الزواج ليس عائقا _ يوحنا الذهبي الفم
الإثنين أكتوبر 29, 2012 11:07 am
الزواج ليس عائقاً أمام القداسة
القديس يوحنا ذهبي الفم
"في سنة وفاة
عزيا الملك رأيت السيد جالساً على كرسي عالٍ" (إش 6). من يقول هذا؟ إشعيا،
سفير السيرافيم، الذي كان لديه خبرة الزواج دون إطفاء للنعمة. إذ يقول له
الرب: أخرج لملاقاة آحاز أنت وشآرياشوب ابنك" (إش 7) .. هذا لا ينبغي أن
يعبر علينا هكذا: هل كان للنبي ولداً؟ وإذا كان له ابن، فله زوجة أيضاً.
فالرسالة الموجهة لكم هي أن الزواج ليس بالأمر الرديء، بل الزنا هو
الرديء.
ومع ذلك، عندما نتكلم إلى عامة الناس، ونقول لهم:
لماذا لا تعيشون بطريقة صحيحة؟ لماذا لا تعيشون حياة منضبطة؟ يجاوبون: كيف
يمكنني ذلك ما لم أترك زوجتي، ما لم أترك أطفالي، ما لم أترك أعمالي؟
لماذا ذلك؟ بالتأكيد الزواج ليس عائقاً، فزوجتك أعطيت لك كمعينة وليس
كمتأمرة. ألم يكن للنبي إشعيا زوجة؟ الزواج لم يكن عائقاً أمام الروح، كان
له خبرة الزواج وكان نبياً أيضاً. ألم يكن لموسى زوجة؟ ولقد ضرب الصخرة،
وغيَّر هيئة السماء، وتكلم مع الله، وكبح الغضب الإلهي.
ألم يكن لإبراهيم زوجة؟ وأصبح أباً للأمم والكنيسة.
في الواقع، كان إسحق ابنه، ألم يبرهن على ذلك بالأعمال الفاضلة؟ ألم
يُقدِّم ابنه ذبيحة، ثمرة زواجه؟ ألم يكن أباً وفي نفس الوقت حبيب لله؟
ألا نراه وقد أصبح كاهناً من خلال مشاعره الخاصة؟ كاهناً وأباً؟ التقوى
منتصرة والطبيعة تم التغلب عليها؟ الفضيلة سائدة والمشاعر البشرية مُداسة؟
الأبوة منطرحة ومحبة الله مُتوَّجة؟ ألا تروا في شخص واحد محب لابنه ومحب
لله؟ .. بالتأكيد الزواج لم يُشكِّل أي عائق.
وماذا عن أم المكابيين، ألم تكن زوجة؟ ألم تقدم
سبعة أبناء كمجموعة من القديسين؟ ألم تراهم يستشهدون؟ ألم تبقى ثابتة
كالجبل؟ ألم تمكث صامدة كما لو أنها استشهدت مع كل واحد منهم، فهي أم
للشهداء وسبع مرات تستشهد؟ وبينما كانوا يتعرضون للتعذيب، كانت هي في
الواقع التي تشعر بالضربات. بطبيعة الحال، لم تقبل بما حدث من دون مشاعر،
فهي كانت أمَّاً وقوة الطبيعة جعلتها تتألم لكنها لم تُهزم. لقد كانت حقاً
كأمواج البحر، وكما تصير الأمواج المتلاطمة هادئة، هكذا أيضاً الطبيعة
البشرية عندما تُثار يتم كبحها بواسطة مخافة الله. كيف مسحت أولادها؟ كيف
ربتهم؟ كيف قدَمَّت سبعة هياكل لله، تماثيل ذهبية - أو بالأحرى، أكثر قيمة
من الذهب؟ فحقاً الذهب ليس مثل أرواح الشهداء. لقد وقف الطاغية هناك، وتم
التغلب عليه وإخضاعه بواسطة إمرأة واحدة. كان مُدجج بالأسلحة، وقد تغلبت
عليه بالغيرة والحماس. هو أشعل الأتون، وهي أشعلت فضيلة الروح. هو إستخدم
جيشاً، وهي إلتجأت للملائكة. لقد رأت الطاغية على الأرض أدناه، وتصورَّت
صاحب السلطان في الأعالي. شاهدت التعذيب هنا أدناه، وتأملت في المكافآت
السماوية. شاهدت العقاب الحاضر وتصورت خلود المستقبل. لذلك بولس أيضاً
يقول: "ونحن ناظرين إلى الأشياء التي تُرى، بل إلى التي لا ترى" (2 كو 4:
18)
بالتأكيد، أثبت الزواج أنه ليس بعائق. ماذا عن
بطرس، أساس الكنيسة، ذو المحبة الشديدة للمسيح، الغير ماهر في الكلام
والخطيب المُفوَّة، الغير مثقف إلا أنه أسكت أفواه الفلاسفة، الذي أبطل
الديانة الوثنية مثل شبكة العنكبوت، الذي إجتاز العالم كله يصطاد
للملكوت ... ألم يكن لديه هو أيضاً زوجة؟ نعم كان له. ودليل على ذلك،
لنستمع للإنجيلي: "ولما جاء يسوع إلى بيت بطرس، رأى حماته مطروحة محمومة"
(مت 14:8). وحيث هناك حماة، هناك أيضاً زوجة، وحيث هناك زوجة، هناك زواج.
وماذا عن فيلبس؟ ألم يكن له أربعة بنات (أع 21)؟ وحيث هناك أربعة بنات، هناك أيضاً زوجة وزواج.
وماذا عن المسيح؟ مولود من عذراء بإعتراف الجميع،
لكنه ذهب إلى حفل عرس وقدم هدية. يقول الكتاب: "ليس لهم خمر" (يو 2) وقد
حوَّلَ الماء إلى خمر، مُكرماً حفل الزفاف ببتوليته ومُشَرِفاً المأدبة
بهديته، لكي يمنعك من إحتقار الزواج، مع كونك تكره الزنا.
على مسئوليتي الخاصة، أضمن لكم الخلاص بزوجة أو
بدون زوجة. لينتبه كل واحد إلى وضعه الخاص: إذا كانت زوجتك صالحة، فهي
رفيقة مساعدة لك.
وماذا لو لم تكن صالحة؟ إجعلها صالحة. ألم يكن هناك
زوجات صالحات وسيئات، هذه الحقيقة تمنعك من إلتماس أي عذر؟ أي نوع كانت
زوجة أيوب؟ سارة من الناحية الأخرى كانت صالحة. سأعرض لكم مثل لزوجة تافهه
وشريرة. ألم تسبب زوجة أيوب الضرر لزوجها؟ كانت تافهه وشريرة وحثته على
التجديف. فماذا حدث؟ هل إستطاعت أن تهزَّ البرج؟ هل إستطاعت أن تزحزح
الزوج الثابت؟ هل أستطاعت أن تتغلب على الصخرة؟ أن تضرب الجندي؟ أن تُثقب
السفينة؟ أن تقتلع الشجرة؟ لا شيء من هذا: ضربت البرج فصار أكثر ثباتاً،
أثارت الرياح وبدلاً من غرق السفينة أبحرت في سلام، اقتلعت الثمار إلا أن
الشجرة لم تسقط، سقطت بعض الأوراق لكن الجذور بقيت غير متزعزعة.
أقول لكم هذا، لئلا يلتمس أحد العذر بشأن زوجة
شريرة. هل هي غير مستقيمة؟ إجعلها مستقيمة. إلا أنك قد تقول: لقد طردتني
من الفردوس. ومع ذلك، فهي أيضاً أحضرتك إلى السماء. وبينما الطبيعة
(الأنثوية) واحدة، إلا أن الإرداة مختلفة. قد تقول: لكن إمرأة أيوب كانت
شريرة. نعم، إلا أن سوسنة كانت صالحة. قد تقول: لكن المرأة المصرية (زوجة
فوطيفار) كانت فاسقة. إلا أن سارة كانت رزينة. هل ترى نوع واحد؟ إنتبه
أيضاً للنوع الآخر. إذ أننا نلاحظ نفس الشيء بالنسبة للرجال، فبعض منهم
أشرار والبعض الآخر أتقياء. يوسف كان صالحاً، لكن الشيخين فاسقين.
فالفضيلة والرذيلة في كل مكان، لا تتحدد بالطبيعة لكن تختلف من شخص لآخر
بالإرادة الحرَّة. ومن ثم، أعذارك ليس لها أساس.
Reference: Old Testament Homilies, John Chrysostom, translated by Robert Charles Hill, Holy Cross Orthodox Press.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى