- fr. atefعضو فعال
على شاطئ البحر _ غريغوريوس النزينزي
الجمعة سبتمبر 03, 2010 2:42 pm
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] تأملات على شاطئ البحر
القديس غريغوريوس الناطق بالإلاهيات
أعتدت في وقت الغروب أن أذهب للتمشية وحدي على طول شاطئ البحر. هذا ما كنت أفعله دائماً عندما أحتاج إلى راحة وأخرج عقلي من مشاكلي. بل حتى وتر القوس لا يستطيع أن يبقى مشدوداً إذا كان يتم شدة بشدة بصفة مستديمة. يجب أن يُحَّل قليلاً من أسنانه قبل أن يتم شده مرة أخرى، حتى لا يصير بلا فائدة لرامي السهام، وبلا منفعة في ساعة الحاجة. لذلك كنت أتمشى، وبينما كانت أقدامي تنقلني على طول الشاطئ، أبقيت عيوني مثبتة على البحر، لم أجد بهجة فيه، إلا أنه في الأوقات الأخرى عندما كان يتحول سطحه الهادئ إلى أحمر غامق، ويرتطم بالشاطئ في مزاح حلو لطيف، يكون مبهجاً جداً.
في هذا الوقت خاصة - أبتهج بإضافة كلمات الكتاب المقدس - "هاج البحر من ريح عظيمة تهب" (يو 6). وكما يحدث عادة في مثل هذا العواصف، بدأت الأمواج بالإرتفاع في عمق البحر، وبعد وصولها إلى الذروة بشكل تدريجي تموجت على الشاطئ وماتت. بينما كانت أمواج أخرى تتحطم على الصخور القريبة ثم تنسحب للخلف هاربة، وتتبعثر في رغوة ورذاذ لطيف. على تلك البقعة، كان الحصى والنباتات البحرية والأصداف وأنواع المحار الصغيرة تنزاح من مكانها وتندفع بعيداً، والبعض منها كانت تقذفه الأمواج إلى البحر كلما أنحسرت راجعة. أما الصخور فقد بقيت ثابتة غير متزعزعة كما وأنه ليس هناك أي شيء يزعزعها، باستثناء الأمواج التي تصطدم بها.
بكل وضوح، كان لي في هذا المشهد شيء ذو أهمية وقيمة كبيرة. ولكوني من النوع الذي يُحاول أن يجد رسالة شخصية في كل شيء يقابلني، خاصة عندما تقع بعض الأحداث تُخضخض عقلي، كما كان هو الحال في هذا اليوم، لم أعبر على هذا المنظر بشكل عرضي. ما رأيته كان إعلاناً وإلهاماً لي.
قلت لنفسي، أليست حقاً حياتنا وشؤوننا الإنسانية عموماً ما هي إلا بحر يحتوي على مرارة كثيرة وعدم إستقرار؟! وأليست الرياح والعواصف هي بمثابة التجارب التي تقع علينا وكل الأحداث غير المتوقعة التي تصادفنا؟ أعتقد أن داود – الأكثر روعة – كانت تراوده أيضاً هذه الأفكار عندما قال: "خلصني يا الله لأن المياة قد دخلت إلى نفسي"ن "نجني .. من أعماق المياة"، "دخلت إلى أعماق المياة والسيلُ غمرني" (مز 69).
بدا لي الناس المعرضين للتجارب ينقسمون إلى مجموعتين: البعض تجرفه التجارب مثل الأغراض الخفيفة جداً عديمة الحياة دون بذل أي مقاومة تجاه الإعتداءات الحادثة ضدهم، إذ ليس لهم في أنفسهم أي وسائل للمقاومة، ليس لهم أساس أو ثقل من التعقل والحكمة حتى يواجهوا الحوادث الآتية عليهم. البعض الآخر صخرة جدير بذاك الصخرة (الرب يسوع) الذي عليه نقف وإليه نتعبد. أي أولئك الذين يتبنون نمط فلسفي في الحياة ويرتفعون فوق عامة الناس، ويقفون بثبات أمام الهجمات صامدين غير متزعزعين.
وصلت إلى هذا الخيط من التفكير، ثم تذكرت صورة أخرى تلائم تماماً موضوعنا الحالي. ربما تظنونني شيخ ثرثار راوي للقصص، لكن يجب أن أخبركم بها على أية حال، فالكتاب المقدس أيضاً كثيراً ما يستخدم مثل هذه الأدوات لتوضيح المعنى. هناك نبات أسطوري يُزهر عندما يُقطَّع ويُقبض عليه بآلة صلبة، فهو يأتي إلى الحياة في الموت وينمو بالتقطيع ويتقوى بالإضعاف. هذه هي القصة، وأنا أعتقد بكل وضوح أن الفيلسوف (الحقيقي) هو نوع مماثل من هذا المخلوق. فهو ينمو في القامة من خلال المآسي، ويجعل من المشاكل مادة للفضيلة، ويربح المجد بواسطة المحن، فلا يتشامخ بأسلحة البر التي لليمين، ولا ينكسر بالتي على اليسار (2 كو 6)، لكنه يكون كما هو دائماً في وسط التغيير أو بالأحرى يصبح أكثر قيمة مثل الذهب الذي يتنقى في النار.
هل هو شاب؟ تجده يحارب أهوائه برجولة، وتكون متعة شبابه الحقيقية لشبابه لا في الإستسلام لإغراءات الشباب بل في إظهار رزانة ناضجة بجسد في أوج نشاطه، والنصرة تكون لها معنى كبير بالنسبة له أكثر مما لأولئك الذين يتم تتويجهم في الأوليمبياد، لأن نصرته تتوج في الحلبة العامة التي للعالم كله، والتي لا يمكن شراؤها بأي ثمن.
هل هو أقرب إلى الشيخوخة؟ لا بأس، فروحه لن تشيخ معه. سوف يُرحَّب بساعة إنطلاقه كما ولو أنها ساعة معينة ممنوحة له للتحرر، وسوف يذهب بسرور إلى العالم الآخر، حيثما لا يوجد أحد صغير جداً ولا أحد كبير بل يكون الجميع كاملين في نضج الروح.
هل هو فاتن جسدياً؟ جمال جسده سوف يكون إنعكاساً باهراً لجمال روحه.
هل السنوات تركت نضارته كما هي؟ تجده يُركز على إنسانه الداخلي، غافلاً عن حملقة الناس.
هل هو غير جذاب في مظهره؟ على الرغم من ذلك تجده جميلاً فيما وراء السطح الخارجي، تماماً كأوراق كأس الزهرة بلا لمعان أو رائحة، إلا أنها تخفي في ذاتها وردة رائعة جداً لها شذا جذاب.
هل هو أبرع جمالاً من بني البشر (مز 45)؟ تجده لا يعطي فرصة للمشاهد أبداً للحملقة على شكله الخارجي بل يحول إنتباهه إلى الإنسان الداخلي.
هل يتمتع بصحة جيدة؟ سوف يستخدمها لأفضل هدف: سوف ينصح، سوف يوبخ، سوف يتكلم بما في عقله، سوف يسهر، سوف ينام على الأرض، سوف يصوم، سوف يتجنب كل شيء جسداني، سوف يتأمل الأمور الأرضية والأمور السمائية، وبكل تقوى سوف يتذكر الموت.
هل يمرض؟ تجده يُكافح مرضه، وحتى ولو تغلب عليه المرض، تكون له هو الغلبة والمكافأة تكون حقيقة أن كفاحه قد ولى.
هل هو غني؟ تجده يُكرس نفسه لتوزيع ثروته، يوزع ما له للمحتاج كوكيل على بضائع لا تخصه، لكي يفيد المحتاج بالمشاركة ويستفيد هو بتبعية الله حاملاً لا شيء سوى صليبه وشخصيته.
هل هو فقير؟ تجده غنياً في الله، ساخراً من الأغنياء لكونهم يضيفون بشكل مستمر إلى ممتلكاتهم، ومع ذلك يظلون في إحتياج على الدوام لأنهم يطالبون بالمزيد، فيشربون لكي يزدادوا عطشاً.
هل يجوع؟ سوف يتم إطعامه مع طيور السماء التي لا تزرع ولا تحصد (مت 6)، سوف يعيش مع إيليا في صرفة، "إن كوَّار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص" (1 مل 17)، الكوز سوف يتدفق مثل المياة دائماً والكوَّار سوف يتكاثر بدون تقتير، لكي تُكرَّم المرأة المضيافة وتقدم المؤازرة لمن آزرها.
هل يعطش؟ الينابيع والأنهار تكون شرابه، شراب لا يسبب السكر ولا يُقتصَّد فيه، وإن إنحسر الكل بسبب الجفاف سيل مياة جارف سوف يروي عطشه بلا شك.
هل يبرد؟ هكذا كان بولس (2 كو 11) ولكن إلى متى؟ حتى الصخرة يمكنها توفير بعض الغطاء."ولعدم الملجأ يعتنقون الصخر" (أي 24) كما قال أيوب.
لننظر أيضاً إلى الأمور التي لها علاقة بالترقي الروحي.
هل يُشتَّم؟ سوف يسود بعدم رد الشتيمة بشتيمة.
هل يُضطهد؟ سوف يتحمل الإضطهاد.
هل يُفترى عليه؟ سيسعى للمصالحة.
هل يتم تشويه سمعته؟ سوف يُصلي.
هل سيُضرب على الخد الأيمن؟ سوف يحول الأيسر أيضاً، ولو كان عنده خد ثالث لقدمه أيضاً حتى يمكنه أن يرشد من هاجمه بشكل أفضل في طول أناة، مُعلماً بمثال ما لا يستطيع تعليمه بكلمات.
هل يُنتقد ويُهان؟ هكذا إحتمل للمسيح. فتكون الإهانة شرفاً له إذ يشترك في خبرة المسيح، سواء أن دعي سامري أو أتهم أن به شياطين (يو 8)، سوف يقبل كل ما يأتي عليه بمعونة الله الملتصق به. ومهما تألم الكثير لن يجابه الكثير: خل، وقاحة، إكليل شوك، قصبة، رداء قرمزي، صليب، مسامير، لصوص تُصلب معه، سخرية المارين. إذ أن الله ينتصب حقاً أعلى من الجميع في إحتماله للإساءة القصوى.
لا شيء أكثر ثباتاً، لا شيء منيعاً وحصيناً مثل هذه الحياة الفلسفية (الإنجيلية). كل شيء يخضع أمام صمود الفيلسوف الحقيقي. يقول أيوب أن هناك في البرية حمار وحشي حر غير مربوط، "يضحك على جمهور القرية، لا يسمع زجر السائق". وهناك ثور وحشي حر، "أيرضى الثور الوحشي أن يخدمك؟ أيمكنك ربطه عند معلفك، وإخضاعه تحت خشبة النير" (أي 39). حقاً إن نجح الإنسان في تحرير ذاته من جميع أمور هذا العالم، تتكوَّن له أجنحة مثل أجنحة النسر، فيعود إلى منزل سيده، ويطير صاعداً إلى الله (إش 40: 31).
Reference: Fathers of the Church Series, Volume 107, Saint Gregory of Nazianzus, Selected Orations, Catholic University of America Press.
القديس غريغوريوس الناطق بالإلاهيات
أعتدت في وقت الغروب أن أذهب للتمشية وحدي على طول شاطئ البحر. هذا ما كنت أفعله دائماً عندما أحتاج إلى راحة وأخرج عقلي من مشاكلي. بل حتى وتر القوس لا يستطيع أن يبقى مشدوداً إذا كان يتم شدة بشدة بصفة مستديمة. يجب أن يُحَّل قليلاً من أسنانه قبل أن يتم شده مرة أخرى، حتى لا يصير بلا فائدة لرامي السهام، وبلا منفعة في ساعة الحاجة. لذلك كنت أتمشى، وبينما كانت أقدامي تنقلني على طول الشاطئ، أبقيت عيوني مثبتة على البحر، لم أجد بهجة فيه، إلا أنه في الأوقات الأخرى عندما كان يتحول سطحه الهادئ إلى أحمر غامق، ويرتطم بالشاطئ في مزاح حلو لطيف، يكون مبهجاً جداً.
في هذا الوقت خاصة - أبتهج بإضافة كلمات الكتاب المقدس - "هاج البحر من ريح عظيمة تهب" (يو 6). وكما يحدث عادة في مثل هذا العواصف، بدأت الأمواج بالإرتفاع في عمق البحر، وبعد وصولها إلى الذروة بشكل تدريجي تموجت على الشاطئ وماتت. بينما كانت أمواج أخرى تتحطم على الصخور القريبة ثم تنسحب للخلف هاربة، وتتبعثر في رغوة ورذاذ لطيف. على تلك البقعة، كان الحصى والنباتات البحرية والأصداف وأنواع المحار الصغيرة تنزاح من مكانها وتندفع بعيداً، والبعض منها كانت تقذفه الأمواج إلى البحر كلما أنحسرت راجعة. أما الصخور فقد بقيت ثابتة غير متزعزعة كما وأنه ليس هناك أي شيء يزعزعها، باستثناء الأمواج التي تصطدم بها.
بكل وضوح، كان لي في هذا المشهد شيء ذو أهمية وقيمة كبيرة. ولكوني من النوع الذي يُحاول أن يجد رسالة شخصية في كل شيء يقابلني، خاصة عندما تقع بعض الأحداث تُخضخض عقلي، كما كان هو الحال في هذا اليوم، لم أعبر على هذا المنظر بشكل عرضي. ما رأيته كان إعلاناً وإلهاماً لي.
قلت لنفسي، أليست حقاً حياتنا وشؤوننا الإنسانية عموماً ما هي إلا بحر يحتوي على مرارة كثيرة وعدم إستقرار؟! وأليست الرياح والعواصف هي بمثابة التجارب التي تقع علينا وكل الأحداث غير المتوقعة التي تصادفنا؟ أعتقد أن داود – الأكثر روعة – كانت تراوده أيضاً هذه الأفكار عندما قال: "خلصني يا الله لأن المياة قد دخلت إلى نفسي"ن "نجني .. من أعماق المياة"، "دخلت إلى أعماق المياة والسيلُ غمرني" (مز 69).
بدا لي الناس المعرضين للتجارب ينقسمون إلى مجموعتين: البعض تجرفه التجارب مثل الأغراض الخفيفة جداً عديمة الحياة دون بذل أي مقاومة تجاه الإعتداءات الحادثة ضدهم، إذ ليس لهم في أنفسهم أي وسائل للمقاومة، ليس لهم أساس أو ثقل من التعقل والحكمة حتى يواجهوا الحوادث الآتية عليهم. البعض الآخر صخرة جدير بذاك الصخرة (الرب يسوع) الذي عليه نقف وإليه نتعبد. أي أولئك الذين يتبنون نمط فلسفي في الحياة ويرتفعون فوق عامة الناس، ويقفون بثبات أمام الهجمات صامدين غير متزعزعين.
وصلت إلى هذا الخيط من التفكير، ثم تذكرت صورة أخرى تلائم تماماً موضوعنا الحالي. ربما تظنونني شيخ ثرثار راوي للقصص، لكن يجب أن أخبركم بها على أية حال، فالكتاب المقدس أيضاً كثيراً ما يستخدم مثل هذه الأدوات لتوضيح المعنى. هناك نبات أسطوري يُزهر عندما يُقطَّع ويُقبض عليه بآلة صلبة، فهو يأتي إلى الحياة في الموت وينمو بالتقطيع ويتقوى بالإضعاف. هذه هي القصة، وأنا أعتقد بكل وضوح أن الفيلسوف (الحقيقي) هو نوع مماثل من هذا المخلوق. فهو ينمو في القامة من خلال المآسي، ويجعل من المشاكل مادة للفضيلة، ويربح المجد بواسطة المحن، فلا يتشامخ بأسلحة البر التي لليمين، ولا ينكسر بالتي على اليسار (2 كو 6)، لكنه يكون كما هو دائماً في وسط التغيير أو بالأحرى يصبح أكثر قيمة مثل الذهب الذي يتنقى في النار.
هل هو شاب؟ تجده يحارب أهوائه برجولة، وتكون متعة شبابه الحقيقية لشبابه لا في الإستسلام لإغراءات الشباب بل في إظهار رزانة ناضجة بجسد في أوج نشاطه، والنصرة تكون لها معنى كبير بالنسبة له أكثر مما لأولئك الذين يتم تتويجهم في الأوليمبياد، لأن نصرته تتوج في الحلبة العامة التي للعالم كله، والتي لا يمكن شراؤها بأي ثمن.
هل هو أقرب إلى الشيخوخة؟ لا بأس، فروحه لن تشيخ معه. سوف يُرحَّب بساعة إنطلاقه كما ولو أنها ساعة معينة ممنوحة له للتحرر، وسوف يذهب بسرور إلى العالم الآخر، حيثما لا يوجد أحد صغير جداً ولا أحد كبير بل يكون الجميع كاملين في نضج الروح.
هل هو فاتن جسدياً؟ جمال جسده سوف يكون إنعكاساً باهراً لجمال روحه.
هل السنوات تركت نضارته كما هي؟ تجده يُركز على إنسانه الداخلي، غافلاً عن حملقة الناس.
هل هو غير جذاب في مظهره؟ على الرغم من ذلك تجده جميلاً فيما وراء السطح الخارجي، تماماً كأوراق كأس الزهرة بلا لمعان أو رائحة، إلا أنها تخفي في ذاتها وردة رائعة جداً لها شذا جذاب.
هل هو أبرع جمالاً من بني البشر (مز 45)؟ تجده لا يعطي فرصة للمشاهد أبداً للحملقة على شكله الخارجي بل يحول إنتباهه إلى الإنسان الداخلي.
هل يتمتع بصحة جيدة؟ سوف يستخدمها لأفضل هدف: سوف ينصح، سوف يوبخ، سوف يتكلم بما في عقله، سوف يسهر، سوف ينام على الأرض، سوف يصوم، سوف يتجنب كل شيء جسداني، سوف يتأمل الأمور الأرضية والأمور السمائية، وبكل تقوى سوف يتذكر الموت.
هل يمرض؟ تجده يُكافح مرضه، وحتى ولو تغلب عليه المرض، تكون له هو الغلبة والمكافأة تكون حقيقة أن كفاحه قد ولى.
هل هو غني؟ تجده يُكرس نفسه لتوزيع ثروته، يوزع ما له للمحتاج كوكيل على بضائع لا تخصه، لكي يفيد المحتاج بالمشاركة ويستفيد هو بتبعية الله حاملاً لا شيء سوى صليبه وشخصيته.
هل هو فقير؟ تجده غنياً في الله، ساخراً من الأغنياء لكونهم يضيفون بشكل مستمر إلى ممتلكاتهم، ومع ذلك يظلون في إحتياج على الدوام لأنهم يطالبون بالمزيد، فيشربون لكي يزدادوا عطشاً.
هل يجوع؟ سوف يتم إطعامه مع طيور السماء التي لا تزرع ولا تحصد (مت 6)، سوف يعيش مع إيليا في صرفة، "إن كوَّار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص" (1 مل 17)، الكوز سوف يتدفق مثل المياة دائماً والكوَّار سوف يتكاثر بدون تقتير، لكي تُكرَّم المرأة المضيافة وتقدم المؤازرة لمن آزرها.
هل يعطش؟ الينابيع والأنهار تكون شرابه، شراب لا يسبب السكر ولا يُقتصَّد فيه، وإن إنحسر الكل بسبب الجفاف سيل مياة جارف سوف يروي عطشه بلا شك.
هل يبرد؟ هكذا كان بولس (2 كو 11) ولكن إلى متى؟ حتى الصخرة يمكنها توفير بعض الغطاء."ولعدم الملجأ يعتنقون الصخر" (أي 24) كما قال أيوب.
لننظر أيضاً إلى الأمور التي لها علاقة بالترقي الروحي.
هل يُشتَّم؟ سوف يسود بعدم رد الشتيمة بشتيمة.
هل يُضطهد؟ سوف يتحمل الإضطهاد.
هل يُفترى عليه؟ سيسعى للمصالحة.
هل يتم تشويه سمعته؟ سوف يُصلي.
هل سيُضرب على الخد الأيمن؟ سوف يحول الأيسر أيضاً، ولو كان عنده خد ثالث لقدمه أيضاً حتى يمكنه أن يرشد من هاجمه بشكل أفضل في طول أناة، مُعلماً بمثال ما لا يستطيع تعليمه بكلمات.
هل يُنتقد ويُهان؟ هكذا إحتمل للمسيح. فتكون الإهانة شرفاً له إذ يشترك في خبرة المسيح، سواء أن دعي سامري أو أتهم أن به شياطين (يو 8)، سوف يقبل كل ما يأتي عليه بمعونة الله الملتصق به. ومهما تألم الكثير لن يجابه الكثير: خل، وقاحة، إكليل شوك، قصبة، رداء قرمزي، صليب، مسامير، لصوص تُصلب معه، سخرية المارين. إذ أن الله ينتصب حقاً أعلى من الجميع في إحتماله للإساءة القصوى.
لا شيء أكثر ثباتاً، لا شيء منيعاً وحصيناً مثل هذه الحياة الفلسفية (الإنجيلية). كل شيء يخضع أمام صمود الفيلسوف الحقيقي. يقول أيوب أن هناك في البرية حمار وحشي حر غير مربوط، "يضحك على جمهور القرية، لا يسمع زجر السائق". وهناك ثور وحشي حر، "أيرضى الثور الوحشي أن يخدمك؟ أيمكنك ربطه عند معلفك، وإخضاعه تحت خشبة النير" (أي 39). حقاً إن نجح الإنسان في تحرير ذاته من جميع أمور هذا العالم، تتكوَّن له أجنحة مثل أجنحة النسر، فيعود إلى منزل سيده، ويطير صاعداً إلى الله (إش 40: 31).
Reference: Fathers of the Church Series, Volume 107, Saint Gregory of Nazianzus, Selected Orations, Catholic University of America Press.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى