حوار مع السيد / صبيح يعقوب

الجمعة يونيو 05, 2009 4:34 pm

السيد / صبيح مع المحاور

حوار مع السيد / صبيح يعقوب

والدتي كانت تقول لي " رجل الدين هذا شخص مقدس ، لا تراجع معه "

السيد / صبيح يعقوب يعد عميد الكاثوليك الكويتيين فهو أكبرهم سناً وأكثرهم دراية وتفاعلاً مع الأحداث كما أنه عضو فعال في الكنيسة وأول المشاركين في المناسبات والأعياد والاحتفالات ، وتاريخه حافل بالخبرات والأخبار ذهبت إليه مهنئاً بمناسبة اليوبيل الذهبي لزواجه فكان معه هذا الحوار الشيق:

س 1 عرفنا عن نفسك تاريخ الميلاد وأصول العائلة ؟

أنا من مواليد البصرة ( شهر أبريل عام 1935 ) ولدت في عائلة عادية (كادحة) كانا والداي يشتغلا ، والدي درس تركيب الأدوية وعمل بهذا المجال وكان عنده عيار ومقاييس لتحضير الأدوية التي يشتريها في صورة بودرة ثم يقوم بقياس كميات منها ويخلطها سوياً ويضعها في الإبرة ثم يعطيها للمريض فينال من الرب الشفاء ، كانت يده فيها خير ويعد أفضل من صيدلي اليوم فالأطباء أنفسهم كانوا يسألونه عن بعض الأدوية وكانت والدتي تعمل معه في ذات المجال في الصحة. كانت لأبي علاقات جيدة مع الناس فكان يخدمهم وهم بدورهم يحبونه فإذا مرض أحدهم كان يذهب إليه سيراً على الأقدام فلم يكن لديه سيارة.

كنا خمسة أخوة أربع أخوان و بنت ، أنا أصغرهم سناً ، كلهم عاشوا بالبصرة إلا أنا عشت في الكويت وأختي هاجرت لكندا ، منطقة البصرة في هذا الوقت كان يسكنها بعض الكويتيين ولم يكن أحد يقول هذا كويتي أو هذا عراقي ، كان العالم عايش على الطبيعة ، العلاقات بين الناس كانت طيبة ، في شهر رمضان كان الصائمين يجيبوا الصواني ويفوتوا على جيرانهم ما يفرقوا إذا جارهم مسلم أو مسيحي أو يهودي كانوا فقراء وبسطاء لكن يوزعوا اللي يقدروا عليه وكان فيه طيبة قلب.

س 2 كيف كانت طفولتك ومرحلة دراستك ؟

أنا وأخوتي درسنا بمدارس دينية ، صاحب المدرسة التي درست فيها ، مطران جاء من تركيا هرباً من المذابح التي هاجر فيها المسيحيين ، بعضهم هرب للعراق وسوريا ولبنان ومصر واليونان وفرنسا ، هذا المطران جاء للبصرة ويبدو أنه كان بينه وبين الكنيسة الجامعة خلاف لا نعلم سببه ، فأنشأ مدرسة وكنيسة كبيرة ، فكنت أدرس بالمدرسة وأخدم عنده بالكنيسة ، ولكن بالنتيجة رجع لحضن الكنيسة الكاثوليكية كمطران وأغلق المدرسة والكنيسة الخاصة به.

س 3 متى جئتم إلى الكويت ؟

جئنا إلى الكويت سنة 1951 الوالد اشتغل في المستشفى العسكري وكان وضعه جيد وعلاقاته طيبة مع الآخرين ، وأنا أول تعييني اشتغلت في الميناء في شهر نوفمبر 1956 ، ثم تزوجت في البصرة في 10 مايو 1959 وأحضرت زوجتي معي للكويت وقتها ما كان لنا أحد وزوجتي لم ترد أن نأتي للكويت ، حيث هناك في البصرة أشغال وناس ، لكننا جئنا للكويت (وقعدنا وهي القعدة) و مازلنا ، فمعاشي الحمد لله كان جيد وعلاقاتي مع الناس جيدة وما عندي مشكلة مع أحد ومرتاح.

س 4 كيف حصلت على الجنسية الكويتية ؟

في الأول ما كان فيه جنسية كان فيه جواز سفر (يعتبر الهوية) وصار قانون الجنسية في الكويت سنة 1959 لكن والدي توفى سنة 1957 قبل ما تطلع الجنسية ، ولكني حصلت على الجنسية بمجرد صدور القانون أما باقي أخوتي فرجعوا للبصرة بعدما توفى والدي واستمر التواصل معهم إلى أن توفى آخر واحد فيهم سنة 1989 وأولادهم موجودين في البصرة ونطمئن عليهم.

أنا استقريت بالكويت والحكومة الكويتية أعطتني بيت في منطقة الصليبخات عشنا فيه أكثر من ثلاثين سنة وجيراننا كلهم كانوا كويتيين منهم بدو وحضر وسنة وشيعة ونحن الوحيدين المسيحيين وسطهم ، كانوا كلهم علاقتهم معنا جيدة ومتكافئة وربما يختلفوا مع بعضهم لكن معنا ما يختلفوا ، جيراني هم أصدقائي ، طبعاً الكبار منهم أكثرهم ماتوا والباقي منهم قليل .

س 5 ماذا عن دراسة أبنائك وطفولتهم ؟

بناتي درسوا في مدارس الحكومة لأنها كانت مميزة في هذا الوقت من حيث المناهج العلمية وكانت الحكومة توفر للطلاب كل شيء (الملابس – الكتب - المأكل) بداية من مرحلة الروضة ، وهكذا تعلم أولادي وتفوقوا في المدارس الحكومية ودخلوا الجامعة ومن بعدها تعينوا في الحكومة.

س 6 أين أمضيت سنة الغزو البغيض وكيف كان تعاملك مع الغزاة وهم عراقيين؟

سنة الغزو قضيناها في مسكننا بالصليبخات ما تحركنا لأننا أحببنا وطننا الكويت ، تقدر تقول الكويت شدتني وليس أنا فقط ولكن بناتي أكثر مني ، فهم يتجادلوا مع أي شخص يلفظ بكلمة في حق الكويت ، ومع الغزو صرنا نكره الجيش العراقي إذا شفناه بالشارع لم نكن نقدم لهم حتى المياه ، كنا نجاوبهم " أنتم ما خليتم ولا ماء ولا طعام " ، في سنة 1996 تركنا سكن الصليبخات واشترينا مسكن جديد بمنطقة سلوى لأن بناتي تزوجوا وانتقلوا بدورهم للمناطق الجديدة القريبة من العمل والمدارس .

س 7 كيف تفاعلت مع فترة نهضة الكويت والانفتاح الاقتصادي ؟

ما كان عندي طموح تجاري لأني كنت موظف وأصحابي وأصدقائي كانوا نفس الشيء ومعاشاتنا كانت تكفينا وتزيد وكنا نتصور هذا الوضع أفضل من الأعمال الحرة والتجارة والركض طول النهار وبعدها اكتشفنا ذاك أفضل لأن تركيزنا كان ينحصر في الوظيفة.

س 8 ماذا عن مشاركتك في البورصة ؟

أنا لم أشارك في البورصة لأني أعتبرها قمار ودائماً صاحب القمار خسران.

س 9 هل للتردد على الديوانيات أولوية في يومك ؟

الديوانيات والغبقات كنت أتردد عليها مع جيراني وأصدقائي بالشغل وهناك نتسلى وكل واحد يجيب موضوع وقصة وأعتبرها مفيدة أولاً لأنك تسمع فالمعرفة مهمة وثانياً تفيد في التواصل الاجتماعي بين الناس وثالثاً لأن من تراهم في الديوانية مساءً تتردد عليهم في المصالح نهاراً ، بعض الديوانيات تكون يوم واحد بالأسبوع وبعضها طول الأسبوع كنت أتردد على الاثنين حسب علاقتي مع أصحاب الديوانية وفي بعض الأوقات كنت أتردد على ثلاث ديوانيات في ذات اليوم ، بالنسبة للغبقات في رمضان أشارك أصدقائي الفطور وأوقات الغبقة خاصة غبقة الكنيسة.

س 10كيف تقيم مشاركتك في الأحداث العامة مثل الانتخابات وغيرها ؟

مشارك معهم ولكن أعطي صوتي للشخص اللي أقتنع بهِ ، فالبعض يفتشوا عن المادة ويبيعوا أصواتهم ، أنا أفتش على الأصلح.

س11 أين كنت تصلي عندما جئت للكويت ؟

* بالأساس أنا والدي أرثوذكس ووالدتي كلدان وهما اتفقا ألا يتزوجا عند الأرثوذكس أو الكلدان فذهبا للاتين ونحن بالتبعية تعمدنا بالكنيسة اللاتينية وحتى زواجي كان عند اللاتين في البصرة وعندما جئنا للكويت كانت كنيسة سان بولس في الأحمدي قائمة أما كاتدرائية العائلة المقدسة فتأسست سنة (53-54 )على ما أتذكر وأول مرة صلوا في خيمة ومن بعدها الشيخ عبد الله السالم أعطاهم الأرض وساعدهم في البناء وتم افتتاحها تقريباً سنة 1956 وكان يصلي فيها عائلات فلسطينية وسورية ولبنانية أتذكر منهم أمير البستاني من لبنان ويعد أكبر مقاول في الشرق الأوسط جاء للكويت وأخذ أول وأكبر المشاريع من طرق وشوارع ومباني ضخمة وقصور لكنه توفى في حادث طيران.

س 12هل تجد العلاقة بين المسيحيين الكويتيين جيدة ؟

المسيحيين الكويتيين في حدود 100 شخص ينتسبوا لسبع عائلات وترجع أصولهم للعراق وفلسطين وجنوب تركيا

وهم موزعين في الكنائس الثلاث الكاثوليكية والأرثوذكسية والإنجيلية منهم من كان سفير سابق مثل السيد سعيد شماس أو سفير حالي مثل د/ سهيل شحيبر، ولكنهم يفتقروا للتواصل بينهم فأنا مثلاً أعتز بالقس عمانوئيل غريب لأنه يتكلم عنا ويمثلنا كمسيحيين وتصريحاته في صالح الكنيسة هو لا يدعي انه كاثوليكي أو أرثوذكس أو أنجيلي لكنه يتكلم عن الكل ويساعد الكل ولا يقصر مع أحد أو يفرق في التعامل (وهو مميز لأنه قس كويتي) ، ويسعى لعمل تواصل بيننا وأنا كنت معه ومؤيد لهذا الاتجاه وفكرنا نقضي يوم كامل في البر وعرضت مساهمتي بأي مبلغ يطلب مني لكنه لم يجد تجاوب ، وكل يوم سبت أذهب إلى ديوانيته وآخذ معي أصدقائي ، لأنه من واجبنا أن نتكاتف معه .

س 13ماذا عن حضورك للصلوات والقداسات والمناسبات الكنسية ؟

أنا مشارك في مناسبات الكنيسة بقدر استطاعتي ، بالنسبة للقداس من يوم الخميس أستعد وأجهز نفسي للكنيسة ، بعض الأوقات أروح لحالي بسيارتي كي لا أتأخر ، والسبب يرجع لوالدتي كانت مؤمنة جداً زرعت فينا كلنا حب الكنيسة وكانت تقول لي " رجل الدين هذا شخص مقدس ، لا تراجع معه " وربما لذلك أدخلتنا جميعاً مدارس خاصة ودينية.

س 14ما هي حكمتك في الحياة ؟

أهم شيء أن أحب الآخرين بقدر المستطاع بدون ما أكذب عليهم أو ألف وأدور والشيء اللي ما أقدر عليه أقول ما أقدر ، لأن بالنهاية لا يصح إلا الصحيح ، ناس تقابلني تقول نتمنى نوصل لنصف اللي وصلت له ، نشكر ربنا خمسين سنة زواج وعشرة ، بيت واحد مع بعض لم نفترق.
أجرى الحوار / إبرام سمير حنين – الكويت
ebramsamir@hotmail.com