- fr lukas rasmiعضو مميز
الصلاة الربانية (2) للقديس اغسطينوس
الثلاثاء سبتمبر 07, 2010 11:31 am
الصلاة الربانية (3)
(مت6)
1. لقد رددتم قانون الإيمان الذي يحوي موجزًا مختصرًا للإيمان. وقد سبق أن أخبرتكم بما يقوله الرسول بولس "كيف يدعون بمن لم يؤمنوا به" (رو 10: 14)، لأنكم قد سمعتم الآن وتعلمتم ورددتم كيف تؤمنوا بالله، لتسمعوا اليوم كيف تدعوه. وكما سمعتم في الإنجيل عند قراءته أن الابن نفسه علم تلاميذه ومؤمنيه هذه الصلاة. فلنا رجاء عظيم في ربح القضية إن كان لنا مثل هذا الشفيع الذي يلقننا طلبتنا. إن الديان الجالس عن يمين الآب كما تعترفون هو شفيعنا وهو الذي سيديننا، لأنه سيأتي من هناك ليدين الأحياء والأموات. إذن فلتعلموا هذه الصلاة أيضًا التي سترددونها في الثمانية أيام. وأما الذين لم يرددوا قانون الإيمان حسنا فليتعلموه، فإن لديهم متسعًا من الوقت، لأنكم سترددونه يوم السبت ، على مسمع من جميع الحاضرين، في آخر سبت ، حيث تكونون هناك لتقبلوا المعمودية.
ليتكم ترددون هذه الصلاة التي سمعتموها اليوم خلال الثمانية أيام التالية.
2. عن العبارة الأولى منها "أبانا الذي في السماوات" (مت 6: 9)، لقد وجدنا لنا أبًا في السماوات لذلك ينبغي أن نهتم كيف نحيا على الأرض، لأن الذي له أب كهذا ينبغي أن يحيا بطريقة بها يكون مستحقًا أن يدخل ميراثه. ولكننا نقول جميعنا معًا "أبانا" يا له من تواضع عظيم، فهذا ما يقوله الإمبراطور وما يقوله الشحاذ، هذا يقوله العبد ويقوله سيده. أنهم يقولون جميعا "أبانا الذي في السماوات"، لذلك هل فهموا أنهم إخوة، ناظرين أن لهم أبًا واحدًا فلا يستنكف السيد من أن يجعل عبده أخًا له ناظرًا أن الرب يسوع قد وهبه أن يكون أخًا له.
3. "ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك" فيتقدس اسم الله نصير مقدسين، لأن اسمه قدوس دائمًا. أننا نرغب أن يأتي ملكوته. أنه آت ولو لم نرغب ذلك. ولكن رغبتنا وصلاتنا من أجل مجيء ملكوته ليست إلا رغبة منا في أن يجعلنا مستحقين لملكوته، لئلا يأتي ولكن ليس لنا (لا يسمح الله بذلك)، لأنه لا يأتي لكثيرين ومع ذلك فهو آت. لأنه سيأتي للذين سيقال لهم "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34)، ولكنه لا يأتي للذين يقال لهم "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية" (مت 25: 41). لذلك عندما نصلي "ليأتي ملكوتك" نطلب ذلك ليأتي لنا. ماذا يقصد بـ "ليأتي لنا"؟ أي يجدنا صالحين. لهذا نطلب أن يجعلنا صالحين وبذا يأتي ملكوته لنا.
4. "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض". الملائكة تخدمك في السماء ليتنا نخدمك على الأرض! الملائكة لا تخطئ إليك في السماء، ليتنا لا نخطئ إليك على الأرض! كما يصنعون مشيئتك ليتنا نصنعها نحن أيضًا! ماذا نطلب هنا سوى أن نكون صالحين؟ لأننا حين نصنع مشيئة الله فإن مشيئته تصنع (تعمل) فينا 0(لأنه بدون شك يصنع الله مشيئته). ونستطيع أن ندرك هذه الكلمات "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" بمعنى آخر، صحيح أننا نقبل وصايا الله وهي مبهجة لنا، مبهجة لعقولنا، "فإننا نسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن" (رو 7: 22)، هذه هي مشيئته التي في السماء، لأن أرواحنا تشبه السماء، وأما الأرض فجسدنا. ماذا إذن يقصد بـ "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض"؟ أي كما تبتهج عقولنا بوصاياك هكذا ليت جسدنا يرتضي بها. وبهذا ينتهي الصراع الذي وصفه الرسول "لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد" (غلا 5: 17). فعندما تشتهي الروح ضد الجسد تكون مشيئته متممة في السماء، وعندما لا يشتهي الجسد ضد الروح تنفذ مشيئته على الأرض. سيكون وفاق كامل عندما يشاء الله، ويصير الصراع الآن نصرًا فيما بعد.
كذلك "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" يمكن أن تفهم بمعنى صحيح باعتبار "السماء" هي الكنيسة لأنها عرش الله، والأرض هي غير المؤمنين الذين قيل عنهم "لأنك تراب EARTH وإلى التراب تعود" (تك 3: 19). لذلك عندما نصلي من أجل أعدائنا من أجل أعداء الكنيسة، أعداء المسيحيين نطلب أن تكون مشيئته، "كما في السماء كذلك على الأرض". أي كما في مؤمنيك كذلك في المجدِّفين عليك فيصيروا "سماءًا".
5. يلي ذلك "خبزنا اليومي أعطنا اليوم". قد يفهم ببساطة أننا ننسكب في هذه الصلاة من أجل قوتنا اليومي ليكون متوافرًا لنا، أو إن لم يكن كذلك فعلى الأقل أن لا نكون في عوز. يقول (المصلي) الآن "خبزنا اليومي" مادام الوقت يدعى "اليوم" كل يوم نحيا، كل يوم نقوم، كل يوم نقتات، كل يوم نجوع، ليته يعطنا خبزنا اليومي. لماذا لم يقل "كساءنا" أيضًا، لأن عماد حياتنا هو في الأكل والشرب، وأما كساءنا ففي الملبس والمسكن. ينبغي أن لا يشتهي الإنسان أكثر من هذا. لأنه حسبما يقول الرسول: "لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن تخرج منه بشيء"، "فان كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما" (1 تي 6: 7-8). فإذ يتبدد الطمع نغتني الطبيعة. لهذا إن كانت هذه الصلاة تشير إلى قوتنا اليومي حيث يكون هذا هو الفهم الصحيح للكلمات "خبزنا اليومي أعطنا ليوم"، فلا نعجب إن كان يقصد بكلمة "الخبز" كل الاحتياجات الأخرى. لأنه عندما دعى يوسف إخوته للأكل قال "الرجال يأكلون (خبزًا) معي عند الظهر" (تك 43: 16)، هل سيأكلون خبزصا فقط؟ لا، بل لأن الإشارة إلى الخبز وحده يفهم منه كل بقية المأكولات. لذلك عندما نصلي من أجل خبزنا اليومي نطلب كل احتياجات أجسادنا على الأرض ولكن ماذا يقول الرب يسوع؟ "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33).
هناك معنى جميل جدًا لـ "خبزنا اليومي أعطنا اليوم"، أي أعطنا جسدك طعامنا اليومي لأن المؤمنين يعرفون ما يقبلونه، ولخيرهم يقبلون ذلك الخبز الضروري في هذه الحياة. إنهم يطلبون لأجل أنفسهم بأن يصيروا صالحين، ويثابروا على الصلاح والإيمان والحياة المقدسة هذا هو ما يرغبونه ويصلون من أجله، لأنهم إن لم يثبتوا في الحياة الصالحة فسيحرمون من ذلك الخبز. لذلك ماذا يعني "خبزنا اليومي أعطنا اليوم"؟ أي دعنا نعيش صالحين حتى لا ننفصل عن مذبحك. كذلك كلمة الله (المسيح) المقدم لنا والذي يقسم يوميًا بطريقة ما هو خبزنا اليومي "وكما يجوع جسدنا إلى الخبز الآخر هكذا تجوع أرواحنا لهذا الخبز. هكذا بكليهما (أجسادنا وأرواحنا)، نطلب من أجل ذلك الخبز وحده ، إذ يشمل "هذا الخبز" كل ما نحتاج إليه سواء أكان لأجل أرواحنا أو أجسادنا.
6. إننا نقول "اِغفر لنا ذنوبنا" حسنا نقول هذا لأننا نقول الحق لأنه من يحيا هنا في الجسد بدون أن يرتكب ذنبًا؟ أي إنسان يعيش هنا ولا يحتاج إلى هذه الصلاة؟ إنه قد ينتفخ ولكن لا يقدر أن يتبرر. كان خيرًا له أن يقتدي بالعشَّار ولا ينتفخ كالفرِّيسي الذي صعد إلى الهيكل متباهيًا باستحقاقاته خافيًا جراحاته، بينما الذي قال "اللهم ارحمني أنا الخاطئ" (مت 18: 13) عرف إلى أين يصعد.
انظروا أيها الإخوة فقد علّم الرب يسوع تلاميذه الذين هم رسله الأولين العظماء قادة قطيعنا أن يقدموا هذه الصلاة. فإن كان قادة القطيع يُصلون من أجل غفران خطاياهم، فماذا ينبغي أن نفعل نحن الحملان الذين قيل عنا "قدموا (أيها الحملان) للرب" (مز 29: 1)؟ لقد عرفتم أنكم ترددون هذا في قانون الإيمان لأنكم تشيرون فيه إلى "مغفرة الخطايا" هناك غفران واحد للخطايا جميعها يعطي مرة واحدة، وأخرى يعطي يوميًا في الصلاة الربانية حيث تقولون "واغفر لنا ذنوبنا".
7. لقد قربنا الله إلى ميثاق وعهد وارتباط راسخ فيه، وفي ذلك نقول "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" فالذي يريد أن يقول: "اغفر لنا ذنوبنا" بطريقة نافعة، ينبغي أن يقول بحق: "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا". فإن لم يقل هذا القول الأخير، أو يقوله بخداع يسير قوله الأول باطلاً.
إننا نقول لكم يا من اقتربتم على العماد المقدس أن تغفروا من قلوبكم كل شيء. وأنتم أيها المؤمنون، يا من تنتفعون من هذه الفرصة بإصغائكم إلى هذه الصلاة، وشرَحنا لها اغفروا كل ما على الآخرين غفرانًا تامًا من قلوبكم. اغفروها من قلوبكم التي يراها الله. إذ يغفر أحيانًا الإنسان بفمه ولكنه يحفظها في قلبه، يغفرها بالفم من أجل البشر، ويحتفظ بها في القلب، حيث لا يخاف عين الله. ليتكم إذن تغفروها تمامًا. أنه لا أقل من أن تغفروا في هذه الأيام المقدسة كل ما أبقيتموه حتى في هذه الأيام المقدسة (أيام الصوم الكبير).
"لا تغرب الشمس على غيظكم" (أف 4: 26)، ومع هذا فقد غابت الشمس مرارًا كثيرة. اتركوا غيظكم أيضًا، حيث نحتفل الآن بأيام الشمس العظيم، هذه الشمس التي يقول عنها الكتاب المقدس "لكم... تشرق شمس البرّ، والشفاء في أجنحتها" (ملا 4: 2). ماذا يقصد بـ "في أجنحتها"؟ أي في حمايته، إذ قيل في المزامير: "وبظل جناحيك استرني" (مز 17: 8). وأما أولئك الذين يندمون في يوم الدينونة، ولكن بعد مضي الوقت، والذين سيحزنون ولكن بلا فائدة، فقد سبق أن تنبأ في سفر الحكمة عن ما سيقولونه عندما يندمون ويتأوهون من عذاب الروح "فماذا أنفعتنا الكبرياء وماذا أفادنا افتخارنا بالغنى. قد مضى ذلك كالظل، لقد ضللنا عن طريق الحق، ولم يضيء لنا نور البرّ، ولم تشرق علينا الشمس" (حك 5: 8، 9، 6). تلك الشمس تشرق على الأبرار فقط، وأما هذه الشمس التي نراها يوميًا فإن الله يشرق شمسه على الأشرار والصالحين" (مت 5: 45). يطلب الأبرار رؤية تلك الشمس وهي تقطن في قلوبنا بالإيمان. فإن كنتم تغضبون لا تدعوا هذه الشمس تغرب في قلوبكم على غيظكم، "لا تغرب الشمس على غيظكم"، لئلا تكونوا غضْبى، فتغرب شمس البرّ عنكم وتمكثون في الظلام.
8. لا تظنوا أن الغضب أمر يستهان به، إذ يقول النبي "تعكرت (ذبلت) من الغضب عيناي" (مز 6: 7)، وبالتأكيد لا يستطيع (متوعك) العينين أن يعاين الشمس، فإذا حاول رؤيتها تؤذى ولا تبتهج بذلك. فما هو الغضب؟ أنه شهوة الانتقام. يشتهي الإنسان الانتقام، و المسيح لم ينتقم بعد، والشهداء القديسين لم ينتقموا بعد. لا زالت أناة الله تنتظر اهتداء أعداء المسيح وأعداء الشهداء، فمن نحن حتي نطلب الانتقام؟ فلو طلب الله الانتقام منا أين نثبت؟ إن الله الذي لا يضرنا في أي أمر من الأمور لا يرغب في الانتقام لنفسه منا فهل نطلب نحن الذين نخطئ دومًا إلى الله الانتقام؟ اغفروا إذن، اغفروا من قلوبكم.
إذا غضبتم فلا تخطئوا. "اغضبوا ولا تخطئوا" (مز 4:4)، يكون فإذ أنتم بشر اغضبوا متى تغلب الغضب عليكم، ولكن لا تخطئوا بإبقاء الغضب في قلوبكم، لأنكم إن أبقيتموه يكون ضد أنفسكم، حتى لا تحرموا من ذلك النور لذلك اغفروا. ما هو الغضب إذن؟ أنه شهوة الانتقام. وما هي الكراهية أنها الغضب المزمن. فماذا ما أزمن الغضب حينئذ يدعى كراهية. يبدوا أن الذي قال "تعكرت من الغضب عيناي"، مضيفًا شاخت من كل أعدائي (مز 6: 7)، يعرف أن ما كان في بدايته غضبًا صار باستمراره كراهية. الغضب "قذى" والكراهية "خشبة"، فأحيانًا نجد خطية في من يغضب بينما نحتفظ بالكراهية في قلوبنا. لذلك يقول لنا المسيح "لِما تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها" (مت 7: 3)، كيف نمت القذى إلى خشبة؟ بسبب عدم استئصالها سريعًا. لأنكم تركتم الشمس تشرق وتغرب كثيرًا على غيظكم وجعلتموه يزمن، فقبلتم الشكوك الشريرة وأرويتم القذى، وبإروائها انتعشت، وبانتعاشها صارت خشبه. إذن فلترتعبوا على الأقل عندما يقال "كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس" (1 يو 3: 15). إنكم لم تسحبوا السيف ولا أوجدتم جروحًا ولا قتلتم آخرين بأية ضربة، إنما يوجد فقط فكر كراهية في قلوبكم، الذي به تعتبرون قاتلي نفوس ومجرمين في عينيّ الله. إن الإنسان الآخر حيّ ومع ذلك فقد قتلتموه. فبالنسبة لكم تكونون قتلة للذين تكرهونهم تجددوا إذن وأصلحوا أنفسكم. إن كان في منازلكم عقارب وأفاعي كم ينبغي أن تكدُّوا لتنقونها حتى تكونون في مأمن منها في مسكنكم؟ ومع ذلك هل أنتم غضبى ويستأصِل الغضب في قلوبكم، وتنمو كراهيات كثرة، وخشب كثير وعقارب وأفاعي كثيرة، ولا تنقون بعد قلوبكم التي هي مسكن الله؟
إذن ما قد قيل "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا. وبذلك تقولون باطمئنان "اغفر لنا ذنوبنا" لأنكم لا تستطيعون الحياة في هذا العالم بدون خطية، ولكن تلك الجرائم العُظامى التي تلتمسون غفرانها في العماد، والتي ينبغي التحرر منها دائمًا، هي من نوع ما، كما توجد (يوجد) نوع آخر من الخطايا اليومية التي بدونها لا يعيش إنسان في العالم، لذلك فإن هذه الصلاة اليومية بميثاقها وتعهدها ضرورية. فكما تقول بكل فرح "اغفر لنا ذنوبنا" ينبغي أن نقول بكل صدق "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا".
لقد تحدثنا كثيرًا عن الخطايا الماضية والآن ماذا نقول عن الخطايا المقبلة.
9. "ولا تدخلنا في تجربة" اغفر لنا خطايانا التي صنعناها، وهبنا أن لا نخطئ بعد بأية خطية. لأن الذي يُغلب من التجربة يرتكب الخطية، لذلك يقول يعقوب الرسول "لا يقل أحد إذا جرب أني أُجرب من قبل الله. لأن الله غير مجرَّب بالشرور وهو لا يجرِّب أحدًا. ولكن كل واحد يجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كمُلت تنتج موتًا (يع 1: 13-15). فإذ لا تنجذبون إلى شهوتكم لا تقبلونها، ليس هناك وسائل لإدراكها إلا عن طريقكم. إنكم تقبلونها كما لو كنتم تحتضنوها في قلوبكم. الشهوة تثور فاضبطوا أنفسكم ولا تتبعوها. إنها شهوة محرمة ونجسة، إنها تفصلكم عن الله. لا تحتضنوها إذن بقبولها لئلا ينتابكم ميلاد (الخطية). لأنكم إذ تقبلونها أي إذا ما احتضنتموها تحبل، "والشهوة إذا حبلت تلد خطية"، ألا تخافون بعد؟ "والخطية تنتج موتًا" فعلى الأقل خافوا من الموت. إن لم تخافوا من الخطية خافوا من عاقبتها. الخطية حلوة ولكن الموت مرّ. هذا هو الحكم على البشرية أن الذين يخطئون يتركون هذا العالم عند موتهم حاملين خطاياهم معهم. إنكم تخطئون بسبب المال الذي ستتركونه، أو من أجل مركز عالمي ستتركونه، أو بسبب امرأة ستتركونها، أو أي شيء آخر من أجله تفعلون الشر، فعندما تغلقون أعينكم للموت تتركون هذه الأشياء جميعها، وأما الخطية نفسها التي ارتكبتموها تحملونها معكم.
10. ليته تُغفر الخطايا إذن، فالخطايا السابقة تغفر والآتية تبطل. ولكن لا يمكن أن تعيشوا هنا بدون خطية، سواء أكانت أقل الخطايا أو أصغرها أو الهفوات. لا تزدروا حتى بهذه الخطايا الصغيرة التافهة. فبقطرات صغيرة يمتلئ النهر. لا تستهينوا حتى بالخطايا القليلة، فمن الشقوق الصغيرة ينضح الماء في السفينة ويمتلئ جوفها، فإذا أهمل هذا أدى إلى الغرق. ولكن البحارة ليسوا متوانين بل تعمل أيديهم بنشاط لإزالة الماء يومًا فيوم. فبأيديكم النشيطة تستطيعون نزح (الماء) يومًا فيوم. ما المقصود "بالأيدي النشطة"؟ اجعلوها تعطي وتصنع أعمالاً صالحة، وبذلك تكون أيديكم عاملة "اكسر للجائع خبزك وادخِل المساكين التائهين إلى بيتك. إذا رأيت عريانا اكسيه" (إش 58: 7). اعملوا كل ما تستطيعون فعله. اعملوه بالطرق التي أُمرتم بها. اعملوه بفرح وبذلك تقدمون صلواتكم بثقة. فيكون لها جناحان ويكون لها برًا ALMS مزدوجًا. ما هو هذا البرّ المزدوج؟ "اغفروا يغفر لكم اُعطوا تعطوا" (او 6: 37-38). البرّ الأول وهو الذي يعمل من القلب عندما تغفروا لأخيكم عن أخطائه. البرّ الآخر الذي من الخارج عندما تعطوا الخبز للفقير. قدموا البرَّين معًا، لأن بدون أي "الجناحين" تبقى صلواتكم بلا حركة.
11-. لذلك عندما نقول "لا تدخلنا في تجربة يتبع ذلك "لكن نجنا من الشرير". من يرغب في التخلص من الشرير يشهد أنه في الشرير، لذلك يقول الرسول: "مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة" (أف 5: 16). ولكن "من هو الذي يهوى الحياة ويجب أن يرى أياما صالحة" (مز 34: 12) . ناظرين أن كل البشر في هذا الجسد يعيشون في أيام شريرة ومع ذلك من لا يرغب فيها؟ اِصغوا ما يلي "صن لسانك عن الشر وشفتيك عن التكلم بالغش. حد عن الشر واِصنع الخير. اُطلب السلامة واِسع وراءها" (مز 34: 13-14). وبهذا تتخلصون من الأيام الشريرة وتتحقق صلاتكم "نجنا من الشرير".
12. إن الطلبات الثلاثة الأولى "ليتقدس أسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك ما في السماء كذلك على الأرض"، من أجل الأبدية. وأما الطلبات الأربعة التالية فتتعلق بهذه الحياة.
"خبزنا اليومي أعطنا اليوم" هل سنسأل يوميًا عن الخبز اليومي عندما نصل إلى كمال النعمة؟"
"اغفر لنا ذنوبنا" هل نقول هذا في ذلك الملكوت حيث لا توجد هناك ذنوب؟
"ولا تدخلنا في تجربة" هل نستطيع أن نقول هذا حيث لا توجد هناك تجارب؟
"نجنا من الشرير" هل نقول هذا عندما لا يكون شيئًا تنجو منه؟
لذلك فإن هذه الطلبات الأربعة ضرورية لحياتنا اليومية، وأما الثلاثة الأولى فتخص الحياة الأبدية. ولكن لنسأل كل هذه الأشياء من أجل البلوغ إلى تلك الحياة، ولنصلي هنا حتى لا ننفصل عنه. اتلوا هذه الصلاة كل يوم عندما تتعمدون. لأن الصلاة الربانية تقال يوميًا في الكنيسة أمام مذبح الله والمؤمنون يسمعونها، لذلك فلا نخشى من عدم تعليمكم إياها باهتمام لأنه حتى إذا لم يستطيع أحدكم أن يتعلمها تمامًا فإنه سيتعلمها بسماعه إياها يوميًا.
13. لذلك فإنه في يوم السبت عندما تعيدون بنعمة الله، سوف لا ترددون الصلاة الربانية بل قانون الإيمان. لأنكم إن لم تعرفوا قانون الإيمان الآن فسوف لا تسمعونه كل يوم في الكنيسة وبين الشعب، ولكن عندما تتعلمونه قولوه كل يوم عندما تستيقظون وعندما تستعدون للنوم حتى لا تنسونه. اِتلوا قانون إيمانكم، اُتلوه للرب، ذكروا أنفسكم به ولا تكلوا من تكراره. فالتكرار مفيد حتى لا يستخوركم النسيان. لا تقولوا "لقد قلته أمس وقلته اليوم. إنني أقوله كل يوم لقد عرفته تمامًا. استدعوا إيمانكم لأذهانكم وانظروا إلى أنفسكم. ليكن إيمانكم كمرآة لكم، ففيه ترون أنفسكم، عما إذا كنتم تؤمنون بكل ما تعترفون بالإيمان به، هكذا تبتهجون يومًا فيوم في إيمانكم. ليكن ثروتكم وليكن بنوع ما الكساء اليومي لأرواحكم. أما تلبسون عند نهوضكم؟ هكذا تسترون أرواحكم بتكرار قانون إيمانكم لئلا بنسيانه تصيرون بغير كساء وبذا تصيرون عراه، وبذلك تصيرون كما يقول الرسول (ليحفظكم الله من ذلك) "وجدنا لابسين لا عراه" (1 كو 4: 3)، فإنه بإيماننا نستر هذا الإيمان، هو رداء وصدرية من النحاس في نفس الوقت، رداء ضد الخجل وصدرية من النحاس ضد الضيقات. ولكن عندما نصل إلى المكان الذي نملك فيه لا تكون هناك حاجة لترديد قانون الإيمان. إننا سنرى الله، سيكون الله نفسه رؤيتنا وستكون رؤيتنا لله جزاء لإيماننا الحالي.
(مت6)
1. لقد رددتم قانون الإيمان الذي يحوي موجزًا مختصرًا للإيمان. وقد سبق أن أخبرتكم بما يقوله الرسول بولس "كيف يدعون بمن لم يؤمنوا به" (رو 10: 14)، لأنكم قد سمعتم الآن وتعلمتم ورددتم كيف تؤمنوا بالله، لتسمعوا اليوم كيف تدعوه. وكما سمعتم في الإنجيل عند قراءته أن الابن نفسه علم تلاميذه ومؤمنيه هذه الصلاة. فلنا رجاء عظيم في ربح القضية إن كان لنا مثل هذا الشفيع الذي يلقننا طلبتنا. إن الديان الجالس عن يمين الآب كما تعترفون هو شفيعنا وهو الذي سيديننا، لأنه سيأتي من هناك ليدين الأحياء والأموات. إذن فلتعلموا هذه الصلاة أيضًا التي سترددونها في الثمانية أيام. وأما الذين لم يرددوا قانون الإيمان حسنا فليتعلموه، فإن لديهم متسعًا من الوقت، لأنكم سترددونه يوم السبت ، على مسمع من جميع الحاضرين، في آخر سبت ، حيث تكونون هناك لتقبلوا المعمودية.
ليتكم ترددون هذه الصلاة التي سمعتموها اليوم خلال الثمانية أيام التالية.
2. عن العبارة الأولى منها "أبانا الذي في السماوات" (مت 6: 9)، لقد وجدنا لنا أبًا في السماوات لذلك ينبغي أن نهتم كيف نحيا على الأرض، لأن الذي له أب كهذا ينبغي أن يحيا بطريقة بها يكون مستحقًا أن يدخل ميراثه. ولكننا نقول جميعنا معًا "أبانا" يا له من تواضع عظيم، فهذا ما يقوله الإمبراطور وما يقوله الشحاذ، هذا يقوله العبد ويقوله سيده. أنهم يقولون جميعا "أبانا الذي في السماوات"، لذلك هل فهموا أنهم إخوة، ناظرين أن لهم أبًا واحدًا فلا يستنكف السيد من أن يجعل عبده أخًا له ناظرًا أن الرب يسوع قد وهبه أن يكون أخًا له.
3. "ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك" فيتقدس اسم الله نصير مقدسين، لأن اسمه قدوس دائمًا. أننا نرغب أن يأتي ملكوته. أنه آت ولو لم نرغب ذلك. ولكن رغبتنا وصلاتنا من أجل مجيء ملكوته ليست إلا رغبة منا في أن يجعلنا مستحقين لملكوته، لئلا يأتي ولكن ليس لنا (لا يسمح الله بذلك)، لأنه لا يأتي لكثيرين ومع ذلك فهو آت. لأنه سيأتي للذين سيقال لهم "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34)، ولكنه لا يأتي للذين يقال لهم "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية" (مت 25: 41). لذلك عندما نصلي "ليأتي ملكوتك" نطلب ذلك ليأتي لنا. ماذا يقصد بـ "ليأتي لنا"؟ أي يجدنا صالحين. لهذا نطلب أن يجعلنا صالحين وبذا يأتي ملكوته لنا.
4. "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض". الملائكة تخدمك في السماء ليتنا نخدمك على الأرض! الملائكة لا تخطئ إليك في السماء، ليتنا لا نخطئ إليك على الأرض! كما يصنعون مشيئتك ليتنا نصنعها نحن أيضًا! ماذا نطلب هنا سوى أن نكون صالحين؟ لأننا حين نصنع مشيئة الله فإن مشيئته تصنع (تعمل) فينا 0(لأنه بدون شك يصنع الله مشيئته). ونستطيع أن ندرك هذه الكلمات "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" بمعنى آخر، صحيح أننا نقبل وصايا الله وهي مبهجة لنا، مبهجة لعقولنا، "فإننا نسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن" (رو 7: 22)، هذه هي مشيئته التي في السماء، لأن أرواحنا تشبه السماء، وأما الأرض فجسدنا. ماذا إذن يقصد بـ "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض"؟ أي كما تبتهج عقولنا بوصاياك هكذا ليت جسدنا يرتضي بها. وبهذا ينتهي الصراع الذي وصفه الرسول "لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد" (غلا 5: 17). فعندما تشتهي الروح ضد الجسد تكون مشيئته متممة في السماء، وعندما لا يشتهي الجسد ضد الروح تنفذ مشيئته على الأرض. سيكون وفاق كامل عندما يشاء الله، ويصير الصراع الآن نصرًا فيما بعد.
كذلك "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" يمكن أن تفهم بمعنى صحيح باعتبار "السماء" هي الكنيسة لأنها عرش الله، والأرض هي غير المؤمنين الذين قيل عنهم "لأنك تراب EARTH وإلى التراب تعود" (تك 3: 19). لذلك عندما نصلي من أجل أعدائنا من أجل أعداء الكنيسة، أعداء المسيحيين نطلب أن تكون مشيئته، "كما في السماء كذلك على الأرض". أي كما في مؤمنيك كذلك في المجدِّفين عليك فيصيروا "سماءًا".
5. يلي ذلك "خبزنا اليومي أعطنا اليوم". قد يفهم ببساطة أننا ننسكب في هذه الصلاة من أجل قوتنا اليومي ليكون متوافرًا لنا، أو إن لم يكن كذلك فعلى الأقل أن لا نكون في عوز. يقول (المصلي) الآن "خبزنا اليومي" مادام الوقت يدعى "اليوم" كل يوم نحيا، كل يوم نقوم، كل يوم نقتات، كل يوم نجوع، ليته يعطنا خبزنا اليومي. لماذا لم يقل "كساءنا" أيضًا، لأن عماد حياتنا هو في الأكل والشرب، وأما كساءنا ففي الملبس والمسكن. ينبغي أن لا يشتهي الإنسان أكثر من هذا. لأنه حسبما يقول الرسول: "لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن تخرج منه بشيء"، "فان كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما" (1 تي 6: 7-8). فإذ يتبدد الطمع نغتني الطبيعة. لهذا إن كانت هذه الصلاة تشير إلى قوتنا اليومي حيث يكون هذا هو الفهم الصحيح للكلمات "خبزنا اليومي أعطنا ليوم"، فلا نعجب إن كان يقصد بكلمة "الخبز" كل الاحتياجات الأخرى. لأنه عندما دعى يوسف إخوته للأكل قال "الرجال يأكلون (خبزًا) معي عند الظهر" (تك 43: 16)، هل سيأكلون خبزصا فقط؟ لا، بل لأن الإشارة إلى الخبز وحده يفهم منه كل بقية المأكولات. لذلك عندما نصلي من أجل خبزنا اليومي نطلب كل احتياجات أجسادنا على الأرض ولكن ماذا يقول الرب يسوع؟ "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33).
هناك معنى جميل جدًا لـ "خبزنا اليومي أعطنا اليوم"، أي أعطنا جسدك طعامنا اليومي لأن المؤمنين يعرفون ما يقبلونه، ولخيرهم يقبلون ذلك الخبز الضروري في هذه الحياة. إنهم يطلبون لأجل أنفسهم بأن يصيروا صالحين، ويثابروا على الصلاح والإيمان والحياة المقدسة هذا هو ما يرغبونه ويصلون من أجله، لأنهم إن لم يثبتوا في الحياة الصالحة فسيحرمون من ذلك الخبز. لذلك ماذا يعني "خبزنا اليومي أعطنا اليوم"؟ أي دعنا نعيش صالحين حتى لا ننفصل عن مذبحك. كذلك كلمة الله (المسيح) المقدم لنا والذي يقسم يوميًا بطريقة ما هو خبزنا اليومي "وكما يجوع جسدنا إلى الخبز الآخر هكذا تجوع أرواحنا لهذا الخبز. هكذا بكليهما (أجسادنا وأرواحنا)، نطلب من أجل ذلك الخبز وحده ، إذ يشمل "هذا الخبز" كل ما نحتاج إليه سواء أكان لأجل أرواحنا أو أجسادنا.
6. إننا نقول "اِغفر لنا ذنوبنا" حسنا نقول هذا لأننا نقول الحق لأنه من يحيا هنا في الجسد بدون أن يرتكب ذنبًا؟ أي إنسان يعيش هنا ولا يحتاج إلى هذه الصلاة؟ إنه قد ينتفخ ولكن لا يقدر أن يتبرر. كان خيرًا له أن يقتدي بالعشَّار ولا ينتفخ كالفرِّيسي الذي صعد إلى الهيكل متباهيًا باستحقاقاته خافيًا جراحاته، بينما الذي قال "اللهم ارحمني أنا الخاطئ" (مت 18: 13) عرف إلى أين يصعد.
انظروا أيها الإخوة فقد علّم الرب يسوع تلاميذه الذين هم رسله الأولين العظماء قادة قطيعنا أن يقدموا هذه الصلاة. فإن كان قادة القطيع يُصلون من أجل غفران خطاياهم، فماذا ينبغي أن نفعل نحن الحملان الذين قيل عنا "قدموا (أيها الحملان) للرب" (مز 29: 1)؟ لقد عرفتم أنكم ترددون هذا في قانون الإيمان لأنكم تشيرون فيه إلى "مغفرة الخطايا" هناك غفران واحد للخطايا جميعها يعطي مرة واحدة، وأخرى يعطي يوميًا في الصلاة الربانية حيث تقولون "واغفر لنا ذنوبنا".
7. لقد قربنا الله إلى ميثاق وعهد وارتباط راسخ فيه، وفي ذلك نقول "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" فالذي يريد أن يقول: "اغفر لنا ذنوبنا" بطريقة نافعة، ينبغي أن يقول بحق: "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا". فإن لم يقل هذا القول الأخير، أو يقوله بخداع يسير قوله الأول باطلاً.
إننا نقول لكم يا من اقتربتم على العماد المقدس أن تغفروا من قلوبكم كل شيء. وأنتم أيها المؤمنون، يا من تنتفعون من هذه الفرصة بإصغائكم إلى هذه الصلاة، وشرَحنا لها اغفروا كل ما على الآخرين غفرانًا تامًا من قلوبكم. اغفروها من قلوبكم التي يراها الله. إذ يغفر أحيانًا الإنسان بفمه ولكنه يحفظها في قلبه، يغفرها بالفم من أجل البشر، ويحتفظ بها في القلب، حيث لا يخاف عين الله. ليتكم إذن تغفروها تمامًا. أنه لا أقل من أن تغفروا في هذه الأيام المقدسة كل ما أبقيتموه حتى في هذه الأيام المقدسة (أيام الصوم الكبير).
"لا تغرب الشمس على غيظكم" (أف 4: 26)، ومع هذا فقد غابت الشمس مرارًا كثيرة. اتركوا غيظكم أيضًا، حيث نحتفل الآن بأيام الشمس العظيم، هذه الشمس التي يقول عنها الكتاب المقدس "لكم... تشرق شمس البرّ، والشفاء في أجنحتها" (ملا 4: 2). ماذا يقصد بـ "في أجنحتها"؟ أي في حمايته، إذ قيل في المزامير: "وبظل جناحيك استرني" (مز 17: 8). وأما أولئك الذين يندمون في يوم الدينونة، ولكن بعد مضي الوقت، والذين سيحزنون ولكن بلا فائدة، فقد سبق أن تنبأ في سفر الحكمة عن ما سيقولونه عندما يندمون ويتأوهون من عذاب الروح "فماذا أنفعتنا الكبرياء وماذا أفادنا افتخارنا بالغنى. قد مضى ذلك كالظل، لقد ضللنا عن طريق الحق، ولم يضيء لنا نور البرّ، ولم تشرق علينا الشمس" (حك 5: 8، 9، 6). تلك الشمس تشرق على الأبرار فقط، وأما هذه الشمس التي نراها يوميًا فإن الله يشرق شمسه على الأشرار والصالحين" (مت 5: 45). يطلب الأبرار رؤية تلك الشمس وهي تقطن في قلوبنا بالإيمان. فإن كنتم تغضبون لا تدعوا هذه الشمس تغرب في قلوبكم على غيظكم، "لا تغرب الشمس على غيظكم"، لئلا تكونوا غضْبى، فتغرب شمس البرّ عنكم وتمكثون في الظلام.
8. لا تظنوا أن الغضب أمر يستهان به، إذ يقول النبي "تعكرت (ذبلت) من الغضب عيناي" (مز 6: 7)، وبالتأكيد لا يستطيع (متوعك) العينين أن يعاين الشمس، فإذا حاول رؤيتها تؤذى ولا تبتهج بذلك. فما هو الغضب؟ أنه شهوة الانتقام. يشتهي الإنسان الانتقام، و المسيح لم ينتقم بعد، والشهداء القديسين لم ينتقموا بعد. لا زالت أناة الله تنتظر اهتداء أعداء المسيح وأعداء الشهداء، فمن نحن حتي نطلب الانتقام؟ فلو طلب الله الانتقام منا أين نثبت؟ إن الله الذي لا يضرنا في أي أمر من الأمور لا يرغب في الانتقام لنفسه منا فهل نطلب نحن الذين نخطئ دومًا إلى الله الانتقام؟ اغفروا إذن، اغفروا من قلوبكم.
إذا غضبتم فلا تخطئوا. "اغضبوا ولا تخطئوا" (مز 4:4)، يكون فإذ أنتم بشر اغضبوا متى تغلب الغضب عليكم، ولكن لا تخطئوا بإبقاء الغضب في قلوبكم، لأنكم إن أبقيتموه يكون ضد أنفسكم، حتى لا تحرموا من ذلك النور لذلك اغفروا. ما هو الغضب إذن؟ أنه شهوة الانتقام. وما هي الكراهية أنها الغضب المزمن. فماذا ما أزمن الغضب حينئذ يدعى كراهية. يبدوا أن الذي قال "تعكرت من الغضب عيناي"، مضيفًا شاخت من كل أعدائي (مز 6: 7)، يعرف أن ما كان في بدايته غضبًا صار باستمراره كراهية. الغضب "قذى" والكراهية "خشبة"، فأحيانًا نجد خطية في من يغضب بينما نحتفظ بالكراهية في قلوبنا. لذلك يقول لنا المسيح "لِما تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها" (مت 7: 3)، كيف نمت القذى إلى خشبة؟ بسبب عدم استئصالها سريعًا. لأنكم تركتم الشمس تشرق وتغرب كثيرًا على غيظكم وجعلتموه يزمن، فقبلتم الشكوك الشريرة وأرويتم القذى، وبإروائها انتعشت، وبانتعاشها صارت خشبه. إذن فلترتعبوا على الأقل عندما يقال "كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس" (1 يو 3: 15). إنكم لم تسحبوا السيف ولا أوجدتم جروحًا ولا قتلتم آخرين بأية ضربة، إنما يوجد فقط فكر كراهية في قلوبكم، الذي به تعتبرون قاتلي نفوس ومجرمين في عينيّ الله. إن الإنسان الآخر حيّ ومع ذلك فقد قتلتموه. فبالنسبة لكم تكونون قتلة للذين تكرهونهم تجددوا إذن وأصلحوا أنفسكم. إن كان في منازلكم عقارب وأفاعي كم ينبغي أن تكدُّوا لتنقونها حتى تكونون في مأمن منها في مسكنكم؟ ومع ذلك هل أنتم غضبى ويستأصِل الغضب في قلوبكم، وتنمو كراهيات كثرة، وخشب كثير وعقارب وأفاعي كثيرة، ولا تنقون بعد قلوبكم التي هي مسكن الله؟
إذن ما قد قيل "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا. وبذلك تقولون باطمئنان "اغفر لنا ذنوبنا" لأنكم لا تستطيعون الحياة في هذا العالم بدون خطية، ولكن تلك الجرائم العُظامى التي تلتمسون غفرانها في العماد، والتي ينبغي التحرر منها دائمًا، هي من نوع ما، كما توجد (يوجد) نوع آخر من الخطايا اليومية التي بدونها لا يعيش إنسان في العالم، لذلك فإن هذه الصلاة اليومية بميثاقها وتعهدها ضرورية. فكما تقول بكل فرح "اغفر لنا ذنوبنا" ينبغي أن نقول بكل صدق "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا".
لقد تحدثنا كثيرًا عن الخطايا الماضية والآن ماذا نقول عن الخطايا المقبلة.
9. "ولا تدخلنا في تجربة" اغفر لنا خطايانا التي صنعناها، وهبنا أن لا نخطئ بعد بأية خطية. لأن الذي يُغلب من التجربة يرتكب الخطية، لذلك يقول يعقوب الرسول "لا يقل أحد إذا جرب أني أُجرب من قبل الله. لأن الله غير مجرَّب بالشرور وهو لا يجرِّب أحدًا. ولكن كل واحد يجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كمُلت تنتج موتًا (يع 1: 13-15). فإذ لا تنجذبون إلى شهوتكم لا تقبلونها، ليس هناك وسائل لإدراكها إلا عن طريقكم. إنكم تقبلونها كما لو كنتم تحتضنوها في قلوبكم. الشهوة تثور فاضبطوا أنفسكم ولا تتبعوها. إنها شهوة محرمة ونجسة، إنها تفصلكم عن الله. لا تحتضنوها إذن بقبولها لئلا ينتابكم ميلاد (الخطية). لأنكم إذ تقبلونها أي إذا ما احتضنتموها تحبل، "والشهوة إذا حبلت تلد خطية"، ألا تخافون بعد؟ "والخطية تنتج موتًا" فعلى الأقل خافوا من الموت. إن لم تخافوا من الخطية خافوا من عاقبتها. الخطية حلوة ولكن الموت مرّ. هذا هو الحكم على البشرية أن الذين يخطئون يتركون هذا العالم عند موتهم حاملين خطاياهم معهم. إنكم تخطئون بسبب المال الذي ستتركونه، أو من أجل مركز عالمي ستتركونه، أو بسبب امرأة ستتركونها، أو أي شيء آخر من أجله تفعلون الشر، فعندما تغلقون أعينكم للموت تتركون هذه الأشياء جميعها، وأما الخطية نفسها التي ارتكبتموها تحملونها معكم.
10. ليته تُغفر الخطايا إذن، فالخطايا السابقة تغفر والآتية تبطل. ولكن لا يمكن أن تعيشوا هنا بدون خطية، سواء أكانت أقل الخطايا أو أصغرها أو الهفوات. لا تزدروا حتى بهذه الخطايا الصغيرة التافهة. فبقطرات صغيرة يمتلئ النهر. لا تستهينوا حتى بالخطايا القليلة، فمن الشقوق الصغيرة ينضح الماء في السفينة ويمتلئ جوفها، فإذا أهمل هذا أدى إلى الغرق. ولكن البحارة ليسوا متوانين بل تعمل أيديهم بنشاط لإزالة الماء يومًا فيوم. فبأيديكم النشيطة تستطيعون نزح (الماء) يومًا فيوم. ما المقصود "بالأيدي النشطة"؟ اجعلوها تعطي وتصنع أعمالاً صالحة، وبذلك تكون أيديكم عاملة "اكسر للجائع خبزك وادخِل المساكين التائهين إلى بيتك. إذا رأيت عريانا اكسيه" (إش 58: 7). اعملوا كل ما تستطيعون فعله. اعملوه بالطرق التي أُمرتم بها. اعملوه بفرح وبذلك تقدمون صلواتكم بثقة. فيكون لها جناحان ويكون لها برًا ALMS مزدوجًا. ما هو هذا البرّ المزدوج؟ "اغفروا يغفر لكم اُعطوا تعطوا" (او 6: 37-38). البرّ الأول وهو الذي يعمل من القلب عندما تغفروا لأخيكم عن أخطائه. البرّ الآخر الذي من الخارج عندما تعطوا الخبز للفقير. قدموا البرَّين معًا، لأن بدون أي "الجناحين" تبقى صلواتكم بلا حركة.
11-. لذلك عندما نقول "لا تدخلنا في تجربة يتبع ذلك "لكن نجنا من الشرير". من يرغب في التخلص من الشرير يشهد أنه في الشرير، لذلك يقول الرسول: "مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة" (أف 5: 16). ولكن "من هو الذي يهوى الحياة ويجب أن يرى أياما صالحة" (مز 34: 12) . ناظرين أن كل البشر في هذا الجسد يعيشون في أيام شريرة ومع ذلك من لا يرغب فيها؟ اِصغوا ما يلي "صن لسانك عن الشر وشفتيك عن التكلم بالغش. حد عن الشر واِصنع الخير. اُطلب السلامة واِسع وراءها" (مز 34: 13-14). وبهذا تتخلصون من الأيام الشريرة وتتحقق صلاتكم "نجنا من الشرير".
12. إن الطلبات الثلاثة الأولى "ليتقدس أسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك ما في السماء كذلك على الأرض"، من أجل الأبدية. وأما الطلبات الأربعة التالية فتتعلق بهذه الحياة.
"خبزنا اليومي أعطنا اليوم" هل سنسأل يوميًا عن الخبز اليومي عندما نصل إلى كمال النعمة؟"
"اغفر لنا ذنوبنا" هل نقول هذا في ذلك الملكوت حيث لا توجد هناك ذنوب؟
"ولا تدخلنا في تجربة" هل نستطيع أن نقول هذا حيث لا توجد هناك تجارب؟
"نجنا من الشرير" هل نقول هذا عندما لا يكون شيئًا تنجو منه؟
لذلك فإن هذه الطلبات الأربعة ضرورية لحياتنا اليومية، وأما الثلاثة الأولى فتخص الحياة الأبدية. ولكن لنسأل كل هذه الأشياء من أجل البلوغ إلى تلك الحياة، ولنصلي هنا حتى لا ننفصل عنه. اتلوا هذه الصلاة كل يوم عندما تتعمدون. لأن الصلاة الربانية تقال يوميًا في الكنيسة أمام مذبح الله والمؤمنون يسمعونها، لذلك فلا نخشى من عدم تعليمكم إياها باهتمام لأنه حتى إذا لم يستطيع أحدكم أن يتعلمها تمامًا فإنه سيتعلمها بسماعه إياها يوميًا.
13. لذلك فإنه في يوم السبت عندما تعيدون بنعمة الله، سوف لا ترددون الصلاة الربانية بل قانون الإيمان. لأنكم إن لم تعرفوا قانون الإيمان الآن فسوف لا تسمعونه كل يوم في الكنيسة وبين الشعب، ولكن عندما تتعلمونه قولوه كل يوم عندما تستيقظون وعندما تستعدون للنوم حتى لا تنسونه. اِتلوا قانون إيمانكم، اُتلوه للرب، ذكروا أنفسكم به ولا تكلوا من تكراره. فالتكرار مفيد حتى لا يستخوركم النسيان. لا تقولوا "لقد قلته أمس وقلته اليوم. إنني أقوله كل يوم لقد عرفته تمامًا. استدعوا إيمانكم لأذهانكم وانظروا إلى أنفسكم. ليكن إيمانكم كمرآة لكم، ففيه ترون أنفسكم، عما إذا كنتم تؤمنون بكل ما تعترفون بالإيمان به، هكذا تبتهجون يومًا فيوم في إيمانكم. ليكن ثروتكم وليكن بنوع ما الكساء اليومي لأرواحكم. أما تلبسون عند نهوضكم؟ هكذا تسترون أرواحكم بتكرار قانون إيمانكم لئلا بنسيانه تصيرون بغير كساء وبذا تصيرون عراه، وبذلك تصيرون كما يقول الرسول (ليحفظكم الله من ذلك) "وجدنا لابسين لا عراه" (1 كو 4: 3)، فإنه بإيماننا نستر هذا الإيمان، هو رداء وصدرية من النحاس في نفس الوقت، رداء ضد الخجل وصدرية من النحاس ضد الضيقات. ولكن عندما نصل إلى المكان الذي نملك فيه لا تكون هناك حاجة لترديد قانون الإيمان. إننا سنرى الله، سيكون الله نفسه رؤيتنا وستكون رؤيتنا لله جزاء لإيماننا الحالي.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى