النمو في القامة والحكمة _ كيرلس السكندري
الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 7:37 pm
النمو في القامة والحكمة _ كيرلس السكندري
النمو في القامة والحكمة
ق. كيرلس الإسكندري
(قرن 5)
"وكان
الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه .... وأما
يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو 2)
أن يقال إن
"الطفل كان ينمو ويتقوى بالروح، ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه"، هذا
الكلام ينبغي أن يؤخذ على أنه يشير إلى طبيعته البشرية، وأرجو أن تفحصوا
باهتمام في عمق التدبير: فالكلمة يحتمل ويقبل أن يولد في صورة بشرية، رغم
أنه في طبيعته الإلهية ليس له بداية وليس خاضعاً للزمن. والذي هو إله كامل
تماماً من كل ناحية، يخضع للنمو الجسدي. وغير الجسدي صارت له أطراف تنمو
مع نمو بشريته. والذي هو نفسه الحكمة كلها يمتلئ بالحكمة. وماذا نقول عن
هذا؟ فإن الذي كان في صورة الآب قد صار مثلنا، والغني أخذ صورة الفقر،
والعالي أخذ صورة الإتضاع، والذي له الملء يُقال عنه إنه ينال ويأخذ.
وهكذا فإن الله الكلمة أخلى نفسه! لأن الأشياء التي كُتبت عنه كإنسان
تُظهِر طريقة إخلائه، لأنه كان أمراً مستحيلاً بالنسبة للكلمة المولود من
الله أن يسمح بمثل هذه الأشياء أن تكون في طبيعته الخاصة، ولكن حينما صار
جسدأً أي صار إنساناً مثلنا، فإنه حينئذ وُلد حسب الجسد من إمرأة. وقيل
عنه إنه كان خاضعاً للأمور التي تختص بحالة الإنسان، ورغم أن الكلمة لكونه
إله كان يستطيع أن يجعل جسده يبرز من البطن في قامة رجل ناضج مرة واحدة،
إلا أن هذا لو حدث لكان أمراً غريباً جداً وإعجازياً، ولذلك فإنه جعل جسده
يخضع لعادات وقوانين الطبيعة البشرية.
لذلك لا تتساءل: كيف يمكن لله أن ينمو؟
أو كيف يستطيع أن يتلقى حكمة جديدة ذلك الذي يعطي الحكمة للملائكة والبشر؟
فتأملوا
السر العظيم الذي يُعطَى لنا. لأن الإنجيلي الحكيم لم يُقدِّم لنا الكلمة
في طبيعته المجرَّدة التي لا جسم لها. ولم يقل عنه وهو في هذه الحالة إنه
يزداد في القامة والحكمة والنعمة، ولكنه بعد أن أوضح أنه قد وُلد في الجسد
من إمرأة وأخذ شكلنا، فحينئذ ينسب إليه هذه الخصائص البشرية، ويدعوه صبياً
ويقول إنه كان يتقدم في القامة، إذ أن جسده نما قليلاً قليلاً خاضعاً
للقوانين الجسدية.
وهكذا
أيضاً قيل عنه إنه كان يتقدم في الحكمة، لا لكونه تلقَّى الحكمة حديثاً.
لأن الله معروف أنه كاملُ كُليّاً في كل شيء وأنه لا يُمكن أن يَنقص أية
صفة خاصة بالألوهة. بل إزدياده في الحكمة هو بسبب أن الله الكلمة أظهر
حكمته بالتدريج بما يناسب مرحلة العمر الذي يبلغها الجسد.
إذن ينمو
الجسد في القامة، وتنمو النفس في الحكمة، لأن الطبيعة الإلهية غير قابلة
للازدياد لا في القامة ولا في الحكمة، لأن كلمة الله كُلِّيُّ الكمال.
ولذلك فإنه لسبب مناسب يربط بين النمو في الحكمة والنمو في القامة
الجسدية، بسبب أن الطبيعة الإلهية كانت تُظهِرُ حكمتها الخاصة بما يتناسب
مع مقدار النمو الجسدي.
بعد أن قال
البشير إن يسوع كان يتقدم في الحكمة والنعمة، فإنه يبيِّن أن ما يقوله
صحيح. لأنه يُقِّدمه لنا في أورشليم برفقة العذراء القديسة في عيد الفصح،
ثم يقول إنه تخلَّف هناك، وبعد ذلك وُجِد في الهيكل جالساً وسط المعلمين
يسأل ويجيب على الأسئلة التي تخص تلك الأشياء التي تكلم عنها الناموس منذ
القديم، وأن الجميع تعجبوا من أسئلته وأجوبته، وهكذا ترونه يتقدم في
الحكمة والنعمة.
المرجع: تفسير إنجيل لوقا للقديس
كيرلس السكندري، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، مركز دراسات الآباء بالقاهرة +
التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدس، إنجيل لوقا، جامعة البلمند.
النمو في القامة والحكمة
ق. كيرلس الإسكندري
(قرن 5)
"وكان
الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه .... وأما
يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو 2)
أن يقال إن
"الطفل كان ينمو ويتقوى بالروح، ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه"، هذا
الكلام ينبغي أن يؤخذ على أنه يشير إلى طبيعته البشرية، وأرجو أن تفحصوا
باهتمام في عمق التدبير: فالكلمة يحتمل ويقبل أن يولد في صورة بشرية، رغم
أنه في طبيعته الإلهية ليس له بداية وليس خاضعاً للزمن. والذي هو إله كامل
تماماً من كل ناحية، يخضع للنمو الجسدي. وغير الجسدي صارت له أطراف تنمو
مع نمو بشريته. والذي هو نفسه الحكمة كلها يمتلئ بالحكمة. وماذا نقول عن
هذا؟ فإن الذي كان في صورة الآب قد صار مثلنا، والغني أخذ صورة الفقر،
والعالي أخذ صورة الإتضاع، والذي له الملء يُقال عنه إنه ينال ويأخذ.
وهكذا فإن الله الكلمة أخلى نفسه! لأن الأشياء التي كُتبت عنه كإنسان
تُظهِر طريقة إخلائه، لأنه كان أمراً مستحيلاً بالنسبة للكلمة المولود من
الله أن يسمح بمثل هذه الأشياء أن تكون في طبيعته الخاصة، ولكن حينما صار
جسدأً أي صار إنساناً مثلنا، فإنه حينئذ وُلد حسب الجسد من إمرأة. وقيل
عنه إنه كان خاضعاً للأمور التي تختص بحالة الإنسان، ورغم أن الكلمة لكونه
إله كان يستطيع أن يجعل جسده يبرز من البطن في قامة رجل ناضج مرة واحدة،
إلا أن هذا لو حدث لكان أمراً غريباً جداً وإعجازياً، ولذلك فإنه جعل جسده
يخضع لعادات وقوانين الطبيعة البشرية.
لذلك لا تتساءل: كيف يمكن لله أن ينمو؟
أو كيف يستطيع أن يتلقى حكمة جديدة ذلك الذي يعطي الحكمة للملائكة والبشر؟
فتأملوا
السر العظيم الذي يُعطَى لنا. لأن الإنجيلي الحكيم لم يُقدِّم لنا الكلمة
في طبيعته المجرَّدة التي لا جسم لها. ولم يقل عنه وهو في هذه الحالة إنه
يزداد في القامة والحكمة والنعمة، ولكنه بعد أن أوضح أنه قد وُلد في الجسد
من إمرأة وأخذ شكلنا، فحينئذ ينسب إليه هذه الخصائص البشرية، ويدعوه صبياً
ويقول إنه كان يتقدم في القامة، إذ أن جسده نما قليلاً قليلاً خاضعاً
للقوانين الجسدية.
وهكذا
أيضاً قيل عنه إنه كان يتقدم في الحكمة، لا لكونه تلقَّى الحكمة حديثاً.
لأن الله معروف أنه كاملُ كُليّاً في كل شيء وأنه لا يُمكن أن يَنقص أية
صفة خاصة بالألوهة. بل إزدياده في الحكمة هو بسبب أن الله الكلمة أظهر
حكمته بالتدريج بما يناسب مرحلة العمر الذي يبلغها الجسد.
إذن ينمو
الجسد في القامة، وتنمو النفس في الحكمة، لأن الطبيعة الإلهية غير قابلة
للازدياد لا في القامة ولا في الحكمة، لأن كلمة الله كُلِّيُّ الكمال.
ولذلك فإنه لسبب مناسب يربط بين النمو في الحكمة والنمو في القامة
الجسدية، بسبب أن الطبيعة الإلهية كانت تُظهِرُ حكمتها الخاصة بما يتناسب
مع مقدار النمو الجسدي.
بعد أن قال
البشير إن يسوع كان يتقدم في الحكمة والنعمة، فإنه يبيِّن أن ما يقوله
صحيح. لأنه يُقِّدمه لنا في أورشليم برفقة العذراء القديسة في عيد الفصح،
ثم يقول إنه تخلَّف هناك، وبعد ذلك وُجِد في الهيكل جالساً وسط المعلمين
يسأل ويجيب على الأسئلة التي تخص تلك الأشياء التي تكلم عنها الناموس منذ
القديم، وأن الجميع تعجبوا من أسئلته وأجوبته، وهكذا ترونه يتقدم في
الحكمة والنعمة.
المرجع: تفسير إنجيل لوقا للقديس
كيرلس السكندري، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، مركز دراسات الآباء بالقاهرة +
التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدس، إنجيل لوقا، جامعة البلمند.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى