- الإكليريكي/ مايكل وليمعضو VIP
[b]انبثاق الروح القدس[/b]
الجمعة فبراير 29, 2008 4:13 pm
انبثاق الروح القدس من الآب والابن
أولاً: الموقف الأرثوذكسي
نواصل عرض قضية انبثاق الروح القدس ونتناولها الآن حسب موقف الكنيسة الأرثوذكسية ونركز كلامنا على نموذجين من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هما الأب متى المسكين والأنبا غريغوريوس.
إن لاهوت الروح القدس مبدأ من المبادئ الإيمانية الأساسية التي استلمها الرسل القديسون من الرب منذ البدء وسلموها إلى الكنيسة عبر التعاليم والإنجيل والأسرار: "عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" فالتساوي هنا بين الأقانيم واضح ومطلق على أساس وحدة الذات والجوهر في الله الواحد.
وقد تحددت عقيدة لاهوت الروح القدس في مجمع القسطنطينية الأول سنة 381م دحضاً لهرطقة المكدونيين الذين كانوا ينكرون لاهوت الروح القدس.
لكن مازال هناك خلاف قائم في التعبير عن علاقة الروح القدس بالآب والابن. فموقف الكنيسة الأرثوذكسية يؤكد صيغة المجامع التي تؤكد انبثاق الروح من الآب بينما اضافت الكنيسة الكاثوليكية عبارة "والابن" أي منبثق من الآب والابن. وهذه العبارة لها تاريخها وأسبابها التي تم عرضها فيما سبق. وقد أعلن ذلك مجمع فلورانس سنة 1442 كعقيدة رسمية داخل الكنيسة الكاثوليكية.
1- الأب متى المسكين
في علاقة الروح القدس بالآب والابن يوضح لنا الأب متى المسكين- في كتابه "الروح القدس الرب المحيي" الجزء الأول والثاني- أن الروح القدس منبثق من الآب فقط مستنداً إلى بعض الآيات في الكتاب المقدس بجانب التقليد الأبائي.
من إنجيل القديس يوحنا (26:15) "ومتى جاء المعزي الذي أرسله أنا إليكم من الآب روح الحق من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي" ويتابع الأب متى المسكين حديثه ويقول إن قول المسيح "أرسله أنا إليكم من الآب" أجبرنا أن نتبع المعنى اللاهوتي في كلمتي (الانبثاق والإرسال) ولو تعمقنا في معنى الانبثاق نجد أنه دوام انبعاث النور من مصدره أو كانبعاث الروح من مصدر الحياة حتى إن كلمة انبعاث في الأصل العبري تحمل تماماً معنى الانبثاق. واعتماداً على قول القديس باسيليوس في إحدى رسائله عن الروح القدس يقول الأب متى المسكين عن الانبثاق "إن الروح القدس الذي من نبعه تستمد كل الخليقة صلاحها هو متصل بالابن ولا يدرك إلا متصلاً به، أما كيانه فيأخذه من الآب الذي ينبثق منه... الابن هو الذي يعلن الروح القدس، والروح القدس ينبثق من الآب في الابن... والروح القدس يُستعلن في الابن وبه" رسالة القديس باسيليوس رقم 38/4).
ويواصل الأب متى، إن قول القديس باسيليوس يُنير عقلنا جداً وخصوصاً في جعل الانبثاق شديد الوضوح أنه من الآب فقط، إذ جعل الانبثاق غائباً أي لع غاية وغايته تنصب في الابن: منبثق من الآب في الابن. إذن لا يمكن أن يكون منبثقاً من الآب والابن وإلا لزم أن يكون منبثقاً منهما في آخر أو إلى آخر، ومن يكون هذا الآخر؟
لا يمكن أن يكون العالم أو الإنسان لن هذا معناه إما أن يكون أو الإنسان قائماً ازلياً كأزلية الانبثاق أو إما أن الانبثاق نفسه- المتعلق بالعالم أو الإنسان (وغير أزلى) هو أيضاً غير أزلي وكلا الوضعين خطأ"
أما إذا قيل إن الروح القدس منبثق من الآب والابن إلى لا شيء فهنا تُصاب كلمة الانبثاق بعجز كلي يفقدها معناها ومبناها. كأن نقول مثلاً إن النور منبثق من المصباح إلى لا شيء فالنور إن لم يكن له ما يستقبله كيف يُدعى نوراً وكيف يقال إنه منبثق؟ كذلك الروح القدس هو روح ونور وحق وحياة وحب منبثق من الآب ومستقرة في الابن أو معلن في الابن ومستعلن أيضاً بالابن. على هذا الأساس استطاع يسوع أن يرسله من عند الآب.
2- الأنبا غريغوريوس
يعتبر الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي، أن الوجود هو العمل الأقنومي الذي يميز الأقنوم الأول الذات، فالولادة والانبثاق مظهران من مظاهر الوجود فهما فعلان من أفعال الأقنوم الأول. لذلك عندما نقول إن أقنوم الذات (الآب) والد نعني أنه منه يصدر النطق (التعقل) وهذا يعني إنه ليس خارجاً عنه، وكذلك عندما نقول الذات (الآب) باثق نعني أيضاً أن منه تنبثق الحياة علماً بأن الحياة في الذات وليس خارجة عنه لأن الله في حقيقة الأمر هو ذات موجودة بذاتها عاقلة حية.
ويوضح الأنبا غريغوريوس أيضاً أن لكل أقنوم خاصيته ولا يتدخل فيها الأقنوم الآخر. فإن خاصية الوجود هي الخاصية الأقنومية التي يتميز بها أقنوم الذات فعمله الأقنومي هو ولادة النطق وبثق الحياة منه، وخاصية الوجود التي ينفرد بها أقنوم النطق والذات غير قابلة للاشتراك مع أي أقنوم آخر لذلك لا يمكن أن يشترك أقنوم النطق في بثق الروح القدس من الآب؛ وبالمثل لا يمكن لأقنوم الحياة الروح القدس الاشتراك في ولادة الابن من الآب لأنه لو كانت خاصية الوجود الذي هو أقنوم الذات يشاركه فيها الابن والروح القدس لما أطلق على هذه الخاصية أقنوم بالمرة لأن من شروط الأقنوم أنه متميز في خاصيته الأقنومية ولا يشترك معه فيها أي أقنوم.
لذلك يقول الأنبا غريغوريوس، رداً على الذين يقولون إن الروح القدس منبثق من الآب والابن، إن هذا الاعتقاد باطل، لأنه إن كان الله جوهراً واحداً له ذات واحدة ناطقة حية وأن الحياة والنطق صادران عن الذات الواحدة. وجب أن يكون النطق مولوداً والحياة منبعثة من الذات الواحدة. فكيف يُقال إن الحياة منبعثة من الذات ومنبعثة من النطق؟ لن هذا القول يجعل في جوهر اللاهوت ذاتية أو بالحري إلهية.
وبناء على هذا يكون أن الذات آب والنطق ابن الذات والحياة ابنة للنطق، فلا يكون الأب أباً فقط لكن يُسمى أباً وجداً أعني للنطق وجداً للحياة أي الروح القدس، وأيضاً في الابن أنه ابن فقط لأنه يصير ابناً للذات وأباً للحياة فيكون على هذا أن الابن مولود ووالد. فالاعتقاد باطل لأنه يجعل في جوهر اللاهوت تركيباً بينما الله ليس مركباً إنما هو بسيط بالمعنى المحض للكلمة.
الخاتمة
اقتصر دورنا فقط على مجرد عرض الموقف الأرثوذكسي ولم نتعرض للمقارنة بينه وبين الموقف الكاثوليكي. ولكن بالتعمق في القضية والمقارنة بينهما سنجد أن للاختلاف أسبابه الثقافية والتاريخية التي إذا ما تتبعناها جيداً لوجدنا أن الخلاف لفظياً وليس جوهرياً.
المراجع:
متى المسكين (الأب)، الروح القدس الرب المحيي، الجزئين الأول والثاني، دير القديس أنبا مقار- وادي النطرون.
غريغوريوس (الأنبا)، الهيبوستاس، القاهرة، 1985.
ثانياً: قضية انبثاق الروح القدس
1- الموقف الكاثوليكي
سنتعرض الآن لمشكلة انبثاق الروح القدس بصفة عامة مع التعمق بصفة خاصة في حل هذه المشكلة انطلاقاً من كتاب سر الله الثالوث الأحد للأب/ فاضل سيداروس وسنتبع الخطوات الآتية:
1- المقدمة وسنلقي فيها الضوء على المشكلة تاريخياً
2- العلاقة بين انبثاق الروح القدس وولادة الابن
3- صيغة مقترحة للتعبير عن انبثاق الروح القدس
4- تعليق شخصي على الموضوع
5- خاتمة
3- عرض المشكلة تاريخياً:
القضية هي الروح القدس ينبثق من الآب والابن أم من الآب وحده؟ هذا من جهة العقيدة أما من الجهة القانونية هل يجوز للكنيسة إضافة شيء ما إلى قانون الإيمان؟
للإجابة على ذلك نقول أن انبثاق الروح القدس من الآب والابن لا سند له بصورة قوية في نصوص العهد الجديد هذا من جهة أما من الجهة الأخرى إن المجمع القسطنطيني الأول 381م نص على أن: الروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب دون الإشارة إلى دور الابن في هذا الانبثاق. في الأجيال الأربعة الأولى من المسيحية لم يتطرق الآباء لموضوع الانبثاق لانشغالهم بإثبات عقيدة الثالوث، وهذا لا ينفي عن البعض التطرق لهذا الموضوع مثلاً يقول القديس أغسطينوس: "إن الروح القدس ينبثق من الآب والابن كمن مبدأ واحد". ونجد تعبير مماثل عند الآباء الشرقيين حيث يؤكدون انبثاق الروح القدس من الآب والابن أو بواسطة الابن ومنهم على سبيل المثال لا الحصر القديس كيرلس السكندري. المشكلة حدثت عندما أضاف الغرب إلى قانون الإيمان لفظ "والابن" ويرجع هذا لأسباب معينة سنتعرض لها في التعليق الشخصي. في سنة 809م أمر الإمبراطور شارلمان بإضافة "الابن ولكن البابا لاون الثالث لم يوافق وقال: "وإن كانت العبارة غير متناقضة مع الإيمان لا تقبل لعدم ورودها في القانون النيقاوي. ولكن في سنة 1014م مع البابا بندكتوس الثامن أدخل الإضافة رسمياً في قانون الإيمان بضغط من الإمبراطور هنري الثامن.
أين المشكلة؟
تكمن المشكلة في خطأ الغرب لنهم قاموا بالإضافة دون الرجوع للشرق وهذا ما حاول الغرب إصلاحه من خلال مجمعي الاتحاد في ليون 1274م، فلورنس 1439م، وفي هذين المجمعين وافق مندوب الكنيسة الأرثوذكسية على موضوع الانبثاق من الآب والابن مع الإشارة "كمن مبدأ واحد". إلا أن هذا الاتفاق رفض من الكنيسة الأرثوذكسية لدى عودة مندوبها إلى القسطنطينية، ولم تفلح المحاولات للوصول إلى صيغة موحدة.
4- العلاقة بين انبثاق الروح القدس وولادة الابن:
يقترح الكاتب اقتراحاً شخصياً يقوم في الجمع بين انبثاق الروح القدس وولادة الابن فلا يقبل دور الابن في انبثاق الروح إلا بقبول دور الروح في ولادة الابن وكل من الدورين يمنحهما الآب ويتعرض الكاتب أولاً لنص (يو15/26) "المؤيد الذي سأرسله إليكم من لدن روح الحق الذي من لدن الآب ينبثق".
ويقول أن هذه الآية تعبر عن انبثاق الروح تعبيراً أيقونومياً "علاقة الثالوث بالابن في حياته الأرضية". إذ لا يؤكد أن الروح ينبثق من الآب كمصدر له بل ينبثق من لدنه أي أن الروح بالغرب من الآب. وهنا بدل مجمع القسطنطينية الأول 381م التعبير الأيقونومي إلى تعبير ثيولوجي "علاقة الثالوث الداخلية" حيث أقرّ أن الآب مصدر ومنبع داخل الروح وبالتالي تحول التركيز من إرسال الروح إلى أصل الروح ويعود هذا التحول إلى أن المشكلة كانت في إنكار الوصية الروح القدس، فأكدوا على إثبات الألوهية هذه ضد الآريوسية الحديثة.
ثم يتعرض الكاتب ثانياً لآية أخرى (رؤ 22/1) على أن الروح "ينبثق من عرش الله والحمل".
وهنا يرى أن حرف CK أي من "الأصل" فيقول أن الروح ينبثق من الله "الآب" والحمل "الابن" وهنا الكلام على المستوى الثيولوجي لأنه غير مرتبط بالحياة الأرضية بل بالحياة الأبدية الجديدة بعد الحياة الأقنومية. وهنا يظهر انبثاق الروح من الآب والابن ثيولوجياً ويرى الكاتب في نص (يو15/26) عندما صرح بأن الروح ينبثق من لدن الآب لا يقول الآب وحده.
ويتعرّض الكاتب ثالثاً للتعبير الغربي والشرقي عن الانبثاق فيرى أن التعبير الغربي "انبثاق الروح من الآب والابن" لا يميز بين علاقة المنح "العطاء" والقول بين الآب والابن وهي علاقة جوهرية بينهما، وبناء عليه يجب إدخال عنصر جديد على التعبير الغربي يُظهر الفرق بين الآب الذي يُشرك ابنه في أن ينبثق معه الروح.
أما نظرة الشرق فهو يركز في تعبيره على مبدأ وحدانية الأصل التي تميز بها الآب وحده خلافاً للغرب الذي ركّز على أن الطبيعة الإلهية هي الأصل لا الآب حيث يتحد الآب والابن في طبيعة واحدة ليكونا مبدأ البثق الواحد. وقد أقر الشرق بدور الابن في انبثاق الروح ولكن ليس كعلة بل من خلال الابن.
ويوافق الكاتب على التعبير الغربي في أن الآب والابن ينبثق منهما الروح، ولكنه يتحفظ على صيغة "الآب والابن" لأنها لا تُظهر أن الآب أشرك الابن في بثق الروح، ونقلل من دور الروح فهو لا يشترك في أصل الآب ولا في أصل الابن، وهنا أصبح دور الروح القدس عقيماً. يقرب الكاتب من الصيغة الشرقية حيث وحدانية الأصل، فالآب هو الأصل للروح ويعطي ابنه أن يشاركه في هذا الأصل لأن كل شيء مشترك في الثالوث. يرى الكاتب أن للروح دوراً في ولادة الابن، فالروح قد اشترك في تجسّد الكلمة "الابن" وقاده في حياته الأرضية وأقامه من بين الأموات وهذا الاشتراك أعطاه الآب أن يشاركه في ولادة الابن ويتساءل أفلا يمكن أن يكون مشاركة الروح في الأقنومية دليلاً على اشتراكه في الثيولوجيا؟ أي اشتراك الروح مع الابن في ولادة الابن؟ وهذا الاشتراك يمنحه الآب له كما منح الابن أن ينبثق الروح معه. فالآب هو الأصل والروح في الأصل أي أن الآب يلد الابن والابن يولد في الروح. وبهذا المعنى يمكن القول بأن الروح القدس هو روح الآب في أبوته كما أنه روح الابن في بنوّته.
5- صيغة مقترحة:
يقول الكاتب: إن مسألة اشتراك الروح مع الآب في ولادة الابن نظرة غير مألوفة في الغرب والشرق معاً، قد عرّض هذه النظرية اللاهوتي الروسي الأرثوذكسي بول ايفدوكيموف، حيث وجد فيها معادلة بين النظرة الغربية والشرقية. يقترح إضافة "ولادة الابن من الآب والروح" إلى انبثاق الروح من الآب والابن. ويرى الأب فاضل سيداروس الأخذ بهذه النظرية مع التصحيح، حيث ليس من الدقة أن نقول: أن الابن مولود من الآب بالروح كما يقول ايفدوكيموف، بل يجب إعادة الصياغة بحيث تسمح بإظهار الفرق بين الآب والروح في ولادة الابن، ألا وهي أن يشترك الروح في ولادة الابن مع الآب كما يشترك الابن في انبثاق الروح معه ويقترح الآتي:
كما الابن مولود من الآب والروح وفي الروح كذلك الروح ينبثق من الآب بالابن وفي الابن وكل من حرفي الباء والفاء كتابي. ثم يضيف الكاتب أن هذه الصيغة المقترحة قريبة من الكتاب المقدس أكثر من صيغة الانبثاق من الآب والابن ومن صيغة ايفديكيموف الابن المولود من الآب والروح يجد في هذه الصيغة المقترحة احترام للعلاقة الثالوثية حيث تظهر علاقة كل أقنوم بالأقنومين الآخرين.
6- تعليق شخصي:
ونستعرض فيه لأسباب الاختلاف:
أ- الأسباب الفلسفية
نرى أن التعبير الغربي يطابق العقلية والتصور الفلسفي الغربي فهو يبدأ من الطبيعة الإلهية ليصل إلى التمايز بين الأقانيم فيرى ما هو مشترك بين الآب والابن. لكن يبدأ التعبير الشرقي من تمايز الأقانيم ليصل إلى وحدة الطبيعة الإلهية إذن نقطة الانطلاق تكمن فيها الاختلاف الفلسفي.
ب- الأسباب التاريخية
نرى أن الشرق يدافع عن ألوهية الروح القدس. ولإبراز هذه الحقيقة يرجعون أصل الروح القدس للآب بينما يواجه الغرب الأريوسية في أسبانيا ولذا يريد إبراز حقيقة مساواة الابن بالآب في كل شيء وخاصة في عمل انبثاق الروح القدس.
ج- التعبيرات اللغوية
هناك اختلاف بين اللفظ اليوناني واللاتيني للانبثاق. باللاتيني PROCEDERE ويعني الصدور من أي نوع كان. بينما اليوناني يعني الصدور من المبدأ الأصل ولذا لم يكن ينطبق إلا على الآب من حيث أنه المصدر الأول للروح القدس. وأيضاً كلمة apxm اليونانية لا تنطبق إلا على العلة الأولى الذي لا يبدأ آخر منه هذا لا ينطبق إلا على الآب بينما كلمة Proncipium اللاتينية تعني أي نوع من العلية وعليه أمكن القول أن الابن هو مبدأ من مبدأ ولو أردنا مترجمة التعبير اللاتيني باللغة اليونانية لقلنا أن الروح القدس ينبثق من الآب بواسطة الابن وهنا يظهر بوضوح دور الابن في انبثاق الروح وإنما يخشى وضع الآب والابن كمبدئين متساويين للانبثاق ولذلك وجب إضافة "كمن مبدأ واحد". فالانباثق من الآب أساسياً ومن الابن بالاشتراك وهذا ما نص عليه مجمع فلورنس وهكذا نرى أن في التعبيرين تكامل بين حيث أوضح مجمع فلورنس 1439 بقوله: "منبثق من الآب والابن يرادف تعبير "منبثق من الآب بواسطة الابن". وهذا ما توصل إليه اللاهوتيون الروس الأرثوذكس في مباحثاتهم مع اللاهوتيين الأنجليكان سنة 1912 ومن خلال هذا نجد أن هناك فرق في التعبير لا يمنع ولا يحول دون اعتبار التعليم واحد.
7- خاتمة:
وسأعود إلى المقدمة من حيث السؤال من الجهة القانونية هل يجوز للكنيسة الكاثوليكية إضافة شيء ما إلى قانون الإيمان؟ والإجابة بنعم بالرغم من أن مجمع أفسس حرم إضافة تعليم آخر للمجمع النيقاوي ولكن بالرغم من ذلك أضاف مجمع القسطنطينية الأول توضيحات وليس تعليماً مضاداً وهذا ما قصد من الحرم المذكور في مجمع أفسس حيث تضاف توضيحات تفرضها الظروف وهذا ما نجده قد حدث في أسبانيا لإبراز دور الابن ومساواته للآب ضد الآريوسية وهذا الأمر يجعلنا نبين وجوب المناقشات اللاهوتية وخصوصاً مع الانفتاح المسكوني في الحوار حول مختلف العقائد لأن المشكلة تكمن في التعبير ولابد لكل كنيسة أن توضح ما المقصود بتعبيرها الخاص للوصول إلى صيغة مشتركة وهذا الحوار له شروط:
(1) البعد عن الإطار السامي الهادف إلى اضمام الآخر.
(2) وجوب معرفة وجهة النظر الأخرى من ممثليها.
(3) الاعتراف بتقصير عباراتنا البشرية عن الإحاطة بسر الله.
(4) الاعتراف بأن هناك مجال لتعابير مختلفة لا تتناقض بل تتكامل في إعطاء فكرة أشمل وأعم.
(5) النظر إلى التمسك بالإيمان المشترك في الحقيقة الإيمانية وهي حقيقة الثالوث قبل رؤية الخلافات الفرعية دون أن يعني ذلك التناول عن الحق في سبيل الوحدة وهنا لابد من الاعتراف بالوحدة مع التمايز.
أولاً: الموقف الأرثوذكسي
نواصل عرض قضية انبثاق الروح القدس ونتناولها الآن حسب موقف الكنيسة الأرثوذكسية ونركز كلامنا على نموذجين من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هما الأب متى المسكين والأنبا غريغوريوس.
إن لاهوت الروح القدس مبدأ من المبادئ الإيمانية الأساسية التي استلمها الرسل القديسون من الرب منذ البدء وسلموها إلى الكنيسة عبر التعاليم والإنجيل والأسرار: "عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" فالتساوي هنا بين الأقانيم واضح ومطلق على أساس وحدة الذات والجوهر في الله الواحد.
وقد تحددت عقيدة لاهوت الروح القدس في مجمع القسطنطينية الأول سنة 381م دحضاً لهرطقة المكدونيين الذين كانوا ينكرون لاهوت الروح القدس.
لكن مازال هناك خلاف قائم في التعبير عن علاقة الروح القدس بالآب والابن. فموقف الكنيسة الأرثوذكسية يؤكد صيغة المجامع التي تؤكد انبثاق الروح من الآب بينما اضافت الكنيسة الكاثوليكية عبارة "والابن" أي منبثق من الآب والابن. وهذه العبارة لها تاريخها وأسبابها التي تم عرضها فيما سبق. وقد أعلن ذلك مجمع فلورانس سنة 1442 كعقيدة رسمية داخل الكنيسة الكاثوليكية.
1- الأب متى المسكين
في علاقة الروح القدس بالآب والابن يوضح لنا الأب متى المسكين- في كتابه "الروح القدس الرب المحيي" الجزء الأول والثاني- أن الروح القدس منبثق من الآب فقط مستنداً إلى بعض الآيات في الكتاب المقدس بجانب التقليد الأبائي.
من إنجيل القديس يوحنا (26:15) "ومتى جاء المعزي الذي أرسله أنا إليكم من الآب روح الحق من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي" ويتابع الأب متى المسكين حديثه ويقول إن قول المسيح "أرسله أنا إليكم من الآب" أجبرنا أن نتبع المعنى اللاهوتي في كلمتي (الانبثاق والإرسال) ولو تعمقنا في معنى الانبثاق نجد أنه دوام انبعاث النور من مصدره أو كانبعاث الروح من مصدر الحياة حتى إن كلمة انبعاث في الأصل العبري تحمل تماماً معنى الانبثاق. واعتماداً على قول القديس باسيليوس في إحدى رسائله عن الروح القدس يقول الأب متى المسكين عن الانبثاق "إن الروح القدس الذي من نبعه تستمد كل الخليقة صلاحها هو متصل بالابن ولا يدرك إلا متصلاً به، أما كيانه فيأخذه من الآب الذي ينبثق منه... الابن هو الذي يعلن الروح القدس، والروح القدس ينبثق من الآب في الابن... والروح القدس يُستعلن في الابن وبه" رسالة القديس باسيليوس رقم 38/4).
ويواصل الأب متى، إن قول القديس باسيليوس يُنير عقلنا جداً وخصوصاً في جعل الانبثاق شديد الوضوح أنه من الآب فقط، إذ جعل الانبثاق غائباً أي لع غاية وغايته تنصب في الابن: منبثق من الآب في الابن. إذن لا يمكن أن يكون منبثقاً من الآب والابن وإلا لزم أن يكون منبثقاً منهما في آخر أو إلى آخر، ومن يكون هذا الآخر؟
لا يمكن أن يكون العالم أو الإنسان لن هذا معناه إما أن يكون أو الإنسان قائماً ازلياً كأزلية الانبثاق أو إما أن الانبثاق نفسه- المتعلق بالعالم أو الإنسان (وغير أزلى) هو أيضاً غير أزلي وكلا الوضعين خطأ"
أما إذا قيل إن الروح القدس منبثق من الآب والابن إلى لا شيء فهنا تُصاب كلمة الانبثاق بعجز كلي يفقدها معناها ومبناها. كأن نقول مثلاً إن النور منبثق من المصباح إلى لا شيء فالنور إن لم يكن له ما يستقبله كيف يُدعى نوراً وكيف يقال إنه منبثق؟ كذلك الروح القدس هو روح ونور وحق وحياة وحب منبثق من الآب ومستقرة في الابن أو معلن في الابن ومستعلن أيضاً بالابن. على هذا الأساس استطاع يسوع أن يرسله من عند الآب.
2- الأنبا غريغوريوس
يعتبر الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي، أن الوجود هو العمل الأقنومي الذي يميز الأقنوم الأول الذات، فالولادة والانبثاق مظهران من مظاهر الوجود فهما فعلان من أفعال الأقنوم الأول. لذلك عندما نقول إن أقنوم الذات (الآب) والد نعني أنه منه يصدر النطق (التعقل) وهذا يعني إنه ليس خارجاً عنه، وكذلك عندما نقول الذات (الآب) باثق نعني أيضاً أن منه تنبثق الحياة علماً بأن الحياة في الذات وليس خارجة عنه لأن الله في حقيقة الأمر هو ذات موجودة بذاتها عاقلة حية.
ويوضح الأنبا غريغوريوس أيضاً أن لكل أقنوم خاصيته ولا يتدخل فيها الأقنوم الآخر. فإن خاصية الوجود هي الخاصية الأقنومية التي يتميز بها أقنوم الذات فعمله الأقنومي هو ولادة النطق وبثق الحياة منه، وخاصية الوجود التي ينفرد بها أقنوم النطق والذات غير قابلة للاشتراك مع أي أقنوم آخر لذلك لا يمكن أن يشترك أقنوم النطق في بثق الروح القدس من الآب؛ وبالمثل لا يمكن لأقنوم الحياة الروح القدس الاشتراك في ولادة الابن من الآب لأنه لو كانت خاصية الوجود الذي هو أقنوم الذات يشاركه فيها الابن والروح القدس لما أطلق على هذه الخاصية أقنوم بالمرة لأن من شروط الأقنوم أنه متميز في خاصيته الأقنومية ولا يشترك معه فيها أي أقنوم.
لذلك يقول الأنبا غريغوريوس، رداً على الذين يقولون إن الروح القدس منبثق من الآب والابن، إن هذا الاعتقاد باطل، لأنه إن كان الله جوهراً واحداً له ذات واحدة ناطقة حية وأن الحياة والنطق صادران عن الذات الواحدة. وجب أن يكون النطق مولوداً والحياة منبعثة من الذات الواحدة. فكيف يُقال إن الحياة منبعثة من الذات ومنبعثة من النطق؟ لن هذا القول يجعل في جوهر اللاهوت ذاتية أو بالحري إلهية.
وبناء على هذا يكون أن الذات آب والنطق ابن الذات والحياة ابنة للنطق، فلا يكون الأب أباً فقط لكن يُسمى أباً وجداً أعني للنطق وجداً للحياة أي الروح القدس، وأيضاً في الابن أنه ابن فقط لأنه يصير ابناً للذات وأباً للحياة فيكون على هذا أن الابن مولود ووالد. فالاعتقاد باطل لأنه يجعل في جوهر اللاهوت تركيباً بينما الله ليس مركباً إنما هو بسيط بالمعنى المحض للكلمة.
الخاتمة
اقتصر دورنا فقط على مجرد عرض الموقف الأرثوذكسي ولم نتعرض للمقارنة بينه وبين الموقف الكاثوليكي. ولكن بالتعمق في القضية والمقارنة بينهما سنجد أن للاختلاف أسبابه الثقافية والتاريخية التي إذا ما تتبعناها جيداً لوجدنا أن الخلاف لفظياً وليس جوهرياً.
المراجع:
متى المسكين (الأب)، الروح القدس الرب المحيي، الجزئين الأول والثاني، دير القديس أنبا مقار- وادي النطرون.
غريغوريوس (الأنبا)، الهيبوستاس، القاهرة، 1985.
ثانياً: قضية انبثاق الروح القدس
1- الموقف الكاثوليكي
سنتعرض الآن لمشكلة انبثاق الروح القدس بصفة عامة مع التعمق بصفة خاصة في حل هذه المشكلة انطلاقاً من كتاب سر الله الثالوث الأحد للأب/ فاضل سيداروس وسنتبع الخطوات الآتية:
1- المقدمة وسنلقي فيها الضوء على المشكلة تاريخياً
2- العلاقة بين انبثاق الروح القدس وولادة الابن
3- صيغة مقترحة للتعبير عن انبثاق الروح القدس
4- تعليق شخصي على الموضوع
5- خاتمة
3- عرض المشكلة تاريخياً:
القضية هي الروح القدس ينبثق من الآب والابن أم من الآب وحده؟ هذا من جهة العقيدة أما من الجهة القانونية هل يجوز للكنيسة إضافة شيء ما إلى قانون الإيمان؟
للإجابة على ذلك نقول أن انبثاق الروح القدس من الآب والابن لا سند له بصورة قوية في نصوص العهد الجديد هذا من جهة أما من الجهة الأخرى إن المجمع القسطنطيني الأول 381م نص على أن: الروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب دون الإشارة إلى دور الابن في هذا الانبثاق. في الأجيال الأربعة الأولى من المسيحية لم يتطرق الآباء لموضوع الانبثاق لانشغالهم بإثبات عقيدة الثالوث، وهذا لا ينفي عن البعض التطرق لهذا الموضوع مثلاً يقول القديس أغسطينوس: "إن الروح القدس ينبثق من الآب والابن كمن مبدأ واحد". ونجد تعبير مماثل عند الآباء الشرقيين حيث يؤكدون انبثاق الروح القدس من الآب والابن أو بواسطة الابن ومنهم على سبيل المثال لا الحصر القديس كيرلس السكندري. المشكلة حدثت عندما أضاف الغرب إلى قانون الإيمان لفظ "والابن" ويرجع هذا لأسباب معينة سنتعرض لها في التعليق الشخصي. في سنة 809م أمر الإمبراطور شارلمان بإضافة "الابن ولكن البابا لاون الثالث لم يوافق وقال: "وإن كانت العبارة غير متناقضة مع الإيمان لا تقبل لعدم ورودها في القانون النيقاوي. ولكن في سنة 1014م مع البابا بندكتوس الثامن أدخل الإضافة رسمياً في قانون الإيمان بضغط من الإمبراطور هنري الثامن.
أين المشكلة؟
تكمن المشكلة في خطأ الغرب لنهم قاموا بالإضافة دون الرجوع للشرق وهذا ما حاول الغرب إصلاحه من خلال مجمعي الاتحاد في ليون 1274م، فلورنس 1439م، وفي هذين المجمعين وافق مندوب الكنيسة الأرثوذكسية على موضوع الانبثاق من الآب والابن مع الإشارة "كمن مبدأ واحد". إلا أن هذا الاتفاق رفض من الكنيسة الأرثوذكسية لدى عودة مندوبها إلى القسطنطينية، ولم تفلح المحاولات للوصول إلى صيغة موحدة.
4- العلاقة بين انبثاق الروح القدس وولادة الابن:
يقترح الكاتب اقتراحاً شخصياً يقوم في الجمع بين انبثاق الروح القدس وولادة الابن فلا يقبل دور الابن في انبثاق الروح إلا بقبول دور الروح في ولادة الابن وكل من الدورين يمنحهما الآب ويتعرض الكاتب أولاً لنص (يو15/26) "المؤيد الذي سأرسله إليكم من لدن روح الحق الذي من لدن الآب ينبثق".
ويقول أن هذه الآية تعبر عن انبثاق الروح تعبيراً أيقونومياً "علاقة الثالوث بالابن في حياته الأرضية". إذ لا يؤكد أن الروح ينبثق من الآب كمصدر له بل ينبثق من لدنه أي أن الروح بالغرب من الآب. وهنا بدل مجمع القسطنطينية الأول 381م التعبير الأيقونومي إلى تعبير ثيولوجي "علاقة الثالوث الداخلية" حيث أقرّ أن الآب مصدر ومنبع داخل الروح وبالتالي تحول التركيز من إرسال الروح إلى أصل الروح ويعود هذا التحول إلى أن المشكلة كانت في إنكار الوصية الروح القدس، فأكدوا على إثبات الألوهية هذه ضد الآريوسية الحديثة.
ثم يتعرض الكاتب ثانياً لآية أخرى (رؤ 22/1) على أن الروح "ينبثق من عرش الله والحمل".
وهنا يرى أن حرف CK أي من "الأصل" فيقول أن الروح ينبثق من الله "الآب" والحمل "الابن" وهنا الكلام على المستوى الثيولوجي لأنه غير مرتبط بالحياة الأرضية بل بالحياة الأبدية الجديدة بعد الحياة الأقنومية. وهنا يظهر انبثاق الروح من الآب والابن ثيولوجياً ويرى الكاتب في نص (يو15/26) عندما صرح بأن الروح ينبثق من لدن الآب لا يقول الآب وحده.
ويتعرّض الكاتب ثالثاً للتعبير الغربي والشرقي عن الانبثاق فيرى أن التعبير الغربي "انبثاق الروح من الآب والابن" لا يميز بين علاقة المنح "العطاء" والقول بين الآب والابن وهي علاقة جوهرية بينهما، وبناء عليه يجب إدخال عنصر جديد على التعبير الغربي يُظهر الفرق بين الآب الذي يُشرك ابنه في أن ينبثق معه الروح.
أما نظرة الشرق فهو يركز في تعبيره على مبدأ وحدانية الأصل التي تميز بها الآب وحده خلافاً للغرب الذي ركّز على أن الطبيعة الإلهية هي الأصل لا الآب حيث يتحد الآب والابن في طبيعة واحدة ليكونا مبدأ البثق الواحد. وقد أقر الشرق بدور الابن في انبثاق الروح ولكن ليس كعلة بل من خلال الابن.
ويوافق الكاتب على التعبير الغربي في أن الآب والابن ينبثق منهما الروح، ولكنه يتحفظ على صيغة "الآب والابن" لأنها لا تُظهر أن الآب أشرك الابن في بثق الروح، ونقلل من دور الروح فهو لا يشترك في أصل الآب ولا في أصل الابن، وهنا أصبح دور الروح القدس عقيماً. يقرب الكاتب من الصيغة الشرقية حيث وحدانية الأصل، فالآب هو الأصل للروح ويعطي ابنه أن يشاركه في هذا الأصل لأن كل شيء مشترك في الثالوث. يرى الكاتب أن للروح دوراً في ولادة الابن، فالروح قد اشترك في تجسّد الكلمة "الابن" وقاده في حياته الأرضية وأقامه من بين الأموات وهذا الاشتراك أعطاه الآب أن يشاركه في ولادة الابن ويتساءل أفلا يمكن أن يكون مشاركة الروح في الأقنومية دليلاً على اشتراكه في الثيولوجيا؟ أي اشتراك الروح مع الابن في ولادة الابن؟ وهذا الاشتراك يمنحه الآب له كما منح الابن أن ينبثق الروح معه. فالآب هو الأصل والروح في الأصل أي أن الآب يلد الابن والابن يولد في الروح. وبهذا المعنى يمكن القول بأن الروح القدس هو روح الآب في أبوته كما أنه روح الابن في بنوّته.
5- صيغة مقترحة:
يقول الكاتب: إن مسألة اشتراك الروح مع الآب في ولادة الابن نظرة غير مألوفة في الغرب والشرق معاً، قد عرّض هذه النظرية اللاهوتي الروسي الأرثوذكسي بول ايفدوكيموف، حيث وجد فيها معادلة بين النظرة الغربية والشرقية. يقترح إضافة "ولادة الابن من الآب والروح" إلى انبثاق الروح من الآب والابن. ويرى الأب فاضل سيداروس الأخذ بهذه النظرية مع التصحيح، حيث ليس من الدقة أن نقول: أن الابن مولود من الآب بالروح كما يقول ايفدوكيموف، بل يجب إعادة الصياغة بحيث تسمح بإظهار الفرق بين الآب والروح في ولادة الابن، ألا وهي أن يشترك الروح في ولادة الابن مع الآب كما يشترك الابن في انبثاق الروح معه ويقترح الآتي:
كما الابن مولود من الآب والروح وفي الروح كذلك الروح ينبثق من الآب بالابن وفي الابن وكل من حرفي الباء والفاء كتابي. ثم يضيف الكاتب أن هذه الصيغة المقترحة قريبة من الكتاب المقدس أكثر من صيغة الانبثاق من الآب والابن ومن صيغة ايفديكيموف الابن المولود من الآب والروح يجد في هذه الصيغة المقترحة احترام للعلاقة الثالوثية حيث تظهر علاقة كل أقنوم بالأقنومين الآخرين.
6- تعليق شخصي:
ونستعرض فيه لأسباب الاختلاف:
أ- الأسباب الفلسفية
نرى أن التعبير الغربي يطابق العقلية والتصور الفلسفي الغربي فهو يبدأ من الطبيعة الإلهية ليصل إلى التمايز بين الأقانيم فيرى ما هو مشترك بين الآب والابن. لكن يبدأ التعبير الشرقي من تمايز الأقانيم ليصل إلى وحدة الطبيعة الإلهية إذن نقطة الانطلاق تكمن فيها الاختلاف الفلسفي.
ب- الأسباب التاريخية
نرى أن الشرق يدافع عن ألوهية الروح القدس. ولإبراز هذه الحقيقة يرجعون أصل الروح القدس للآب بينما يواجه الغرب الأريوسية في أسبانيا ولذا يريد إبراز حقيقة مساواة الابن بالآب في كل شيء وخاصة في عمل انبثاق الروح القدس.
ج- التعبيرات اللغوية
هناك اختلاف بين اللفظ اليوناني واللاتيني للانبثاق. باللاتيني PROCEDERE ويعني الصدور من أي نوع كان. بينما اليوناني يعني الصدور من المبدأ الأصل ولذا لم يكن ينطبق إلا على الآب من حيث أنه المصدر الأول للروح القدس. وأيضاً كلمة apxm اليونانية لا تنطبق إلا على العلة الأولى الذي لا يبدأ آخر منه هذا لا ينطبق إلا على الآب بينما كلمة Proncipium اللاتينية تعني أي نوع من العلية وعليه أمكن القول أن الابن هو مبدأ من مبدأ ولو أردنا مترجمة التعبير اللاتيني باللغة اليونانية لقلنا أن الروح القدس ينبثق من الآب بواسطة الابن وهنا يظهر بوضوح دور الابن في انبثاق الروح وإنما يخشى وضع الآب والابن كمبدئين متساويين للانبثاق ولذلك وجب إضافة "كمن مبدأ واحد". فالانباثق من الآب أساسياً ومن الابن بالاشتراك وهذا ما نص عليه مجمع فلورنس وهكذا نرى أن في التعبيرين تكامل بين حيث أوضح مجمع فلورنس 1439 بقوله: "منبثق من الآب والابن يرادف تعبير "منبثق من الآب بواسطة الابن". وهذا ما توصل إليه اللاهوتيون الروس الأرثوذكس في مباحثاتهم مع اللاهوتيين الأنجليكان سنة 1912 ومن خلال هذا نجد أن هناك فرق في التعبير لا يمنع ولا يحول دون اعتبار التعليم واحد.
7- خاتمة:
وسأعود إلى المقدمة من حيث السؤال من الجهة القانونية هل يجوز للكنيسة الكاثوليكية إضافة شيء ما إلى قانون الإيمان؟ والإجابة بنعم بالرغم من أن مجمع أفسس حرم إضافة تعليم آخر للمجمع النيقاوي ولكن بالرغم من ذلك أضاف مجمع القسطنطينية الأول توضيحات وليس تعليماً مضاداً وهذا ما قصد من الحرم المذكور في مجمع أفسس حيث تضاف توضيحات تفرضها الظروف وهذا ما نجده قد حدث في أسبانيا لإبراز دور الابن ومساواته للآب ضد الآريوسية وهذا الأمر يجعلنا نبين وجوب المناقشات اللاهوتية وخصوصاً مع الانفتاح المسكوني في الحوار حول مختلف العقائد لأن المشكلة تكمن في التعبير ولابد لكل كنيسة أن توضح ما المقصود بتعبيرها الخاص للوصول إلى صيغة مشتركة وهذا الحوار له شروط:
(1) البعد عن الإطار السامي الهادف إلى اضمام الآخر.
(2) وجوب معرفة وجهة النظر الأخرى من ممثليها.
(3) الاعتراف بتقصير عباراتنا البشرية عن الإحاطة بسر الله.
(4) الاعتراف بأن هناك مجال لتعابير مختلفة لا تتناقض بل تتكامل في إعطاء فكرة أشمل وأعم.
(5) النظر إلى التمسك بالإيمان المشترك في الحقيقة الإيمانية وهي حقيقة الثالوث قبل رؤية الخلافات الفرعية دون أن يعني ذلك التناول عن الحق في سبيل الوحدة وهنا لابد من الاعتراف بالوحدة مع التمايز.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى