- الإكليريكي/ مايكل وليمعضو VIP
حياة التكريس
الثلاثاء سبتمبر 18, 2007 11:13 pm
حــياة التــكريس
" ها أنت جميلة يا حبيبتي .. ها أنت جميلة عيناك حمامتان من تحت نقابك .. شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد "(نش 4 : 1)
نأتى إلى الصفة الثانية في العروس التي يتغزل فيها العريس السماوي .. فبعد أن تكلمنا عن عيني العروس اللتين كالحمامتين ، نعود لنرى العريس في نفس العدد الأول من هذا الإصحاح الرابع ، نراه يتحدث عن شعر العروس فيقول : " شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد .. "
والمنظرُ جميلٌ .. فالجبل عالٍ ، وحين يربض الماعز الأسود اللون عليه يصير المنظر كشعرٍ أسود يعلو رأس العروس ويتدلى على كتفيها ... هكذا عروس المسيح كالجبل العالي ، وشعرها كالماعز الرابضة على قمته والنازلة إلى سفحه ...
ونحن نلتقي مع هذا الشعر في سفر العدد الإصحاح السادس حين يتكلم الوحي المقدس عن شريعة النذير فيقول :
" إذا انفرز رجل أو امرأة لينذر نذر النذير لينتذر للرب [ أي ليصبح ملكا للرب بالكامل ] .. فعن الخمر والمسكر يفترز ( أي يبتعد ) ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر ولا يشرب من نقيع العنب [ أي الأباركة ، فنحن لا نشرب الأبـاركة في التناول ، بل نتناول جسد الرب ودمه ] ولا يأكل عنباً رطباً ولا يابساً [ أي لا يشرب حتى النبيذ ] .. كل أيام نذره لا يأكل من كل ما يُعمل من جفنة الخمر من العجم حتى القشر .. كل أيام نذر إفترازه لا يمر موسى على رأسه إلى كمال الأيام التي إنتذر فيها للرب يكون مقدساً ويُربي خصل شعر رأسه
[ فتكون العروس التي تربى خصل شعر رأسها نذيرة للرب ] .. إنه كل أيام إنتذاره مقدسٌ للرب .. ويحلق النذير لدى باب خيمة الاجتماع رأس إنتذاره ويأخذ شعر رأس إنتذاره ويجعله على النار التي تحت ذبيحة السلامة .. " (عدد 6 : 2 ـ 18) ، فتأتى العروس بشعرها الذي هو تاج جمال لرأسها .. تأتى به إلى الذبيح الحبيب الرب يسوع المسيح ، فيكون علامة تكريسها وتخصيصها للرب يسوع وحده كعريس حقيقي لقلبها ..
والواقع أن هذا الموضوع ، أي موضوع التكريس ، ليس هو قاصر على القلة الذين فضلوا حياة البتولية أو الرهبنة على الزواج ، أو قرروا ترك وظائفهم ليخصصوا كل وقتهم في الخدمة ... لكن الواقع أن حياة التكريس هي الحياة التي يطلبها الرب في عروسه المحبوبة النفس البشرية التي اشتراها بدمه لتكون له وحده وليس لسواه ... فقد تكون أنت أعزباً أو متزوجاً ... موظفاً أو متفرغاً ... لكن السؤال المهم هو : هل لك القلب المكرس المخصص للرب وحده ولا سواه .. أم أن هناك شريكاً للرب في القلب .. علاقات ؟ ممتلكات ؟ ذكريات ؟ ملاهي وملذات ؟ الخ فإما أن تكون نذيراً للشيطان أو أن تكون نذيراً للمسيح ... إن المؤمن في العهد الجديد هو شخص مكرس ومخصص لله ، والكتاب يلزمنا بالتكريس للمسيح وحده فيقول : " فأطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية .. " (رو 12 : 1)
وسنركز الحديث في حياة التكريس حول ثلاث كلمات :
1- أعــظم نصــيب
2- ســلامٌ عجــيب
3- مـرعى خصــيب
أولاً : أعــــظم نصــــيب
يقول العريس: " شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد " ما أعظم هذه الثروة التي لا تعوضها كنوز الأرض وما فيها ... فعندما يأخذ الإنسان المسيح نصيبه ، فيتحقق فيه ما قاله الرب لمريم : " اختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها "(لو 10 : 42) فيجد في المسيح:
1- كنــزٌ وحيد
كثيرون يرفضون الحياة مع المسيح ظانين أنه سيحرمهم من مباهج الحياة ، فمعه سيخسرون ملذات العالم وتصير حياتهم صفقة خاسرة ...
يا للعجب .. إن إبليس إله هذا الدهر يبدل الحقائق مع أمثال هؤلاء ، فيرون في الكنز الوحيد خسارة ، وفي اللؤلؤة الفريدة ضياع .. والكتاب يخبرنا عن التاجر الذي كان يطلب لألى حسنة، ولما وجد لؤلؤة واحـدة كثيرة الثمن مضى وباع كل ما كان له واشتراها (مت 13 : 46)
ألم يترك القديس العظيم الأنبا أنطونيوس 300 فدان من أجود أراضى الصعيد ليقتنى اللؤلؤة ...
لذا ، فما أسعد النفس التي تجد في المسيح كنزها الوحيد ، فتكرس له شَعر جمالها لتقتنى العريس السماوي أعظم نصيب للشعوب ..
2- ثبات شديد
إن النفس التي تختار المسيح نصيبها وتخصص حياتها وحبها له، فتتمتع بثبات شديد حتى حين يتزعزع الآخرون ... فتراه جبل جلعاد الذي لا يتزعزع ..
هل تذكر معي يعقوب أبو الآباء وهو هارب من لابان ، فلحقه لابان في جبـل جلعاد .. لكن الله مصدر الثبات والأمان تراءىَ للابان في حلم وحذره من أن يؤذى يعقوب .. ويسجل ذلك لابان بقوله : " في قدرة يدي أن أصنع بكم شراً ، ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلاً احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر .. " (تك 31 : 29) .. نعم ، في قدرة يد الشيطان أن يصنع بنا الشر كل الشر ، لكن حين نكرس حياتنا للمسيح فسنتمتع بالأمان والطمان في أحضان العريس السماوي ، فلا يلاقينا شر ولا تدنو ضربة من خيمتنا
3- شفاءٌ أكيد
قديماً كانت تشتهر جلعاد بنوع فريد من النباتات أسمه البلسان .. مشهور برائحته الطيبة ، كما أنه معروف بقدرته على علاج العديد من الأمراض والجروح .. لذا تساءل ارميا قائلاً : " أليس بلسانٌ في جلعاد أم ليس هناك طبيب فلماذا لم تُعصب بنت شعبي " (إر 8 : 22) ، فحين تُجرح شجرة البلسان بفاس فيخرج العصير من قشرتها ، ويتلقاها المرضى في أنية خزفية مُعدة لذلك ...
وهكذا ، لقد جُرِحَ المسيح على عود الصليب بالحربة في جنبه فسال منه دماً وماء لتطهير خطايانا ولشفاء الجراح التي جرحتنا بها الخطية .. لذا فالمسيح هو الطبيب الحقيقي الذي لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا ..
أخي الحبيب، هل وجدت في المسيح نصيباً فريداً ؟ هل تأتى إليه معي كآنية خزفية يتجمع فيها بلسان الحبيب الغالي شفاءاً لجراحات الماضي وعلاجاً لضعفات الحاضر وضماناً لمخاوف المستقبل .. فنقول مع الأب الكاهن في القسمة المقدسة:
(صعد إلى الصليب عرياناً ليكسونا بثوب بر .. وفُتِحَ جنبه بالحربة لكي ندخل إليه ونسكن في عرش نعمته ولكي يسيل الدم من جسده لنغتسل من آثامنا .. وأخيراً مات ليقيمنا من موت الخطية ويحينا حياة أبدي. (
ثانياً: ســـلامٌ عجــــيب
يقول العريس عن النفس التي تتكرس له بالكلية : " شعرك كقطيع ماعز رابضٌ على جبل جلعاد .. " .. أي مستلقى ومستريح .. لقد كانت تسأل العريس قائلة : " أين ترعى أين تربض عند الظهيرة .. " لذا فإن الراحة الحقيقية والسلام القلبي العميق لا يمكن أن يتحققا في كنوز الدنيا الفانية ولا في ملذات الشهوة الردية ولا في آمال الشهرة العالمية .. بل في ذاك العريس الذي قال عن نفسه : " تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم " (مت 11 : 28)
هل تذكر بطرس الرسول حين كان محروساً في السجن بأربع أرابع من العسكر ، وكان هيرودس ينوى قتله كما فعل يعقوب قبلاً ، لكنه كان في سلام عجيب يرقد نائماً في قلب هذه الزنزانة .. حتى أن الملاك الذي أرسله الرب لينقذه اضطر أن يضربه في جنبه ليوقظه .. إنه السلام الذي قال عنه المؤمن الذي ذاق الراحة والاطمئنان في المسيح : "بسلامة أضطجع بل أيضاً أنام لأنك أنت يا رب منفرداً في طمأنينة تسكنني " (مز 4 : 8) .. لقد كان بنيامين يتمتع بهذا السلام إذ قال عنه الكتاب: " لبنيامين قال حبيب الرب يسكن لديه آمنا يستره طول النهار وبين منكبيه يسكن " (تث 33 : 12) ...
لذا فسلام المؤمن لا يُبنى على ممتلكات أو علاقات بل على إله لا يتغير كجبل جلعاد بل حتى وإن زالت الجبال أو تزعزعت الآكام ، فهو يبقى قلعة الراحة والأمان وسط المخاوف والأحزان ..
أخي الحبيب .. ونحن في عصر الحروب والمجاعات والزلازل والأوبئة وغيرها مما يسبب الهلع والاضطراب وأمراض العصر كالسكر والضغط والقلب .. الخ ، أين تجد راحتك وما هو منبع سلامك ؟ هل وجدته في العريس الحبيب ؟ فبرغم البرية القاحلة ، إلا أن الغنم رابضة مستريحة مستندة على مصدر السلام العجيب ...
** قصة : في مسابقة للفنون في إحدى البلاد ، أعلن الملك موضوع المسابقة وهو عن : السلام .. وتبارى الفنانون في رسم لوحاتهم .. وفي يوم المسابقة جاء الملك ليرى اللوحات التي رسمها الفنانون عن السلام .. فوجد الكثير من الأفكار التقليدية عن السلام .. لكن لفرط دهشته وجد لوحة ممتلئة بالعواصف والزوابع والرياح والأشجار التي كادت تقلعها الرياح العاتية .. فسأل الفنان الذي رسم اللوحة عن السلام في وسط هذه اللوحة المليئة بغضب الطبيعة .. فأجاب الفنان بكل ثقة قائلاً : سيدي الملك إن السلام الحقيقي يبدو واضحاً في هذا العصفور المغرد الذي يقف على الغصن ثابتاً مهللاً لا يخشى من الرياح ولا يعبأ بالعواصف بل يستند على رئيس السلام الذي يهب سلامه العجيب لمن يتكل عليه مهما تقلبت ظروف الحياة ...
ثالثاً : مرعـــى خصـــيب
يقول العريس لعروسه : " شعرك كقطيع ماعز رابض على جبل جلعاد .. " وهذا الجبل معروف بوفرة العشب .. فيرمز لحياة الشبع مع المسيح .. فالعريس هنا يجد أن محبوبته قد وجدت شبعها فيه وحده ولا سواه ..
لذا قال الرب وهو يعد شعبه بالراحة والشبع فيه : " أرد إسرائيل إلى مسكنه .. فيرعى كرمل وباشان وفي جبل افرايم وجلعاد تشبع نفسه .. " (إر 50 : 19) فحين تجوع في رحلة الحياة ، لا تجد مثله مرعى خصيب قال عنه داود في مزموره : " في مراعٍ خضرٍ يربضني إلى مياه الراحة يوردني " (مز 23 : 2)
فلا يمكن أن يشبعك العالم ولا الشهوة والبحث عن الذات .. فالحكيم يقول : " العين لا تشبع من النظر والأذن لا تمتلئ من السمع "(جا 1 : 8) فحين يكون لك 100 جنيه تريدهم 1000 والـ 1000 تريدهم مليون .. ومن له أبن يريد الثاني .. ومن بنى الدور الثاني يريد الثالث .. ومن يتسلسل بالمسلسلات التليفزيونية يريد المزيد .. وحين سقط الاتحاد السوفيتي وصارت أمريكا القوة الوحيدة في العالم لم يكفيها الوصول إلى القمر ، بل سعت للوصول إلى المريخ ... وهكذا قال القديس اغسطينوس للرب في اعترافاته:( أرواحنا خرجت منك ولن تستريح إلا فيك .. (
لكن ما أروع النفس التي تتكرس للحبيب الغالي فتستظل بظله وتستريح في خضرته وترعى في مرعاه الخصيب وتشبع من دسم بيته فتنعم بالسلام ..
أخي الحبيب .. إنها فرصة أن تأخذ قراراً بأن تتكرس عيناك للمسيح فلا يغريهما مباهج العالم .. وأن تتكرس أذناك فلا تطرب لأغاني الشر المفسدة ، وفمك فلا ينطق إلا بتسابيح السماء لا بالكذب أو الحلفان أو الشتيمة والنميمة ، ويداك لا تمتد للحرام ، بل ترفعهما كذبيحة مسائية للعريس الغالي ، وأقدامك لا تجرى إلا خلفه بحثاً عن الضال والشارد من قطيعه حتى تجده .. بل يتكرس القلب بالكلية له وحده فأنت نذيره .. فهل تتوجه ملكاً تتبعه اليوم وكل الأيام ... فتقول له:
سيدي الرب يسوع المسيح عريس نفسي الغالي .. أشكرك لأنك أعظم نصيب يمكن أن أختاره ..
أشكرك لأنك تريدني مكرساً ومخصصاً لك ..
ها حبي وقلبي وحياتي .. ماضي وحاضري ومستقبلي .. تنازل اقبلهم ذبيحة حبٍ على مذبح التكريس والتخصيص لك كل الأيام ..
اسمح أقبل منى ما أعطيتني فأنا لك ولغيرك لن أكون .. آمين
أسئلة
أولاً : ما هي الصفات التي تراها في العريس السماوي التي جعلت العروس تختاره نصيباً صالحاً لها ؟
ثانياً : ما هو المعنى الروحي لقول العريس : " قطيع ماعز رابض " ؟
ثالثاً : ما هي أوجه الشبه بين جبل جلعاد ، وبين العريس السماوي ؟
رابعاً : ما هي الأمور التي تريد أن تكرسها في حياتك لتكون نذيراً لله كل أيام حياتك ؟
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى