- الإكليريكي/ مايكل وليمعضو VIP
رسالة البابا يوحنا الى الكهنة
الإثنين أغسطس 20, 2007 4:11 pm
رسالة البابا الى الكهنة
خميس الأسرار 2001
ايها الأخوة في الكهنوت،
1. في هذا اليوم الذي فيه منح الرب يسوع كنيسته هبة الأفخارستيا، والذي فيه أيضا أسّس كهنوتنا، لا أستطيع الاّ ان أكتب اليكم هذه الكلمات، كما جرت العادة، وهي كلمات صداقة حميمة، كي أشترك معكم في رفع آيات الشكر والحمد لله.
" امدحي يا اروشليم المخلص، والقائد والراعي، بتسابيح الحمد". كم هو عظيم بالفعل السرّ الذي أُقِمنا له خدَماً. سر محبة لا حدود لها، لأنّه "أحبّ خاصته الذين في العالم، أحبّهم الى أقصى الحدود" ( يوحنا 13،1). سرّ وحدة ينبثق من حياة الثالوث، وينعكس علينا ليجعل منّا "جسدا واحدا"، من خلال هبة الروح ( را يوحنا 17). سر الخدمة الالهية الذي يحمل الكلمة الذي صار جسدا الى أن يغسل أقدام خلائقه، مشيرا بذلك ان طريق الخدمة هي الطريق الرئيسية للعلاقات الحقيقية بين البشر:" ما فعلته أنا، افعلوا أنتم أيضا" (را يوحنا 13،15).
لقد أُقِمنا بشكل خاص شهودا وخدما لهذا السر العظيم.
2. هذا هو خميس الأسرار الأول بعد مرور اليوبيل. والخبرة التي عشناها في جماعاتنا المسيحية، باحتفالنا بنوع خاص بسر التوبة بعد مرور ألفي عام على ميلاد يسوع المسيح، يشكّل حافزا لنا لمتابعة السير. " سر في العُرض". يدعونا السيد المسيح الى السير في العرض ويكِلنا الى قوّة كلمته. لنستفد من خبرة اليوبيل ولنتابع التزامنا كشهود للإنجيل في الحماس الذي نستلهمه من النظر الى وجه المسيح.
هذا ما قلته في رسالتي " الدخول في الألف الثالث". يجب الانطلاق من يسوع المسيح كي ننفتح معه بأنّات الروح التي "لا توصف" ( راجع روما 8،26)، (ننفتح) على محبة الآب :" أبّا، يا أبتاه" ( غلاطية 4،6). يجب الانطلاق من المسيح كي نكتشف أصل أخوّتنا ومنطقها العميق: " أحبّوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا" (يوحنا 13،34).
3. أودّ الآن أن أعبّر لكل واحد منكم عن شكري لكل ما فعلتوه طيلة سنة اليوبيل، كي يشعر الشعب المؤمن الموكل الى عنايتكم، قوّةَ حضور المسيح الخلاصي. كما أفكّر الآن في العمل اليومي الذي تقومون به، العمل الخفي، والذي لا يصل الى أضواء وسائل الأعلام، العمل الذي يثبّت ملكوتَ الله في ضمائر البشر. أعبر لكم عن اعجابي بخدمكتم المخفية والمثابرة والخلاّقة، والتي كثيرا ما تقومون بها وانتم تذرفون الدموع التي لا يراها الاّ الله، وهو الذي يحفظها لكم (انظر مزمور 55،9). خدمة هي موضوع إكبار، وسط مقاومة مجتمع اليوم العلماني، الذي يعرّض الكهنة وعملهم الى تجربة التعب واليأس. انتم تعرفون جيّدا أن عملكم الملتزم ثمين في عينيّ الله.
وفي نفس الوقت، اريد ان احمل لكم صدى صوت يسوع المسيح الذي لا ينفكّ يدعونا الى تقوية علاقتنا معه باستمرار: " هاأنذا واقف على الباب أقرع" ( رؤيا 3،20). فنحن نبشّر بالمسيح، ونحن مدعوون أوّلا الى عيش علاقة حميمة معه. كيف يمكننا ان نعطي الآخرين ما نفتقده نحن؟ فبالرغم من المظاهر الخارجية، هنالك عطش في عالم اليوم الى المسيح. وهذا العطش يظهر من خلال هشاشة أشكال الروحانية المعاصرة، كما يظهر من رفض تعليم الكنيسة في أمور تخصّ السلوك البشري. وهذا العطش الى المسيح، واعياً كان ام لا، لا يمكن ارواؤه بكلمات فارغة. فقط الشهود الحقيقيون يستطيعون نشر كلمة الخلاص بشكل صادق.
4. قلت في رسالتي " الدخول في الألفية الثالثة" ان تِركة اليوبيل هي خبرة التقاء العميق بشخص يسوع المسيح. ومن أوجه هذا الالتقاء، اودّ ان اختار وجه "سر المصالحة". وهو وجه مهم في سنة اليوبيل، بسبب ارتباطه أيضا بموضوع "الفغرانات".
أنا على يقين انكم اختبرتم ذلك في كنائسكم المحليّة. لا شك ان اقتراب المؤمنين من سر المصاحلة هنا في روما، كان من المظاهر التي لفتت الانتباه أكثر من غيرها خلال سنة اليوبيل. فقد كان الاقبال منقطع النظير على "كراسي الاعتراف" في كنيسة القديس بطرس وفي باقي كنائس المدينة الخالدة، الى حدّ ان بعضهم كان ينتظر وقتا طويلا كي ينال نعمة المصالحة. ونفس الأمر يقال عن اقبال الشباب على سر المصالحة في الأسبوع الذي خُصِّص لهم.
5. انتم تعلمون ان سر المصالحة مرّ بأزمة شديدة في العقود الأخيرة. ولمواجهة هذه الأزمة انعقد في روما سنة 1984 سينودس خاص، صدرت عنه فيما بعد رسالة عامّة حول " سر التوبة والمصالحة".
لا يمكن القول ان الاقبال الكبير على سرّ المصالحة في سنة اليوبيل يشكّل عودة عامة الى ممارسة هذا السر. لكنه علامة ايجابية تحمل تشجيعا. ونفهم منه ان المتطلّبات العميقة للروح البشرية، والتي اليها يتوجه مخطط الله الخلاصي، لا يمكن ان تمحيها الأزمات العابرة. لذا يجب الاستفادة من هذه العلامة الايجابية المشجعة والانطلاق منها لوضع تصوّر راعوي لممارسة هذا السر.
6. لا اريد ان اطيل الحديث عن الجانب الراعوي لسر التوبة. فيوم خميس الأسرار، الذي هو يوم دعوتنا، يحملنا على التفكير في أنفسنا، وبالخصوص في سيرنا نحو القداسة. من هنا تنبع غيرتنا الراعوية.
وعندما ننظرالى المسيح يوم خميس الأسرار، عندما نراه يجعل من ذاته " خبزا مكسورا"، وعندما نراه ينحني ليغسل أقدام تلاميذه، كيف لا نشعر بما شعر به بطرس الرسول من عدم الاستحقاق أمام كِبَر الهبة الممنوحة؟ " لن تغسل قدميّ أبدا" ( يوحنا 13،8). لا شك أن بطرس أخطأ عندما رفض عمل المسيح، لكن لم يخطئ عندما شعر بعدم استحقاقه. يهمّنا اليوم، في الاحتفال بيوم المحبة المتميّز، ان نشعر نعمة الكهنوت كفيض من رحمة الله.
فرحمة الله المجانية هي التي دعتنا : "لم تختاروني انتم بل أنا اخترتكم" (يوحنا15،6). ورحمة الله المجانية هي التي تدعونا الى العمل كممثلين لها، بالرغم من خطايانا. ورحمة الله المجانية هي التي تغفر لنا دوما، كما غفرت لبطرس بعد انكاره المسيح. وعلينا أيضا ينطبق ما قاله المسيح: " هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ ولاحد يتوب أكثر منه بتسعة وتسعين بارّاً لا يحتاجون الى التوية" (لوقا 15،7).
7. لنُعد اذاً اكتشاف دعوتنا ك" سر رحمة". نرى في الانجيل أن بطرس قَبِل مهمّته الرسولية الخاصة في هذا الإطار. وما حدث مع بطرس مثال لكلّ من يستلم مهمّة رسولية، مهما كانت درجتها.
وننتقل بالتفكير الى مشهد الصيد العجائبي كما يصفه انجيل لوقا ( 5، 1-11). يطلب يسوع من بطرس أن يقوم بفعل ثقة ويدعوه الى السير في العرض والى رمي شبك الصيد. الطلب صعب. كيف السبيل الى تصديق المسيح بعد أن أمضوا الليل كله في محاولة لصيد دون أن يصيبوا شيئا؟ لكن المحاولة الجديدة "بناء على كلمة يسوع" تغيّر كلّ شئ. فقد امتلأت الشبكة من السمك حتى كادت تتمزّق. كلمة يسوع تكشف عن قدرته. وهذا أمر يحمل الى الاندهاش والخوف والرهبة، كمن يتعرّض فجأة الى شعاع من نور قوّي يكشف ظلامه الداخلي. لذا قال بطرس: " ابتعد عنّي يا رب فأنا رجل خاطئ" ( لوقا 5،8). وما ان انتهى من لفظ جملته حتى فتحت له رحمة الله باب حياة جديدة : " لا تخف ستكون بعد اليوم للبشر صيّاداً" ( لوقا 5، 10). وهكذا يصبح الانسان الخاطئ خادما لسر الرحمة. من " صيّاد سمك" الى "صيّاد بشر".
8. ايها الكهنة الأعزاء، ان هذا السرّ لعظيم. لم يخف المسيح أن يختار خدمه من بين الخطأة. اليست هذه أيضا خبرتنا؟ اليست هذه خبرة بطرس مع المسيح في حواره معه بعد القيامة؟ فقد سأله المعلّم قبل أن يوكله مهمّته الراعوية : " يا سمعان ابن يونا، أتحبّني أكثر مما يحني هؤلاء؟ ( يوحا 21، 15). السؤال موجّه الى نفس الشخص الذي أنكر المعلّم قبل بضعة أيام. من هنا لهجة جوابه الخجولة: " يا رب أنت تعلم كلّ شئ، أنت تعلم أني أحبّك" ( نفس المرجع 17). وبسبب هذا الحب الواعي لضعفه، الحب المعبَّر عنه بخوف ورعدة، أوكل اليه المعلّم رعاية خرافه: "ارع خرافي" (نفس المرجع 15 – 17). وبهذا الحب الذي تقوّى بنار العنصرة، استطاع بطرس ان يمارس مهمّته الراعوية.
9. ألم تلد دعوة بولس أيضا في ظروف مشابهة، ظروف خبرة رحمة الله؟ من شعر أكثر من بولس بمجانية رحمة المسيح؟ فماضيه في اضطهاد الكنيسة سيبقى جرحا ينـزف طيلة حياته: "أنا أصغر الرسل، لست أهلاً لأن أُدعى رسولا لأني اضطهدت كنيسة الله" ( ا كورنتس 15،9). لكن هذا الماضي المؤلم لم يحد من نشاطه، بل حمله على المزيد من العمل. فكلما كانت خبرتنا مع رحمة الله كبيرة،كلما سَكَنَتْنا الرغبة في الشهادة لها والتعبير عنها. فالصوت الذي سمعه على طريق دمشق حمله الى قلب الانجيل، وأفهمه أن الانجيل ما هو الا صوت محبة الآب الرحيمة التي تريد ان تصالح العالم بيسوع المسيح. فالخدمة الرسولية هي خدمة مصالحة. " وهذا كلّه من الله الذي صالحنا على يد المسيح وعهد الينا في خدمة المصالحة، لأن الله صالح العالم في المسيح ولم يحاسبهم على زلاّتهم، وجعل على ألسنتنا كلام المصالحة" ( 2 كورنتس 5، 18 – 19).
10. ايها الكهنة الأعزاء، ان شهادة بطرس وبولس تحوي نقاطا ثمينة لنا. فهي تدعونا الى أن نعيش في مشاعر عرفان الجميل لهبة الخدمة الكهنوتية. فنحن لم نستحق شيئا. كل شئ نعمة من الله. وتحملنا خبرة الرسولين الكبيرين على الاستسلام لرحمة الله، على وضع ضعفنا بين يديه بمشاعر الندامة الصادقة، ومتابعة سيرنا نحو القداسة. لقد ذكرت في رسالتي " الدخول في الألفية الثالثة" ان القداسة هي النقطة الحكيمة الأولى في أي مخطط راعوي. فهي الألتزام الأول والأساسي لكل أنسان معمّد، وبالأحرى لنا نحن الكهنة ( راجع الرقمين 30 – 31).
وكي نصل الى هذه الهدف لا بد من اعادة اكتشاف سر المصالحة بصفتة وسيلة أساسية لقداستنا. فعندما نقترب من أخينا الكاهن ونطلب منه ان يمنحنا سر المصالحة الذي نمنحه نحن للكثير من المؤمنين، نعيش هذه الحقيقة المعزّية. فنحن قبل أن نكون خَدَمَ سر المصالحة، أعضاءٌ في شعب الله، شعب الله المخلَّص. وهذا هو ما كان يقوله القديس أغسطينوس عن مهمته الأسقفية، ونفسه يقال عن المهمة الكهنوتية: " ما أنا لكم يخيفني، وما أنا معكم يعزيني. فأنا لكم أسقف، ومعكم مسيحي. اللقب الاوّل لقب المهمّة الثقيلة، واللقب الثاني لقب النعمة. الاول يدلّ على الخطر والثاني على الخلاص". جميل ان نستطيع الإقرار بخطايانا، وان نسمع كلمات التعزية التي تدخل قلبنا كالطيب وتملأه من رحمة الله وتعيدنا الى طريق الصواب. فمن اختبر عذوبة معانقة الآب، كما يذكرها مثل الأبن الضال: " فأسرع اليه ورمي بنفسه على عنقه وقبّله طويلا" ( لوقا 15،20)، فقط من اختبر ذلك يمكنه ان يشهد أمام غيره عن عطف الآب، لأنه كان منتفِعاً من هذه الرحمة قبل أن يعطيها لغيره في سر المصالحة.
11. لنطلب اذا من السيد المسيح، في هذه اليوم المقدّس، ان يساعدنا على إعادة اكتشاف جمال هذا السر لأجلنا نحن. ألم يساعد المسيح بطرس عندما قال له :" إن لم اغسلك لا يكن لك نصيب معي؟" ( يوحنا 8 :13) . لا شك ان المسيح لم يقصد سير المصالحة بهذه الجملة، لكنه قصد سر رحمة الله التي ستبرّر بطرس بواسطة سر الفداء، التبرير الذي سيمر بعد ذلك بواسطة الأسرار المقدسة.
لنواظب اذا اخوتي الكهنة على ممارسة سر التوبة، كي يستطيع الرب ان ينقينا من الداخل ليجعلنا أكثر أهلا لممارسة الأسرار التي أُقمنا خدما لها. فنحن مدعوّون الى أن نكون صورة عن الراعي الصالح، وأن نكشف للعالم وجه الآب الحنون وقلب المسيح الملئ حبّاً للبشر. لذا يجب ان نطبّق على ذواتنا صلاة صاحب المزامير: " قلبا نقيّا اخلق فيّ يا الله وروحا مستقيما جدّد في أحشائي" (مزمور 50، 12). وهكذا نرى ان سر المصالحة، الذي لا غنى عنه في أية حياة مسيحية، هو عضدٌ وهداية ودواء في الحياة الكهنوتية.
12. الكاهن الذي يختبر بفرح رحمة الله في سر المصالحة يستطيع ان يقول لأخوته ما قاله القديس بولس: "نحن سفراء المسيح، وكأن الله يعظ بألستننا. فنسألكم باسم المسيح ان تصالحوا الله" ( 2 كورنتيس 5، 20).
وان كان سبب أزمة سر المصالحة يعود الى أكثر من عامل – منها انخفاض الشعور بالخطيئة وبأهميّة سر الفداء الذي هو وسيلة خلاصنا – يجب ان القول انه في بعض الأحيان كان تخاذلنا نحن في ممارسة هذا السر، الحسّاس والمُلزم، عاملا سار في نفس الخط. يجب اذا أكثر من أي وقت مضى مساعدة شعب الله المؤمن على اعادة اكتشاف سرّ المصالحة. يجب القول بقوة وحزم ان سر المصالحة هو الطريق الطبيعي لمحو الخطايا المميتة المقترفة بعد سر المعمودية. يجب الاحتفال بسر المصالحة بأفضل شكل ممكن، حسب ما تقتضيه الطقوس الليتورجية، كي يحافظ سرّ المصالحة على كونه سرّ الرحمة الإلهية.
13. وكي نؤمن بإمكانية العودة الى ممارسة سر المصالحة، يجب اوّلا العمل على تجديد روحيّ، بدأت تباشيره تظهر في مجتمع اليوم بالرغم من التناقضات الظاهرة، كما يجب العمل على تقوية العلاقات الشخصية مع المؤمنين، في مجتمع يضيع فيه الشخص كشخص وسط ضوضاء الحياة الحديثة ومتطلباتها المهنية الثقيلة. لا شك ان هناك فرقا جوهريا بين ممارسة سر المصالحة والاستشارات النفسية، لكن يجب القول ان سر المصالحة، إن هو مورس بشكل صحيح، يحمل أيضا شعورا بالراحة النفسية، وهو شعور يسير في خط المصالحة مع الله ومع الجماعة المؤمنة.
ضروري أذاّ التنبّه الى هذا البعد في ممارسة سر المصالحة. فحسن استقبال المؤمن التائب والسماع اليه براحة ومحاورته والاستعداد الدائم لقبوله، كلّها أمور أساسية كي يُظهِر سرُّ المصالحة كاملَ قيمته. كما أن اعلان مستلزمات كلمة الله، دون نقص او تخفيف، يجب ان تسير جنباً الى جنب مع أسلوب تعامل لطيف مع المؤمن التائب، بحيث يشعر دوما انه يعامَل كما كان يسوع نفسه يعامِل الخطأة في الإنجيل.
14 . يجب التركيز أيضا على البُعد الليتورجي في ممارسة سر المصالحة. فسرّ المصالحة يدخل في منطق الكنيسة كشركة. ولا يمكن فهم جميع أبعاد الخطيئة ان اعتبرناها "أمراً فرديا" يخص الخاطئ فقط، متناسين بُعدها الكنسي، لانها تخفّض من مستوى النعمة والقداسة في الجماعة المؤمنة ككلّ. وفي نفس المنطق، تكتسب المغفرة نفس بُعداً اجتماعيّاً كونها تعبّر عن اتحاد رأس الكنيسة الذي هو المسيح بالمؤمنين الذي هم أعضاء هذا الجسد.
من المهم جدا التركيز على البّعد الاجتماعي لسر المصالحة من خلال الاحتفالات الجماعية التي تنتهي بالاعتراف الفردي. أن هذا النوع من الاحتفلات يسمح بإبراز دور الجماعة المؤمنة في مسيرة المصالحة ويكشف غنى السرّ المحفل به.
15. يبقى أمر مهم وهو تعليم ايماني حول معنى الخطيئة، تعليم من شأنه ان يبرز بشكل واضح البُعد الجذري لمتطلبات الانجيل. فهناك في هذا المجال ميل نحو اعتبار الأمور دون المستوى المكطلوب من الأهمية او الجدية، مما يمنع ثمار التوبة من التفتّح في بقلوب المؤمنين. فالمرجع الأدبي للكثرين ليس الانجيل بقدر ما هو " الشعورى الاجتماعي العام" بحيث ان ما "يفعله الجميع" هو الصحيح، لاسيما ان كان الأمر مباحا في القوانين المدنية.
وهذا أمر من الأمور التي يجب التركيّز عليها في التبشير بالإنجيل في الألفية الثالثة: أعني تقديم متطلبات الانجيل بشكل واضح وحيّ وكامل. فالحياة المسيحية لا يمكن ان تقتصر على أن يعيش الانسان حياة مستقيمة على المستوى الاجتماعي، وبحسب مقاييس اجتماعية محض، بل الحياة المسيحية مقياسها القداسة. يجب قراءة الفصل الخامس من الدستور المجمعي " نور الأمم" الذي يتكلم عن دعوة جميع المؤمنين الى القداسة. أن تكون مسيحياً يعني ان تقبل هبة النعمة المقدِّسة التي ينبغي ان تُتَرجم التزاما فاعلا في الحياة اليومية. لهذا السبب عملتُ جاهدا في السنوات الماضية على إبراز قداسة الكثيرين من المؤمنين، وهي قداسة ظهرت في أكثر من مجال ونمط حياة. الهدف من ذلك هو تذكير المؤمنين أنهم مدعوّون هم أيضا الى القداسة، وحثّهم على اقتفاء أثَر من سلكوا الطريق قبلهم.
16. أيها الاخوة الكهنة الأعزاء، لنسر الى الأمام بفرح في خدمتنا الرسولية. ولنعلم ان من دعانا يقف بجانبنا وهو لن يتركنا ابداً. فليكن وجوده بقربنا سبب فرح لنا وسندا لمسيرتنا.
ونحن نشعر يوم خميس الأسرار بشكل أعمق عندما نفكّر مليّاً في اللحظة التي فيها أعطانا يسوع ذاته مأكلا ومشربا في عليّة صهيون، مستبقا بذلك أحداث الفداء على الجلجلة. في السنة الماضية كتبت لكم من علية صهيون، لأني كنت حاجّا في تلك الأماكن المقدسة. هل يمكنني أن انسى تلك اللحظات المؤثّرة؟ أني اعيشها اليوم وقلبي ملئ بالحزن للوضوع المأساوي التي ما زالت تعيشه أرض المسيح.
ان موعدنا الروحي يوم الخميس الأسرار هو هناك في العليّة. فبينما نجتمع حول أساقفتنا في كنائس العالم، نحيا سر جسد المسيح ودمه ونذكر بمشاعر الشكر أصل كهنوتنا.
وبمشاعر الفرح للهبة العظيمة التي وهبنا اياها الله، اعانقكم جميعا وأبارككم.
صدر عن الفاتيكان في 25 آذار2001، الأحد الرابع من الصوم، السنة الثالثة والعشرين لحبريّتي.
يوحنا بولس الثاني.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى