- الإكليريكي/ مايكل وليمعضو VIP
يغسل بعضكم ارجل بعض
الثلاثاء سبتمبر 18, 2007 11:14 pm
يغسل بعضكم أرجُل بعض
(يو 13 : 1 - 20 / غلا 5 : 13-15)
"يغسل بعضكم أرجل بعض". هذا ما قاله وعلَّمه المسيح لتلاميذه. وعناصر الزمان والمكان والكلام تشكِّل نسيج هذا الحدث الهام في خدمة المسيح ورسالته.
1) الزمان : وقت ممارسة فريضة العشاء الرباني مساء يوم الخميس المُسمَّى خميس الأسرار أو خميس العهد.
2) المكان: في العلية حيث اجتمع المسيح بتلاميذه وخاطبهم بخطاب الوداع.
3) الكلام: فهو ما قاله تعقيباً على حواره مع بطرس بعد أن غسل له رجليه "فإن كنتُ وأنا السيد والمعلِّم قد غسلتُ أرجلكم، فأنتم يجب أن يغسل بعضكم أرجُل بعض" .
4) يوحنا ص 13: بهذا الأصحاح يستهلّ الرسول يوحنا القسم الثاني الرئيسي من إنجيله (13-17). ففي القسم الأول (1-12) نرى المسيح يُظهر ذاته للعالم. وفي القسم الثاني نراه يُظهر ذاته لتلاميذه.
أحداث القسم الأول تمَّت في أكثر من 33 سنة أما القسم الثاني فهو أحداث يوم واحد. وفي الأصحاحات (1-5) نرى التقاء جلال لاهوت المسيح مع عظمة اتضاع ناسوته. وكلماته هنا تجمع بين بساطة الكلام وعُمق المعاني. وقد حان وقت افتراقه بالجسد عن تلاميذه الأحباء، ودنت ساعة ارتقائه إلى جبل الجلجثة، فتح يسوع قلبه لهم وكشف لهم عن لآلئ وجواهر ومكنونات قلبه. وأراد أن يصحِّح مفاهيمهم الخاطئة، وينقيهم منها بطريقة عملية ثم بتعليق كلامي. فغسل أرجلهم، ثم سألهم إذا كانوا قد فهموا القصد ممَّا عمله معهم، مؤكِّداً لهم على المعنى الذي قصده.
يسوع يغسل أرجل تلاميذه : الأعداد الأولى من هذا الأصحاح تبيِّن لنا الحالة النفسية التي كان عليها يسوع وقت أن قام بهذا العمل:
1) كان يعلم أن كل شيء قد دُفع إليه من أبيه السماوي، وأنه صاحب السلطان المطلق على كل الأشياء. ورغم علمه بأن آلام العار والصليب والموت تنتظره، إلا أنه كان يرى الأمجاد التي تنتظره وراءها .
2) كان يحب خاصته الذين في العالم إلى المُنتهى، وكانت هذه المحبة هي المحرِّض الأساسي له على إتيان العمل الجليل الذي قام به.
3) كان يعلم أنه من عند الآب خرج، وإليه يعود. وكان يمكن لهذا الشعور أن يجعله يستعلي على أبناء التراب. لكن يبدو لنا أنه كلَّما اقترب إلى الله أكثر، كلَّما زاد إغراقاً في محبة البشر.
4) كان يعلم أن واحداً منتهم سيخونه ويسلِّمه للأعداء. كانت هذه المعرفة كفيلة بأن تحوِّل مشاعر الحبّ إلى حقد ومرارة، أو على الأقل تحوِّله إلى العُزلة والحُزن. لكنه كلَّما زاد الناس في بُغضهم له، كلَّما زاد هو محبةً لهم. فقابل أعظم إساءة في التاريخ، وأعظم خيانة تعرَّض لها إنسان، قابلها بروح المحبة الفائقة والاتضاع. فعندما نتأمَّل في الحالة التي كان عليها يسوع عندما غسل أرجل تلاميذه، يتملَّكنا العجب أمام شخصه الفريد ومحبته الفائقة الوصف. ويزداد العجب عندما نعرف ما صرَّح به لوقا، إذا عرَّفنا بالموقف التاريخي الذي أحاط بالتلاميذ وقتها ( لوقا 24:22-27) " كانت بينهم مُشاجرة، مَن منهم يظنّ أنه يكون أكبر". فكانت هذه بمثابة فرصة خارجية هيأت له القيام بهذا العمل. إنه وهو مشبَّع بالحالة النفسية التي رأيناها، وقد وجد في مُشاجرة التلاميذ فُرصة سانحة لينزع من قلوبهم بقايا خمير الطمع والكبرياء والحسد. وقبل أن يأكلوا فِصحهم الجديد. قام عن العشاء واتزر بمنشفة وبدأ يغسل أرجلهم. كانوا في مسيس الحاجة لمن يقوم لهم بغسل أرجلهم من غبار الطريق من بين عنيا إلى أورشليم. ويبدو أن كلاً منهم امتنع عن القيام بهذه الخدمة الوضيعة، فكان هو أسبقهم إليها. ولعل كل واحد نظر إلى أخيه في استعلاء، خاصة بعد المشادَّة التي جرت بينهم من قبل. لقد كانت هناك المنشفة والمغسل والماء للاغتسال، لكن لم يكن هناك العبد الخادم الذي يقوم بالمهمة. فقام يسوع بنفسه بها. ولابد أنهم اندهشوا وهم يرونه يستعد لهذا العمل. وخجلوا جميعاً وهم ينظرون إليه وهو يغسل أرجلهم. ولم يجسُر أحد على الاعتراض عليه إلا بطرس عندما جاء دوره. ومع أن يسوع كان بإمكانه أن يكلِّف أحداً منهم بمساعدته في هذا العمل، إلا أنه رضي أن يقوم به وحده بكل أركانه. عند البشر العبيد هم الذين يغسلون أرجل سادتهم، لكن عند الله الأمر بالعكس.
الغَسْل الإلزامي: كانت العادة أن أي شخص يُدعى لحضور احتفال أو وليمة عليه أن يغتسل جيداً قبل أن يذهب. وعندما يصل إلى بيت المُضيف يكون بحاجة فقط إلى غسل رجليه من تراب الطريق. وهذا الاغتسال هو اغتسال الدخول , وهذا ما قصده المسيح من كلامه مع بطرس. وإذا أردنا معرفة المعنى أكثر وضوحاً، فلنلاحظ أن كلمة ( غسيل ) يعبَّر عنها في اليونانية بثلاث كلمات.
1- كلمة تعني غسل جزء من الجسد كاليدين أو الرجلين فقط.
2- كلمة تعني غسل الجسد كله ، أي الاستحمام.
3- كلمة تفيد غسل الملابس والأشياء وليس الأشخاص.
أما بطرس فقد بدأ مُستفهماً مُتعجِّباً (7،6)، ثم مُحتجَّاً مُمانعاً (8)، ثم مُندفعاً مُتطرِّفاً (10،9). لكن في كل مرة كان يسوع يعالج بطرس بلُطف ومحبة. وكعادته استخدم يسوع في تعليمه الأمور الجسدية ليُشير بها إلى الأمور الروحية، وأشار إلى القريب ليوجِّه الأنظار إلى البعيد. لذلك أشار بالغسل المذكور إلى التطهير الروحي.
إنَّ مَن اغتسل في الحمَّام العام، عندما يدخل إلى البيت، لا يحتاج إلا إلى غسل رجليه من غبار الطريق. وبطرس وسائر الرسل قد تطهَّروا بقوة وتعاليم المسيح بحسب قوله "أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلَّمتكم به" (يو3:15). فالذي اغتسل كلُّه، أي تحرَّر من سلطان الخطية ونال الغفران، لا يحتاج إلا إلى غفران خطاياه التي ارتكبها بعد تجديده، أي غسل جُزئي وليس كُلي. فالغسل الأول يحدث دفعة واحدة، أما الثاني فإنه يكون مُتدرِّجاً ومُتكرِّراً. والاغتسال الذي يحتاج إليه كل واحد من المؤمنين هو اغتسال الدخول إلى أسرة الإيمان وشركة المحبة. وكل واحد منهم يحتاج إلى الاثنين. أتفهمون ما قد صنعتُ بكم ؟!
أكمل يسوع غسل أرجل تلاميذه دون أن يعترضه أحد ثانية. ثم اتكأ على المائدة ثانية، حيث لم يكن قد بدأ العشاء، وسألهم عن مدى فهمهم لما عمله معهم. والأرجح أنهم سكتوا وتعجَّبوا ولم يفهموا. أما نحن اليوم فإننا نستطيع أن نفهم الكثير ممَّا كان يعنيه يسوع :
(1) عظيم القوم خادمهم: فإذا كان المسيح وهو المعلِّم والسيِّد والرب قد قام بذلك العمل المتواضع إلى أقصى درجات الاتضاع، فنحن يجب أن نقوم بذلك بالأولى.
(2) لكي تكون قائداً لابُد أن تكون خادماً: فكل واحد يمكنه أن يؤثِّر في الآخرين بقدر ما يخدمهم، لا بقدر سلطانه عليهم. وليس هذا مسلكاً سهلاً بالنسبة للكثيرين من القادة ، الذين يجدون صعوبة في خدمة من هُم أدنى منهم.
(3) لا تأنف ممَّا رضيه المسيح: فالقانون العام أن ليس التلميذ أفضل من مُعلِّمه ولا العبد أفضل من سيده. لا تخجل من عمل شيء سبقك المسيح في عمله. ولا تتأفَّف وأنت تقوم بعملٍ تعتقد أنه يقلِّل من قدرك ومن مركزك. لأن المسيح نفسه عمل ذلك.
اغسلوا بعضكم أرجل بعض
كان قد أصدر مجمع توليدو سنة 694م قراراً يقضي بممارسة هذا الأمر كفريضة من فرائض الكنيسة، كالعشاء الرباني والمعمودية. وبعض الطوائف المسيحية تمارس ذلك حرفياً حتى يومنا هذا. على أن المسيح لم يقصد الشكل ولا صورته، لأن الشكل والصورة مرتبطان بالظروف المحلية التي أوحت بذلك، وهي عُرضة للتقلُّب. لكن المسيح كان يقصد أمراً آخر أكثر من مجرَّد غسل أرجل.
فقد تتخذ هذه الخدمة بعض الأشكال الأخرى
أن تتنازل عن حقوقك لغيرك، أن تطلب الغفران والمُسامحة ممَّن أسأت إليهم، أن تمنح المغفرة للذين يسيئون إليك بكل تواضع ومحبة، الاستغفار بين شخصين متنازعَيْن، الصبر على الأذى بقلب صفوح ... الخ.
فكل واحد منَّا يحتاج إلى مُمارسة هذا الغسل مع إخوته دائماً وباستمرار وفي كل مناسبة، وليس مرَّة واحدة في السنة. فيغسل أرجل إخوته من غبار الطريق، أي يهوِّن عليهم عناء الحياة ويخدمهم متواضعاً مُتمثِّلاً بسيِّده.
علاقة غسل الأرجل بالعشاء الرباني
لقد غسل المسيح أرجل تلاميذه عند ممارسة العشاء الرباني، لذلك فهذه العملية كانت على الأرجح ضمن حفلة طعام، وليست عمل ضيافة خاصة للتخفيف عن المُسافرين من غُبار الطرقات. ففي الوقت الغير مألوف قام يسوع بغسل أرجل تلاميذه. وكأنه أراد أن يربط بين العملَيْن، على أن غسْل الأرجل سابق للتناول من العشاء الرباني. الأمر الذي يحمل أعمق المعاني. فقبل أن تتقدَّم وتترك في جسد المسيح، اذهب أولاً واغسل رجلي أخوتك، اغفر لهم واطلب منهم الغفران، فتعمل بذلك على إزالة غبار طريق الحياة، حينئذ تتقدَّم وتشترك في جسد المسيح السري. فهل غسلت أرجل أخوتك قبل أن تتقدَّم للاشتراك في العشاء الرباني؟
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى