مريم الملكة - البابا بندكتس السادس عشر
الخميس سبتمبر 06, 2012 3:24 am
مريم الملكة - البابا بندكتس السادس عشر
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
نحتفل
اليوم بالذكرى الليتورجية للعذراء مريم الكلية الطوبى التي نناديها أيضًا
"الملكة". إن هذا الاحتفال جديد من نوعه على الرغم من قدمه في ما يتعلق
بأصله وبالتقوى التي تلهمه: في الواقع، لقد أنشأه المكرم بيوس الثاني عشر
عام 1954، في نهاية السنة المريمية، التي حدد تاريخها في 31 مايو (cf.
Lettre encyclique Ad caeli Reginam, du 11 octobre 1954 : AAS 46 [1954],
625-640). في هذه المناسبة، أعلن البابا بأن مريم هي ملكة أكثر من أي مخلوق
آخر، بسبب سمو نفسها،والعطايا المميزة التي حظيت بها. فهي لم تتوقف قط عن
تقديم كل كنوز حبها، وحنانها للبشرية (cf. Discours en l’honneur de Marie
Reine, 1er novembre 1954). والآن وبعد التجديد الليتورجي ما بعد المجمع
الفاتيكاني، نقل هذا العيد الى ثمانية أيام بعد انتقال السيدة العذراء الى
السماء، لتبيان العلاقة الوثيقة بين ملوكية مريم وتمجدها بجسدها وروحها الى
جانب ابنها. نقرأ في الدستور العقائدي في الكنيسة للمجمع الفاتيكاني
الثاني ما يلي: "إن العذراء رُفِعَت [نُقِلت] بالنفس والجسد إلى مجدِ
السماء، وعظَّمها الرب كملكةَ العالمين حتى تكون أكثرَ مشابهة لابنها" (نور
الأمم 59).
هنا تكمن جذور هذا العيد: مريم هي ملكة لأنها ترتبط
بشكل فريد بابنها، في مسيرته الأرضية، كما في مجده في السماء. يؤكد قديس
سوريا الكبير مار افرام السرياني، بأن ملوكية مريم مستمدة من أمومتها: هي
أم الرب، ملك الملوك (راجع أشعيا 9، 1-6)، وهي تدلنا على يسوع الذي هو
الحياة، والخلاص، والرجاء. أشار خادم الله بولس السادس في إرشاده الرسولي
"التقوى المريمية" قائلا: "كل ما في العذراء مرتبط بالمسيح، وكل شيء يعتمد
عليه: فله اختارها الله الآب منذ الأزل كأم كلية القداسة، وزينها بمواهب
الروح القدس التي لم تمنح لأي شخص آخر" (رقم 25).
ولكن الآن يمكننا
أن نتساءل: ماذا تعني عبارة مريم الملكة؟ أهو فقط لقب كغيره من الألقاب،
والتاج زينة كأي حلية أخرى؟ ماذا يعني ذلك؟ ما هي هذه الملوكية؟ كما أشرنا
في السابق، هي نتيجة لاتحادها مع ابنها، لوجودها في السماء، أي في شركة مع
الله، هي تشارك الله مسؤوليته وحبه للعالم. نشكل فكرة عادية، موحدة، عن
الملك أو الملكة: هو شخص له سلطة، وثروة. ولكن هذا ليس شأن ملوكية يسوع
ومريم. فلنفكر بالرب: الملوكية، وكيف كان يسوع ملك، طريقة منسوجة بالتواضع،
والخدمة، والمحبة: على وجه الخصوص الخدمة، المساعدة، والمحبة. فلنتذكر بأن
يسوع أعلن ملكًا من على الصليب من خلال النقش الذي كتبه بيلاطس: "ملك
اليهود" (راجع مرقس 15، 26). في تلك اللحظة على الصليب، هو يظهر بأنه ملك؛
وكيف هو ملك؟ بمشاركته معاناتنا، وحمل المعاناة عنا، وأحبنا الى الغاية،
هكذا هو يحكم، ويخلق الحق، والمحبة، والعدالة. أو فلنفكر بلحظة أخرى: في
العشاء الأخير، فقد انحنى ليغسل أرجل التلاميذ. ملوكية المسيح إذا لا تمت
بصلة مع ملوكية المتسلطين على الأرض. هو ملك يخدم عبيده؛ هذا ما أظهره طيلة
حياته. والشيء عينه ينطبق على مريم: هي ملكة بالخدمة التي لبتها لله من
أجل البشرية، هي ملكة بالمحبة التي سلمت أمرها من أجلها الى الله لتدخل في
مشروع خلاص الإنسان. لقد أجابت الملاك: "ها أنا أمة الرب" (لوقا 1 ،38)،
وتغني في النشيد: نظر الله الى أمته الوضيعة (لوقا 1، 48). هي تساعدنا. هي
بحبها لنا أصبحت ملكة، وبمساعدتها لنا في جميع احتياجاتنا. هي أختنا،
الخادمة المتواضعة.
وها نحن ندخل صلب الموضوع: كيف تنفذ مريم ملوكية
الخدمة والمحبة هذه؟ بالسهر علينا، نحن أولادها: أولاد يناجونها بالصلاة،
لشكرها ولطلب حمايتها الوالدية، ومساعدتها السماوية؛ بعد أن يكونوا قد ضلوا
الطريق، معانين الألم، والقلق بسبب الأحداث المؤسفة التي تغير مجرى
الحياة. في صفاء وجودنا أو في ظلمته، نتوجه الى مريم العذراء، واثقين
بشفاعتها المستمرة لكي تنال لنا من ابنها كل نعمة ورحمة نحتاجها في مسيرتنا
على دروب العالم. نحن نتوجه، واثقين، من خلال مريم العذراء، الى الذي يحكم
العالم ويحمل بين يديه قدر الكون. هي أعلنت منذ قرون كملكة للسماء، ثماني
مرات بعد صلاة الوردية، يتم استدعائها في دعاء السيدة العذراء كسلطانة
الملائكة، والآباء، والأنبياء، والرسل، والشهداء، والمعترفين، والعذارى،
وجميع القديسين، والعائلات. إن وتيرة هذه الإبتهالات القديمة، والصلوات
اليومية كصلاة "السلام عليك أيتها الملكة"، تساعدنا على الفهم بأن العذراء
مريم، أمنا التي هي بجانب ابنها يسوع في مجد السماء، هي دائما معنا، في
سياق حياتنا اليومية.
إذًا لقب الملكة، هو لقب ثقة، وفرح، ومحبة. ونحن
نعلم بأن التي في يديها مصير العالم هي طيبة، وتحبنا، وتساعدنا في الصعوبات
التي تواجهنا.
أصدقائي الأعزاء، إن التقوى نحو مريم العذراء هو جزء
مهم من الحياة الروحية. علينا ألا ننسى أن نتوجه إليها بثقة بصلاتنا. لن
تتردد مريم بالتوسط لنا عند ابنها. علينا بالتأمل بها أن نتمثل بإيمانها،
وبوهب الذات لمشروع الله، واستقبالها ليسوع برحابة. فلنتعلم من مريم كيف
نحيا. مريم هي ملكة السماء، قريبة من الله، ولكنها أيضًا أمنا، قريبة من كل
واحد منا، وهي تحبنا وتسمع صوتنا. شكرًا لإصغائكم.
منقول...
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
نحتفل
اليوم بالذكرى الليتورجية للعذراء مريم الكلية الطوبى التي نناديها أيضًا
"الملكة". إن هذا الاحتفال جديد من نوعه على الرغم من قدمه في ما يتعلق
بأصله وبالتقوى التي تلهمه: في الواقع، لقد أنشأه المكرم بيوس الثاني عشر
عام 1954، في نهاية السنة المريمية، التي حدد تاريخها في 31 مايو (cf.
Lettre encyclique Ad caeli Reginam, du 11 octobre 1954 : AAS 46 [1954],
625-640). في هذه المناسبة، أعلن البابا بأن مريم هي ملكة أكثر من أي مخلوق
آخر، بسبب سمو نفسها،والعطايا المميزة التي حظيت بها. فهي لم تتوقف قط عن
تقديم كل كنوز حبها، وحنانها للبشرية (cf. Discours en l’honneur de Marie
Reine, 1er novembre 1954). والآن وبعد التجديد الليتورجي ما بعد المجمع
الفاتيكاني، نقل هذا العيد الى ثمانية أيام بعد انتقال السيدة العذراء الى
السماء، لتبيان العلاقة الوثيقة بين ملوكية مريم وتمجدها بجسدها وروحها الى
جانب ابنها. نقرأ في الدستور العقائدي في الكنيسة للمجمع الفاتيكاني
الثاني ما يلي: "إن العذراء رُفِعَت [نُقِلت] بالنفس والجسد إلى مجدِ
السماء، وعظَّمها الرب كملكةَ العالمين حتى تكون أكثرَ مشابهة لابنها" (نور
الأمم 59).
هنا تكمن جذور هذا العيد: مريم هي ملكة لأنها ترتبط
بشكل فريد بابنها، في مسيرته الأرضية، كما في مجده في السماء. يؤكد قديس
سوريا الكبير مار افرام السرياني، بأن ملوكية مريم مستمدة من أمومتها: هي
أم الرب، ملك الملوك (راجع أشعيا 9، 1-6)، وهي تدلنا على يسوع الذي هو
الحياة، والخلاص، والرجاء. أشار خادم الله بولس السادس في إرشاده الرسولي
"التقوى المريمية" قائلا: "كل ما في العذراء مرتبط بالمسيح، وكل شيء يعتمد
عليه: فله اختارها الله الآب منذ الأزل كأم كلية القداسة، وزينها بمواهب
الروح القدس التي لم تمنح لأي شخص آخر" (رقم 25).
ولكن الآن يمكننا
أن نتساءل: ماذا تعني عبارة مريم الملكة؟ أهو فقط لقب كغيره من الألقاب،
والتاج زينة كأي حلية أخرى؟ ماذا يعني ذلك؟ ما هي هذه الملوكية؟ كما أشرنا
في السابق، هي نتيجة لاتحادها مع ابنها، لوجودها في السماء، أي في شركة مع
الله، هي تشارك الله مسؤوليته وحبه للعالم. نشكل فكرة عادية، موحدة، عن
الملك أو الملكة: هو شخص له سلطة، وثروة. ولكن هذا ليس شأن ملوكية يسوع
ومريم. فلنفكر بالرب: الملوكية، وكيف كان يسوع ملك، طريقة منسوجة بالتواضع،
والخدمة، والمحبة: على وجه الخصوص الخدمة، المساعدة، والمحبة. فلنتذكر بأن
يسوع أعلن ملكًا من على الصليب من خلال النقش الذي كتبه بيلاطس: "ملك
اليهود" (راجع مرقس 15، 26). في تلك اللحظة على الصليب، هو يظهر بأنه ملك؛
وكيف هو ملك؟ بمشاركته معاناتنا، وحمل المعاناة عنا، وأحبنا الى الغاية،
هكذا هو يحكم، ويخلق الحق، والمحبة، والعدالة. أو فلنفكر بلحظة أخرى: في
العشاء الأخير، فقد انحنى ليغسل أرجل التلاميذ. ملوكية المسيح إذا لا تمت
بصلة مع ملوكية المتسلطين على الأرض. هو ملك يخدم عبيده؛ هذا ما أظهره طيلة
حياته. والشيء عينه ينطبق على مريم: هي ملكة بالخدمة التي لبتها لله من
أجل البشرية، هي ملكة بالمحبة التي سلمت أمرها من أجلها الى الله لتدخل في
مشروع خلاص الإنسان. لقد أجابت الملاك: "ها أنا أمة الرب" (لوقا 1 ،38)،
وتغني في النشيد: نظر الله الى أمته الوضيعة (لوقا 1، 48). هي تساعدنا. هي
بحبها لنا أصبحت ملكة، وبمساعدتها لنا في جميع احتياجاتنا. هي أختنا،
الخادمة المتواضعة.
وها نحن ندخل صلب الموضوع: كيف تنفذ مريم ملوكية
الخدمة والمحبة هذه؟ بالسهر علينا، نحن أولادها: أولاد يناجونها بالصلاة،
لشكرها ولطلب حمايتها الوالدية، ومساعدتها السماوية؛ بعد أن يكونوا قد ضلوا
الطريق، معانين الألم، والقلق بسبب الأحداث المؤسفة التي تغير مجرى
الحياة. في صفاء وجودنا أو في ظلمته، نتوجه الى مريم العذراء، واثقين
بشفاعتها المستمرة لكي تنال لنا من ابنها كل نعمة ورحمة نحتاجها في مسيرتنا
على دروب العالم. نحن نتوجه، واثقين، من خلال مريم العذراء، الى الذي يحكم
العالم ويحمل بين يديه قدر الكون. هي أعلنت منذ قرون كملكة للسماء، ثماني
مرات بعد صلاة الوردية، يتم استدعائها في دعاء السيدة العذراء كسلطانة
الملائكة، والآباء، والأنبياء، والرسل، والشهداء، والمعترفين، والعذارى،
وجميع القديسين، والعائلات. إن وتيرة هذه الإبتهالات القديمة، والصلوات
اليومية كصلاة "السلام عليك أيتها الملكة"، تساعدنا على الفهم بأن العذراء
مريم، أمنا التي هي بجانب ابنها يسوع في مجد السماء، هي دائما معنا، في
سياق حياتنا اليومية.
إذًا لقب الملكة، هو لقب ثقة، وفرح، ومحبة. ونحن
نعلم بأن التي في يديها مصير العالم هي طيبة، وتحبنا، وتساعدنا في الصعوبات
التي تواجهنا.
أصدقائي الأعزاء، إن التقوى نحو مريم العذراء هو جزء
مهم من الحياة الروحية. علينا ألا ننسى أن نتوجه إليها بثقة بصلاتنا. لن
تتردد مريم بالتوسط لنا عند ابنها. علينا بالتأمل بها أن نتمثل بإيمانها،
وبوهب الذات لمشروع الله، واستقبالها ليسوع برحابة. فلنتعلم من مريم كيف
نحيا. مريم هي ملكة السماء، قريبة من الله، ولكنها أيضًا أمنا، قريبة من كل
واحد منا، وهي تحبنا وتسمع صوتنا. شكرًا لإصغائكم.
منقول...
- البابا بندكتس السادس عشر يتحدث عن زيارته الرسولية الى لبنان
- البابا بندكتس السادس عشر:"المسيحية حقيقية، ولها مستقبل
- البابا يعزّي سلفه بندكتس السادس عشر بوفاة شقيقه
- عيد القربان المقدّس لعام 2012 - البابا بندكتس السادس عشر
- كلمة قداسة البابا بندكتس السادس عشر قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي - 3 سبتمبر 2012
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى