة ياسيدى الملاك - الى حيث زملائى واخوتى وآبائى القديسون". ولكن الملاك ينظر الىَّ فى دهشة ويقول:
- "ولكنها مدينة الخدام فهل انت خادم؟" فلما اجبته بالإيجاب قال لى :
- "إنك مخطئ ياصديقى فاسمك ليس فى سجل الخدام" وعصفت بى الدهشة فصرخت فى هذا الملاك حارس المدينة:
- "كيف هذا؟ لعلك لا تعرفنى ياسيدى الملاك. إسأل عنى مدارس الاحد واجتماعات الشباب وأسأل عنى الكنائس والجمعيات. بل اسأل عنى ايضاً فى مدينة الخدام اذ يعرفنى هناك كثيراً من زملائى مدرسى مدارس الاحد ..."
واجابنى الملاك فى صرامة وصراحة :
- "اننى اعرفك جيداً وهم ايضاً يعرفونك ولكنك مع ذلك لست بخادم فهذا حكم الله"
ولم احتمل تلك الكلمات فوقعت على قدمى ابكى فى مرارة ولكن ملاك آخر اتى ومسح لى كل دمعة من عينى وقال لى فى رفق :
- "إنك يا أخى فى المكان الذى هرب منه الحزن والكآبة فلماذا تكتئب ؟ - تعال معى ولنتفاهم".
وجلسنا منفردين نتناقش فقال لى:
وجلسنا منفردين نتناقش فقال لى:
- "إن أولئك الذين تراهم فى مدينة الخدام قد كرسوا كل حياتهم لله فكانت كل دقيقة من أعمارهم تنفق في الخدمة اليست هكذا كانت حياة بولس وباقى الرسل؟ اليست هكذا كانت حياة موسى والأنبياء؟ أليست هكذا كانت حياة الأساقفة والكهنة والشمامسة ؟ أليست هكذا كانت حياة القديسين؟ أما أنت ياصديقى فلم تكن مكرساً بل كنت تخدم العالم. وكل مالك من خدمة روحية هو ساعة واحدة فى الاسبوع تقضيها فى مدارس الاحد واحياناً كانت خدماتك الاخرى تجعلك تعطى الله ساعة ثانية فهل من اجل ساعتين فى الاسبوع تريد ان تجلس الى جانب الرسل والانبياء والكهنة فى مدينة الخدام؟".
وكنت مطرقاً خجلاً اثناء ذلك الحديث كله غير اننى قاومت خجلى وتجرأت وسألت الملاك: "ولكننى ارى فى مدينة الخدام بعضاً من زملائى مدرسى مدارس الاحد وهم مثلى فى خدمتى" فأجابنى الملاك:
- كلا انهم ليسوا مثلك حقيقةً انهم كانوا يخدمون ساعة او ا كثر فى مدارس الاحد ولكنهم كانوا يقضون الاسبوع كله تمهيداً لتلك الساعة فكانوا يصرفون وقتاً كبيراً فى تحضير الدروس ووسائل الايضاح وطرق التشويق والصلاة من اجل كل ذلك وبحث حالات التلاميذ واحداً واحداً والتفكير فى طريقة لإصلاح كل فرد على حدة يضاف الى ذلك انشغالهم فى الافتقاد وفى ابتكار طرق نافعة لشغل اوقات تلاميذهم اثناء الاسبوع - ثم كانت لهم خدمات اخرى مختفية لاتعرفها وهكذا كانوا يعتبرون الخدمة الروحية عملهم الرئيسى ويرون باقى اعمال العالم اموراً ثانوية - لا أعنى انهم اهملوا مسئولياتهم وواجباتهم العالمية بل كانوا مخلصين لها جداً وناجحين فيها للغاية وإن كان عملهم العالمى أيضاً لا يخلو من الخدمة وهكذا حسبهم الله مكرسين".
وعجبت من هذه العبارة فسألت "وكيف استطيع ان اكون خادماً وانا مشغولاً بعملى العالمى؟" فأجابنى الملاك :
"لعلك نسيت يا أخى عمومية الخدمة ! يجب ان تخدم الله فى كل وقت وفى كل مكان : فى الكنيسة وفى الطريق وفى منزلك وفى مكان عملك وأينما حللت او تنقلت.
"لايجب إذن الفصل بين المهنة والخدمة فعندنا فى مدينة الخدام مدرسون استطاعوا ان يجذبوا كل تلاميذهم المسيحيين الى مدارس الاحد وأن يصلحوهم ويتعهدوا بالعناية المستمرة.
وعندنا فى مدينة الخدام اطباء لم يتخذوا الطب تجارة وإنما اهتموا قبل كل شئ بصحة مرضاهم مهما كانت حالتهم المالية فكانوا فى احيان كثيرة يداوون المريض ويرسلون له الدواء - كل ذلك بدون اجر بل كانوا يقومون بتأسيس المستشفيات والمستوصفات المجانية
وعندنا فى مدينة الخدام موظفون استطاعوا ان يقودوا كل زملائهم فى العمل الى الكنيسة للاعتراف والتناول من الاسرار المقدسة. وهناك ايضاً مهندسون ومحامون وفنانون وتجار وصناع : كل أولئك كانوا خداماً فى مهنهم فهل كنت انت كذلك؟"
فخجلت من نفسى ولم اجب ولكن الملاك قال لى فى تأنيب مؤلم:
- "هذا عن الخدمة فى مجال عملك: ثم ماذا عن خدمتك فى اسرتك! - إن يشوع الذى تراه فى مدينة الخدام كان يقول "اما انا وبيتى فنعبد الرب". اما انت فلم تخدم بيتك بل كنت على العكس فى نزاع مستمر مع افراد اسرتك بل فشلت فى ان تكون قدوة لهم وأن تجعلهم يقتدون بك. ثم ماذا عن اصدقائك وزملائك وجيرانك ومعارفك؟ كنت تزورهم فى عيدى الميلاد والقيامة دون ان تحدثهم عن الميلاد والقيامة وعن الولادة الجديدة والقيام من الخطية بل تفرح معهم فرحاً عالمياً وأتيحت لك فرص كثيرة لخدمتهم ولم تستغلها فهل تعتبر نفسك بعد كل ذلك خادماً؟!"
وطأطأت رأسى خجلاً للمرة الثالثة ولكنى مع ذلك احتلت على الاجابة فقلت :
"ولكنك تعلم ياسيدى الملاك اننى شخص ضعيف المواهب ولم اكن مستطيعاً ان اقوم بكل تلك الخدمة".
واندهش الملاك وكأنما سمع هذا الرأى لأول مرة فقال لى فى حدة:
- "مواهب؟ ومن قال انك بدون مواهب لاتستطيع ان تخدم! هناك يا أخى مايسمونه العظة الصامتة : لم يكن مطلوباً منك ان تكون واعظاً وإنما ان تكون عظة ... ينظر الناس الى وجهك فيتعلمون الوداعة والبشاشة والبساطة ويسمعون حديثك فيتعلمون
الطهارة والصدق والامانة ويعاملونك فيرون فيك
التسامح والإخلاص والتضحية ومحبة الآخرين
فيحبوك ويقلدوك ويصيروا بواسطتك اتقياء دون ان تعظ او تقف على منبر ثم هناك صلاتك من اجلهم وقد تجدى صلاتك اكثر من عظاتك".
وللمرة الرابعة تولانى الخجل والارتباك فلم احر جواباً - واستطرد الملاك فى قوله :
- "وكان يجب عليك ايضاً – كعظة صامته - ان تبتعد عن العثرات فلا تتصرف تصرفاً مهما كان بريئاً فى مظهره إن كان يفهمه الآخرون على غير حقيقته فيعثرهم - وهكذا تكون (بلا لوم) امام الله والناس كما يقول الكتاب: جاعلاً اما عينيك كخادم قول بولس الرسول "كل الاشياء تحل لى ولكن ليست كل الاشياء توافق"(1كو 6: 12)
وتأملت حياتى فوجدت اننى فى احوال كثيرة جعلت الاخرين يخطئون ولو عن غير قصد. وقطع على الملاك حبل تأملاتى قائلاً فى رفق:
"ولكن ليس هذا هو كل شئ اننى اشفق عليك كثيراً ياصديقى الانسان. وقد كنت اشفق عليك بالاكثر أثناء وجودك فى العالم وبخاصة فى تلك اللحظات التى كنت تتألم فيها من (البر الذاتى) كنت تنظر الى خدماتك الكثيرة فتحسب انك مثال للخدمة بينما لم تكن محسوباً خادماً على الاطلاق. ولعلك قد اقترفت اخطاء كثيرة اخرى منها ان خدمتك كانت خدمة رسميات فقد كنت تذهب الى مدارس الاحد كعادة اسبوعية وكعادة ايضاً كنت تصلى بالاولاد وكنت ترصد الغياب والحضور فتعطى للمواظب جائزة وتهمل الغائب كأنك غير مسئول عنه. وهكذا خلت خدمتك من الروح ومن المحبة ولم تستطع ان تصل الى اعماق قلوب الاولاد لان كلماتك وتصرفاتك لم تكن خارجة من اعماق قلبك. ولم يكن فى الترتيل الذى تعلمهم اياه روح البهجة ولم تكن فى صلاتك معهم روح الانسحاق أو التأمل أو التضرع. ولم تكن فى اوامرك لهم روح المحبة. وهكذا لم تحدث فى خدمتك تأثيراً وكذلك كنت فى عظاتك فى الكنائس أيضاً : تعظ لأن الكاهن طلب منك ذلك فوعدته وعليك ان تنفذ فكنت تهتم بتقسيم الموضوع وتنسيقه وإخراجه فى صورة تجذب الاعجاب اكثر مما تهتم بخلاص النفوس وكان صوتك رغم علوه وايقاعه ووضوحه بارداً خالياً من الحياة وكنت تبتهج - ولو داخلياً فقط - بمن يقرظ موضوعك دون ان تهتم هل جدد الموضوع حياة ذلك الشخص أم لا. ألا ترى معى ياصديقى انك كنت تخدم نفسك ولم تكن تخدم الله ولا الناس ولعل من دلائل ذلك ايضاً انك كنت ترحب بالخدمة فى الكنائس الكبيرة المشهورة الوافرة العدد دون الكنائس الصغيرة غير المعروفة كثيراً.
"ثم انه نقص من خدمتك فى هذه الناحية أمران هما: حب الخدمة وحب المخدومين ... اما عن حب الخدمة فيتجلى فى قول السيد المسيح "طوبى للجياع والعطاش الى البر لأنهم يشبعون" فهل كنت جوعاناً وعطشاناً الى خلاص النفوس؟ هل كنت طول الاسبوع تحلم بالساعة التى تقضيها وسط اولادك فى مدارس الاحد ؟ هل كنت تشعر بألم إذا غاب احدهم , وبشوق كبير الى رؤية ذلك الغائب فلا تهدأ حتى تجده وتعيد عليه شرح الدرس! - ثم الامر الآخر وهو حب المخدومين هل كنت تحب من تخدمهم وتحبهم الى المنتهى مثلما كان السيد المسيح يحب تلاميذه؟ هل كنت تعطف عليهم فتغمرهم بالحنان؟ وهل احبك تلاميذك أيضاً ؟ ام كنت تقضى الوقت كله فى انتهارهم ومعاقبتهم بالحرمان من الصور والجوائز؟
من قال لك ان تلك الطريقة صالحة لمعالجة الاولاد؟
ان المحبة ياصديقى الانسان هى الدعامة الاولى للخدمة. ان لم تحب مخدوميك لاتستطيع ان تخدمهم وان لم يحبوك لا يمكن ان يستفيدوا منك".
وأطرقت فى خجل مرير وقد انكشفت لى حقيقتى بينما نظر الى الملاك نظرة كلها عطف ومحبة وقال :
"اريد ان اصارحك بحقيقة هامة وهى انه كان يجب ان تقضى فترة طويلة فى الاستعداد والامتلاء قبل ان تبدأ الخدمة - لأنك وقد بدأت مبكراً ولم تكن لك اختبارات روحية كافية وقعت فى اخطاء كثيرة".
ونظرت اليه فى تساؤل وكأنما شق على ان أخطئ وقد كلفت بإصلاح اخطاء الآخرين فأجاب الملاك على نظرتى بقوله:
- "هناك ولد طردته من مدارس الاحد لعصيانه وعدم نظامه - فأوجد هذا الطرد عنده لوناً من العناد وقذف به الى أحضان الشارع والصحبة الشريرة فأصبح اسوأ من ذى قبل وحاقت به من تصرفك اضرار جسيمة خاصة وانه فى حالته الجديدة فقد المرشد والعناية ولابد انك مسؤل عن هذا لانه فى حدود عملك".
فأجبت (ولكنه ياسيدى الملاك كان يفسد على الدرس بل كان قدوة سيئة لغيره)
فأجاب الملاك فى مرارة:
- "وهل من أجل ذلك طردته؟ يالك من مسكين: هل أرسلك السيد المسيح لتدعوا ابراراً أم خطاة الى التوبة؟؟ إن تلاميذك القديسين الذين كنت بسببهم تحارب نفسك بالبر الذاتى ترجع قداستهم الى عمل الله فيهم أما ذلك المشاكس فهو الذى كان يجب ان تتناوله بالرعاية لمثل هذا النوع دعاك الله. ولو انك كرست جهودك كلها لإصلاح هذا الولد فقط ولم يكن لك فى حياة الخدمة غير هذا العمل لكان هذا وحده كافياً لدخولك مدينة الخدمة ... كان يجب ان تقدر قيمة النفس وان يكون لك الكثير من طول الاناة.
فخادم مدارس الاحد الذى تخلو مؤهلاته من هاتين الصفتين لا يستحق ان يكون خادماً .
فقلت للملاك فى رجاء : "وماذا كنت تريدنى ان اعمل مع هذا الولد؟" فأجاب:
تخدمه بقدر ماتستطيع وتختبر نفسيته وتعالجه بحسب ظروفه وتصلى كثيراً من اجله - فإذا مافشلت فلا تطرده وإنما حوله الى فصل آخر فقد ينجح زميل لك من المدرسين فيما فشلت انت فيه - فإذا لم ينفع هذا ايضاً يمكنكم ان تخصصوا فصلاً او اكثر من مدارس الاحد للاولاد المشاغبين يعامل فيها هؤلاء الاولاد معاملة خاصة وفق طبائعهم - ويمكن من ان تكثروا من افتقادهم ومن تقريبهم الى قلوبكم على الا يطرد واحد منهم مهما ادى الامر. انهم ليسوا بأكثر شراً من الحالة الاولى لزكا او المرأة السامرية او مدينة نينوى. وخادم الله لايعرف اليأس مطلقاً مادامت له الصلاة المنسحقة والقلب المحب".
وشعرت بندم على تصرفاتى القديمة ولكن الملاك استطرد :
- "ثم هناك ولد غاب عن فصلك اسبوعاً ثم اسبوعين فلم تفتقده وكل مافعلته كموظف رسمى فى مدارس الاحد (!!!) انك رصدته فى سجلك ضمن الغائبين واستغل الولد عدم افتقادك فاستمر فى غيابه وانتهزت انت فرصة غيابه المستمر فشطبت اسمه من قائمتك".
ونظر الىِّ الملاك فى صرامة وقال :
- "لماذا لم تفتقده؟" وضعفت امام حدة صوته ونظرته فصمتُ خوفاً بينما كرر سؤاله مرة اخرى فى عنف "لماذا لم تفتقده؟". وشعرت بعاصفة تجتاح راسى ولم اجب بينما ارتعش الملاك وقال فى اضطراب :
- "إن حالته الروحية تدعو الان الى الرثاء ولو استمر على هذه الحالة فإنه سوف...". واختلج صوت الملاك وصمت قليلاً ثم قال:
- "اننى وكثير من الملائكة نصلى من اجله حتى ينقذه الله ... وعندما يستجيب الله صلاتنا ويرسل اليه خادماً آخر اميناً فى خدمته وعندما ينقذ الولد فإن انقاذه سوف لايخليك من المسؤلية".
وكان صوته خافتاً متألماً لم احتمل سماعه فشعرت بالمناظر تدور امام عينى ثم وقعت مغشياً علىّ ...
وعندما افقت كان الملاك ينظر الىّ فى إشفاق وساعدتنى نظرته على التكلم فقلت:
"سامحنى ياسيدى الملاك فقد كان فى فصلى ثلاثون ولداً لم استطع ان افتقدهم جميعهم" فأجابنى :
- "وحتى انت وقعت فى هذه التجربة فى إغراء العدد؟ إن الله لايقيس الخدمة بعدد التلاميذ وإنما بعدد المتجددين الخالصين منهم ... أنا أعرف انه كان صعباً عليك ان تهتم بثلاثين ولداً من ناحية النظام والافتقاد والرعاية والتعليم بل كان من الصعب عليك ان تحفظ مجرد اسمائهم فلم تستطع ان تقول مع المسيح "خرافى تعرفنى وانا اعرفها". ولكن لماذا لم تقتصر فى خدمتك على عشرة اولاد مثلاً؟ ...".
وفضلت الصمت لأنى لم اجد جواباً اما الملاك فإنه قال لى فى اشفاق:
هل تعلم ماهو اهم سبب فى فشلك غير ماقلناه؟
انه اعتمادك على نفسك. وهكذا نسيت ان تصلى وتصوم من اجل الخدمة. إن زملائك مدرسى مدارس الاحد الذين فى مدينة الخدام كانوا يقيمون صلاة وصوماً خصيصاً من اجل فصولهم وكانوا فى كل يوم من ايام الاسبوع يذكرون اولادهم واحداً واحداً امام الله طالبين طلبة خاصة من اجل كل واحد بل كانوا يطلبون من آبائهم الكهنة إقامة قداسات خاصة من اجل الاولاد فهل كنت كذلك؟
"هذا كله عن الخدمة الروحية ثم ماذا عن خدمتك المادية ؟ هل ظننتها امراً ثانوياً ؟ الم تعلم ان الغنى الذى عاصر لعازر هلك لأنه لم يشفق على لعازر المسكين؟ ألم تسمع المسيح يقول للهالكين (كنت جوعاناً فلم تطعمونى , كنت عطشاناً... كنت عرياناً ... كنت مريضاً ...) فماذا فعلت انت ؟ ألم تتمسك ببعض الكماليات بينما كان اخوتك محتاجين الى الضروريات؟ ألم...".
ولم احتمل اكثر من ذلك فصرخت فى ألم
ولكن عجباً - اننى لا أستطيع التقدم فهناك ملاك جبار كله هيبة وجلال ووقار يعترض سبيلى قائلاً :
- "مكانك قف! الى اين انت ذاهب ؟" فأجيبه:
- "الى تلك المدينة العظيمة ياسيدى الملاك - الى حيث زملائى واخوتى وآبائى القديسون". ولكن الملاك ينظر الىَّ فى دهشة ويقول:
- "ولكنها مدينة الخدام فهل انت خادم؟" فلما اجبته بالإيجاب قال لى :
- "إنك مخطئ ياصديقى فاسمك ليس فى سجل الخدام" وعصفت بى الدهشة فصرخت فى هذا الملاك حارس المدينة:
- "كيف هذا؟ لعلك لا تعرفنى ياسيدى الملاك. إسأل عنى مدارس الاحد واجتماعات الشباب وأسأل عنى الكنائس والجمعيات. بل اسأل عنى ايضاً فى مدينة الخدام اذ يعرفنى هناك كثيراً من زملائى مدرسى مدارس الاحد ..."
واجابنى الملاك فى صرامة وصراحة :
- "اننى اعرفك جيداً وهم ايضاً يعرفونك ولكنك مع ذلك لست بخادم فهذا حكم الله"
ولم احتمل تلك الكلمات فوقعت على قدمى ابكى فى مرارة ولكن ملاك آخر اتى ومسح لى كل دمعة من عينى وقال لى فى رفق :
- "إنك يا أخى فى المكان الذى هرب منه الحزن والكآبة فلماذا تكتئب ؟ - تعال معى ولنتفاهم".
وجلسنا منفردين نتناقش فقال لى:
ولكن عجباً - اننى لا أستطيع التقدم فهناك ملاك جبار كله هيبة وجلال ووقار يعترض سبيلى قائلاً :
- "مكانك قف! الى اين انت ذاهب ؟" فأجيبه:
- "الى تلك المدينة العظيمة ياسيدى الملاك - الى حيث زملائى واخوتى وآبائى القديسون". ولكن الملاك ينظر الىَّ فى دهشة ويقول:
- "ولكنها مدينة الخدام فهل انت خادم؟" فلما اجبته بالإيجاب قال لى :
- "إنك مخطئ ياصديقى فاسمك ليس فى سجل الخدام" وعصفت بى الدهشة فصرخت فى هذا الملاك حارس المدينة:
- "كيف هذا؟ لعلك لا تعرفنى ياسيدى الملاك. إسأل عنى مدارس الاحد واجتماعات الشباب وأسأل عنى الكنائس والجمعيات. بل اسأل عنى ايضاً فى مدينة الخدام اذ يعرفنى هناك كثيراً من زملائى مدرسى مدارس الاحد ..."
واجابنى الملاك فى صرامة وصراحة :
- "اننى اعرفك جيداً وهم ايضاً يعرفونك ولكنك مع ذلك لست بخادم فهذا حكم الله"
ولم احتمل تلك الكلمات فوقعت على قدمى ابكى فى مرارة ولكن ملاك آخر اتى ومسح لى كل دمعة من عينى وقال لى فى رفق :
- "إنك يا أخى فى المكان الذى هرب منه الحزن والكآبة فلماذا تكتئب ؟ - تعال معى ولنتفاهم".
وجلسنا منفردين نتناقش فقال لى:
وجلسنا منفردين نتناقش فقال لى:
- "إن أولئك الذين تراهم فى مدينة الخدام قد كرسوا كل حياتهم لله فكانت كل دقيقة من أعمارهم تنفق في الخدمة اليست هكذا كانت حياة بولس وباقى الرسل؟ اليست هكذا كانت حياة موسى والأنبياء؟ أليست هكذا كانت حياة الأساقفة والكهنة والشمامسة ؟ أليست هكذا كانت حياة القديسين؟ أما أنت ياصديقى فلم تكن مكرساً بل كنت تخدم العالم. وكل مالك من خدمة روحية هو ساعة واحدة فى الاسبوع تقضيها فى مدارس الاحد واحياناً كانت خدماتك الاخرى تجعلك تعطى الله ساعة ثانية فهل من اجل ساعتين فى الاسبوع تريد ان تجلس الى جانب الرسل والانبياء والكهنة فى مدينة الخدام؟".
وكنت مطرقاً خجلاً اثناء ذلك الحديث كله غير اننى قاومت خجلى وتجرأت وسألت الملاك: "ولكننى ارى فى مدينة الخدام بعضاً من زملائى مدرسى مدارس الاحد وهم مثلى فى خدمتى" فأجابنى الملاك:
- كلا انهم ليسوا مثلك حقيقةً انهم كانوا يخدمون ساعة او ا كثر فى مدارس الاحد ولكنهم كانوا يقضون الاسبوع كله تمهيداً لتلك الساعة فكانوا يصرفون وقتاً كبيراً فى تحضير الدروس ووسائل الايضاح وطرق التشويق والصلاة من اجل كل ذلك وبحث حالات التلاميذ واحداً واحداً والتفكير فى طريقة لإصلاح كل فرد على حدة يضاف الى ذلك انشغالهم فى الافتقاد وفى ابتكار طرق نافعة لشغل اوقات تلاميذهم اثناء الاسبوع - ثم كانت لهم خدمات اخرى مختفية لاتعرفها وهكذا كانوا يعتبرون الخدمة الروحية عملهم الرئيسى ويرون باقى اعمال العالم اموراً ثانوية - لا أعنى انهم اهملوا مسئولياتهم وواجباتهم العالمية بل كانوا مخلصين لها جداً وناجحين فيها للغاية وإن كان عملهم العالمى أيضاً لا يخلو من الخدمة وهكذا حسبهم الله مكرسين".
وعجبت من هذه العبارة فسألت "وكيف استطيع ان اكون خادماً وانا مشغولاً بعملى العالمى؟" فأجابنى الملاك :
"لعلك نسيت يا أخى عمومية الخدمة ! يجب ان تخدم الله فى كل وقت وفى كل مكان : فى الكنيسة وفى الطريق وفى منزلك وفى مكان عملك وأينما حللت او تنقلت.
"لايجب إذن الفصل بين المهنة والخدمة فعندنا فى مدينة الخدام مدرسون استطاعوا ان يجذبوا كل تلاميذهم المسيحيين الى مدارس الاحد وأن يصلحوهم ويتعهدوا بالعناية المستمرة.
وعندنا فى مدينة الخدام اطباء لم يتخذوا الطب تجارة وإنما اهتموا قبل كل شئ بصحة مرضاهم مهما كانت حالتهم المالية فكانوا فى احيان كثيرة يداوون المريض ويرسلون له الدواء - كل ذلك بدون اجر بل كانوا يقومون بتأسيس المستشفيات والمستوصفات المجانية
وعندنا فى مدينة الخدام موظفون استطاعوا ان يقودوا كل زملائهم فى العمل الى الكنيسة للاعتراف والتناول من الاسرار المقدسة. وهناك ايضاً مهندسون ومحامون وفنانون وتجار وصناع : كل أولئك كانوا خداماً فى مهنهم فهل كنت انت كذلك؟"
فخجلت من نفسى ولم اجب ولكن الملاك قال لى فى تأنيب مؤلم:
- "هذا عن الخدمة فى مجال عملك: ثم ماذا عن خدمتك فى اسرتك! - إن يشوع الذى تراه فى مدينة الخدام كان يقول "اما انا وبيتى فنعبد الرب". اما انت فلم تخدم بيتك بل كنت على العكس فى نزاع مستمر مع افراد اسرتك بل فشلت فى ان تكون قدوة لهم وأن تجعلهم يقتدون بك. ثم ماذا عن اصدقائك وزملائك وجيرانك ومعارفك؟ كنت تزورهم فى عيدى الميلاد والقيامة دون ان تحدثهم عن الميلاد والقيامة وعن الولادة الجديدة والقيام من الخطية بل تفرح معهم فرحاً عالمياً وأتيحت لك فرص كثيرة لخدمتهم ولم تستغلها فهل تعتبر نفسك بعد كل ذلك خادماً؟!"
وطأطأت رأسى خجلاً للمرة الثالثة ولكنى مع ذلك احتلت على الاجابة فقلت :
"ولكنك تعلم ياسيدى الملاك اننى شخص ضعيف المواهب ولم اكن مستطيعاً ان اقوم بكل تلك الخدمة".
واندهش الملاك وكأنما سمع هذا الرأى لأول مرة فقال لى فى حدة:
- "مواهب؟ ومن قال انك بدون مواهب لاتستطيع ان تخدم! هناك يا أخى مايسمونه العظة الصامتة : لم يكن مطلوباً منك ان تكون واعظاً وإنما ان تكون عظة ... ينظر الناس الى وجهك فيتعلمون الوداعة والبشاشة والبساطة ويسمعون حديثك فيتعلمون
الطهارة والصدق والامانة ويعاملونك فيرون فيك
التسامح والإخلاص والتضحية ومحبة الآخرين
فيحبوك ويقلدوك ويصيروا بواسطتك اتقياء دون ان تعظ او تقف على منبر ثم هناك صلاتك من اجلهم وقد تجدى صلاتك اكثر من عظاتك".
وللمرة الرابعة تولانى الخجل والارتباك فلم احر جواباً - واستطرد الملاك فى قوله :
- "وكان يجب عليك ايضاً – كعظة صامته - ان تبتعد عن العثرات فلا تتصرف تصرفاً مهما كان بريئاً فى مظهره إن كان يفهمه الآخرون على غير حقيقته فيعثرهم - وهكذا تكون (بلا لوم) امام الله والناس كما يقول الكتاب: جاعلاً اما عينيك كخادم قول بولس الرسول "كل الاشياء تحل لى ولكن ليست كل الاشياء توافق"(1كو 6: 12)
وتأملت حياتى فوجدت اننى فى احوال كثيرة جعلت الاخرين يخطئون ولو عن غير قصد. وقطع على الملاك حبل تأملاتى قائلاً فى رفق:
"ولكن ليس هذا هو كل شئ اننى اشفق عليك كثيراً ياصديقى الانسان. وقد كنت اشفق عليك بالاكثر أثناء وجودك فى العالم وبخاصة فى تلك اللحظات التى كنت تتألم فيها من (البر الذاتى) كنت تنظر الى خدماتك الكثيرة فتحسب انك مثال للخدمة بينما لم تكن محسوباً خادماً على الاطلاق. ولعلك قد اقترفت اخطاء كثيرة اخرى منها ان خدمتك كانت خدمة رسميات فقد كنت تذهب الى مدارس الاحد كعادة اسبوعية وكعادة ايضاً كنت تصلى بالاولاد وكنت ترصد الغياب والحضور فتعطى للمواظب جائزة وتهمل الغائب كأنك غير مسئول عنه. وهكذا خلت خدمتك من الروح ومن المحبة ولم تستطع ان تصل الى اعماق قلوب الاولاد لان كلماتك وتصرفاتك لم تكن خارجة من اعماق قلبك. ولم يكن فى الترتيل الذى تعلمهم اياه روح البهجة ولم تكن فى صلاتك معهم روح الانسحاق أو التأمل أو التضرع. ولم تكن فى اوامرك لهم روح المحبة. وهكذا لم تحدث فى خدمتك تأثيراً وكذلك كنت فى عظاتك فى الكنائس أيضاً : تعظ لأن الكاهن طلب منك ذلك فوعدته وعليك ان تنفذ فكنت تهتم بتقسيم الموضوع وتنسيقه وإخراجه فى صورة تجذب الاعجاب اكثر مما تهتم بخلاص النفوس وكان صوتك رغم علوه وايقاعه ووضوحه بارداً خالياً من الحياة وكنت تبتهج - ولو داخلياً فقط - بمن يقرظ موضوعك دون ان تهتم هل جدد الموضوع حياة ذلك الشخص أم لا. ألا ترى معى ياصديقى انك كنت تخدم نفسك ولم تكن تخدم الله ولا الناس ولعل من دلائل ذلك ايضاً انك كنت ترحب بالخدمة فى الكنائس الكبيرة المشهورة الوافرة العدد دون الكنائس الصغيرة غير المعروفة كثيراً.
"ثم انه نقص من خدمتك فى هذه الناحية أمران هما: حب الخدمة وحب المخدومين ... اما عن حب الخدمة فيتجلى فى قول السيد المسيح "طوبى للجياع والعطاش الى البر لأنهم يشبعون" فهل كنت جوعاناً وعطشاناً الى خلاص النفوس؟ هل كنت طول الاسبوع تحلم بالساعة التى تقضيها وسط اولادك فى مدارس الاحد ؟ هل كنت تشعر بألم إذا غاب احدهم , وبشوق كبير الى رؤية ذلك الغائب فلا تهدأ حتى تجده وتعيد عليه شرح الدرس! - ثم الامر الآخر وهو حب المخدومين هل كنت تحب من تخدمهم وتحبهم الى المنتهى مثلما كان السيد المسيح يحب تلاميذه؟ هل كنت تعطف عليهم فتغمرهم بالحنان؟ وهل احبك تلاميذك أيضاً ؟ ام كنت تقضى الوقت كله فى انتهارهم ومعاقبتهم بالحرمان من الصور والجوائز؟
من قال لك ان تلك الطريقة صالحة لمعالجة الاولاد؟
ان المحبة ياصديقى الانسان هى الدعامة الاولى للخدمة. ان لم تحب مخدوميك لاتستطيع ان تخدمهم وان لم يحبوك لا يمكن ان يستفيدوا منك".
وأطرقت فى خجل مرير وقد انكشفت لى حقيقتى بينما نظر الى الملاك نظرة كلها عطف ومحبة وقال :
"اريد ان اصارحك بحقيقة هامة وهى انه كان يجب ان تقضى فترة طويلة فى الاستعداد والامتلاء قبل ان تبدأ الخدمة - لأنك وقد بدأت مبكراً ولم تكن لك اختبارات روحية كافية وقعت فى اخطاء كثيرة".
ونظرت اليه فى تساؤل وكأنما شق على ان أخطئ وقد كلفت بإصلاح اخطاء الآخرين فأجاب الملاك على نظرتى بقوله:
- "هناك ولد طردته من مدارس الاحد لعصيانه وعدم نظامه - فأوجد هذا الطرد عنده لوناً من العناد وقذف به الى أحضان الشارع والصحبة الشريرة فأصبح اسوأ من ذى قبل وحاقت به من تصرفك اضرار جسيمة خاصة وانه فى حالته الجديدة فقد المرشد والعناية ولابد انك مسؤل عن هذا لانه فى حدود عملك".
فأجبت (ولكنه ياسيدى الملاك كان يفسد على الدرس بل كان قدوة سيئة لغيره)
فأجاب الملاك فى مرارة:
- "وهل من أجل ذلك طردته؟ يالك من مسكين: هل أرسلك السيد المسيح لتدعوا ابراراً أم خطاة الى التوبة؟؟ إن تلاميذك القديسين الذين كنت بسببهم تحارب نفسك بالبر الذاتى ترجع قداستهم الى عمل الله فيهم أما ذلك المشاكس فهو الذى كان يجب ان تتناوله بالرعاية لمثل هذا النوع دعاك الله. ولو انك كرست جهودك كلها لإصلاح هذا الولد فقط ولم يكن لك فى حياة الخدمة غير هذا العمل لكان هذا وحده كافياً لدخولك مدينة الخدمة ... كان يجب ان تقدر قيمة النفس وان يكون لك الكثير من طول الاناة.
فخادم مدارس الاحد الذى تخلو مؤهلاته من هاتين الصفتين لا يستحق ان يكون خادماً .
فقلت للملاك فى رجاء : "وماذا كنت تريدنى ان اعمل مع هذا الولد؟" فأجاب:
تخدمه بقدر ماتستطيع وتختبر نفسيته وتعالجه بحسب ظروفه وتصلى كثيراً من اجله - فإذا مافشلت فلا تطرده وإنما حوله الى فصل آخر فقد ينجح زميل لك من المدرسين فيما فشلت انت فيه - فإذا لم ينفع هذا ايضاً يمكنكم ان تخصصوا فصلاً او اكثر من مدارس الاحد للاولاد المشاغبين يعامل فيها هؤلاء الاولاد معاملة خاصة وفق طبائعهم - ويمكن من ان تكثروا من افتقادهم ومن تقريبهم الى قلوبكم على الا يطرد واحد منهم مهما ادى الامر. انهم ليسوا بأكثر شراً من الحالة الاولى لزكا او المرأة السامرية او مدينة نينوى. وخادم الله لايعرف اليأس مطلقاً مادامت له الصلاة المنسحقة والقلب المحب".
وشعرت بندم على تصرفاتى القديمة ولكن الملاك استطرد :
- "ثم هناك ولد غاب عن فصلك اسبوعاً ثم اسبوعين فلم تفتقده وكل مافعلته كموظف رسمى فى مدارس الاحد (!!!) انك رصدته فى سجلك ضمن الغائبين واستغل الولد عدم افتقادك فاستمر فى غيابه وانتهزت انت فرصة غيابه المستمر فشطبت اسمه من قائمتك".
ونظر الىِّ الملاك فى صرامة وقال :
- "لماذا لم تفتقده؟" وضعفت امام حدة صوته ونظرته فصمتُ خوفاً بينما كرر سؤاله مرة اخرى فى عنف "لماذا لم تفتقده؟". وشعرت بعاصفة تجتاح راسى ولم اجب بينما ارتعش الملاك وقال فى اضطراب :
- "إن حالته الروحية تدعو الان الى الرثاء ولو استمر على هذه الحالة فإنه سوف...". واختلج صوت الملاك وصمت قليلاً ثم قال:
- "اننى وكثير من الملائكة نصلى من اجله حتى ينقذه الله ... وعندما يستجيب الله صلاتنا ويرسل اليه خادماً آخر اميناً فى خدمته وعندما ينقذ الولد فإن انقاذه سوف لايخليك من المسؤلية".
وكان صوته خافتاً متألماً لم احتمل سماعه فشعرت بالمناظر تدور امام عينى ثم وقعت مغشياً علىّ ...
وعندما افقت كان الملاك ينظر الىّ فى إشفاق وساعدتنى نظرته على التكلم فقلت:
"سامحنى ياسيدى الملاك فقد كان فى فصلى ثلاثون ولداً لم استطع ان افتقدهم جميعهم" فأجابنى :
- "وحتى انت وقعت فى هذه التجربة فى إغراء العدد؟ إن الله لايقيس الخدمة بعدد التلاميذ وإنما بعدد المتجددين الخالصين منهم ... أنا أعرف انه كان صعباً عليك ان تهتم بثلاثين ولداً من ناحية النظام والافتقاد والرعاية والتعليم بل كان من الصعب عليك ان تحفظ مجرد اسمائهم فلم تستطع ان تقول مع المسيح "خرافى تعرفنى وانا اعرفها". ولكن لماذا لم تقتصر فى خدمتك على عشرة اولاد مثلاً؟ ...".
وفضلت الصمت لأنى لم اجد جواباً اما الملاك فإنه قال لى فى اشفاق:
هل تعلم ماهو اهم سبب فى فشلك غير ماقلناه؟
انه اعتمادك على نفسك. وهكذا نسيت ان تصلى وتصوم من اجل الخدمة. إن زملائك مدرسى مدارس الاحد الذين فى مدينة الخدام كانوا يقيمون صلاة وصوماً خصيصاً من اجل فصولهم وكانوا فى كل يوم من ايام الاسبوع يذكرون اولادهم واحداً واحداً امام الله طالبين طلبة خاصة من اجل كل واحد بل كانوا يطلبون من آبائهم الكهنة إقامة قداسات خاصة من اجل الاولاد فهل كنت كذلك؟
"هذا كله عن الخدمة الروحية ثم ماذا عن خدمتك المادية ؟ هل ظننتها امراً ثانوياً ؟ الم تعلم ان الغنى الذى عاصر لعازر هلك لأنه لم يشفق على لعازر المسكين؟ ألم تسمع المسيح يقول للهالكين (كنت جوعاناً فلم تطعمونى , كنت عطشاناً... كنت عرياناً ... كنت مريضاً ...) فماذا فعلت انت ؟ ألم تتمسك ببعض الكماليات بينما كان اخوتك محتاجين الى الضروريات؟ ألم...".
ولم احتمل اكثر من ذلك فصرخت فى ألم
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى