- fr lukas rasmiعضو مميز
الصلاة الربانية (2) للقديس اغسطينوس
الثلاثاء سبتمبر 07, 2010 11:22 am
عن الصلاة الربانية (2)
(مت6)
1. إن الترتيب الموضوع لأجل بنيانكم يتطلب أن تتعلموا أولاً ما تؤمنون به ثم بعد ذلك ما تسألونه. لأنه هكذا يقول الرسول. لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص" (رو 10: 13؛ يؤ 2: 32). هذه الشهادة اقتبسها بولس المبارك من النبي الذي تنبأ عن تلك الأيام التي فيها يدعو كل البشر الله "كل من يدعو باسم الرب ينجو" لقد أضاف (الرسول) "فكيف يدعو بمن لم يؤمنوا به، وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به، وكيف يسمعون بلا كارز، وكيف يكرزون إن لم يرسلوا" (رو 10: 14-15)، لهذا أرسل المبشرون، فبشروا بالمسيح، وإذ بشروا سمعهم الناس، وبسماعهم آمنوا، وبإيمانهم دعوا الله. لأنه بالحق وبأكثر صواب قيل "كيف يدعون بمن لم يؤمنوا؟ لهذا تعلمتم أولاً ما تؤمنون به، واليوم تعلمتم أن تدعوا ذلك الذي تؤمنون به.
2. علمنا ابن الله ربنا يسوع المسيح الصلاة، ورغم أنه هو الرب نفسه كما سمعتم ورددتم في قانون الإيمان "ابن الله الوحيد" ومع ذلك فهو لم يرد أن يكون وحيدًا، لقد وهبنا أن نكون إخوة له، لأنه لمن يقول "فصلوا.. أبانا الذي في السموات"؟ من هو هذا الذي يريدنا أن ندعوه أبانا سوى أبوه هو؟ هل يحسدنا على هذا؟ يخشى الآباء أحيانًا عندما ينجبون طفلاً أو اثنين أو ثلاثة من أن (لا) ينجبوا بعد ذلك لئلا يصيروا معوزين. وأما الميراث الذي وعدنا به فكبير حتى يمتلكه الكثيرون دون أن يقل نصيب أحدهم، لهذا دعى كل شعوب الأمم إلى إخوته. فللابن الوحيد إخوة لا حصر لهم، هؤلاء هم الذين يقولون "أبانا الذي في السموات". هذا قاله الذين سبقونا وسيقوله الذين يأتون بعدنا. انظروا كم أخًا للابن الوحيد بنعمته مشاركًا معه في الميراث الذين مات لأجلهم. إن لنا أبًا وأمًا على الأرض حيث نولد للشقاء ثم نموت. لكننا قد وجدنا والدين آخرين، الله أبونا والكنيسة أُمنا، بهما ولدنا للحياة الأبدية. لنتأمل أيها الأحباء أبناء من قد صرنا، لنحيا هكذا كالذين لهم أب كهذا. انظروا كيف أن خالقنا تنازل ليكون أبًا لنا
3. لقد سمعنا من هو الذي ينبغي أن ندعوه، وأي رجاء للميراث الأبدي، بدأنا نأخذ أبًا سماويًا. لنسمع الآن ما ينبغي أن نسأله؟ ماذا نطلب من أب كهذا؟ ألم نسأله مطرًا اليوم وأمس وقبل أمس؟ إن هذه الطلبة ليست بعظيمة لتليق بأب كهذا، ومع هذا انظروا مطرًا بتنهدات وبشوق عظيم لأننا نخاف من الموت، الذي إذ يخيفنا لا يقدر أحد أن يهرب منه عن قريب أو بعيد، سيموت كل البشر، ومع ذلك نحزن ونصلي ونجاهد متألمين ونصرخ إلى الله لكي نتأخر قليلاً عن الموت. فكم ينبغي أن نصرخ له من أجل ذهابنا إلى ذلك الموضع الذي لا يقترب فيه الموت إلينا.
4. لذلك قيل "ليتقدس اسمك" هذا ما نطلبه منه أيضًا، وهو أن يتقدس اسمه فينا لأن اسمه قدوس على الدوام، كيف يكون اسمه مقدسًا فينا إلا بتقديسنا؟ لأننا كنا غير مقدسين وتقدسنا باسمه، أما هو فقدوس واسمه قدوس على الدوام. إننا نصلي لأجل أنفسنا لا من أجل الله. إننا لا نرغب صلاحًا لله الذي لا يمكن أن يحدث له شر، بل نطلب صلاحًا لأنفسنا بأن يتقدس اسمه القدوس فيتقدس فينا ما هو قدوس دائمًا.
5. "ليأت ملكوتك" إن مجيئه آتٍ لا محالة، سواء طلبناه أو لم نطلبه. حقًا لله ملكوت أبدي لأنه في أي وقت لم يكن له ملكوت؟ متى بدء يملك؟ لأن ملكوته لا بداية له وليس له أي نهاية. ينبغي أن نعلم أيضًا أننا نطلب في هذه الصلاة لأجل أنفسنا لا لأجل الله، لأننا لا نقول "ليأت ملكوتك"، كما لو كنا نسأل من أجل أن يملك الله، بل أن نكون نحن من ملكوته، وذلك إن آمنا به متقدمين في هذا الإيمان. كل المؤمنين الذين خلصوا بدم ابنه الوحيد سيكونوا ملكوته. وملكوته هذا آتٍ عند قيامة الأموات لأنه حينئذ سيأتي هو بنفسه، وعندما يقوم الأموات سيقيمهم كما يقول بنفسه للذين عن يمينه: "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت" (مت 25: 33). هذا هو الملكوت الذي ترغب فيه وتطلبه عندما نقول "ليأت ملكوتك" أي أن يأتي لنا، لأننا إن رفضنا فسيأتي للآخرين وليس لنا. ولكن إن كنا من الذين ينتمون إلى أعضاء ابنه المولود الوحيد فإن ملكوته آتٍ بالنسبة لنا ولا يتأخر. فهل لا زالت بعد سنوات كثيرة كتلك التي عبرت؟ يقول الرسول يوحنا "أيها الأولاد إنها الساعة الأخيرة" (1 يو 2: 18)، ولكنها ساعة طويلة بالنسبة لذلك اليوم الطويل. انظروا كم من السنين استمرت هذه الساعة الأخيرة، لنسهر الآن وننام بالموت ونقوم في النهاية ونملك إلى الأبد.
6. "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض". إن الطلبة الثالثة هي أن تكون مشيئته كما في السماء كذلك على الأرض. وفي هذه أيضًا نطلب صلاحًا لأنفسنا، لأن مشيئته تنفذ بالضرورة. إن مشيئة الله أن يملك الصالحين ويُدان الأشرار، فهل من الممكن أن لا تنفذ هذه المشيئة؟ ولكن ما هو الخير الذي نرغبه لأنفسنا عندما نقول "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض". اِصغوا لأن هذه الطلبة يمكن أن تُفهم بمعان متعددة. فعندما نصلي إلى الله "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" ترتاد في أفكارنا أمورًا كثيرة بخصوص هذه الطلبة.
كما أن ملائكتك لا تعارضك هكذا ليتنا لا نعارضك، بماذا تفهم "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض"؟ كل البطاركة القديسين والأنبياء والرسل والروحانيين كما لو كانوا كسماء الله، ونحن بالنسبة لهم أرضنا، فلتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. كنيسة الله هي السماء وأعدائه هم الأرض. هكذا نرغب الخير لأعدائنا بأن يؤمنوا ويصيروا مسيحيين، وبذلك نعمل مشيئة الله كما في السماء كذلك على الأرض.
روحنا هي سماء والجسد أرض. كما تتجدد روحنا بالإيمان كذلك يتجدد جسدنا أيضًا بقيامته فتكون "مشيئة الله كما في السماء كذلك على الأرض".
أيضا ذهننا الذي به نرى الحق ويبتهج به هو السماء، كما أني "أسر بناموس الله يحسب الإنسان الباطن" (رو 7: 22). ما هي الأرض؟ "أنني أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني" (رو 7: 23)، فمشيئة الله "تكون كما في السماء كذلك على الأرض" عندما ينتهي هذا النزاع ويحدث وفاق تام بين الجسد والروح.
ليتنا عندما نردد هذه الطلبة نفكر في هذه الأمور جميعها سألينها من الرب.
"أيها الأحباء، إن كل هذه الأمور التي أشرنا إليها، تلك التوسلات الثلاثة تخص الحياة الأبدية، لأنه إذا ما تقدس اسم الله فينا يكون هذا إلى الأبد. إن أتى ملكوته حيث نحيا إلى الأبد، فسيكون ذلك أبديًا. إن كانت مشيئة كما في السماء كذلك على الأرض بأي طريقة من الطرق التي شرحتها لكم فإن ذلك يكون إلى الأبد.
7. الآن بقيت الطلبات التي تخص هذه الحياة من رحلتنا، فلنتتبعها "خبزنا اليومي، أعطنا اليوم" هبنا أشياءًا أبدية، أعطنا أمورًا زمنية. لقد وعدت بالملكوت فلا تمسك عنا وسائل الحياة، ستعطنا مجدًا أبديًا بذاتك فيما بعد، أعطنا في هذه الأرض المؤونة الزمنية. لذلك فهو يومي، واليوم، أي في الحياة لأنه هل تسألون خبزًا يوميًا بعد عبور هذه الحياة؟ حيث لا يقال: "يوميًا" بل "اليوم" . الآن يقال "يوميًا" (يومًا فيوم)، فعندما يعبر يوم يتقدم يوم آخر، هل سيدعى حينذاك "يوميًا" حيث يكون يومًا واحد أبديًا؟ بلا شك أن هذه الطلبة عن الخبز اليومي تفهم بطريقتين وهما القوت الضروري للطعام الجسدي، والآخر المؤونة الروحية الضرورية. هناك مؤونة ضرورية للطعام الجسدي، ذلك لحفظ حياتنا اليومية والتي بدونها لا نستطيع أن نعيش.
هذه المؤونة هي الطعام والملبس، ولكن يفهم الكل بذكر الجزء. فعندما نسأل خبزًا نفهم بذلك كل الأشياء. هناك طعامًا روحيًا أيضًا يعرفه المؤمنين، والذي ستعرفونه أنتم أيضًا عندما تقبلونه على مذبح الله. هذا أيضًا "خبزًا يوميًا" ضروري لهذه الحياة فقط. لأننا هل سنقبل القربان المقدس عندما نذهب إلى المسيح نفسه ونبتدأ نملك معه إلى الأبد؟ هكذا إذن الخبز المقدس هو طعامنا اليومي، ولكن لنقبله هكذا بحكمة أنه ليس لإنعاش أجسادنا فقط بل وأرواحنا. لأن الأثر الذي ندركه هنا هو الوحدة المتجمعة في جسده والتي تكون أعضائه حتى نصير نحن (جسد المسيح) الذي نأخذه.
أنه خبزنا اليومي.
أيضًا ما قد عالجته الآن أمامكم هو خبز يومي، كذلك الفصول اليومية التي تسمعونها في الكنيسة هي خبز يومي، التسابيح التي تسمعونها وترددونها هي خبز يومي، لأن هذه جميعها ضرورية لنا أثناء رحلتنا. ولكن هل تسمع الكلمة عندما تصل إلى السماء ونرى الكلمة ذاته، ونسمع الكلمة نفسه ونأكله ونشربه كما تفعل الملائكة الآن؟ هل تحتاج الملائكة إلى كتب ومفسرين وقراء؟ بالتأكيد لا.. إنهم يقرأون بالنظر، لأنهم يعاينون الحق نفسه، شبعي (بغزارة) بذلك الينبوع الذي نحصل منه على قطرات قليلة. لذلك فإن هذه الطلبة الخاصة بخبزنا اليومي ضرورية لنا في هذه الحياة.
8. "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" هل هذه (الطلبة) ضرورية إلا في هذه الحياة؟ لأنه لا توجد ذنوب في الحياة الأخرى. لأنه ما هي الذنوب سوى الخطايا؟ انظروا فإنكم على وشك العماد، لذلك ستمحى كل خطاياكم ولن يبقى منها شيئًا. سيمحى كل ما ارتكبتموه من خطايا سواء أكان بالفعل أو بالقول أو بالرغبة أو بالفكر. ومع هذا لو كانت حياتنا بعد العماد مصانة من الخطية ما كنا نعلم صلاة كهذه.
"اغفر لنا ذنوبنا" فقط فلنعمل بكل الوسائل ما جاء بعد ذلك "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا". يا من اقتربتم على الحصول على الغفران التام لكل خطاياكم فوق كل شيء لتروا أنه ليس في قلوبكم شيئًا على أي إنسان، فتخرجون هكذا من العماد محصنين، محررين، ومغفوري كل الخطايا، ثم بعد ذلك تبتدأون في الاتجاه نحو الانتقام لأنفسكم من أعدائكم الذين سبق فأخطأوا إليكم. اغفروا كما يغفر لكم. الله لا يمكن أن يخطئ ومع أن ليس عليه شيئًا يعفو. فإن كان الذي ليس عليه شيئًا يعفو عفوًا تامًا فكم ينبغي أن يغفر ذلك الذي يغفر له.
9. "لا تدخلنا في تجربة لكن نجينا من الشرير". هل هذه أيضًا ضرورية في حياتنا العقلية؟ لا تقال "لا تدخلنا في تجربة" إلا حيث يمكن أن توجد تجربة. أننا نقرأ في سفر القديس أيوب "إن حياة الإنسان على الأرض تجند" (أي 7: 1) تعن ماذا إذن نصلي؟ اسمعوا ماذا نصلي؟ يقول الرسول يعقوب: "لا يقل أحد إذا جرب أني أجرب من قبل الله" (يع 1: 13). إنه تكلم عن التجارب الشريرة التي يخدع بها البشر، ويصيرون تحت نير الشيطان، هذه هي التجارب التي تكلم عنها. لن هناك نوع آخر من التجارب يدعى تجارب الامتحان التي كتب عنها "لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم" (تث13: 3)، ماذا يقصد بـ "لكي يعلم" أي لكي يعرفكم"، لأنه هو يعلم بسابق معرفته. الله لا يُجرب أحدًا بذلك النوع من التجارب التي بها نخدع ونضل، ولكن بدون شك في عمق عدله المخفي يتخلى عن البعض، وإذ يتخلى عنهم يجد المجرب فرصته. لأنه لا يجد منهم مقاومة لقوته، وللحال إذ تخلى الله عنهم يتقدم المجرب نفسه كمالك لهم. لهذا نقول "لا تدخلنا في تجربة" حتى لا يتخلى عنا. يقول الرسول نفسه: "ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتًا" (يع 1: 14-15). ماذا يعلمنا هنا؟ أن نحارب ضد شهواتنا. لأنكم مزمعون أن تطرحوا خطاياكم بالعماد المقدس، وأما الشهوات فستبقى حيث تحاربونها بعد تجديدكم لأنه لا زال الصراع مع أنفسكم باقيًا. لا يخيفكم أي عدو خارجي. انتصروا على أنفسكم فتغلبوا العالم كله. ماذا يستطيع أي مجرب خارجي أن يفعل ضدكم سواء أكان الشيطان أو خادمه؟ دعوا الذي يضع أمامكم أمل الربح لإغرائكم أن لا يجد فيكم طمعًا، حينذاك ماذا يستطيع أن يفعل بكم الذي يرغب في تجربتكم عن طريق المكسب؟ فإن وجد فيكم الطمع فستحترقون عند رؤية المكسب وتصادون بطعم من ذلك الطعام الفاسد. وأما إذا لم يجد فيكم طمعًا فسيبقى الفخ منصوبًا. وإذا وضع المجرب أمامكم بعض النسوة فائقي الجمال فإن وجدت في الداخل عفة فسيغلب على الظلم الخارجي (الذي للمجرب). حاربوا شهواتكم الداخلية حتى لا يقتنصكم بطعم جمال امرأة غريبة أنكم لا تدركون عدوكم إدراكًا محسوسًا بل تدركون شهواتكم. أنكم لا ترون الشيطان بل ترون المادة التي تشغلكم. فلتسيطروا إذن على ما تلمسوه داخلكم. حاربوا ببأس لأن الذي يجددكم هو قاضيكم. لقد أعد القوائم وبعد الإكليل ولكن إذ ستهزمون بدون شك إن لم تأخذوه لمساعدتكم إن تخلى عنكم، لذلك قولوا في الصلاة "لا تدخلنا في تجربة" غضب القاضي أسلم البعض لشهواتهم. يقول الرسول بولس: "أسلمهم الله (أيضًا) في شهوات قلوبهم" (رو 1: 24)، كيف أسلمهم. ليس بإجبارهم بل بالتخلي عنهم.
10. قد تنتمي "نجنا من الشرير" إلى نفس العبارة (السابقة)، لذلك قد تفهمونها أنها جملة واحدة فتكون "لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير" لهذا أضاف "لكن" ليظهر أنها عبارة واحدة "لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير"، كيف هذا؟
سأعرض كل على انفراد "لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير". "فبنجاتنا من الشرير لا يدخلنا في تجربة، وبعدم إدخالنا في تجربة ينجينا من الشرير.
11. حقيقة أنها لتجربة عظيمة. أيها الأحباء الأعزاء أنها لتجربة عظيمة في هذه الحياة عندما يكون فينا موضوع التجربة ، الذي به نحصل على الغفران إن سقطنا في إحدى تجاربنا. إنها تجربة مريعة عندما يؤخذ منا الذي نشفي به من جراحات بقية التجارب أنني أعلم أنكم لم تفهمونني بعد. اَنصتوا إليَّ فتفهمون. افترضوا أن الطمع يحارب إنسانًا، فهزم الإنسان في تجربة فريدة (لأنه حتى المصارع والمحارب الحسن قد يخطئ التصرف). لقد تغلب الطمع على الإنسان فصنع عملاً فيه طمع، رغم كونه مصارع حسن. أو قد تأتي شهوات عابرة، أنها لا تجلب الإنسان إلى الزنا أو تصل به إلى الفسق، لأنه متى وجد لهذه الشهوات مكان ينبغي على الإنسان أن يتحفظ من صنع الجريمة. ولكنه "نظر إلى امرأة ليشتهيها"(215). لقد ترك أفكاره تجول فيها بلذة أكثر من اللائق لقد سلم بالهجوم، رغم كونه مصارع ممتاز فقد جرح، ولكنه لم يقبل الشهوات. لقد غلب عواطف شهوته وضبطها بحزن مرير، أنه هزمها وتغلب عليها.
حقًا لقد اِنزلق، فلديه الباعث للقول "اغفر لنا ذنوبنا"، وهكذا بالنسبة لبقية التجارب فإنه يصعب في جميعهم أن لا نجد فرصة نقول فيها "اغفر لنا ذنوبنا". ما هي إذن التجربة المريعة التي أشرت إليها؟ إنها خطيرة وعظيمة، ينبغي أن نتجنبها بكل قوتنا وكل عزمنا، فما هي هذه؟ هي عندما ننتقم لأنفسنا، فيلتهب الغضب ويحترق الإنسان للانتقام. يالها من تجربة مريعة. أنكم تخسرون ذلك الذي به تحصلون على الغفران من الخطايا الأخرى. إن كنتم قد ارتكبتم أي خطية خاصة بأحاسيس أخرى، وشهوات أخرى فإنكم قد تجدون فيها علاجكم حيث يمكنكم القول: "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا". أما الذي يحرضكم للانتقام يجعلكم تخسرون القدرة على القول "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" وإذ تخسرون هذه القوة تبقى جميع الخطايا ولا يغفر منها شيئا.
12. عندما علمنا ربنا وسيدنا ومخلصنا ستة أو سبعة طلبات في هذه الصلاة لم يعالج أحدهم ولا أمرنا بأحدهم أكثر من هذه، ذلك لمعرفته بهذه التجربة الخطيرة في هذه الحياة. ألا نقول "أبانا الذي في السموات" والبقية الباقية من الصلاة؟ بعد الانتهاء من الصلاة لماذا لم يتوسع فيما قاله في البادية أو ما ختم به في النهاية أو ما قاله في نصف الصلاة؟ لماذا لم يقل أنه إن لم يتقدس اسم الله فيكم، أو إن لم يكن لكم نصيبًا في ملكوت الله، أو إن لم تعملوا مشيئة الله فيكم كما في المساء، أو إن لم يهتم الله بكم فلا تدخلوا في تجربة، لماذا لم يقل شيئًا من هذا؟ ولكنه ماذا قال؟ فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم "مشيرًا إلى هذه الطلبة "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا"، معلمًا إيانا هذه الطلبة بتشديد خاص، عابرًا على كل الطلبات الأخرى التي علمنا إياها. فبالنسبة للخطايا التي إذا ارتكبها إنسان ويعلم الوسائل التي بها يمكن أن يبرأ، لا تحتاج إلى إلحاح كثير، هكذا مثل التي نحتاج إليها بتلك التي إذا أخطأ ثم بها لا توجد الوسائل التي بها يمكن أن تشفوا من بقية الخطايا. لهذا ينبغي دائمًا أن تقولوا "اغفر لنا ذنوبنا" أي ذنوب؟ أنه لا يوجد عوز في هذه لأننا لسنا إلا بشر. لقد تكلمت قليلاً أكثر مما ينبغي، قلت ما لا ينبغي القول به أكلت أكثر مما يجب، استمعت بلذة إلى مالا ينبغي السماع له، شربت مالا ينبغي أن أشربه فكرت بلذة فيما لا ينبغي التفكير فيه، "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" فإن خسرتم هذا تخسرون أنفسكم.
13. احترزوا يا إخوتي، يا أبنائي، يا أولاد الله احزروا، إنني أرجوكم فيما أقوله لكم. حاربوا إلى غاية قوتكم بكل قلوبكم. وإذا ما وجدتم الغضب أمامكم صلوا إلى الله من أجله ليعطكم الرب النصرة على أنفسكم، أقول يعطيكم الرب الغلبة ليس على أعدائكم الخارجيين بل على روحكم الداخلية. لأنه يعطيكم معونة حلوله معطيا لكم (النصرة) أنه يفضل أن تطلب منه ذلك عن أن نطلب مطرًا. لأنكم ترون يا أحبائي كم من الطلبات علمنا إياها الرب المسيح، وبالكاد نجد فيها طلبة واحدة تتكلم عن خبزنا اليومي، مشكلاً كل أفكارنا عن الحياة المستقبلة؟ لأنه ماذا نخاف إن لا يعطينا إياه ذلك الذي وعد قائلاً: "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33)، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها (قبل أن تطلبوها) لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 32-33)، لأن كثيرون جربوا حتى بالجوع فوجدوا ذهبًا ولم ينسوا من الله أنهم يهلكون جوعًا لو ترك الخبز اليومي الداخلي قلوبهم ليتنا بحسب هذا بالأكثر نجوع "لأنه طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ. لأنهم يشبعون" (مت 5: 6)، ولكنه يستطيع في رحمته أن ينظر إلى ضعفنا ويرانا، كما قيل: "يذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 14)، أنه ذلك الذي صنع الإنسان من التراب وأحياه من أجل صنعته الخزفية أسلم ابنه إلى الموت. من يستطيع أن يوضح، من يستحق أن يدرك مقدار محبته لنا؟
(مت6)
1. إن الترتيب الموضوع لأجل بنيانكم يتطلب أن تتعلموا أولاً ما تؤمنون به ثم بعد ذلك ما تسألونه. لأنه هكذا يقول الرسول. لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص" (رو 10: 13؛ يؤ 2: 32). هذه الشهادة اقتبسها بولس المبارك من النبي الذي تنبأ عن تلك الأيام التي فيها يدعو كل البشر الله "كل من يدعو باسم الرب ينجو" لقد أضاف (الرسول) "فكيف يدعو بمن لم يؤمنوا به، وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به، وكيف يسمعون بلا كارز، وكيف يكرزون إن لم يرسلوا" (رو 10: 14-15)، لهذا أرسل المبشرون، فبشروا بالمسيح، وإذ بشروا سمعهم الناس، وبسماعهم آمنوا، وبإيمانهم دعوا الله. لأنه بالحق وبأكثر صواب قيل "كيف يدعون بمن لم يؤمنوا؟ لهذا تعلمتم أولاً ما تؤمنون به، واليوم تعلمتم أن تدعوا ذلك الذي تؤمنون به.
2. علمنا ابن الله ربنا يسوع المسيح الصلاة، ورغم أنه هو الرب نفسه كما سمعتم ورددتم في قانون الإيمان "ابن الله الوحيد" ومع ذلك فهو لم يرد أن يكون وحيدًا، لقد وهبنا أن نكون إخوة له، لأنه لمن يقول "فصلوا.. أبانا الذي في السموات"؟ من هو هذا الذي يريدنا أن ندعوه أبانا سوى أبوه هو؟ هل يحسدنا على هذا؟ يخشى الآباء أحيانًا عندما ينجبون طفلاً أو اثنين أو ثلاثة من أن (لا) ينجبوا بعد ذلك لئلا يصيروا معوزين. وأما الميراث الذي وعدنا به فكبير حتى يمتلكه الكثيرون دون أن يقل نصيب أحدهم، لهذا دعى كل شعوب الأمم إلى إخوته. فللابن الوحيد إخوة لا حصر لهم، هؤلاء هم الذين يقولون "أبانا الذي في السموات". هذا قاله الذين سبقونا وسيقوله الذين يأتون بعدنا. انظروا كم أخًا للابن الوحيد بنعمته مشاركًا معه في الميراث الذين مات لأجلهم. إن لنا أبًا وأمًا على الأرض حيث نولد للشقاء ثم نموت. لكننا قد وجدنا والدين آخرين، الله أبونا والكنيسة أُمنا، بهما ولدنا للحياة الأبدية. لنتأمل أيها الأحباء أبناء من قد صرنا، لنحيا هكذا كالذين لهم أب كهذا. انظروا كيف أن خالقنا تنازل ليكون أبًا لنا
3. لقد سمعنا من هو الذي ينبغي أن ندعوه، وأي رجاء للميراث الأبدي، بدأنا نأخذ أبًا سماويًا. لنسمع الآن ما ينبغي أن نسأله؟ ماذا نطلب من أب كهذا؟ ألم نسأله مطرًا اليوم وأمس وقبل أمس؟ إن هذه الطلبة ليست بعظيمة لتليق بأب كهذا، ومع هذا انظروا مطرًا بتنهدات وبشوق عظيم لأننا نخاف من الموت، الذي إذ يخيفنا لا يقدر أحد أن يهرب منه عن قريب أو بعيد، سيموت كل البشر، ومع ذلك نحزن ونصلي ونجاهد متألمين ونصرخ إلى الله لكي نتأخر قليلاً عن الموت. فكم ينبغي أن نصرخ له من أجل ذهابنا إلى ذلك الموضع الذي لا يقترب فيه الموت إلينا.
4. لذلك قيل "ليتقدس اسمك" هذا ما نطلبه منه أيضًا، وهو أن يتقدس اسمه فينا لأن اسمه قدوس على الدوام، كيف يكون اسمه مقدسًا فينا إلا بتقديسنا؟ لأننا كنا غير مقدسين وتقدسنا باسمه، أما هو فقدوس واسمه قدوس على الدوام. إننا نصلي لأجل أنفسنا لا من أجل الله. إننا لا نرغب صلاحًا لله الذي لا يمكن أن يحدث له شر، بل نطلب صلاحًا لأنفسنا بأن يتقدس اسمه القدوس فيتقدس فينا ما هو قدوس دائمًا.
5. "ليأت ملكوتك" إن مجيئه آتٍ لا محالة، سواء طلبناه أو لم نطلبه. حقًا لله ملكوت أبدي لأنه في أي وقت لم يكن له ملكوت؟ متى بدء يملك؟ لأن ملكوته لا بداية له وليس له أي نهاية. ينبغي أن نعلم أيضًا أننا نطلب في هذه الصلاة لأجل أنفسنا لا لأجل الله، لأننا لا نقول "ليأت ملكوتك"، كما لو كنا نسأل من أجل أن يملك الله، بل أن نكون نحن من ملكوته، وذلك إن آمنا به متقدمين في هذا الإيمان. كل المؤمنين الذين خلصوا بدم ابنه الوحيد سيكونوا ملكوته. وملكوته هذا آتٍ عند قيامة الأموات لأنه حينئذ سيأتي هو بنفسه، وعندما يقوم الأموات سيقيمهم كما يقول بنفسه للذين عن يمينه: "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت" (مت 25: 33). هذا هو الملكوت الذي ترغب فيه وتطلبه عندما نقول "ليأت ملكوتك" أي أن يأتي لنا، لأننا إن رفضنا فسيأتي للآخرين وليس لنا. ولكن إن كنا من الذين ينتمون إلى أعضاء ابنه المولود الوحيد فإن ملكوته آتٍ بالنسبة لنا ولا يتأخر. فهل لا زالت بعد سنوات كثيرة كتلك التي عبرت؟ يقول الرسول يوحنا "أيها الأولاد إنها الساعة الأخيرة" (1 يو 2: 18)، ولكنها ساعة طويلة بالنسبة لذلك اليوم الطويل. انظروا كم من السنين استمرت هذه الساعة الأخيرة، لنسهر الآن وننام بالموت ونقوم في النهاية ونملك إلى الأبد.
6. "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض". إن الطلبة الثالثة هي أن تكون مشيئته كما في السماء كذلك على الأرض. وفي هذه أيضًا نطلب صلاحًا لأنفسنا، لأن مشيئته تنفذ بالضرورة. إن مشيئة الله أن يملك الصالحين ويُدان الأشرار، فهل من الممكن أن لا تنفذ هذه المشيئة؟ ولكن ما هو الخير الذي نرغبه لأنفسنا عندما نقول "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض". اِصغوا لأن هذه الطلبة يمكن أن تُفهم بمعان متعددة. فعندما نصلي إلى الله "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" ترتاد في أفكارنا أمورًا كثيرة بخصوص هذه الطلبة.
كما أن ملائكتك لا تعارضك هكذا ليتنا لا نعارضك، بماذا تفهم "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض"؟ كل البطاركة القديسين والأنبياء والرسل والروحانيين كما لو كانوا كسماء الله، ونحن بالنسبة لهم أرضنا، فلتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. كنيسة الله هي السماء وأعدائه هم الأرض. هكذا نرغب الخير لأعدائنا بأن يؤمنوا ويصيروا مسيحيين، وبذلك نعمل مشيئة الله كما في السماء كذلك على الأرض.
روحنا هي سماء والجسد أرض. كما تتجدد روحنا بالإيمان كذلك يتجدد جسدنا أيضًا بقيامته فتكون "مشيئة الله كما في السماء كذلك على الأرض".
أيضا ذهننا الذي به نرى الحق ويبتهج به هو السماء، كما أني "أسر بناموس الله يحسب الإنسان الباطن" (رو 7: 22). ما هي الأرض؟ "أنني أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني" (رو 7: 23)، فمشيئة الله "تكون كما في السماء كذلك على الأرض" عندما ينتهي هذا النزاع ويحدث وفاق تام بين الجسد والروح.
ليتنا عندما نردد هذه الطلبة نفكر في هذه الأمور جميعها سألينها من الرب.
"أيها الأحباء، إن كل هذه الأمور التي أشرنا إليها، تلك التوسلات الثلاثة تخص الحياة الأبدية، لأنه إذا ما تقدس اسم الله فينا يكون هذا إلى الأبد. إن أتى ملكوته حيث نحيا إلى الأبد، فسيكون ذلك أبديًا. إن كانت مشيئة كما في السماء كذلك على الأرض بأي طريقة من الطرق التي شرحتها لكم فإن ذلك يكون إلى الأبد.
7. الآن بقيت الطلبات التي تخص هذه الحياة من رحلتنا، فلنتتبعها "خبزنا اليومي، أعطنا اليوم" هبنا أشياءًا أبدية، أعطنا أمورًا زمنية. لقد وعدت بالملكوت فلا تمسك عنا وسائل الحياة، ستعطنا مجدًا أبديًا بذاتك فيما بعد، أعطنا في هذه الأرض المؤونة الزمنية. لذلك فهو يومي، واليوم، أي في الحياة لأنه هل تسألون خبزًا يوميًا بعد عبور هذه الحياة؟ حيث لا يقال: "يوميًا" بل "اليوم" . الآن يقال "يوميًا" (يومًا فيوم)، فعندما يعبر يوم يتقدم يوم آخر، هل سيدعى حينذاك "يوميًا" حيث يكون يومًا واحد أبديًا؟ بلا شك أن هذه الطلبة عن الخبز اليومي تفهم بطريقتين وهما القوت الضروري للطعام الجسدي، والآخر المؤونة الروحية الضرورية. هناك مؤونة ضرورية للطعام الجسدي، ذلك لحفظ حياتنا اليومية والتي بدونها لا نستطيع أن نعيش.
هذه المؤونة هي الطعام والملبس، ولكن يفهم الكل بذكر الجزء. فعندما نسأل خبزًا نفهم بذلك كل الأشياء. هناك طعامًا روحيًا أيضًا يعرفه المؤمنين، والذي ستعرفونه أنتم أيضًا عندما تقبلونه على مذبح الله. هذا أيضًا "خبزًا يوميًا" ضروري لهذه الحياة فقط. لأننا هل سنقبل القربان المقدس عندما نذهب إلى المسيح نفسه ونبتدأ نملك معه إلى الأبد؟ هكذا إذن الخبز المقدس هو طعامنا اليومي، ولكن لنقبله هكذا بحكمة أنه ليس لإنعاش أجسادنا فقط بل وأرواحنا. لأن الأثر الذي ندركه هنا هو الوحدة المتجمعة في جسده والتي تكون أعضائه حتى نصير نحن (جسد المسيح) الذي نأخذه.
أنه خبزنا اليومي.
أيضًا ما قد عالجته الآن أمامكم هو خبز يومي، كذلك الفصول اليومية التي تسمعونها في الكنيسة هي خبز يومي، التسابيح التي تسمعونها وترددونها هي خبز يومي، لأن هذه جميعها ضرورية لنا أثناء رحلتنا. ولكن هل تسمع الكلمة عندما تصل إلى السماء ونرى الكلمة ذاته، ونسمع الكلمة نفسه ونأكله ونشربه كما تفعل الملائكة الآن؟ هل تحتاج الملائكة إلى كتب ومفسرين وقراء؟ بالتأكيد لا.. إنهم يقرأون بالنظر، لأنهم يعاينون الحق نفسه، شبعي (بغزارة) بذلك الينبوع الذي نحصل منه على قطرات قليلة. لذلك فإن هذه الطلبة الخاصة بخبزنا اليومي ضرورية لنا في هذه الحياة.
8. "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" هل هذه (الطلبة) ضرورية إلا في هذه الحياة؟ لأنه لا توجد ذنوب في الحياة الأخرى. لأنه ما هي الذنوب سوى الخطايا؟ انظروا فإنكم على وشك العماد، لذلك ستمحى كل خطاياكم ولن يبقى منها شيئًا. سيمحى كل ما ارتكبتموه من خطايا سواء أكان بالفعل أو بالقول أو بالرغبة أو بالفكر. ومع هذا لو كانت حياتنا بعد العماد مصانة من الخطية ما كنا نعلم صلاة كهذه.
"اغفر لنا ذنوبنا" فقط فلنعمل بكل الوسائل ما جاء بعد ذلك "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا". يا من اقتربتم على الحصول على الغفران التام لكل خطاياكم فوق كل شيء لتروا أنه ليس في قلوبكم شيئًا على أي إنسان، فتخرجون هكذا من العماد محصنين، محررين، ومغفوري كل الخطايا، ثم بعد ذلك تبتدأون في الاتجاه نحو الانتقام لأنفسكم من أعدائكم الذين سبق فأخطأوا إليكم. اغفروا كما يغفر لكم. الله لا يمكن أن يخطئ ومع أن ليس عليه شيئًا يعفو. فإن كان الذي ليس عليه شيئًا يعفو عفوًا تامًا فكم ينبغي أن يغفر ذلك الذي يغفر له.
9. "لا تدخلنا في تجربة لكن نجينا من الشرير". هل هذه أيضًا ضرورية في حياتنا العقلية؟ لا تقال "لا تدخلنا في تجربة" إلا حيث يمكن أن توجد تجربة. أننا نقرأ في سفر القديس أيوب "إن حياة الإنسان على الأرض تجند" (أي 7: 1) تعن ماذا إذن نصلي؟ اسمعوا ماذا نصلي؟ يقول الرسول يعقوب: "لا يقل أحد إذا جرب أني أجرب من قبل الله" (يع 1: 13). إنه تكلم عن التجارب الشريرة التي يخدع بها البشر، ويصيرون تحت نير الشيطان، هذه هي التجارب التي تكلم عنها. لن هناك نوع آخر من التجارب يدعى تجارب الامتحان التي كتب عنها "لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم" (تث13: 3)، ماذا يقصد بـ "لكي يعلم" أي لكي يعرفكم"، لأنه هو يعلم بسابق معرفته. الله لا يُجرب أحدًا بذلك النوع من التجارب التي بها نخدع ونضل، ولكن بدون شك في عمق عدله المخفي يتخلى عن البعض، وإذ يتخلى عنهم يجد المجرب فرصته. لأنه لا يجد منهم مقاومة لقوته، وللحال إذ تخلى الله عنهم يتقدم المجرب نفسه كمالك لهم. لهذا نقول "لا تدخلنا في تجربة" حتى لا يتخلى عنا. يقول الرسول نفسه: "ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتًا" (يع 1: 14-15). ماذا يعلمنا هنا؟ أن نحارب ضد شهواتنا. لأنكم مزمعون أن تطرحوا خطاياكم بالعماد المقدس، وأما الشهوات فستبقى حيث تحاربونها بعد تجديدكم لأنه لا زال الصراع مع أنفسكم باقيًا. لا يخيفكم أي عدو خارجي. انتصروا على أنفسكم فتغلبوا العالم كله. ماذا يستطيع أي مجرب خارجي أن يفعل ضدكم سواء أكان الشيطان أو خادمه؟ دعوا الذي يضع أمامكم أمل الربح لإغرائكم أن لا يجد فيكم طمعًا، حينذاك ماذا يستطيع أن يفعل بكم الذي يرغب في تجربتكم عن طريق المكسب؟ فإن وجد فيكم الطمع فستحترقون عند رؤية المكسب وتصادون بطعم من ذلك الطعام الفاسد. وأما إذا لم يجد فيكم طمعًا فسيبقى الفخ منصوبًا. وإذا وضع المجرب أمامكم بعض النسوة فائقي الجمال فإن وجدت في الداخل عفة فسيغلب على الظلم الخارجي (الذي للمجرب). حاربوا شهواتكم الداخلية حتى لا يقتنصكم بطعم جمال امرأة غريبة أنكم لا تدركون عدوكم إدراكًا محسوسًا بل تدركون شهواتكم. أنكم لا ترون الشيطان بل ترون المادة التي تشغلكم. فلتسيطروا إذن على ما تلمسوه داخلكم. حاربوا ببأس لأن الذي يجددكم هو قاضيكم. لقد أعد القوائم وبعد الإكليل ولكن إذ ستهزمون بدون شك إن لم تأخذوه لمساعدتكم إن تخلى عنكم، لذلك قولوا في الصلاة "لا تدخلنا في تجربة" غضب القاضي أسلم البعض لشهواتهم. يقول الرسول بولس: "أسلمهم الله (أيضًا) في شهوات قلوبهم" (رو 1: 24)، كيف أسلمهم. ليس بإجبارهم بل بالتخلي عنهم.
10. قد تنتمي "نجنا من الشرير" إلى نفس العبارة (السابقة)، لذلك قد تفهمونها أنها جملة واحدة فتكون "لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير" لهذا أضاف "لكن" ليظهر أنها عبارة واحدة "لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير"، كيف هذا؟
سأعرض كل على انفراد "لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير". "فبنجاتنا من الشرير لا يدخلنا في تجربة، وبعدم إدخالنا في تجربة ينجينا من الشرير.
11. حقيقة أنها لتجربة عظيمة. أيها الأحباء الأعزاء أنها لتجربة عظيمة في هذه الحياة عندما يكون فينا موضوع التجربة ، الذي به نحصل على الغفران إن سقطنا في إحدى تجاربنا. إنها تجربة مريعة عندما يؤخذ منا الذي نشفي به من جراحات بقية التجارب أنني أعلم أنكم لم تفهمونني بعد. اَنصتوا إليَّ فتفهمون. افترضوا أن الطمع يحارب إنسانًا، فهزم الإنسان في تجربة فريدة (لأنه حتى المصارع والمحارب الحسن قد يخطئ التصرف). لقد تغلب الطمع على الإنسان فصنع عملاً فيه طمع، رغم كونه مصارع حسن. أو قد تأتي شهوات عابرة، أنها لا تجلب الإنسان إلى الزنا أو تصل به إلى الفسق، لأنه متى وجد لهذه الشهوات مكان ينبغي على الإنسان أن يتحفظ من صنع الجريمة. ولكنه "نظر إلى امرأة ليشتهيها"(215). لقد ترك أفكاره تجول فيها بلذة أكثر من اللائق لقد سلم بالهجوم، رغم كونه مصارع ممتاز فقد جرح، ولكنه لم يقبل الشهوات. لقد غلب عواطف شهوته وضبطها بحزن مرير، أنه هزمها وتغلب عليها.
حقًا لقد اِنزلق، فلديه الباعث للقول "اغفر لنا ذنوبنا"، وهكذا بالنسبة لبقية التجارب فإنه يصعب في جميعهم أن لا نجد فرصة نقول فيها "اغفر لنا ذنوبنا". ما هي إذن التجربة المريعة التي أشرت إليها؟ إنها خطيرة وعظيمة، ينبغي أن نتجنبها بكل قوتنا وكل عزمنا، فما هي هذه؟ هي عندما ننتقم لأنفسنا، فيلتهب الغضب ويحترق الإنسان للانتقام. يالها من تجربة مريعة. أنكم تخسرون ذلك الذي به تحصلون على الغفران من الخطايا الأخرى. إن كنتم قد ارتكبتم أي خطية خاصة بأحاسيس أخرى، وشهوات أخرى فإنكم قد تجدون فيها علاجكم حيث يمكنكم القول: "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا". أما الذي يحرضكم للانتقام يجعلكم تخسرون القدرة على القول "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" وإذ تخسرون هذه القوة تبقى جميع الخطايا ولا يغفر منها شيئا.
12. عندما علمنا ربنا وسيدنا ومخلصنا ستة أو سبعة طلبات في هذه الصلاة لم يعالج أحدهم ولا أمرنا بأحدهم أكثر من هذه، ذلك لمعرفته بهذه التجربة الخطيرة في هذه الحياة. ألا نقول "أبانا الذي في السموات" والبقية الباقية من الصلاة؟ بعد الانتهاء من الصلاة لماذا لم يتوسع فيما قاله في البادية أو ما ختم به في النهاية أو ما قاله في نصف الصلاة؟ لماذا لم يقل أنه إن لم يتقدس اسم الله فيكم، أو إن لم يكن لكم نصيبًا في ملكوت الله، أو إن لم تعملوا مشيئة الله فيكم كما في المساء، أو إن لم يهتم الله بكم فلا تدخلوا في تجربة، لماذا لم يقل شيئًا من هذا؟ ولكنه ماذا قال؟ فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم "مشيرًا إلى هذه الطلبة "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا"، معلمًا إيانا هذه الطلبة بتشديد خاص، عابرًا على كل الطلبات الأخرى التي علمنا إياها. فبالنسبة للخطايا التي إذا ارتكبها إنسان ويعلم الوسائل التي بها يمكن أن يبرأ، لا تحتاج إلى إلحاح كثير، هكذا مثل التي نحتاج إليها بتلك التي إذا أخطأ ثم بها لا توجد الوسائل التي بها يمكن أن تشفوا من بقية الخطايا. لهذا ينبغي دائمًا أن تقولوا "اغفر لنا ذنوبنا" أي ذنوب؟ أنه لا يوجد عوز في هذه لأننا لسنا إلا بشر. لقد تكلمت قليلاً أكثر مما ينبغي، قلت ما لا ينبغي القول به أكلت أكثر مما يجب، استمعت بلذة إلى مالا ينبغي السماع له، شربت مالا ينبغي أن أشربه فكرت بلذة فيما لا ينبغي التفكير فيه، "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" فإن خسرتم هذا تخسرون أنفسكم.
13. احترزوا يا إخوتي، يا أبنائي، يا أولاد الله احزروا، إنني أرجوكم فيما أقوله لكم. حاربوا إلى غاية قوتكم بكل قلوبكم. وإذا ما وجدتم الغضب أمامكم صلوا إلى الله من أجله ليعطكم الرب النصرة على أنفسكم، أقول يعطيكم الرب الغلبة ليس على أعدائكم الخارجيين بل على روحكم الداخلية. لأنه يعطيكم معونة حلوله معطيا لكم (النصرة) أنه يفضل أن تطلب منه ذلك عن أن نطلب مطرًا. لأنكم ترون يا أحبائي كم من الطلبات علمنا إياها الرب المسيح، وبالكاد نجد فيها طلبة واحدة تتكلم عن خبزنا اليومي، مشكلاً كل أفكارنا عن الحياة المستقبلة؟ لأنه ماذا نخاف إن لا يعطينا إياه ذلك الذي وعد قائلاً: "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33)، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها (قبل أن تطلبوها) لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 32-33)، لأن كثيرون جربوا حتى بالجوع فوجدوا ذهبًا ولم ينسوا من الله أنهم يهلكون جوعًا لو ترك الخبز اليومي الداخلي قلوبهم ليتنا بحسب هذا بالأكثر نجوع "لأنه طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ. لأنهم يشبعون" (مت 5: 6)، ولكنه يستطيع في رحمته أن ينظر إلى ضعفنا ويرانا، كما قيل: "يذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 14)، أنه ذلك الذي صنع الإنسان من التراب وأحياه من أجل صنعته الخزفية أسلم ابنه إلى الموت. من يستطيع أن يوضح، من يستحق أن يدرك مقدار محبته لنا؟
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى