أحد التناصير ( الأحد السادس ) من الصوم الكبير
السبت أبريل 04, 2009 6:25 pm
أحد التناصير ( الأحد السادس ) من الصوم الكبير
البولس من كولوسى 3 : 5 – 17
خلع أعمال الإنسان
"فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض:
الزنى، النجاسة، الهوى، الشهوة الردية،
الطمع الذي هو عبادة الأوثان" [5].
"فأميتوا أعضاءكم": لا يعني هنا تدمير الأعضاء الجسدية، بل إماتة الإنسان العتيق أو الطبيعة الفاسدة التي ورثناها عن آدم، وتغلغلت فينا، وملكت على أعماقنا، فأفسدت إرادتنا وأفكارنا وعواطفنا وأحاسيسنا. وظهر آثارها على كل حياة الإنسان الداخلية وسلوكه، لهذا دعيت "الإنسان القديم". إنها الطبيعة الفاسدة التي تثير الزنى والنجاسة والهوى والشهوة الرديئة والطمع، إن لم يكن في السلوك الظاهر ففي الفكر، وإن لم تكن بالفكر، تبقي كامنة في اللاشعور حتى تتحين الفرصة لتسيطر وتوجه كل كيان الإنسان.
ويذكر الرسول تلك الرذائل ويعددها - كما في ا تس3:4-8، لكنه يضيف هنا "عبادة الأوثان". وفي الحقيقة, فإن أي شيء يملاْ قلوبنا وعقولنا ويحل محل الله يمكن أن يُسَّمى الشهوة أو الهوى.
لا يليق بنا أن نتهاون مع أي فكر شرير خاطئ، فهو وإن كان قد مات فإن لبعضها قوة قيامة هائلة. ففي مقدورنا أن نميتها، وفي لحظة تنبعث فيها الحياة من جديد!
"الأمور التي من أجلها يأتي غضب الله على أبناء المعصية" [6].
ماذا يعني بغضب الله؟ الله الكلي الحب والقداسة لا يحطم أحدًا، لكن إذ يعطي الإنسان لله القفا لا الوجه، يحطم الإنسان نفسه بنفسه، إذ تثمر الخطية موتًا وفسادًا. هذا ما عبر عنه الكتاب المقدس بغضب الله أو تركه لهم. فإذ يختار الإنسان الفساد يسلمه الله لشهوة قلبه. "أسلمهم الله أيضًا في شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بين ذواتهم" (رو 1: 24).
لعل أوضح مثل معاصر هو الأمراض الجنسية كالإيدز التي تحطم حياة الإنسان جسديًا ونفسيًا وروحيًا، مالم يقدم الإنسان توبة ورجوع إلى الله مصدر حياته.
تشير الكلمة إلى موقف الله تجاه الذين يتمردون, أولئك الذين يرفضون أعز هباته.
"الذين بينهم أنتم أيضًا سلكتم قبلاً،
حين كنتم تعيشون فيها" [7].
يقدم لهم حياتهم قبل الإيمان مثلاً عمليًا حين كانوا يعيشون في الخطية، حتى دخلت نعمة الله في حياتهم وانتشلتهم من قيودها وحررتهم، لكن بقي لهم أن يجاهدوا بالنعمة لكي يعيشوا كما يليق بأبناء الله المقدسين.
"وأما الآن فاطرحوا عنكم انتم أيضًا الكل:
الغضب، السخط، الخبث، التجديف، الكلام القبيح من أفواهكم" [8].
يطالبهم الرسول أن يطرحوا عنهم ما لا يليق بهم.
"الغضب": هو انفعال الإنسان للأحداث بسبب تطلعه إلى الأحداث المحيطة به عوض الانشغال بالمسيح الساكن فيه، لهذا يفقد سلطانه في المسيح يسوع، مبررًا بأنه إنسان بطبعه انفعالي: "البطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة" (أم 16: 32).
"السخط ": حيث يتحول الغضب إلى ثورة انفعالية.
"الخبث": وهو أخطر من الغضب والسخط، إذ يلبس الإنسان صورة الهدوء والسكون بينما يحمل في داخله روح الكراهية والانتقام، وذلك كما دبر أبشالوم لقتل أخيه أمنون (2 صم 13).
"التجديف": التهجم الكاذب على الله وتدبيره وخطته من جهة البشرية، والأمجاد المعدة للقديسين.
"الكلام القبيح": كالهزل والفكاهة غير الهادفة والتهكم على الآخرين. "لا القباحة ولا كلام السفاهة، والهزل التي لا تليق، بل بالحري الشكر" (أف 5: 4).
"لا تكذبوا بعضكم على بعض،
إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله" [9].
"الكذب": إن كان السيد المسيح هو الحق، فإن إبليس هو الكذاب وأب الكذابين. "لم يثبت في الحق، لأنه ليس فيه حق، متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له، لأنه كذاب وأبو الكذاب" (يو 8: 44).
"خلع الإنسان القديم": جاء فعل "خلع" في اليونانية في الماضي ولكن مفعوله قائم، فقد تم الخلع في المعمودية، ويبقي يمارسه الإنسان بالتوبة بكونها معمودية ثانية. يبقي الإنسان في حالة خلع مستمر لهذه الطليعة الفاسدة كي لا تنحل ربطها وتقوم من جديد، بل على العكس ينمو الإنسان الجديد في برّ المسيح وقداسته.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن العماد هو بداية الطريق لا نهايته. فيه يُولد الإنسان كطفلٍ صغيرٍ، إن لم ينمو يوميًا يموت. العماد أشبه بغرس زرع جديد يحتاج إلى سقي مستمر، لكن الله هو الذي ينمي. "ونحن جميعا ناظرين مجد الرب يوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح" (2 كو 3: 18).
+ عندما تشعر الحيّة بشيخوختها، عندما تشعر بثقل السنوات الطويلة تتقلص وتلزم نفسها على الدخول من ثقب، ملقية جلدها العتيق حتى تخرج إلى حياة جديدة. لتقلّدها في هذا أيها المسيحي، الذي تسمع المسيح يقول: "أدخلوا من الباب الضيّق" (مت 7: 13)، ويحدّثنا الرسول بولس قائلاً: "إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد" (كو 3: 9؛ أف 4: 22-24). على هذا فإن الحيّة لديها ما ينبغي أن نقلّدها فيه.
لتمت، لا لأجل الإنسان العتيق، بل لأجل الذي يموت لأجل أمر زمني، يموت من أجل الإنسان العتيق، ولكن عندما تجرّد نفسك من ذلك الإنسان العتيق كله فإنك تقلّد حكمة الحيّة.
القديس أغسطينوس
+ لقد لوّث الشرّير الإنسان كلّه، نفسًا وجسدًا، وصار في حالة عداوة مع اللََّه، وليس خاضعًا لناموس اللََّه، بل هو بكلّيته خطية، حتى أن الإنسان لا يعود ينظر كما يشاء هو، بل ينظر بعينٍ شرّيرةٍ، ويسمع بأذنٍ شرّيرةٍ، وله أرجل تُسرع إلى فعل الشرّ، ويداه تصنعان الإثم، وقلبه يخترع شرورًا. لذلك فلنتوسّل إلى اللََّه أن ينزع منّا الإنسان العتيق، لأنه وحده القادر على نزع الخطية منّا.
القديس مقاريوس الكبير
التمتّع بالإنسان الجديد
"ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة
حسب صورة خالقه" [10].
تجديد الإنسان الجديد للمعرفة علامة الحياة، فإنه ليس من حياة في المسيح دون نمو، وليس نمو دون استنارة بقوة الروح القدس، حتى يتشكل الإنسان الداخلي على صورة خالقه، فيصير أيقونة حية للسيد المسيح العريس السماوي.
"حيث ليس يوناني ويهودي،
ختان وغرلة،
بربري وسكيثي،
عبد حر،
بل المسيح الكل وفي الكل" [11].
+ هذه الطبيعة الجديدة (الإنسان الجديد) التي أعطيت لنا تعلمنا أن نتخطى الحواجز التي تفصل بين البشر، لأن المسيح صار فينا جميعًا، بل بالحري صرنا كلنا واحدًا فيه لأننا جسده.
القديس يوحنا الذهبي الفم
عشية | باكر | قراءات القداس | |||
مز 17 : 3 ، 5 لو 13 : 22 - 35 | مز 26 : 2 ، 3 مت 23 : 1 - 39 | كولوسى 3 : 5 - 17 | 1 يو 5 : 13 - 21 | أع 27 : 27 - 37 | مز 143 : 1 ، 7 يو 9 : 1 - 41 |
البولس من كولوسى 3 : 5 – 17
خلع أعمال الإنسان
"فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض:
الزنى، النجاسة، الهوى، الشهوة الردية،
الطمع الذي هو عبادة الأوثان" [5].
"فأميتوا أعضاءكم": لا يعني هنا تدمير الأعضاء الجسدية، بل إماتة الإنسان العتيق أو الطبيعة الفاسدة التي ورثناها عن آدم، وتغلغلت فينا، وملكت على أعماقنا، فأفسدت إرادتنا وأفكارنا وعواطفنا وأحاسيسنا. وظهر آثارها على كل حياة الإنسان الداخلية وسلوكه، لهذا دعيت "الإنسان القديم". إنها الطبيعة الفاسدة التي تثير الزنى والنجاسة والهوى والشهوة الرديئة والطمع، إن لم يكن في السلوك الظاهر ففي الفكر، وإن لم تكن بالفكر، تبقي كامنة في اللاشعور حتى تتحين الفرصة لتسيطر وتوجه كل كيان الإنسان.
ويذكر الرسول تلك الرذائل ويعددها - كما في ا تس3:4-8، لكنه يضيف هنا "عبادة الأوثان". وفي الحقيقة, فإن أي شيء يملاْ قلوبنا وعقولنا ويحل محل الله يمكن أن يُسَّمى الشهوة أو الهوى.
لا يليق بنا أن نتهاون مع أي فكر شرير خاطئ، فهو وإن كان قد مات فإن لبعضها قوة قيامة هائلة. ففي مقدورنا أن نميتها، وفي لحظة تنبعث فيها الحياة من جديد!
"الأمور التي من أجلها يأتي غضب الله على أبناء المعصية" [6].
ماذا يعني بغضب الله؟ الله الكلي الحب والقداسة لا يحطم أحدًا، لكن إذ يعطي الإنسان لله القفا لا الوجه، يحطم الإنسان نفسه بنفسه، إذ تثمر الخطية موتًا وفسادًا. هذا ما عبر عنه الكتاب المقدس بغضب الله أو تركه لهم. فإذ يختار الإنسان الفساد يسلمه الله لشهوة قلبه. "أسلمهم الله أيضًا في شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بين ذواتهم" (رو 1: 24).
لعل أوضح مثل معاصر هو الأمراض الجنسية كالإيدز التي تحطم حياة الإنسان جسديًا ونفسيًا وروحيًا، مالم يقدم الإنسان توبة ورجوع إلى الله مصدر حياته.
تشير الكلمة إلى موقف الله تجاه الذين يتمردون, أولئك الذين يرفضون أعز هباته.
"الذين بينهم أنتم أيضًا سلكتم قبلاً،
حين كنتم تعيشون فيها" [7].
يقدم لهم حياتهم قبل الإيمان مثلاً عمليًا حين كانوا يعيشون في الخطية، حتى دخلت نعمة الله في حياتهم وانتشلتهم من قيودها وحررتهم، لكن بقي لهم أن يجاهدوا بالنعمة لكي يعيشوا كما يليق بأبناء الله المقدسين.
"وأما الآن فاطرحوا عنكم انتم أيضًا الكل:
الغضب، السخط، الخبث، التجديف، الكلام القبيح من أفواهكم" [8].
يطالبهم الرسول أن يطرحوا عنهم ما لا يليق بهم.
"الغضب": هو انفعال الإنسان للأحداث بسبب تطلعه إلى الأحداث المحيطة به عوض الانشغال بالمسيح الساكن فيه، لهذا يفقد سلطانه في المسيح يسوع، مبررًا بأنه إنسان بطبعه انفعالي: "البطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة" (أم 16: 32).
"السخط ": حيث يتحول الغضب إلى ثورة انفعالية.
"الخبث": وهو أخطر من الغضب والسخط، إذ يلبس الإنسان صورة الهدوء والسكون بينما يحمل في داخله روح الكراهية والانتقام، وذلك كما دبر أبشالوم لقتل أخيه أمنون (2 صم 13).
"التجديف": التهجم الكاذب على الله وتدبيره وخطته من جهة البشرية، والأمجاد المعدة للقديسين.
"الكلام القبيح": كالهزل والفكاهة غير الهادفة والتهكم على الآخرين. "لا القباحة ولا كلام السفاهة، والهزل التي لا تليق، بل بالحري الشكر" (أف 5: 4).
"لا تكذبوا بعضكم على بعض،
إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله" [9].
"الكذب": إن كان السيد المسيح هو الحق، فإن إبليس هو الكذاب وأب الكذابين. "لم يثبت في الحق، لأنه ليس فيه حق، متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له، لأنه كذاب وأبو الكذاب" (يو 8: 44).
"خلع الإنسان القديم": جاء فعل "خلع" في اليونانية في الماضي ولكن مفعوله قائم، فقد تم الخلع في المعمودية، ويبقي يمارسه الإنسان بالتوبة بكونها معمودية ثانية. يبقي الإنسان في حالة خلع مستمر لهذه الطليعة الفاسدة كي لا تنحل ربطها وتقوم من جديد، بل على العكس ينمو الإنسان الجديد في برّ المسيح وقداسته.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن العماد هو بداية الطريق لا نهايته. فيه يُولد الإنسان كطفلٍ صغيرٍ، إن لم ينمو يوميًا يموت. العماد أشبه بغرس زرع جديد يحتاج إلى سقي مستمر، لكن الله هو الذي ينمي. "ونحن جميعا ناظرين مجد الرب يوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح" (2 كو 3: 18).
+ عندما تشعر الحيّة بشيخوختها، عندما تشعر بثقل السنوات الطويلة تتقلص وتلزم نفسها على الدخول من ثقب، ملقية جلدها العتيق حتى تخرج إلى حياة جديدة. لتقلّدها في هذا أيها المسيحي، الذي تسمع المسيح يقول: "أدخلوا من الباب الضيّق" (مت 7: 13)، ويحدّثنا الرسول بولس قائلاً: "إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد" (كو 3: 9؛ أف 4: 22-24). على هذا فإن الحيّة لديها ما ينبغي أن نقلّدها فيه.
لتمت، لا لأجل الإنسان العتيق، بل لأجل الذي يموت لأجل أمر زمني، يموت من أجل الإنسان العتيق، ولكن عندما تجرّد نفسك من ذلك الإنسان العتيق كله فإنك تقلّد حكمة الحيّة.
القديس أغسطينوس
+ لقد لوّث الشرّير الإنسان كلّه، نفسًا وجسدًا، وصار في حالة عداوة مع اللََّه، وليس خاضعًا لناموس اللََّه، بل هو بكلّيته خطية، حتى أن الإنسان لا يعود ينظر كما يشاء هو، بل ينظر بعينٍ شرّيرةٍ، ويسمع بأذنٍ شرّيرةٍ، وله أرجل تُسرع إلى فعل الشرّ، ويداه تصنعان الإثم، وقلبه يخترع شرورًا. لذلك فلنتوسّل إلى اللََّه أن ينزع منّا الإنسان العتيق، لأنه وحده القادر على نزع الخطية منّا.
القديس مقاريوس الكبير
التمتّع بالإنسان الجديد
"ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة
حسب صورة خالقه" [10].
تجديد الإنسان الجديد للمعرفة علامة الحياة، فإنه ليس من حياة في المسيح دون نمو، وليس نمو دون استنارة بقوة الروح القدس، حتى يتشكل الإنسان الداخلي على صورة خالقه، فيصير أيقونة حية للسيد المسيح العريس السماوي.
"حيث ليس يوناني ويهودي،
ختان وغرلة،
بربري وسكيثي،
عبد حر،
بل المسيح الكل وفي الكل" [11].
+ هذه الطبيعة الجديدة (الإنسان الجديد) التي أعطيت لنا تعلمنا أن نتخطى الحواجز التي تفصل بين البشر، لأن المسيح صار فينا جميعًا، بل بالحري صرنا كلنا واحدًا فيه لأننا جسده.
القديس يوحنا الذهبي الفم
رد: أحد التناصير ( الأحد السادس ) من الصوم الكبير
السبت أبريل 04, 2009 6:25 pm
لعل أكثر الحواجز خطورة كان الجنس "اليهودي والأممي" أو "الختان والغرلة"، كما أيضًا الحواجز الطبقية، طبقة السادة الأحرار وطبقة العبيد.
في العهد الجديد تشير كلمة "يوناني" إلى الأمم (رو 16:1). البرابرة هم كل من كان لا يتكلم اليونانية كلغة الثقافة في ذلك الحين، والسكيثيون حسبوا بدائيين وكانوا مشهورين بالخشونة والوحشية، وكانوا موضع سخرية وهزأ من الناطقين باليونانية. الآن وقد جاء السيد المسيح قدم نعمته لكل البشرية دون محاباة
لا عجب إن كانت نعمة المسيح قد أزالت الفوارق، فيكتب القديس بولس رسالة إلى فليمون بخصوص أنسيمس عبده الهارب الذي سرقه "أطلب إليك من أجل ابني أنسيمس، لأنه افترق عنك إلى ساعة لكي يكون لك إلى الأبد، لا كعبدٍ في ما بعد بل أخًا محبوبًا". واستشهدت بلاندينا جنبًا إلى جنب مع سيدتها، وكانت أكثر بطولة منها. واستشهدت فيلتيا العبدة مع سيدتها بربتوا بروح الأخوة المتبادلة.
المسيح هو الكل وفي الكل لا بالمعنى الحرفي لمصطلح الوجودي panlleistic، بل هو كل شيء بالنسبة لنا ولأجلنا: الخالق والمخلص والأخ والشفيع الوسيط والهدف, فلا حاجة لنا أن نطلب آخر سواه.
نصائح إيجابية
"فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين،
أحشاء رأفات ولطفا وتواضعًا ووداعة وطول أناة" [12].
كمختاري الله الذين في المسيح, هم مقدسَّون ومحبوبون, كما هو أيضًا القدوس موضع سرور الآب وحبه, يتطلب هذا منا لبس ثياب الفضيلة. إن الرسول بصدد تقديم قائمة بالفضائل تكون بمثابة ثوب المسيحي في حياته. بل ويذكر نصائح معينة عن الصبر والغفران، ويشير إلى الحب كأعظم فضيلة, تقيم البنية من الفضائل وتكملها (1 كو 13:13, 1 بط 8:4)
من الجانب السلبي يطالبنا بخلع الإنسان القديم، ومن الجانب الايجابي يأمرنا أن نلبس ما يليق بالإنسان الجديد الذي نلناه في المعمودية، لأننا مؤهلون لنوال نعم متزايدة، فإنه ليس بكيلٍ يعطي الرب الروح. نحن مختارون من الله لنكون قديسين محبوبين فيلزمنا أن نلبس الرب يسوع (رو 13: 14)، نحمل شركة سماته من أحشاء رأفات ولطف وتواضع ووداعة ودول أناة.
"أحشاء رأفات"، تقوم الرأفة على الأحشاء الداخلية، فالحنو نابع عن الطبيعة الجديدة التي صارت لنا، فيتسع قلبنا بالحب والحنو نحو كل بشرٍ كشركة في سمة محب البشر.
"محتملين بعضكم بعضًا،
ومسامحين بعضكم بعضًا،
إن كان لأحد على أحد شكوى،
كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضًا" [13].
في طول الأناة نحتمل بعضنا البعض، كما غفر لنا مسيحنا؛ وفي احتمالنا لإخوتنا نحمل ذات غاية المسيح وهو طلب خلاص كل نفسٍ لمجد الآب وبنيانًا نفوسنًا.
إذ نركز أنظارنا على السيد المسيح الذي يشتهي أن يسكن فينا ويحل في وسطنا، لا نجد صعوبة في الاحتمال وطول الأناة، بل نجد فيها مسرة الله ومسرة نفوسنا أن نحتمل المسيئين مهما تكررت الإساءة، مشتهين أن ننال كرامة الشركة مع مسيحنا بأن نضع أنفسنا من أجل الإخوة.
لقد دفع (الرب) ثمنًا باهظًا لغفران خطايانا ولم يلزمه أحد بل فعل ذلك حبًا. سدد الثمن الكامل "للشكوى" المرفوعة ضدنا ومحا الصك واسترددنا إلى يمين الله، ولهذا يسألنا بولس أن نسامح الآخرين بنفس الطريقة: "هكذا اغفروا أنتم".
"وعلى جميع هذه البسوا المحبة
التي هي رباط الكمال" [14].
المحبة هي تاج كل الفضائل، والمؤشر الحقيقي لارتداء الإنسان الجديد، هي رباط الكمال. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم بدون المحبة تصير كل الفضائل السابقة بلا قيمة ولا منفعة.
تحتضن المحبة كل النعم معًا في الإنسان الجديد وتجذب المسيحي من خلالها إلى الكمال. والكلمة المترجمة "رباط" هي نفسها الواردة في أف 3:4؛ وأع 3:8, وتعني "تضم معًا كما بسلسلة". هكذا عظيمة هي المحبة للغاية، بدونها تصبح الفضائل الأخرى مدعاة للسخرية.
"وليملك في قلوبكم سلام الله،
الذي إليه دعيتم في جسد واحد،
وكونوا شاكرين" [15].
إذ نتحلى بالفضائل السابقة، خاصة المحبة، يحل سلام الله الثابت غير المتغير. هذا السلام الذي يحل بين النفس والله، ينعكس على سلام النفس مع الجسد، فيصير الإنسان في تناغم بلا صراع بين الجسد والنفس، وينطلق إلى الآخرين فلا يستطيع المؤمن إلا أن يعيش في سلام مع إخوته تحت كل الظروف.
هذا السلام الذي يتربع في القلب مع الله ومع الجسد ومع البشر بل وكل الخليقة يحول قلب الإنسان إلى قيثارة يعزف عليها الروح القدس تسبحة شكر لا تنقطع.
+ "سلام الله" هو السلام الثابت والدائم، فإن كان لك سلام بحسب الناس، فإنه سرعان ما ينحل, لكن إن كان بحسب الله لا ينتهي أبدًا...
لا تغضبوا, كما يقول, بل احكموا في المنازعات, ولا تخضعوا للأحقاد, ولا للسلام البشري, فالانتقام سمة البشر وعواقبه وخيمة, لكنه يقول ليس ذلك ما أقصده بل ذلك السلام الذي تركه لنا الرب بنفسه.
لأننا بواسطة السلام نحن جسد واحد, ولأننا جسد واحد فنحن في سلام... وحسنًا أضاف: "وكونوا شاكرين"، لأن الشاكرين والمملوءين مودة يعاملون رفقاءهم كما يفعل الله معهم, خاضعين للسيد, مطيعين معبرين عن شكرنا في كل شيء حتى إن أهاننا أحد أو اعتدى علينا بالضرب.
+ ويقول "كونوا شاكرين" لأن هذا هو ما يطلبه كل إنسانٍ, فالشكر أعظم الأمور الصالحة, فلنشكر إذن في كل شيء مهما يحدث, لأن هذا هو معنى الشكر.
+ لا شيءَ أَقدس من اللسان الذي في وقت الشر يشكر الله, فهو لا يقل أبدًا عن الاستشهاد, فلكليهما إكليل.
التسبيح والشكر
"لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى
وانتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضًا
بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنعمة،
مترنمين في قلوبكم للرب" [16].
شهوة قلب الرسول أن تسكن كلمة المسيح أو تستقر بغنى في المؤمنين. فيتقبلون الحق الإلهي، لا ليقتنعوا به فكريًا فحسب، بل ويعيشوا به، فيكون دستور حياتهم وقائدًا داخليًا يوجه الفكر والكلمات والسلوك. وكما يقول المرتل: "خبأت كلامك في قلبي حتى لا أخطئ إليك". تقتني خزانة القلب والفكر بكنز الكلمة. يطالبنا القديس يوحنا الذهبي الفم أن نقتني الكلمة وندخل في أعماقها، وكما يقول أن عدم معرفة الكتاب هي سبب كل الشرور، فيكون الشخص كمن يذهب إلى المعركة بلا سلاح، فهل يرجع سالما؟ سيف الروح هو كلمة الله (أف 6: 17).
إن كانت كلمة الله هي سلاح المؤمن في معركته ضد قوات الظلمة، فإن حياة التسبيح هي الوليمة المشبعة للنفس. تحول حياتنا إلي عيد داخلي مستمر، وتقدس كل أعمالنا وكلماتنا لنقدمها لحساب المسيح [7].
التسبيح يثير في النفس فرح الروح السماوي: "لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس" (رو 14: 17). يقول القديس انطونيوس الكبير أن النفس تتربي بالفرح الروحي، وتسعد به، وتصعد به إلى السماء. كتب العلامة ترتليان يصف اجتماعات المسيحيين بعدما يغسلون الأيادي (بعد ولائم الأغابي) يأتون بالشموع ثم يدعى كل واحد ليقدم أغنية لله أمام الجميع من تأليفه الخاص يكون قد اقتبسها من كلمات الإنجيل، معبرًا فيها عن مشاعره الخاصة نحو الله.
في العهد الجديد تشير كلمة "يوناني" إلى الأمم (رو 16:1). البرابرة هم كل من كان لا يتكلم اليونانية كلغة الثقافة في ذلك الحين، والسكيثيون حسبوا بدائيين وكانوا مشهورين بالخشونة والوحشية، وكانوا موضع سخرية وهزأ من الناطقين باليونانية. الآن وقد جاء السيد المسيح قدم نعمته لكل البشرية دون محاباة
لا عجب إن كانت نعمة المسيح قد أزالت الفوارق، فيكتب القديس بولس رسالة إلى فليمون بخصوص أنسيمس عبده الهارب الذي سرقه "أطلب إليك من أجل ابني أنسيمس، لأنه افترق عنك إلى ساعة لكي يكون لك إلى الأبد، لا كعبدٍ في ما بعد بل أخًا محبوبًا". واستشهدت بلاندينا جنبًا إلى جنب مع سيدتها، وكانت أكثر بطولة منها. واستشهدت فيلتيا العبدة مع سيدتها بربتوا بروح الأخوة المتبادلة.
المسيح هو الكل وفي الكل لا بالمعنى الحرفي لمصطلح الوجودي panlleistic، بل هو كل شيء بالنسبة لنا ولأجلنا: الخالق والمخلص والأخ والشفيع الوسيط والهدف, فلا حاجة لنا أن نطلب آخر سواه.
نصائح إيجابية
"فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين،
أحشاء رأفات ولطفا وتواضعًا ووداعة وطول أناة" [12].
كمختاري الله الذين في المسيح, هم مقدسَّون ومحبوبون, كما هو أيضًا القدوس موضع سرور الآب وحبه, يتطلب هذا منا لبس ثياب الفضيلة. إن الرسول بصدد تقديم قائمة بالفضائل تكون بمثابة ثوب المسيحي في حياته. بل ويذكر نصائح معينة عن الصبر والغفران، ويشير إلى الحب كأعظم فضيلة, تقيم البنية من الفضائل وتكملها (1 كو 13:13, 1 بط 8:4)
من الجانب السلبي يطالبنا بخلع الإنسان القديم، ومن الجانب الايجابي يأمرنا أن نلبس ما يليق بالإنسان الجديد الذي نلناه في المعمودية، لأننا مؤهلون لنوال نعم متزايدة، فإنه ليس بكيلٍ يعطي الرب الروح. نحن مختارون من الله لنكون قديسين محبوبين فيلزمنا أن نلبس الرب يسوع (رو 13: 14)، نحمل شركة سماته من أحشاء رأفات ولطف وتواضع ووداعة ودول أناة.
"أحشاء رأفات"، تقوم الرأفة على الأحشاء الداخلية، فالحنو نابع عن الطبيعة الجديدة التي صارت لنا، فيتسع قلبنا بالحب والحنو نحو كل بشرٍ كشركة في سمة محب البشر.
"محتملين بعضكم بعضًا،
ومسامحين بعضكم بعضًا،
إن كان لأحد على أحد شكوى،
كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضًا" [13].
في طول الأناة نحتمل بعضنا البعض، كما غفر لنا مسيحنا؛ وفي احتمالنا لإخوتنا نحمل ذات غاية المسيح وهو طلب خلاص كل نفسٍ لمجد الآب وبنيانًا نفوسنًا.
إذ نركز أنظارنا على السيد المسيح الذي يشتهي أن يسكن فينا ويحل في وسطنا، لا نجد صعوبة في الاحتمال وطول الأناة، بل نجد فيها مسرة الله ومسرة نفوسنا أن نحتمل المسيئين مهما تكررت الإساءة، مشتهين أن ننال كرامة الشركة مع مسيحنا بأن نضع أنفسنا من أجل الإخوة.
لقد دفع (الرب) ثمنًا باهظًا لغفران خطايانا ولم يلزمه أحد بل فعل ذلك حبًا. سدد الثمن الكامل "للشكوى" المرفوعة ضدنا ومحا الصك واسترددنا إلى يمين الله، ولهذا يسألنا بولس أن نسامح الآخرين بنفس الطريقة: "هكذا اغفروا أنتم".
"وعلى جميع هذه البسوا المحبة
التي هي رباط الكمال" [14].
المحبة هي تاج كل الفضائل، والمؤشر الحقيقي لارتداء الإنسان الجديد، هي رباط الكمال. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم بدون المحبة تصير كل الفضائل السابقة بلا قيمة ولا منفعة.
تحتضن المحبة كل النعم معًا في الإنسان الجديد وتجذب المسيحي من خلالها إلى الكمال. والكلمة المترجمة "رباط" هي نفسها الواردة في أف 3:4؛ وأع 3:8, وتعني "تضم معًا كما بسلسلة". هكذا عظيمة هي المحبة للغاية، بدونها تصبح الفضائل الأخرى مدعاة للسخرية.
"وليملك في قلوبكم سلام الله،
الذي إليه دعيتم في جسد واحد،
وكونوا شاكرين" [15].
إذ نتحلى بالفضائل السابقة، خاصة المحبة، يحل سلام الله الثابت غير المتغير. هذا السلام الذي يحل بين النفس والله، ينعكس على سلام النفس مع الجسد، فيصير الإنسان في تناغم بلا صراع بين الجسد والنفس، وينطلق إلى الآخرين فلا يستطيع المؤمن إلا أن يعيش في سلام مع إخوته تحت كل الظروف.
هذا السلام الذي يتربع في القلب مع الله ومع الجسد ومع البشر بل وكل الخليقة يحول قلب الإنسان إلى قيثارة يعزف عليها الروح القدس تسبحة شكر لا تنقطع.
+ "سلام الله" هو السلام الثابت والدائم، فإن كان لك سلام بحسب الناس، فإنه سرعان ما ينحل, لكن إن كان بحسب الله لا ينتهي أبدًا...
لا تغضبوا, كما يقول, بل احكموا في المنازعات, ولا تخضعوا للأحقاد, ولا للسلام البشري, فالانتقام سمة البشر وعواقبه وخيمة, لكنه يقول ليس ذلك ما أقصده بل ذلك السلام الذي تركه لنا الرب بنفسه.
لأننا بواسطة السلام نحن جسد واحد, ولأننا جسد واحد فنحن في سلام... وحسنًا أضاف: "وكونوا شاكرين"، لأن الشاكرين والمملوءين مودة يعاملون رفقاءهم كما يفعل الله معهم, خاضعين للسيد, مطيعين معبرين عن شكرنا في كل شيء حتى إن أهاننا أحد أو اعتدى علينا بالضرب.
+ ويقول "كونوا شاكرين" لأن هذا هو ما يطلبه كل إنسانٍ, فالشكر أعظم الأمور الصالحة, فلنشكر إذن في كل شيء مهما يحدث, لأن هذا هو معنى الشكر.
+ لا شيءَ أَقدس من اللسان الذي في وقت الشر يشكر الله, فهو لا يقل أبدًا عن الاستشهاد, فلكليهما إكليل.
القديس يوحنا الذهبي الفم
التسبيح والشكر
"لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى
وانتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضًا
بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنعمة،
مترنمين في قلوبكم للرب" [16].
شهوة قلب الرسول أن تسكن كلمة المسيح أو تستقر بغنى في المؤمنين. فيتقبلون الحق الإلهي، لا ليقتنعوا به فكريًا فحسب، بل ويعيشوا به، فيكون دستور حياتهم وقائدًا داخليًا يوجه الفكر والكلمات والسلوك. وكما يقول المرتل: "خبأت كلامك في قلبي حتى لا أخطئ إليك". تقتني خزانة القلب والفكر بكنز الكلمة. يطالبنا القديس يوحنا الذهبي الفم أن نقتني الكلمة وندخل في أعماقها، وكما يقول أن عدم معرفة الكتاب هي سبب كل الشرور، فيكون الشخص كمن يذهب إلى المعركة بلا سلاح، فهل يرجع سالما؟ سيف الروح هو كلمة الله (أف 6: 17).
إن كانت كلمة الله هي سلاح المؤمن في معركته ضد قوات الظلمة، فإن حياة التسبيح هي الوليمة المشبعة للنفس. تحول حياتنا إلي عيد داخلي مستمر، وتقدس كل أعمالنا وكلماتنا لنقدمها لحساب المسيح [7].
التسبيح يثير في النفس فرح الروح السماوي: "لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس" (رو 14: 17). يقول القديس انطونيوس الكبير أن النفس تتربي بالفرح الروحي، وتسعد به، وتصعد به إلى السماء. كتب العلامة ترتليان يصف اجتماعات المسيحيين بعدما يغسلون الأيادي (بعد ولائم الأغابي) يأتون بالشموع ثم يدعى كل واحد ليقدم أغنية لله أمام الجميع من تأليفه الخاص يكون قد اقتبسها من كلمات الإنجيل، معبرًا فيها عن مشاعره الخاصة نحو الله.
رد: أحد التناصير ( الأحد السادس ) من الصوم الكبير
السبت أبريل 04, 2009 6:26 pm
"فلتسكن فيكم كلمة الرب بغنى"، هذه هي الوصية الأخيرة في نمو الشخصية المسيحية.
يعرض القديس بولس ثلاث طرق بها يمكن أن نعلِّم الآخرين وننذرهم: المزامير والترانيم والأغاني الروحية. وتشير المزامير إلى الأغاني المقدسة, المقتبسة من العهد القديم,خاصة من سقر المزامير. والترانيم تشير إلى أغاني التسبيح والعبادة الكنسية لله (أع 25:16؛ عب 12:2). أما الأغاني الروحية فتشير إلى الأغاني التي تنشد بشكل طبيعي من المؤمن. يطلب الله صدور تلك الترانيم من القلب.
أنظارهم إلى بالأسفار التاريخية بل إلى المزامير, حتى تبهجوا نفوسكم بالترنيم وبرقة تسلّون رفقاءكم, إذ يقول "بترانيم وأغاني روحية" لكن أولادكم الآن يتفوهون بأغاني ورقصات الشيطان, فالطهاة والخدم والموسيقيون, ليس منهم أحد يعرف أي مزمور, لكنه أمر يخجلون منه بل ويسخرون منه ويتهكمون عليه. وهنا مكمن كل الشرور...
علِّمه أن يرِّنم تلك المزامير الملآنة بحب الحكمة, إذ تخص العفة أو بالحري ومثل كل شيء لا تجعله يصاحب الأشرار, ما إن يستهل قراءة الكتاب (سفر المزامير)...
وحينما يتعلم بواسطة المزامير, سيعرف الترانيم أيضًا, كشيء مقدس. لأن القوات العلوية تنشد الترانيم، وليس المزامير. إذ يقول الجامعة "أن الترنيمة ليست حلوة في فم الخاطىء"
فما هي ترنيمة العلويين؟ يعرفها المؤمن. ماذا يقول الشاروبيم في العلاء؟ ماذا يقول الملائكة؟ "المجد لله في الأعالي" لهذا بعد الابصلمودية (المزامير) تأتي الترانيم, كشيء أكثر كمالاً...
حتى وإن كنتم في السوق, يمكن لكم أن تتماسكوا وترنموا لله دون أن يسمعكم أحد. لأن موسى أيضا قد صلى هكذا, وسمعه الله إذ يقول له الله, "لماذا تصرخ إلىّ"؟ (خر 15:14) مع أنه لم يقُل شيئًا. بل صرخ بأفكاره، فلم يسمعه إلا الله وحده، إذ كان يصرخ بقلب منسحق. فليس محرمًا أن يصلي الإنسان بقلبه حتى وهو سائر على قدميه, إذ يسكن (بفكره) العلاء.
"وكل ما عملتم بقول أو فعل
فاعملوا الكل باسم الرب يسوع،
شاكرين الله والآب به" [17].
جوهر الحياة هو الشركة مع السيد المسيح، فيختم كلماته وأعماله بختم اسم يسوع المسيح لتفوح منه رائحة الشكر، موضع سرور الآب.
يليق بنا أن نكون متهللين وشاكرين الله حتى نسلك السبيل الذي يؤهلنا لاستحقاق المسيح (12:1). فبمعزل عن المسيح ليس لنا دخول إلى الله ولا حتى إلى شكره.
+ حيث ندعو باسم يسوع لا يتدنس شيء ولا يتنجس... فإن كنتم تأكلون, إن كنتم تشربون, وإن تزوجتم، وإن سلكتم, فاعملوا كل شيء باسم الرب, أي تدعونه ليعينكم, مصلين إليه قبل كل شيء... اجعلوا هذا في المقدمة، لهذا فنحن نستهل رسائلنا باسم الرب فحيث اسم الله, يبشر كل شيء بالخير والسعادة. لأنه إن كانت أسماء العظماء تجعل الكتابة ميسرة (تجعل المكاتبات موثقة وأكيدة) فكم بالحري يفعل اسم المسيح. إنكم بعد ذكر اسم الرب قولوا وافعلوا كل شيء ولا تقدموا على اسمه الملائكة!...
وحيث يوضع الاسم في أي مكان, يبشر بكل الخير, فإن كان يطرد الأرواح الشريرة, وإن كان يشفي الأمراض, فكم بالحري يجعل العمل أكثر يسرًا...
انظروا كيف أنه باسم الرب أرسل إبراهيم خادمه وباسم الرب قتل داود جليات. عجيب هو اسمه وعظيم...
لا شيء يعادل هذا الاسم. عجيب هو في كل مكان, يقول: "اسمك دهن مهراق" (نش 3:1) من ينطقه يمتلأ فورا بأريجه ومكتوب" لا أحد يمكنه أن يقول إن يسوع رب إلا بالروح القدس (1 كو 3:12) حقا إن هذا الاسم يصنع أعمالاً عظيمة. فإن قلتم باسم الآب والابن والروح القدس, بإيمان لأنجزتم كل شيء. فما أعظم الأمور التي فعلتموها...
لقد تجددنا بهذا الاسم (خُلقنا من جديد). إن كان لنا هذا الاسم, نشرق أمام الآخرين. إنه يصنع الشهداء والمعترفين. إنه قد وهبنا عطية عظيمة, حتى نحيا في مجد, ونرضي الله. ونُحسب متأهلين للخيرات التي وعد بها الذين يحبونه, بالنعمة والرأفات.
+ + +
الإنجيل من يوحنا 9 : 1 – 41
أحد التـناصير
شفاء المولود أعمى : يو 9 : 1 – 41
" وفيما هو مجتاز رأى إنسانا أعمى منذ ولادته ،
فسأله تلاميذه قائلين :
يا معلم ، من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى " يو 9 : 1 – 2
لم يذكر الأنجيلى أين كان مجتازا ، ولا إلى أين يذهب ، لكنه إذ كان مجتازا كحامل للآلام رأى هذا المولود أعمى ، وكان فقيرا يستعطى ، فى مكان معين ، حيث يقدم له بعض المحسنين عطاء لكى يعيش .
تطلع إليه ربنا يسوع لكى يجده الأعمى المسكين ، وكما جاء فى إشعياء : " أصغيت إلى الذين لم يسألوا، وجدت من الذين لم يطلبوننى . قلت هأنذا لأمة لم تسمى بأسمى " ( إش 65 : 1 ) . بادر بالحب فأحبنا قبل أن نعرفه ، وكما يقول الرسول : " عرفتم من الله " ( غلا 4 : 9 ) .
يعرض القديس بولس ثلاث طرق بها يمكن أن نعلِّم الآخرين وننذرهم: المزامير والترانيم والأغاني الروحية. وتشير المزامير إلى الأغاني المقدسة, المقتبسة من العهد القديم,خاصة من سقر المزامير. والترانيم تشير إلى أغاني التسبيح والعبادة الكنسية لله (أع 25:16؛ عب 12:2). أما الأغاني الروحية فتشير إلى الأغاني التي تنشد بشكل طبيعي من المؤمن. يطلب الله صدور تلك الترانيم من القلب.
أنظارهم إلى بالأسفار التاريخية بل إلى المزامير, حتى تبهجوا نفوسكم بالترنيم وبرقة تسلّون رفقاءكم, إذ يقول "بترانيم وأغاني روحية" لكن أولادكم الآن يتفوهون بأغاني ورقصات الشيطان, فالطهاة والخدم والموسيقيون, ليس منهم أحد يعرف أي مزمور, لكنه أمر يخجلون منه بل ويسخرون منه ويتهكمون عليه. وهنا مكمن كل الشرور...
علِّمه أن يرِّنم تلك المزامير الملآنة بحب الحكمة, إذ تخص العفة أو بالحري ومثل كل شيء لا تجعله يصاحب الأشرار, ما إن يستهل قراءة الكتاب (سفر المزامير)...
وحينما يتعلم بواسطة المزامير, سيعرف الترانيم أيضًا, كشيء مقدس. لأن القوات العلوية تنشد الترانيم، وليس المزامير. إذ يقول الجامعة "أن الترنيمة ليست حلوة في فم الخاطىء"
فما هي ترنيمة العلويين؟ يعرفها المؤمن. ماذا يقول الشاروبيم في العلاء؟ ماذا يقول الملائكة؟ "المجد لله في الأعالي" لهذا بعد الابصلمودية (المزامير) تأتي الترانيم, كشيء أكثر كمالاً...
حتى وإن كنتم في السوق, يمكن لكم أن تتماسكوا وترنموا لله دون أن يسمعكم أحد. لأن موسى أيضا قد صلى هكذا, وسمعه الله إذ يقول له الله, "لماذا تصرخ إلىّ"؟ (خر 15:14) مع أنه لم يقُل شيئًا. بل صرخ بأفكاره، فلم يسمعه إلا الله وحده، إذ كان يصرخ بقلب منسحق. فليس محرمًا أن يصلي الإنسان بقلبه حتى وهو سائر على قدميه, إذ يسكن (بفكره) العلاء.
القديس يوحنا الذهبي الفم
"وكل ما عملتم بقول أو فعل
فاعملوا الكل باسم الرب يسوع،
شاكرين الله والآب به" [17].
جوهر الحياة هو الشركة مع السيد المسيح، فيختم كلماته وأعماله بختم اسم يسوع المسيح لتفوح منه رائحة الشكر، موضع سرور الآب.
يليق بنا أن نكون متهللين وشاكرين الله حتى نسلك السبيل الذي يؤهلنا لاستحقاق المسيح (12:1). فبمعزل عن المسيح ليس لنا دخول إلى الله ولا حتى إلى شكره.
+ حيث ندعو باسم يسوع لا يتدنس شيء ولا يتنجس... فإن كنتم تأكلون, إن كنتم تشربون, وإن تزوجتم، وإن سلكتم, فاعملوا كل شيء باسم الرب, أي تدعونه ليعينكم, مصلين إليه قبل كل شيء... اجعلوا هذا في المقدمة، لهذا فنحن نستهل رسائلنا باسم الرب فحيث اسم الله, يبشر كل شيء بالخير والسعادة. لأنه إن كانت أسماء العظماء تجعل الكتابة ميسرة (تجعل المكاتبات موثقة وأكيدة) فكم بالحري يفعل اسم المسيح. إنكم بعد ذكر اسم الرب قولوا وافعلوا كل شيء ولا تقدموا على اسمه الملائكة!...
وحيث يوضع الاسم في أي مكان, يبشر بكل الخير, فإن كان يطرد الأرواح الشريرة, وإن كان يشفي الأمراض, فكم بالحري يجعل العمل أكثر يسرًا...
انظروا كيف أنه باسم الرب أرسل إبراهيم خادمه وباسم الرب قتل داود جليات. عجيب هو اسمه وعظيم...
لا شيء يعادل هذا الاسم. عجيب هو في كل مكان, يقول: "اسمك دهن مهراق" (نش 3:1) من ينطقه يمتلأ فورا بأريجه ومكتوب" لا أحد يمكنه أن يقول إن يسوع رب إلا بالروح القدس (1 كو 3:12) حقا إن هذا الاسم يصنع أعمالاً عظيمة. فإن قلتم باسم الآب والابن والروح القدس, بإيمان لأنجزتم كل شيء. فما أعظم الأمور التي فعلتموها...
لقد تجددنا بهذا الاسم (خُلقنا من جديد). إن كان لنا هذا الاسم, نشرق أمام الآخرين. إنه يصنع الشهداء والمعترفين. إنه قد وهبنا عطية عظيمة, حتى نحيا في مجد, ونرضي الله. ونُحسب متأهلين للخيرات التي وعد بها الذين يحبونه, بالنعمة والرأفات.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ + +
الإنجيل من يوحنا 9 : 1 – 41
1 و فيما هو مجتاز راى انسانا اعمى منذ ولادته 2 فساله تلاميذه قائلين يا معلم من اخطا هذا ام ابواه حتى ولد اعمى 3 اجاب يسوع لا هذا اخطا و لا ابواه لكن لتظهر اعمال الله فيه 4 ينبغي ان اعمل اعمال الذي ارسلني ما دام نهار ياتي ليل حين لا يستطيع احد ان يعمل 5 ما دمت في العالم فانا نور العالم 6 قال هذا و تفل على الارض و صنع من التفل طينا و طلى بالطين عيني الاعمى 7 و قال له اذهب اغتسل في بركة سلوام الذي تفسيره مرسل فمضى و اغتسل و اتى بصيرا 8 فالجيران و الذين كانوا يرونه قبلا انه كان اعمى قالوا اليس هذا هو الذي كان يجلس و يستعطي 9 اخرون قالوا هذا هو و اخرون انه يشبهه و اما هو فقال اني انا هو 10 فقالوا له كيف انفتحت عيناك 11 اجاب ذاك و قال انسان يقال له يسوع صنع طينا و طلى عيني و قال لي اذهب الى بركة سلوام و اغتسل فمضيت و اغتسلت فابصرت 12 فقالوا له اين ذاك قال لا اعلم 13 فاتوا الى الفريسيين بالذي كان قبلا اعمى 14 و كان سبت حين صنع يسوع الطين و فتح عينيه 15 فساله الفريسيون ايضا كيف ابصر فقال لهم وضع طينا على عيني و اغتسلت فانا ابصر 16 فقال قوم من الفريسيين هذا الانسان ليس من الله لانه لا يحفظ السبت اخرون قالوا كيف يقدر انسان خاطئ ان يعمل مثل هذه الايات و كان بينهم انشقاق 17 قالوا ايضا للاعمى ماذا تقول انت عنه من حيث انه فتح عينيك فقال انه نبي 18 فلم يصدق اليهود عنه انه كان اعمى فابصر حتى دعوا ابوي الذي ابصر 19 فسالوهما قائلين اهذا ابنكما الذي تقولان انه ولد اعمى فكيف يبصر الان 20 اجابهم ابواه و قالا نعلم ان هذا ابننا و انه ولد اعمى 21 و اما كيف يبصر الان فلا نعلم او من فتح عينيه فلا نعلم هو كامل السن اسالوه فهو يتكلم عن نفسه 22 قال ابواه هذا لانهما كانا يخافان من اليهود لان اليهود كانوا قد تعاهدوا انه ان اعترف احد بانه المسيح يخرج من المجمع 23 لذلك قال ابواه انه كامل السن اسالوه 24 فدعوا ثانية الانسان الذي كان اعمى و قالوا له اعط مجدا لله نحن نعلم ان هذا الانسان خاطئ 25 فاجاب ذاك و قال اخاطئ هو لست اعلم انما اعلم شيئا واحدا اني كنت اعمى و الان ابصر 26 فقالوا له ايضا ماذا صنع بك كيف فتح عينيك 27 اجابهم قد قلت لكم و لم تسمعوا لماذا تريدون ان تسمعوا ايضا العلكم انتم تريدون ان تصيروا له تلاميذ 28 فشتموه و قالوا انت تلميذ ذاك و اما نحن فاننا تلاميذ موسى 29 نحن نعلم ان موسى كلمه الله و اما هذا فما نعلم من اين هو 30 اجاب الرجل و قال لهم ان في هذا عجبا انكم لستم تعلمون من اين هو و قد فتح عيني 31 و نعلم ان الله لا يسمع للخطاة و لكن ان كان احد يتقي الله و يفعل مشيئته فلهذا يسمع 32 منذ الدهر لم يسمع ان احدا فتح عيني مولود اعمى 33 لو لم يكن هذا من الله لم يقدر ان يفعل شيئا 34 اجابوا و قالوا له في الخطايا ولدت انت بجملتك و انت تعلمنا فاخرجوه خارجا 35 فسمع يسوع انهم اخرجوه خارجا فوجده و قال له اتؤمن بابن الله 36 اجاب ذاك و قال من هو يا سيد لاومن به 37 فقال له يسوع قد رايته و الذي يتكلم معك هو هو 38 فقال اومن يا سيد و سجد له 39 فقال يسوع لدينونة اتيت انا الى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون و يعمى الذين يبصرون 40 فسمع هذا الذين كانوا معه من الفريسيين و قالوا له العلنا نحن ايضا عميان 41 قال لهم يسوع لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية و لكن الان تقولون اننا نبصر فخطيتكم باقية + + + |
أحد التـناصير
شفاء المولود أعمى : يو 9 : 1 – 41
" وفيما هو مجتاز رأى إنسانا أعمى منذ ولادته ،
فسأله تلاميذه قائلين :
يا معلم ، من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى " يو 9 : 1 – 2
لم يذكر الأنجيلى أين كان مجتازا ، ولا إلى أين يذهب ، لكنه إذ كان مجتازا كحامل للآلام رأى هذا المولود أعمى ، وكان فقيرا يستعطى ، فى مكان معين ، حيث يقدم له بعض المحسنين عطاء لكى يعيش .
تطلع إليه ربنا يسوع لكى يجده الأعمى المسكين ، وكما جاء فى إشعياء : " أصغيت إلى الذين لم يسألوا، وجدت من الذين لم يطلبوننى . قلت هأنذا لأمة لم تسمى بأسمى " ( إش 65 : 1 ) . بادر بالحب فأحبنا قبل أن نعرفه ، وكما يقول الرسول : " عرفتم من الله " ( غلا 4 : 9 ) .
رد: أحد التناصير ( الأحد السادس ) من الصوم الكبير
السبت أبريل 04, 2009 6:26 pm
لاحظ تلاميذه أن نظرات معلمهم تتجه نحو الأعمى حبا ، فتحولت نظراتهم هم أيضا إلى المولود الأعمى ، وعوض السؤال من أجله لشفائه قدموا استفسارا عن علة ميلاده أعمى .
لما شفى السيد المسيح المفلوج ، حذره من العودة للخطية ! إلا أن هذا القول لا ينطبق على الأعمى ، لأن من مولده هو أعمى ، فهل أخطأ أبواه ؟ ولا هذا القول يجوز أن يقال ، لأن الطفل لا يتكبد العقوبة من أجل أبويه .. لقد تحدث التلاميذ هنا لا ليسألوه عن معلومات قدر ما كانوا فى حيرة .
" أجاب يسوع :
لا هذا أخطأ ولا أبواه ، لكن لتظهر أعمال الله فيه " . يو 9 : 3
عوض إدانة المولود أعمى أو والديه وجه السيد المسيح أنظار تلاميذه إلى عناية الله الفائقة وخطته الخفية ، فقد سمح بالعمى لكن يهب هذا المولود أعمى البصيرة الروحية ، ولكى يشهد للحق الإلهى أمام القيادات اليهودية العنيفة ويمجد الله .
قول السيد المسيح عن الأعمى : " لا هذا أخطأ ولا أبواه " ، ليس مبرئا لأبويه من الخطايا ، لكنه أكمل : " لكن لتظهر أعمال الله فيه " ، لأن هذا الأعمى قد أخطأ هو ووالداه ، إلا أن عماه هذا ليس بسبب هذا ، لأنه لا يجوز أن يعاقب أحد إذا أخطأ آخر .
" ينبغى أن أعمل أعمال الذى أرسلنى ما دام نهار ،
يأتى ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل ، ما دمت فى العالم فأنا نور العالم " يو 9 : 4 – 5
كانت لحظات حاسمة حين تطلع رب المجد يسوع إلى المولود أعمى ، إنها ليست لحظات لشفاء عينى المولود أعمى فحسب ، وإنما للكشف عن شخص السيد المسيح أنه نور العالم ، واهب البصيرة الداخلية .
يعمل السيد المسيح مادام الوقت نهار ، أى مادام يمكننا أن نتمتع بأعماله الخلاصية ، لأنه إذ ينتهى النهار ويحل ليل القبر لا يمكن الأنتفاع بعد بأعماله ، حيث لا مجال لتوبتنا ورجوعنا إليه ، فى نهار حياتنا يشرق علينا بكونه " نور العالم " ، شمس البر الذى ينير نفوسنا وأذهاننا وكل أعماقنا .
سبق فأعلن أن عمله هو إشراق نوره على الجالسين فى الظلمة ( يو 8 : 12 ) ،
" قال هذا وتفل على الأرض ، وصنع من التفل طينا ،
وطلى بالطين عينى الأعمى " يو 9 : 6
طريقة شفاء المولود أعمى فريدة ، فمن المعروف أن الطين يفسد العين السليمة ، فكيف يصنع من التفل طينا ليطلى به عينى المولود أعمى ؟
يؤكد السيد المسيح أنه يتمم عمله بحسب فكره الإلهى وليس حسب رغبتنا ووسائلنا البشرية ، لم ينتظر حتى يعبر السبت ، لأن السبت هو يوم الراحة ، فتستريح نفس المسيح بالعمل الإلهى واهب الأستنارة والراحة للغير .
لم يستعمل السيد المسيح ماء فى الطين الذى أصلحه ، بل استعمل لعابه ، لكى لا ينسب الشفاء إلى الينبوع ، بل لكى نعرف أن القوة الظاهرة من فمه هى التى أبدعت عينى الأعمى وفتحتهما .
" وقال له : اذهب اغتسل فى بركة سلوام الذى تفسيره مرسل ،
فمضى واغتسل وأتى بصيرا " يو 9 : 7
سلوام : وهى عبارة عن ينبوع كان تحت حصون أورشليم نحو الشرق ، كانت مياة هذا الينبوع تجمع فى مخزن عظيم لأستخدام المدينة ، وكان يصدر عنه مجرى ماء يغذى بركة بيت صيدا .
كما أن المسيح كان الصخرة الروحية ( 1 كو 10 : 4 ) هكذا كانت أيضا سلوام الروحية .
أبرز السيد المسيح طاعة هذا الأعمى ، فمن جهة ترك ربنا يسوع المسيح الذى لم يره من قبل أن يصنع طينا على عينيه دون أن يتذمر ، أو حتى يتسآل كيف تشفى عينان بالطين ؟ ومن جهة أخرى أطاع وذهب إلى بركة سلوام واغتسل فيها ، وربما سبق فاغتسل فيها ولم يتمتع بالبصر .. لقد اعلن السيد عن فضائل هذا الأعمى المسكين كيف أطاع فى يقين وثقة وهدوء .
عاد الأعمى بصيرا ، يرى ما لا يرى ، مسبحا بكل كيانه ذاك الذى وهبه الأستنارة ، وكما قيل باشعياء النبى : " صوت مراقبيك يرفعون صوتهم ، يترنمون معا لأنهم يبصرون عينا لعين عند رجوع الرب إلى صهيون " ( إش 52 : 8 ) .
حوار بين الجيران والأعمى :
" فالجيران والذين كانوا يرونه قبلا أنه كان أعمى قالوا :
أليس هذا هو الذى كان يجلس ويستعطى ؟
آخرون قالوا : هذا هو ..... وآخرون إنه يشبهه ، وأما هو فقال : إنى أنا هو " يو 9 : 8 ، 9
دهش جيرانه فقد ولد ونشأ فى وسطهم ، وها هو الآن يسير هنا وهناك متهللا ، لقد تغيرت حتى لهجته وكلماته ، فعوض كلمات الأستعطاف لكى ينال صدقة ، صارت كلماته تحمل تسبيحا وشكرا ، هذا وقد تمت معجزة شفائه علانية ولم تكن خفية ... مع هذا فقد تشكك البعض فى شخصه ، وتضاربت الأقوال ، لأن شفاء مولود أعمى أمر يصعب قبوله ، بل ومستحيل حسب الفكر البشرى .
" فقالوا له : كيف انفتحت عيناك ؟
أجاب ذاك وقال : إنسان يقال له يسوع صنع طينا وطلى عينى ،
وقال لى : اذهب إلى بركة سلوام واغتسل ، فمضيت واغتسلت ، فأبصرت " . يو 9 : 10 - 11
لقد قدم الحقيقة فى بساطة حسب خبرته فقال : " إنسان يقال له يسوع صنع طينا .. " لم يكن قد سبق فرأى يسوع لكنه سمع عنه ، وسمع صوته حين أمره أن يغتسل فى بركة سلوام ، لقد شعر بأنه وضع شيئا على عينيه اكتشف بعد شفائه أنه طين ، وأن يسوع قد صنعه بنفسه وطلى به عينيه .
" فقالوا له : أين ذاك ؟ .. قال لا أعلم " . يو 9 : 12
إن مسرة السيد المسيح هى فى العطاء المجانى دون انتظار لكلمة مديح أو شكر ، وإن عاتب على عدم الشكر فهو من أجل الآخرين ، إذ يريدهم شاكرين فرحين مسبحين كالملائكة .
حوار بين الفريسيين والأعمى :
" فأتوا إلى الفريسيين بالذى كان قبلا أعمى ،
وكان سبت حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه ،
فسأله الفريسيون أيضا كيف أبصر .
فقال لهم : وضع طينا على عينى واغتسلت ، فأنا أبصر " يو 9 : 13 – 15
كنا نتوقع أن ينشغل الجيران بالبحث عن صانع المعجزة ليتعرفوا عليه ويتمتعوا به ، لكنهم أمسكوا بالأعمى وأتوا به إلى الفريسيين ، وكأنه مشترك فى جريمة ، قادوه كمتهم أنه قبل كسر السبت حتى ولو كان فيه خلق لعينيه ، وقدم الفريسيون ذات السؤال الذى وجهه إليه جيرانه ، ولم يكن هذا بقصد التعرف على الحقيقة من مصدرها الأصلى ، وإنما لعلهم يجدون علة يشتكون بها على شخص يسوع ، ويشوهون بها صورته أمام الجمهور الذى التف حوله .
ومع هذا لم يضطرب الأعمى ، فلم ينكر ، ولم يقل أقوالا مخالفة لأقواله الأولى ....
" فقال قوم من الفريسيين : هذا الأنسان ليس من الله ، لأنه لا يحفظ السبت ،
آخرون قالوا : كيف يقدر إنسان خاطىء أن يعمل مثل هذه الآيات ؟
وكان بينهم انشقاق " . يو 9 : 16
فى ختام كل تعليم أو معجزة غالبا ما كان يحدث انشقاق بين الجموع ، وكان المقاومون يحتكمون لدى الفريسيين كقضاة وأصحاب سلطة دينية ، أما هنا فالأنشقاق بين القضاة أنفسهم ، وربما هذا أدى إلى تأجيل الحكم فى أمر يسوع المسيح .
لقد تعمد أن يشفى مفلوج بيت حسدا فى يوم سبت ويأمره أن يحمل سريره ويمشى ( يو 5 : 8 ) ، وأن يشفى المولود أعمى بصنع الطين وطلاء عينيه ، ... لقد تعمد فعل ذلك لأبراز مفهوم السبت ، إنه راحة فى الرب ، فى ممارسة عمل الرب من حب ورحمة ، وليس فى حرفية قاتلة بالأمتناع عن الأعمال اليومية الضرورية وأعمال المحبة ..
لقد كسر السبت .. هو النور الذى جاء فأزال الظلال ، لماذا تبهجنا الظلال ؟ افتحوا أيها اليهود أعينكم ، فإن الشمس حاضرة ..
لقد فرض الرب الإله السبت ، فرضه المسيح نفسه الذى كان مع الآب عندما أعطى الناموس ، لقد فرضه كما فى ظل لما يحدث بعد ذلك : " فلا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التى هى ظل الأمور العتيدة " ( كو 2 : 16 ، 17 ) .
قالوا : " نحن نعلم " ، ماذا تعلمون أيها العميان القلب ؟ " إن هذا الأنسان ليس من الله ، لأنه لا يحفظ السبت " ......
أيها التعساء : السبت عينه هو الذى وضعه المسيح الذى تقولون عنه أنه ليس من الله ،، أنتم تحفظون السبت بطريقة جسدانية ، إنكم عميان عن الصلاح ، الذى لهذا الأعمى الذى لم يعد بعد أعمى لا بالجسد ولا بالقلب ....
قالوا أيضا للأعمى :
ماذا تقول أنت عنه من حيث أنه فتح عينيك ؟
فقال : إنه نبى " يو 9 : 17
لقد ألقوا بالشباك أمام الأعمى لكى ينكر أن يسوع هو المسيا ، حتى لا يتعرض للطرد من المجمع وربما للقتل ، ولكنه خيب آمالهم وكرم واهب الشفاء ، كان هذا الأعمى مثل المرأة السامرية ، كلاهما ظنا أنه " نبى " قبل أن يتعرفا على حقيقة شخصه أنه المسيا " قدوس القديسين " واهب البر الأبدى ، لقد بدأ النور يشرق فى قلبه ، فى بصيرته الداخلية كما أشرق فى عينيه الجسديتين ...
لاحظوا حكمة الرجل الفقير فقد تحدث بأكثر حكمة من جميعهم ، قال أولا : " انه نبى " ( 17 ) إنه لم يخش حكم اليهود ، والمعارضين الذين حكموا على يسوع بأنه لا يحفظ السبت .
حوار بين الفريسيين ووالدى الأعمى :
" فلم يصدق اليهود عنه أنه كان أعمى فأبصر ،
حتى دعوا أبوى الذى أبصر " يو 9 : 18
يقصد بكلمة " اليهود " هنا السلطات الدينية ، خاصة الفريسيين وأعضاء مجمع السنهدرين ، إنهم لم يصدقوا أنه ولد أعمى ، فاستدعوا والديه للتأكد أنه ابنهما ، وأنه ولد أعمى ، لعلهم يجدون علة بها يقللون من شأن المعجزة أمام الشعب .
" فسألوهما قائلين :
أهذا ابنكما الذى تقولان أنه ولد أعمى ، فكيف يبصر الآن ؟ " يو 9 : 19
إذ لم يحتمل هؤلاء القادة نور الحق قدموا سؤالا للوالدين فى اسلوب يحمل عجرفة وتهديدا ، فلم يكتفوا بالشر ، وإنما بثوا الرعب وسط الشعب لكى يشاركوهم جحودهم للمسيا ورفضهم للحق الإلهى .
" أجابهم أبواه وقالا : نعلم أن هذا ابننا ، وأنه ولد أعمى ،
وأما كيف يبصر الآن فلا نعلم ، أو من فتح عينيه فلا نعلم ،
هو كامل السن أسألوه ، فهو يتكلم عن نفسه ،
قال أبواه هذا ، لأنهما كانا يخافان من اليهود ، لأن اليهود كانوا قد تعاهدوا ،
أنه إن اعترف أحد بأنه المسيح يخرج من المجمع ،
لذلك قال أبواه : إنه كامل السن اسألوه " يو 9 : 20 – 23
لم يخجل والداه من الأعتراف بأنه ابنهما الذى بسبب الفقر مع العمى كان يستعطى ، وإذ لم يكونا شاهدى عيان لشفائه تهربا من الأجابة عن كيفية إبصاره خشية طردهما من المجمع ، استخدما الحكمة البشرية ففقدا نعمة الشهادة للسيد المسيح ، وحرما من تقديم ذبيحة شكر وشهادة حق لصانع الخيرات ، خشيا البشر فنصبا شركا لنفسيهما ولأبنهما ، الطرد من المجمع يعنى عزله عن جماعة المتعبدين وهو أقل أنواع الحرومات عند اليهود ، كان عقوبة الأعتراف بيسوع أنه المسيح هى الطرد من المجمع ، إذ يحسب كمن ارتد عن الأيمان اليهودى ، ويحسب متمردا وخائنا للقيادة الدينية ، بطرده يدرك الشخص أنه غير أهل لكرامة الأنتساب إلى شعب الله ، وعجزه عن التمتع بامتيازات إسرائيل .
" فدعوا ثانية الأنسان الذى كان أعمى ، وقالوا له :
اعط مجدا لله ، نحن نعلم إن هذا الأنسان خاطىء ،
فأجاب ذاك وقال :
أخاطىء هو لست أعلم ، إنما أعلم شيئا واحدا ،
إنى كنت أعمى والآن أبصر " يو 9 : 24 – 25 استدعوا الأعمى للمرة الثانية وتعاملوا معه بوقار شديد فى البداية ليكسبوه فى صفهم ، قالوا له : " اعط مجدا لله " ، أرادوا أن يتشبهوا بيشوع عندما حكم على عاخان بالرجم إذ سأله أولا : " اعط مجدا للرب " ( يش 7 : 16 ) ، .... سبق أن أعلن السيد المسيح مجاهرة : " من منكم يبكتنى على خطية ؟ " فى حضوره لم يجسر أحد أن يتهمه ، لكن من ورائه كانوا يقولون : " نحن نعلم أن هذا الأنسان خاطىء " ... لم يشغل هذا الفقير أن يسر القيادات الدينية ولا أن ينال منهم كرامة ، إنما فى بساطة نطق بالحق ، فصار شاهدا حقيقيا لشخص السيد المسيح
لما شفى السيد المسيح المفلوج ، حذره من العودة للخطية ! إلا أن هذا القول لا ينطبق على الأعمى ، لأن من مولده هو أعمى ، فهل أخطأ أبواه ؟ ولا هذا القول يجوز أن يقال ، لأن الطفل لا يتكبد العقوبة من أجل أبويه .. لقد تحدث التلاميذ هنا لا ليسألوه عن معلومات قدر ما كانوا فى حيرة .
" أجاب يسوع :
لا هذا أخطأ ولا أبواه ، لكن لتظهر أعمال الله فيه " . يو 9 : 3
عوض إدانة المولود أعمى أو والديه وجه السيد المسيح أنظار تلاميذه إلى عناية الله الفائقة وخطته الخفية ، فقد سمح بالعمى لكن يهب هذا المولود أعمى البصيرة الروحية ، ولكى يشهد للحق الإلهى أمام القيادات اليهودية العنيفة ويمجد الله .
قول السيد المسيح عن الأعمى : " لا هذا أخطأ ولا أبواه " ، ليس مبرئا لأبويه من الخطايا ، لكنه أكمل : " لكن لتظهر أعمال الله فيه " ، لأن هذا الأعمى قد أخطأ هو ووالداه ، إلا أن عماه هذا ليس بسبب هذا ، لأنه لا يجوز أن يعاقب أحد إذا أخطأ آخر .
" ينبغى أن أعمل أعمال الذى أرسلنى ما دام نهار ،
يأتى ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل ، ما دمت فى العالم فأنا نور العالم " يو 9 : 4 – 5
كانت لحظات حاسمة حين تطلع رب المجد يسوع إلى المولود أعمى ، إنها ليست لحظات لشفاء عينى المولود أعمى فحسب ، وإنما للكشف عن شخص السيد المسيح أنه نور العالم ، واهب البصيرة الداخلية .
يعمل السيد المسيح مادام الوقت نهار ، أى مادام يمكننا أن نتمتع بأعماله الخلاصية ، لأنه إذ ينتهى النهار ويحل ليل القبر لا يمكن الأنتفاع بعد بأعماله ، حيث لا مجال لتوبتنا ورجوعنا إليه ، فى نهار حياتنا يشرق علينا بكونه " نور العالم " ، شمس البر الذى ينير نفوسنا وأذهاننا وكل أعماقنا .
سبق فأعلن أن عمله هو إشراق نوره على الجالسين فى الظلمة ( يو 8 : 12 ) ،
" قال هذا وتفل على الأرض ، وصنع من التفل طينا ،
وطلى بالطين عينى الأعمى " يو 9 : 6
طريقة شفاء المولود أعمى فريدة ، فمن المعروف أن الطين يفسد العين السليمة ، فكيف يصنع من التفل طينا ليطلى به عينى المولود أعمى ؟
يؤكد السيد المسيح أنه يتمم عمله بحسب فكره الإلهى وليس حسب رغبتنا ووسائلنا البشرية ، لم ينتظر حتى يعبر السبت ، لأن السبت هو يوم الراحة ، فتستريح نفس المسيح بالعمل الإلهى واهب الأستنارة والراحة للغير .
لم يستعمل السيد المسيح ماء فى الطين الذى أصلحه ، بل استعمل لعابه ، لكى لا ينسب الشفاء إلى الينبوع ، بل لكى نعرف أن القوة الظاهرة من فمه هى التى أبدعت عينى الأعمى وفتحتهما .
" وقال له : اذهب اغتسل فى بركة سلوام الذى تفسيره مرسل ،
فمضى واغتسل وأتى بصيرا " يو 9 : 7
سلوام : وهى عبارة عن ينبوع كان تحت حصون أورشليم نحو الشرق ، كانت مياة هذا الينبوع تجمع فى مخزن عظيم لأستخدام المدينة ، وكان يصدر عنه مجرى ماء يغذى بركة بيت صيدا .
كما أن المسيح كان الصخرة الروحية ( 1 كو 10 : 4 ) هكذا كانت أيضا سلوام الروحية .
أبرز السيد المسيح طاعة هذا الأعمى ، فمن جهة ترك ربنا يسوع المسيح الذى لم يره من قبل أن يصنع طينا على عينيه دون أن يتذمر ، أو حتى يتسآل كيف تشفى عينان بالطين ؟ ومن جهة أخرى أطاع وذهب إلى بركة سلوام واغتسل فيها ، وربما سبق فاغتسل فيها ولم يتمتع بالبصر .. لقد اعلن السيد عن فضائل هذا الأعمى المسكين كيف أطاع فى يقين وثقة وهدوء .
عاد الأعمى بصيرا ، يرى ما لا يرى ، مسبحا بكل كيانه ذاك الذى وهبه الأستنارة ، وكما قيل باشعياء النبى : " صوت مراقبيك يرفعون صوتهم ، يترنمون معا لأنهم يبصرون عينا لعين عند رجوع الرب إلى صهيون " ( إش 52 : 8 ) .
حوار بين الجيران والأعمى :
" فالجيران والذين كانوا يرونه قبلا أنه كان أعمى قالوا :
أليس هذا هو الذى كان يجلس ويستعطى ؟
آخرون قالوا : هذا هو ..... وآخرون إنه يشبهه ، وأما هو فقال : إنى أنا هو " يو 9 : 8 ، 9
دهش جيرانه فقد ولد ونشأ فى وسطهم ، وها هو الآن يسير هنا وهناك متهللا ، لقد تغيرت حتى لهجته وكلماته ، فعوض كلمات الأستعطاف لكى ينال صدقة ، صارت كلماته تحمل تسبيحا وشكرا ، هذا وقد تمت معجزة شفائه علانية ولم تكن خفية ... مع هذا فقد تشكك البعض فى شخصه ، وتضاربت الأقوال ، لأن شفاء مولود أعمى أمر يصعب قبوله ، بل ومستحيل حسب الفكر البشرى .
" فقالوا له : كيف انفتحت عيناك ؟
أجاب ذاك وقال : إنسان يقال له يسوع صنع طينا وطلى عينى ،
وقال لى : اذهب إلى بركة سلوام واغتسل ، فمضيت واغتسلت ، فأبصرت " . يو 9 : 10 - 11
لقد قدم الحقيقة فى بساطة حسب خبرته فقال : " إنسان يقال له يسوع صنع طينا .. " لم يكن قد سبق فرأى يسوع لكنه سمع عنه ، وسمع صوته حين أمره أن يغتسل فى بركة سلوام ، لقد شعر بأنه وضع شيئا على عينيه اكتشف بعد شفائه أنه طين ، وأن يسوع قد صنعه بنفسه وطلى به عينيه .
" فقالوا له : أين ذاك ؟ .. قال لا أعلم " . يو 9 : 12
إن مسرة السيد المسيح هى فى العطاء المجانى دون انتظار لكلمة مديح أو شكر ، وإن عاتب على عدم الشكر فهو من أجل الآخرين ، إذ يريدهم شاكرين فرحين مسبحين كالملائكة .
حوار بين الفريسيين والأعمى :
" فأتوا إلى الفريسيين بالذى كان قبلا أعمى ،
وكان سبت حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه ،
فسأله الفريسيون أيضا كيف أبصر .
فقال لهم : وضع طينا على عينى واغتسلت ، فأنا أبصر " يو 9 : 13 – 15
كنا نتوقع أن ينشغل الجيران بالبحث عن صانع المعجزة ليتعرفوا عليه ويتمتعوا به ، لكنهم أمسكوا بالأعمى وأتوا به إلى الفريسيين ، وكأنه مشترك فى جريمة ، قادوه كمتهم أنه قبل كسر السبت حتى ولو كان فيه خلق لعينيه ، وقدم الفريسيون ذات السؤال الذى وجهه إليه جيرانه ، ولم يكن هذا بقصد التعرف على الحقيقة من مصدرها الأصلى ، وإنما لعلهم يجدون علة يشتكون بها على شخص يسوع ، ويشوهون بها صورته أمام الجمهور الذى التف حوله .
ومع هذا لم يضطرب الأعمى ، فلم ينكر ، ولم يقل أقوالا مخالفة لأقواله الأولى ....
" فقال قوم من الفريسيين : هذا الأنسان ليس من الله ، لأنه لا يحفظ السبت ،
آخرون قالوا : كيف يقدر إنسان خاطىء أن يعمل مثل هذه الآيات ؟
وكان بينهم انشقاق " . يو 9 : 16
فى ختام كل تعليم أو معجزة غالبا ما كان يحدث انشقاق بين الجموع ، وكان المقاومون يحتكمون لدى الفريسيين كقضاة وأصحاب سلطة دينية ، أما هنا فالأنشقاق بين القضاة أنفسهم ، وربما هذا أدى إلى تأجيل الحكم فى أمر يسوع المسيح .
لقد تعمد أن يشفى مفلوج بيت حسدا فى يوم سبت ويأمره أن يحمل سريره ويمشى ( يو 5 : 8 ) ، وأن يشفى المولود أعمى بصنع الطين وطلاء عينيه ، ... لقد تعمد فعل ذلك لأبراز مفهوم السبت ، إنه راحة فى الرب ، فى ممارسة عمل الرب من حب ورحمة ، وليس فى حرفية قاتلة بالأمتناع عن الأعمال اليومية الضرورية وأعمال المحبة ..
لقد كسر السبت .. هو النور الذى جاء فأزال الظلال ، لماذا تبهجنا الظلال ؟ افتحوا أيها اليهود أعينكم ، فإن الشمس حاضرة ..
لقد فرض الرب الإله السبت ، فرضه المسيح نفسه الذى كان مع الآب عندما أعطى الناموس ، لقد فرضه كما فى ظل لما يحدث بعد ذلك : " فلا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التى هى ظل الأمور العتيدة " ( كو 2 : 16 ، 17 ) .
قالوا : " نحن نعلم " ، ماذا تعلمون أيها العميان القلب ؟ " إن هذا الأنسان ليس من الله ، لأنه لا يحفظ السبت " ......
أيها التعساء : السبت عينه هو الذى وضعه المسيح الذى تقولون عنه أنه ليس من الله ،، أنتم تحفظون السبت بطريقة جسدانية ، إنكم عميان عن الصلاح ، الذى لهذا الأعمى الذى لم يعد بعد أعمى لا بالجسد ولا بالقلب ....
قالوا أيضا للأعمى :
ماذا تقول أنت عنه من حيث أنه فتح عينيك ؟
فقال : إنه نبى " يو 9 : 17
لقد ألقوا بالشباك أمام الأعمى لكى ينكر أن يسوع هو المسيا ، حتى لا يتعرض للطرد من المجمع وربما للقتل ، ولكنه خيب آمالهم وكرم واهب الشفاء ، كان هذا الأعمى مثل المرأة السامرية ، كلاهما ظنا أنه " نبى " قبل أن يتعرفا على حقيقة شخصه أنه المسيا " قدوس القديسين " واهب البر الأبدى ، لقد بدأ النور يشرق فى قلبه ، فى بصيرته الداخلية كما أشرق فى عينيه الجسديتين ...
لاحظوا حكمة الرجل الفقير فقد تحدث بأكثر حكمة من جميعهم ، قال أولا : " انه نبى " ( 17 ) إنه لم يخش حكم اليهود ، والمعارضين الذين حكموا على يسوع بأنه لا يحفظ السبت .
حوار بين الفريسيين ووالدى الأعمى :
" فلم يصدق اليهود عنه أنه كان أعمى فأبصر ،
حتى دعوا أبوى الذى أبصر " يو 9 : 18
يقصد بكلمة " اليهود " هنا السلطات الدينية ، خاصة الفريسيين وأعضاء مجمع السنهدرين ، إنهم لم يصدقوا أنه ولد أعمى ، فاستدعوا والديه للتأكد أنه ابنهما ، وأنه ولد أعمى ، لعلهم يجدون علة بها يقللون من شأن المعجزة أمام الشعب .
" فسألوهما قائلين :
أهذا ابنكما الذى تقولان أنه ولد أعمى ، فكيف يبصر الآن ؟ " يو 9 : 19
إذ لم يحتمل هؤلاء القادة نور الحق قدموا سؤالا للوالدين فى اسلوب يحمل عجرفة وتهديدا ، فلم يكتفوا بالشر ، وإنما بثوا الرعب وسط الشعب لكى يشاركوهم جحودهم للمسيا ورفضهم للحق الإلهى .
" أجابهم أبواه وقالا : نعلم أن هذا ابننا ، وأنه ولد أعمى ،
وأما كيف يبصر الآن فلا نعلم ، أو من فتح عينيه فلا نعلم ،
هو كامل السن أسألوه ، فهو يتكلم عن نفسه ،
قال أبواه هذا ، لأنهما كانا يخافان من اليهود ، لأن اليهود كانوا قد تعاهدوا ،
أنه إن اعترف أحد بأنه المسيح يخرج من المجمع ،
لذلك قال أبواه : إنه كامل السن اسألوه " يو 9 : 20 – 23
لم يخجل والداه من الأعتراف بأنه ابنهما الذى بسبب الفقر مع العمى كان يستعطى ، وإذ لم يكونا شاهدى عيان لشفائه تهربا من الأجابة عن كيفية إبصاره خشية طردهما من المجمع ، استخدما الحكمة البشرية ففقدا نعمة الشهادة للسيد المسيح ، وحرما من تقديم ذبيحة شكر وشهادة حق لصانع الخيرات ، خشيا البشر فنصبا شركا لنفسيهما ولأبنهما ، الطرد من المجمع يعنى عزله عن جماعة المتعبدين وهو أقل أنواع الحرومات عند اليهود ، كان عقوبة الأعتراف بيسوع أنه المسيح هى الطرد من المجمع ، إذ يحسب كمن ارتد عن الأيمان اليهودى ، ويحسب متمردا وخائنا للقيادة الدينية ، بطرده يدرك الشخص أنه غير أهل لكرامة الأنتساب إلى شعب الله ، وعجزه عن التمتع بامتيازات إسرائيل .
" فدعوا ثانية الأنسان الذى كان أعمى ، وقالوا له :
اعط مجدا لله ، نحن نعلم إن هذا الأنسان خاطىء ،
فأجاب ذاك وقال :
أخاطىء هو لست أعلم ، إنما أعلم شيئا واحدا ،
إنى كنت أعمى والآن أبصر " يو 9 : 24 – 25 استدعوا الأعمى للمرة الثانية وتعاملوا معه بوقار شديد فى البداية ليكسبوه فى صفهم ، قالوا له : " اعط مجدا لله " ، أرادوا أن يتشبهوا بيشوع عندما حكم على عاخان بالرجم إذ سأله أولا : " اعط مجدا للرب " ( يش 7 : 16 ) ، .... سبق أن أعلن السيد المسيح مجاهرة : " من منكم يبكتنى على خطية ؟ " فى حضوره لم يجسر أحد أن يتهمه ، لكن من ورائه كانوا يقولون : " نحن نعلم أن هذا الأنسان خاطىء " ... لم يشغل هذا الفقير أن يسر القيادات الدينية ولا أن ينال منهم كرامة ، إنما فى بساطة نطق بالحق ، فصار شاهدا حقيقيا لشخص السيد المسيح
رد: أحد التناصير ( الأحد السادس ) من الصوم الكبير
السبت أبريل 04, 2009 6:27 pm
كأنه يقول لهم أن شخصية من شفانى ليست موضوع حوار وجدال ، فأنا فى غنى عن هذا الجدال ، عمله لا يحتاج إلى حوار ، ما أعرفه أننى كنت أعمى والآن أبصر ... أرادوا تحويل عمل المسيح إلى حوارات تناقشها الجماهير فتنشغل بالحوار لا بالشركة الحية مع المسيح ، أما المولود أعمى ففضل خبرة الحياة الجديدة المستنيرة عن الأنشغال بمناقشات غبية .
" فقالوا له أيضا : ماذا صنع بك ؟
كيف فتح عينيك ؟ أجابهم : قد قلت لكم ولم تسمعوا ،
لماذا تريدون أن تسمعوا أيضا ؟
ألعلكم أنتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ " يو 9 : 26 – 27
جاءت إجابته تحمل روح الصراحة والشجاعة والشهادة الحية للسيد المسيح ، كما جاء سؤاله لهم فاصلا أن يختاروا أحد أمرين : التلمذة للسيد المسيح كما يتتلمذ هو على يديه ، أو وقف الحوار معه ، فإنه ليس من مجال للحوار .
" فشتموه ، وقالوا :
أنت تلميذ ذاك ، وأما نحن فإننا تلاميذ موسى
نحن نعلم أن موسى كلمة الله ، وأما هذا فما نعلم من أين هو " يو 9 : 28 – 29
إذ لم يستطيعوا مقاومة الحق لجأوا إلى لغة الشتيمة ، وهذا ما يتوقعه كل من يلتصق بالحق .
فى استخفاف قالوا له : " أنت تلميذ ذاك " ، إذ لم يكن بعد قد رآه ، ولا سمع لعظاته ، لكنهم حسبوه تلميذه لأنه يشهد له ، أما هو فكان يعتز بأن يكون تلميذه .
كانوا يفتخرون بعلاقتهم بموسى النبى كمعلم لهم ، فلا يحتاجون إلى معلم آخر ، ولا يطلبون ذلك . سبق أن افتخروا أمام السيد المسيح أنهم أبناء إبراهيم ، والآن يعتزون بأنهم تلاميذ موسى ، مع أنهم كانوا بأعمالهم وفكرهم غرباء عن إبراهيم وعن موسى ، لو كانوا بحق أبناء إبراهيم لرأوا معه يومه وتهللوا ( يو 8 : 56 ) ، ولو كانوا بالحق تلاميذ موسى لألتصقوا بالسيد المسيح الذى تنبأ عنه موسى ، عوض مقاومتهم .
" أجاب الرجل وقال لهم :
إن فى هذا عجبا ، أنكم لستم تعلمون من أين هو ، وقد فتح عينى ،
ونعلم أن الله لا يسمع للخطاة ،
ولكن إن كان أحد يتقى الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع " يو 9 : 30 – 31
دهش الأعمى لإحساسهم بأن يسوع غريب عن الخدمة الإلهية ، وقد فعل ما لم يفعله موسى النبى ، تفتيح عينى إنسان مولود أعمى ، لقد عرفت المدينة كلها بالمعجزة ، لأنه كان يستعطى وكثيرون من كل نواحى المدينة رأوه وتيقنوا أنه أعمى طول الماضى ، وها هو يقف ويسير شاهدا بعمل السيد المسيح الفائق .
" منذ الدهر لم يسمع أن أحدا فتح عينى مولود أعمى ،
لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئا ، أجابوا وقالوا له :
فى الخطايا ولدت أنت بجملتك ،
وأنت تعلمنا ، فأخرجوه خارجا " . يو 9 : 32 – 34
قدم الأعمى نتيجة صادقة ، وهى أنه لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئا لأنه ينبوع كل صلاح ، ليس من صلاح يمكن أن يتحقق بدونه . إذ لم يكن لديهم القدرة على الرد عليه ، استخدموا سلطانهم بحرمانه وطرده . احتقروه وأهانوه ، استخفوا بكلماته وهم فى دهشة : كيف يقف هذا الغبى الأمى الذى يجهل حتى نور الشمس إذ لم يره من قبل والذى يجلس يستجدى أن يحتل مركز المعلم بالنسبة لقادة الفكر والعلم ؟ أخرجوه خارج لكنهم لم يعزلوه عن الشركة مع المسيح ، ظنوه غير أهل للعضوية الكنسية اليهودية ، ولم يدركوا أنه يتأهل للعضوية فى جسد المسيح .
حوار بين المسيح والأعمى :
" فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجا ، فوجده وقال له : أتؤمن بابن الله ؟
أجاب ذاك وقال : من هو يا سيد لأومن به "
فقال له يسوع : قد رأيته ، والذى يتكلم معك هو هو ،
فقال أؤمن يا سيد وسجد له " يو 9 : 35 – 38
واضح أن السيد المسيح كان كمن يبحث عنه ليجده ، وجده إله المطرودين والمرذولين وأب الأيتام وقاضى الأرامل ، والمهتم بمن ليس لهم من يسأل عنه .
الذين يعانون من الأمور المرعبة والشتائم بسبب الحق والأعتراف بالمسيح هؤلاء يكرمون على وجه الخصوص ....
لقد أخرجه اليهود خارج الهيكل ، ورب الهيكل وجده ،
لقد عزل من الصحبة المهلكة ، والتقى بينبوع الخلاص ،
أهانه الذين أهانوا المسيح ، فكرمه رب الملائكة ،
هكذا هى مكآفات الحق .
جاء السيد المسيح للأعمى ليشبع احتياجاته ، ويملأ أعماقه بالحب الإلهى .
فتح السيد المسيح عينى الأعمى لكى ينظر إليه الأعمى ويراه ، إن كان تفتيح العينين قد أبهجا هذا الأعمى ، فإن رؤيته لأبن الله أعظم جدا من تمته بالعينين الجسديتين . رؤيته لأبن الله أبهجت قلبه أكثر من كل أنوار العالم ، وها نحن بالأيمان نتمتع بالبصيرة الداخلية ، فننعم برؤية السيد المسيح ، وندرك سره كأبن الله الوحيد الجنس ، حقا يستطيع أن يترنم مع المرتل قائلا : " بنورك يارب نعاين النور " ( مز 36 : 9 ) .
" سجد له " إذ لم يقدم له تكريما كما لأنسان ليعبر عن شكره له ، لكنه قدم له سجودا لائقا بالعبادة لله . هكذا عبر عن إيمانه بالشهادة العلنية دون خوف ، والعبادة لله بروح التواضع .
حوار بين المسيح والفريسيين :
" فقال يسوع : لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم ،
حتى يبصر الذين لا يبصرون ، ويعمى الذين يبصرون ،
فسمع هذا الذين كانوا معه من الفريسيين وقالوا له :
ألعلنا نحن أيضا عميان ؟ " يو 9 : 39 – 40
لقد سجد الأعمى عند قدمى ربنا يسوع يعلن إيمانه به أنه ابن الله ، أقول أنه مشهد سحب أنظار السمائيين وهم يرون إيمان هذا الأنسان الصادق مع نفسه ومع مقاومة أعلى درجات القيادة الدينية للحق ، إنه منظر يفرح قلب السيد المسيح ، ليس لأحتياجه إلى من يشهد له ، ولكن لأنه يود أن يتمتع الكل بالنور السماوى .
لقد سبق فأعلن السيد أنه ما جاء إلى العالم ليدينه بل ليخلصه ( يو 3 : 17 ) لكنه إذ يشرق بنوره على الجالسين فى الظلمة بنوره يصير المستنيرون علة دينونة للذين أحبوا الظلمة أكثر من النور ( يو 3 : 19 ) إنهم يدينون أنفسهم بأنفسهم ، لأنهم حتى يتعثرون ويسقطون فى الحفرة ، إذ هم : " عميان قادة عميان " ( مت 15 : 14 ) .
" قال لهم يسوع :
لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية ،
ولكن الآن تقولون إننا نبصر ، فخطيتكم باقية " . يو 9 : 41
لو أنهم اعترفوا بجهلهم لما سقطوا تحت الحكم ، لكن أفواههم تشهد ، فقد ادعوا أنهم مبصرون ، قادرون على إدراك الحق وتمييزه عن الباطل ، أدعوا أنهم مبصرون ، يرون الحق الإلهى ويفهمون الشريعة والنبوات ، لذا أغلقوا على أنفسهم ، وصارت خطيتهم باقية .
+ عيناك بالحب تتطلعان إلى ، كما إلى المولود أعمى !
ورثنا عن أبينا آدم عمى البصيرة ، فلم نعد نتمتع بجمال بهائك !
+ أنت هو النهار الذى لا يكف عن أن يعمل ،
أنت النور الذى يبدد الظلمة التى فى !
لتشرق على بنورك ، فأصير أبنا للنهار ،
ولا تغرب عنى يا شمس البر !
+ مع المولود أعمى لا أخشى الطرد ،
إذ يرفضنى الجميع تتراءى أنت لى ،
وإذ أطرد خارجا ، أجدك حاملا للصليب خارج المحلة ، أنت إله المطرودين والمرذولين .
" فقالوا له أيضا : ماذا صنع بك ؟
كيف فتح عينيك ؟ أجابهم : قد قلت لكم ولم تسمعوا ،
لماذا تريدون أن تسمعوا أيضا ؟
ألعلكم أنتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ " يو 9 : 26 – 27
جاءت إجابته تحمل روح الصراحة والشجاعة والشهادة الحية للسيد المسيح ، كما جاء سؤاله لهم فاصلا أن يختاروا أحد أمرين : التلمذة للسيد المسيح كما يتتلمذ هو على يديه ، أو وقف الحوار معه ، فإنه ليس من مجال للحوار .
" فشتموه ، وقالوا :
أنت تلميذ ذاك ، وأما نحن فإننا تلاميذ موسى
نحن نعلم أن موسى كلمة الله ، وأما هذا فما نعلم من أين هو " يو 9 : 28 – 29
إذ لم يستطيعوا مقاومة الحق لجأوا إلى لغة الشتيمة ، وهذا ما يتوقعه كل من يلتصق بالحق .
فى استخفاف قالوا له : " أنت تلميذ ذاك " ، إذ لم يكن بعد قد رآه ، ولا سمع لعظاته ، لكنهم حسبوه تلميذه لأنه يشهد له ، أما هو فكان يعتز بأن يكون تلميذه .
كانوا يفتخرون بعلاقتهم بموسى النبى كمعلم لهم ، فلا يحتاجون إلى معلم آخر ، ولا يطلبون ذلك . سبق أن افتخروا أمام السيد المسيح أنهم أبناء إبراهيم ، والآن يعتزون بأنهم تلاميذ موسى ، مع أنهم كانوا بأعمالهم وفكرهم غرباء عن إبراهيم وعن موسى ، لو كانوا بحق أبناء إبراهيم لرأوا معه يومه وتهللوا ( يو 8 : 56 ) ، ولو كانوا بالحق تلاميذ موسى لألتصقوا بالسيد المسيح الذى تنبأ عنه موسى ، عوض مقاومتهم .
" أجاب الرجل وقال لهم :
إن فى هذا عجبا ، أنكم لستم تعلمون من أين هو ، وقد فتح عينى ،
ونعلم أن الله لا يسمع للخطاة ،
ولكن إن كان أحد يتقى الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع " يو 9 : 30 – 31
دهش الأعمى لإحساسهم بأن يسوع غريب عن الخدمة الإلهية ، وقد فعل ما لم يفعله موسى النبى ، تفتيح عينى إنسان مولود أعمى ، لقد عرفت المدينة كلها بالمعجزة ، لأنه كان يستعطى وكثيرون من كل نواحى المدينة رأوه وتيقنوا أنه أعمى طول الماضى ، وها هو يقف ويسير شاهدا بعمل السيد المسيح الفائق .
" منذ الدهر لم يسمع أن أحدا فتح عينى مولود أعمى ،
لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئا ، أجابوا وقالوا له :
فى الخطايا ولدت أنت بجملتك ،
وأنت تعلمنا ، فأخرجوه خارجا " . يو 9 : 32 – 34
قدم الأعمى نتيجة صادقة ، وهى أنه لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئا لأنه ينبوع كل صلاح ، ليس من صلاح يمكن أن يتحقق بدونه . إذ لم يكن لديهم القدرة على الرد عليه ، استخدموا سلطانهم بحرمانه وطرده . احتقروه وأهانوه ، استخفوا بكلماته وهم فى دهشة : كيف يقف هذا الغبى الأمى الذى يجهل حتى نور الشمس إذ لم يره من قبل والذى يجلس يستجدى أن يحتل مركز المعلم بالنسبة لقادة الفكر والعلم ؟ أخرجوه خارج لكنهم لم يعزلوه عن الشركة مع المسيح ، ظنوه غير أهل للعضوية الكنسية اليهودية ، ولم يدركوا أنه يتأهل للعضوية فى جسد المسيح .
حوار بين المسيح والأعمى :
" فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجا ، فوجده وقال له : أتؤمن بابن الله ؟
أجاب ذاك وقال : من هو يا سيد لأومن به "
فقال له يسوع : قد رأيته ، والذى يتكلم معك هو هو ،
فقال أؤمن يا سيد وسجد له " يو 9 : 35 – 38
واضح أن السيد المسيح كان كمن يبحث عنه ليجده ، وجده إله المطرودين والمرذولين وأب الأيتام وقاضى الأرامل ، والمهتم بمن ليس لهم من يسأل عنه .
الذين يعانون من الأمور المرعبة والشتائم بسبب الحق والأعتراف بالمسيح هؤلاء يكرمون على وجه الخصوص ....
لقد أخرجه اليهود خارج الهيكل ، ورب الهيكل وجده ،
لقد عزل من الصحبة المهلكة ، والتقى بينبوع الخلاص ،
أهانه الذين أهانوا المسيح ، فكرمه رب الملائكة ،
هكذا هى مكآفات الحق .
جاء السيد المسيح للأعمى ليشبع احتياجاته ، ويملأ أعماقه بالحب الإلهى .
فتح السيد المسيح عينى الأعمى لكى ينظر إليه الأعمى ويراه ، إن كان تفتيح العينين قد أبهجا هذا الأعمى ، فإن رؤيته لأبن الله أعظم جدا من تمته بالعينين الجسديتين . رؤيته لأبن الله أبهجت قلبه أكثر من كل أنوار العالم ، وها نحن بالأيمان نتمتع بالبصيرة الداخلية ، فننعم برؤية السيد المسيح ، وندرك سره كأبن الله الوحيد الجنس ، حقا يستطيع أن يترنم مع المرتل قائلا : " بنورك يارب نعاين النور " ( مز 36 : 9 ) .
" سجد له " إذ لم يقدم له تكريما كما لأنسان ليعبر عن شكره له ، لكنه قدم له سجودا لائقا بالعبادة لله . هكذا عبر عن إيمانه بالشهادة العلنية دون خوف ، والعبادة لله بروح التواضع .
حوار بين المسيح والفريسيين :
" فقال يسوع : لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم ،
حتى يبصر الذين لا يبصرون ، ويعمى الذين يبصرون ،
فسمع هذا الذين كانوا معه من الفريسيين وقالوا له :
ألعلنا نحن أيضا عميان ؟ " يو 9 : 39 – 40
لقد سجد الأعمى عند قدمى ربنا يسوع يعلن إيمانه به أنه ابن الله ، أقول أنه مشهد سحب أنظار السمائيين وهم يرون إيمان هذا الأنسان الصادق مع نفسه ومع مقاومة أعلى درجات القيادة الدينية للحق ، إنه منظر يفرح قلب السيد المسيح ، ليس لأحتياجه إلى من يشهد له ، ولكن لأنه يود أن يتمتع الكل بالنور السماوى .
لقد سبق فأعلن السيد أنه ما جاء إلى العالم ليدينه بل ليخلصه ( يو 3 : 17 ) لكنه إذ يشرق بنوره على الجالسين فى الظلمة بنوره يصير المستنيرون علة دينونة للذين أحبوا الظلمة أكثر من النور ( يو 3 : 19 ) إنهم يدينون أنفسهم بأنفسهم ، لأنهم حتى يتعثرون ويسقطون فى الحفرة ، إذ هم : " عميان قادة عميان " ( مت 15 : 14 ) .
" قال لهم يسوع :
لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية ،
ولكن الآن تقولون إننا نبصر ، فخطيتكم باقية " . يو 9 : 41
لو أنهم اعترفوا بجهلهم لما سقطوا تحت الحكم ، لكن أفواههم تشهد ، فقد ادعوا أنهم مبصرون ، قادرون على إدراك الحق وتمييزه عن الباطل ، أدعوا أنهم مبصرون ، يرون الحق الإلهى ويفهمون الشريعة والنبوات ، لذا أغلقوا على أنفسهم ، وصارت خطيتهم باقية .
هب لى يارب البصيرة الداخلية !
+ عيناك بالحب تتطلعان إلى ، كما إلى المولود أعمى !
ورثنا عن أبينا آدم عمى البصيرة ، فلم نعد نتمتع بجمال بهائك !
+ أنت هو النهار الذى لا يكف عن أن يعمل ،
أنت النور الذى يبدد الظلمة التى فى !
لتشرق على بنورك ، فأصير أبنا للنهار ،
ولا تغرب عنى يا شمس البر !
+ مع المولود أعمى لا أخشى الطرد ،
إذ يرفضنى الجميع تتراءى أنت لى ،
وإذ أطرد خارجا ، أجدك حاملا للصليب خارج المحلة ، أنت إله المطرودين والمرذولين .
+ + +
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى