ميامر الأعياد السيدية للأنبا بولس البوشي أسقف مصر (أي القاهرة القديمة) ميمر عيد البشارة
الأحد نوفمبر 29, 2009 8:49 pm
من مخطوطات ديرابو مقار |
ميامر الأعياد السيدية
للأنبا
بولس البوشي أسقف مصر
(أي القاهرة القديمة)
ميمر عيد البشارة
2
l
عظة على عيد
البشارة للأنبا بولس البوشي أسقف مصر في القرن الثالث عشر
الميلادي،
نقلاً عن المخطوطة م 18
(ورقة 3 وجه إلى 17 ظهر)
مكتبة دير القديس أنبا مقار
ببرية شيهيت.
وقد نُشر الجزء الأول من
الميمر في العدد السابق (أكتوبر 2009 - ص 32).
وأما قول الملاك: «يُعطيه الرب الإله»، حقَّق بهذا تأنُّسه، وأن
الجسد الذي كان هالكاً أولاً، أُعطِيَ المُلك الأبدي بقوة الرب الإله المتحد به.
وإذا سمعت كرسي داود، فلا تظن أنه كرسي محسوس، ولا مُلك زمني، مثل أولئك الملوك، بل
تأمل قوله، قال: «على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمُلكه انقضاء». أَنَظَرتَ
الآن، أيها الحبيب، أنه ليس مُلكاً أرضياً زمنياً، بل سمائياً أبدياً، وأن اسمه
يكون على كافة المؤمنين به. وهو إلههم وملكهم ومخلِّصهم. وعَنِيَ: «بيت يعقوب»،
كافة المؤمنين به، التابعين آثار إيمان إبراهيم ويعقوب معاً.
وقوله: «ولا يكون
لمُلكه انقضاء»، بيَّن أنه إله مالك أبدي بلا انقضاء، وإن كان السماء والأرض
يزولان، فأما مُلكه لا يزول، كما أنبأ بذلك داود قائلاً: «إنه يملك من البحر إلى
البحر، ومن الأنهار إلى أقاصي الأرض» (مز 72: 8)، أعني أن اسمه يُذاع بالبُشرى في
كل الأقطار. ثم قال: «مُباركاً يكون اسمه إلى الأبد، وقبل الشمس دائماً اسمه،
ويتبارك به كل قبائل الأرض» (مز 72: 17و18). ودانيال النبي فسَّر الرؤيا لبختنصر
قائلاً له: «إن الحجر الذي رأيتَه قد قُطع من جبل من غير يد إنسان، وسحق صورة
الذهب، وصار جبلاً عظيماً وملأ كل المسكونة، هو رب الأرباب وملك الملوك الذي يُري
كل ممالك الأرض سلطانه إلى الأبد، وربوبيته من جيل إلى جيل بغير انقضاء» (دا 2:
34-45). وهذا ما يدل على شرف لاهوته، وإن كان قد تجسَّد فهو مسيح يفوق كل المسحاء،
مُخلِّص كل الكافة، ومالك كل الأقطار، لم يَزَل بلا ابتداء ولا انتهاء.
وإن القديسة مريم تعجبت من الملاك ونوع كلامه، ثم أجابته بتؤدة
تريد أن تفحص عن الأمر الغريب الذي لم يكن مثله قط. فقالت: «كيف يكون لي هذا ولم
أعرف رجلاً. فأخبرها الملاك قائلاً: روح القدس يحلُّ عليكِ، وقوة العلي تظلِّلكِ،
لأن المولود منكِ قدوس وابن الله يُدعى». ذكر ها هنا الملاك إعلان الثالوث القدوس
الذي كان أولاً مستوراً، وإنما كان رمزاً في كتب الأنبياء. فأخبرها ها هنا إنه
ثالوث قدوس، واحد في اللاهوت، بلا تجزُّئ ولا افتراق.
فيا لهذه الكرامة التي قد استحقتها الطوبانية مرتمريم الطاهرة
البتول, ويا لهذا المديح الجليل الذي قد أكرمها به رئيس الملائكة جبرائيل، ويا لهذا
السلام الفاضل والقول الذي أعلنه لها ذلك الملاك المقدس، هذه التي أعلمها إن الروح
القدس يحلُّ عليها لأجل طهارة قلبها، ويسبق ويُكمل النقاوة لأجل حلول الإله الكلمة
وقوة الآب العلي مُظلِّلة لها. ولِمَ ذلك؟ قال: «إن المولود منكِ قدوس»، ولم يقل
الذي تلديه، بل منكِ يولد، أي منكِ بحق يتجسَّد، لكي يُبطِل علَّة الذين يُنكرون
التجسُّد ويقولون شِبه الجسد، ولا يُقرُّون أنه أخذ كمال البشرية، فيخزون إذ يسمعون
جبرائيل الملاك يقول للبتول: إن منكِ يولد، أي منك يتجسَّد بحق، ولم يقل: ”تلديه“
لئلا يُظنّ أنه أخذ الشبه أي الصورة ولم يأخذ البشرية. وقوله: «قدوس ابن الله
يُدعى»، أعني أنه لم يكن عُرف سر الثالوث، وأما من الآن يُعرف بتجسُّد الابن.
وأن الملاك أراد أن يُطيِّب قلبها، ويقنعها، فأعلمها أن: «أليصابات
نسيبتك حُبلى بابن على كِبَر سنِّها، وهذا الشهر السادس للتي تُدعى عاقراً، لأنه
ليس عند الله أمرٌ عسير». لم يجد الملاك شيئاً بالجملة يُشبه فعل الله مع البتول
مرتمريم لكي يُخبرها به، بل ذَكَرَ لها العاقر أليصابات التي حبلت في زمانها
الحاضر. وهذا جرى لكثير قبلها، أعني: سارة، وأم صموئيل، وحنة أم السيدة نفسها،
ولكثير جداً. فأما البتول لم يكن شيء يُماثلها، وكيف يكون ذلك، لولا تجسُّد الإله
الكلمة الذي شاء أن يتجسَّد من البتول بغير زرع بشر، كما قـال سليمان: «إن الحكمة
بَنَت لها بيتاً» (أم 9: 1).
وأن القديسة مرتمريم لعِظَم إيمانها في الله، وحُسن يقينها، مع هذا
الشيء الغريب الذي لم يكن مثله، صدَّقت البُشرى وآمنت أن يكون لها ذلك، وأن الله
القوي في كل شيء، وذلك بما أيَّدها من روحه الذي حلَّ عليها. فأصرفت شهوتها في
الرب، وتاقت للقول الذي أخبرها به الملاك، واشتهت أن يكون لها ذلك. فأجابته قائلة:
«هأنذا عبدة للرب، فيكون لي كقولك». وعند قولها هذا، للوقت الحاضر حلَّ فيها شمس
البر، لأنه لم يُرِد أن يغصب الطبيعة التي أعطاها تخييراً لإرادة وسلطة الحرية منذ
البدء، حتى طلبت هي ذلك أولاً بشهوة في الله من تلقاء الروح. قال: «وانصرف عنها
الملاك»، أعني أنه لما أكمل الرسالة وحلَّ الرب بالتجسُّد العجيب، أَذِنَ له أن
ينصرف بسلام، لأنه قد أكمل ما يجب عليه من الخدمة التي أُرسل فيها.
اليوم، يا أحبائي، كَمُل قول داود النبي القائل: «اسمعي يا ابنة
واصغي بسمعك، وانسي شعبك وبيت أبيك، فإن الملك اشتهى حسنك». ثم أعلمها مَن هو
الملك، فقال: «لأنه إلهك، وله تسجدين» (مز 45: 11،10). بحق أنها سمعت ونسيت كل شيء
موجود في هذا العالم الحسِّي، لِمَا قد صارت إليه من الرِّفعة والكرامة الفاضلة.
ولكن ما هو الحُسن الذي اشتهاه الرب الإله الملك الأبدي؟ هل هو بهاء عالمي؟ لا يكون
ذلك، لأن النبي أخبرنا بذلك الحُسن أيضاً في المزمور قائلاً: «جميع مجد ابنة الملك
من داخل مُزينة» (مز 45: 13)؛ أعني بهذا النفس الناطقة النقية بزينة الفضائل. وبطرس
رأس الرسل يكتب ويؤكِّد على هذه الزينة الناطقة قائلاً: «أن لا تكون زينة النساء
بالزينة الهالكة بذوائب الشعر وحُلي الذهب ولباس الثياب الفاخرة، بل يتزين بـزينة
الإنسان الباطن، والزينة الخفية التي تكون بالقلب المتواضع، الزينة التي لا تبلى،
الزينة التي هي عند الله على غاية الكمال» (1بط 3: 4،3).
هذا هو حُسن بهاء البتول مرتمريم التي زيَّنت ذاتها بالفضائل وبهاء
النفس الباطنة. وأما في إنسانها الظاهر فلم تهتم بشيء من أمور العالم، قلَّ أو كثر.
بل إنما كان اهتمامها للتقرُّب من ربها لتكون طاهرة بجسدها وروحها، كما يُعلِّمنا
الرسول. وبهذا استحقت الطوبانية مريم أن تُدعى القبة الثانية التي حلَّ فيها مجد
الله، لأن تلك الأولى التي صنعها موسى كانت معمولة بشقق الحرير والقرمز والأرجوان
وغزل كتان متقنة بصنعة صانع حاذق. وكان فيها آلات الخدمة ذهب وفضة مع المنارة
وتابوت العهد من ذهب الإبريز المصفَّى، وعُمُدها من ذهب والقواعد فضة، هيأها بهذا
البهاء من داخل. فأما من خارجها فكانت مستورة بخِرَق شعر. وكانت تُرى من خارجها
حقيرة المنظر، ومن داخلها جليلة المقدار، ذات الكرامة والبهاء، شهية المنظر ومجد
الرب فيها. وهكذا الطوبانية مريم كان منظرها متواضعاً عفيفاً ورعاً، فأما الباطن
فكان جليلاً جداً. وهو ضياء نفسها الملتصقة بالله، المتطلِّع عليها، كما هو مكتوب
في سفر صموئيل النبي: «إن الناس ينظرون في الظاهر، وأنا أنظر في الباطن، يقول الرب»
(1صم 16: 7).
أنتِِ هي العوسجة (أي العُلَّيقة) التي منها كلَّم الله موسى بنار
تضطرم ولم تحترق أغصانها، ولا تغيَّر لون ورقها. فإن فكَّر أحدٌ في (كيفية) حلول
الرب فيكِ، فليَحِد ناظر ذهنه إلى تلك العوسجة الحقيرة ذات الشوك وغير المثمرة،
وكيف لم يُكلِّم (الله) موسى في شجرة ذات ثمار. وزاد ذلك بقوله: «أنا إله إبراهيم
وإله إسحق وإله يعقوب»، ثم أمره بالهبوط إلى مصر. وما الدليل على ذلك وصحته، إلا
عندما هبط إلى مصر وصنع الآيات بأمر الله، ثم أخرج الشعب بيد قوية. عُرف ليس بالقول
فقط؛ بل وبالفعل أيضاً أن الذي كلَّم موسى في العوسجة هو الرب إله القوات. وهكذا
لما ظهر الرب متجسِّداً وأظهر معه هذه الأفعال اللائقة بلاهوته، عُرف أنه ربُّ
المجد.
فإن قلتَ: كيف (تكون) مريم مثل العوسجة؟ يُقال لك: أخبرني أيُّما
أعظم وأفضل عند الله، الأشجار وكل الأثمار، أو الإنسان؟ وهل الإنسان خُلق من أجل
هؤلاء أم هم خُلقوا من أجل الإنسان؟ فمعلوم أن الكلَّ خُلقَ من أجل الإنسان لأنه
أفضل من جميعهم، وأن الله لم يُسرَّ أن يحلَّ في شيء مما خلق إلا الإنسان. كما هو
مكتوب: «إني أحل فيهم وأسير بينهم، وأكون إلههم ويكونون لي شعباً، يقول الرب» (لا
26: 12). فهل ذَكَرَ عن الأشجار وغيرها شيئاً من هذا. فقد صحَّ أن النفوس الشريفة
كريمةٌ عند الله، وبخاصة إذا كانت نقية من كدر الذنوب، كما هو مكتوب: «أن الله
قدوس، وفي القديسين يستريح» (لا 20: 26). وبهذا سُرَّ الربُّ أن يحلَّ في الطوبانية
مرتمريم، ويتجسَّد منها للخلاص، ويُعطي الكرامة لجنسها الذي قد هلك، ويُجدِّد
طبيعتنا التي قد فسدت، ويردها أفضل مما كانت أولاً.
أنتِ هي الكرمة التي بأرض الميعاد أيتها الطوبانية التي أحضروا
منها العنقود، كما كتب موسى. أنتِ هي صهيون التي منها ظهر إله الآلهة، كما تنبأ
داود النبي. أنت هي السحابة اللطيفة التي عاينها إيليا، وعظمت وأعطت مطراً عظيماً
جداً، عَمَّ الرخاء الدنيا بعد القحط والغلاء. أنت هي الإناء المملوء ملحاً، كما
صنع أليشع وألقاه في المياه المُرَّة الفاسدة فحسنت وعذبت. أنت هي أورشليم التي خرج
منها كلمة الله، كما أعلن إشعياء النبي. أنت هي مركبة الكاروبيم التي شاهدها حزقيال
على بحر الفرات والرب الإله جالسٌ عليها، وبروق تخرج منها، الذي هو شعاع لاهوته. ثم
قال: وأبصرتُ شبه يد إنسان من تحت الكل، أعني حاملة وضابطة الكل، وهذا سرٌّ (أي
رمز) على التجسُّد، لأن يد الإنسان تُرى صغيرة في منظرها، وهي ضابطة الكل بقوة
اللاهوت المتحد بها. أنت هي الجبل الذي شهد به دانيال، الذي قُطع منه حجر بغير يد
إنسان، الذي هو الرب الحجر الكريم الذي تجسَّد منك بغير زرع رجل، وصار جبلاً عظيماً
وملأ المسكونة، الذي هو كرمة لاهوته، المالئ كل البرايا.
وقد يقصر بي الزمان وضعف المنطق أن أبلغ مدح كرامتك كما تستحقين،
أيتها البتول الطاهرة بكل نوع، القديسة مرتمريم، لأن الكل دونك، إلا أنني أُقدِّم
كرامةً ووقاراً وسجوداً للرب الإله الذي تجسَّد منك. وأسأل طيبة صلاحه وكثرة
تحنُّنه الذي من أجل محبته اتضع لخلاصنا وشرَّف طبيعتنا الحقيرة باتحاده بها؛ أن
ينظر إلينا بعين التحنُّن من سماء قُدْسه، وأن يغفر خطايانا، ويتجاوز زلاتنا،
ويسامحنا بهفواتنا، ويصفح عن آثامنا، ويساعدنا على العمل بمسرته. وإن كان ليس لنا
دالة أمامه، فنحن نطلب إليه بشفاعتك يا فخر جنسنا أيتها البتول ذات الشفاعات
القوية، لأنكِ قد ظفرت منه بنعمة، ووجدتِ عنده دالة، أفضل من الملائكة السمائيين
وكل البرايا الذين كانوا، والذين يكونون أيضاً، لأن منك خاصة سُرَّ أن يتجسَّد.
عظيمة هي، يا أحبائي، كرامة هذا العيد، إنه بكر الأعياد السبعة
الإلهية. وكما أن في يوم الأحد، بكر الأيام السبعة، خلق الله كل البرايا جملة، ثم
وزَّعها في الأيام الأخرى، كما شهد بذلك سفر الخليقة قائلاً: «في البدء خلق الله
ذات السماء والأرض، وكانت الأرض غير ظاهرة، وكانت ظلمة غاشية وجه الغمر، وروح الله
يرف على المياه، وقال الله ليكن نور، وكان كذلك، ورأى الله النور حسناً. وأفرق الله
بين النور والظلمة، وسمى النور نهاراً والظلمة ليلاً. وكان مساء وكان صباح يوماً
واحداً» (تك 1: 1-5). فخلق الله الملائكة من ذلك النور، وكذلك الأنوار والكواكب. ثم
جمع الماء الذي على الأرض وكان بحاراً، وظهر اليابس. ثم خلق النبات والأشجار من
الأرض وأصعدها وأنماها. وخلق السمك والطير من الماء. ثم من الأرض أيضاً خلق
الحيوان، وجبل منها الإنسان وشرَّفه بالروح العقلية النطقية. فقد صح أن الكل جملة
كانوا يوم الأحد ووزعها في الأيام الأخرى.
وكذلك هذا العيد الكريم، أعني عيد البشارة، كان فيه جملة الأشياء
التي الله مزمع أن يكمِّلها بالتجسُّد العجيب في الستة أعياد الأُخر الإلهية، مع
بقية سرِّ التدبير. وذلك حيث هو غير مرئي بلاهوته وغير متألم، سُرَّ أن يتجسَّد لكي
يُشاهده الخلق، ويكمِّل بالجسد سرَّ تدبيره، ويتألم من أجلنا، ويقوم، ويُعطي لنا
الغلبة والبعث من بين الأموات. أخذ جسد بشريتنا، لكي يُعطينا موهبة روح قدسه،
بالميلاد الثاني الذي أفاضه على رسله الأطهار بعد كمال الخمسين. تنازل الذي يعلو
الكل إلينا، لكي يرفع الجسد الذي كان أسفل إلى علو السموات، ويصعده إلى أعلى
المراتب، فوق الرؤساء والسلاطين والقوات، وفوق كل اسم يُسمَّى، وأن يُصلح بين
السمائيين والأرضيين. فبالتجسُّد أكمل ذلك بأسره.
إلا أننا نرى أُناساً لا يهتمون بهذا العيد كمثل بقية الأعياد
الإلهية، لكونه يقع في صوم الأربعين المقدسة، إذ يظنون أن كرامة الأعياد بالمآكل
والمشارب واللهو العالمي. فليس الأمر كذلك، لأن الرب يقول: «انظروا لئلا تثقل
قلوبكم بالشبع والسُّكر والاهتمام بالأمور العالمية، فيأتي عليكم ذلك اليوم مثل
الفخ» (لو 21: 34). فقد صحَّ أن كثرة الإسراف في هذه الأشياء تُقسِّي القلب، وتطرد
منه التخشُّع. وأن للنفس طعاماً آخر غير هذا يبقى لا يزول. لأن الربَّ أيضاً
يُعلِّمنا قائلاً: «اعملوا لا للطعام الفاني، بل للطعام الباقي لحياة الأبد، الذي
يُعطيكم ابن البشر» (يو 6: 27).
فالآن قراءة الكتب التي من تلقاء الروح كرامتكم، (وكذلك) الترتيل
في كلام الله،
فخركم الوقوف في الصلوات،
عزاؤكم مواظبة الابتهال لله،
رجاؤكم اتصالكم به بمثابرة،
تذكار اسمه القدوس غذاؤكم، كما يقول داود: «إني إذا ذكرتك، تمتليء
نفسي كشبعها من الشحم والدسم» (مز 63: 5).
اقترابكم إليه بأعمال الفضيلة شرابُكم، كما يقول: «مَن كان عطشاناً
فليقترب إليِّ ويشرب» (يو 7: 38،37).
حِفظ أجسادكم بطهارة وعفاف بهاء لباسكم،
ضبط حواسكم عن أمور الآثام ضياء نفوسكم،
بذل أيديكم للرحمة صفح ذنوبكم، كما قال: «ارحموا تُرحموا»،
ترك الحقد من قلوبكم على إخوتكم دالتكم عند الله وقت صلاتكم،
وتجسروا أن تقولوا: «اغفر لنا كما غفرنا لمَن أساء إلينا»،
تغيير العادة الردية بالجيدة شرفكم،
مكافحتكم على إبطال الرذيلة ومجاهدتكم على إقامة الفضيلة إكليلُ
مجد يوضع على رؤوسكم.
هذا هو عيد الجيل الذي يبتغي الرب ويطلب وجه إله يعقوب، وليس
بالمآكل والمشارب التي تفسد وتصير زبلاً. فإن زادت فقد أورثت أموراً تسوق إلى
الخطأ، كما يعظنا بولس الرسول قائلاً: «إن أنتم عشتم بالجسدانيات فعاقبتكم أن
تموتوا، وإن سُستم أنفسكم ودبرتموها بالروح نلتم حياة الأبد» (رو 8: 13). وقال
أيضاً: «لا نسكر من الخمر الذي منه يكون المجون، بل كلِّموا أنفسكم بالمزامير
والتسابيح والأناشيد الروحانية» (أف 5: 19،18).
فلنصنع الآن ما يليق بالأعياد الإلهية. لكي نُعيِّد بفرح مع كافة
الأطهار في ملكوت السموات، موضع نياح القديسين، الذي تباعد منه الحزن والكآبة.
ونحن نسأل تحنُّن الرب الذي له القوة، أن يحرس جماعتنا، وأن
يساعدنا على ما فيه خلاص نفوسنا، ويُنيِّح نفوس أمواتنا، ويحفظنا من التجارب مدة ما
بَقِيَ من حياتنا. وأن يؤهِّلنا أجمعين نصيباً مع كافة القديسين في الملكوت الأبدية
والحياة السرمدية. بشفاعة سيدتنا البتول الطاهرة القديسة مرتمريم التي منها تجسَّد
الإله الكلمة، وشفاعة الرسل الأطهار وكافة الشهداء القديسين الأبرار، ومَن أرضى
الرب بأعماله الصالحة ويُرضيه من الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين. آمين.
(تم وكمل ميمر عيد
البشارة المحيية بسلام مــن الرب الذي له السُّبح دائماً أبدياً. آمين).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى