دراسة فى شخصية إستفانوس
الأربعاء أبريل 14, 2010 1:59 am
إستفانوس:
الشهيد الأول في الكنيسة المسيحية، وكما روت دماء الشهداء أماكن كثيرة من العالم، حيث كان الاضطهاد والاستشهاد نقطة تحول في انتشار رسالة الإنجيل، وإظهار محبة الله بصورة عملية للعالم المحتاج لخلاص المسيح، كان استشهاد إستفانوس نقطة انطلاق كبير في نمو الكنيسة وانتشارها في بدايات القرن الأول، فقد كان موت إستفانوس هو بداية أول موجة من الاضطهاد جاءت على المؤمنين وشتتهم، يقول الكتاب المقدس "وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة.. فالذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة.." (أعمال الرسل 8 : 1 - 4). وكانت نتيجة هذا الشتات هو اتساع الكرازة بالإنجيل وقبول الكثيرين كلمة الله بفرح وإيمان.
أن موت إستفانوس ورجمِه لم تُمح من ذاكرة شاول الذي صار فيما بعد الرسول العظيم بولس رسول الأمم، مَن تحمل في سبيل خدمته لسيده الكثير من الاضطهاد، والجَلْد والرجم، ومقاومة الأصدقاء والأعداء.
إستفانوس مَن هو؟
إستفانوس اسم يوناني معناه "تاج" أو إكليل المنتصر، ويدل هذا الاسم على انه كان هلينياً، أي يهودي الأصل، يوناني الثقافة والتعليم، حيث انه لم يكن من سكان فلسطين، وهو ما يظهر في آرائه المتحررة عن اليهود المحافظين في رؤيته للهيكل والناموس وعبادة الله الحقة.
ونحن لا نعلم الكثير عمن هو إستفانوس، من هما والداه، ما هو عمله، كيف ومتى قَبِل رسالة المسيح وآمن به، لكن هناك تقليد يعتقد أنه آمن بالمسيح في عظة بطرس يوم الخمسين.
لكن ما نعلمه جيداً عن إستفانوس انه كان رجلاً من أعظم الشخصيات في الكنيسة الأولى، كان إدارياً ماهراً، فصيحاً، عالماً، دارساً للكلمة المقدسة وتاريخ شعب الله، شهد عنه الوحي بأنه كان "رجلاً مملوّاً من الإيمان والروح القدس" (أعمال 6 : 5).
خدم إستفانوس حوالي ثلاث سنوات قبل استشهاده، ومات على ما يُعتقد نحو عام 36 ميلادية.
إستفانوس وحياته:
تبدأ حياة إستفانوس بما جاء عنه في سفر الأعمال والإصحاح السادس، حين ظهرت مشكلة في الكنسية الأولى، حيث "حدث تذمر من اليونانيين على العبرانيين أن أرملهم كن يغفل عنهن في الخدمة اليومية" (أعمال 6 : 1). وكان الحل الذي رآه الرسل هو انهم دعوا "التلاميذ وقالوا لا يرضي أن نترك نحن كلمة الله و نخدم موائد فانتخبوا أيها الاخوة سبعة رجال منكم مشهودا لهم ومملِوّين من الروح القدس وحكمة فنقيمهم على هذه الحاجة وأما نحن فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة" (أعمال 6 : 2 - 4). ولأن الأمر من عند الله، حسن هذا القول أمام كل الجمهور "فاختاروا إستفانوس رجلا مملوّاً من الإيمان والروح القدس" (أعمال 6 : 5).
ويالها من شهادة عظيمة تلك التي يشهد بها الله والناس عن إنسان ما، فها هو إستفانوس يُنتخب من قِبل جمهور الحاضرين، ليكون واحداً، بل أول السبعة الذين سيُوكل إليهم خدمة الموائد، ورعاية الأرامل والمحتاجين.
إستفانوس وسر عظمته:
حين ندرس حياة إستفانوس نجد التميّز الواضح فيها، فهذا الشاب توافرت فيه بعض الصفات التي حين تجتمع في شخص ما تجعله قريب الشبه بسيده فما هي هذه الصفات والتي اجتمعت في شخص إستفانوس.
1. كان مملؤاً إيمانا
كان إستفانوس عظيماً في إيمانه، ويمكننا أن نرى إيمانه في صور متعددة، كان قد آمن بالسيد المسيح مخلصاً لحياته، على أنه خطى خطوة أعمق في حياة إيمانه فقد آمن بالذي قال "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا اعملها يعملها هو أيضا ويعمل اعظم منها لأني ماض إلى أبي" (يوحنا 14: 12). ونما هذا الإيمان فى حياته حتى اصبح حقيقة ملموسة من خلال الاختبارات والمعجزات , فشهدت حياته كيف "كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب" (أعمال 5 : 8).
خطوة أخرى في حياة الإيمان عاشها إستفانوس، هي الإيمان الذي يرى ما لا يُرى، لقد فهم إستفانوس معنى أن الإيمان هو "الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى" (العبرانيين 11 : 1). عرف أن الإيمان ليس قفزة نحو المجهول، لكنه خطوة واثقة معتمدة على نعمة الله الممنوحة لنا في المسيح، الذي أبطل الموت وأنار لنا الحياة والخلود (2 تيموثاوس1 : 10).
نعم لقد كان إيمان إستفانوس يخترق الطبيعة البشرية المحدودة، لقد رأى ما لم يره الكهنة ورجال الدين، فحين رأى الكهنة والشعب أمامهم دفاع إستفانوس وفصاحة أسلوبه المعتمد على الحقائق الكتابية "حنقوا بقلوبهم وصروا بأسنانهم عليه واما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس فرأى مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله فقال ها أنا انظر السماوات مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الله" (أعمال 7 : 54 - 56).
على أنه في خطوة إيمان أعمق كانت تضحيته بحياته، ذلك الإيمان الذي قاده إلى الموت رجماً، لكنه كان يعلم أن مَن يؤمن بالابن فله حياة أبدية، ولن يهلك إلى الأبد (يوحنا 34 : 36). كان إستفانوس مؤمناً بمن قال "أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا" ( يوحنا 11: 5). فحتى إذا تعرض للموت الجسدي فهو لم يعد يخشى من له سلطان أن يُهِلك الجسد.
آمن إستفانوس بيسوع الممجد، ومات وهو يرى مجد الله و يسوع قائماً عن يمين الله، نعم لقد رأى ما لم يره أحد غيره.
2. كان مملوّاً من الروح القدس
كان إستفانوس إنساناً عرف معنى الامتلاء بالروح القدس، إذ أعطي السيادة الكاملة للرب على حياته، فشهدت حياته ثمر الروح القدس، وشهد له الكتاب المقدس بأنه كان رجلاً مملوّاً بالروح القدس.
يؤمن المسيحيون أن الحياة المسيحية حياة خارقة للطبيعة، وهي كما أنها مستحيلة لأي إنسان أن يحياها، إلا أن كل شخص أختبر الحياة مع الله وآمن بالسيد المسيح يستطيع أن يتمتع بهذه الحياة الخارقة من خلال قوة الروح القدس، فحين يرتبط الإنسان بالله ويأتي إليه تائباً نادماً ومعترفاً بخطاياه، ويقبل مُلك المسيح على حياته، فإن الروح القدس يأتي ويجعل من هذا الإنسان هيكلاً لسكناه، يكتب الرسول بولس قائلاً "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" (1كورنثوس 3 : 16).فسكنى الروح القدس أمر يتمتع به كل مسيحي مولود من الله.
لكن رغبة قلب الله ليست هي أن نصبح أولاده، وأن يسكن الروح القدس حياتنا فقط، بل أن نمتلئ بالروح القدس، لذلك تأتي هذه الرغبة في صيغة الأمر "امتلئوا بالروح" (أفسس 5 : 18). والملء بالروح القدس يعني الامتلاء بحياة المسيح والتشبه به، الحياة تحت قيادة المسيح وطاعته، يعني الامتلاء بثمر الروح.
يستطيع كل مسيحي مولود من الله أن يمتلئ من الروح القدس، وذلك بأن يأتي إلى الله معترفاً له بأي خطية جعلته يبتعد عن قيادة المسيح الكاملة لحياته، ويطلب من الله أن يتربع على عرش الحياة مرة أخرى، وهكذا يمتلئ بالروح القدس الذي يفيض فيه بثمر الروح.
ولكي يظل الإنسان ممتلئاً من الروح القدس يجب أن يعطي المسيح السيادة باستمرار على حياته، فمن السهل أن يتحول الإنسان الروحي إلى إنسان جسدي حين لا يعطي السيادة الكاملة للمسيح على عرش حياته، ووقتها تظهر في حياته كل صفات المؤمن الجسدي التي يصفها الرسول بولس قائلاً ".. لأنكم بعد جسديون فانه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر" (1كورنثوس 3 :1-3).
إن حياة الملء حياة فيّاضة، تظهر في تغيير أسلوب الإنسان فعلى المستوى البشري تكون علاقته مع أخوته هي علاقة المحبة والخضوع، وعلى مستوى العلاقة مع الله يظهر التمجيد والشكر لله كل حين، يقول الكتاب المقدس "امتلئوا بالروح مكلمين بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنـا يسوع المسيح لله والآب خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله" (أفسس 5: 18 - 21). إن حياة الإنسان الممتلئ تُظهر ثمر الروح الذي هو " محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان" (غلاطية5 : 22).
عزيزى: هل اختبرت حياة الملء بالروح القدس؟ هل لك هذه الحياة الفيّاضة الممتلئة بثمر الروح؟ إن لم تكن تمتع بهذه الحياة، تعال الأن طائعاً لأمر الله "امتلئوا بالروح" (أفسس 5: 18). واثقاً في وعده "وهذه هي الثقة التي لنا عنده انه إن طلبنا شيئا حسب مشيئته يسمع لنا وان كنا نعلم انه مهما طلبنا يسمع لنا نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها منه" (1 يوحنا 5: 14 - 15).
صلِّ طالباً الملء من الله، وثق أنه سيمنحه لك إن طلبت بإيمان واثقاً في وعده.
3- كان مملوّاً من القوة والحكمة
كانت حياة إستفانوس تشهد بالقوة، فصنع الكثير من الآيات والعجائب، كما أنه كان مشهوداً له بالحكمة، وقد عجز أعداؤه عن مقاومة كلام الحكمة الذي كان ينطق به، وحقاً قال الرسول يعقوب في رسالته "وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له" (يعقوب 1 : 5). وقد كانت حكمة إستفانوس من عند الله.
تختلف الحكمة عن المعرفة، فقد تكون عليماً ببواطن الأمور، وتجمع أطراف المعرفة في شتى مجالاتها، لكن الحكمة هي في كيفية استخدام هذه المعرفة، وتتمثل حكمة إستفانوس في أنه كان يعرف أن يستخدم ما يعرفه، وكانت حجته التي يحاجج بها علماء مجامع اليهود لا يُرد عليها، فكان في كل محاوراته معهم يفحمهم، ويعجزوا عن الرد عليه أو مجاراته ومجاوبته.
إستفانوس وشهادته:
كان إستفانوس رجلاً ذا رؤيا ، رجلا يعرف ما سيكون عليه مستقبل الكنيسة المسيحية من انتشار يصل برسالة المسيح لجميع الأمم، كان يدرك أن الديانة اليهودية بما تمثله من محدودية الفكر والعبادة، لا تصلح لأن تستوعب فكر الحرية التي في المسيح، كان الهيكل والناموس من الثوابت الأساسية في الفكر اليهودي، بينما كان يرى إستفانوس أن العبادة الحقيقية لله لا تتقيد بمكان، كان يعرف أن "الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا4 : 24). فلابد إذاً للهيكل أن ينتهي، أما الناموس فما هو إلا مرحلة تقود الإنسان لإنجيل المسيح، لم يؤمن إستفانوس بهذه الحقائق وحسب بل جاهر بإيمانه هذا، ففي كل المجامع التي كان يُعلِّم فيها كان يُنادي بما يؤمن به، وحين حاوره علماء اليهود والعارفين بالكتب، لم يقدروا أن يجاوبوه، "حينئذ دسوا له رجـالا يقـولون أننا سمعنـاه يتكلم بكـلام تجديف على مــوسى وعلى الله" (أعمال 6: 11).
نستطيع أن نرى إستفانوس الذي قدَّم نموذجاً حياً لإعلان ما يؤمن به من خلال حياته الشاهدة للمسيح، كما قدَّم المثل الرائع الذي يجب أن يكون عليه أسلوب الكارز، كان كلامه وسيلة أخرى لإعلان كرازته بالمسيح، قد يكتفي البعض بالكرازة من خلال أسلوب حياتهم، أما إستفانوس فعرف كيف يجمع بين الحياة الشاهدة، والتعبير عن هذه الحياة بالكلام والقول، كما أنه لم ينتظر مَن يأتيه، بل كان يمتلك المبادرة، كان يتحرك متنقلاً بين المجامع للشهادة بالمسيح، وكان يعرف في أي موضوع يتكلم، لم يكن حديثه في الفلسفة وعلوم المنطق، لم يكن يتكلم عن ماهية الدين والعبادة، بل كان يتكلم عن رب العبادة، يسوع البار الذي مات لأجل خلاص البشر.
كان إستفانوس نِعمَ الشاهد الأمين بحياته وبكلامه، لم يدع الأمور الإدارية تثنيه أو تعطله عن عمله الأساسي، إرساليته العظمى التي أخذها من سيده حين قال "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما اوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر أمين" (متى 28 : 19 - 20).
يا رب: علمنا أن نكون شهوداً لك بالحياة والكلام، بالقـول وبالعمل،أن تكون حياتنا رسالة حية تشهد عن محبتك وغفرانك، وأن يكون كلامنا وسيلة فعالة في إعلان إيماننا، دعنا نتحرك إلى العالم المحتاج لرسالتك وخلاصك، دعنا لا نخشى الناس، ولا نصدق أكاذيب إبليس، أعطنا أن نتحدث عنك أنت، لا عن نفوسنا .. ولا عن أعمالنا .. ولا كنائسنا .. بل عن يسوع المسيح وحده. الذي "ليس بأحد غيره الخلاص" (أعمال 4 : 12).
[center][center]إستفانوس وتشبهه بالمسيح:
عرف إستفانوس حياة الملء وأختبر كيف يحيا متشبهاً بسيده، فما بين حياته وموته نلحظ الكثير من أوجه الشبه بين إستفانوس والسيد المسيح.
- كان السيد المسيح وهو إنساناً يحيا بيننا، مشهوداً له بالنعمة والحق من الله والناس (لوقا 2 : 52 - يوحنا 1 : 14). وكان إستفانوس مشهوداً له بالحكمة والروح الذي كان يتكلم به (أعمال 6 : 10).
- كان السيد المسيح يُقنع سامعيه ولم يعرفوا أن يجاوبوه بكلمة (متى 22: 46). وهكذا كان إستفانوس مع سامعيه (أعمال 6 : 10).
- كان السيد المسيح يصنع الآيات والعجائب ( متى 21 : 15 - يوحنا 2 : 23، 3 : 2، 6 : 2، 11 : 47). أيضاً إستفانوس إذ "كان مملوّاً إيماناً وقوة كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب" (أعمال 6 : 8).
- لم يستطع رجال الدين والسلطة اليهود أن يجدوا تهمة حقيقية ليقبضوا بها على السيد المسيح فدسوا له شهود زور (متى 26 : 60). وهكذا الأمر مع إستفانوس حين عجز أعدائه عن توجيه التهم إليه دسوا شهود زور عليه ليقتلوه (أعمال 6 : 11 - 12).
- شهد للسيد المسيح أعـداؤه في شخص قـائد المئة حين قال "حقا كان هذا الإنسان ابن الله" (مرقس 15 : 39، متى 27 : 54). وكذلك شهد أعداء إستفانوس بأنه ذو وجه ملائكي (أعمال 6 : 15).
- غفر السيد المسيح لأعدائه جرائمهم في حقه فحينما كانوا يصلبونه قال : " يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 23 : 34). وذات الفعل عمله إستفانوس حين جثا على ركبتيه و"صرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية وإذ قال هذا رقد" (أعمال 7 : 60).
- كانت حياة المسيح هي المثال الذي احتذى به إستفانوس فعاش ومات تاركاً للأجيال المتعاقبة كيف يكون التلميذ كسيده، وكيف لنا أن نحيا متشبهين بالمسيح، نعم كان إستفانوس قريباً من النبع، فكانت حياته ارتواء، وهكذا كلما ازددنا قرباً والتصاقا بالسيد كلما انطبعت صورته فينا، وعاش حياته من خلالنا.
إستفانوس واستشهاده:
تلاحقت الأحداث سريعاً في حياة إستفانوس فلم تمض فترة طويلة في خدمته حتى ذاع صيته، ودوت محاوراته وتعاليمه بين المجامع المختلفة، كان صوتاً للحق عالياً، كل هذا دفع أعداء الحق ورجال الباطل لأن يتفكروا كيف يقتلوه، وكانت المؤامرة الكبرى، "فقاموا و خطفوه وأتوا به إلى المجمع" (أعمال 6: 12). وهناك قدموه لمحاكمة أقل ما توصف به أنها محاكمة غير عادلة، فالشهود زور، والحقائق مزورة، والآذان صماء عن أن تسمع دفاعه العادل، وكان الموت هو الأمر المتوقع. وهكذا لم يصدر حكم بالموت على إستفانوس، بل "هجموا عليه بنفس واحدة وأخرجوه خارج المدينة ورجموه" (أعمال 7 : 57 - 58).
كان موت إستفانوس اغتيالاً همجياً، فلم يكن في سلطة اليهود الحكم بالقتل على أحد لأنهم في ذلك الوقت كانوا محتلّين من الرومان أصحاب الأمر والسلطة، وهذا ما حدث مع السيد المسيح فحين قدموه إلى بيلاطس ليحاكمه ويصدر أمراً بقتله "قال لهم بيلاطس خذوه انتم واحكموا عليه حسب ناموسكم فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحداً" (يوحنا 18 : 31). كان اليهود يعرفون هذا الأمر جيداً، لكن البغضة التي ملأت قلوبهم تجاه تعاليمه وحنقهم عليه كانت هي الأعلى صوتاً، وحكماً، كانت هي السوط والسيف الذي يغتال الحق وأصحابه.
مات إستفانوس رجماً بالحجارة، لكنه في هذه الأثناء، لم يفقد سلامه وطمأنينته، لم يفقد ملئه بالروح، فكما عاش ممتلئاً بالروح مات كذلك، لقد رفع عينيه إلى السماء فرأى مجد الله ويسوع قائماً عن يمين العظمة في الأعالي، وقبل أن يلفظ أنفاسه "جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يارب: لا تقم لهم هذه الخطية وإذ قال هذا رقد" (أعمال 7: 60). كانت أخر كلمات إستفانوس هي الغفران لأعدائه وقاتليه، فكما فعل سيده هكذا هو فعل.
حقاً لقد أسكتت البغضة والضغينة وعدم المعرفة صوت المحبة والإعلان بفم إستفانوس وقتلته، لكنه وإن مات سيتكلم بعد.
دروس من حياة إستفانوس:
1. الإيمان الحقيقي بالمسيح يقود الإنسان للتشبه بحياته، وأعماله وتعاليمه.
2. بقدر ما يكون للإنسان من إيمان، بقدر ما تشهد حياته من آيات وعجائب.
3. إن خطوات الإيمان لا تقف عند حدٍ، بل تصل إلى بذل النفس لأجل المسيح.
4. الحياة الفيّاضة هي حياة الملء بالروح القدس.
5. والملء بالروح القدس يعني الامتلاء بحياة المسيح والتشبه به، الحياة تحت قيادة المسيح وطاعته، يعني الامتلاء بثمر الروح.
6. حياة المسيح رغم أنها مستحيلة لأي شخص أن يحياها، إلا أن من يدع المسيح يقود حياته، ويسيطر على مركز قيادة حياته يمكنه بسهوله أن يحيا هذه الحياة، ويؤثر فيمن حوله.
7. عندما يحيا الإنسان حياة نقية طاهرة أمام الله تنعكس هذه الحياة على سلوكه وحياته العملية أمام الناس، ويكون مؤيداً من الله، مشهوداً له من الناس.
8. الرؤيا لا تتحقق بالأحلام، والدعاء فقط، لكنها تحتاج لمن يؤمن بها ويسعى لتحقيقها مهما كلفه ذلك.
9. الكرازة الفعالة ليست فقط بالحياة المقّدسة، لكنها بالتعبير بالقول والكلام عن سبب هذه الحياة.
10. الكرازة الناجحة تأتي عندما يكون موضوعها شخص المسيح، وفي قوة الروح القدس.
11. لا تستطيع البغضة والكراهية، ولا الاضطهادات، أن تقتل المحبة في حياة إنسان عرف معنى حب المسيح له، وأختبر غفران الله لخطاياه.
استفانوس فى الكتاب المقدس:
فحسن هذا القول امام كل الجمهور فاختاروا استفانوس رجلا مملوّا من الايمان والروح القدس وفيلبس وبروخورس ونيكانور وتيمون وبرميناس ونيقولاوس دخيلا انطاكيا (اع 6: 5)0
واما استفانوس فاذ كان مملوّا ايمانا وقوة كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب ( اع 6: 8).
فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول ايها الرب يسوع اقبل روحي (اع 7: 59).
وحمل رجال اتقياء استفانوس وعملوا عليه مناحة عظيمة (اع 8: 2).
اما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس فاجتازوا الى فينيقية وقبرس وانطاكية وهم لا يكلمون احدا بالكلمة الا اليهود فقط (أع 11: 19).
وحين سفك دم استفانوس شهيدك كنت انا واقفا وراضيا بقتله وحافظا ثياب الذين قتلوه (اع 22: 20).
وعمدت ايضا بيت استفانوس عدا ذلك لست اعلم هل عمدت احدا آخر (1كورنثوس 1 : 16).
الشهيد الأول في الكنيسة المسيحية، وكما روت دماء الشهداء أماكن كثيرة من العالم، حيث كان الاضطهاد والاستشهاد نقطة تحول في انتشار رسالة الإنجيل، وإظهار محبة الله بصورة عملية للعالم المحتاج لخلاص المسيح، كان استشهاد إستفانوس نقطة انطلاق كبير في نمو الكنيسة وانتشارها في بدايات القرن الأول، فقد كان موت إستفانوس هو بداية أول موجة من الاضطهاد جاءت على المؤمنين وشتتهم، يقول الكتاب المقدس "وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة.. فالذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة.." (أعمال الرسل 8 : 1 - 4). وكانت نتيجة هذا الشتات هو اتساع الكرازة بالإنجيل وقبول الكثيرين كلمة الله بفرح وإيمان.
أن موت إستفانوس ورجمِه لم تُمح من ذاكرة شاول الذي صار فيما بعد الرسول العظيم بولس رسول الأمم، مَن تحمل في سبيل خدمته لسيده الكثير من الاضطهاد، والجَلْد والرجم، ومقاومة الأصدقاء والأعداء.
إستفانوس مَن هو؟
إستفانوس اسم يوناني معناه "تاج" أو إكليل المنتصر، ويدل هذا الاسم على انه كان هلينياً، أي يهودي الأصل، يوناني الثقافة والتعليم، حيث انه لم يكن من سكان فلسطين، وهو ما يظهر في آرائه المتحررة عن اليهود المحافظين في رؤيته للهيكل والناموس وعبادة الله الحقة.
ونحن لا نعلم الكثير عمن هو إستفانوس، من هما والداه، ما هو عمله، كيف ومتى قَبِل رسالة المسيح وآمن به، لكن هناك تقليد يعتقد أنه آمن بالمسيح في عظة بطرس يوم الخمسين.
لكن ما نعلمه جيداً عن إستفانوس انه كان رجلاً من أعظم الشخصيات في الكنيسة الأولى، كان إدارياً ماهراً، فصيحاً، عالماً، دارساً للكلمة المقدسة وتاريخ شعب الله، شهد عنه الوحي بأنه كان "رجلاً مملوّاً من الإيمان والروح القدس" (أعمال 6 : 5).
خدم إستفانوس حوالي ثلاث سنوات قبل استشهاده، ومات على ما يُعتقد نحو عام 36 ميلادية.
إستفانوس وحياته:
تبدأ حياة إستفانوس بما جاء عنه في سفر الأعمال والإصحاح السادس، حين ظهرت مشكلة في الكنسية الأولى، حيث "حدث تذمر من اليونانيين على العبرانيين أن أرملهم كن يغفل عنهن في الخدمة اليومية" (أعمال 6 : 1). وكان الحل الذي رآه الرسل هو انهم دعوا "التلاميذ وقالوا لا يرضي أن نترك نحن كلمة الله و نخدم موائد فانتخبوا أيها الاخوة سبعة رجال منكم مشهودا لهم ومملِوّين من الروح القدس وحكمة فنقيمهم على هذه الحاجة وأما نحن فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة" (أعمال 6 : 2 - 4). ولأن الأمر من عند الله، حسن هذا القول أمام كل الجمهور "فاختاروا إستفانوس رجلا مملوّاً من الإيمان والروح القدس" (أعمال 6 : 5).
ويالها من شهادة عظيمة تلك التي يشهد بها الله والناس عن إنسان ما، فها هو إستفانوس يُنتخب من قِبل جمهور الحاضرين، ليكون واحداً، بل أول السبعة الذين سيُوكل إليهم خدمة الموائد، ورعاية الأرامل والمحتاجين.
إستفانوس وسر عظمته:
حين ندرس حياة إستفانوس نجد التميّز الواضح فيها، فهذا الشاب توافرت فيه بعض الصفات التي حين تجتمع في شخص ما تجعله قريب الشبه بسيده فما هي هذه الصفات والتي اجتمعت في شخص إستفانوس.
1. كان مملؤاً إيمانا
كان إستفانوس عظيماً في إيمانه، ويمكننا أن نرى إيمانه في صور متعددة، كان قد آمن بالسيد المسيح مخلصاً لحياته، على أنه خطى خطوة أعمق في حياة إيمانه فقد آمن بالذي قال "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا اعملها يعملها هو أيضا ويعمل اعظم منها لأني ماض إلى أبي" (يوحنا 14: 12). ونما هذا الإيمان فى حياته حتى اصبح حقيقة ملموسة من خلال الاختبارات والمعجزات , فشهدت حياته كيف "كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب" (أعمال 5 : 8).
خطوة أخرى في حياة الإيمان عاشها إستفانوس، هي الإيمان الذي يرى ما لا يُرى، لقد فهم إستفانوس معنى أن الإيمان هو "الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى" (العبرانيين 11 : 1). عرف أن الإيمان ليس قفزة نحو المجهول، لكنه خطوة واثقة معتمدة على نعمة الله الممنوحة لنا في المسيح، الذي أبطل الموت وأنار لنا الحياة والخلود (2 تيموثاوس1 : 10).
نعم لقد كان إيمان إستفانوس يخترق الطبيعة البشرية المحدودة، لقد رأى ما لم يره الكهنة ورجال الدين، فحين رأى الكهنة والشعب أمامهم دفاع إستفانوس وفصاحة أسلوبه المعتمد على الحقائق الكتابية "حنقوا بقلوبهم وصروا بأسنانهم عليه واما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس فرأى مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله فقال ها أنا انظر السماوات مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الله" (أعمال 7 : 54 - 56).
على أنه في خطوة إيمان أعمق كانت تضحيته بحياته، ذلك الإيمان الذي قاده إلى الموت رجماً، لكنه كان يعلم أن مَن يؤمن بالابن فله حياة أبدية، ولن يهلك إلى الأبد (يوحنا 34 : 36). كان إستفانوس مؤمناً بمن قال "أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا" ( يوحنا 11: 5). فحتى إذا تعرض للموت الجسدي فهو لم يعد يخشى من له سلطان أن يُهِلك الجسد.
آمن إستفانوس بيسوع الممجد، ومات وهو يرى مجد الله و يسوع قائماً عن يمين الله، نعم لقد رأى ما لم يره أحد غيره.
2. كان مملوّاً من الروح القدس
كان إستفانوس إنساناً عرف معنى الامتلاء بالروح القدس، إذ أعطي السيادة الكاملة للرب على حياته، فشهدت حياته ثمر الروح القدس، وشهد له الكتاب المقدس بأنه كان رجلاً مملوّاً بالروح القدس.
يؤمن المسيحيون أن الحياة المسيحية حياة خارقة للطبيعة، وهي كما أنها مستحيلة لأي إنسان أن يحياها، إلا أن كل شخص أختبر الحياة مع الله وآمن بالسيد المسيح يستطيع أن يتمتع بهذه الحياة الخارقة من خلال قوة الروح القدس، فحين يرتبط الإنسان بالله ويأتي إليه تائباً نادماً ومعترفاً بخطاياه، ويقبل مُلك المسيح على حياته، فإن الروح القدس يأتي ويجعل من هذا الإنسان هيكلاً لسكناه، يكتب الرسول بولس قائلاً "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" (1كورنثوس 3 : 16).فسكنى الروح القدس أمر يتمتع به كل مسيحي مولود من الله.
لكن رغبة قلب الله ليست هي أن نصبح أولاده، وأن يسكن الروح القدس حياتنا فقط، بل أن نمتلئ بالروح القدس، لذلك تأتي هذه الرغبة في صيغة الأمر "امتلئوا بالروح" (أفسس 5 : 18). والملء بالروح القدس يعني الامتلاء بحياة المسيح والتشبه به، الحياة تحت قيادة المسيح وطاعته، يعني الامتلاء بثمر الروح.
يستطيع كل مسيحي مولود من الله أن يمتلئ من الروح القدس، وذلك بأن يأتي إلى الله معترفاً له بأي خطية جعلته يبتعد عن قيادة المسيح الكاملة لحياته، ويطلب من الله أن يتربع على عرش الحياة مرة أخرى، وهكذا يمتلئ بالروح القدس الذي يفيض فيه بثمر الروح.
ولكي يظل الإنسان ممتلئاً من الروح القدس يجب أن يعطي المسيح السيادة باستمرار على حياته، فمن السهل أن يتحول الإنسان الروحي إلى إنسان جسدي حين لا يعطي السيادة الكاملة للمسيح على عرش حياته، ووقتها تظهر في حياته كل صفات المؤمن الجسدي التي يصفها الرسول بولس قائلاً ".. لأنكم بعد جسديون فانه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر" (1كورنثوس 3 :1-3).
إن حياة الملء حياة فيّاضة، تظهر في تغيير أسلوب الإنسان فعلى المستوى البشري تكون علاقته مع أخوته هي علاقة المحبة والخضوع، وعلى مستوى العلاقة مع الله يظهر التمجيد والشكر لله كل حين، يقول الكتاب المقدس "امتلئوا بالروح مكلمين بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنـا يسوع المسيح لله والآب خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله" (أفسس 5: 18 - 21). إن حياة الإنسان الممتلئ تُظهر ثمر الروح الذي هو " محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان" (غلاطية5 : 22).
عزيزى: هل اختبرت حياة الملء بالروح القدس؟ هل لك هذه الحياة الفيّاضة الممتلئة بثمر الروح؟ إن لم تكن تمتع بهذه الحياة، تعال الأن طائعاً لأمر الله "امتلئوا بالروح" (أفسس 5: 18). واثقاً في وعده "وهذه هي الثقة التي لنا عنده انه إن طلبنا شيئا حسب مشيئته يسمع لنا وان كنا نعلم انه مهما طلبنا يسمع لنا نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها منه" (1 يوحنا 5: 14 - 15).
صلِّ طالباً الملء من الله، وثق أنه سيمنحه لك إن طلبت بإيمان واثقاً في وعده.
3- كان مملوّاً من القوة والحكمة
كانت حياة إستفانوس تشهد بالقوة، فصنع الكثير من الآيات والعجائب، كما أنه كان مشهوداً له بالحكمة، وقد عجز أعداؤه عن مقاومة كلام الحكمة الذي كان ينطق به، وحقاً قال الرسول يعقوب في رسالته "وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له" (يعقوب 1 : 5). وقد كانت حكمة إستفانوس من عند الله.
تختلف الحكمة عن المعرفة، فقد تكون عليماً ببواطن الأمور، وتجمع أطراف المعرفة في شتى مجالاتها، لكن الحكمة هي في كيفية استخدام هذه المعرفة، وتتمثل حكمة إستفانوس في أنه كان يعرف أن يستخدم ما يعرفه، وكانت حجته التي يحاجج بها علماء مجامع اليهود لا يُرد عليها، فكان في كل محاوراته معهم يفحمهم، ويعجزوا عن الرد عليه أو مجاراته ومجاوبته.
إستفانوس وشهادته:
كان إستفانوس رجلاً ذا رؤيا ، رجلا يعرف ما سيكون عليه مستقبل الكنيسة المسيحية من انتشار يصل برسالة المسيح لجميع الأمم، كان يدرك أن الديانة اليهودية بما تمثله من محدودية الفكر والعبادة، لا تصلح لأن تستوعب فكر الحرية التي في المسيح، كان الهيكل والناموس من الثوابت الأساسية في الفكر اليهودي، بينما كان يرى إستفانوس أن العبادة الحقيقية لله لا تتقيد بمكان، كان يعرف أن "الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا4 : 24). فلابد إذاً للهيكل أن ينتهي، أما الناموس فما هو إلا مرحلة تقود الإنسان لإنجيل المسيح، لم يؤمن إستفانوس بهذه الحقائق وحسب بل جاهر بإيمانه هذا، ففي كل المجامع التي كان يُعلِّم فيها كان يُنادي بما يؤمن به، وحين حاوره علماء اليهود والعارفين بالكتب، لم يقدروا أن يجاوبوه، "حينئذ دسوا له رجـالا يقـولون أننا سمعنـاه يتكلم بكـلام تجديف على مــوسى وعلى الله" (أعمال 6: 11).
نستطيع أن نرى إستفانوس الذي قدَّم نموذجاً حياً لإعلان ما يؤمن به من خلال حياته الشاهدة للمسيح، كما قدَّم المثل الرائع الذي يجب أن يكون عليه أسلوب الكارز، كان كلامه وسيلة أخرى لإعلان كرازته بالمسيح، قد يكتفي البعض بالكرازة من خلال أسلوب حياتهم، أما إستفانوس فعرف كيف يجمع بين الحياة الشاهدة، والتعبير عن هذه الحياة بالكلام والقول، كما أنه لم ينتظر مَن يأتيه، بل كان يمتلك المبادرة، كان يتحرك متنقلاً بين المجامع للشهادة بالمسيح، وكان يعرف في أي موضوع يتكلم، لم يكن حديثه في الفلسفة وعلوم المنطق، لم يكن يتكلم عن ماهية الدين والعبادة، بل كان يتكلم عن رب العبادة، يسوع البار الذي مات لأجل خلاص البشر.
كان إستفانوس نِعمَ الشاهد الأمين بحياته وبكلامه، لم يدع الأمور الإدارية تثنيه أو تعطله عن عمله الأساسي، إرساليته العظمى التي أخذها من سيده حين قال "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما اوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر أمين" (متى 28 : 19 - 20).
يا رب: علمنا أن نكون شهوداً لك بالحياة والكلام، بالقـول وبالعمل،أن تكون حياتنا رسالة حية تشهد عن محبتك وغفرانك، وأن يكون كلامنا وسيلة فعالة في إعلان إيماننا، دعنا نتحرك إلى العالم المحتاج لرسالتك وخلاصك، دعنا لا نخشى الناس، ولا نصدق أكاذيب إبليس، أعطنا أن نتحدث عنك أنت، لا عن نفوسنا .. ولا عن أعمالنا .. ولا كنائسنا .. بل عن يسوع المسيح وحده. الذي "ليس بأحد غيره الخلاص" (أعمال 4 : 12).
[center][center]إستفانوس وتشبهه بالمسيح:
عرف إستفانوس حياة الملء وأختبر كيف يحيا متشبهاً بسيده، فما بين حياته وموته نلحظ الكثير من أوجه الشبه بين إستفانوس والسيد المسيح.
- كان السيد المسيح وهو إنساناً يحيا بيننا، مشهوداً له بالنعمة والحق من الله والناس (لوقا 2 : 52 - يوحنا 1 : 14). وكان إستفانوس مشهوداً له بالحكمة والروح الذي كان يتكلم به (أعمال 6 : 10).
- كان السيد المسيح يُقنع سامعيه ولم يعرفوا أن يجاوبوه بكلمة (متى 22: 46). وهكذا كان إستفانوس مع سامعيه (أعمال 6 : 10).
- كان السيد المسيح يصنع الآيات والعجائب ( متى 21 : 15 - يوحنا 2 : 23، 3 : 2، 6 : 2، 11 : 47). أيضاً إستفانوس إذ "كان مملوّاً إيماناً وقوة كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب" (أعمال 6 : 8).
- لم يستطع رجال الدين والسلطة اليهود أن يجدوا تهمة حقيقية ليقبضوا بها على السيد المسيح فدسوا له شهود زور (متى 26 : 60). وهكذا الأمر مع إستفانوس حين عجز أعدائه عن توجيه التهم إليه دسوا شهود زور عليه ليقتلوه (أعمال 6 : 11 - 12).
- شهد للسيد المسيح أعـداؤه في شخص قـائد المئة حين قال "حقا كان هذا الإنسان ابن الله" (مرقس 15 : 39، متى 27 : 54). وكذلك شهد أعداء إستفانوس بأنه ذو وجه ملائكي (أعمال 6 : 15).
- غفر السيد المسيح لأعدائه جرائمهم في حقه فحينما كانوا يصلبونه قال : " يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 23 : 34). وذات الفعل عمله إستفانوس حين جثا على ركبتيه و"صرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية وإذ قال هذا رقد" (أعمال 7 : 60).
- كانت حياة المسيح هي المثال الذي احتذى به إستفانوس فعاش ومات تاركاً للأجيال المتعاقبة كيف يكون التلميذ كسيده، وكيف لنا أن نحيا متشبهين بالمسيح، نعم كان إستفانوس قريباً من النبع، فكانت حياته ارتواء، وهكذا كلما ازددنا قرباً والتصاقا بالسيد كلما انطبعت صورته فينا، وعاش حياته من خلالنا.
إستفانوس واستشهاده:
تلاحقت الأحداث سريعاً في حياة إستفانوس فلم تمض فترة طويلة في خدمته حتى ذاع صيته، ودوت محاوراته وتعاليمه بين المجامع المختلفة، كان صوتاً للحق عالياً، كل هذا دفع أعداء الحق ورجال الباطل لأن يتفكروا كيف يقتلوه، وكانت المؤامرة الكبرى، "فقاموا و خطفوه وأتوا به إلى المجمع" (أعمال 6: 12). وهناك قدموه لمحاكمة أقل ما توصف به أنها محاكمة غير عادلة، فالشهود زور، والحقائق مزورة، والآذان صماء عن أن تسمع دفاعه العادل، وكان الموت هو الأمر المتوقع. وهكذا لم يصدر حكم بالموت على إستفانوس، بل "هجموا عليه بنفس واحدة وأخرجوه خارج المدينة ورجموه" (أعمال 7 : 57 - 58).
كان موت إستفانوس اغتيالاً همجياً، فلم يكن في سلطة اليهود الحكم بالقتل على أحد لأنهم في ذلك الوقت كانوا محتلّين من الرومان أصحاب الأمر والسلطة، وهذا ما حدث مع السيد المسيح فحين قدموه إلى بيلاطس ليحاكمه ويصدر أمراً بقتله "قال لهم بيلاطس خذوه انتم واحكموا عليه حسب ناموسكم فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحداً" (يوحنا 18 : 31). كان اليهود يعرفون هذا الأمر جيداً، لكن البغضة التي ملأت قلوبهم تجاه تعاليمه وحنقهم عليه كانت هي الأعلى صوتاً، وحكماً، كانت هي السوط والسيف الذي يغتال الحق وأصحابه.
مات إستفانوس رجماً بالحجارة، لكنه في هذه الأثناء، لم يفقد سلامه وطمأنينته، لم يفقد ملئه بالروح، فكما عاش ممتلئاً بالروح مات كذلك، لقد رفع عينيه إلى السماء فرأى مجد الله ويسوع قائماً عن يمين العظمة في الأعالي، وقبل أن يلفظ أنفاسه "جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يارب: لا تقم لهم هذه الخطية وإذ قال هذا رقد" (أعمال 7: 60). كانت أخر كلمات إستفانوس هي الغفران لأعدائه وقاتليه، فكما فعل سيده هكذا هو فعل.
حقاً لقد أسكتت البغضة والضغينة وعدم المعرفة صوت المحبة والإعلان بفم إستفانوس وقتلته، لكنه وإن مات سيتكلم بعد.
دروس من حياة إستفانوس:
1. الإيمان الحقيقي بالمسيح يقود الإنسان للتشبه بحياته، وأعماله وتعاليمه.
2. بقدر ما يكون للإنسان من إيمان، بقدر ما تشهد حياته من آيات وعجائب.
3. إن خطوات الإيمان لا تقف عند حدٍ، بل تصل إلى بذل النفس لأجل المسيح.
4. الحياة الفيّاضة هي حياة الملء بالروح القدس.
5. والملء بالروح القدس يعني الامتلاء بحياة المسيح والتشبه به، الحياة تحت قيادة المسيح وطاعته، يعني الامتلاء بثمر الروح.
6. حياة المسيح رغم أنها مستحيلة لأي شخص أن يحياها، إلا أن من يدع المسيح يقود حياته، ويسيطر على مركز قيادة حياته يمكنه بسهوله أن يحيا هذه الحياة، ويؤثر فيمن حوله.
7. عندما يحيا الإنسان حياة نقية طاهرة أمام الله تنعكس هذه الحياة على سلوكه وحياته العملية أمام الناس، ويكون مؤيداً من الله، مشهوداً له من الناس.
8. الرؤيا لا تتحقق بالأحلام، والدعاء فقط، لكنها تحتاج لمن يؤمن بها ويسعى لتحقيقها مهما كلفه ذلك.
9. الكرازة الفعالة ليست فقط بالحياة المقّدسة، لكنها بالتعبير بالقول والكلام عن سبب هذه الحياة.
10. الكرازة الناجحة تأتي عندما يكون موضوعها شخص المسيح، وفي قوة الروح القدس.
11. لا تستطيع البغضة والكراهية، ولا الاضطهادات، أن تقتل المحبة في حياة إنسان عرف معنى حب المسيح له، وأختبر غفران الله لخطاياه.
استفانوس فى الكتاب المقدس:
فحسن هذا القول امام كل الجمهور فاختاروا استفانوس رجلا مملوّا من الايمان والروح القدس وفيلبس وبروخورس ونيكانور وتيمون وبرميناس ونيقولاوس دخيلا انطاكيا (اع 6: 5)0
واما استفانوس فاذ كان مملوّا ايمانا وقوة كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب ( اع 6: 8).
فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول ايها الرب يسوع اقبل روحي (اع 7: 59).
وحمل رجال اتقياء استفانوس وعملوا عليه مناحة عظيمة (اع 8: 2).
اما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس فاجتازوا الى فينيقية وقبرس وانطاكية وهم لا يكلمون احدا بالكلمة الا اليهود فقط (أع 11: 19).
وحين سفك دم استفانوس شهيدك كنت انا واقفا وراضيا بقتله وحافظا ثياب الذين قتلوه (اع 22: 20).
وعمدت ايضا بيت استفانوس عدا ذلك لست اعلم هل عمدت احدا آخر (1كورنثوس 1 : 16).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى