- مايكل عادلعضو نشيط
كيف نقرأ العهد القديم؟..
الإثنين مايو 26, 2008 3:49 pm
كيف نقرأ العهد القديم؟..
منقــــــــــــــــــول
العهد القديم عهد تهيئة وظلال. لا يفهمه المسيحي إلا انطلاقاً من كونه قديم.
لا شك أن دراسة العهد القديم مفيدة لفهم العهد الجديد من النواحي التقنية والنقدية الأدبية، ولكنه، لاهوتياً، عهد قديم، "ومتى جاء الكامل بَطُل الناقص"[10]. العهد القديم باطل في ذاته. قيمته تنطلق من القبر الفارغ[11]، كالعهد الجديد أيضاً. نعم، نشاهد المسيح الحي، القائم من بين الأموت، في العهد القديم، عهد الظلال والرمز. إنه بجملته يظهر مشدوداً للحدث المسيحاني الذي به يفتقد الله شعبه. المسيح الحي هو محور "الكتب المقدسة" بأسرها.
لقد تميّز هذا العهد بتنوّع اختباراته وامتداد زمنه وتعدد شخصياته. ويستطيع المسيحي أن يعيد قراءة جميع نصوصه، بتنوّع فنونها، مشاهِداً المسيح القائم من الموت فيها. فيسوع هو آدم الجديد[12]، ونوح المخلص، واسحق الذبيحة ، وموسى المحرِّر[13]، وإيليا الحي[14]، و"عبد يهوه" المتألم ، و"ابن البشر"، و"ابن داود"، و"ابن الله"، و"المسيح" المنتظر.
السؤال المحيِّر: هل هناك تناقض بين العهد القديم والعهد الجديد؟... إذا كان يسوع هو "المسيح" المنتظر في "العهد القديم" لماذا صلبه منتظروه؟!..
هناك صور خاطئة عن الله وعن الإنسان وعن العلاقة بينهما في العهد القديم!.. صححها يسوع وكمّلها.. هناك من لم يقبل التصحيح والإكمال.. لم يقبل قيامة يسوع بعد موته الذي أعطى تفسيراً للـ"كتب" غير التفسير "القديم"..
لا تكمن المسألة إذاً في الصراع بين القديم والجديد وحسب. حيث أن الجديد يكمِّل، وقد يصحِّح، ويفسِّر على غير المألوف، ويُبرز ما كان متجاهَلاً. بل المسألة أعمق من ذلك وأدق، فلو بقي يسوع رهينة الموت لأصبحت المسيحية شيعة يهودية لديها إضافات جديدة على الدين الرسمي، كاليهود بالنسبة للسامريين. قيامة يسوع أعطت معنى جديداً ومتكاملاً للعهد برمته: "الكلمة صار بشرا فحلَّ بيننا، فرأينا مجده"[15] .
أكتفي، لفهم ما سبق، طرح لقبين أُطلقا على يسوع مقتبَسين من العهد القديم أخذا المعنى الجديد والكامل والمُصَحَح، والمختلف أحياناً بشكل جذري لقراءة اليهود الضيقة:
أ- يسوع هو "المسيح":
إن لفظة "مسيح" (مَشيحَ) في العهد القديم هي صفةٌ تطلق على النبي والكاهن والملك، لأنهم كانوا يمسحون بالزيت دلالة على تكريسهم لخدمة الله وشعبه. والمسحة بالزيت هي رمز منح الروح القدس. فموسى مسح هارون وبنيه ليكونوا كهنة الله[16]، وصموئيل مسح داود ليكون ملكاً[17]. وأشعيا مسحه الروح القدس ليعلن اقتراب الملكوت[18]. ولقد وعد الله داود على لسان ناتان النبي أنه سيُقيم من نسله ملكاً "وسيقرُّ عرش ملكه إلى الأبد"[19]. عاش اليهود على مدى أجيال العهد القديم وهم ينتظرون تحقيق تلك النبوءة بمجيء ملك من نسل داود "يُمسَح" ولا يكون لملكه انقضاء. وازداد رجاؤهم إلحاحاً بعد تدمير مملكتهم وسبيهم إلى بابل . وراح الأنبياء يصفون ملامح هذا "المسيح". واشتد الانتظار فيما يسمى "الأزمنة المسيحانية "، خصوصاً في ظل الحكم الروماني قبيل الميلاد ، وقامت حركات مسيحانية تُأجج روح الانتظار عند الشعب. وجاء يسوع أخيراً، وهو المسيح المُنتَظَر ، ولكن بخلاف توقعات اليهود، لأنَّ مملكته ليست من هذا العالم[20]. وكانت صدمتهم الكبرى في أن هذا المُنتَظَر يبشِّر بملكوت يناقض توقعاتهم . ويفسِّرُ اللاهوتيون أن تجارب يسوع ، التي اختبرها ربما طيلة حياته حتى بلوغه الصليب، هي صراع الاختيار بين الملكوت المُنتَظَر عند معاصريه وطيلة أزمنة الترقب، المبني على القوة والخوارق والسلطة والمجد الأرضي، وملكوت الله القائم في تتميم مشيئة الآب، في الحق والبرارة والمحبة والعدل . ربما نستطيع الآن فهم التناقض في طلب صلب يسوع بعد المناداة به ملكاً .
ب- يسوع هو "ابن البشر" :
إنَّ لقب "ابن البشر" (بَرناشا) الذي استعمله يسوع للدلالة على نفسه هو من أقدم الألقاب المطلقة على المخلِّص في العهد الجديد، كما يقول مفسرو الكتاب المقدَّس. ويرجع هذا اللقب إلى نبوءة دانيال التي تقول: "ورأيت في رؤى الليل فإذا بمثل ابن البشر آتياً على سحاب السماء، فبلغ إلى القديم الأيام وقُرِّب أمامه، وأُوتي سلطاناً ومجداً وملكاً. فجميع الأُمم والألسنة يعبدونه، وسلطانه سلطان أبديّ لا يزول، وملكه لا ينقرض[21].
تشير هذه النبوءة إلى مجيء إنسان ملكي وسماوي يظهر في آخر الأزمنة ، فيزيل سلطان سائر الملوك، ويملك إلى الأبد. ورغم أن هذا اللقب يشير إلى آخر الأزمنة[22]، إلاّ أنه يدل أيضاً ، بحسب مفهوم يسوع ، إلى تحقيق الملكوت منذ الآن، والعلامة في ذلك : مغفرة الخطايا، وشفاء المرضى، والسيادة على الشريعة[23]. وسلطة ابن البشر ليست سلطة سيادة بل خدمة[24]. وكلّ مرة كان يسوع يتحدَّث عن آلامه كان يدعو نفسه بهذا اللقب[25]. وهنا كانت تكمن الدهشة عند معاصريه من اليهود، حيث أن انتظارهم لابن البشر هو مختلف عمَّا حققه يسوع، تماماً كما حدث لهم في انتظارهم للـ"مسيح"[26].
خاتمة
لاشك أن الكتاب المقدّس قاعدة أساسية لكل مسيحي، ليس فقط لكي ينهل منه أركان إيمانه، بل أيضاً ليكون سلماً يرتقي به إلى اللقاء بالرب. وبذلك يكتشف معنى وجوده ويحقق إنسانيته في عمق بنوَّته لله. فالمسيح، محور الكتاب المقدَّس، يكشف عن من هو الله، وبذات الوقت عن من هو الإنسان. قد يستغني البعض عن البحث عن الله، ولكن هل يستطيع الإنسان التخلي عن ذاته وعن أهميته في الحياة والكون والتاريخ؟ هل يستطيع أن يجد طرق علائقه دون انتماءه لمن أوجده وكان هدفه في الفرح والغبطة؟ يصل جان بول سارتر في "فرديته" وقطعه جميع أنواع "الصلة" إلى اليأس واعتبار العلاقة مع الآخر "جحيماً"!.. الكتاب المقدّس على مدِّ صفحاته يكشف لنا حقيقة ذاتنا، وعمق انتمائنا، وكيفية حياتنا، ومعنى حريتنا، من خلال نماذج فريدة وواقعية عاشت هذه الاختبارات، ... كان الروح القدس ساهراً على تدوينها لتكون لنا قاموساً لحياتنا المسيحية..
منقــــــــــــــول
منقــــــــــــــــــول
العهد القديم عهد تهيئة وظلال. لا يفهمه المسيحي إلا انطلاقاً من كونه قديم.
لا شك أن دراسة العهد القديم مفيدة لفهم العهد الجديد من النواحي التقنية والنقدية الأدبية، ولكنه، لاهوتياً، عهد قديم، "ومتى جاء الكامل بَطُل الناقص"[10]. العهد القديم باطل في ذاته. قيمته تنطلق من القبر الفارغ[11]، كالعهد الجديد أيضاً. نعم، نشاهد المسيح الحي، القائم من بين الأموت، في العهد القديم، عهد الظلال والرمز. إنه بجملته يظهر مشدوداً للحدث المسيحاني الذي به يفتقد الله شعبه. المسيح الحي هو محور "الكتب المقدسة" بأسرها.
لقد تميّز هذا العهد بتنوّع اختباراته وامتداد زمنه وتعدد شخصياته. ويستطيع المسيحي أن يعيد قراءة جميع نصوصه، بتنوّع فنونها، مشاهِداً المسيح القائم من الموت فيها. فيسوع هو آدم الجديد[12]، ونوح المخلص، واسحق الذبيحة ، وموسى المحرِّر[13]، وإيليا الحي[14]، و"عبد يهوه" المتألم ، و"ابن البشر"، و"ابن داود"، و"ابن الله"، و"المسيح" المنتظر.
السؤال المحيِّر: هل هناك تناقض بين العهد القديم والعهد الجديد؟... إذا كان يسوع هو "المسيح" المنتظر في "العهد القديم" لماذا صلبه منتظروه؟!..
هناك صور خاطئة عن الله وعن الإنسان وعن العلاقة بينهما في العهد القديم!.. صححها يسوع وكمّلها.. هناك من لم يقبل التصحيح والإكمال.. لم يقبل قيامة يسوع بعد موته الذي أعطى تفسيراً للـ"كتب" غير التفسير "القديم"..
لا تكمن المسألة إذاً في الصراع بين القديم والجديد وحسب. حيث أن الجديد يكمِّل، وقد يصحِّح، ويفسِّر على غير المألوف، ويُبرز ما كان متجاهَلاً. بل المسألة أعمق من ذلك وأدق، فلو بقي يسوع رهينة الموت لأصبحت المسيحية شيعة يهودية لديها إضافات جديدة على الدين الرسمي، كاليهود بالنسبة للسامريين. قيامة يسوع أعطت معنى جديداً ومتكاملاً للعهد برمته: "الكلمة صار بشرا فحلَّ بيننا، فرأينا مجده"[15] .
أكتفي، لفهم ما سبق، طرح لقبين أُطلقا على يسوع مقتبَسين من العهد القديم أخذا المعنى الجديد والكامل والمُصَحَح، والمختلف أحياناً بشكل جذري لقراءة اليهود الضيقة:
أ- يسوع هو "المسيح":
إن لفظة "مسيح" (مَشيحَ) في العهد القديم هي صفةٌ تطلق على النبي والكاهن والملك، لأنهم كانوا يمسحون بالزيت دلالة على تكريسهم لخدمة الله وشعبه. والمسحة بالزيت هي رمز منح الروح القدس. فموسى مسح هارون وبنيه ليكونوا كهنة الله[16]، وصموئيل مسح داود ليكون ملكاً[17]. وأشعيا مسحه الروح القدس ليعلن اقتراب الملكوت[18]. ولقد وعد الله داود على لسان ناتان النبي أنه سيُقيم من نسله ملكاً "وسيقرُّ عرش ملكه إلى الأبد"[19]. عاش اليهود على مدى أجيال العهد القديم وهم ينتظرون تحقيق تلك النبوءة بمجيء ملك من نسل داود "يُمسَح" ولا يكون لملكه انقضاء. وازداد رجاؤهم إلحاحاً بعد تدمير مملكتهم وسبيهم إلى بابل . وراح الأنبياء يصفون ملامح هذا "المسيح". واشتد الانتظار فيما يسمى "الأزمنة المسيحانية "، خصوصاً في ظل الحكم الروماني قبيل الميلاد ، وقامت حركات مسيحانية تُأجج روح الانتظار عند الشعب. وجاء يسوع أخيراً، وهو المسيح المُنتَظَر ، ولكن بخلاف توقعات اليهود، لأنَّ مملكته ليست من هذا العالم[20]. وكانت صدمتهم الكبرى في أن هذا المُنتَظَر يبشِّر بملكوت يناقض توقعاتهم . ويفسِّرُ اللاهوتيون أن تجارب يسوع ، التي اختبرها ربما طيلة حياته حتى بلوغه الصليب، هي صراع الاختيار بين الملكوت المُنتَظَر عند معاصريه وطيلة أزمنة الترقب، المبني على القوة والخوارق والسلطة والمجد الأرضي، وملكوت الله القائم في تتميم مشيئة الآب، في الحق والبرارة والمحبة والعدل . ربما نستطيع الآن فهم التناقض في طلب صلب يسوع بعد المناداة به ملكاً .
ب- يسوع هو "ابن البشر" :
إنَّ لقب "ابن البشر" (بَرناشا) الذي استعمله يسوع للدلالة على نفسه هو من أقدم الألقاب المطلقة على المخلِّص في العهد الجديد، كما يقول مفسرو الكتاب المقدَّس. ويرجع هذا اللقب إلى نبوءة دانيال التي تقول: "ورأيت في رؤى الليل فإذا بمثل ابن البشر آتياً على سحاب السماء، فبلغ إلى القديم الأيام وقُرِّب أمامه، وأُوتي سلطاناً ومجداً وملكاً. فجميع الأُمم والألسنة يعبدونه، وسلطانه سلطان أبديّ لا يزول، وملكه لا ينقرض[21].
تشير هذه النبوءة إلى مجيء إنسان ملكي وسماوي يظهر في آخر الأزمنة ، فيزيل سلطان سائر الملوك، ويملك إلى الأبد. ورغم أن هذا اللقب يشير إلى آخر الأزمنة[22]، إلاّ أنه يدل أيضاً ، بحسب مفهوم يسوع ، إلى تحقيق الملكوت منذ الآن، والعلامة في ذلك : مغفرة الخطايا، وشفاء المرضى، والسيادة على الشريعة[23]. وسلطة ابن البشر ليست سلطة سيادة بل خدمة[24]. وكلّ مرة كان يسوع يتحدَّث عن آلامه كان يدعو نفسه بهذا اللقب[25]. وهنا كانت تكمن الدهشة عند معاصريه من اليهود، حيث أن انتظارهم لابن البشر هو مختلف عمَّا حققه يسوع، تماماً كما حدث لهم في انتظارهم للـ"مسيح"[26].
خاتمة
لاشك أن الكتاب المقدّس قاعدة أساسية لكل مسيحي، ليس فقط لكي ينهل منه أركان إيمانه، بل أيضاً ليكون سلماً يرتقي به إلى اللقاء بالرب. وبذلك يكتشف معنى وجوده ويحقق إنسانيته في عمق بنوَّته لله. فالمسيح، محور الكتاب المقدَّس، يكشف عن من هو الله، وبذات الوقت عن من هو الإنسان. قد يستغني البعض عن البحث عن الله، ولكن هل يستطيع الإنسان التخلي عن ذاته وعن أهميته في الحياة والكون والتاريخ؟ هل يستطيع أن يجد طرق علائقه دون انتماءه لمن أوجده وكان هدفه في الفرح والغبطة؟ يصل جان بول سارتر في "فرديته" وقطعه جميع أنواع "الصلة" إلى اليأس واعتبار العلاقة مع الآخر "جحيماً"!.. الكتاب المقدّس على مدِّ صفحاته يكشف لنا حقيقة ذاتنا، وعمق انتمائنا، وكيفية حياتنا، ومعنى حريتنا، من خلال نماذج فريدة وواقعية عاشت هذه الاختبارات، ... كان الروح القدس ساهراً على تدوينها لتكون لنا قاموساً لحياتنا المسيحية..
منقــــــــــــــول
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى