تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:17 pm
اليوم الأول ( الأثنين ) من الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
النبوات من إشعياء 8 ، 9
إشعياء – الإصحاح الثامن
مهير شـــــلال حاش بــــز
فى الإصحاح السابق تحدث الله مع آحاز الملك خلال إشعياء النبى الذى أعلن عن تدخل الله لإنقاذ أورشليم من آرام وإسرائيل ، وقد انجب النبى إبنه الأول شآرياشوب [ = البقية سترجع ] ليؤكد أن المسبيين من يهوذا يرجعون سريعا . الآن يتحدث الله مع الشعب فى ذات الأمر وتحت نفس الظروف ، وينجب النبى الإبن الثانى المدعو مهير شلال حاش بز ( = اسرع إلى السلب ، بادر إلى النهب ] ليؤكد أن اشور قادم سريعا ليسلب آرام وينهب إسرائيل منقذا أورشليم ، وفى نفس الوقت ينذر شعب يهوذا لإتكاله على أشور لا على الرب .
( 1 ) غلبة أشور على آرام وإسرائيل :
بأمر الهي أخذ إشعياء النبى لوحا كبيرا كتب عليه بحروف واضحة " مهير شلال حاش بز " وتعنى " أسرع إلى السلب ، بادر إلى النهب " . وضع إشعياء النبى اللوح فى مكان ظاهر فى الهيكل لكى يقرأه الكل ، وقد شهد كاهنان عليه هما : أوريا وزكريا ، أوريا كان رئيس كهنة فى أيام آحاز ومشيره الروحى والمشترك معه فى العبادة الوثنية . فقد أقام مذبحا على شبه الآراميين رآه حزقيا فى دمشق ، ليقدم الملك عليه ذبائح ( 2 مل 16 : 10 – 16 ) .
وقع الكاهنان على اللوح كشاهدين أن ما كتبه كان قبل حدوث الأمر .
يعلن إشعياء النبى أنه عندما يبلغ ابنه مهير شلال حاش بز حوالى سنة واحدة من عمره تتحقق النبوة ضد آرام وإسرائيل ، إذ يقول : " قبل أن يعرف الصبى أن يدعو يا أبى ويا أمى تحمل ثروة دمشق وغنيمة السامرة قدام ملك أشور " إش 8 : 4 . وقد تم ذلك بواسطة تغلث فلاسر ملك أشور ( 2 مل 15 : 29 ؛ 16 : 9 ؛ 1 أى 5 : 26 ) .
( 2 ) إنذار بنى يهـــــوذا :
إن كان الله يدافع عن خلاص أورشليم ، لكنه لا يدافع عن خطاياهم ولا يتستر عليها بل يطلب التوبة عنها والرجوع إليه .
يقول :
" لأن هذا الشعب رذل مياة شيلوه الجارية بسكوت وسر برصين وابن رمليا " إش 8 : 6
ماذا يعنى رذل الشعب مياة هذا النهر ؟ هذا يشير إلى استخفافهم بما وهبهم الله " مملكة يهوذا " متطلعين إلى ما هو لدى الغير " الأذرع البشرية " . لقد فقدوا إيمانهم بالله واهب النصرة وخشوا رصين وإبن رمليا الغريبين والمقاومين ليهوذا ملتجئين إلى من ينقذهم منهما .
هم رفضوا مجرى الماء الهادىء الذى يشير إلى الروح القدس طالبين المياة الغامرة القوية ، لذلك يؤدبهم الرب بأن : " يصعد عليهم مياة النهر القوية والكثيرة ، ملك أشور وكل مجده " إش 8 : 7 .
لقد أنقذ تغلث فلاسر الأشورى يهوذا ، لكن سنحاريب الأشورى هجم بقوة على يهوذا وبلغ إلى العنق وحاصر الرأس أورشليم ، وكادت أن تسقط لولا تدخل الله : " يفيض ويعبر يبلغ العنق ويكون بسط جناحيه ( فرعى نهر الفرات ) ملء عرض بلادك يا عمانوئيل " إش 8 : 8 .
هكذا يسمح الله بالتأديب فتحل التجارب كالسيل الجارف لكى تبلغ إلى أعناقنا ، لكنه يحفظ الرأس ( إيماننا بالسيد المسيح رأسنا ) فوق سيول التجارب حتى لا يفنى إيماننا فنهلك ( لو 22 : 32 ) ، لأننا أرض عمانوئيل ، ملك الرب ، مهما حاول العدو أن يبسط جناحيه فى داخلنا .
( 3 ) بلاد عمانوئيل : بينما يتحدث النبى عن الأمور الجارية فى عهده إذا بالرب يرفع أنظاره وأنظار المؤمنين نحو عمل المسيح الخلاصى. الله فى حبه يترفق بشعب يهوذا فيخلصهم من تحالف آرام وإسرائيل ضدهم ، وفى نفس الوقت إذ يخطىء الشعب بإلتجائه إلى أشور يصير أشور نفسه مقاوما لهم . هذا ما سمح به الله ، لكنه لم يسمح بإبادة يهوذا تماما ، لأن منه يخرج السيد المسيح ، الأسد الخارج من سبط يهوذا . يسمح بالغزو الأشورى يفيض حتى عنق يهوذا لكنه لا يصيب الرأس . إذ يتجسد كلمة الله من سبط يهوذا – من القديسة مريم – ويحل بيننا عمانوئيل الذى يقيم من قلوبنا أرضا أو مملكة له .. هذا ما
قراءات باكر | قراءات القداس | ||||
أم 1 : 20 – 33 إش 8 : 13 – 9 : 7 | مز 32 : 1 ، 2 لو 19 : 11 - 28 | 1 كو 5 : 9 – 6 : 5 | 1 بط 1 3 – 12 | أع 17 : 10 - 14 | مز 32 : 5 لو 11 : 33 - 36 |
النبوات من إشعياء 8 ، 9
إشعياء – الإصحاح الثامن
مهير شـــــلال حاش بــــز
فى الإصحاح السابق تحدث الله مع آحاز الملك خلال إشعياء النبى الذى أعلن عن تدخل الله لإنقاذ أورشليم من آرام وإسرائيل ، وقد انجب النبى إبنه الأول شآرياشوب [ = البقية سترجع ] ليؤكد أن المسبيين من يهوذا يرجعون سريعا . الآن يتحدث الله مع الشعب فى ذات الأمر وتحت نفس الظروف ، وينجب النبى الإبن الثانى المدعو مهير شلال حاش بز ( = اسرع إلى السلب ، بادر إلى النهب ] ليؤكد أن اشور قادم سريعا ليسلب آرام وينهب إسرائيل منقذا أورشليم ، وفى نفس الوقت ينذر شعب يهوذا لإتكاله على أشور لا على الرب .
( 1 ) غلبة أشور على آرام وإسرائيل :
بأمر الهي أخذ إشعياء النبى لوحا كبيرا كتب عليه بحروف واضحة " مهير شلال حاش بز " وتعنى " أسرع إلى السلب ، بادر إلى النهب " . وضع إشعياء النبى اللوح فى مكان ظاهر فى الهيكل لكى يقرأه الكل ، وقد شهد كاهنان عليه هما : أوريا وزكريا ، أوريا كان رئيس كهنة فى أيام آحاز ومشيره الروحى والمشترك معه فى العبادة الوثنية . فقد أقام مذبحا على شبه الآراميين رآه حزقيا فى دمشق ، ليقدم الملك عليه ذبائح ( 2 مل 16 : 10 – 16 ) .
وقع الكاهنان على اللوح كشاهدين أن ما كتبه كان قبل حدوث الأمر .
يعلن إشعياء النبى أنه عندما يبلغ ابنه مهير شلال حاش بز حوالى سنة واحدة من عمره تتحقق النبوة ضد آرام وإسرائيل ، إذ يقول : " قبل أن يعرف الصبى أن يدعو يا أبى ويا أمى تحمل ثروة دمشق وغنيمة السامرة قدام ملك أشور " إش 8 : 4 . وقد تم ذلك بواسطة تغلث فلاسر ملك أشور ( 2 مل 15 : 29 ؛ 16 : 9 ؛ 1 أى 5 : 26 ) .
( 2 ) إنذار بنى يهـــــوذا :
إن كان الله يدافع عن خلاص أورشليم ، لكنه لا يدافع عن خطاياهم ولا يتستر عليها بل يطلب التوبة عنها والرجوع إليه .
يقول :
" لأن هذا الشعب رذل مياة شيلوه الجارية بسكوت وسر برصين وابن رمليا " إش 8 : 6
ماذا يعنى رذل الشعب مياة هذا النهر ؟ هذا يشير إلى استخفافهم بما وهبهم الله " مملكة يهوذا " متطلعين إلى ما هو لدى الغير " الأذرع البشرية " . لقد فقدوا إيمانهم بالله واهب النصرة وخشوا رصين وإبن رمليا الغريبين والمقاومين ليهوذا ملتجئين إلى من ينقذهم منهما .
هم رفضوا مجرى الماء الهادىء الذى يشير إلى الروح القدس طالبين المياة الغامرة القوية ، لذلك يؤدبهم الرب بأن : " يصعد عليهم مياة النهر القوية والكثيرة ، ملك أشور وكل مجده " إش 8 : 7 .
لقد أنقذ تغلث فلاسر الأشورى يهوذا ، لكن سنحاريب الأشورى هجم بقوة على يهوذا وبلغ إلى العنق وحاصر الرأس أورشليم ، وكادت أن تسقط لولا تدخل الله : " يفيض ويعبر يبلغ العنق ويكون بسط جناحيه ( فرعى نهر الفرات ) ملء عرض بلادك يا عمانوئيل " إش 8 : 8 .
هكذا يسمح الله بالتأديب فتحل التجارب كالسيل الجارف لكى تبلغ إلى أعناقنا ، لكنه يحفظ الرأس ( إيماننا بالسيد المسيح رأسنا ) فوق سيول التجارب حتى لا يفنى إيماننا فنهلك ( لو 22 : 32 ) ، لأننا أرض عمانوئيل ، ملك الرب ، مهما حاول العدو أن يبسط جناحيه فى داخلنا .
( 3 ) بلاد عمانوئيل : بينما يتحدث النبى عن الأمور الجارية فى عهده إذا بالرب يرفع أنظاره وأنظار المؤمنين نحو عمل المسيح الخلاصى. الله فى حبه يترفق بشعب يهوذا فيخلصهم من تحالف آرام وإسرائيل ضدهم ، وفى نفس الوقت إذ يخطىء الشعب بإلتجائه إلى أشور يصير أشور نفسه مقاوما لهم . هذا ما سمح به الله ، لكنه لم يسمح بإبادة يهوذا تماما ، لأن منه يخرج السيد المسيح ، الأسد الخارج من سبط يهوذا . يسمح بالغزو الأشورى يفيض حتى عنق يهوذا لكنه لا يصيب الرأس . إذ يتجسد كلمة الله من سبط يهوذا – من القديسة مريم – ويحل بيننا عمانوئيل الذى يقيم من قلوبنا أرضا أو مملكة له .. هذا ما
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:18 pm
دفع النبى إلى الإنتقال المفاجىء من مشكلة يهوذا فى عصر النبى أو بعده بقليل إلى الحديث عن القوى المتحالفة ضد عمانوئيل ، قائلا :
" هيجوا أيها الشعوب وانكسروا واصنعوا يا جميع أقاصى الأرض ، احتزموا وانكسروا . تشاوروا مشورة فتبطل .تكلموا كلمة فلا تقوم لأن الله معنا " إش 8 : 9 ، 10 .
لم يقف الأمر عند أشور الذى انهار حيث مات 185000 رجلا منهم فى المعركة وإنما يعلن النبى عن سقوط كل قوى العالم المقاومة للحق : أشور يليها بابل ثم فارس ومادى والدولة الرومانية ( إش 54 : 17 ، مى 4 : 13 ) .
وبالأكثر قصد قوات الظلمة الروحية المقاومة لمملكة المسيح . يعلن النبى أن هياج الأعداء وتحالفهم ومشوراتهم الشريرة ضد الكنيسة ، موجهة ضد عمانوئيل الحال فى وسطها ، لهذا تنهار قوات الظلمة وتتمتع الكنيسة الحقيقية بالغلبة .
هذا الصوت النبوى يصرخ ضد كل مقاومى المسيح ، معلنا ما قاله الرب نفسه لشاول :
" لماذا تضطهدنى ؟! .. صعب عليك أن ترفس مناخس " أع 9 : 4 ، 5 .
ليفعل العدو كل ما فى وسعه مقاوما المؤمنين ، فإنه إنما يحطم نفسه .
( 4 ) تشكيك وتعثر فى عمانوئيل :
يبدو أن البعض لم يصدق كلمات النبى وحسبوا ذلك فتنة سياسية أو خيانة وطنية ومقاومة للملك والسلطات .. كى لا يلجأ يهوذا إلى أشور فيهلك على أيدى الآراميين وإسرائيل . لقد أمسك الرب كما بيد إشعياء ليشدده ( إش 8 : 11 ) . يرى البعض أن إشعياء نفسه – كإنسان – مال أحيانا إلى رأى الملك ومشيريه والشعب ، لكن الله مصر أن يوضح له الطريق وإن كان مخالفا لرأى الجماعة ، لذا يقول : " لا تخافوا خوفه ولا ترهبوا ، قدسوا رب الجنود فهو خوفكم وهو رهبتكم " إش 8 : 12 ، 13 .
كل نفس أمينة فى خدمة الرب تقاوم ، لكن الرب نفسه يسندها لا لكى تعمل فحسب وإنما لكى تسند الآخرين وتشجعهم على العمل بروح الله القدوس ، متطلعين لا إلى المقاومة بل إلى مساندة رب الجنود لهم . ما أروع كلمات الرب تلك ..
ليس إشعياء وحده يقاوم ولا أيضا الأمناء من المؤمنين ، إنما يصير " عمانوئيل " نفسه مقاوما وحجر صدمة لكثيرين :
" ويكون مقدسا وحجر صدمة وصخرة عثرة لبتى إسرائيل وفخا وشركا لسكان أورشليم ، فيعثر بها كثيرون فينكسرون ويعلقون فيلقطون " إش 8 : 14 ، 15 .
إنه " مقدس " أو " حجرمقدس " بالنسبة للمؤمنين الذين يلجأون إليه ويتمسكون به لحمايتهم وخلاصهم ، هو " حجر الأساس " و " حجر الزاوية " يربط المؤمنين من اليهود مع المؤمنين من الأمم كحائطين يلتقيان معا فيه . وفى نفس الوقت هو حجر عثرة وصدمة لغير المؤمنين .
( 5 ) البقية المقدسة لله : ما حدث مع السيد المسيح – أن رفضه أهل بيته من اليهود ولكن قبلته قلة مثل التلاميذ والرسل والمريمات وبيت لعازر – تم مع
" هيجوا أيها الشعوب وانكسروا واصنعوا يا جميع أقاصى الأرض ، احتزموا وانكسروا . تشاوروا مشورة فتبطل .تكلموا كلمة فلا تقوم لأن الله معنا " إش 8 : 9 ، 10 .
لم يقف الأمر عند أشور الذى انهار حيث مات 185000 رجلا منهم فى المعركة وإنما يعلن النبى عن سقوط كل قوى العالم المقاومة للحق : أشور يليها بابل ثم فارس ومادى والدولة الرومانية ( إش 54 : 17 ، مى 4 : 13 ) .
وبالأكثر قصد قوات الظلمة الروحية المقاومة لمملكة المسيح . يعلن النبى أن هياج الأعداء وتحالفهم ومشوراتهم الشريرة ضد الكنيسة ، موجهة ضد عمانوئيل الحال فى وسطها ، لهذا تنهار قوات الظلمة وتتمتع الكنيسة الحقيقية بالغلبة .
هذا الصوت النبوى يصرخ ضد كل مقاومى المسيح ، معلنا ما قاله الرب نفسه لشاول :
" لماذا تضطهدنى ؟! .. صعب عليك أن ترفس مناخس " أع 9 : 4 ، 5 .
ليفعل العدو كل ما فى وسعه مقاوما المؤمنين ، فإنه إنما يحطم نفسه .
( 4 ) تشكيك وتعثر فى عمانوئيل :
يبدو أن البعض لم يصدق كلمات النبى وحسبوا ذلك فتنة سياسية أو خيانة وطنية ومقاومة للملك والسلطات .. كى لا يلجأ يهوذا إلى أشور فيهلك على أيدى الآراميين وإسرائيل . لقد أمسك الرب كما بيد إشعياء ليشدده ( إش 8 : 11 ) . يرى البعض أن إشعياء نفسه – كإنسان – مال أحيانا إلى رأى الملك ومشيريه والشعب ، لكن الله مصر أن يوضح له الطريق وإن كان مخالفا لرأى الجماعة ، لذا يقول : " لا تخافوا خوفه ولا ترهبوا ، قدسوا رب الجنود فهو خوفكم وهو رهبتكم " إش 8 : 12 ، 13 .
كل نفس أمينة فى خدمة الرب تقاوم ، لكن الرب نفسه يسندها لا لكى تعمل فحسب وإنما لكى تسند الآخرين وتشجعهم على العمل بروح الله القدوس ، متطلعين لا إلى المقاومة بل إلى مساندة رب الجنود لهم . ما أروع كلمات الرب تلك ..
ليس إشعياء وحده يقاوم ولا أيضا الأمناء من المؤمنين ، إنما يصير " عمانوئيل " نفسه مقاوما وحجر صدمة لكثيرين :
" ويكون مقدسا وحجر صدمة وصخرة عثرة لبتى إسرائيل وفخا وشركا لسكان أورشليم ، فيعثر بها كثيرون فينكسرون ويعلقون فيلقطون " إش 8 : 14 ، 15 .
إنه " مقدس " أو " حجرمقدس " بالنسبة للمؤمنين الذين يلجأون إليه ويتمسكون به لحمايتهم وخلاصهم ، هو " حجر الأساس " و " حجر الزاوية " يربط المؤمنين من اليهود مع المؤمنين من الأمم كحائطين يلتقيان معا فيه . وفى نفس الوقت هو حجر عثرة وصدمة لغير المؤمنين .
( 5 ) البقية المقدسة لله : ما حدث مع السيد المسيح – أن رفضه أهل بيته من اليهود ولكن قبلته قلة مثل التلاميذ والرسل والمريمات وبيت لعازر – تم مع
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:20 pm
إشعياء بصورة باهتة بكونه رمزا للمسيح ، إذ صار له هو أيضا تلاميذ أمناء .
" صر الشهادة اختم الشريعة بتلاميذى " إش 8 : 16 . قبلت القلة المقدسة كلمات إشعياء النبى بكونها نبوات صادقة وكلمة إلهية ، حاسبين كلماته إعلانا عن فكر الله وإرادته المقدسة . هؤلاء دعاهم النبى تلاميذه وأيضا :
" الأولاد الذين أعطانيهم الرب " إش 8 : 18 .
هؤلاء يلزمهم أن يختموا أو يصروا على ما سمعوه ، لأن هذه النبوات يجب أن تبقى محفوظة حتى أزمنة العهد الجديد ، حيث تعلن للأطفال البسطاء ( مت 11 : 25 ) . ختمها أيضا يعنى الإلتزام بعدم الإضافة إليها أو الحذف منها .
ما ذكره إشعياء يبدو فى عصره أنه أمر مستحيل يجب مقاومته لهذا كان يلزمه هو وتلاميذه أن يتسلحوا بالصبر للرب ( إش 8 : 17 ) . عاشوا فى جو مقبض : الرب ساتر وجهه عن شعبه ( إش 8 : 17 ) . الأمر الذى أحزن قلب إشعياء وتلاميذه ؛ وفى نفس الوقت يتطلع إليهم الشعب كغرباء عنهم وشواذ مملوئين حماقة . فبقوله : " هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الرب آيات وعجائب فى إسرائيل من عند رب الجنود " إش 8 : 18 . يعنى أن إشعياء وتلاميذه أشبه بآيات وعجائب بالنسبة للشعب ، إذ يختلفون عن الكل فى إيمانهم وسلوكهم وأفكارهم نحو الرب .
( 6 ) الإلتجاء إلى العرافين :
شعر الشعب كأن الله قد حجب وجهه عنهم لهذا بدأوا يطالبون المسئولين – ربما من بينهم بعض تلاميذ إشعياء – أن يلجأوا إلى أصحاب التوابع والعرافين لطلب المشورة والتعرف على الأمور المستقبلة . يدعوهم النبى " المشقشقين والهامسين " إش 8 : 19 . لأنهم يتكلمون بصوت خافت كما من عالم آخر ليتقنوا تمثيل دورهم .
ماذا يعنى الإلتجاء إلى العرافة ؟ فقدان الإنسان كل ملجأ أو عون له ، ذلك كما حدث مع شاول الملك . شعر أنه فى عزلة عن الله ، وعن أنبيائه ، حتى الشعب تراجع عنه فلجأ إلى الموتى يسألهم خلال صاحبة العرافة .
فى اختصار سقط بنو يهوذا فى خطيتين خطيرتين هما : الإلتجاء إلى التحالف البشرى عوض الإتكال على الله ، والرجوع إلى العرافة والموتى عوض التمتع بكلمة الله الحية الواهبة استنارة وقوة .
هذه الصورة المؤلمة تعلن عن حقيقة هامة :
إشعياء - الإصحاح التاسع
المــــولود العجيــب
إذ يشتد الظلام ينبلج الفجر لتشرق الشمس على الجالسين فى الظلمة ، هكذا ختم الإصحاح السابق بصورة قاتمة عن الشعب الذى صار فى ضيق شديد وظلمة ، لذا جاء هذا الإصحاح يحدثنا عن مجىء المسيا " شمس البر " الذى يبدد الظلمة ، والذى يمد يده بالحب منتظرا رجوع الكل إليه .
( 1 ) نور أشرق فى الظلمة :
جاء ختام الإصحاح السابق قاتما للغاية ، لهذا بدأ هذا الإصحاح بكلمة " ولكن " ... فإن الله لا يترك شعبه هكذا ، لكنه يريد أن يشرق عليهم بنوره .
" صر الشهادة اختم الشريعة بتلاميذى " إش 8 : 16 . قبلت القلة المقدسة كلمات إشعياء النبى بكونها نبوات صادقة وكلمة إلهية ، حاسبين كلماته إعلانا عن فكر الله وإرادته المقدسة . هؤلاء دعاهم النبى تلاميذه وأيضا :
" الأولاد الذين أعطانيهم الرب " إش 8 : 18 .
هؤلاء يلزمهم أن يختموا أو يصروا على ما سمعوه ، لأن هذه النبوات يجب أن تبقى محفوظة حتى أزمنة العهد الجديد ، حيث تعلن للأطفال البسطاء ( مت 11 : 25 ) . ختمها أيضا يعنى الإلتزام بعدم الإضافة إليها أو الحذف منها .
ما ذكره إشعياء يبدو فى عصره أنه أمر مستحيل يجب مقاومته لهذا كان يلزمه هو وتلاميذه أن يتسلحوا بالصبر للرب ( إش 8 : 17 ) . عاشوا فى جو مقبض : الرب ساتر وجهه عن شعبه ( إش 8 : 17 ) . الأمر الذى أحزن قلب إشعياء وتلاميذه ؛ وفى نفس الوقت يتطلع إليهم الشعب كغرباء عنهم وشواذ مملوئين حماقة . فبقوله : " هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الرب آيات وعجائب فى إسرائيل من عند رب الجنود " إش 8 : 18 . يعنى أن إشعياء وتلاميذه أشبه بآيات وعجائب بالنسبة للشعب ، إذ يختلفون عن الكل فى إيمانهم وسلوكهم وأفكارهم نحو الرب .
( 6 ) الإلتجاء إلى العرافين :
شعر الشعب كأن الله قد حجب وجهه عنهم لهذا بدأوا يطالبون المسئولين – ربما من بينهم بعض تلاميذ إشعياء – أن يلجأوا إلى أصحاب التوابع والعرافين لطلب المشورة والتعرف على الأمور المستقبلة . يدعوهم النبى " المشقشقين والهامسين " إش 8 : 19 . لأنهم يتكلمون بصوت خافت كما من عالم آخر ليتقنوا تمثيل دورهم .
ماذا يعنى الإلتجاء إلى العرافة ؟ فقدان الإنسان كل ملجأ أو عون له ، ذلك كما حدث مع شاول الملك . شعر أنه فى عزلة عن الله ، وعن أنبيائه ، حتى الشعب تراجع عنه فلجأ إلى الموتى يسألهم خلال صاحبة العرافة .
فى اختصار سقط بنو يهوذا فى خطيتين خطيرتين هما : الإلتجاء إلى التحالف البشرى عوض الإتكال على الله ، والرجوع إلى العرافة والموتى عوض التمتع بكلمة الله الحية الواهبة استنارة وقوة .
هذه الصورة المؤلمة تعلن عن حقيقة هامة :
الحاجـة إلى مخلص الهي !
+ + +
إشعياء - الإصحاح التاسع
المــــولود العجيــب
إذ يشتد الظلام ينبلج الفجر لتشرق الشمس على الجالسين فى الظلمة ، هكذا ختم الإصحاح السابق بصورة قاتمة عن الشعب الذى صار فى ضيق شديد وظلمة ، لذا جاء هذا الإصحاح يحدثنا عن مجىء المسيا " شمس البر " الذى يبدد الظلمة ، والذى يمد يده بالحب منتظرا رجوع الكل إليه .
( 1 ) نور أشرق فى الظلمة :
جاء ختام الإصحاح السابق قاتما للغاية ، لهذا بدأ هذا الإصحاح بكلمة " ولكن " ... فإن الله لا يترك شعبه هكذا ، لكنه يريد أن يشرق عليهم بنوره .
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:20 pm
" ولكن لا يكون ظلام للتى عليها ضيق كما أهان الزمان الأول أرض زبولون وأرض نفتالى يكرم الأخير طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم . الشعب السالك فى الظلمة أبصر نورا عظيما . الجالسون فى أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور " إش 9 : 1 ، 2 .
وقد تمت هذه النبوة بظهور السيد المسيح وكرازته فى جليل الأمم . يقول الإنجيلى : " لكى يتم ما قيل بإشعياء النبى القائل : أرض زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم ؛ الشعب الجالس فى ظلمة أبصر نورا " مت 4: 14 – 16 .
اتسمت هذه المنطقةبالضعة ، فيقول نثنائيل : " أمن الناصرة يمكن أن يكون شىء صالح ؟! " يو 1 : 46 . لعل هذا يرجع إلى أن هذه البقعة . ( جليل الأمم ) تقع على حدود الأمم ، فكانت معرضة للغزوات ، وبسبب اختلاطها بالأمم الوثنية المجاورة أخذت الكثير عن العادات الوثنية وظلت فترات طويلة فى انحلال روحى ، لذلك وصفها النبى : " الشعب الجالس فى الظلمة " .
+ سكن فى الجليل حتى يرى الجالسون فى الظلمة نورا عظيما
+ فلير الجالسون فى ظلمة الجهل نور كمال المعرفة العظيم ،
الأمور القديمة عبرت ، هوذا الكل قد صار جديدا ( 1 كو 5 : 17 ) ،
الحرف انتهى وتقدم الروح ، الظلال هربت وجاء إليهم الحق .
+ بالإيمان يخرجون من الظلمة وموت الخطية إلى النور والحياة .
+ يشرق نور اللوغوس الذى هو الحياة فى ظلام نفوسنا ،
يأتى إلى حيث يوجد رؤساء هذه الظلمة المقاومين لجنس البشر
لإخضاعهم للظلمة ، هؤلاء الرؤساء لا يثبتون فى
قوتهم إذ يشرق عليهم النور الذى جاء ليجعل من البشر أبناء للنور .
الله لا يسمح للظلمة أن تدوم إنمايشرق بنوره .. فماذا يحدث ؟
أ – " أكثرت الأمة " إش 9 : 3 ، بالرغم من سقوطها تحت التأديب بضربات قاسية لكنها تنمو وتكثر برحمة الله ونعمته .
ب – " عظمت الفرح " إش 9 : 3 تفرح الأمة كما فى يوم الحصاد أو يوم التمتع بغنيمة ، وكأن سر فرحها هو الحصاد الكثير والغلبة أو النصرة على العدو . .. عدو الخير .
الفرح هوسمة كنيسةالعهد الجديد المتهللة بالحياة الإنجيلية وسط الآلام ، تفرح من أجل حصادها المستمر لنفوس كثيرة لحساب ملكوت الله ، وتتمتع بغنيمة النصرة على عدو الخير .حياتها تهليل مستمر من أجل النفوس التائبة والمتمتعة بالخلاص ومن أجل نصراتها غير المنقطعة .
جـ - التمتع بحرية مجيدة :
" لأن نير ثقله وعصا كتفه وقضيب مسخره كسرتهن كما فى يوم مديان " إش 9 : 4 .
تتحرر من النير الثقيل والعصا وقضيب السخرة ، كرمز للحرية والخلاص من عبودية إبليس خلال الصليب ، فلم يعد لإبليس أو قواته سلطان على المؤمن المتمتع بحرية مجد أولاد الله .
وقد تمت هذه النبوة بظهور السيد المسيح وكرازته فى جليل الأمم . يقول الإنجيلى : " لكى يتم ما قيل بإشعياء النبى القائل : أرض زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم ؛ الشعب الجالس فى ظلمة أبصر نورا " مت 4: 14 – 16 .
اتسمت هذه المنطقةبالضعة ، فيقول نثنائيل : " أمن الناصرة يمكن أن يكون شىء صالح ؟! " يو 1 : 46 . لعل هذا يرجع إلى أن هذه البقعة . ( جليل الأمم ) تقع على حدود الأمم ، فكانت معرضة للغزوات ، وبسبب اختلاطها بالأمم الوثنية المجاورة أخذت الكثير عن العادات الوثنية وظلت فترات طويلة فى انحلال روحى ، لذلك وصفها النبى : " الشعب الجالس فى الظلمة " .
+ سكن فى الجليل حتى يرى الجالسون فى الظلمة نورا عظيما
+ فلير الجالسون فى ظلمة الجهل نور كمال المعرفة العظيم ،
الأمور القديمة عبرت ، هوذا الكل قد صار جديدا ( 1 كو 5 : 17 ) ،
الحرف انتهى وتقدم الروح ، الظلال هربت وجاء إليهم الحق .
القديس غريغوريوس النزينزى
+ بالإيمان يخرجون من الظلمة وموت الخطية إلى النور والحياة .
القديس أغسطينوس
+ يشرق نور اللوغوس الذى هو الحياة فى ظلام نفوسنا ،
يأتى إلى حيث يوجد رؤساء هذه الظلمة المقاومين لجنس البشر
لإخضاعهم للظلمة ، هؤلاء الرؤساء لا يثبتون فى
قوتهم إذ يشرق عليهم النور الذى جاء ليجعل من البشر أبناء للنور .
العلامة أوريجانوس
الله لا يسمح للظلمة أن تدوم إنمايشرق بنوره .. فماذا يحدث ؟
أ – " أكثرت الأمة " إش 9 : 3 ، بالرغم من سقوطها تحت التأديب بضربات قاسية لكنها تنمو وتكثر برحمة الله ونعمته .
ب – " عظمت الفرح " إش 9 : 3 تفرح الأمة كما فى يوم الحصاد أو يوم التمتع بغنيمة ، وكأن سر فرحها هو الحصاد الكثير والغلبة أو النصرة على العدو . .. عدو الخير .
الفرح هوسمة كنيسةالعهد الجديد المتهللة بالحياة الإنجيلية وسط الآلام ، تفرح من أجل حصادها المستمر لنفوس كثيرة لحساب ملكوت الله ، وتتمتع بغنيمة النصرة على عدو الخير .حياتها تهليل مستمر من أجل النفوس التائبة والمتمتعة بالخلاص ومن أجل نصراتها غير المنقطعة .
جـ - التمتع بحرية مجيدة :
" لأن نير ثقله وعصا كتفه وقضيب مسخره كسرتهن كما فى يوم مديان " إش 9 : 4 .
تتحرر من النير الثقيل والعصا وقضيب السخرة ، كرمز للحرية والخلاص من عبودية إبليس خلال الصليب ، فلم يعد لإبليس أو قواته سلطان على المؤمن المتمتع بحرية مجد أولاد الله .
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:21 pm
( 2 ) المولود العجيب :
سر تمتع الأمة بالنمو المستمر والفرح الدائم مع الحرية المجيدة هو مجىء المسيا كمخلص وغال ومنتصر باسم البشرية ضد الأعداء . جاء إبن الله متأنسا ليحمل نير الصليب بإسمنا فيهبنا كل امكانيات الخلاص . إذ يقول النبى : " لأنه يولد لنا ولد ونعطى إبنا ، وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى إسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد ، غيرة رب الجنود تصنع هذا " إش 9 : 6 ، 7 .
كانت البشرية المؤمنة تترقب التجسد الإلهى حيث يأتى إبن الله الذى هو الخالق واهب الحياة ومجدها ليقيم طبيعتنا الميتة الفاسدة إلى صلاحها الذى خلقت عليه ، بإعادة خلقتها وتجديدها المستمر فيهبها استمرارية الحياة مع الفرح والحرية .
أ – " لأنه يولد ولد ونعطى ابنا " ، أى يتأنس فيصير ابن الله إبن الإنسان ، ويحسب ولدا ، يحمل طبيعتنا الناسوتية حقيقة فى كمال صورتها بغير انفصال عن لاهوته ودون امتزاج أو خلط أو تغيير . يشاركنا حياتنا البشرية ما عدا الخطية ويبقى كما هو " إبن الله " ... يقول الرسول : " فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما لكى يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت أى إبليس " عب 3 : 14 .
ب – " وتكون الرئاسة على كتفه " ، فقد ملك على خشبة كقول المرتل ، خشبة الصليب التى حملها على كتفه بكونها عرش حبه الإلهى .
ج – " يدعى اسمه عجيبا " ، لأنه فائق الإدراك ، أعطى اسما فوق كل اسم لكى تجثو باسمه كل ركبة ممن فى السماء وممن على الأرض ومن تحت الأرض ( فى 2 : 9 – 11 )
د – " مشيرا " ، بكونه " حكمة الله " 1 كو 1 : 24 ، المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم ( 1 كو 2 : 3 ) . جاءت الترجمة السبعينية " رسول المشورة العظيمة " ... ما هى هذه المشورة العظيمة التى أرسله الآب من أجلها ؟ اعلان السر الإلهى للبشر ، والكشف عن الآب الذى لا يعرفه إلا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له .
هـ - " إلها قديرا " : إله حق من إله حق ، واحد مع الآب فى الجوهر ، القادر وحده أن يجدد طبيعتنا بكونه الخالق ، والشفيع الذى يقدر وحده أن يكفر عن خطايا العالم كله .
و- " أبا أبديا " يلحق اللقب " إله قدير " بـ " أب أبدى " ، ليعلن أن قدرة السيد المسيح ، الإله الحق ليست فى إبراز جبروت وعظمة إنما بالحرى فى تقديم أبوة حب فريدة نحو البشرية ، خلالها ننعم بقدرة المسيح فينا .
ز- " رئيس السلام " ، هو ملك السلام ( 1 تس 5 : 33 ) ، الذى يقدم لنا دمه من أجل مصالحتنا مع الآب ، فنحمل سلاما داخليا معه ( رو 5 : 1 ) ، سلاما مع الله ومع أنفسنا ومع إخوتنا ، محطمين سياج العداوة الداخلية والخارجية .
فى اختصار يعلن إشعياء النبى عن هذا المولود العجيب القدير ، الذى لا يخلص آحاز من مقاومة أعدائه إنما يقيم مملكة جديدة أساسها كرسى داود .
( 3 ) اليــد الممدودة : كلمة الله فى محبته غير المحدودة يتنازل ليصير إنسانا لكى يضىء للجالسين فى الظلمة ، يشرق عليهم بنوره الإلهى واهبا إياهم نور المعرفة ،مقدما لهم حياته سر فرح وتهليل ونصرة مستمرة ،أما الإنسان –فعلى العكس – يتشامخ بالكبرياء ، حاسبا فى نفسه أنه قادر بذراعه البشرى على تحقيق الخلاص
سر تمتع الأمة بالنمو المستمر والفرح الدائم مع الحرية المجيدة هو مجىء المسيا كمخلص وغال ومنتصر باسم البشرية ضد الأعداء . جاء إبن الله متأنسا ليحمل نير الصليب بإسمنا فيهبنا كل امكانيات الخلاص . إذ يقول النبى : " لأنه يولد لنا ولد ونعطى إبنا ، وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى إسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد ، غيرة رب الجنود تصنع هذا " إش 9 : 6 ، 7 .
كانت البشرية المؤمنة تترقب التجسد الإلهى حيث يأتى إبن الله الذى هو الخالق واهب الحياة ومجدها ليقيم طبيعتنا الميتة الفاسدة إلى صلاحها الذى خلقت عليه ، بإعادة خلقتها وتجديدها المستمر فيهبها استمرارية الحياة مع الفرح والحرية .
أ – " لأنه يولد ولد ونعطى ابنا " ، أى يتأنس فيصير ابن الله إبن الإنسان ، ويحسب ولدا ، يحمل طبيعتنا الناسوتية حقيقة فى كمال صورتها بغير انفصال عن لاهوته ودون امتزاج أو خلط أو تغيير . يشاركنا حياتنا البشرية ما عدا الخطية ويبقى كما هو " إبن الله " ... يقول الرسول : " فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما لكى يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت أى إبليس " عب 3 : 14 .
ب – " وتكون الرئاسة على كتفه " ، فقد ملك على خشبة كقول المرتل ، خشبة الصليب التى حملها على كتفه بكونها عرش حبه الإلهى .
ج – " يدعى اسمه عجيبا " ، لأنه فائق الإدراك ، أعطى اسما فوق كل اسم لكى تجثو باسمه كل ركبة ممن فى السماء وممن على الأرض ومن تحت الأرض ( فى 2 : 9 – 11 )
د – " مشيرا " ، بكونه " حكمة الله " 1 كو 1 : 24 ، المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم ( 1 كو 2 : 3 ) . جاءت الترجمة السبعينية " رسول المشورة العظيمة " ... ما هى هذه المشورة العظيمة التى أرسله الآب من أجلها ؟ اعلان السر الإلهى للبشر ، والكشف عن الآب الذى لا يعرفه إلا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له .
هـ - " إلها قديرا " : إله حق من إله حق ، واحد مع الآب فى الجوهر ، القادر وحده أن يجدد طبيعتنا بكونه الخالق ، والشفيع الذى يقدر وحده أن يكفر عن خطايا العالم كله .
و- " أبا أبديا " يلحق اللقب " إله قدير " بـ " أب أبدى " ، ليعلن أن قدرة السيد المسيح ، الإله الحق ليست فى إبراز جبروت وعظمة إنما بالحرى فى تقديم أبوة حب فريدة نحو البشرية ، خلالها ننعم بقدرة المسيح فينا .
ز- " رئيس السلام " ، هو ملك السلام ( 1 تس 5 : 33 ) ، الذى يقدم لنا دمه من أجل مصالحتنا مع الآب ، فنحمل سلاما داخليا معه ( رو 5 : 1 ) ، سلاما مع الله ومع أنفسنا ومع إخوتنا ، محطمين سياج العداوة الداخلية والخارجية .
فى اختصار يعلن إشعياء النبى عن هذا المولود العجيب القدير ، الذى لا يخلص آحاز من مقاومة أعدائه إنما يقيم مملكة جديدة أساسها كرسى داود .
( 3 ) اليــد الممدودة : كلمة الله فى محبته غير المحدودة يتنازل ليصير إنسانا لكى يضىء للجالسين فى الظلمة ، يشرق عليهم بنوره الإلهى واهبا إياهم نور المعرفة ،مقدما لهم حياته سر فرح وتهليل ونصرة مستمرة ،أما الإنسان –فعلى العكس – يتشامخ بالكبرياء ، حاسبا فى نفسه أنه قادر بذراعه البشرى على تحقيق الخلاص
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:22 pm
.
فى هذا الفصل ثلاثة أبيات شعرية فى العبرية تنتهى بالعبارة : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 9 : 12 ، 17 ، 20 ( أيضا إش 10 : 4 ) .
يرى البعض أن هذه اليد الإلهية الممدودة علامة على دعوة الله للإنسان كى يقترب إليه ويلتقى معه ويتحد به . وأيضا علامة حماية الله له ، وكأنه يؤكد له أنه مهما بلغت العقبات فيد القدير ممدودة لتخلصه من كل شر وتنقذه من المرارة والضيق ، كما هى علامة على التأديب الإلهى النابع عن الحب ، يمد يده ليضغط على الإنسان فيرجع إلى نفسه ويطلب الله معينه .
الله – فى محبته – سمح بالضيق لمملكة إسرائيل ( افرايم ) لكن عوض التوبة تشامخوا بالأكثر . هذا ما كشفه النبى بقولـه : " القائلون بكبرياء وبعظمة قلب ، قد هبط اللبن فنبنى بحجارة منحوتة ؛ قطع الجميز فنستخلفه بأرز " إش 9 : 10
يرى البعض أن النبى يتحدث هنا عن الزلزلة التى حدثت فى أيام عزيا ، والتى يبدو أنها كانت عامة ( عا 1 : 1 ؛ زك 14 : 5 ) ، بسببها سقطت معظم بيوت السامرة وافرايم وكثرت الضحايا ، فصاروا يتهكمون على قضاء الله معلنين أنه وإن كان قد سمح بهدم بيوتهم المصنوعة من اللبن وسقوط أشجار الجميز ، فإنهم يقيمون قصورا مصنوعة من الحجارة المنحوتة ويغرسون أشجار أرز لا يقدر الزلزال أن يهدمها أو يزيلها . وكأنهم بهذا يكررون ما فعله الإنسان عندما شرع فى بناء برج بابل ليكون رأسه فىالسماء ( تك 11 : 3 ، 4 ) .
يرد إشعياء النبى على ذلك بإعلان تأديب الله الأكثر شدة ، فإنهم ماداموا لم يرتعدوا بالزلزلة فسيسمح بهياج العدو " رصين " ملك آرام ، ويهيج أيضا أعداءه ( ربما قصد أشور الذى هاجم إسرائيل وفيما بعد انقلب على يهوذا ) .
" فيأكلون إسرائيل بكل الفم " إش 9 : 12 . لكن تبقى مراحم الله تنتظر رجوعهم ، إذ يكمل حديثه : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 9 : 12 .
( 4 ) تأديبات الرب لهم :
يبقى الشعب متحجر القلب لهذا :
" يقطع الرب من إسرائيل الرأس والذنب ، النخل والأسل ( الحلفاء أو القش ) فى يوم واحد " إش 9 : 14 .
أ – ينتزع رؤساء الشعب مهما كانت منزلتهم ( الرأس ، النخل ) .
ب – ينتزع الأنبياء الكذبة ( الذنب ، الأسل ) .
جـ - إبادة المرشدين لأنهم مضلون ( إش 9 : 16 ) .
د – لا يرق للفتيان بسبب صغر سنهم ، ولا للأيتام أو الأرامل مع أنه " أبو اليتامى وقاضى الأرامل " مز 68 : 5 ... فقد اشترك الكل معا فى الشر مع عناد وعجرفة وحماقة ( إش 9 : 17 ) . كان الملوك الأشوريون فى غاية القسوة : تغلث فلاسر لم يترفق بالصغار ولا بالأرامل أو الأيتام فى افرايم .
هـ - يتحول الشعب كله إلى أشبه بغابة تحترق بنار الغضب الألهى ( إش 9 : 19 ) ، ليس لأن الله ينتقم لنفسه وإنما لأن فجورهم نار مدمرة ( إش 9 : 18 ) . ز – تتحول الأمة إلى حالة من الفوضى قانونها العنف والظلم وعدم التشبع ، تسودها حروب أهلية دموية مدمرة : " لا يشفق الإنسان على أخيه ، يلتهم على اليمين فيجوع
فى هذا الفصل ثلاثة أبيات شعرية فى العبرية تنتهى بالعبارة : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 9 : 12 ، 17 ، 20 ( أيضا إش 10 : 4 ) .
يرى البعض أن هذه اليد الإلهية الممدودة علامة على دعوة الله للإنسان كى يقترب إليه ويلتقى معه ويتحد به . وأيضا علامة حماية الله له ، وكأنه يؤكد له أنه مهما بلغت العقبات فيد القدير ممدودة لتخلصه من كل شر وتنقذه من المرارة والضيق ، كما هى علامة على التأديب الإلهى النابع عن الحب ، يمد يده ليضغط على الإنسان فيرجع إلى نفسه ويطلب الله معينه .
الله – فى محبته – سمح بالضيق لمملكة إسرائيل ( افرايم ) لكن عوض التوبة تشامخوا بالأكثر . هذا ما كشفه النبى بقولـه : " القائلون بكبرياء وبعظمة قلب ، قد هبط اللبن فنبنى بحجارة منحوتة ؛ قطع الجميز فنستخلفه بأرز " إش 9 : 10
يرى البعض أن النبى يتحدث هنا عن الزلزلة التى حدثت فى أيام عزيا ، والتى يبدو أنها كانت عامة ( عا 1 : 1 ؛ زك 14 : 5 ) ، بسببها سقطت معظم بيوت السامرة وافرايم وكثرت الضحايا ، فصاروا يتهكمون على قضاء الله معلنين أنه وإن كان قد سمح بهدم بيوتهم المصنوعة من اللبن وسقوط أشجار الجميز ، فإنهم يقيمون قصورا مصنوعة من الحجارة المنحوتة ويغرسون أشجار أرز لا يقدر الزلزال أن يهدمها أو يزيلها . وكأنهم بهذا يكررون ما فعله الإنسان عندما شرع فى بناء برج بابل ليكون رأسه فىالسماء ( تك 11 : 3 ، 4 ) .
يرد إشعياء النبى على ذلك بإعلان تأديب الله الأكثر شدة ، فإنهم ماداموا لم يرتعدوا بالزلزلة فسيسمح بهياج العدو " رصين " ملك آرام ، ويهيج أيضا أعداءه ( ربما قصد أشور الذى هاجم إسرائيل وفيما بعد انقلب على يهوذا ) .
" فيأكلون إسرائيل بكل الفم " إش 9 : 12 . لكن تبقى مراحم الله تنتظر رجوعهم ، إذ يكمل حديثه : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 9 : 12 .
( 4 ) تأديبات الرب لهم :
يبقى الشعب متحجر القلب لهذا :
" يقطع الرب من إسرائيل الرأس والذنب ، النخل والأسل ( الحلفاء أو القش ) فى يوم واحد " إش 9 : 14 .
أ – ينتزع رؤساء الشعب مهما كانت منزلتهم ( الرأس ، النخل ) .
ب – ينتزع الأنبياء الكذبة ( الذنب ، الأسل ) .
جـ - إبادة المرشدين لأنهم مضلون ( إش 9 : 16 ) .
د – لا يرق للفتيان بسبب صغر سنهم ، ولا للأيتام أو الأرامل مع أنه " أبو اليتامى وقاضى الأرامل " مز 68 : 5 ... فقد اشترك الكل معا فى الشر مع عناد وعجرفة وحماقة ( إش 9 : 17 ) . كان الملوك الأشوريون فى غاية القسوة : تغلث فلاسر لم يترفق بالصغار ولا بالأرامل أو الأيتام فى افرايم .
هـ - يتحول الشعب كله إلى أشبه بغابة تحترق بنار الغضب الألهى ( إش 9 : 19 ) ، ليس لأن الله ينتقم لنفسه وإنما لأن فجورهم نار مدمرة ( إش 9 : 18 ) . ز – تتحول الأمة إلى حالة من الفوضى قانونها العنف والظلم وعدم التشبع ، تسودها حروب أهلية دموية مدمرة : " لا يشفق الإنسان على أخيه ، يلتهم على اليمين فيجوع
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:23 pm
، ويأكل على الشمال فلا يشبع ، يأكلون كل واحد لحم ذراعه ( أى جاره أو قريبه ) " إش 9 : 19 ، 20 .. هذه صورة بشعة لمجتمع شريعته الحرب والعنف والأنانية مع الجشع .
ح – لا يقف التطاحن على الأفراد وإنما يتسلل إلى الأسباط نفسها فيتحالف سبط مع آخر ضد ثالث وهكذا :" منسى أفرايم وأفرايم منسى ، وهما معا على يهوذا " إش 9 : 21 .
" مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 9 : 21 .
البولس .. 1 كو 5 : 9 – 6 : 5
عدم الشركة مع الاخوة الزناة
"كتبت إليكم في الرسالة أن لا تخالطوا الزناة" [9].
بينما يرى البعض أن الرسول يشير هنا إلى رسالة سبق فكتبها إليهم بخصوص هذا الأمر, يرى البعض أنه يتحدث هنا عن ما سبق فكتبه في نفس هذه الرسالة. يرى القديس يوحنا ذهبي الفم وثيؤدورت وأغلب المفسرين اللاتين مع إجماع الكتاب الألمان بأن النص هنا يشير إلى ذات الرسالة وليس إلى رسالة سابقة مفقودة.
+ يعني بولس أنه من الأفضل الموت (الخروج من العالم) عن الاختلاط بزملاء مؤمنين يخطئون مثل الزاني موضوع الحديث هنا, لأن الموت يضع نهاية لذلك حالاً دون تأخير.
أمبروسياستر
+ غير المؤمنين الزناة لا يستطيعون أن يؤذوا الكنيسة, أما المؤمنون الزناة فيفسدونا في الداخل, لهذا يجب تجنبهم وعزلهم.
العلامة أوريجينوس
+ واضح أنه إن كان يجب ألا نشاركهم في الطعام العادي, يلزم ألا نشترك معهم في مائدة الرب.
ثيؤدورت أسقف قورش
"وليس مطلقًا زناة هذا العالم أو الطماعين أو الخاطفين أو عبدة الأوثان،
وإلا فيلزمكم أن تخرجوا من العالم" [10].
يخطئ الزناة في حق أنفسهم، إذ يفقدوا طهارتهم ونقاوتهم. ويخطئ الطامعون والخاطفون في حق اخوتهم، أما عبدة الأوثان فيخطئون في حق اللَّه.
"وأما الآن فكتبت إليكم أن كان أحد مدعو أخًا زانيًا أو طماعًا أو عابد وثن أو شتامًا أو سكيرًا أو خاطفًا أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" [11].
+ يمكن أن يوجد أناس ليسوا أبناء حقيقيين، مثل أولئك الذين قيل عنهم: "إن كان أحد مدعو أخًا..."[11]. هنا يوجد بالإيمان، لكنه ليس ابنًا حقيقيًا. حقيقة هو ابن، لأنه نال مرة النعمة وتجدد (وُلد ثانية)، لكنه ليس بالابن الحقيقي، لأنه غير أهلٍ لأبيه الذي هجره وصار أسير سلطان آخر.
+ ليتنا لا نطرد النعمة. لقد أخبرنا أن ننسحب من كل أخ يسلك بلا ترتيب. هذا كان شرًا عظيمًا يجب فصله عن كل جسد الاخوة. بهذا في الواقع يعاقب الكل، وكما في موضع آخر في رسالته إلى أهل كورنثوس يقول: "لا تُواكلوا مثل هذا" [11]. لكننا نجد الآن الغالبية لا يعتقدوا أن هذا شر عظيم. إنما كل شيء مرتبك وفاسد، فنختلط مع الزناة والطمّاعين بلا ضابط، كأنه أمر حتمي.
إن كان يجب أن ننسحب ممن كان ينال معونة وهو كسلان فماذا يكون الحال مع الآخرين؟
ح – لا يقف التطاحن على الأفراد وإنما يتسلل إلى الأسباط نفسها فيتحالف سبط مع آخر ضد ثالث وهكذا :" منسى أفرايم وأفرايم منسى ، وهما معا على يهوذا " إش 9 : 21 .
" مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 9 : 21 .
+ + +
البولس .. 1 كو 5 : 9 – 6 : 5
عدم الشركة مع الاخوة الزناة
"كتبت إليكم في الرسالة أن لا تخالطوا الزناة" [9].
بينما يرى البعض أن الرسول يشير هنا إلى رسالة سبق فكتبها إليهم بخصوص هذا الأمر, يرى البعض أنه يتحدث هنا عن ما سبق فكتبه في نفس هذه الرسالة. يرى القديس يوحنا ذهبي الفم وثيؤدورت وأغلب المفسرين اللاتين مع إجماع الكتاب الألمان بأن النص هنا يشير إلى ذات الرسالة وليس إلى رسالة سابقة مفقودة.
+ يعني بولس أنه من الأفضل الموت (الخروج من العالم) عن الاختلاط بزملاء مؤمنين يخطئون مثل الزاني موضوع الحديث هنا, لأن الموت يضع نهاية لذلك حالاً دون تأخير.
أمبروسياستر
+ غير المؤمنين الزناة لا يستطيعون أن يؤذوا الكنيسة, أما المؤمنون الزناة فيفسدونا في الداخل, لهذا يجب تجنبهم وعزلهم.
العلامة أوريجينوس
+ واضح أنه إن كان يجب ألا نشاركهم في الطعام العادي, يلزم ألا نشترك معهم في مائدة الرب.
ثيؤدورت أسقف قورش
"وليس مطلقًا زناة هذا العالم أو الطماعين أو الخاطفين أو عبدة الأوثان،
وإلا فيلزمكم أن تخرجوا من العالم" [10].
يخطئ الزناة في حق أنفسهم، إذ يفقدوا طهارتهم ونقاوتهم. ويخطئ الطامعون والخاطفون في حق اخوتهم، أما عبدة الأوثان فيخطئون في حق اللَّه.
"وأما الآن فكتبت إليكم أن كان أحد مدعو أخًا زانيًا أو طماعًا أو عابد وثن أو شتامًا أو سكيرًا أو خاطفًا أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" [11].
+ يمكن أن يوجد أناس ليسوا أبناء حقيقيين، مثل أولئك الذين قيل عنهم: "إن كان أحد مدعو أخًا..."[11]. هنا يوجد بالإيمان، لكنه ليس ابنًا حقيقيًا. حقيقة هو ابن، لأنه نال مرة النعمة وتجدد (وُلد ثانية)، لكنه ليس بالابن الحقيقي، لأنه غير أهلٍ لأبيه الذي هجره وصار أسير سلطان آخر.
+ ليتنا لا نطرد النعمة. لقد أخبرنا أن ننسحب من كل أخ يسلك بلا ترتيب. هذا كان شرًا عظيمًا يجب فصله عن كل جسد الاخوة. بهذا في الواقع يعاقب الكل، وكما في موضع آخر في رسالته إلى أهل كورنثوس يقول: "لا تُواكلوا مثل هذا" [11]. لكننا نجد الآن الغالبية لا يعتقدوا أن هذا شر عظيم. إنما كل شيء مرتبك وفاسد، فنختلط مع الزناة والطمّاعين بلا ضابط، كأنه أمر حتمي.
إن كان يجب أن ننسحب ممن كان ينال معونة وهو كسلان فماذا يكون الحال مع الآخرين؟
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:24 pm
يجب أن تعرفوا كم هو أمر مرعب أن يُفصل أحد من جماعة الاخوة، وأي نفع ينالونه عندما يُوبّخ هؤلاء بفكرٍ سليمٍ. اسمع ماذا حدث مع ذاك الرجل الذي افتخر بخطيته وبلغ قمّة الشر، الذي ارتكب مثل هذا الزنا الذي لا يُسمّى حتى بين الأمم، والذي لم يشعر بجرحه هذا والذي فسد، فإنه بعد هذا كله، فإن هذا قد انحنى وتواضع. حتى أن بولس قال: "مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الأكثرين... اطلب أن تُمكّنوا له المحبة" (2 كو 6:2، 8). إذ كان في ذلك الوقت كعضوٍ منفصل عن بقية الجسم.
القديس يوحنا ذهبي الفم
+ ماذا نفعل بخصوص هذه الحقيقة وهي أن الرسول نفسه قدم لنا قائمة ضخمة من الرذائل، وأشار من بينها إلى السُكر وختمها بالتحذير من أن نأكل خبزًا مع من يخطئون بمثل هذه الأمور؟
+ إنه لأمر مثير للشفقة مذكّرًا إيّانا مدى خطورة الأكل مع الذين هم يخطئون بالنهم حتى في بيوتهم.
القديس أغسطينوس
"لأنه ماذا لي أن أدين الذين من خارج
ألستم أنتم تدينون الذين من داخل؟" [12].
استخدم بعض المفسرين هذه العبارة للَّهجوم علي الحياة الرهبانية كحياة غير إنجيلية، فيها انسحاب من العالم وانغلاق وعدم شهادة للإنجيل أمام الغير. ولعل سرّ هذا عدم إدراكهم للفكر الرهباني الإنجيلي الحق. فالرهبنة منذ بدء نشأتها هي انطلاق النفس نحو السماء، واتساع القلب بالحب نحو كل البشرية. الراهب حتى في توحده يرفع يديه نحو السماء، حاملاً في قلبه كل البشر مشتهيًا خلاص الكل. فتح القديس أنبا انطونيوس أب كل الأسرة الرهبانية في العالم مغارته لكثير من الفلاسفة الوثنيين، وكسب بعضهم للسيد المسيح. وقام الرهبان الروحيون بخدمة الكثيرين، في الكنيسة وفي العالم .
+ أيها الاخوة، هذا هو عملي أن أتحدث إليكم، عملي أن أتكلم مع المسيحيين، "لأنه ماذا لي أن أدين الذين من خارج؟" [12].
القديس أغسطينوس
+ سأل الرسول: "لأنه ماذا لي أن أدين الذين من خارج؟" حقًا هؤلاء الأشخاص هم خارج المحكمة التي فيها تُنطق كلمات أسرارنا، إنهم لا يُنصبون تحت سقف اللَّه، وإنما في دير الشرير. إنهم يؤسرون بواسطته بإرادته. لهذا فهم لا يفهمون أن كل الفضائل توجد في الاعتدال وإن أي انحراف من أي جانب يتحول إلى رذيلة.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
+ لا يستطيع الأسقف أن يصنع شيئًا مع غير المؤمنين. أما الأخ الذي يُمسك مرتكبًا مثل هذا الأشياء فُيمكن للأسقف أن يمنعه ليس فقط عن الأسرار بل وعن الأحاديث العادية العامة مع زملائه, حتى متى تجنبوه يشعر بالخجل فيتوب.
أمبروسياستر
+ طالما يصعب علينا معرفة هدف الآخرين من اكتنازهم للأشياء الزمنية... فقد يكون قلبهم بسيطًا أو مزدوجًا، لذلك يليق أن يُقال: لا تدينوا لكي لا تدانوا. لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون. وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم.
أظن أننا من هذه الوصية نتعلم ضرورة افتراض أحسن قصدٍ ممكنٍ لأعمال الآخرين التي يمكن أن نشك في نيتها.أما عندما كُتب: "من ثمارهم تعرفونهم" فقد قصد بها الثمار التي لا يُمكن الشك فيها مثل الدعارة والتجديف والسرقة والسكر وأمثال ذلك التي سُمح بالحكم فيها (من
القديس يوحنا ذهبي الفم
+ ماذا نفعل بخصوص هذه الحقيقة وهي أن الرسول نفسه قدم لنا قائمة ضخمة من الرذائل، وأشار من بينها إلى السُكر وختمها بالتحذير من أن نأكل خبزًا مع من يخطئون بمثل هذه الأمور؟
+ إنه لأمر مثير للشفقة مذكّرًا إيّانا مدى خطورة الأكل مع الذين هم يخطئون بالنهم حتى في بيوتهم.
القديس أغسطينوس
"لأنه ماذا لي أن أدين الذين من خارج
ألستم أنتم تدينون الذين من داخل؟" [12].
استخدم بعض المفسرين هذه العبارة للَّهجوم علي الحياة الرهبانية كحياة غير إنجيلية، فيها انسحاب من العالم وانغلاق وعدم شهادة للإنجيل أمام الغير. ولعل سرّ هذا عدم إدراكهم للفكر الرهباني الإنجيلي الحق. فالرهبنة منذ بدء نشأتها هي انطلاق النفس نحو السماء، واتساع القلب بالحب نحو كل البشرية. الراهب حتى في توحده يرفع يديه نحو السماء، حاملاً في قلبه كل البشر مشتهيًا خلاص الكل. فتح القديس أنبا انطونيوس أب كل الأسرة الرهبانية في العالم مغارته لكثير من الفلاسفة الوثنيين، وكسب بعضهم للسيد المسيح. وقام الرهبان الروحيون بخدمة الكثيرين، في الكنيسة وفي العالم .
+ أيها الاخوة، هذا هو عملي أن أتحدث إليكم، عملي أن أتكلم مع المسيحيين، "لأنه ماذا لي أن أدين الذين من خارج؟" [12].
القديس أغسطينوس
+ سأل الرسول: "لأنه ماذا لي أن أدين الذين من خارج؟" حقًا هؤلاء الأشخاص هم خارج المحكمة التي فيها تُنطق كلمات أسرارنا، إنهم لا يُنصبون تحت سقف اللَّه، وإنما في دير الشرير. إنهم يؤسرون بواسطته بإرادته. لهذا فهم لا يفهمون أن كل الفضائل توجد في الاعتدال وإن أي انحراف من أي جانب يتحول إلى رذيلة.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
+ لا يستطيع الأسقف أن يصنع شيئًا مع غير المؤمنين. أما الأخ الذي يُمسك مرتكبًا مثل هذا الأشياء فُيمكن للأسقف أن يمنعه ليس فقط عن الأسرار بل وعن الأحاديث العادية العامة مع زملائه, حتى متى تجنبوه يشعر بالخجل فيتوب.
أمبروسياستر
+ طالما يصعب علينا معرفة هدف الآخرين من اكتنازهم للأشياء الزمنية... فقد يكون قلبهم بسيطًا أو مزدوجًا، لذلك يليق أن يُقال: لا تدينوا لكي لا تدانوا. لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون. وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم.
أظن أننا من هذه الوصية نتعلم ضرورة افتراض أحسن قصدٍ ممكنٍ لأعمال الآخرين التي يمكن أن نشك في نيتها.أما عندما كُتب: "من ثمارهم تعرفونهم" فقد قصد بها الثمار التي لا يُمكن الشك فيها مثل الدعارة والتجديف والسرقة والسكر وأمثال ذلك التي سُمح بالحكم فيها (من
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:24 pm
الكنيسة) حيث يقول الرسول: "لأنه ماذا لي أن أدين الذين من الخارج؟ ألستم أنتم تدينون من الداخل؟" (1 كو 12:5) فلا ندين إنسانًا من أجل أكل معين، فقد يأكل بنية صالحة بدون شهوة. لهذا يمنع الرسول الممتنعين عن أكل اللحم وشرب الخمر عن إدانة من يأكلونه ويشربونه، قائلاً: "لا يزدري مَنْ يأكل بمَنْ لا يأكل. ولا يدِنْ مَنْ لا يأكل مَنْ يأكل". كما يقول: "مَنْ أنت الذي تدين عبد غيرك. هو لمولاهُ يثبت أو يسقط" (رو 3:14-4).
القديس أغسطينوس
"أما الذين من خارج فاللَّه يدينهم،
فاعزلوا الخبيث من بينكم" [13].
الكنيسة في اتساع قلبها لا تدين الذين في الخارج بل تصلي لأجلهم لكي يكشف لهم الرب القداسة الحقة خلال نعمة اللَّه الغنية. لكنها ملتزمة أن تعيش طاهرة ومقدسة، لذا تكون حازمة مع الذين في الداخل، وكلما نال العضو مركز قياديًا أكبر وأخطأ يكون التأديب أكثر حزمًا.
+ اصنع ما في وسعك أن تستبعد الإنسان الشرير, فإنه إذ يرحل يحضر المسيح فيك.
العلامة أوريجينوس
+ بإرادتي سمحت لعدوّي أن يتسلل إلى قلبي،
ويسيطر على إرادتي،
فأسلك بما لا يليق كابنٍ حقيقيٍ لك!
+ مع كل تهاونٍ وتراخٍ واستهتارٍ،
مع كل خطيةٍ ارتكبها،
أُُهين بنوتك يا أيها الكلّي القداسة.
+ قل كلمة،
هب لي روح القوة،
فلن اسمح للخميرة الفاسدة أن تفسد عجين حياتي.
اطرد بقوة كل فسادٍ في داخلي،
فأصير لك فطير الحق بلا خميرة فساد.
وأتهلل بعيد فصحٍ دائم، يا أيها الفصح الحقيقي.
+ أراك دومًا على الصليب يا حمل اللََّه.
تُقدم ذاتك فصحًا، لتعبر بي من أرض العبودية.
تُخرجني من المرارة إلى عذوبة الحرية.
أنت فصحنا جميعًا.
حوّلتَ حياتنا إلى عيدٍ دائم لا ينقطع!
أقمتَ في داخلي حفل عُرس لا ينتهي!
حوّلتَ نوحي إلى فرح!
+ هب لي بروحك ألا أقبل دنسًا في أعماقي،
بل بالحق أصير أيقونتك يا أيها القدوس.
أتقدس فلا أدين أحدًا في الخارج.
بل أدين نفسي في الداخل!
+ هب لكنيستك روح القوة والقداسة.
بروحك تنتزع كل فسادٍ،
لا لتدين بل لتؤدب.
لا بروح النقمة بل بدموع الحنان.
تبتر الشر وتبكي على الشرير.
لا تطيق رائحة الفساد،
ولا تحتمل هلاك أحد!
لتحكم أنت فيها يا أيها الحب الحقيقي الحازم!
تكملة البولس : 1 كو 6 : 1 – 5
لوم علي محاكمات الاخوة
في الأصحاح السابق أوضح القديس بولس أنه ليس من حق الكنيسة أن تدين الذين في الخارج بل من هم في الداخل. الآن يُعالج الرسول موضوع "المحاكم الزمنية". هل يمكن للأخ أن يشتكي أخاه في المحكمة؟
في هذا الاصحاح يوبخهم الرسول بولس لأنهم يقودون بعضهم البعض إلي المحاكم من أجل أمورٍ تافهةٍ، كان يمكن للكنيسة أن تحكم فيها. إذ لا يليق كسر المحبة الأخوية بالدخول في قضايا ومحاكم من أجل أمور زمنية. وكما يقول سليمان الحكيم أن كسب الأخ أفضل من كسب مدينة بأكملها: "الأخ أمنع من مدينة حصينة، والمخاصمات كعارضة قلعة" (أم 18 : 19). من يتحصن بالحب الأخوي أفضل ممن يتحصن في مدينة حصينة، ومن يدخل في مخاصمات يكون كمن دخل وراء قضبان قلعة لا يقدر أن يخرج منها.
1. التجاء المسيحيين إلي المحاكم الوثنية
القديس أغسطينوس
"أما الذين من خارج فاللَّه يدينهم،
فاعزلوا الخبيث من بينكم" [13].
الكنيسة في اتساع قلبها لا تدين الذين في الخارج بل تصلي لأجلهم لكي يكشف لهم الرب القداسة الحقة خلال نعمة اللَّه الغنية. لكنها ملتزمة أن تعيش طاهرة ومقدسة، لذا تكون حازمة مع الذين في الداخل، وكلما نال العضو مركز قياديًا أكبر وأخطأ يكون التأديب أكثر حزمًا.
+ اصنع ما في وسعك أن تستبعد الإنسان الشرير, فإنه إذ يرحل يحضر المسيح فيك.
العلامة أوريجينوس
من وحي 1كو5
انزع فسادي، فأفرح بك يا عيدي الدائم
انزع فسادي، فأفرح بك يا عيدي الدائم
+ بإرادتي سمحت لعدوّي أن يتسلل إلى قلبي،
ويسيطر على إرادتي،
فأسلك بما لا يليق كابنٍ حقيقيٍ لك!
+ مع كل تهاونٍ وتراخٍ واستهتارٍ،
مع كل خطيةٍ ارتكبها،
أُُهين بنوتك يا أيها الكلّي القداسة.
+ قل كلمة،
هب لي روح القوة،
فلن اسمح للخميرة الفاسدة أن تفسد عجين حياتي.
اطرد بقوة كل فسادٍ في داخلي،
فأصير لك فطير الحق بلا خميرة فساد.
وأتهلل بعيد فصحٍ دائم، يا أيها الفصح الحقيقي.
+ أراك دومًا على الصليب يا حمل اللََّه.
تُقدم ذاتك فصحًا، لتعبر بي من أرض العبودية.
تُخرجني من المرارة إلى عذوبة الحرية.
أنت فصحنا جميعًا.
حوّلتَ حياتنا إلى عيدٍ دائم لا ينقطع!
أقمتَ في داخلي حفل عُرس لا ينتهي!
حوّلتَ نوحي إلى فرح!
+ هب لي بروحك ألا أقبل دنسًا في أعماقي،
بل بالحق أصير أيقونتك يا أيها القدوس.
أتقدس فلا أدين أحدًا في الخارج.
بل أدين نفسي في الداخل!
+ هب لكنيستك روح القوة والقداسة.
بروحك تنتزع كل فسادٍ،
لا لتدين بل لتؤدب.
لا بروح النقمة بل بدموع الحنان.
تبتر الشر وتبكي على الشرير.
لا تطيق رائحة الفساد،
ولا تحتمل هلاك أحد!
لتحكم أنت فيها يا أيها الحب الحقيقي الحازم!
تكملة البولس : 1 كو 6 : 1 – 5
لوم علي محاكمات الاخوة
في الأصحاح السابق أوضح القديس بولس أنه ليس من حق الكنيسة أن تدين الذين في الخارج بل من هم في الداخل. الآن يُعالج الرسول موضوع "المحاكم الزمنية". هل يمكن للأخ أن يشتكي أخاه في المحكمة؟
في هذا الاصحاح يوبخهم الرسول بولس لأنهم يقودون بعضهم البعض إلي المحاكم من أجل أمورٍ تافهةٍ، كان يمكن للكنيسة أن تحكم فيها. إذ لا يليق كسر المحبة الأخوية بالدخول في قضايا ومحاكم من أجل أمور زمنية. وكما يقول سليمان الحكيم أن كسب الأخ أفضل من كسب مدينة بأكملها: "الأخ أمنع من مدينة حصينة، والمخاصمات كعارضة قلعة" (أم 18 : 19). من يتحصن بالحب الأخوي أفضل ممن يتحصن في مدينة حصينة، ومن يدخل في مخاصمات يكون كمن دخل وراء قضبان قلعة لا يقدر أن يخرج منها.
1. التجاء المسيحيين إلي المحاكم الوثنية
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:25 pm
"أيتجاسر منكم أحد له دعوى على آخر أن يحاكم عند الظالمين
وليس عند القديسين؟" [1].
بينما يدعو القضاة الوثنيين "ظالمين" يدعو رجال الكنيسة قديسين، فإنه يليق بالمسيحيين أن يحملوا روح القدوس فيسلكوا في القداسة.
التجاء الاخوة للمحاكم الزمنية فيه مضيعة للوقت والمال، وفيه تحطيم للحب الأخوي، يدفع الطرفين إلي الثورة والغضب، وربما إلي الألفاظ القاسية غير اللائقة، تفقدهما سلامهما الداخلي وفرحهما، وتدفعهما إلى تجاهل رسالتهما كسفيرين للسيد المسيح، كما تهين الكنيسة بيت القديسين.
+ لم يرد بولس أن يُدانوا من الذين في الخارج، لأنه لم يرد أن يكون التقصير الذي يحدث من أولئك الذين تعلموا السلوك الحسن والبرّ أن يسبب عثرة للذين هم خارج الكنيسة.
لماذا دعي القضاة الوثنين ظالمين مع أن بعضهم اتسم بنوع من العدالة؟
اللَّه هو مصدر العدل الحقيقي، في عدله حب، وفي حبه عدالة, يشتاق أن الكل يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون. لذا فإن الوثنيين وقد عزلوا أنفسهم عن الحق صاروا لا يبالون بخلاصهم ولا بخلاص من يحكمون بينهم. فإنهم وإن مارسوا العدالة الزمنية لكنهم يتجاهلون خلاص الناس فيُحسبون ظالمين.
"ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟
فإن كان العالم يُدان بكم
أفأنتم غير مستأهلين للمحاكم الصغرى؟" [2].
+ سيدين الاثنا عشر رسولاً الاثني عشر سبطًا لإسرائيل إن لم يؤمنوا بل يرفضوا المسيح. سيدين بقية القديسين الأمم الذين لم يتركوا عبادة الأوثان ويؤمنوا باللَّه الحقيقي.
+ سيدين القديسون هذا العالم لأن عدم إيمان العالم سيُدان بمثال إيمانهم.
"ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة؟
فبالأولى أمور هذه الحياة" [3].
يوضح لهم الرسول استفحال خطأهم, فإن كان المؤمنون يدينون العالم بحياتهم المقدسة والملائكة الأشرار في يوم الرب العظيم أليس بالأولى يحكموا في الأمور الزمنية التافهة؟ كأن الالتجاء إلي المحاكم بالنسبة للاخوة فيه إهانة للقديسين.
أخبرنا السيد عن تلاميذه الاثني عشر أنهم يجلسون علي كراسيهم ليدينوا أسباط إسرائيل الاثني عشر (مت 19:28). وفي موضع آخر نسمع عن ربوات القديسين الذين يدينون في يوم الرب العظيم (يه 14-15)، فإنه سيأتي مع قديسيه للدينونة (1 تس 3:13). لا يعني هذا أنهم يشاركون السيد المسيح في إدانة الناس، إنما يجلسون علي كراسي الكرامة لينظروا دينونة العالم الشرير.
إذ يتمجد المؤمنون في يوم الرب العظيم ويجلسوا عن يمين الديان كملكة تجلس عن يمين الملك، يدين الملك الملائكة الأشرار في حضور الملكة كمن تشاركه عمله. يرى البعض أن المؤمنين ينالون كرامة أفضل من الملائكة، إذ يتمتعون بعمل اللَّه الخلاصي ويشاركونه مجده، فيكرمهم الملائكة القديسون.
قيل عن القديسين أنهم سيظهرون أمام الديان ويدينهم، عندئذ يملكون معه، لكنهم لا يشاركونه الدينونة. فالدينونة هنا تشير إلي تمتعهم بالمجد كشهادة قوية ودينونة ضد غير المؤمنين والملائكة الأشرار.
ولعل إدانة الملائكة الأشرار قد بدأت بالصليب حيث جرد الرئاسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه (كو 2 :15). أعطي للكنيسة سلطانًا أن تحطم مملكة إبليس وتطرده من كثيرين. هكذا يحطم المؤمنون الحقيقيون سلطان إبليس وجنوده ويدينونه.
في الأصحاح السابق يتحدث الرسول عن نفسه ومعه الرسل أنهم صاروا منظرًا للملائكة، حيث يجد الشياطين بهجتهم في اضطهاد المؤمنين ومضايقتهم، ولم يدركوا أن هؤلاء المؤمنين سيكونون شهادة عليهم في يوم دينونتهم.
+ لا يتحدث بولس هنا عن ملائكة حقيقيين بل عن الكهنة ومعلمي الشعب الذين سيُدانون بواسطة القديسين بسبب بطلان تعليمهم الخاص بالمسيح.
+ يقول البعض أنه يشير هنا إلى الكهنة، لكن الأمر بعيد تمامًا عن هذا. حديثه هنا عن الشياطين. فلو أنه كان يتحدث عن الكهنة الفاسدين لكان يعني ذلك في العبارة: "إن القديسين سيدينون العالم" [2]. (لأن الكتاب المقدس اعتاد أن يدعو الأشرار أيضًا "العالم")، ولما كرّر الأمر مرّتين.
+ يقصد بولس هنا بالملائكة الشياطين الذين كانوا قبلاً ملائكة.
+ وإن كان بولس قد تعب أكثر من جميعهم (1كو10:15) إلا إنه ليس له كرسي للحكم. لكنه بحق يحسب نفسه ضمن القضاة عندما يقول: "ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة؟" [3].
"فإن كان لكم محاكم في أمور هذه الحياة
فاجلسوا المحتقرين في الكنيسة قضاة" [4].
ربما يقصد بالمحتقرين المؤمنين غير المسئولين بعملٍ قيادي. فقد كان المجتمع اليهودي يضم خمس درجات من مجالس القضاء:
1. مجلس السنهدرين الأعظم Sanhedrin يضم 72 شيخًا، يجتمعون في أورشليم، لهم أعلى سلطة قضائية دينية.
2. مجلس السنهدرين الأصغر يضم 25 شخصًا في المدن الكبرى خارج أورشليم.
3. كرسي القضاء الثلاثي Bench of three في كل مجلس.
4. الكرسي المعتمد Authorized or Authentic bench.
5. الكرسي غير المعتمد، يُدعي هكذا لأنه لا يستمد سلطانه من السنهدرين، إنما يُختار أعضاؤه من الأطراف المتنازعة للفصل في منازعاتهم دون الدخول إلى مجالس رسمية.
"المحتقرون" والترجمة الحرفية هي "الذين بلا كرامة". لعله يقصد بالمحتقرين الذين لا يُوثق فيهم، هؤلاء سيكونون أفضل من الوثنيين المقاومين للحق الانجيلي. وكأن الرسول يقول لهم إن لم تجدوا إنسانًا يصلح من بين القيادات الكنسية فاختاروا أنتم ممن يظنهم البعض محتقرين لكي يحكموا في قضاياكم الداخلية.
+ يريد الرسول أن يقوم الأشخاص الحكماء المؤمنون الذين تأسسوا حسنًا في مواضع مختلفة بالحكم في مثل هذه الأمور، وليس الأشخاص المشغولون بالكرازة والذين يتنقلون هنا وهناك... إن لم يوجد قضاة حكماء فإنه يود أن يقيموا أشخاصًا أقل ومحتقرين حتى لا تُقدم أمور المسيحيين إلى أعين العامة.
+ إذ أراد أن يعلمنا كما بقوة قدر المستطاع أنه ينبغي أن لا نسلم أنفسنا (في القضاء) للذين في الخارج، مهما كان الأمر، أثار بما يبدو كأنه اعتراض وأجاب عليه... فما يقوله هو هكذا: ربما يقول أحد: "ليس بينكم أحد حكيمًا ولا من هو قادر على إصدار حكم؛ الكل محتقرون". الآن ماذا يلي هذا؟ يقول: "حتى وإن لم يوجد بينهم حكيم فأنا أمر أن توضع الأمور بين يديّ المحتقرين".
"لتخجيلكم أقول:
أهكذا ليس بينكم حكيم ولا واحد يقدر أن يقضي بين اخوته؟" [5]كان الكورنثوسيون يفتخرون بأنهم أصحاب فلسفات وحكمة ويظنون انهم أفضل من بعضهم البعض بينما لا يجدون إنسانا حكيمًا واحدًا يقدر أن يفصل في قضايا الاخوة دون أن تبلغ المحاكم الوثنية. ولعله بسبب الانشقاقات التي عانت منها الكنيسة في كورنثوس لم يستطع المسيحيون أن يستقروا علي حكيمٍ واحد قادر أن يفصل في
وليس عند القديسين؟" [1].
بينما يدعو القضاة الوثنيين "ظالمين" يدعو رجال الكنيسة قديسين، فإنه يليق بالمسيحيين أن يحملوا روح القدوس فيسلكوا في القداسة.
التجاء الاخوة للمحاكم الزمنية فيه مضيعة للوقت والمال، وفيه تحطيم للحب الأخوي، يدفع الطرفين إلي الثورة والغضب، وربما إلي الألفاظ القاسية غير اللائقة، تفقدهما سلامهما الداخلي وفرحهما، وتدفعهما إلى تجاهل رسالتهما كسفيرين للسيد المسيح، كما تهين الكنيسة بيت القديسين.
+ لم يرد بولس أن يُدانوا من الذين في الخارج، لأنه لم يرد أن يكون التقصير الذي يحدث من أولئك الذين تعلموا السلوك الحسن والبرّ أن يسبب عثرة للذين هم خارج الكنيسة.
ثيؤدور أسقف الميصة
لماذا دعي القضاة الوثنين ظالمين مع أن بعضهم اتسم بنوع من العدالة؟
اللَّه هو مصدر العدل الحقيقي، في عدله حب، وفي حبه عدالة, يشتاق أن الكل يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون. لذا فإن الوثنيين وقد عزلوا أنفسهم عن الحق صاروا لا يبالون بخلاصهم ولا بخلاص من يحكمون بينهم. فإنهم وإن مارسوا العدالة الزمنية لكنهم يتجاهلون خلاص الناس فيُحسبون ظالمين.
"ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟
فإن كان العالم يُدان بكم
أفأنتم غير مستأهلين للمحاكم الصغرى؟" [2].
+ سيدين الاثنا عشر رسولاً الاثني عشر سبطًا لإسرائيل إن لم يؤمنوا بل يرفضوا المسيح. سيدين بقية القديسين الأمم الذين لم يتركوا عبادة الأوثان ويؤمنوا باللَّه الحقيقي.
سفيريان أسقف جبالة
+ سيدين القديسون هذا العالم لأن عدم إيمان العالم سيُدان بمثال إيمانهم.
أمبروسياستر
"ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة؟
فبالأولى أمور هذه الحياة" [3].
يوضح لهم الرسول استفحال خطأهم, فإن كان المؤمنون يدينون العالم بحياتهم المقدسة والملائكة الأشرار في يوم الرب العظيم أليس بالأولى يحكموا في الأمور الزمنية التافهة؟ كأن الالتجاء إلي المحاكم بالنسبة للاخوة فيه إهانة للقديسين.
أخبرنا السيد عن تلاميذه الاثني عشر أنهم يجلسون علي كراسيهم ليدينوا أسباط إسرائيل الاثني عشر (مت 19:28). وفي موضع آخر نسمع عن ربوات القديسين الذين يدينون في يوم الرب العظيم (يه 14-15)، فإنه سيأتي مع قديسيه للدينونة (1 تس 3:13). لا يعني هذا أنهم يشاركون السيد المسيح في إدانة الناس، إنما يجلسون علي كراسي الكرامة لينظروا دينونة العالم الشرير.
إذ يتمجد المؤمنون في يوم الرب العظيم ويجلسوا عن يمين الديان كملكة تجلس عن يمين الملك، يدين الملك الملائكة الأشرار في حضور الملكة كمن تشاركه عمله. يرى البعض أن المؤمنين ينالون كرامة أفضل من الملائكة، إذ يتمتعون بعمل اللَّه الخلاصي ويشاركونه مجده، فيكرمهم الملائكة القديسون.
قيل عن القديسين أنهم سيظهرون أمام الديان ويدينهم، عندئذ يملكون معه، لكنهم لا يشاركونه الدينونة. فالدينونة هنا تشير إلي تمتعهم بالمجد كشهادة قوية ودينونة ضد غير المؤمنين والملائكة الأشرار.
ولعل إدانة الملائكة الأشرار قد بدأت بالصليب حيث جرد الرئاسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه (كو 2 :15). أعطي للكنيسة سلطانًا أن تحطم مملكة إبليس وتطرده من كثيرين. هكذا يحطم المؤمنون الحقيقيون سلطان إبليس وجنوده ويدينونه.
في الأصحاح السابق يتحدث الرسول عن نفسه ومعه الرسل أنهم صاروا منظرًا للملائكة، حيث يجد الشياطين بهجتهم في اضطهاد المؤمنين ومضايقتهم، ولم يدركوا أن هؤلاء المؤمنين سيكونون شهادة عليهم في يوم دينونتهم.
+ لا يتحدث بولس هنا عن ملائكة حقيقيين بل عن الكهنة ومعلمي الشعب الذين سيُدانون بواسطة القديسين بسبب بطلان تعليمهم الخاص بالمسيح.
سيفريان أسقف جبالة
+ يقول البعض أنه يشير هنا إلى الكهنة، لكن الأمر بعيد تمامًا عن هذا. حديثه هنا عن الشياطين. فلو أنه كان يتحدث عن الكهنة الفاسدين لكان يعني ذلك في العبارة: "إن القديسين سيدينون العالم" [2]. (لأن الكتاب المقدس اعتاد أن يدعو الأشرار أيضًا "العالم")، ولما كرّر الأمر مرّتين.
القديس يوحنا ذهبي الفم
+ يقصد بولس هنا بالملائكة الشياطين الذين كانوا قبلاً ملائكة.
ثيؤدورت أسقف قورش
+ وإن كان بولس قد تعب أكثر من جميعهم (1كو10:15) إلا إنه ليس له كرسي للحكم. لكنه بحق يحسب نفسه ضمن القضاة عندما يقول: "ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة؟" [3].
القديس أغسطينوس
"فإن كان لكم محاكم في أمور هذه الحياة
فاجلسوا المحتقرين في الكنيسة قضاة" [4].
ربما يقصد بالمحتقرين المؤمنين غير المسئولين بعملٍ قيادي. فقد كان المجتمع اليهودي يضم خمس درجات من مجالس القضاء:
1. مجلس السنهدرين الأعظم Sanhedrin يضم 72 شيخًا، يجتمعون في أورشليم، لهم أعلى سلطة قضائية دينية.
2. مجلس السنهدرين الأصغر يضم 25 شخصًا في المدن الكبرى خارج أورشليم.
3. كرسي القضاء الثلاثي Bench of three في كل مجلس.
4. الكرسي المعتمد Authorized or Authentic bench.
5. الكرسي غير المعتمد، يُدعي هكذا لأنه لا يستمد سلطانه من السنهدرين، إنما يُختار أعضاؤه من الأطراف المتنازعة للفصل في منازعاتهم دون الدخول إلى مجالس رسمية.
"المحتقرون" والترجمة الحرفية هي "الذين بلا كرامة". لعله يقصد بالمحتقرين الذين لا يُوثق فيهم، هؤلاء سيكونون أفضل من الوثنيين المقاومين للحق الانجيلي. وكأن الرسول يقول لهم إن لم تجدوا إنسانًا يصلح من بين القيادات الكنسية فاختاروا أنتم ممن يظنهم البعض محتقرين لكي يحكموا في قضاياكم الداخلية.
+ يريد الرسول أن يقوم الأشخاص الحكماء المؤمنون الذين تأسسوا حسنًا في مواضع مختلفة بالحكم في مثل هذه الأمور، وليس الأشخاص المشغولون بالكرازة والذين يتنقلون هنا وهناك... إن لم يوجد قضاة حكماء فإنه يود أن يقيموا أشخاصًا أقل ومحتقرين حتى لا تُقدم أمور المسيحيين إلى أعين العامة.
القديس أغسطينوس
+ إذ أراد أن يعلمنا كما بقوة قدر المستطاع أنه ينبغي أن لا نسلم أنفسنا (في القضاء) للذين في الخارج، مهما كان الأمر، أثار بما يبدو كأنه اعتراض وأجاب عليه... فما يقوله هو هكذا: ربما يقول أحد: "ليس بينكم أحد حكيمًا ولا من هو قادر على إصدار حكم؛ الكل محتقرون". الآن ماذا يلي هذا؟ يقول: "حتى وإن لم يوجد بينهم حكيم فأنا أمر أن توضع الأمور بين يديّ المحتقرين".
القديس يوحنا ذهبي الفم
"لتخجيلكم أقول:
أهكذا ليس بينكم حكيم ولا واحد يقدر أن يقضي بين اخوته؟" [5]كان الكورنثوسيون يفتخرون بأنهم أصحاب فلسفات وحكمة ويظنون انهم أفضل من بعضهم البعض بينما لا يجدون إنسانا حكيمًا واحدًا يقدر أن يفصل في قضايا الاخوة دون أن تبلغ المحاكم الوثنية. ولعله بسبب الانشقاقات التي عانت منها الكنيسة في كورنثوس لم يستطع المسيحيون أن يستقروا علي حكيمٍ واحد قادر أن يفصل في
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:25 pm
الخصومات بين الاخوة، مما جعل الأفراد يلجأون إلى قضاة وثنيين. لهذا يوبخهم قائلاً: "أهكذا ليس بينكم حكيم ولا واحد يقدر أن يقضي بين اخوته؟"
+ يهاجم بولس الكورنثوسيين لأنهم وإن كانوا بالحق في وسط اليونان (مركز الفلسفة والحكمة) لم يوجد بينهم أناس حكماء مع أن كثيرين جاءوا إليهم يبشرون بالحكمة.
إنجيل القداس .. لو 11 : 33 – 36
33 ليس احد يوقد سراجا و يضعه في خفية و لا تحت المكيال بل على المنارة لكي ينظر الداخلون النور
34 سراج الجسد هو العين فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا و متى كانت شريرة فجسدك يكون مظلما
35 انظر اذا لئلا يكون النور الذي فيك ظلمة
36 فان كان جسدك كله نيرا ليس فيه جزء مظلم يكون نيرا كله كما حينما يضيء لك السراج
هذه العبارات الإلهيَّة كما أظن تكشف عن أساس "الصداقة الإلهيَّة"، فإن كان الله هو "نور"، يليق بنا أن نكون السراج الحامل للنور، الذي لا يختفي عنه عمل الله النوراني، بل يكون حاملاً له وشاهدًا لفاعليَّته. في صداقتنا نلتقي بالنور ليس تحت مكيال معين ولا بمقاييس بشريَّة، وإنما نُحمل على الحق الذي يرفعنا إلى فوق، فلا نخضع للزمن ولا للمكان، بل نحيا كملائكة الله السمائيِّين، نحلِّق في العلويَّات. صداقتنا هي "شركة في النور الإلهي"، أو "حياة علويَّة ملائكيَّة".
إن كنَّا نتساءل: كيف نصير سراجًا منيرًا، نحمل شهادة حق على منارة الحياة السماويَّة؟ يجيب الرب: "سراج الجسد هو العين". كأنه يُعلِّق التزامنا بالعين البسيطة لكي نقدر أن نعاين الرب البسيط. لتكن لنا البصيرة النقيَّة، التي لا تحمل تعقيدًا بل في بساطتها تحمل هدفًا واحدًا هو معاينة الرب. بهذا يرى القلب، الذي هو عين النفس وبصيرتها، الله متجلِّيًا في كل شيء، فتستنير النفس ويتقدَّس الجسد، ويصير الإنسان بكليَّته مقدِسًا للرب، وسراجًا يحمل النور الإلهي. وقد سبق لنا الحديث عن هذه العين البسيطة المقدَّسة بالله البسيط في دراستنا لإنجيل متى 6: 22-23.
يحدِّثنا القدِّيس أمبروسيوس عن السراج المنير بكونه إيماننا الإنجيلي أو إيماننا بكلمة الله التي هي النور الذي يكشف لنا الطريق، وبه نبحث عن الدرهم المفقود، إذ يقول:
[السراج هو الإيمان، كما هو مكتوب: "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (مز 119: 105).
كلمة الله هو موضوع إيماننا، وهو النور الحقيقي الذي يضيء لكل إنسان آتيًا إلى العالم" (يو 1: 9)، هذا السراج لا يمكن أن ينير ما لم نستمد نوره من مصدر آخر (السيد المسيح).
السراج الذي نوقده هو قوَّة أرواحنا وعواطفنا، به نجد الدرهم المفقود (لو 15: 8).
لا يليق بالإنسان أن يضع هذا الإيمان (السراج) تحت مكيال الناموس، لأن الناموس محدود أما النعمة فبلا حدود، الناموس يقدِّم ظلاً أما النعمة فتنير. ليته لا يغلق أحد إيمانه في حدود مكيال الناموس، بل يأتي إلى الكنيسة فتزيِّنه نعمة الرب.
ليسلِّط رئيس الكهنة النور على عظائم اللاهوت الملوكي، فلا يخنقها ظل الناموس. قديمًا كان رئيس الكهنة يوقد الأسرجة حسب الطقوس اليهوديَّة بانتظام صباحًا ومساءً، لكنها قد انطفأت، لأنها وُضعت تحت مكيال الناموس، واختفت أورشليم الأرضيَّة التي قتلت الأنبياء (مت 23: 37)، أما أورشليم السماويَّة فقبلت إيماننا ووضعته على أعلى قمم الجبال أي على المسيح، لذلك أقول أنه لا يمكن للكنيسة أن تخفيها الظلمة ولا ظلال هذا العالم إنما تشع ببهاء الشمس الأبديَّة وتضيء علينا بأشعَّة نعمة الروح.]
+ يهاجم بولس الكورنثوسيين لأنهم وإن كانوا بالحق في وسط اليونان (مركز الفلسفة والحكمة) لم يوجد بينهم أناس حكماء مع أن كثيرين جاءوا إليهم يبشرون بالحكمة.
العلامة أوريجينوس
+ + +
إنجيل القداس .. لو 11 : 33 – 36
33 ليس احد يوقد سراجا و يضعه في خفية و لا تحت المكيال بل على المنارة لكي ينظر الداخلون النور
34 سراج الجسد هو العين فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا و متى كانت شريرة فجسدك يكون مظلما
35 انظر اذا لئلا يكون النور الذي فيك ظلمة
36 فان كان جسدك كله نيرا ليس فيه جزء مظلم يكون نيرا كله كما حينما يضيء لك السراج
هذه العبارات الإلهيَّة كما أظن تكشف عن أساس "الصداقة الإلهيَّة"، فإن كان الله هو "نور"، يليق بنا أن نكون السراج الحامل للنور، الذي لا يختفي عنه عمل الله النوراني، بل يكون حاملاً له وشاهدًا لفاعليَّته. في صداقتنا نلتقي بالنور ليس تحت مكيال معين ولا بمقاييس بشريَّة، وإنما نُحمل على الحق الذي يرفعنا إلى فوق، فلا نخضع للزمن ولا للمكان، بل نحيا كملائكة الله السمائيِّين، نحلِّق في العلويَّات. صداقتنا هي "شركة في النور الإلهي"، أو "حياة علويَّة ملائكيَّة".
إن كنَّا نتساءل: كيف نصير سراجًا منيرًا، نحمل شهادة حق على منارة الحياة السماويَّة؟ يجيب الرب: "سراج الجسد هو العين". كأنه يُعلِّق التزامنا بالعين البسيطة لكي نقدر أن نعاين الرب البسيط. لتكن لنا البصيرة النقيَّة، التي لا تحمل تعقيدًا بل في بساطتها تحمل هدفًا واحدًا هو معاينة الرب. بهذا يرى القلب، الذي هو عين النفس وبصيرتها، الله متجلِّيًا في كل شيء، فتستنير النفس ويتقدَّس الجسد، ويصير الإنسان بكليَّته مقدِسًا للرب، وسراجًا يحمل النور الإلهي. وقد سبق لنا الحديث عن هذه العين البسيطة المقدَّسة بالله البسيط في دراستنا لإنجيل متى 6: 22-23.
يحدِّثنا القدِّيس أمبروسيوس عن السراج المنير بكونه إيماننا الإنجيلي أو إيماننا بكلمة الله التي هي النور الذي يكشف لنا الطريق، وبه نبحث عن الدرهم المفقود، إذ يقول:
[السراج هو الإيمان، كما هو مكتوب: "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (مز 119: 105).
كلمة الله هو موضوع إيماننا، وهو النور الحقيقي الذي يضيء لكل إنسان آتيًا إلى العالم" (يو 1: 9)، هذا السراج لا يمكن أن ينير ما لم نستمد نوره من مصدر آخر (السيد المسيح).
السراج الذي نوقده هو قوَّة أرواحنا وعواطفنا، به نجد الدرهم المفقود (لو 15: 8).
لا يليق بالإنسان أن يضع هذا الإيمان (السراج) تحت مكيال الناموس، لأن الناموس محدود أما النعمة فبلا حدود، الناموس يقدِّم ظلاً أما النعمة فتنير. ليته لا يغلق أحد إيمانه في حدود مكيال الناموس، بل يأتي إلى الكنيسة فتزيِّنه نعمة الرب.
ليسلِّط رئيس الكهنة النور على عظائم اللاهوت الملوكي، فلا يخنقها ظل الناموس. قديمًا كان رئيس الكهنة يوقد الأسرجة حسب الطقوس اليهوديَّة بانتظام صباحًا ومساءً، لكنها قد انطفأت، لأنها وُضعت تحت مكيال الناموس، واختفت أورشليم الأرضيَّة التي قتلت الأنبياء (مت 23: 37)، أما أورشليم السماويَّة فقبلت إيماننا ووضعته على أعلى قمم الجبال أي على المسيح، لذلك أقول أنه لا يمكن للكنيسة أن تخفيها الظلمة ولا ظلال هذا العالم إنما تشع ببهاء الشمس الأبديَّة وتضيء علينا بأشعَّة نعمة الروح.]
+ + +
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:26 pm
اليوم الثانى ( الثلاثاء ) من الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
النبوات ... إشعياء 10
هجوم آشور على يهوذا ومعاقبة آشور
يحوى هذا الإصحاح ويلين ، الويل الأول ضد رؤساء الشعب بسبب شرهم ، والثانى ضد أشور لأن الله سمح له بغزو يهوذا للتأديب فإذا به ينتفخ على الله ويجدف عليه ، حاسبا أن آلهته غلبت إله إسرائيل .
يرى البعض أن هذا الإصحاح كتب فى السنوات الأولى من حكم حزقيا ملك يهوذا ، بعد سقوط السامرة فى يد سرجون ملك آشور ( إش 10 : 11 ) .
( 1 ) الويل الأول ضد القيادات 1 – 4
يرى البعض أن الويل الموجه ضد القيادات هنا هو تكملة لما ورد فى الإصحاح السابق عن كبرياء إسرائيل ، ويدللون على ذلك أنه انتهى أيضا بالعبارة التى تكررت قبلا : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " ( إش 9 : 12 ، 17 ، 21 ؛ 10 : 4 ) ، بهذا يكون الحديث موجها ضد قيادات الأسباط العشرة ( إسرائيل ) . غير أن تكملة الحديث موجه إلى أورشليم عاصمة يهوذا لهذا يرى بعض الدارسين أن ما ورد هنا ينطبق على قيادات المملكتين لأنهما تشابهتا فى الشر .
يكشف الله تصرفات القادة الجائرة ، التى تتركز فى القضاء بالباطل والحكم بالظلم ( إش 10 : 1 ) ، يدون الضعفاء عن التمتع بحقوقهم المسلوبة ، ويسلبون حق البائسين خاصة الأيتام والأرامل ( إش 10 : 2 ) : وكما يقول الحكيم : " ثم رجعت ورأيت كل المظالم التى تجرى تحت الشمس فهوذا دموع المظلومين ولا معز لهم ومن يد ظالميهم قهر " جا 4 : 1 .
الآن إذ يدرك إشعياء عدل الله خاصة فى دفاعه عن الضعفاء يسأل هؤلاء القادة : " وماذا تفعلون فى يوم العقاب حين تأتى التهلكة من بعيد ؟ إلى من تهربون للمعونة ؟ وأين تتركون مجدكم ؟ إما يجثون بين الأسرى وإما يسقطون تحت القتلى " إش 10 : 3 ، 4 . العقاب قادم لا محالة خاصة تجاه القيادات الدينية والمدنية .
ومع هذا كله لا زال الله يمد يد محبته ليخلصهم من شرهم : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 10 : 4 .
( 2 ) الويل الثانى ضد أشور : 5 – 19
سبق أن تحدث النبى عن قوة أشور العسكرية وجبروته ونصرته حتى على شعب الله ، كما أكد أن ما حل بالشعب هو بسماح الهي للتأديب ، لكن أشور تعظم على الله وحسب بغلبته هذه أنه غلب إله هذا الشعب وأذله ... لهذا يعود الله فيؤدب أشور نفسه المتعالى والمتعجرف .
اعتاد إشعياء النبى أن يتحدث بجرأة وصراحة فبينما يدعو أشور قضيب غضب الله وعصاهم هى سخط الرب ( إش 10 : 5 ) ، لكون أشور أداة لتحقيق تأديبات الرب ، نجده يدعو شعب الله " أمة منافقة " و " شعب سخط الله " إش 10 : 6 ، لأن هذا الشعب قد حمل صورة العبادة من الخارج بينما دب الفساد فى حياتهم الداخلية .
لم يدرك أشور هذه الحقيقة أنه مجرد أداة للتأديب ( إش 10 : 7 ) إنما فى كبرياء قال :
" أليست رؤسائى جميعا ملوكا ؟! " ( إش 10 : 8 . بمعنى أن الولاة الذين يقيمهم ملك أشور تحت قيادته هم جميعا ملوك ، فماذا يكون مركزه هو ؟! إنه ملك الملوك !!
قال أيضا : " أليست كلنو مثل كرمشيش ؟! أليست حماة مثل أرفاد ؟! أليست السامرة مثل دمشق ؟! " إش 10 : 9 .
هكذا لم تقف أمام أشور أعظم مدن الحثيين أو الأراميين ، فهل تقف أمامه مدن يهوذا وإسرائيل ؟! لقد حسب أشور نفسه أنه غلب آلهة الأمم وأوثانها التى تحميها فلن يقف إله إسرائيل أو يهوذا قدامه ( إش 10 : 10 ، 11 ) ، ظانا أنه على ذات مستوى هذه الأصنام .
لقد سمح الله له بذلك ، لكنه يعود فيؤدب أشور على سخريته به : " فيكون متى أكمل السيد كل عمله بجبل صهيون وبأورشليم إنى أعاقب ثمر عظمة قلب ملك أشور وفخر رفعة عينيه ، لأنه قال : بقدرة يدى صنعت وبحكمتى ، لأنى فهيم ، ونقلت تخوم شعوب ونهبت ذخائرهم وحططت الملوك كبطل ، فأصابت يدى ثروة الشعوب كعش وكما يجمع بيض مهجور أنا كل الأرض ولم يكن مرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفصف " إش 10 : 13 ، 14 .
هكذا ظن أشور أنه بقدرته وحكمته صنع أعمالا خارقة ...
لم يدرك أشور أنه كان فأسا أو منشارا يستخدمه الله للتأديب ، فتشامخت الأداة على من يستعملها . لذلك يقوم الله بتأديبه هكذا :
أ – يرسل على " سمانه " ، أى أبطال جيشه الجبابرة ، هزالا ( إش 10 : 16 ) .
ب – يوقد تحت " مجده " ، أى جيشه ، وقيدا كوقيد النار ( إش 10 : 16 ) ، فتلتهمه ليصير رمادا .
يصير الله " نور إسرائيل " نارا آكلة لأشور ، والقدوس لهيبا يحطم العدو ( إش 10 : 17 ) . بمعنى آخر الله الذى هو نور للمؤمنين وسر تقديس لحياتهم يكون نارا آكلة ولهيبا للأشرار المقاومين .
قراءات باكر | قراءات القداس | ||||
أم 2 : 1 - 15 إش 10 : 12 - 20 | مز 32 : 10 لو 12 : 54 - 59 | رو 4 : 1 - 8 | 1 يو 2 : 1 - 11 | أع 27 : 9 - 12 | مز 32 : 2 ، 3 يو 8 : 31 - 39 |
النبوات ... إشعياء 10
هجوم آشور على يهوذا ومعاقبة آشور
يحوى هذا الإصحاح ويلين ، الويل الأول ضد رؤساء الشعب بسبب شرهم ، والثانى ضد أشور لأن الله سمح له بغزو يهوذا للتأديب فإذا به ينتفخ على الله ويجدف عليه ، حاسبا أن آلهته غلبت إله إسرائيل .
يرى البعض أن هذا الإصحاح كتب فى السنوات الأولى من حكم حزقيا ملك يهوذا ، بعد سقوط السامرة فى يد سرجون ملك آشور ( إش 10 : 11 ) .
( 1 ) الويل الأول ضد القيادات 1 – 4
يرى البعض أن الويل الموجه ضد القيادات هنا هو تكملة لما ورد فى الإصحاح السابق عن كبرياء إسرائيل ، ويدللون على ذلك أنه انتهى أيضا بالعبارة التى تكررت قبلا : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " ( إش 9 : 12 ، 17 ، 21 ؛ 10 : 4 ) ، بهذا يكون الحديث موجها ضد قيادات الأسباط العشرة ( إسرائيل ) . غير أن تكملة الحديث موجه إلى أورشليم عاصمة يهوذا لهذا يرى بعض الدارسين أن ما ورد هنا ينطبق على قيادات المملكتين لأنهما تشابهتا فى الشر .
يكشف الله تصرفات القادة الجائرة ، التى تتركز فى القضاء بالباطل والحكم بالظلم ( إش 10 : 1 ) ، يدون الضعفاء عن التمتع بحقوقهم المسلوبة ، ويسلبون حق البائسين خاصة الأيتام والأرامل ( إش 10 : 2 ) : وكما يقول الحكيم : " ثم رجعت ورأيت كل المظالم التى تجرى تحت الشمس فهوذا دموع المظلومين ولا معز لهم ومن يد ظالميهم قهر " جا 4 : 1 .
الآن إذ يدرك إشعياء عدل الله خاصة فى دفاعه عن الضعفاء يسأل هؤلاء القادة : " وماذا تفعلون فى يوم العقاب حين تأتى التهلكة من بعيد ؟ إلى من تهربون للمعونة ؟ وأين تتركون مجدكم ؟ إما يجثون بين الأسرى وإما يسقطون تحت القتلى " إش 10 : 3 ، 4 . العقاب قادم لا محالة خاصة تجاه القيادات الدينية والمدنية .
ومع هذا كله لا زال الله يمد يد محبته ليخلصهم من شرهم : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 10 : 4 .
( 2 ) الويل الثانى ضد أشور : 5 – 19
سبق أن تحدث النبى عن قوة أشور العسكرية وجبروته ونصرته حتى على شعب الله ، كما أكد أن ما حل بالشعب هو بسماح الهي للتأديب ، لكن أشور تعظم على الله وحسب بغلبته هذه أنه غلب إله هذا الشعب وأذله ... لهذا يعود الله فيؤدب أشور نفسه المتعالى والمتعجرف .
اعتاد إشعياء النبى أن يتحدث بجرأة وصراحة فبينما يدعو أشور قضيب غضب الله وعصاهم هى سخط الرب ( إش 10 : 5 ) ، لكون أشور أداة لتحقيق تأديبات الرب ، نجده يدعو شعب الله " أمة منافقة " و " شعب سخط الله " إش 10 : 6 ، لأن هذا الشعب قد حمل صورة العبادة من الخارج بينما دب الفساد فى حياتهم الداخلية .
لم يدرك أشور هذه الحقيقة أنه مجرد أداة للتأديب ( إش 10 : 7 ) إنما فى كبرياء قال :
" أليست رؤسائى جميعا ملوكا ؟! " ( إش 10 : 8 . بمعنى أن الولاة الذين يقيمهم ملك أشور تحت قيادته هم جميعا ملوك ، فماذا يكون مركزه هو ؟! إنه ملك الملوك !!
قال أيضا : " أليست كلنو مثل كرمشيش ؟! أليست حماة مثل أرفاد ؟! أليست السامرة مثل دمشق ؟! " إش 10 : 9 .
هكذا لم تقف أمام أشور أعظم مدن الحثيين أو الأراميين ، فهل تقف أمامه مدن يهوذا وإسرائيل ؟! لقد حسب أشور نفسه أنه غلب آلهة الأمم وأوثانها التى تحميها فلن يقف إله إسرائيل أو يهوذا قدامه ( إش 10 : 10 ، 11 ) ، ظانا أنه على ذات مستوى هذه الأصنام .
لقد سمح الله له بذلك ، لكنه يعود فيؤدب أشور على سخريته به : " فيكون متى أكمل السيد كل عمله بجبل صهيون وبأورشليم إنى أعاقب ثمر عظمة قلب ملك أشور وفخر رفعة عينيه ، لأنه قال : بقدرة يدى صنعت وبحكمتى ، لأنى فهيم ، ونقلت تخوم شعوب ونهبت ذخائرهم وحططت الملوك كبطل ، فأصابت يدى ثروة الشعوب كعش وكما يجمع بيض مهجور أنا كل الأرض ولم يكن مرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفصف " إش 10 : 13 ، 14 .
هكذا ظن أشور أنه بقدرته وحكمته صنع أعمالا خارقة ...
لم يدرك أشور أنه كان فأسا أو منشارا يستخدمه الله للتأديب ، فتشامخت الأداة على من يستعملها . لذلك يقوم الله بتأديبه هكذا :
أ – يرسل على " سمانه " ، أى أبطال جيشه الجبابرة ، هزالا ( إش 10 : 16 ) .
ب – يوقد تحت " مجده " ، أى جيشه ، وقيدا كوقيد النار ( إش 10 : 16 ) ، فتلتهمه ليصير رمادا .
يصير الله " نور إسرائيل " نارا آكلة لأشور ، والقدوس لهيبا يحطم العدو ( إش 10 : 17 ) . بمعنى آخر الله الذى هو نور للمؤمنين وسر تقديس لحياتهم يكون نارا آكلة ولهيبا للأشرار المقاومين .
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:27 pm
ج ـ يفنى جيشه فيبقى عدد قليل ( أشجار وعرة ) يستطيع صبى أن يكتب اسماءهم ( إش 10 : 19 ) ، هذا من جهة العدد أما من جهة القوة فيفقدون طاقتهم النفسية والجسدية ويكونون كمسلول يذوب ( إش 10 : 18 ) .
( 3 ) الناجون من إسرائيل 20 – 23
كثيرا ما تحدث الأنبياء عن " البقية " التى تخلص ، قصدوا بها القلة القليلة التى تبقى أمينة للرب وسط انهيار القيادات الدينية وفساد القضاة والرؤساء والشعب أيضا . هذه البقية التى تنجو من ظلم أشور لا تفرح بعودتها إلى أورشليم إنما هو أعظم ، تفرح بلقائها مع الله القدير نفسه ( إش 10 : 21 ) .
اقتبس الرسول بولس قول إشعياء النبى ( 10 : 22 ، 23 ) قائلا : " وإشعياء يصرخ من جهة إسرائيل وإن كان عدد بنى إسرائيل كرمل البحر فالبقية ستخلص ، لأنه متمم أمر وقاض بالبر ، لأن الرب يصنع أمرا مقضيا به على الأرض " رو 9 : 27 ، 28 .
كان هذا القول يحمل نبوة عن المسبيين إذ كانوا كثيرين جدا بالنسبة للقلة القليلة التى تنجو من الأسر ... وأن الله سمح بذلك ، طبق الرسول هذه النبوة بصورة أشمل على العصر المسيانى حيث يؤسر عدد كبير جدا من اليهود تحت الجحود رافضين الإيمان بالمسيا ، وقليلون هم الذين يخلصون بقبولهم المسيا المخلص ، وقد سمح الله بذلك لأجل البر ، ليفتح الباب للأمم .
( 4 ) لا تخف يا شعبى : 24 – 27
يرى بعض الدارسين أن النبوة هنا تشير إلى الحدث التالى : عندما رفض حزقيا بن آحاز وخليفته دفع الجزية هاجم سنحاريب الأشورى يهوذا بجيش قوى وحاصر أورشليم وكان على وشك استلام المدينة ، لكن الله أمر بخلاصها . قتل الجيش وهرب سنحاريب حيث قتله أبناؤه .
يطالب الله شعبه ألا يخاف من أشور فإنه سيباد ، إذ يقيم الله عليه سوطا ( إش 10 : 26 ) ، يضربه بملاكه ضربة قاتلة ( 2 أى 32 : 21 ) ، كما سبق فضرب غراب أمير مديان ( قض 7 : 25 ، مز 83 : 11 ) ، وكما ضرب فرعون وجنوده فى بحر سوف خلال عصا موسى ( إش 10 : 26 ) ، هكذا يبيد الله أشور لينزع هذا النير عن كتف شعبه ( إش 10 : 27 ) وعن عنقه بسبب السمانة ( الدهن ) ، لأجل المسحة المقدسة التى نالها داود الملك وبنوه من بعده .
( 5 ) الغزو الأشورى ليهوذا : 28 – 32
قبل الحديث عن سقوط أشور تحدث النبى عن الغزو الأشورى ليهوذا ليوضح قدراته الحربية الجبارة وسرعة تقدمه نحو أورشليم العاصمة مع ضعف مقاومة يهوذا بل وانعدامها ، وكيف ارتعب يهوذا وارتعد ( إش 10 : 28 – 32 ) . قدم النبى وصفا شاعريا يكشف عن مرارة مدن يهوذا ، لكن أشور يتوقف عند نوب ( مدينة للكهنة تقع فى شمال أورشليم ) ، ربما ليستريح الجيش ويستعد لمواجهة أورشليم . لقد وقف سنحاريب هناك ليرفع يده ويمدها مهددا أورشليم ( إش 10 : 32 ) فظهر كشجرة شامخة منعجرفة . هدد بسحق أورشليم ولم يدرك أن الله قد سمح بسحقه هو ولينزع عنه أغصانه التى يتشامخ بها .
( 6 ) سقوط أشور 33 – 34
يعلن الله تحطيم أشور تماما ، فإنه يقضب أغصانه بل وينتزع أصوله لينهار تشامخه وينتزع أصوله لينهار تشامخه وينزل مجده إلى التراب ( إش 10 : 33 ، 34 ) ، هذه هى ثمرة الكبرياء !
البولس .. رومية 4 : 1 – 8
اليهودي وبر الله
التبرير بالإيمان العامل بالمحبّة
سبق فأعلن الرسول أن الأمم بلا عذر لأن الله وهبهم الناموس الطبيعي، فإذا بهم يكسرونه لا عن ضعف فحسب وإنما عن عمد وفي جسارة. فصاروا مقاومين للحق، عاملين ما هو ضد الطبيعة، مفسدين حتى أجسادهم، فرحين ومتهلّلين بالنفوس الساقطة معهم. الآن يبدأ يفنّد أيضًا حجج اليهود ليؤكّد أن البشريّة كلها خاطئة وتستحق عقاب الموت، فصار الكل متساويًا في حاجته إلى من يبرّره. إن كان اليهودي والأممي قد سقط كلاهما تحت الموت، فهل يفتخر أحدهما على الآخر أو يتمايز الواحد عن الثاني لأن الأول لم يتبرّر بناموس موسى والثاني لم يتبرّر بالناموس الطبيعي؟
تركّزت حجج اليهود في ثلاثة أمور هي:
1 - اتكالهم على بنوّتهم لإبراهيم أب الآباء.
2 - اتكالهم على تسلمهم الشريعة أو الناموس الموسوي.
3 - اتكالهم على أنهم شعب الله المختار دون سواهم.
وقد فنّد الرسول هذه الحجج ليُعلن أن هذه الأمور جميعها لا تقدر أن تبرّر أحدًا، وإنما في المسيح يسوع يصير جميع المؤمنين، يهودًا ويونانيين، أبناء لإبراهيم لا حسب الجسد، وإنما خلال التمتّع بإيمانه العملي، وينعم الكل لا بالناموس الموسوي في حرفيته، وإنما في التمتع بغايته أي الالتقاء مع المسيّا مركز الناموس وغايته، وأخيرًا يدرك الكل أنهم مختارون في الرب أبناء الآب.
هكذا يخرج الرسول من حواره مع الفكر اليهودي إلى نتيجة هامة، أن البشريّة كلها موضع اهتمام الله وحبّه، حتى وإن اختلفت الوسائل التي قدّمها لهم، وإنها قد سقطت بكاملها عن "البرّ" لكي يجده الكل في المسيح، يجده اليهودي المتنصر كما الأممي بلا تمييز أو محاباة.
( 3 ) الناجون من إسرائيل 20 – 23
كثيرا ما تحدث الأنبياء عن " البقية " التى تخلص ، قصدوا بها القلة القليلة التى تبقى أمينة للرب وسط انهيار القيادات الدينية وفساد القضاة والرؤساء والشعب أيضا . هذه البقية التى تنجو من ظلم أشور لا تفرح بعودتها إلى أورشليم إنما هو أعظم ، تفرح بلقائها مع الله القدير نفسه ( إش 10 : 21 ) .
اقتبس الرسول بولس قول إشعياء النبى ( 10 : 22 ، 23 ) قائلا : " وإشعياء يصرخ من جهة إسرائيل وإن كان عدد بنى إسرائيل كرمل البحر فالبقية ستخلص ، لأنه متمم أمر وقاض بالبر ، لأن الرب يصنع أمرا مقضيا به على الأرض " رو 9 : 27 ، 28 .
كان هذا القول يحمل نبوة عن المسبيين إذ كانوا كثيرين جدا بالنسبة للقلة القليلة التى تنجو من الأسر ... وأن الله سمح بذلك ، طبق الرسول هذه النبوة بصورة أشمل على العصر المسيانى حيث يؤسر عدد كبير جدا من اليهود تحت الجحود رافضين الإيمان بالمسيا ، وقليلون هم الذين يخلصون بقبولهم المسيا المخلص ، وقد سمح الله بذلك لأجل البر ، ليفتح الباب للأمم .
( 4 ) لا تخف يا شعبى : 24 – 27
يرى بعض الدارسين أن النبوة هنا تشير إلى الحدث التالى : عندما رفض حزقيا بن آحاز وخليفته دفع الجزية هاجم سنحاريب الأشورى يهوذا بجيش قوى وحاصر أورشليم وكان على وشك استلام المدينة ، لكن الله أمر بخلاصها . قتل الجيش وهرب سنحاريب حيث قتله أبناؤه .
يطالب الله شعبه ألا يخاف من أشور فإنه سيباد ، إذ يقيم الله عليه سوطا ( إش 10 : 26 ) ، يضربه بملاكه ضربة قاتلة ( 2 أى 32 : 21 ) ، كما سبق فضرب غراب أمير مديان ( قض 7 : 25 ، مز 83 : 11 ) ، وكما ضرب فرعون وجنوده فى بحر سوف خلال عصا موسى ( إش 10 : 26 ) ، هكذا يبيد الله أشور لينزع هذا النير عن كتف شعبه ( إش 10 : 27 ) وعن عنقه بسبب السمانة ( الدهن ) ، لأجل المسحة المقدسة التى نالها داود الملك وبنوه من بعده .
( 5 ) الغزو الأشورى ليهوذا : 28 – 32
قبل الحديث عن سقوط أشور تحدث النبى عن الغزو الأشورى ليهوذا ليوضح قدراته الحربية الجبارة وسرعة تقدمه نحو أورشليم العاصمة مع ضعف مقاومة يهوذا بل وانعدامها ، وكيف ارتعب يهوذا وارتعد ( إش 10 : 28 – 32 ) . قدم النبى وصفا شاعريا يكشف عن مرارة مدن يهوذا ، لكن أشور يتوقف عند نوب ( مدينة للكهنة تقع فى شمال أورشليم ) ، ربما ليستريح الجيش ويستعد لمواجهة أورشليم . لقد وقف سنحاريب هناك ليرفع يده ويمدها مهددا أورشليم ( إش 10 : 32 ) فظهر كشجرة شامخة منعجرفة . هدد بسحق أورشليم ولم يدرك أن الله قد سمح بسحقه هو ولينزع عنه أغصانه التى يتشامخ بها .
( 6 ) سقوط أشور 33 – 34
يعلن الله تحطيم أشور تماما ، فإنه يقضب أغصانه بل وينتزع أصوله لينهار تشامخه وينتزع أصوله لينهار تشامخه وينزل مجده إلى التراب ( إش 10 : 33 ، 34 ) ، هذه هى ثمرة الكبرياء !
+ + +
البولس .. رومية 4 : 1 – 8
اليهودي وبر الله
التبرير بالإيمان العامل بالمحبّة
سبق فأعلن الرسول أن الأمم بلا عذر لأن الله وهبهم الناموس الطبيعي، فإذا بهم يكسرونه لا عن ضعف فحسب وإنما عن عمد وفي جسارة. فصاروا مقاومين للحق، عاملين ما هو ضد الطبيعة، مفسدين حتى أجسادهم، فرحين ومتهلّلين بالنفوس الساقطة معهم. الآن يبدأ يفنّد أيضًا حجج اليهود ليؤكّد أن البشريّة كلها خاطئة وتستحق عقاب الموت، فصار الكل متساويًا في حاجته إلى من يبرّره. إن كان اليهودي والأممي قد سقط كلاهما تحت الموت، فهل يفتخر أحدهما على الآخر أو يتمايز الواحد عن الثاني لأن الأول لم يتبرّر بناموس موسى والثاني لم يتبرّر بالناموس الطبيعي؟
تركّزت حجج اليهود في ثلاثة أمور هي:
1 - اتكالهم على بنوّتهم لإبراهيم أب الآباء.
2 - اتكالهم على تسلمهم الشريعة أو الناموس الموسوي.
3 - اتكالهم على أنهم شعب الله المختار دون سواهم.
وقد فنّد الرسول هذه الحجج ليُعلن أن هذه الأمور جميعها لا تقدر أن تبرّر أحدًا، وإنما في المسيح يسوع يصير جميع المؤمنين، يهودًا ويونانيين، أبناء لإبراهيم لا حسب الجسد، وإنما خلال التمتّع بإيمانه العملي، وينعم الكل لا بالناموس الموسوي في حرفيته، وإنما في التمتع بغايته أي الالتقاء مع المسيّا مركز الناموس وغايته، وأخيرًا يدرك الكل أنهم مختارون في الرب أبناء الآب.
هكذا يخرج الرسول من حواره مع الفكر اليهودي إلى نتيجة هامة، أن البشريّة كلها موضع اهتمام الله وحبّه، حتى وإن اختلفت الوسائل التي قدّمها لهم، وإنها قد سقطت بكاملها عن "البرّ" لكي يجده الكل في المسيح، يجده اليهودي المتنصر كما الأممي بلا تمييز أو محاباة.
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:27 pm
إبراهيم دعي في الغُرْلة
في الأصحاحات الثلاثة السابقة أظهر الرسول بولس فساد كل البشريّة، يستوي في ذلك اليهود كما الأمم، وصار الكل في حاجة إلى من يخلص ويبرر، والآن يقدّم الرسول مثلين لرجلين بارّين من رجال العهد القديم، أحدهما إبراهيم بكونه أب الآباء وقد تبرّر خلال إيمانه وهو بعد في الغُرْلة قبل ممارسة أعمال الناموس خاصة الخِتان. والثاني هو داود الذي نال الوعد أن من صُلبه يأتي المسيّا الملك، وهو من أهل الخِتان لكنه يقدّم التطويب لمن يتبرّر لا بأعمال الناموس بل بالإيمان.
ركّز الرسول بالأكثر على شخصية "إبراهيم" لأن اليهود كانوا يشعرون أنهم أحرار لمجرد انتسابهم له بالجسد. هذه العقيدة دفعتهم إلى العجرفة والكبرياء عِوض أن تدفعهم للحياة بفكر إبراهيم وإيمانه والامتثال به في سلوكه، فجاء الرسول يفنّد هذه العقيدة، مظهرًا أن سرّ قوّة إبراهيم تكمن في إيمانه الحيّ الذي عاشه وهو في الغُرْلة، كما عاش وهو في الخِتان، لذا فهو أب لأهل الغُرْلة كما لأهل الخِتان.
1 - إبراهيم والإيمان
إذ كان الرسول يُعلن عجز أعمال الناموس عن تقديم برّ الله، ليفتح الباب للبشرية كلها فتنعم بهذا البرّ خلال الإيمان، انتقل إلى الحديث عن إبراهيم بكونه أول من نال عهد الخِتان ليوضّح أن إبراهيم أيضًا لم يتبرّر بالخِتان (أعمال الناموس) وإنما بالإيمان، إذ يقول: "فماذا نقول أن أبّانا إبراهيم قد وُجد حسب الجسد، لأنه إن كان إبراهيم قد تبرّر بالأعمال فله فخر، ولكن ليس لدي الله [1 – 2]
ويلاحظ في حديث الرسول عن إبراهيم وارتباطه بالإيمان الآتي:
أولاً: "فماذا نقول: أن أبّانا إبراهيم قد وُجد حسب الجسد؟"[ 1 ]كأن الرسول بولس يحدد العلاقة التي تربطهم بإبراهيم كأب إنما هي "حسب الجسد"، الأمر الذي يُضعف صلتهم به ماداموا لا ينعمون بأبوته خلال إيمانه، وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم:[أنه بهذا يفسح المجال أمام الأمميّين ليدخلوا هم أيضًا في قرابة مع إبراهيم خلال الامتثال بإيمانه.]
ثانيًا : لماذا اختار الرسول بولس إبراهيم مع أنه قد سبقه هابيل الذي قيل عنه"أنه بار"(عب 11: 4)، ونوح الذي قيل أنه كان "رجلاً بارًا كاملاً في أجياله" ( تك 6: 9)؟
يردّ على ذلك أن الرسول اختار إبراهيم لعدة أسباب رئيسية منها:
أ. أن اليهود كانوا يفخرون بنسبهم لإبراهيم كأب للمؤمنين، فحينما حدّثهم السيد المسيح عن الحرّية، "أجابوه: أننا ذُرّية إبراهيم ولم نُستعبد لأحد قط، كيف تقول أنت أنكم تصيرون أحرارًا؟" (يو 8: 33). فقد أراد الرسول أن يفنّد هذه الحُجّة.
ب. لم يُدعَ هابيل ولا نوح أبًا للمؤمنين، أمّا إبراهيم فقد جاء عنه: "لأني أجعلك أبًا لجمهور من الأمم" ( تك 17: 4).
ج. لأن إبراهيم يعتبر حلقة الوصل بين أهل الغُرْلة وأهل الخِتان، عاش متبررًا بالإيمان وهو في الغُرْلة، وإذ نال الوعد الإلهي وتمتع بالخِتان كعلاقة للعهد عاش أيضًا متبررًا بالإيمان وهو في الخِتان. بهذا ضمّ المؤمنين من أهل الغُرْلة وأهل الخِتان في شخصه، خلال الإيمان.
ثالثًا: لا ينكر الرسول بولس أن لإبراهيم أن يفتخر من جهة الأعمال، لكن ليس لدي الله، لأن ما مارسه من أعمال الناموس كالخِتان لا فضل له فيه إنما هو عطيّة الله له خلال العهد الذي أقامه الله معه، وله أيضًا أن يفتخر من جهة الإيمان، بهذا له أن يفتخر لا متعاليًا على الله، وإنما يفتخر أنه ارتمى في حضن الله، ليغتصب بالإيمان مواعيد الله وعهوده، ويحسب بارًا في عينيه. يقول الرسول: "لأنه أن كان إبراهيم قد تبرّر بالأعمال فله فخر، ولكن ليس لدى الله، لأنه ماذا يقول الكتاب: فآمن إبراهيم بالله فحُسب له برًا" [ 2 – 3 ] .
إن قورن إبراهيم بمعاصريه من البشر فله فخر بأعماله أمام البشر، سواء بكونه أول من اُختتن كعلامة عهد بينه وبين الله أو أعظم معاصريه في الأعمال الصالحة. أمّا أمام الله ففخره الحقيقي أنه اغتصب برّ الله بإيمانه الحيّ العملي، المُعلن خلال طاعته له سواء بالعبادة له وسط جوّ وثني أو بالخروج من أرضه وعشيرته وبيت أبيه (تك 12)، أو عدم محبته للنصيب الأكبر في معاملته مع لوط ابن أخيه (تك 13)، أو حُبّه لإضافة الغرباء (تك 18)، أو شفاعته عن إخوته في البشريّة (تك 18)، أو تقديم ابنه ذبيحة (تك 28) الخ. هذه التصرفات جميعها وغيرها إنما كانت نابعة عن إيمانه بالله وملتحمة به، فجاءت تمجد الله.
بمعنى آخر لم يكن لإبراهيم أن يفتخر بأعمال الناموس في ذاتها، إنما بإيمانه الحيّ العملي الذي به حُسب بارًا في عيني الله فاحص القلوب.
بهذا نوفِّق بين ما يقوله الرسول بولس هنا وبين ما ورد في رسالة معلمنا يعقوب الرسول: "ألم يتبرّر إبراهيم أبونا بالأعمال، إذ قدّم اسحق ابنه على المذبح؟ فترى أن الإيمان عمل من أعماله، وبالأعمال أكمل الإيمان، وتمّ الكتاب القائل: "آمن إبراهيم بالله فحسب له برًا، ودعي خليل الله" ( يع 2 : 21 – 23 ) يُعلن الرسول بولس أن إبراهيم لم يتبرّر أمام الله خلال أعمال الناموس، كالخِتان والتطهيرات والغسالات، إنما تبرّر خلال الإيمان الحيُ، ومعلمنا يعقوب يُعلن أن إبراهيم لم يتبرّر خلال إيمان شفهي نظري جامد إنما خلال الإيمان المترجِّم عمليًا كذبيحة اسحق، وكأن الأعمال التي يذكرها القدّيس يعقوب إنما هي أعمال الإيمان وليست خارج الإيمان! يحذّر الرسول بولس من الاتّكال على حرفيّة أعمال الناموس ويحذّر الرسول يعقوب من الاتّكال
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:28 pm
على الإيمان الخالي من الأعمال، أو الإيمان النظري غير الحيُ، هذه الأعمال التي يسألنا الرسول بولس أن نمارسها بالمسيح يسوع ربنا، إذ يقول: "لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمالٍ صالحةٍ قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" ( أف 2: 10).
رابعًا: آمن أبونا إبراهيم وأيضًا مارس أعمال الناموس، إذ قبِل الخِتان في جسده كما خَتن ذكور بيته، لكن شتّان بين الإيمان وأعمال الناموس، إذ يقول الرسول: "أما الذي يعمل فلا تُحسب له أجرة على سبيل نعمة بل على سبيل دين" [ 4 ]
أيهما أعظم: الأجرة التي ينالها الإنسان مقابل أعمال الناموس، أم النعمة التي ينالها مقابل الإيمان؟ بلا شك البرّ أعظم من الأجرة، لأن البرّ يعني عفو الله عن آثامنًا، ليهبنا برّه عاملاً فينا فننال مجدًا أبديًا.
وقد اقتبس الرسول من المرتّل داود العبارة: "طوبى لمن غفرت آثامهم". [ 7 ] وكما يقول القدّيس ذهبي الفم: [ لا يقدّم بولس هذه العبارة اعتباطًا، لكنه يودّ القول بأن من غُفرت آثامه بالنعمة نال التطويب، فمن آمن وتبرّر يتأهل بالأكثر للبركة، التي خلالها يُنزع الخزي ليحل المجد.]
القول النبوي "طوبى لمن غُفرت آثامهم" يكشف عن بهجة قلب المرتّل بنوال برّ مجّاني لا أجرة عن عمل ناموسي، هذا البرّ هي عطيّة إلهية يهبها الله لمؤمنيه. يقول القدّيس إكليمنضس السكندري:[ هذه الطوباوية تحلّ على الذين اختارهم الله خلال يسوع المسيح ربنا، لأن"المحبّة تستر كثرة من الخطايا" (1 بط 4: 8). هؤلاء قد اغتسلوا بواسطة ذاك الذي يريد توبة الخاطي لا موته ( حز 33: 11).]
خامسًا: ما هو هذا الإيمان الذي يبرّرنا؟
+ماذا يعني نؤمن به؟ الإيمان به يعني حبنا له، وتقديرنا لسموه، والذهاب إليه، والإتحاد بأعضائه.
+الإيمان بالمسيح هو أن نؤمن به أنه يُبرّر الخاطي؛ نؤمن بالشفيع الذي بدون وساطته لا يمكن أن نتصالح مع الله؛ نؤمن بالمخلص الذي جاء يطلب ويخلِّص ما قد هلك (لو 19: 10)؛ نؤمن بذاك القائل: "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5).
+إيماننا نفسه بالمسيح هو عمل المسيح، إذ هو يعمل فينا، بالتأكيد ليس بدوننا. اسمع الآن وافهم: "من يؤمن بي فالأعمال التي أعملها أنا يعملها هو". يقول: الأعمال التي أفعلها أنا أولاً، ثم يفعلها هو بعد ذلك، فأنا أفعلها لكي يفعلونها هم أيضًا. ما هي هذه الأعمال إلا إقامة الإنسان البارّ من الشرّير؟
+تتبرّر النفس بارتفاعها نحو الله، والتصاقها بذاك الذي يبرّرها... فإنها إذ تتركه تصير شريرة، وإذ تعود إليه تتبرّر. ألا يظهر لك أنه متي وُجد شيء ما بارد واقترب من النار يصير دافئًا؟ وعندما يُنزع من النار يبرد! لو أن شيئًا ما كان مظلمًا واقترب من النور، أمّا يصير بهيًا؟ وإن نُزع عن النور يصير مظلمًا؟ هكذا هي النفس، أمّا الله فليس هكذا!
القدّيس أغسطينوس
سادسًا: ماذا يعني الرسول بقوله: "وأما الذي لا يعمل، ولكن يؤمن بالذي يُبرّر الفاجر، فإيمانه يُحسب له برًا[ 5 ] ؟ هل يحثِّنا الرسول على تجاهل الأعمال لنتبرّر بالإيمان وحده؟
نجيب على ذلك بأن الرسول كان يُحدّث اليهود الذين تشامخوا على الأمم بأعمال الناموس بطريقة حرفيّة قاتلة، فإن هذه لا تبرّر الإنسان، إنما لو حُفظت بطريقة روحية، تدفعهم لإدراك الخلاص والتبرير بالمسيّا، الذي كانوا يتظرونه. هذا من جانب ومن جانب آخر، فإننا كمسيحيّين لا نتبرّر بأعمالنا الصالحة كأعمال من عندياتنا، وإلا حسبت "برًا ذاتيًا" تعطل خلاصنا، إنما نمارسها بكونها ثمرة عمل الله فينا، وكما يقول الرسول بولس: "لأن الله هو العامل فيكم" (في 2: 13)، "نحن عاملان مع الله (1كو 3 : 9). لهذا يؤكّد الرسول يعقوب "لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت هكذا الإيمان أيضًا بدون أعمال ميت" ( يع 2: 26).
2 - إبراهيم أب لجميع المؤمنين
إذ قارن الرسول بين أعمال الناموس والإيمان في حياة أبينا إبراهيم ليُعلن سموّ الإيمان، الذي به يتبرّر، دون تجاهل لأعمال الناموس التي مارسها إبراهيم وإن كانت عاجزة عن التبرير، الآن يؤكّد الربط بين الإيمان وأعمال الناموس في حياة هذا الأب دون تعارض، قائلاً: "أخذ علامة الخِتان ختمًا لبر الإيمان الذي كان في الغُرْلـة"[ 8 ] فالخِتان هو علامة جسديّة جاءت لا معارضة للإيمان، بل خاتمة على إيمانه ومؤكدة له، حتى كل من يحملها إنما يلزم أن يلتزم أيضًا بالإيمان. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن العلامة جاءت لاحقة للإيمان، إذ آمن إبراهيم حين كان أولاً في الغُرْلة، وبقيَ مؤمنًا أيضًا وهو في الخِتان، بهذا أعلن أبوته لأهل الغُرْلة أن يقبلوا الامتثال به في إيمانه، وأيضًا لأهل الخِتان أن يفعلوا ذات الأمر.
يُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة الرسولية مظهرًا أن اليهود لم يأتوا إلا كضيوف لاحقين لأهل الغُرْلة، وأنهم أضيفوا إليهم، أي جاءوا إلى بيت الإيمان مُضافين إلى إبراهيم الذي قبِل الإيمان وهو في الغُرْلة قبل الخِتان، قائلاً: [لأنه إن كان إبراهيم قد تبرّر وكلِّل وهو بعد في الغُرْلة، فقد جاء اليهود بعد ذلك. إذًا إبراهيم هو أب الأمميّين أولاً الذين ينتسبون إليه بالإيمان، كما أنه أب اليهود ثانيًا، أي أب الجنسين...
+ + +
إنجيل القداس ... يوحنا 8 : 31 – 39 31 فقال يسوع لليهود الذين امنوا به انكم ان ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي
32 و تعرفون الحق و الحق يحرركم
33 اجابوه اننا ذرية ابراهيم و لم نستعبد لاحد قط كيف تقول انت انكم تصيرون احرارا
34 اجابهم يسوع الحق الحق اقول لكم ان كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية
35 و العبد لا يبقى في البيت الى الابد اما الابن فيبقى الى الابد
36 فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون احرارا
37 انا عالم انكم ذرية ابراهيم لكنكم تطلبون ان تقتلوني لان كلامي لا موضع له فيكم
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:29 pm
38 انا اتكلم بما رايت عند ابي و انتم تعملون ما رايتم عند ابيكم
39 اجابوا و قالوا له ابونا هو ابراهيم قال لهم يسوع لو كنتم اولاد ابراهيم لكنتم تعملون اعمال
الحرية الروحية
"فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به:
إنكم إن ثبتم في كلامي، فبالحقيقة تكونون تلاميذي". (31)
إذ بدأ كلامه يعمل في قلوب الذين آمنوا حوّل حديثه من الحوار مع الفريسيين المتكبرين إلى المؤمنين البسطاء المبتدئين ليحدثهم عن الحرية الداخلية. أراد أن ينطلق بهم من التصديق البسيط دون أعماق روحية إلى الثبوت فيه والنمو المستمر في الشركة معه. كانوا ضعفاء في الإيمان، لكنه كراعٍ حملهم على منكبيه في حنو مترفق. فتح أمامهم طريق التلمذة الحقيقية له، وهو الاستمرارية أو الثبوت في كلمته. لا يكفي أن يلتحقوا بمدرسته، بل يلزمهم أن يستمروا، فيتمتعوا بحركة نمو مستمرة لا تنقطع. كثيرون أخذوا مظهر التلمذة، وحملوا الاسم، لكنهم لم يثابروا في كلمته. التلمذة الحقيقية له هي الثبوت فيه، والتمتع الدائم بالشركة معه. مادمنا في الحياة نبقى ملتحقين بمدرسته، جادين في التمتع بمعرفته العملية. حقًا لقد قبلنا الحق الإلهي، لكن يلزمنا أن نسلك فيه ونحبه ونتمسك به ونحفظه داخلنا.
+ الآن يتكلم بهذه الكلمات حتى يحدث ما يلحق ذلك: "وبينما هو يتكلم بهذا آمن به كثيرون" (3٠)، حيث جاء الفقراء إلى الخزانة لينالوا من هناك ما يستطيعوا وما يُوزع عليهم. لذلك آمن كثيرون به، لكن ليس كثيرون عرفوه، وقد وُجد من بين الذين آمنوا به من ثبتوا في كلمته، هؤلاء الذين صاروا بالحقيقة تلاميذه. لذلك فإنه ليس كثيرون يعرفونه، لكن إذ يحرر الحق (٣٢) لا يتحررون، بل قليلون يرتفعون إلى الحرية.
من هم أولئك الذين يعرفونه، أو من يرفعونه؟ كما يعلِّم بنفسه حين يقول: "متى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذ تعرفون إني أنا هو" (راجع ٢٨). الآن ليس أحد يُعطى لبنًا لكي يشرب، إذ يُعد نفسه لقبول الطعام القوي (١ كو ٣: ٢؛ عب ٥: ١٢). لهذا يقول مثل هذا الشخص: "جزمت ألا أعرف شيئًا بينكم إلاَّ يسوع المسيح وإياه مصلوبًا" (١ كو ٢: ٢).
العلامة أوريجينوس
+ لكي تكون تلميذًا لا يكفي أن تأتي، بل وأن تستمر (تثبت). لذلك لم يقل: "إن سمعتم كلمتي"، ولا "إن جئتم إلى كلمتي" أو "إن مدحتم كلمتي" لكن لاحظوا ماذا قال: "إن ثبتم (استمررتم) في كلمتي، بالحقيقة تكونون تلاميذي، وتعرفون الحق، والحق يحرركم" (31-٣٢). ماذا نقول يا اخوة؟ أن تستمر (تثبت) في كلمة الله هل هو أمر متعب أم لا؟
إن كان شاقًا فلننظر إلى المكافأة العظيمة.
إن كان ليس شاقًا، فإنك قد تسلمت المكافأة مقابل لا شيء.
لنستمر (نثبت) في ذاك الذي يثبت فينا.
إن لم نثبت فيه نسقط، أما هو فإن لم يثبت فينا لا يفقد مسكنًا. فإنه يبرع في سكناه في ذاته الذي لن يترك ذاته.
أما بالنسبة للإنسان فحاشا لله أن يثبت في ذاته، إذ فقد ذاته.
لهذا نثبت فيه عن عوز من جانبنا، وأما هو فيثبت فينا عن رحمة بنا.
+ ماذا تعني "إن ثبتم"؟ إن كنتم تُبنون على الصخرة" (مت ٧: ٢٤).
يا لعظمة هذا يا اخوة!...
ما هي المكافأة؟ "تعرفون الحق والحق يحرركم".
احتملوني منصتين إليّ، فأنتم تدركون أن صوتي واهن.
أعينوني بإنصاتكم الهادئ.
يا لها من مكافأة مجيدة! "تعرفون الحق".
هنا قد يقول قائل: "وماذا ينفعني أن أعرف الحق؟ "والحق يحرركم".
إن كان الحق ليس له مفاتن بالنسبة لكم ليكن للحرية مفاتنها.
في اللغة اللاتينية تعبير "يتحرر" يُستخدم في معنيين. ونحن قد اعتدنا أن نسمع هذه الكلمة في هذا المعنى أن من كان حرًا يفهم بأنه قد هرب من بعض الخطر وتخلص من بعض العوائق. ولكن المعنى اللائق للتحرر هو "أن تكون في أمان"، و"أن تُشفى"، و"أن تكون كاملاً"، وهكذا أن تتحرر تعني أن تصير حرًا.
القديس أغسطينوس
معرفة الحق ليست معرفة نظرية بل معرفة اختبار له واتحاد معه.
+ انظروا إن كان الكتاب المقدس لم يقل أيضًا في موضع آخر أن الذين يتحدون مع شيءٍ ما ويصيرون معه واحدًا يعرفون هذا الذي صاروا معه واحدًا وانشغلوا به. قبل هذه الوحدة والشركة فإنهم حتى وإن أدركوا شروح قُدمت لهم عن الشيء فإنهم لا يعرفونه.
كمثالٍ، قال آدم عن حواء: "هذه الآن عظم من عظامي، ولحم من لحمي" (تك ٢: ٢٣)، فإنه لم يعرف زوجته، وحين التصق بها قيل: "عرف آدم حواء امرأته" (تك ٤: ١). من يتعثر لأننا استخدمنا هذه العبارة: "عرف آدم حواء امرأته" كمثال لمعرفة الله ليأخذ في اعتباره أولاً: "هذا السرّ عظيم" (أف ٥: ٣٢)، بعد ذلك يقارن ما قوله الرسول عن الذكر والأنثى، فقد استخدم نفس اللغة الخاصة بالرجل مع الرب. "من التصق بزانية هو جسد واحد، وأما من التصق بالرب فهو روح واحد" (١ كو ٦: ١٦ -
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:29 pm
١٧). لذلك من يلتصق بزانية يعرف الزانية، ومن يلتصق بزوجته يعرف زوجته، ولكن بالأكثر من يلتصق بالرب يعرف الرب بطريقة مقدسة.
إن كان الأمر هكذا فإن الفريسيين لم يعرفوا الآب ولا الابن.
العلامة أوريجينوس
+ "إن ثبتم" (استمررتم) في الإيمان الذي يبدأ الآن فيكم يا من تؤمنون فإلى أين تبلغون؟
تطلعوا إلى طبيعة البداية وإلى أين تقودكم. إنكم تحبون الأساس اهتموا بالقمة، اطلبوا وأنتم في هذا المستوى البسيط (الهين) الارتفاع والسمو. فإن الإيمان له التواضع، لكن المعرفة والخلود والأبدية فلها لا السفليات بل العلو، أي الارتفاع والشبع الكامل والاستقرار الأبدي والحرية الكاملة من الهجمات المعادية ومن الخوف من الفشل. هذه التي لها البداية في الإيمان عظيمة لكنه يُستخف بها.
ففي إنشاء مبنى عادة يعطى الذين بلا خبرة الأساسات قدرًا ضئيلاً. تُصنع حفرة عظيمة وتلقى الحجارة في كل موضع وبكل طريقة. لا تظهر فيها زخرفة ولا جمال، وهكذا أيضًا في جذر الشجرة لا يظهر جمال. ومع ذلك كل ما يبهجكم من الشجرة ينبع من الجذر. تتطلع إلى الجذر فلا تجد بهجة؛ تتطلع إلى الشجرة وتدهش بها. إنسان غبي! ما تُعجب منه ينمو مما لا يعطيك بهجة.
هكذا إيمان المؤمنين يبدو كأنه أمر تافه، ليس لديك ميزان لكي تزنه.
لتسمع إذن ما يقدمه الإيمان وتتطلع إلى عظمته. إذ يقول الرب في موضع آخر: "إن كان لكم إيمان مثل حبة خردل" (مت ١٧: ٢٠). أي شيء أقل من هذا؟ ومع هذا أية طاقة أعظم تنتشر منه؟ أي شيء أصغر منها؟ ومع هذا أي شيء ينتشر بأكثر قوة منها؟ هكذا يقول: "إن ثبتم في كلمتي" أي إن آمنتم، فإلي أين تُحضرون؟ "بالحقيقة تكونون تلاميذي" (٣١).
وماذا ينفعهم هذا؟ "وتعرفون الحق" (٣٢).
القديس أغسطينوس
"إنكم إن ثبتم في كلمتي" هو تعبير لمن يعلن ما في قلوبهم، ويعرف أنهم آمنوا لكنهم لم يستمروا في ذلك. وها هو يعدهم بأمر عظيم أنهم يصيرون تلاميذه. فقد تركه قبلاً البعض، وها هو يشير إليهم بقوله: "إن استمررتم" لأن هؤلاء أيضًا سمعوا وآمنوا وتركوه، لأنهم لم يستمروا. "رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشوا معه" (يو ٦: ٦٦).
القديس يوحنا الذهبي الفم
"وتعرفون الحق،
والحق يحرركم". (32)
هنا يتحدث عن المعرفة العملية والتلامس مع قوتها لممارسة التلمذة الحقيقية له، فنتمتع بالحرية الداخلية. فمادامت الخطية ساكنة في الإنسان لم تتحطم بعد، لا يقدر أن يمارس روح البنوة الذي ناله في مياه المعمودية ليدعو الآب أباه (رو ٨: ١٥). عبودية الخطية هي أخطر أنواع العبودية والتحرر منها هو أعظم أنواع الحرية.
من يعرف الحق ويثبت فيه، أي يعرف السيد المسيح ويقتنيه، يتحرر من عبودية الخطية، ويصير له فكر المسيح المتناغم مع إرادة الله، يحيا في كمال الحرية حسب مشيئة خالقه.
إنه المحرر الذي يقول: "روح السيد الرب عليّ، لأن الرب مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق" (إش ٦١: ١). على الصليب عتقنا من خطايانا، وحررنا من أسرها، وبقيامته وهبنا برّه الإلهي، فلم نعد بعد عبيدًا للخطية. حررنا إنجيله من نير حرفية الناموس لنحيا بحرية الروح كأولاد الله. نختبر الحياة السماوية، كمن يدخل أورشليم العليا، أمنا الحرة.
+ ألم يبلغوا مثل هذه المعرفة حين كان الرب يكلمهم؟ إن كانت ليس لهم المعرفة فكيف آمنوا؟ لقد آمنوا ليس لأنهم كانوا يعرفون، وإنما لكي يعرفوا. فإننا نؤمن لكي نعرف، ولسنا نعرف لكي نؤمن. لأن ما سنعرفه لم تره عين ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال بشر (إش ٦٤: ٤؛ ١ كو ٢: ٩) لأنه ما هو الإيمان إلاَّ تصديق ما لم تروه بعد؟.
+ "وتعرفون الحق". الحق غير متغير. الحق هو خبز، ينعش عقولنا ولا يسقط، يغَّير من يأكله، ولا يتغير فيمن يأكله. الحق هو كلمة الله... الابن الوحيد. هذا الحق التحف جسدًا من أجلنا لكي ما يُولد من العذراء مريم وتتم النبوة: "الحق نبع عن الأرض" (مز ٨٥: ١١). هذا الحق إذن وهو يتحدث مع اليهود اختفى في الجسد. لكنه لم يختفِ لكي يُنكر، وإنما لكي ما يُرجأ إعلانه، يُرجأ لكي ما يتألم في الجسد، ويتألم في الجسد لكي ما يخلص الجسد من الخطية. هكذا ظهر بالكامل بخصوص ضعف الجسد، وكان مخفيًا من جهة جلال اللاهوت.
القديس أغسطينوس
+ "وتعرفون الحق" بمعنى: "ستعرفونني، إذا أنا هو الحق. كل الأمور اليهودية هي رموز، لكنكم تعرفون الحق فيَّ، وهو يحرركم من خطاياكم"... إنه لم يقل "أحرركم من العبودية" فقد تركهم هم يستنتجون ذلك.
القديس يوحنا الذهبي الفم
"أجابوه:
إننا ذرية إبراهيم،
ولم نُستعبد لأحد قط،
كيف تقول أنت إنكم تصيرون أحرارًا؟" (33) واضح أنهم لم يدركوا حديث يسوع المسيح عن "الحرية"، فحسبوا دعوته لهم للتمتع بالحرية إهانة كبرى، لأنهم أبناء إبراهيم الحر، الذي يدعو الله "خليلي" (إش ٤١: ٨). كان اليهود يفتخرون بأنهم نسل هذا الأب العظيم. يقول الربّي اكييبا Akiba Rabbi الذي مات حوالي ١٣٥م: [يُنظر حتى إلى أفقر الأشخاص في إسرائيل كأحرار،
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:30 pm
هؤلاء الذين فقدوا ممتلكاتهم، لأنهم أبناء إبراهيم واسحق ويعقوب. كل الأمة تعتز بهذه الكرامة الخاصة بانتسابها لهؤلاء الآباء العظماء لا بكثرة ممتلكاتهم]. هذا هو شعور اليهود في عصر المسيح.
ظنوا أن انتسابهم لإبراهيم بالجسد يحررهم بينما نجد الغني الغبي في الجحيم يدعو إبراهيم أباه: "يا أبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويبرد لساني، لأني معذب في هذا اللهيب" (لو ١٦: ٢٤).
كيف تجاسروا وقالوا: "لم نُستبعد لأحد قط" (٣٣)؟ ألم يُستعبدوا للمصريين وقام موسى بتحريرهم؟ ألم يُستعبدوا عدة مرات لأمم مجاورة في أيام القضاة؟ ألم يُستعبدوا لبابل مدة سبعين عامًا؟ وأخيرًا يدفعون الجزية لقيصر الروماني؟
لا يبالي الجسدانيون بالعبودية الداخلية، كل ما يشغلهم تمتعهم بالشهوات الجسدية.
+ هكذا هو افتخار اليهود: "نحن ذرية إبراهيم"، "نحن إسرائيليون". إنهم لم يشيروا قط إلى أعمالهم البارة. لهذا صرخ فيهم يوحنا قائلاً: "لا تقولوا لنا إبراهيم أبًا" (مت ٣: ٩). ولماذا لم يفحمهم المسيح إذ كثيرًا ما استعبدهم المصريون والبابليون وأمم كثيرة؟ لأن لكماته لم يقدمها لينال كرامة لنفسه، وإنما لأجل خلاصهم، لنفعهم، فكان يضغط عليهم بهذا الهدف... إنه لم يرد أن يظهر أنهم كانوا عبيدًا للناس بل للخطية، التي هي عبودية خطيرة، لا يقدر أن يحررهم منها سوى الله وحده.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ كل شخصٍ: يهودي أو يوناني، غني أو فقير، صاحب سلطة أو في مركز عام، الإمبراطور أو الشحاذ، "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" )٣٤(. إن عرف الناس عبوديتهم يرون كيف يقتنون الحرية.
المولود حرًا ويسبيه البرابرة يتحول من حرٍ إلى عبدٍ، وإذ يسمع عنه شخص آخر يتحنن عليه ويتطلع أن لديه مالاً فيفديه، يذهب إلى البرابرة ويعطيهم مالاً ويفدي الرجل. إنه بالحق يرد له الحرية، إذ ينزع الظلم...
إني أسأل الذي أُفتدى: هو أخطأت؟ يجيب "أخطأت". إذن لا تفتخر بنفسك انك قد أُفتديت، ولا تفتخر يا من افتديته، بل ليهرب كليكما إلى الفادي الحقيقي. انه جزئيًا يُدعى الذين تحت الخطية عبيدًا، إنهم يدعون أمواتا.
ما يخشاه الإنسان حلول السبي عليه الذي جلبه الإثم عليه فعلاً. لماذا؟ هل لأنهم يبدون أنهم أحياء؟ هل أخطأ القائل: "دعي الموتى يدفنون موتاهم" (مت ٨: ٢٢)؟ إذن فكل الذين تحت الخطية هم أموات، عبيد أموات، أموات في خدمتهم، وخدام (عبيد) في موتهم.
+ من الذي يحرر من الموت ومن العبودية إلاَّ ذاك الذي هو "حرّ من بين الأموات" (مز ٨٨: ٥)؟ من هو "الحرّ من بين الأموات" إلاَّ ذاك الذي بلا خطية وسط الخطاة؟ يقول مخلصنا نفسه، منقذنا: "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء" (يو ١٤: ٣٠). (رئيس هذا العالم) يمسك بمن يخدعهم ومن يغويهم، ومن يحثهم على الخطية والموت، هذا "ليس له فيّ شيء".
تعال أيها الرب، تعال أيها المخلص. ليتعرف عليك الأسير.
دع من اقتيد إلى السبي أن يهرب إليك. كن فاديًا له!
إذ كنت مفقودًا وجدني ذاك الذي لم يجد الشيطان له فيه شيئًا آتيا من الجسد. لقد وجد في رئيس هذا العالم جسدًا، لقد وجده لكنه أي نوع من الجسد؟
جسد مائت يمكن أن يمسكه ويقدر أن يصلبه وأن يقتله!
لقد أخطأت يا أيها المخادع فإن المخلص لا يُخدع... إنك ترى فيه جسدًا قابلاً للموت لكنه ليس جسد الخطية، بل على شبه جسد الخطية. "الله أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد" (رو ٨: ٣). في جسد، لكن ليس في جسد الخطية بل "في شبه جسد الخطية". لأي هدف؟ "لكي بالخطية التي بالتأكيد لم يكن منها شيء فيه، يدين الخطية في الجسد، فيتحقق برّ الناموس فينا، نحن الذين لا نسلك حسب الجسد بل حسب الروح (رو ٨: ٤).
لا يدع أحد نفسه حرًا لئلا يبقى عبدًا. لا تبقى نفوسنا في عبودية، لأنه يُعفى عن ديوننا يومًا فيومًا.
+ حتى بالنسبة للحرية في هذه الحياة، أين هو الحق عندما تقولون: "لم نُستعبد لأحدٍ قط"؟ ألم يُبع يوسف (تك ٣٧: ٢٨)؟ ألم يذهب الأنبياء القديسون إلى السبي (٢ مل ٢٤؛ خر ١: ١)؟ مرة أخرى أليست هذه الأمة عندما كانت تصنع اللبن في مصر خدمت حكامًا عنفاء ليس في ذهب وفضة بل في صنع الطوب (خر ١: ١٤)؟ إن كنتم لم تُستعبدوا قط لأحد يا أيها الشعب الجاحد، فلماذا يذكركم الله باستمرار أنه خلصكم من بيت العبودية (خر ١٣: ٣؛ تث ٥: ٦)؟... كيف تدفعون الجزية للرومان، والتي من خلالها أقمتم فخًا لتصطادوا الحق فيه عندما قلتم: "هل يجوز أن نعطي الجزية لقيصر؟" وذلك حتى إن قال يجوز ذلك تتهمونه بسرعة أنه يسئ إلى حرية نسل إبراهيم، وإن قال لا يجوز تشتكونه أمام ملوك الأرض بكونه يمنع الجزية لمثل هؤلاء؟
القديس أغسطينوس
"أجابهم يسوع:
الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية". (34)
هذه المقدمة المهيبة "الحق الحق أقول لكم" هي إعلان مهوب، كثيرًا ما يستخدمه السيد المسيح عندما يصدر أمرًا له خطورته. وهو في هذا يختلف عن الأنبياء، الذين كانوا يرددون العبارة: "هكذا يقول الرب"، لأنهم خدام أمناء لله. أما السيد المسيح فيتكلم باسم نفسه بكونه الابن "أقول لكم".
"من يعمل الخطية فهو عبد للخطية": لا يوجد إنسان بار لم يخطئ، لكن ليس كل من يسقط في خطأ هو عبد للخطية. إنما يقصد بقوله "يعمل الخطية" أي يختارها ويفضلها عن برّ الله، يفضل طريق الشر عن طريق القداسة (إر ٤٤: ١٦-١٧)، فيقيم عهدًا مع الخطية، ويقبلها دستورًا لحياته، تقوده شهواته الجسدية ومحبته للعالم.
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:32 pm
يدرك الإنسان عبوديته لها كما مارسها. ففي بداية ممارستها يظن الإنسان أنه صاحب سلطان، له حق قبولها أو رفضها، لكنها إذ تدخل تمسك بعجلة قيادة النفس، ويفقد الإنسان سيطرته على إرادته تدريجيًا، فتكون الخطية أشبه بمخدر لا يقدر أن يستغني عنها. تحركه الخطية حسب هواها ليمارس ما لم يكن يتوقعه يومًا ما. وكما يقول كثير من آباء البرية أنه إذ تحتل خطية مكانًا في قلب الإنسان أو فكره تملك عليه وتفتح الطريق لغيرها من الخطايا لتملك معها، ويدخل الإنسان في سلسلة من الخطايا لا يقدر على مقاومتها بنفسه.
+ "أجابهم يسوع: الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية".
إنه عبد، يا ليته لإنسانٍ بل للخطية!
من لا يرتعب أمام مثل هذه الكلمات؟ الرب إلهنا يهبنا - أنتم وأنا - أن أتكلم بتعبيرات لائقة عن هذه الحرية باحثًا عنها وأن أتجنب تلك العبودية...
يا لها من عبودية بائسة! عندما يعاني البشر من سادة أشرار يطلبون على أي الأحوال تغيير السيد.
ماذا يفعل عبد الخطية؟ لمن يقدم طلبه؟ إلى من يطلب الخلاص؟...
أين يهرب عبد الخطية؟ فإنه يحمل (سيده) أينما هرب. لا يهرب الضمير الشرير من ذاته، لا يوجد موضع يذهب إليه.
نعم لا يقدر أن ينسحب من نفسه، لأن الخطية التي يرتكبها هي في داخله. يرتكب الخطية لكي يحصل على شيء من اللذة الجسدية. تعبر اللذة وتبقى الخطية. ما يبتهج به يعبر، وتبقى الشوكة خلفها. يا لها من عبودية شريرة!...
لنهرب جميعًا إلى المسيح، ونحتج ضد الخطية إلى الله بكونه مخلصنا.
لنطلب أن نُباع لكي ما يخلصنا بدمه. إذ يقول الرب: "مجانًا بُعتم وستخلصون بدون مالٍ" (إش ٥٢: ٣). بدون ثمن من جهتكم، بسببي. هكذا يقول الرب لأنه هو دفع الثمن لا بمالٍ بل بدمه، وإلا بقينا عبيدًا معوزين.
القديس أغسطينوس
أما الابن فيبقى إلى الأبد". (35)
لعله يشير هنا إلى طرد إسماعيل وعدم تمتعه بالميراث (تك ٢١: ١٠- ٤). ليس للعبد حق الميراث من الأسرة التي نشأ فيها. أما الابن الشرعي فله هذا الحق. بل ومن حقه أن يحرر أي عبدٍ في الأسرة، وأن يتصرف في ميراثه كما يشاء.
الحرية التي افتخر بها اليهود هي وهم وخيال، إذ لم تكن لهم الحرية الداخلية ولا الحرية الخارجية. هذا ما تفعله العبودية للخطية، إذ توهم عبيدها بالحرية، فيظنون في ممارستهم للشر ممارسة للحياة الحرة بلا قيود، وتحطيم لما يظنوه قيود البرّ والإيمان. الحرية الحقيقية هي في المسيح يسوع حيث يرى المؤمن دستوره الحب الحقيقي، حتى وإن كان ثمنه بذل النفس من أجل الغير، وإمكانياتها إلهية حيث يتمتع المؤمن بالشركة في الطبيعة الإلهية، لا تقدر الأوهام والزمنيات أن تأسره، بل يجد مسرته في تناغم إرادته مع إرادة الله أبيه السماوي.
+ إن قلت: "فلِم ذكر البيت إذ خاطبهم مذكرًا إياهم بخطاياهم؟ أجبتك: لكي يريهم كما أن السيد في بيته متسلط، كذلك هو متسلط، وسيد الخليقة. بقوله: "لا يبقى" يعني أنه بلا سلطان أن يهب امتيازات، لأنه ليس سيدًا للبيت. أما الابن فهو رب البيت. فإن هذا ما يعنيه بالقول: "يبقى إلى الأبد"، كمجاز مُستعار من الأمور البشرية. فلكي لا يقولوا: "من أنت" قال: "كل شيء هو ملكي؛ أنا هو الابن الساكن في بيت أبي"، مظهرًا بقوله "البيت" سلطانه. ففي موضعٍ آخر يدعو الملكوت "بيت أبيه": "في بيت أبي منازل (مواضع) كثيرة" (يو ١٤: ٣). وإذ كان مقاله خاصًا بالحرية والعبودية، لهذا استخدم المجاز ليخبرهم أنهم بلا سلطان على التمتع بالحرية (أو نوال المغفرة).
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ يدخل كثير من الخطاة الكنيسة. لهذا لم يقل "العبد ليس في البيت" وإنما قال: "لا يبقى في البيت إلى الأبد". رجاؤنا أيها الاخوة هو هذا أن نصير أحرارًا بواسطة الحرّ، وإذ يجعلنا أحرارًا يقيمنا عبيدًا.
لقد كنا عبيدًا للشهوة، ولكن إذ نتحرر يجعلنا عبيدًا للحب.
هذا أيضًا ما يقول الرسول: "فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الاخوة غير أنه لا تصيِّروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا" (غلا ٥: ١٣).
إذن لا يقول المسيحي: أنا حرّ، أنا دُعيت للحرية. كنت عبدًا وقد خلصت، وبخلاصي هذا صرت حرًا، أفعل ما يحلو لي. لا يصد أحد إرادتي مادمت حرًا... لا تفسد حريتك بالخطية، بل استخدمها في عدم ارتكاب الخطية. فإنه متى كانت إرادتك ورعة عندئذ فقط تكون حرة.
تكون حرًا إن كنت لا تزال عبدًا متحررًا من الخطية وخادمًا للبرّ. وكما يقول الرسول: "لأنكم لما كنتم عبيد الخطية كنتم أحرارًا من البرّ... وأما الآن إذ أُعتقتم من الخطية وصرتم عبيدًا لله فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة أبدية" (رو ٦: ٢٠، ٢٢).
القديس أغسطينوس
"فإن حرركم الابن،
فبالحقيقة تكونون أحرارا". (36)
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن الابن يظهر هنا مساواته للآب في السلطان، فإن الله وحده هو الذي يبرر ويدين (رو ٨: ٣٣، ٣٤). الابن بلا خطية ويهب الحرية من الخطية، الأمر الذي هو من اختصاص الله وحده. هذا وقد أوضح لهم أن الحرية التي في أذهانهم ليست أصيلة، أما التي يهبها الابن فهي الحرية الحقيقية: "بالحقيقة تكونون أحرارًا".
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:32 pm
+ لقد جاء في الجسد، أي في شبه جسد الخطية (رو ٨: ٣)، لكن ليس في جسد خاطئ، لأنه ليس فيه خطية نهائيًا، ولهذا صار ذبيحة حقيقية عن الخطية، لأنه هو نفسه بلا خطية.
+ باستحقاق فعّال يخلص من عبودية الخطية هذه، هذا الذي يقول في المزامير: "صرت إنسانًا بلا سند، حرًا بين الأموات" (مز ٨٨: ٤، ٥). فإنه وحده كان حرًا إذ لم يكن فيه خطية. إذ هو نفسه يقول في الإنجيل: "رئيس هذا العالم يأتي" يقصد الشيطان الذي يأتي في أشخاص اليهود المضطهدين له، "وليس له فيّ شيء" (يو ١٤: ٣٠ - ٣١). فلا يجد فيَّ نسبة ما من الخطية كما في أولئك الذين يُقتلون كأبرارٍ، لا يجد قط شيئًا ما فيّ... إنني لست أدفع عقوبة الموت كضرورة بسبب خطاياي، لكنني أموت متممًا إرادة أبي. في هذا أنا أفعل إذ أحتمل الموت، فلو كنت لا أريد الألم ما كنت أتألم. يقول بنفسه في موضع آخر: "لي سلطان أن أضع حياتي، ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو ١٠: ١٨). بالتأكيد هنا ذاك الذي هو حر بين الأموات.
+ كما أن الطبيب يكره مرض المريض ويعمل بمقاييس الشفاء لينزع المرض ويشفي العليل، هكذا الله يعمل بنعمته فينا، ليبدد الخطية ويتحرر الإنسان.
+ من ثم يقول الرسول ما نبدأ نحن نقوله: "فإني أُسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن" (رو ٧: ٢٢). هنا إذن نصير أحرارًا عندما نُسر بناموس الله، لأن الحرية لها الفرح. فإنك مادمت تفعل الصلاح عن خوفٍ، فإن الله لا يكون موضع مسرتك. لتجد مسرتك فيه فتكون حرًا. لا تخف العقوبة بل حب البرّ. هل لازلت لا تحب البرّ؟ خف من العقوبة حتى تنال محبة البرّ.
القديس أغسطينوس
"أنا عالم أنكم ذرية إبراهيم،
لكنكم تطلبون أن تقتلوني،
لأن كلمتي لا موضع لها فيكم". (37)
حسنًا يفتخر اليهود أنهم أبناء إبراهيم، لكن لماذا لم يسلكوا بروح أبيهم في إيمانه وطاعته لله؟ لماذا لم يثبتوا انتسابهم له بالعمل، لأنهم يطلبون قتل السيد المسيح؟ إن كان قتل البريء جريمة عظمى فماذا يكون قتلهم لملك الملوك؟ في طاعة كاملة وإيمان قدم إبراهيم ابنه الحبيب ذبيحة محرقة لله، وها هم في تمرد يطلبون قتل ابن الله الحبيب!
يفتخرون بانتسابهم لإبراهيم الذي نال وعدًا أن يكون أبًا لأممٍ كثيرة، وإذ حان الوقت لتحقيق الوعد، إذ جاء من نسله السيد المسيح الذي يضم الأمم معًا كأبناء روحيين لإبراهيم يريد اليهود قتله. أما سرّ مقاومتهم للحق، وعدم تمتعهم بالبركات التي نالها أبوهم إبراهيم فهو كما قال السيد: "لأن كلامي لا موضع له فيكم". لم يتركوا لكلام السيد المسيح، للحق نفسه، موضعًا في قلوبهم، لأن الحسد والغيرة والفساد ملأ قلوبهم، ولم يترك مجالاً لدخول الحق إليها.
حين يغلق الإنسان أبواب قلبه بالشهوات الجسدية ومحبة العالم لا يقتحمها الحق، لأنه لن يدخل قسرًا ما لم يجد ترحيبًا، فيدخل الحق كما إلى بيته، ويتسلم عجلة القيادة ليدير كل حركة القلب والفكر والحواس والمشاعر، فيتحول الإنسان بالنعمة الإلهية إلى كائنٍ روحيٍ، يقوده روح الرب.
+ إن كنتم تفتخرون بعلاقتكم بإبراهيم، يلزمكم أيضًا أن تترقوا أن تسلكوا ذات سلوك حياته. ولم يقل "ليس لكم موضع لكلماتي"، بل "كلمتي لا موضع لها فيكم"، مشيرًا إلى سمو التعاليم. ومع ذلك فإنه ليس بسبب هذا يلزم أن يقتلوا بل أن يُكرموا وينصتوا إليه لكي يتعلموا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
يقدم لنا العلامة أوريجينوس الفارق بين "ذرية" و"أبناء" من الجانب الحرفي. فالذرية أو البذور إذ تُلقى في المرأة قد تنجب ابنا أو لا تنجب. كأن كل الأبناء هم من الذرية أو البذور لكن ليس كل الذرية أو البذور هم أبناء. فالسالكون حسب حياة إبراهيم هم من ذريته وأبنائه. أما من هم أبناء له حسب الجسد دون السلوك حسب حياته فهم ذرية وليسوا بالحق أبناء له. لهذا يقول العلامة أوريجينوس إنه إن وُجد إنسان ليس ابنا لإبراهيم ولا هو من ذريته فلا يُلام مثلهم إن كان خاطئًا لأنه لم يجد فرصه أن يُولد من بذار رجل بار فيكون كأبيه. أما الذين هم من ذرية إبراهيم، فكان يلزمهم أن يُحسبوا أبناء لإبراهيم سالكين مثل أبيهم. إنهم ذريته لكنهم ليسوا بالحق أبناء إبراهيم، لأنهم لا يحيون كأبيهم.
مرة أخرى يقول: [إبراهيم صار إبراهيم مع أنه ليس من ذرية إبراهيم (لم يلد نفسه) بل من ذرية السابقين له، هكذا يُمكن لشخص ما بغرس بذارٍ صالحة في نفسه أن يصير إبراهيم آخر، مع أنه ليس من ذرية إبراهيم نهائيًا، إنما فيه الكفاية أن يغرس بذورًا مثل إبراهيم].
إذ سلك شعب بني إسرائيل كما يسلك الأموريون والحثيون الوثنيون لهذا قيل عنهم: "أبوك أموري وأمك حثية" (حز ١٦: ٣)، مع أنهم من ذرية إبراهيم ومن نسل سارة، لكنهم لم يحسبوا أبناء إبراهيم ولا من سارة!
+ نتعلم من هذا بوضوحٍ شديدٍ أنه يجب أن نفسر كل قصة إبراهيم رمزيًا، ونمارس كل ما فعله بطريقة روحية، ابتداء من الوصية: "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك" (تك ١٢: ١). هذه العبارة تُقال ليس لإبراهيم وحده بل ولكل من يريد أن يكون ابنًا له... والرب الإله الذي ظهر لإبراهيم يظهر لنا، ويعدنا أن يعطينا الأرض التي حول السنديانة العليا لذرية نفوسنا الروحية (تك ١٢: ٦).
أيضًا يلتزم من يفهم الوصية: "تعملون أعمال إبراهيم" (٣٩) أن يبني مذبحًا للرب الذي يظهر لنا حيث توجد البلوطة العليا، ثم يرحل من البلوطة العليا إلى الجبل. الجبل في شرق بيت إيل التي تعني "بيت الله". لهذا فإنه ينصب خيمته عند بيت إيل في الغرب وعاي في الشرق، عاي تعني أعيادًا...
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:33 pm
إن كنتم أبناء اسحق اعملوا أعمال اسحق، وهكذا بالنسبة ليعقوب وكل الآباء القديسين. وعلى العكس كل شخصٍ يخطئ يُدعى من جهة الجنس أنه ابن إبليس، حيث أن من يخطئ هو مولود من إبليس (١ يو ٣: ٨)...
لهذا تقولون أن كل شخص سيذهب إلى آبائه عندما يخلص من هذه الحياة، إذ يلزمنا عند وقت الرحيل أن يُقال ليس لإبراهيم وحده بل لكل البشر: "وأما أنت فتمضي إلى آبائك" (تك ١٥: ١٥). غير أن لا يُقال "بسلام" (تك ١٥: ١٥) لكل الناس في ذلك الحين وإنما للقديسين، إذ يحتفظون بشيخوخة صالحة. يُقال هذا للذين تكملوا وتمتعوا برحلة روحية طويلة إذ "الفهم بالنسبة للبشر هو الشيبة" (حك ٤: ٩)، والشيبة هي إكليل الافتخار (أم ١٦: ٣١). والشيبة التي تزينهم هي مجد للشيوخ الصالحين بالحق.
العلامة أوريجينوس
+ "أنا عالم أنكم ذرية إبراهيم، لكنكم تطلبون أن تقتلوني، لأن كلامي لا يمسك بكم"... إنني أعرف أنكم ذرية إبراهيم حسب الأصل الجسدي، وليس بالقلب المؤمن. لو أُخذ كلامي لأمسك بكم، ولو أمسك بكم لكان يُمسك بكم كالسمك في شباك الإيمان. إذن ماذا يعني "لا يُمسك بكم"؟ لا يمسك بقلوبكم لأنها لا تقبله. فإنه هكذا هي كلمة الله، وهكذا يجب أن تكون بالنسبة للمؤمنين، إنها كالصنارة بالنسبة للسمكة. إنها تأخذ السمكة حين تأخذها السمكة. لا يحل ضرر ما بمن يُمسك بهم إذ يُمسكون للخلاص وليس للدمار... أما هؤلاء فإنهم ورثوا الجنس الجسدي، لكنهم صاروا منحلين عنه بعدم إقتدائهم بإيمانه كأبناء له.
القديس أغسطينوس
البنوة الله والبنوة لإبليس
"أنا أتكلم بما رأيت عند أبى،
وأنتم تعملون ما رأيتم عند أبيكم". (38)
إذ كان اليهود يفتخرون بأنهم أبناء إبراهيم، من نسله حسب الجسد، قدم لهم نفسه أنه هو ابن الله بالطبيعة، ويود أن يرتبطوا به ليتمتعوا بالبنوة لله بالنعمة عوض ما بلغوا إليه من بنوة لإبليس. هم يريدون قتله مع أنه ابن الله بالطبيعة، وبفعلهم هذا يؤكدون أنهم نالوا التبني لإبليس.
ما يتكلم به السيد المسيح هو الحق الأبدي الذي يراه في حضن أبيه، لأنه هو كلمة الله.
توجد أسرتان لن تتحدا: الله وأبناؤه، وإبليس وأبناؤه. لا يقدر أحد أن ينتسب للأسرتين معًا، فإنه إذ يقبل الواحدة يقاوم الأخرى بالضرورة، حتى وإن لم تكن المقاومة علنية.
ما يقدمه السيد المسيح ليس فقط ما يسمعه من الآب بل ما يراه، لأنه كائن في حضن الآب يراه، ما ينطق به الأنبياء هو بناء على ما يسمعوه من الله أو ما يرونه خلال رؤى، أما السيد المسيح فهو الكلمة الإلهي ذاته، وهو الحق الإلهي نفسه.
+ أنا بكلامي وبالحق أعلن عن الآب، هكذا لتفعلوا أنتم بأعمالكم. فإنه ليس لي فقط ذات الجوهر مع الآب بل وذات الحق معه.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ لكن إبراهيم أيضًا وُلد وسط الجنس البشري، كثيرون كانوا قبله وكثيرون بعده. أنصت إلى صوت الآب إلى الابن: "قبل لوسيفور ولدتك" (مز15: 3 Vulgate). لقد وُلد الذي ينير الكل قبل لوسيفور (إش 14: 27)... لماذا يذكر لوسيفور؟ لأنه إذ استنار أنار. ولماذا صار مظلمًا؟ لأنه لم يثبت في الحق (يو 8: 44).
+ "أنا أتكلم بما رأيت عند أبي، وأنتم تعملون ما رأيتم عند أبيكم" (٢٨). أنا أرى الحق؛ أنا أنطق بالحق، لأني أنا هو الحق. فإنه إذ يتكلم الرب بالحق الذي يراه عند الآب إنما يرى نفسه، ويتكلم بنفسه الذي يراه عند الآب. لأنه هو الكلمة، وكان الكلمة عند الله (يو ١: ١). الشر الذي يفعله هؤلاء الناس والذي يعنفه الرب ويمنعه، أين رأوه؟ عند أبيهم... هنا يتحدث عن أب آخر لهم، هذا الذي لم يلدهم ولا خلقهم ليصيروا بشرًا. ومع هذا فهم أبناؤه بكونهم أشرارًا وليس بكونهم بشرًا. انهم أبناؤه لأنهم يتمثلون به، وليس خُلقوا بواسطته.
القديس أغسطينوس
"أجابوا وقالوا له:
أبونا هو إبراهيم.
قال لهم يسوع:
لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم". (39)
للابن طبيعة أبيه، بالطبيعة يتمثل به. فكان يليق بهم إن كانوا بالحق أبناء إبراهيم أن يحملوا إيمانه وطاعته وبره، لا أن يقتلوا من يتكلم بالحق، الأمر الذي لم يكن ممكنًا لإبراهيم أن يمارسه. بهذا حرموا أنفسهم من الانتساب له روحيًا.
+ هنا يعالج موضوع نيتهم للقتل مشيرًا إلى إبراهيم. وهو بهذا يود أن يسحبهم من انشغالهم بالانتساب لإبراهيم ونزع الكبرياء عنهم ليحثهم بالأكثر للرجاء في الخلاص لا في إبراهيم ولا بعلاقتهم الطبيعية به، وإنما في التمتع بإرادته (البارة). لأن ما كان يعوقهم عن المجيء إلى المسيح هو هذا، أنهم كانوا يظنون أن هذه العلاقة تكفي لخلاصهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ "أجابوا وقالوا له: أبونا هو إبراهيم" (٣٩)، كما لو أنهم يقولون: ماذا تقول ضد إبراهيم؟ أو إن كنت تستطيع تجاسر وأظهر خطأ في إبراهيم. لم يكن الرب غير قادر أن يتجاسر ويجد خطأ في إبراهيم، ولكن إبراهيم ليس بالشخص الذي يريد الرب أن يُظهر له خطأ بل يزكيه. أما هؤلاء فيبدو أنهم أرادوا أن يتحدوه كي يتكلم بشرٍ عن إبراهيم فيجدوا فرصة ليتمموا مقاصدهم.
[b]القديس أغسطينوس
+ + +
[/b]
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:34 pm
اليوم الثالث ( الأربعاء ) من الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
النبوات .. خروج 4 ، 5 ، 6
خروج – الأصحاح الرابع
موسى يلتقى بشعبه
بعدما التقى موسى بالله خلال العليقة الملتهبة نارا كان لابد لموسى النبى أن يترك مديان ليلتقى بهرون أخيه وبشعبه فى مصر :
( 1 ) معجزات ثلاث لشعبه
كما ظهر الله لموسى خلال العليقة المتقدة نارا يعلن له سر الخلاص خلال التجسد الإلهى والميلاد البتولى والألم ، كان لابد أن يمنح موسى إمكانية تقديم بعض المعجزات التى تحمل ظلا لهذا السر أى الخلاص ، خلال التجسد الإلهى والصليب . لقد وهبه ثلاث معجزات يمارسها أمام شعبه ، ليس لمجد إظهار قوة فائقة للطبيعة ، وإنما تعلن عمل الله الفائق نحو الإنسان . هذه المعجزات هى : تحويل العصا إلى حية ، وجعل يده اليمنى برصاء ، تحويل الماء إلى دم .
أولا : تحويل العصا إلى حية
سأل الله موسى : ما هذه فى يدك ؟ فقال " عصا " ع 2
ألم يعلم الله ما بيد موسى ، فلماذا سأله هكذا ؟ ... حتى يتذكر أنها كانت عصا قبل أن تتحول إلى حية !
هذه هى طريقة الله فى تعامله معنا كأن يسأل عن لعازر : قائلا " أين وضعتموه ؟ " يو 11 : 34 ، حتى متى أقامه يشهد اليهود أنفسهم أنه أقامه من القبر .
لقد أمر الرب موسى أن يلقى عصاه ، التى دعيت فيما بعد عصا الله ( ع 20 ) على الأرض فتصير حية تبتلع كل حيات المصريين . الله الكلمة هو عصا الله وقوته الذى نزل على الأرض من أجلنا ، هذا الذى لم يعرف خطية صار خطية لأجلنا ( 2 كو 5 : 21 ) لكى يقتل كل خطايانا ، أى حملت المعجزة ظلالا لسرى التجسد والصليب .
ينطبق هذا الرمز بحق على الرب ، لأنه إن كانت الخطية هى حية ، والرب صار خطية ، إذن النتيجة المنطقية واضحة للجميع . بكونه صار خطية صار أيضا حية هذه التى ليست إلا أنها خطية . من أجلنا صار حية لكى يلتهم حيات المصريين التى أوجدها السحرة ويقتلها .
هروب موسى من الحية وخوفه منها ، يمثل هروب التلاميذ من السيد المسيح ، عندما مات على الصليب . فالأنسان يخاف ويرتعب عندما يدرك قوة العمل الإلهى .
أخيرا ، فإن عودة الحية إلى عصا مرة أخرى إنما تشير إلى السيد المسيح الصاعد إلى السموات ، إلى أمجاده بعدما مزق الصك الذى كان علينا ، ليقيمنا معه ويجلسنا معه فى السمويات ، شركاء معه فى المجد ، نستقر فى حضن أبيه ببره .
ثانيا : يده اليمنى برصاء :
إن يد الله الآب اليمنى أو يمين الآب إنما هو الأبن الجالس عن يمينه ، أى قوة الآب ، هذا الذى فى حضنه ، لقد نزل إلينا حاملا خطايانا ( البرص يشير إلى الخطية ) ليغسلنا ويقدسنا ثم يعود بنا إلى حضن أبيه أصحاء بلا خطية ، وكأن هذه الآية إنما تؤكد الآية السابقة .
ويرى القديس أغسطينوس فى قول المرتل " لماذا ترد يدك ويمينك ؟ اخرجها من وسط حضنك . إفن ، والله ملكى منذ القدم فاعل الخلاص فى وسط الأرض " مز 74 ، يرى أنها صرخات موجهة لله الآب حيث يطلب أن يرسل إبنه الوحيد " يمينه " الذى فى وسط حضنه ، ليفن الشر مقدما الخلاص فى وسط كل الأمم .
ثالثا : تحويل الماء إلى دم :
جاءت هذه المعجزة لتثبيت المعجزتين السابقتين ، فإنه لا خلاص لنا إلا خلال دم السيد المسيح ، الذى يقدس مياة قلبنا الباردة .
( 2 ) أنا ثقيل الفم واللسان :
اعتذر موسى النبى عن الخدمة قائلا : " إستمع أيها السيد . لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك ، بل أنا ثقيل الفم واللسان . فقال له الرب : من صنع للإنسان فما أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيرا أو أعمى ، أما هو أنا الرب ؟! فالآن إذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به " ع 10 – 13 .
متى شعر موسى أنه ثقيل الفم واللسان ؟ حين كان فى القصر إبنا للأميرة إبنة فرعون ، يتدرب بكل حكمة المصريين كان يشعر أنه قادر على الكلام ، أما الآن إذ صار فى حضرة الرب نفسه شعر أنه ثقيل الفم واللسان !
بالوقوف أمام الله اكتشف موسى النبى ثقل فمه ولسانه ، إنسحق فى داخله معتذرا عن الخدمة فتأهل بالأكثر لكى يملأ الله فمه ليخدم . وقد تحدث الآباء كثيرا عن اتضاع موسى .
لم ينفتح فم موسى وحده ليتكلم الله فيه ؛ وإنما أيضا انفتح فم أخيه هرون ، هذا الذى التقى مع موسى عند جبل الله ( ع 27 ) . وكأن كل من يريد أن ينفتح فمه ويتمتع بكلمات الرب والمعرفة الإلهية يلزمه أن يلتقى بموسى ( الناموس ) روحيا على جبل الله أى داخل الكنيسة المقدسة الإلهية .
( 3 ) هرون كسند لموسى :
بالرغم من كل تأكيدات الله لموسى أنه هو الذى يعمل فيه ، وهو ملتزم بإنجاح طريقه ، لكن موسى عاد ليقول : " إستمع أيها السيد . ارسل بيد من ترسل " . حقا ما أتعب القلب البشرى حين يتعب ! لقد حمى غضب الله ( ع 14 ) ، فخسر موسى إنفراده بالرسالة ، وقدم له الله شريكا ، حقا إن الشركة فى الخدمة جميلة ومبهجة فقد أرسل الرب تلاميذه إثنين إثنين ، لكن ما حدث مع موسى كان ثمرة ضعفه وإصراره على الهروب من المسئولية .
على أى الأحوال ، حول الله حتى هذا الضعف للخير ، إذ صار هرون سندا لموسى ، ورمزا للملاك الحارس .
( 4 ) ترك مديان :
إذ أمر الله موسى أن يرجع إلى مصر ليخرج الشعب قال له : " أنظر جميع العجائب التى جعلتها فى يدك ، واصنعها قدام فرعون . ولكننى اشدد قلبه حتى لا يطلق الشعب " ع 21 هكذا سبق فأعلن الله له الإمكانيات التى وهبه إياها وأيضا بالتجارب التى تحيط به حتى لا يخور فى طريق الجهاد ، هذا ما فعله السيد المسيح معنا ، أكد لنا " ثقوا أنا قد غلبت العالم " يو 16 : 33 ، وفى نفس الوقت قال " ها أنا أرسلكم كحملان فى وسط ذئاب " مت 10 : 16 .
( 5 ) ختان إبن موسى
يبدو أن زوجة موسى الغريبة الجنس ، صفورة إبنة يثرون ، خافت على إبنها من الختان ، وقد خضع موسى النبى لرأيها ... هكذا حتى العمالقة فى حياتهم الروحية يتعرضون لضعفات قد تدفع لهلاكهم .
كان لزاما على موسى أن ينطلق بزوجته من مديان ليعمل فى كرم الرب ، وكان لزاما عليه أن يختن الإبن ثمرة اتحاده بهذه الزوجة .
قابلهم الملاك ، وأرعبهم هذا اللقاء ، لكن زوجته هدأت الملاك بتقديم إبنها طاهرا ، إذ نزعت عنه العلامة الخاصة بالغرباء ( الغرلة ) تماما .
( 6 ) بدء العمل :
التقى موسى وهرون أى الوصية الإلهية مع العبادة الورعة الكهنوتية ، وتلاقيا مع جميع الشيوخ ، الذين خضعوا لعمل الله وكلماته ، أما الشعب فإذ سمعوا " خروا وسجدوا " ع 27 . إنها صورة حية لخضوع كل طاقات النفس والجسد للعمل الإلهى خلال قبول كلمة الله والعبادة
قراءات باكر | قراءات القداس | ||||
خر 4 : 19 – 6 : 13 يوئيل 2 : 21 - 26 | مز 27 : 4 لو 13 : 18 - 22 | 2 تس 2 : 9 - 17 | 2 بط 2 : 9 - 15 | أع 28 : 7 - 11 | مز 27 : 7 ، 8 لو 4 : 1 - 13 |
النبوات .. خروج 4 ، 5 ، 6
خروج – الأصحاح الرابع
موسى يلتقى بشعبه
بعدما التقى موسى بالله خلال العليقة الملتهبة نارا كان لابد لموسى النبى أن يترك مديان ليلتقى بهرون أخيه وبشعبه فى مصر :
( 1 ) معجزات ثلاث لشعبه
كما ظهر الله لموسى خلال العليقة المتقدة نارا يعلن له سر الخلاص خلال التجسد الإلهى والميلاد البتولى والألم ، كان لابد أن يمنح موسى إمكانية تقديم بعض المعجزات التى تحمل ظلا لهذا السر أى الخلاص ، خلال التجسد الإلهى والصليب . لقد وهبه ثلاث معجزات يمارسها أمام شعبه ، ليس لمجد إظهار قوة فائقة للطبيعة ، وإنما تعلن عمل الله الفائق نحو الإنسان . هذه المعجزات هى : تحويل العصا إلى حية ، وجعل يده اليمنى برصاء ، تحويل الماء إلى دم .
أولا : تحويل العصا إلى حية
سأل الله موسى : ما هذه فى يدك ؟ فقال " عصا " ع 2
ألم يعلم الله ما بيد موسى ، فلماذا سأله هكذا ؟ ... حتى يتذكر أنها كانت عصا قبل أن تتحول إلى حية !
هذه هى طريقة الله فى تعامله معنا كأن يسأل عن لعازر : قائلا " أين وضعتموه ؟ " يو 11 : 34 ، حتى متى أقامه يشهد اليهود أنفسهم أنه أقامه من القبر .
لقد أمر الرب موسى أن يلقى عصاه ، التى دعيت فيما بعد عصا الله ( ع 20 ) على الأرض فتصير حية تبتلع كل حيات المصريين . الله الكلمة هو عصا الله وقوته الذى نزل على الأرض من أجلنا ، هذا الذى لم يعرف خطية صار خطية لأجلنا ( 2 كو 5 : 21 ) لكى يقتل كل خطايانا ، أى حملت المعجزة ظلالا لسرى التجسد والصليب .
ينطبق هذا الرمز بحق على الرب ، لأنه إن كانت الخطية هى حية ، والرب صار خطية ، إذن النتيجة المنطقية واضحة للجميع . بكونه صار خطية صار أيضا حية هذه التى ليست إلا أنها خطية . من أجلنا صار حية لكى يلتهم حيات المصريين التى أوجدها السحرة ويقتلها .
هروب موسى من الحية وخوفه منها ، يمثل هروب التلاميذ من السيد المسيح ، عندما مات على الصليب . فالأنسان يخاف ويرتعب عندما يدرك قوة العمل الإلهى .
أخيرا ، فإن عودة الحية إلى عصا مرة أخرى إنما تشير إلى السيد المسيح الصاعد إلى السموات ، إلى أمجاده بعدما مزق الصك الذى كان علينا ، ليقيمنا معه ويجلسنا معه فى السمويات ، شركاء معه فى المجد ، نستقر فى حضن أبيه ببره .
ثانيا : يده اليمنى برصاء :
إن يد الله الآب اليمنى أو يمين الآب إنما هو الأبن الجالس عن يمينه ، أى قوة الآب ، هذا الذى فى حضنه ، لقد نزل إلينا حاملا خطايانا ( البرص يشير إلى الخطية ) ليغسلنا ويقدسنا ثم يعود بنا إلى حضن أبيه أصحاء بلا خطية ، وكأن هذه الآية إنما تؤكد الآية السابقة .
ويرى القديس أغسطينوس فى قول المرتل " لماذا ترد يدك ويمينك ؟ اخرجها من وسط حضنك . إفن ، والله ملكى منذ القدم فاعل الخلاص فى وسط الأرض " مز 74 ، يرى أنها صرخات موجهة لله الآب حيث يطلب أن يرسل إبنه الوحيد " يمينه " الذى فى وسط حضنه ، ليفن الشر مقدما الخلاص فى وسط كل الأمم .
ثالثا : تحويل الماء إلى دم :
جاءت هذه المعجزة لتثبيت المعجزتين السابقتين ، فإنه لا خلاص لنا إلا خلال دم السيد المسيح ، الذى يقدس مياة قلبنا الباردة .
( 2 ) أنا ثقيل الفم واللسان :
اعتذر موسى النبى عن الخدمة قائلا : " إستمع أيها السيد . لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك ، بل أنا ثقيل الفم واللسان . فقال له الرب : من صنع للإنسان فما أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيرا أو أعمى ، أما هو أنا الرب ؟! فالآن إذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به " ع 10 – 13 .
متى شعر موسى أنه ثقيل الفم واللسان ؟ حين كان فى القصر إبنا للأميرة إبنة فرعون ، يتدرب بكل حكمة المصريين كان يشعر أنه قادر على الكلام ، أما الآن إذ صار فى حضرة الرب نفسه شعر أنه ثقيل الفم واللسان !
بالوقوف أمام الله اكتشف موسى النبى ثقل فمه ولسانه ، إنسحق فى داخله معتذرا عن الخدمة فتأهل بالأكثر لكى يملأ الله فمه ليخدم . وقد تحدث الآباء كثيرا عن اتضاع موسى .
لم ينفتح فم موسى وحده ليتكلم الله فيه ؛ وإنما أيضا انفتح فم أخيه هرون ، هذا الذى التقى مع موسى عند جبل الله ( ع 27 ) . وكأن كل من يريد أن ينفتح فمه ويتمتع بكلمات الرب والمعرفة الإلهية يلزمه أن يلتقى بموسى ( الناموس ) روحيا على جبل الله أى داخل الكنيسة المقدسة الإلهية .
( 3 ) هرون كسند لموسى :
بالرغم من كل تأكيدات الله لموسى أنه هو الذى يعمل فيه ، وهو ملتزم بإنجاح طريقه ، لكن موسى عاد ليقول : " إستمع أيها السيد . ارسل بيد من ترسل " . حقا ما أتعب القلب البشرى حين يتعب ! لقد حمى غضب الله ( ع 14 ) ، فخسر موسى إنفراده بالرسالة ، وقدم له الله شريكا ، حقا إن الشركة فى الخدمة جميلة ومبهجة فقد أرسل الرب تلاميذه إثنين إثنين ، لكن ما حدث مع موسى كان ثمرة ضعفه وإصراره على الهروب من المسئولية .
على أى الأحوال ، حول الله حتى هذا الضعف للخير ، إذ صار هرون سندا لموسى ، ورمزا للملاك الحارس .
( 4 ) ترك مديان :
إذ أمر الله موسى أن يرجع إلى مصر ليخرج الشعب قال له : " أنظر جميع العجائب التى جعلتها فى يدك ، واصنعها قدام فرعون . ولكننى اشدد قلبه حتى لا يطلق الشعب " ع 21 هكذا سبق فأعلن الله له الإمكانيات التى وهبه إياها وأيضا بالتجارب التى تحيط به حتى لا يخور فى طريق الجهاد ، هذا ما فعله السيد المسيح معنا ، أكد لنا " ثقوا أنا قد غلبت العالم " يو 16 : 33 ، وفى نفس الوقت قال " ها أنا أرسلكم كحملان فى وسط ذئاب " مت 10 : 16 .
( 5 ) ختان إبن موسى
يبدو أن زوجة موسى الغريبة الجنس ، صفورة إبنة يثرون ، خافت على إبنها من الختان ، وقد خضع موسى النبى لرأيها ... هكذا حتى العمالقة فى حياتهم الروحية يتعرضون لضعفات قد تدفع لهلاكهم .
كان لزاما على موسى أن ينطلق بزوجته من مديان ليعمل فى كرم الرب ، وكان لزاما عليه أن يختن الإبن ثمرة اتحاده بهذه الزوجة .
قابلهم الملاك ، وأرعبهم هذا اللقاء ، لكن زوجته هدأت الملاك بتقديم إبنها طاهرا ، إذ نزعت عنه العلامة الخاصة بالغرباء ( الغرلة ) تماما .
( 6 ) بدء العمل :
التقى موسى وهرون أى الوصية الإلهية مع العبادة الورعة الكهنوتية ، وتلاقيا مع جميع الشيوخ ، الذين خضعوا لعمل الله وكلماته ، أما الشعب فإذ سمعوا " خروا وسجدوا " ع 27 . إنها صورة حية لخضوع كل طاقات النفس والجسد للعمل الإلهى خلال قبول كلمة الله والعبادة
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:35 pm
.
حقا ما أحوجنا أن نعمل فى القلب ، كرم الله المقدس ، خلال كلمة الله وبروح تعبدى ليصير القلب كله مقدسا للرب ، خاضعا له !
خروج – الأصحاحان الخامس والسادس
لقاء مع فرعون
إلتقى موسى بالله خلال العليقة ، ثم التقى بهرون فى جبل الله ، وخرج الإثنان إلى جميع الشيوخ وكل الشعب ، والآن لا بد أن يدخلا إلى فرعون نفسه ليلتقيا مع الأسد فى عرينه .
( 1 ) لقاء داخل القصر
أ – إذ طلب موسى وهرون من فرعون أن يطلق الشعب ليتعبد له على مسيرة ثلاثة أيام ، أى خلال قوة قيامة الرب ، هاج فرعون قائلا : " من هو الرب حتى اسمع له ؟ لا أعرف الرب " ع 2 . أليس هذا هو ذات الروح الذى نطق به المجمع حين دعى الرسولين بطرس ويوحنا " وأوصوهما أن لا ينطقا البتة ولا يعلما باسم يسوع " أع 4 : 18 .
ب – ان حديث فرعون هذا : " لا أعرف الرب " يكشف عن ظلمة الجهل التى يعيش فيها عدو الخير .
جـ - يرى العلامة أوريجانوس فى شكوى فرعون أن موسى وهرون يبطلان الشعب ( ع 4 ) هى شكوى عدو الخير فى كل جيل ، إذ يرى الكثيرون أن تكريس الشباب حياتهم للعبادة والخدمة هو مضيعة للطاقة البشرية .
( 2 ) تشديد السخرة
بدلا من إطلاق الشعب ليعبد الرب شدد فرعون أوامره ضد الشعب لإذلالهم ، متهما إياهم أنهم متكاسلون .
يعلق العلامة أوريجانوس على ذلك قائلا : " حقا قبل أن تعرف الكرازة لا توجد الضيقات والتجارب ، لا تبدأ الحرب قبل أن يبوق بالبوق . لكن ما أن يبوق بوق الكرازة حتى تعطى العلامة للحرب ( الروحية ) وتحل الضيقة " .
( 3 ) تذمر الشعب :
إذ تشدد فرعون فى الأمر قال الشعب لموسى وفرعون " ينظر الرب إليكما ويقضى ، لأنكما أنتنتما رائحتنا فى عينى فرعون وفى عيون عبيده حتى تعطيا سيفا فى أيديهم ليقتلوننا " ع 21
إذ دخل الخوف قلب الشعب تحولت كلمة الله فى فمى موسى وهرون التى لها الرائحة الزكية ، رائحة حياة للحياة ، إليهم رائحة موت لموت ( 2 كو 2 : 15 ، 16 .. ) .
هذا التذمر ليس علته عنف فرعون وتشديد السخرة ، لكنه طبيعة لازمت هذا الشعب طوال سيرهم فى البرية بالرغم من عناية الله الفائقة لهم ... لذلك يليق بنا فى تذمرنا ألا نلوم الظروف المحيطة بنا بل قلبنا المملوء خوفا وعدم ثقة فى الله المخلص .
( 4 ) تأكيدات الرب لموسى :
إذ تذمر الشعب ، صرخ موسى إلى الرب وقال " يا سيد ، لماذا أسأت إلى هذا الشعب ؟ لماذا أرسلتنى ؟ فإنه منذ دخلت إلى فرعون لأتكلم باسمك أساء إلى هذا الشعب ، وأنت لم تخلص شعبك " ( 5 : 32 ، 33 ) .
ما أجمل أن يدخل الخادم مع الله فى عتاب حين يشعر كأن خدمته قد فشلت ، مقدما لله حسابات عمله ؟!
تقبل الله هذا العتاب واستجاب لمرارة قلب خادمه . إن كان فرعون قد أعلن جهله بالله قائلا " لا أعرف الرب " ( 5 : 2 ) فإن تأكيدات الله المتكررة لموسى هى " أنا الرب " ( 6 : 2 ، 7 ، 8 ، 28 ) .
هو الرب الذى عمل فى الآباء قديما إذ ظهر لإبراهيم وإسحق ويعقوب ( 6 : 3 ) ، ويعمل فى الحاضر إذ يسمع أنات شعبه ويخرجهم من تحت الثقل ويحررهم من العبودية ( 6 : 5 ، 6 ) ، ويدبر لهم المستقبل فيدخلهم إلى الأرض التى وعد بها ( 6 : 9 ).
( 5) رؤساء بيت آبائهم :
بعد أن أكد الرب لموسى أنه يحرر الشعب من العبودية ، ذكر الكتاب أسماء بيت آبائهم .. وكأن الرب يريد أن يؤكد أنه ليس فقط يهتم بالشعب كجماعة ، لكنه يهتم بكل واحد فيهم بإسمه . علاقة الله مع شعبه دائما على المستور الحماعى والشخصى فى نفس الوقت ، فى رعايته لهم كجسد السيد المسيح الواحد المقدس ، شعرة واحدة من رأس الجماعة لا تسقط بدون إذنه !
لقد وجد بعض الآباء معان كثيرة لهذه الأسماء ، نذكر على سبيل المثال ما رآه العلامة أوريجانوس فى أسماء بنى قورح : أسير وألقانة وأبيأساف ( 6 : 24 ) ، هؤلاء الذين نظموا صلاة تسبحة جميلة بروح واحد منسجم ، جاءت مقدمتها : " كما يشتاق الإيل إلى جداول المياة هكذا تشتاق نفسى إليك يا الله " مز 42 .
أما سر انسجامهم معا فى الصلاة والتسبيح فهو أن أسير يعنى " تعليم " وألقانة تعنى " ملكية الله " وأبيأساف فى رأيه ترجع لليونانية وتعنى مجمع الأب ، وكأنه إذ تكون النفس كقورح ويكون لها هؤلاء الأبناء معا : حب التعليم المستمر ، والشعور بالتكريس لله أى فى ملكيته ، والأرتباط بروح الجماعة الواحدة ، يفيض فى القلب قصيدة حب وصلاة مقبولة يفرح بها الله .
( 6 ) أنا أغلف الشفتين :
حاول موسى أن يعتذر للرب قائلا " كيف يسمعنى فرعون وأنا أغلف الشفتين ؟! " ( 6 : 2 ، 30 ) . لكن تأكيدات الرب له " أنا الرب " ... أنا أخلص ...
ما أجمل أن يشعر الإنسان بضعفه الروحى وخطاياه كسر فشل لخدمته ، فيقول " أنا أغلف الشفتين " ... ليست فيهما قداسة لتعمل كلماتى بسلطان ضد إبليس ، أو كما يقول نحميا حين سمع عن أخبار الخدمة المحزنة " أنا وبيت أبى قد أخطأنا " ( نح 1 : 6 ) . لم يلم الظروف ولا الآخرين ولا نسب لله أنه قد نسى أولاده بل ألقى باللوم على نفسه هو وبيت أبيه لأنهم أخطأوا .
لقد ادرك موسى مفهوم الختان والغرلة على مستوى روحى داخلى ، لذا حسب شفتيه فى حاجة إلى ختان داخلى ... وجاء بعده أرميا يتحدث عن ختان القلب الخفى ( أر 4 : 4 ) وختان الأذن ( أر 6 : 4 ) ، وتحدث معلمنا بولس الرسول فى أكثر وضوح عن الحاجة إلى الختان الروحى فى المعمودية ، حيث يخلع المؤمن أعمال الإنسان القديم ليحمل جدة الحياة ويكون على صورة خالقه .
البولس .. 2 تس 2 : 9 – 17
إنسان الخطية
موضوع "إنسان الخطية" يعتبر إحدى النبوات الرئيسية في العهد الجديد، ومع هذا إذ كتب عنه الرسول لم يقصد به الكشف عن أحداث مستقبلية بقدر ما أراد تحقيق أهداف عملية، لذا ختمه بالحديث عن "الثبوت في الرب" ليدخل بعد ذلك في القسم الثالث من الرسالة الخاص بالوصايا العملية.
يطلب الرسول بولس من أهل تسالونيكي ألا يكون ذهنهم مرتاعًا كسفينة تلعب بها الأمواج العنيفة، وذلك من جهة مجيء ربنا يسوع المسيح واجتماعنا فيه ومعه في ذلك اليوم العظيم، ظانين أن اليوم قد حضر. يلزمهم ألا ينحرفوا بروح أي نبوات كاذبة أو إعلانات باطلة، ولا بكلمة أي بإساءة تفسير كلماته حين كان يكرز في وسطهم، ولا برسالة كأنها منه أي إساءة فهم رسالته السابقة، أو قبولهم رسالة مدسوسة ليست صادرة عنه، أو قبول الاثنين معًا، أي إساءة فهم رسالته وقبول رسالة مزيفة.
إنه يوصي المؤمنين ألا يسيروا وراء الأمواج العنيفة التي تنادي بأن يوم المسيح قد حضر، فإنه يلزم أن يسبقه الارتداد، ويستعلن إنسان الخطية مثير الارتداد.
حديثه الختامي عن إنسان الخطية
يختم الرسول بولس حديثه عن إنسان الخطية بقوله:
حقا ما أحوجنا أن نعمل فى القلب ، كرم الله المقدس ، خلال كلمة الله وبروح تعبدى ليصير القلب كله مقدسا للرب ، خاضعا له !
+ + +
خروج – الأصحاحان الخامس والسادس
لقاء مع فرعون
إلتقى موسى بالله خلال العليقة ، ثم التقى بهرون فى جبل الله ، وخرج الإثنان إلى جميع الشيوخ وكل الشعب ، والآن لا بد أن يدخلا إلى فرعون نفسه ليلتقيا مع الأسد فى عرينه .
( 1 ) لقاء داخل القصر
أ – إذ طلب موسى وهرون من فرعون أن يطلق الشعب ليتعبد له على مسيرة ثلاثة أيام ، أى خلال قوة قيامة الرب ، هاج فرعون قائلا : " من هو الرب حتى اسمع له ؟ لا أعرف الرب " ع 2 . أليس هذا هو ذات الروح الذى نطق به المجمع حين دعى الرسولين بطرس ويوحنا " وأوصوهما أن لا ينطقا البتة ولا يعلما باسم يسوع " أع 4 : 18 .
ب – ان حديث فرعون هذا : " لا أعرف الرب " يكشف عن ظلمة الجهل التى يعيش فيها عدو الخير .
جـ - يرى العلامة أوريجانوس فى شكوى فرعون أن موسى وهرون يبطلان الشعب ( ع 4 ) هى شكوى عدو الخير فى كل جيل ، إذ يرى الكثيرون أن تكريس الشباب حياتهم للعبادة والخدمة هو مضيعة للطاقة البشرية .
( 2 ) تشديد السخرة
بدلا من إطلاق الشعب ليعبد الرب شدد فرعون أوامره ضد الشعب لإذلالهم ، متهما إياهم أنهم متكاسلون .
يعلق العلامة أوريجانوس على ذلك قائلا : " حقا قبل أن تعرف الكرازة لا توجد الضيقات والتجارب ، لا تبدأ الحرب قبل أن يبوق بالبوق . لكن ما أن يبوق بوق الكرازة حتى تعطى العلامة للحرب ( الروحية ) وتحل الضيقة " .
( 3 ) تذمر الشعب :
إذ تشدد فرعون فى الأمر قال الشعب لموسى وفرعون " ينظر الرب إليكما ويقضى ، لأنكما أنتنتما رائحتنا فى عينى فرعون وفى عيون عبيده حتى تعطيا سيفا فى أيديهم ليقتلوننا " ع 21
إذ دخل الخوف قلب الشعب تحولت كلمة الله فى فمى موسى وهرون التى لها الرائحة الزكية ، رائحة حياة للحياة ، إليهم رائحة موت لموت ( 2 كو 2 : 15 ، 16 .. ) .
هذا التذمر ليس علته عنف فرعون وتشديد السخرة ، لكنه طبيعة لازمت هذا الشعب طوال سيرهم فى البرية بالرغم من عناية الله الفائقة لهم ... لذلك يليق بنا فى تذمرنا ألا نلوم الظروف المحيطة بنا بل قلبنا المملوء خوفا وعدم ثقة فى الله المخلص .
( 4 ) تأكيدات الرب لموسى :
إذ تذمر الشعب ، صرخ موسى إلى الرب وقال " يا سيد ، لماذا أسأت إلى هذا الشعب ؟ لماذا أرسلتنى ؟ فإنه منذ دخلت إلى فرعون لأتكلم باسمك أساء إلى هذا الشعب ، وأنت لم تخلص شعبك " ( 5 : 32 ، 33 ) .
ما أجمل أن يدخل الخادم مع الله فى عتاب حين يشعر كأن خدمته قد فشلت ، مقدما لله حسابات عمله ؟!
تقبل الله هذا العتاب واستجاب لمرارة قلب خادمه . إن كان فرعون قد أعلن جهله بالله قائلا " لا أعرف الرب " ( 5 : 2 ) فإن تأكيدات الله المتكررة لموسى هى " أنا الرب " ( 6 : 2 ، 7 ، 8 ، 28 ) .
هو الرب الذى عمل فى الآباء قديما إذ ظهر لإبراهيم وإسحق ويعقوب ( 6 : 3 ) ، ويعمل فى الحاضر إذ يسمع أنات شعبه ويخرجهم من تحت الثقل ويحررهم من العبودية ( 6 : 5 ، 6 ) ، ويدبر لهم المستقبل فيدخلهم إلى الأرض التى وعد بها ( 6 : 9 ).
( 5) رؤساء بيت آبائهم :
بعد أن أكد الرب لموسى أنه يحرر الشعب من العبودية ، ذكر الكتاب أسماء بيت آبائهم .. وكأن الرب يريد أن يؤكد أنه ليس فقط يهتم بالشعب كجماعة ، لكنه يهتم بكل واحد فيهم بإسمه . علاقة الله مع شعبه دائما على المستور الحماعى والشخصى فى نفس الوقت ، فى رعايته لهم كجسد السيد المسيح الواحد المقدس ، شعرة واحدة من رأس الجماعة لا تسقط بدون إذنه !
لقد وجد بعض الآباء معان كثيرة لهذه الأسماء ، نذكر على سبيل المثال ما رآه العلامة أوريجانوس فى أسماء بنى قورح : أسير وألقانة وأبيأساف ( 6 : 24 ) ، هؤلاء الذين نظموا صلاة تسبحة جميلة بروح واحد منسجم ، جاءت مقدمتها : " كما يشتاق الإيل إلى جداول المياة هكذا تشتاق نفسى إليك يا الله " مز 42 .
أما سر انسجامهم معا فى الصلاة والتسبيح فهو أن أسير يعنى " تعليم " وألقانة تعنى " ملكية الله " وأبيأساف فى رأيه ترجع لليونانية وتعنى مجمع الأب ، وكأنه إذ تكون النفس كقورح ويكون لها هؤلاء الأبناء معا : حب التعليم المستمر ، والشعور بالتكريس لله أى فى ملكيته ، والأرتباط بروح الجماعة الواحدة ، يفيض فى القلب قصيدة حب وصلاة مقبولة يفرح بها الله .
( 6 ) أنا أغلف الشفتين :
حاول موسى أن يعتذر للرب قائلا " كيف يسمعنى فرعون وأنا أغلف الشفتين ؟! " ( 6 : 2 ، 30 ) . لكن تأكيدات الرب له " أنا الرب " ... أنا أخلص ...
ما أجمل أن يشعر الإنسان بضعفه الروحى وخطاياه كسر فشل لخدمته ، فيقول " أنا أغلف الشفتين " ... ليست فيهما قداسة لتعمل كلماتى بسلطان ضد إبليس ، أو كما يقول نحميا حين سمع عن أخبار الخدمة المحزنة " أنا وبيت أبى قد أخطأنا " ( نح 1 : 6 ) . لم يلم الظروف ولا الآخرين ولا نسب لله أنه قد نسى أولاده بل ألقى باللوم على نفسه هو وبيت أبيه لأنهم أخطأوا .
لقد ادرك موسى مفهوم الختان والغرلة على مستوى روحى داخلى ، لذا حسب شفتيه فى حاجة إلى ختان داخلى ... وجاء بعده أرميا يتحدث عن ختان القلب الخفى ( أر 4 : 4 ) وختان الأذن ( أر 6 : 4 ) ، وتحدث معلمنا بولس الرسول فى أكثر وضوح عن الحاجة إلى الختان الروحى فى المعمودية ، حيث يخلع المؤمن أعمال الإنسان القديم ليحمل جدة الحياة ويكون على صورة خالقه .
+ + +
البولس .. 2 تس 2 : 9 – 17
إنسان الخطية
موضوع "إنسان الخطية" يعتبر إحدى النبوات الرئيسية في العهد الجديد، ومع هذا إذ كتب عنه الرسول لم يقصد به الكشف عن أحداث مستقبلية بقدر ما أراد تحقيق أهداف عملية، لذا ختمه بالحديث عن "الثبوت في الرب" ليدخل بعد ذلك في القسم الثالث من الرسالة الخاص بالوصايا العملية.
يطلب الرسول بولس من أهل تسالونيكي ألا يكون ذهنهم مرتاعًا كسفينة تلعب بها الأمواج العنيفة، وذلك من جهة مجيء ربنا يسوع المسيح واجتماعنا فيه ومعه في ذلك اليوم العظيم، ظانين أن اليوم قد حضر. يلزمهم ألا ينحرفوا بروح أي نبوات كاذبة أو إعلانات باطلة، ولا بكلمة أي بإساءة تفسير كلماته حين كان يكرز في وسطهم، ولا برسالة كأنها منه أي إساءة فهم رسالته السابقة، أو قبولهم رسالة مدسوسة ليست صادرة عنه، أو قبول الاثنين معًا، أي إساءة فهم رسالته وقبول رسالة مزيفة.
إنه يوصي المؤمنين ألا يسيروا وراء الأمواج العنيفة التي تنادي بأن يوم المسيح قد حضر، فإنه يلزم أن يسبقه الارتداد، ويستعلن إنسان الخطية مثير الارتداد.
حديثه الختامي عن إنسان الخطية
يختم الرسول بولس حديثه عن إنسان الخطية بقوله:
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:36 pm
"حينئذ سيستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه،
الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة،
وبكل خديعة الإثم في الهالكين،
لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا،
ولأجل هذا سيرسل إليهم اللَّه عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب،
لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سُرّوا بالإثم" [8-11].
ويلاحظ في كلمات الرسول الختامية عن إنسان الخطية الآتي:
أولاً: يقول "حينئذ سيستعلن الأثيم"، وكأن إنسان الخطية الذي يدعى بالأثيم. إذ يثير البشر لارتكاب الإثم وإلى دفع الغير أيضًا لارتكاب ذات الفعل، هذا الأثيم يستعلن. كأنه كان قائمًا في ذهن الشيطان قبل ظهوره، وهو يبذل كل الجهد ويستخدم كل الحيل لظهوره، لكن لا يستعلن إلا حين يسمح الله بظهوره، حين يرفع الحاجز.
يمكننا إن صح لنا أن نقول بأن الشيطان قد أدرك ما كان مخفيًا عنه، إذ أدرك أن تجسد الكلمة وعماد السيد وصلبه وموته وقيامته وصعوده، هذه الأمور جميعها إنما تمثل عمل إلهي متكامل كان في ذهن الله منذ الأزل لخلاص البشرية. وأن الله أعد البشرية لقبول هذا العمل الخلاصي خلال الآباء والأنبياء خلال الشريعة والطقوس، خلال الأحداث والرموز. حتى يقدر البشر أن تتقبل خلاصها بالمسيح يسوع في ملء الزمان. إذ أدرك الشيطان ذلك أعد من جانبه خطة مضادة بطلها "ضد المسيح"، لقد أعد له منذ بدء الكرازة بالإنجيل خلال الهرطقات والبدع والفلسفات الإلحادية والأفكار المادية وكل صنوف التشكك لظهور ضد المسيح. لكن الله لم يسمح به ولن يسمح إلا في الوقت المحدد كفرصةٍ نهائيةٍ لعدو الخير إنه يبقى حاميًا للكنيسة من ظهوره إلى ما قبل مجيئه الأخير حتى يكمل الشيطان كأسه، وتتكلل كنيسته التي تذوق الأمرّين منه.
ثانيًا: ظهور "ضد المسيح" يمثل رعبًا شديدًا وخطرًا على الكنيسة حتى إن أمكن المختارون أن يضلّوا، وقد رأينا ذلك بوضوح أثناء دراستنا لسفر الرؤيا، ومع ذلك يقول الرسول: "الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه".
ماذا يعني الرسول بنفخة فمه التي تبيد ضد المسيح؟ والتي يقول عنها إشعياء النبي: "يضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه" (إش 11: 4).
بلا شك يقصد الرسول بنفخة فم السيد "الروح القدس" الذي هو روحه ونفخة فمه، لا يوهب له كنعمة وعطية، إنما هو واحد معه في الجوهر. يقول القديس أمبروسيوس: أن السيد المسيح يبيد "ضد المسيح" بروحه القدوس... [هنا لا ينال نعمة توهب له، إنما يمثل الوحدة التي بلا انقسام، حيث لا يمكن أن يوجد المسيح بدون الروح، ولا الروح بدون المسيح، إذ وحدة اللاهوت لا تقسم.] هذا الروح الإلهي، الذي هو روح المسيح قد قدمه السيد لكنيسته بكونه نفخة فمه، القادر وحده أن يبدد الظلمة وكل أعمال الشيطان، محطمًا قوة إنسان الخطية. لقد نفخ السيد المسيح في وجه تلاميذه وقال لهم: "اقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو 20: 22-23). لقد وهب كنيسته خلال خدامها الروح القدس غافر الخطية ومبددها، حتى يستطيع المؤمن أن يقول بكل قوة: "أين شوكتك يا موت؟! أين غلبتك يا هاوية؟ أما شوكة الموت فهي الخطية..." (1 كو 15: 55-56). إن كان ربنا يسوع المسيح قد غلب الموت وحطّم الخطية، فإنه وهبنا روحه القدوس الذي يدخل بنا إلى دائرة الصليب، ويثبتنا في المسيح يسوع المخلص، واهبًا إيّانا مغفرة الخطايا، فلا يقدر الشيطان العدو بكل طاقاته أن يقف أمامنا.
إن عمل الروح القدس الأساسي في حياتنا هو أن يدخل بنا إلى الشركة مع الآب في ابنه، إذ يخفينا في الابن الوحيد كأعضاء في الجسد المقدس ويثبتنا فيه، فنوجد غالبين ومنتصرين بالمسيح الذي خرج غالبًا ولكي يغلب (رؤ 6: 2).
ثالثًا: يقول الرسول: "يبطله بظهور مجيئه". يرى العلامة أوريجينوس أن إنسان الخطية وهو يحمل أعمال الشيطان بكل عنفها وخداعاتها يمثل الكذب الذي لا يمكن أن يكون له وجود بإعلان ظهور مجيء المسيح، أي ظهور الحق. فظهور المسيح يسوع شمس البرّ في أواخر الدهور يقضي تمامًا على ظلمة عدو الخير، ويدفع بها إلى العذاب الأبدي، وإعلان الحق يحطم الكذب.
نستطيع أن نقول أن ما يحدث في أواخر الدهور إنما هو امتداد لما يتحقق يوميًا في حياة الكنيسة، فبقدر ما يتجلّى العريس السماوي في حياتها ويعلن بهاؤه، لا يقدر عدو الخير عليها ولا تستطيع الخطية أن تجد لها مكانًا فيها. وكأن عمل الكنيسة كجماعة وكأعضاء هو الاختفاء في المسيح الحق ليتجلّى فيها، فتباد أعمال الظلمة، وتنتهي الجهالة. هذا هو سرّ غلبتنا ونصرتنا، لذا يقول الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّيني" (في 4: 13)، كما يقول السيد نفسه: "الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5).
رابعًا: يقدم الرسول بولس تعليلاً لظهور إنسان الخطية قبل مجيء السيد الأخير. إذ يقول: "وبكل خديعة الإثم في الهالكين، لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا، لأجل هذا سيرسل إليهم اللَّه عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، لكي يُدان جميع الذين لم يصدقوا الحق، بل سرّوا بالإثم" [10، 11]. لقد سبق فجاء الحق متجسدًا ولم يعد للإنسان عذر في جهالته، ومع ذلك فقد وُجد أناس لا يصدقوا بل يفرحوا بالإثم. هؤلاء أسلموا أنفسهم للجهل والظلمة، فيسمح اللَّه بإرسال المضلل لا ليضلهم، وإنما ليفضح أعماقهم الشريرة، ويمتلئ كأسهم. وكما يقول الرسول بولس: "وكما لم يستحسنوا أن يبقوا اللَّه في معرفتهم أسلمهم اللَّه إلى ذهن مرفوض" (رو 1: 28). وكأن مجيء إنسان الخطية لا يحطم مجيء الحق إنما يزيدهم تزكية وبهاء. إنه يحطم من حطموا أنفسهم برفضهم الحق وسرورهم بالإثم. بهذا يتحقق قول السيد: "لأن كل من له يعطى فيزداد، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه" (مت 25: 29).
ثباتهم في الرب
"وأما نحن فينبغي لنا أن نشكر الله كل حين لأجلكم أيها الإخوة المحبوبون من الرب
أن الله اختاركم من البدء للخلاص
بتقديس الروح وتصديق الحق" [13].
ربما خشي الرسول بولس أن يرتعب السامعون عند سماعهم عن إنسان الخطية، وما يحمله من أعمال شيطانية وخداعات، لهذا أراد أن يبعث فيهم روح الرجاء، معلنًا التزامه بتقديم ذبيحة شكر لله غير منقطعة من أجل خطته الأزلية نحونا، وحبه الإلهي، واختياره لنا، وتقديسنا بروحه القدوس، وتقديم الحق (المسيح) فنقبله!
هذا هو دور الراعي الواعي، إذ يبعث الرجاء في حياة المخدومين، فلا ترعبهم حروب الشيطان، ولا هجمات الخطية، ولا كثرة الضيقات القاسية، متطلعين بالحق إلى الله الذي أحبهم فاختارهم مقدمًا الخلاص لهم، ومقدسًا إيّاهم بروحه القدوس ليصدقوا الحق فيهمّ!
وكأن الرسول قد سحب بصيرتهم الداخلية من التطلع إلى مرارة الحرب الروحية إلى اكتشاف خطة الثالوث القدوس نحو المؤمنين، مؤكدًا الآتي:
أنهم محبوبون من الرب يسوع الذي قدم لهم الخلاص،
وأن الآب اختارهم منذ البدء لهذا الخلاص،
وأن الروح القدس يقوم بتقديس أرواحهم فتتقبل الحق فيها.
لا أريد الدخول في تفاصيل لاهوتية، لكنني أود تأكيد أن عمل كل أقنوم ليس منفردًا ولا منعزلاً عن الأقنومين الآخرين، ولتوضيح ذلك أقول:
أولاً: إن كنا محبوبين من الرب يسوع الذي أسلم نفسه لأجلنا (غل 2: 20) فإن الآب "أحبنا وأرسل ابنه كفّارة لخطايانا" (1 يو 4: 10). محبة الله الفاقة جعلته يقدم ابنه مبذولاً عنا، وبذات الحب قدم الابن نفسه طاعة للآب (عب 5: 8) وتحقيقًا لإرادته التي هي واحدة معه.
ثانيًا: اختارنا الآب إذ وجدنا أبناء له خلال اتحادنا معه في ابنه الوحيد، فرآنا مقدسين باختفائنا فيه، وبلا لوم قدامه، وكما يقول الرسول: "اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين، وبلا لوم قدامه في المحبة" (أف 1: 14). إن كان الآب بحبه اختارنا في ابنه، فإن الابن أيضًا بذات الحب الإلهي اختارنا أبناء لأبيه. يقول السيد نفسه: "ليس أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم" (يو 15: 16). هنا يتحدث عن الاختيار للعمل الكرازي الخاص بتلاميذه ورسله، لكنه ينطبق بالأولى على المؤمنين في اختيارهم للبنوة لله والتمتع بخلاصه المجاني.
الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة،
وبكل خديعة الإثم في الهالكين،
لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا،
ولأجل هذا سيرسل إليهم اللَّه عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب،
لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سُرّوا بالإثم" [8-11].
ويلاحظ في كلمات الرسول الختامية عن إنسان الخطية الآتي:
أولاً: يقول "حينئذ سيستعلن الأثيم"، وكأن إنسان الخطية الذي يدعى بالأثيم. إذ يثير البشر لارتكاب الإثم وإلى دفع الغير أيضًا لارتكاب ذات الفعل، هذا الأثيم يستعلن. كأنه كان قائمًا في ذهن الشيطان قبل ظهوره، وهو يبذل كل الجهد ويستخدم كل الحيل لظهوره، لكن لا يستعلن إلا حين يسمح الله بظهوره، حين يرفع الحاجز.
يمكننا إن صح لنا أن نقول بأن الشيطان قد أدرك ما كان مخفيًا عنه، إذ أدرك أن تجسد الكلمة وعماد السيد وصلبه وموته وقيامته وصعوده، هذه الأمور جميعها إنما تمثل عمل إلهي متكامل كان في ذهن الله منذ الأزل لخلاص البشرية. وأن الله أعد البشرية لقبول هذا العمل الخلاصي خلال الآباء والأنبياء خلال الشريعة والطقوس، خلال الأحداث والرموز. حتى يقدر البشر أن تتقبل خلاصها بالمسيح يسوع في ملء الزمان. إذ أدرك الشيطان ذلك أعد من جانبه خطة مضادة بطلها "ضد المسيح"، لقد أعد له منذ بدء الكرازة بالإنجيل خلال الهرطقات والبدع والفلسفات الإلحادية والأفكار المادية وكل صنوف التشكك لظهور ضد المسيح. لكن الله لم يسمح به ولن يسمح إلا في الوقت المحدد كفرصةٍ نهائيةٍ لعدو الخير إنه يبقى حاميًا للكنيسة من ظهوره إلى ما قبل مجيئه الأخير حتى يكمل الشيطان كأسه، وتتكلل كنيسته التي تذوق الأمرّين منه.
ثانيًا: ظهور "ضد المسيح" يمثل رعبًا شديدًا وخطرًا على الكنيسة حتى إن أمكن المختارون أن يضلّوا، وقد رأينا ذلك بوضوح أثناء دراستنا لسفر الرؤيا، ومع ذلك يقول الرسول: "الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه".
ماذا يعني الرسول بنفخة فمه التي تبيد ضد المسيح؟ والتي يقول عنها إشعياء النبي: "يضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه" (إش 11: 4).
بلا شك يقصد الرسول بنفخة فم السيد "الروح القدس" الذي هو روحه ونفخة فمه، لا يوهب له كنعمة وعطية، إنما هو واحد معه في الجوهر. يقول القديس أمبروسيوس: أن السيد المسيح يبيد "ضد المسيح" بروحه القدوس... [هنا لا ينال نعمة توهب له، إنما يمثل الوحدة التي بلا انقسام، حيث لا يمكن أن يوجد المسيح بدون الروح، ولا الروح بدون المسيح، إذ وحدة اللاهوت لا تقسم.] هذا الروح الإلهي، الذي هو روح المسيح قد قدمه السيد لكنيسته بكونه نفخة فمه، القادر وحده أن يبدد الظلمة وكل أعمال الشيطان، محطمًا قوة إنسان الخطية. لقد نفخ السيد المسيح في وجه تلاميذه وقال لهم: "اقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو 20: 22-23). لقد وهب كنيسته خلال خدامها الروح القدس غافر الخطية ومبددها، حتى يستطيع المؤمن أن يقول بكل قوة: "أين شوكتك يا موت؟! أين غلبتك يا هاوية؟ أما شوكة الموت فهي الخطية..." (1 كو 15: 55-56). إن كان ربنا يسوع المسيح قد غلب الموت وحطّم الخطية، فإنه وهبنا روحه القدوس الذي يدخل بنا إلى دائرة الصليب، ويثبتنا في المسيح يسوع المخلص، واهبًا إيّانا مغفرة الخطايا، فلا يقدر الشيطان العدو بكل طاقاته أن يقف أمامنا.
إن عمل الروح القدس الأساسي في حياتنا هو أن يدخل بنا إلى الشركة مع الآب في ابنه، إذ يخفينا في الابن الوحيد كأعضاء في الجسد المقدس ويثبتنا فيه، فنوجد غالبين ومنتصرين بالمسيح الذي خرج غالبًا ولكي يغلب (رؤ 6: 2).
ثالثًا: يقول الرسول: "يبطله بظهور مجيئه". يرى العلامة أوريجينوس أن إنسان الخطية وهو يحمل أعمال الشيطان بكل عنفها وخداعاتها يمثل الكذب الذي لا يمكن أن يكون له وجود بإعلان ظهور مجيء المسيح، أي ظهور الحق. فظهور المسيح يسوع شمس البرّ في أواخر الدهور يقضي تمامًا على ظلمة عدو الخير، ويدفع بها إلى العذاب الأبدي، وإعلان الحق يحطم الكذب.
نستطيع أن نقول أن ما يحدث في أواخر الدهور إنما هو امتداد لما يتحقق يوميًا في حياة الكنيسة، فبقدر ما يتجلّى العريس السماوي في حياتها ويعلن بهاؤه، لا يقدر عدو الخير عليها ولا تستطيع الخطية أن تجد لها مكانًا فيها. وكأن عمل الكنيسة كجماعة وكأعضاء هو الاختفاء في المسيح الحق ليتجلّى فيها، فتباد أعمال الظلمة، وتنتهي الجهالة. هذا هو سرّ غلبتنا ونصرتنا، لذا يقول الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّيني" (في 4: 13)، كما يقول السيد نفسه: "الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5).
رابعًا: يقدم الرسول بولس تعليلاً لظهور إنسان الخطية قبل مجيء السيد الأخير. إذ يقول: "وبكل خديعة الإثم في الهالكين، لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا، لأجل هذا سيرسل إليهم اللَّه عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، لكي يُدان جميع الذين لم يصدقوا الحق، بل سرّوا بالإثم" [10، 11]. لقد سبق فجاء الحق متجسدًا ولم يعد للإنسان عذر في جهالته، ومع ذلك فقد وُجد أناس لا يصدقوا بل يفرحوا بالإثم. هؤلاء أسلموا أنفسهم للجهل والظلمة، فيسمح اللَّه بإرسال المضلل لا ليضلهم، وإنما ليفضح أعماقهم الشريرة، ويمتلئ كأسهم. وكما يقول الرسول بولس: "وكما لم يستحسنوا أن يبقوا اللَّه في معرفتهم أسلمهم اللَّه إلى ذهن مرفوض" (رو 1: 28). وكأن مجيء إنسان الخطية لا يحطم مجيء الحق إنما يزيدهم تزكية وبهاء. إنه يحطم من حطموا أنفسهم برفضهم الحق وسرورهم بالإثم. بهذا يتحقق قول السيد: "لأن كل من له يعطى فيزداد، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه" (مت 25: 29).
ثباتهم في الرب
"وأما نحن فينبغي لنا أن نشكر الله كل حين لأجلكم أيها الإخوة المحبوبون من الرب
أن الله اختاركم من البدء للخلاص
بتقديس الروح وتصديق الحق" [13].
ربما خشي الرسول بولس أن يرتعب السامعون عند سماعهم عن إنسان الخطية، وما يحمله من أعمال شيطانية وخداعات، لهذا أراد أن يبعث فيهم روح الرجاء، معلنًا التزامه بتقديم ذبيحة شكر لله غير منقطعة من أجل خطته الأزلية نحونا، وحبه الإلهي، واختياره لنا، وتقديسنا بروحه القدوس، وتقديم الحق (المسيح) فنقبله!
هذا هو دور الراعي الواعي، إذ يبعث الرجاء في حياة المخدومين، فلا ترعبهم حروب الشيطان، ولا هجمات الخطية، ولا كثرة الضيقات القاسية، متطلعين بالحق إلى الله الذي أحبهم فاختارهم مقدمًا الخلاص لهم، ومقدسًا إيّاهم بروحه القدوس ليصدقوا الحق فيهمّ!
وكأن الرسول قد سحب بصيرتهم الداخلية من التطلع إلى مرارة الحرب الروحية إلى اكتشاف خطة الثالوث القدوس نحو المؤمنين، مؤكدًا الآتي:
أنهم محبوبون من الرب يسوع الذي قدم لهم الخلاص،
وأن الآب اختارهم منذ البدء لهذا الخلاص،
وأن الروح القدس يقوم بتقديس أرواحهم فتتقبل الحق فيها.
لا أريد الدخول في تفاصيل لاهوتية، لكنني أود تأكيد أن عمل كل أقنوم ليس منفردًا ولا منعزلاً عن الأقنومين الآخرين، ولتوضيح ذلك أقول:
أولاً: إن كنا محبوبين من الرب يسوع الذي أسلم نفسه لأجلنا (غل 2: 20) فإن الآب "أحبنا وأرسل ابنه كفّارة لخطايانا" (1 يو 4: 10). محبة الله الفاقة جعلته يقدم ابنه مبذولاً عنا، وبذات الحب قدم الابن نفسه طاعة للآب (عب 5: 8) وتحقيقًا لإرادته التي هي واحدة معه.
ثانيًا: اختارنا الآب إذ وجدنا أبناء له خلال اتحادنا معه في ابنه الوحيد، فرآنا مقدسين باختفائنا فيه، وبلا لوم قدامه، وكما يقول الرسول: "اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين، وبلا لوم قدامه في المحبة" (أف 1: 14). إن كان الآب بحبه اختارنا في ابنه، فإن الابن أيضًا بذات الحب الإلهي اختارنا أبناء لأبيه. يقول السيد نفسه: "ليس أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم" (يو 15: 16). هنا يتحدث عن الاختيار للعمل الكرازي الخاص بتلاميذه ورسله، لكنه ينطبق بالأولى على المؤمنين في اختيارهم للبنوة لله والتمتع بخلاصه المجاني.
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:37 pm
ثالثًا: تحدثنا في الرسالة السابقة عن تقديس الروح، بكونه خاص بأقنوم الروح القدس، لكن دون انفصال عن الأقنومين الآخرين. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [الآب يقدس (1 تس 5: 23، يو 17: 17)، والابن أيضًا يقدس (1 كو 1: 30)، والروح القدس يقدس. لكن التقديس واحد، فإن المعمودية واحدة ونعمة السر واحدة.]
يكمل الرسول حديثه عن عمل الثالوث القدوس في حياة المؤمنين كمختارين للخلاص ومقدسين في بالروح القدس، قائلاً:
"الأمر الذي دعاكم إليه بإنجيلنا، لاقتناء مجد ربنا يسوع المسيح" [14]
لقد قدم لنا الوسيلة كما الغاية. فليس من طريق لتحقيق هذا الهدف الإلهي فينا كمختاري الرب المقدسين إلا الإنجيل، أي الكرازة بالخلاص خلال الصليب. ويدعوه الرسول "إنجيلنا"، مع أنه لم يكتب أي سفر من الأناجيل الأربعة. لكنه يعتبر كلمة الكرازة التي ينطق بها ويعيشها في حياته إنما هي إنجيله الحيّ الذي ينعم به. أما الغاية فهي اقتناء مجد ربنا يسوع المسيح الذي ننعم بعربونه خلال جهادنا الروحي، لكي ندخل إلى كماله عند مجيئه الأخير.
إن كان الله لم يبخل علينا بشيء، فقد أحبنا واختارنا ووهبنا تقديس الروح مقدمًا لنا "الحق" ذاته يسكن فينا، واهبًا إيّانا إنجيل الخلاص كطريقٍ للتمتع بمجد ربنا يسوع المسيح، فان هذا كله إنما يدفعنا للجهاد متمسكين بالتقاليد الحيّة التي قدمت لنا خلال الرسل، إذ يقول الرسول:
"فاثبتوا إذن أيها الإخوة، وتمسكوا بالتعاليم (التقاليد) التي تعلمتموها، سواء كان بالكلام أم برسالتنا" [15].
ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذا النص بقوله: [ليتنا نفكر في تقليد الكنيسة أنه مستحق كل تقدير، إنه تقليد فلا نفكر في شيء آخر.] لنتمسك بالتقاليد الشفوية والكتابية التي تسلمها الرسول وسلّمها لهم، ليعيشوا إنجيل ربنا يسوع كحياة إيمانية عملية تترجم خلال العبادة والسلوك.
التقليد أو التسليم الذي تسلمناه ليس "محاكاة للماضي" لمجرد أنه ماضٍ. لكنه هو وديعة الإيمان الحيّ المعلن خلال "الاتحاد مع الله الآب في ابنه يسوع المسيح خلال الروح القدس". هذا الإيمان يترجم عمليًا خلال القوانين الكنسية غير الجامدة وطقس العبادة الروحية والسلوك الداخلي والتصرف مع الآخرين. إنه يُترجم عمليًا في أعماق النفس وأفكار الذهن وتصرفات الجسد.
يختم الرسول وصيته لهم بالثبات في الرب والتقليد الكنسي بصلاة قصيرة يقدمها عنهم لكي تسندهم، إذ يقول:
"ربنا يسوع المسيح والله أبونا الذي أحبنا، وأعطانا عزاء أبديًا، ورجاء صالحًا، بالنعمة يعزي قلوبكم، ويثبتكم في كل كلام وعمل صالح" [16-17].
إنه يرفع قلوبنا إلى الآب أبينا وربنا يسوع المسيح الذي يعمل في القلب كما في الفم وفي التصرف، لنحيا كما يليق بإنجيل السيد المسيح الذي ننعم به خلال التقليد، مقدسين في الفكر والأحاسيس، كما في الكلام والعمل.
إنجيل القداس ... لوقا 4 : 1 – 13
1 اما يسوع فرجع من الاردن ممتلئا من الروح القدس و كان يقتاد بالروح في البرية
2 اربعين يوما يجرب من ابليس و لم ياكل شيئا في تلك الايام و لما تمت جاع اخيرا
3 و قال له ابليس ان كنت ابن الله فقل لهذا الحجر ان يصير خبزا
4 فاجابه يسوع قائلا مكتوب ان ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة من الله
5 ثم اصعده ابليس الى جبل عال و اراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان
6 و قال له ابليس لك اعطي هذا السلطان كله و مجدهن لانه الي قد دفع و انا اعطيه لمن اريد
7 فان سجدت امامي يكون لك الجميع
8 فاجابه يسوع و قال اذهب يا شيطان انه مكتوب للرب الهك تسجد و اياه وحده تعبد
9 ثم جاء به الى اورشليم و اقامه على جناح الهيكل و قال له ان كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا الى اسفل
10 لانه مكتوب انه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك
11 و انهم على اياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك
12 فاجاب يسوع و قال له انه قيل لا تجرب الرب الهك
13 و لما اكمل ابليس كل تجربة فارقه الى حين
التجربة في البرِّيَّة
في الأصحاحات الثلاثة السابقة رأينا صديقنا السماوي ينزل إلينا يشاركنا كل شيء، صار جنينًا في الأحشاء مثلنا، وخضع للناموس، وإنطلق مع الجموع إلى المعموديَّة، وإذ ليس له خطيَّة يعترف بها، حملنا فيه خليقة جديدة تتمتَّع بالبنوَّة للآب، وتحمل فيها روحه القدُّوس. فما أُعلن في نهر الأردن من أمجاد كان لحسابنا وباسمنا، فيه استرددنا طبيعتنا الأولى الصالحة، وصار لنا حق التمتَّع بالفردوس المفقود واللقاء مع الآب في دالة البنوَّة. الآن إذ صار مثلنا أكَّد هذه الصداقة على صعيد العمل، فانطلق بالروح إلى البرِّيَّة يُجُرَّب أربعين يومًا. عوض البرِّيَّة التي انطلق إليها إسرائيل يحمل روح التذمر المستمر، حملنا هو في جسده إلى البرِّيَّة بطبيعته الغالبة والمنتصرة.
+ تعالوا نسبِّح للرب ونرتِّل أناشيد الفرح لله مخلِّصنا، ولِندُس الشيطان تحت أقدامنا، ونهلِّل بسقوطه في المذلَّة والمهانة. لنخاطبه بعبارة إرميا النبي: "كيف قُطعتْ وتحطَّمتْ مطرقة كل الأرض... قد وُجدت وأُمسكت لأنك قد خاصمت الرب" (إر 50: 23-24).
منذ قديم الزمان وقبل مجيء المسيح مخلِّص العالم أجمع والشيطان عدوُّنا الكبير يفكِّر إثمًا وينضح شرًا، ويشمخ بأنفه على ضعف الجبلة البشريَّة، صارخًا "أصابت يدي ثروة الشعوب كعشٍ، وكما يُجمع بيض مهجور جمعت أنا كل الأرض ولم يكن مرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفِّف" (إش 10: 14).
والحق يُقال لم يجرؤ أحد على مقاومة إبليس، إلا الابن يسوع المسيح الذي سكن المغارة، كافحه كفاحًا شديدًا وهو على صورتنا، ولذلك انتصرت الطبيعة البشريَّة... في يسوع المسيح، ونالت إكليل الظفر والغلبة، ومنذ القِدم يخاطب الابن على لسان أنبيائه عدوُّنا اللدود إبليس بالقول المشهور: "هأنذا عليك أيها الجبل المُهلك، (يقول الرب) المُهلك كل الأرض" (إر 51: 25).
والآن تعالوا معي لنرى كيف يصف الإنجيلي المغبوط يسوع المسيح وهو يقاتل بالنيابة عنَّا مهلك الأرض بأسرها. "أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس" (لو 4: 1).
انظروا طبيعة الإنسان في المسيح وقد دهنتها نعمة الروح القدس، وتوَّجتها بالإجلال والإكرام، فإن الله سبق أن وعد قائلاً: "إنّي أسكب روحي على كل بشر" (يوئيل 2: 28). وقد تمَّت هذه النبوَّة لأول مرَّة في يسوع المسيح، لأن الله لم يهب روحه للناس قديمًا، وكانوا ضعاف العقول صغار النفوس، فقد ورد: "لا يدين روحي في الإنسان لزيغانه، وهو بشر" (تك 6: 3). ولكن في المسيح وُجدت خليقة جديدة تقدَّست بالماء والروح، فلم نصبح أولاد لحم ودم، بل أبناء الله الآب، فلنا الآن نعمة التبنِّي، وبهذا العطف الأبوي صرنا شركاء في الطبيعة الإلهيَّة.
فلم يكن بمستغربٍ إذن أن يكون بِكْرنا أول من يتسلَّم الروح القدس، مع أنه هو مانح الروح القدس حتى يهبه لنا نحن إخوته الأعزَّاء. وأشار إلى ذلك بولس الرسول بالقول: "لأن المقدَّس والمقدَّسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة قائلاً: "أُخبر باسمك إخوتي" (عب 2: 12).
لذلك يصف الإنجيلي المسيح: "رجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس" (لو 4: 1) وأرجو ألا تنحرفوا عن جادة الحق ولا يُسيئكم القول بأن المسيح الكلمة تقدَّس، بل فكَّروا بالأولى في حكمة الفداء والخلاص، فإن المسيح تأنَّس وتجسَّد لا حبًا في تجنُّب ما اِختصَّ به الإنسان، بل شاركنا في إنسانيَّتنا حتى يزيدنا من غناه، ويشرِّفنا بعظمة مكانته فإن المسيح شاركنا في كل شيء ما عدا الخطيَّة.
يكمل الرسول حديثه عن عمل الثالوث القدوس في حياة المؤمنين كمختارين للخلاص ومقدسين في بالروح القدس، قائلاً:
"الأمر الذي دعاكم إليه بإنجيلنا، لاقتناء مجد ربنا يسوع المسيح" [14]
لقد قدم لنا الوسيلة كما الغاية. فليس من طريق لتحقيق هذا الهدف الإلهي فينا كمختاري الرب المقدسين إلا الإنجيل، أي الكرازة بالخلاص خلال الصليب. ويدعوه الرسول "إنجيلنا"، مع أنه لم يكتب أي سفر من الأناجيل الأربعة. لكنه يعتبر كلمة الكرازة التي ينطق بها ويعيشها في حياته إنما هي إنجيله الحيّ الذي ينعم به. أما الغاية فهي اقتناء مجد ربنا يسوع المسيح الذي ننعم بعربونه خلال جهادنا الروحي، لكي ندخل إلى كماله عند مجيئه الأخير.
إن كان الله لم يبخل علينا بشيء، فقد أحبنا واختارنا ووهبنا تقديس الروح مقدمًا لنا "الحق" ذاته يسكن فينا، واهبًا إيّانا إنجيل الخلاص كطريقٍ للتمتع بمجد ربنا يسوع المسيح، فان هذا كله إنما يدفعنا للجهاد متمسكين بالتقاليد الحيّة التي قدمت لنا خلال الرسل، إذ يقول الرسول:
"فاثبتوا إذن أيها الإخوة، وتمسكوا بالتعاليم (التقاليد) التي تعلمتموها، سواء كان بالكلام أم برسالتنا" [15].
ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذا النص بقوله: [ليتنا نفكر في تقليد الكنيسة أنه مستحق كل تقدير، إنه تقليد فلا نفكر في شيء آخر.] لنتمسك بالتقاليد الشفوية والكتابية التي تسلمها الرسول وسلّمها لهم، ليعيشوا إنجيل ربنا يسوع كحياة إيمانية عملية تترجم خلال العبادة والسلوك.
التقليد أو التسليم الذي تسلمناه ليس "محاكاة للماضي" لمجرد أنه ماضٍ. لكنه هو وديعة الإيمان الحيّ المعلن خلال "الاتحاد مع الله الآب في ابنه يسوع المسيح خلال الروح القدس". هذا الإيمان يترجم عمليًا خلال القوانين الكنسية غير الجامدة وطقس العبادة الروحية والسلوك الداخلي والتصرف مع الآخرين. إنه يُترجم عمليًا في أعماق النفس وأفكار الذهن وتصرفات الجسد.
يختم الرسول وصيته لهم بالثبات في الرب والتقليد الكنسي بصلاة قصيرة يقدمها عنهم لكي تسندهم، إذ يقول:
"ربنا يسوع المسيح والله أبونا الذي أحبنا، وأعطانا عزاء أبديًا، ورجاء صالحًا، بالنعمة يعزي قلوبكم، ويثبتكم في كل كلام وعمل صالح" [16-17].
إنه يرفع قلوبنا إلى الآب أبينا وربنا يسوع المسيح الذي يعمل في القلب كما في الفم وفي التصرف، لنحيا كما يليق بإنجيل السيد المسيح الذي ننعم به خلال التقليد، مقدسين في الفكر والأحاسيس، كما في الكلام والعمل.
+ + +
إنجيل القداس ... لوقا 4 : 1 – 13
1 اما يسوع فرجع من الاردن ممتلئا من الروح القدس و كان يقتاد بالروح في البرية
2 اربعين يوما يجرب من ابليس و لم ياكل شيئا في تلك الايام و لما تمت جاع اخيرا
3 و قال له ابليس ان كنت ابن الله فقل لهذا الحجر ان يصير خبزا
4 فاجابه يسوع قائلا مكتوب ان ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة من الله
5 ثم اصعده ابليس الى جبل عال و اراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان
6 و قال له ابليس لك اعطي هذا السلطان كله و مجدهن لانه الي قد دفع و انا اعطيه لمن اريد
7 فان سجدت امامي يكون لك الجميع
8 فاجابه يسوع و قال اذهب يا شيطان انه مكتوب للرب الهك تسجد و اياه وحده تعبد
9 ثم جاء به الى اورشليم و اقامه على جناح الهيكل و قال له ان كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا الى اسفل
10 لانه مكتوب انه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك
11 و انهم على اياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك
12 فاجاب يسوع و قال له انه قيل لا تجرب الرب الهك
13 و لما اكمل ابليس كل تجربة فارقه الى حين
+ + +
التجربة في البرِّيَّة
في الأصحاحات الثلاثة السابقة رأينا صديقنا السماوي ينزل إلينا يشاركنا كل شيء، صار جنينًا في الأحشاء مثلنا، وخضع للناموس، وإنطلق مع الجموع إلى المعموديَّة، وإذ ليس له خطيَّة يعترف بها، حملنا فيه خليقة جديدة تتمتَّع بالبنوَّة للآب، وتحمل فيها روحه القدُّوس. فما أُعلن في نهر الأردن من أمجاد كان لحسابنا وباسمنا، فيه استرددنا طبيعتنا الأولى الصالحة، وصار لنا حق التمتَّع بالفردوس المفقود واللقاء مع الآب في دالة البنوَّة. الآن إذ صار مثلنا أكَّد هذه الصداقة على صعيد العمل، فانطلق بالروح إلى البرِّيَّة يُجُرَّب أربعين يومًا. عوض البرِّيَّة التي انطلق إليها إسرائيل يحمل روح التذمر المستمر، حملنا هو في جسده إلى البرِّيَّة بطبيعته الغالبة والمنتصرة.
+ تعالوا نسبِّح للرب ونرتِّل أناشيد الفرح لله مخلِّصنا، ولِندُس الشيطان تحت أقدامنا، ونهلِّل بسقوطه في المذلَّة والمهانة. لنخاطبه بعبارة إرميا النبي: "كيف قُطعتْ وتحطَّمتْ مطرقة كل الأرض... قد وُجدت وأُمسكت لأنك قد خاصمت الرب" (إر 50: 23-24).
منذ قديم الزمان وقبل مجيء المسيح مخلِّص العالم أجمع والشيطان عدوُّنا الكبير يفكِّر إثمًا وينضح شرًا، ويشمخ بأنفه على ضعف الجبلة البشريَّة، صارخًا "أصابت يدي ثروة الشعوب كعشٍ، وكما يُجمع بيض مهجور جمعت أنا كل الأرض ولم يكن مرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفِّف" (إش 10: 14).
والحق يُقال لم يجرؤ أحد على مقاومة إبليس، إلا الابن يسوع المسيح الذي سكن المغارة، كافحه كفاحًا شديدًا وهو على صورتنا، ولذلك انتصرت الطبيعة البشريَّة... في يسوع المسيح، ونالت إكليل الظفر والغلبة، ومنذ القِدم يخاطب الابن على لسان أنبيائه عدوُّنا اللدود إبليس بالقول المشهور: "هأنذا عليك أيها الجبل المُهلك، (يقول الرب) المُهلك كل الأرض" (إر 51: 25).
والآن تعالوا معي لنرى كيف يصف الإنجيلي المغبوط يسوع المسيح وهو يقاتل بالنيابة عنَّا مهلك الأرض بأسرها. "أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس" (لو 4: 1).
انظروا طبيعة الإنسان في المسيح وقد دهنتها نعمة الروح القدس، وتوَّجتها بالإجلال والإكرام، فإن الله سبق أن وعد قائلاً: "إنّي أسكب روحي على كل بشر" (يوئيل 2: 28). وقد تمَّت هذه النبوَّة لأول مرَّة في يسوع المسيح، لأن الله لم يهب روحه للناس قديمًا، وكانوا ضعاف العقول صغار النفوس، فقد ورد: "لا يدين روحي في الإنسان لزيغانه، وهو بشر" (تك 6: 3). ولكن في المسيح وُجدت خليقة جديدة تقدَّست بالماء والروح، فلم نصبح أولاد لحم ودم، بل أبناء الله الآب، فلنا الآن نعمة التبنِّي، وبهذا العطف الأبوي صرنا شركاء في الطبيعة الإلهيَّة.
فلم يكن بمستغربٍ إذن أن يكون بِكْرنا أول من يتسلَّم الروح القدس، مع أنه هو مانح الروح القدس حتى يهبه لنا نحن إخوته الأعزَّاء. وأشار إلى ذلك بولس الرسول بالقول: "لأن المقدَّس والمقدَّسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة قائلاً: "أُخبر باسمك إخوتي" (عب 2: 12).
لذلك يصف الإنجيلي المسيح: "رجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس" (لو 4: 1) وأرجو ألا تنحرفوا عن جادة الحق ولا يُسيئكم القول بأن المسيح الكلمة تقدَّس، بل فكَّروا بالأولى في حكمة الفداء والخلاص، فإن المسيح تأنَّس وتجسَّد لا حبًا في تجنُّب ما اِختصَّ به الإنسان، بل شاركنا في إنسانيَّتنا حتى يزيدنا من غناه، ويشرِّفنا بعظمة مكانته فإن المسيح شاركنا في كل شيء ما عدا الخطيَّة.
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:38 pm
القدِّيس كيرلس الكبير
+ كان هدف ربَّنا يسوع المسيح في صومه وخلوته هو شفاؤنا من جاذبيَّة الشهوة، فلأجل الجميع قبِل أن يُجُرَّب من إبليس لنعرف كيف ننتصر نحن فيه.
+ جاء الرب ليعتمد لأنه صار للكل كل شيء (1 كو 9: 20). خضع للناموس لأجل الذين هم تحت الناموس، فاختتن ليكسب الذين تحت الناموس، وشارك الذين بلا ناموس في أكلهم ليربح الذين بلا ناموس. صار للضعفاء كضعيفٍ بالآلام التي تحمَّلها في جسده ليربحهم (2 كو 8: 9). فرحًا مع الفرحين، بكاءً مع الباكين (رو 12: 15)، جاع مع الجياع... كريمًا مع الأغنياء وسجينًا مع الفقير (إش 26: 20)، عطش مع السامريَّة (يو 4: 7)، وجاع في البرِّيَّة (مت 4: 6) ليُكفِّر بصومه عن سقوط آدم الأول الذي سبَّبه شهوة الطعام والتلذُّذ به، فشبع آدم من معرفة الخير والشر لضررنا، وجاع المسيح لفائدتنا.
القدِّيس أمبروسيوس
"وكان يُقتاد بالروح في البرِّيَّة،
أربعين يومًا يجُرَّب من إبليس،
ولم يأكل شيئًا في تلك الأيام،
ولما تمَّت جاع أخيرًا" [1-2].
+ سكن المسيح البرِّيَّة بالروح، أي روحيًا، وصام فلم يهب الجسم حاجاته الضروريَّة. قد يسأل أحدكم: وأي ضرر ينشأ إن سكن المسيح المدن على الدوام؟ وكيف اِستفاد المسيح من عيشته في البرِّيَّة، وهو لم يكن في حاجة إلى صلاح؟ ولمَ صام المسيح مع أنه لم يكن في حاجة إلى الصوم؟ فقد وُضعت هذه الفريضة لقتل اللذَّات والشهوات وإخضاع ناموس الخطيَّة الذي في داخلنا والمتملُّك على مختلف الانفعالات التي تبعث فينا شهوة الجسد الدنيئة؟ فهل كان المسيح في حاجة إلى الصوم، وهو الذي به قَتل الآب الخطيَّة في الجسد، حتى أن بولس الرسول الحكيم يقول: "لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه فيما كان ضعيفًا بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطيَّة، ولأجل الخطيَّة دان الخطيَّة في الجسد، لكي يتم حكم الناموس فينا، نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو 8: 3)؟
فالمسيح إذن دان الخطيَّة في الجسد ومحا الإثم الذي تمَلَّك الطبيعة البشريَّة رِدحًا من الزمن؟ مارس المسيح الصوم وهو مقدَّس ونقي بطبيعته لا عيب فيه ولا نقص ولا تغيير ولا ظل دوران! لمَ صام المسيح فاعتزل عيشة المدن وسكن البرِّيَّة وتحمَّل تعب الصوم؟ أن هذا العمل العظيم الذي قام به المسيح هو لتعليمنا يا أحبائي. فقد رسم لنا المسيح الخُطَّة التي يجب علينا انتهاجها، ومهَّد لنا طريقًا قويمًا نسير عليه، هذا الطريق الذي يسير فيه جماعة الرهبان المقدَّسين؟ وإلا كيف كان الناس يعشقون عيشة البراري، ويستفيدون من حياة العُزلة والانفراد ويرون فيها خلاصًا لنفوسهم وسلامًا لأرواحهم؟ إن جماعة الرهبان يهجرون العالم ليبتعدوا عن أمواجه الهائجة وعواصفه الثائرة، ويحرَّروا نفوسهم من الفوضى والاضطراب والغرور والشهوات، أو كما قال يوسف المغبوط يخلع الناس عنهم ما عليهم ليقدِّموا للعالم مقتنياته وممتلكاته. ويشير بولس الرسول إلى أولئك الذين تعوَّدوا العيشة مع المسيح:
"ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل 5: 24).
ويُضيف إلى ذلك قوله بأن عيشة الزهد لابد منها، وأن ثمار هذه العيشة الصوم والتحمُّل ونبذ الأطعمة قليلاً أو كثيرًا فإنه بذلك يمكن قهر الشيطان، ولكن لاحظوا أن المسيح عُمِّد أولاً ثم امتلأ بالروح القدس، وبعد ذلك سكن البرِّيَّة واتَّخذ الصوم سلاحًا له في محاربة إبليس وجنوده، وكل هذا لتعليمنا، حتى ننسج على منواله، ونحتذي منهجه، فعليكم بادئ ذي بدء أن تلبسوا خوذة الله، وتتمنطقوا بدِرع الإيمان، وتتمسَّكوا بصولجان الخلاص. يجب في بداية الأمر أن تُمنحوا قوَّة من الأعالي، وذلك عن طريق العماد المقدَّس، فيمكنكم بهذه أن تسلكوا حياة شريفة مع الله العظيم، ثم بشجاعة روحيَّة تعتزلون الناس للسكن في البراري، ثم تصومون صومًا مقدَّسا، فتقمعون أهواء الجسم، وتهزمون إبليس إذا ما أراد تجريبكم، ففي المسيح إذن نجد كل سلاح نتقوَّى به.
نعم يظهر المسيح بين المقاتلين فيَمنح الجائزة ويتوِّج المنتصرين بإكليل الفوز والغلبة. والآن فلنتأمَّل مصارعات المسيح مع إبليس؟ "صام أربعين يومًا، وجاع أخيرًا".
كيف يجوع المسيح وهو الذي يُشبعنا من دسم نعمته؟ أليس المسيح هو الخبز السماوي الذي نزل من السماء حتى لا يجوع من يتغذى منه؟ صام المسيح "وجاع" لأنه قَبِلَ أن يكون مثلنا، فكان لابد أن يتحمَّل ما يجب أن يتحمَّله إنسان بشري.
القدِّيس كيرلس الكبير
+ [يقدِّم لنا مقارنة بين تجرِبة آدم في الفردوس، وتجرِبة آدم الثاني في البرِّيَّة] لنتأمَّل كيف طُرد آدم الأول من الفردوس، ولنعرف كيف رجع آدم الثاني من البرِّيَّة إلى الفردوس، ولنتأمَّل أيضًا كيف تمَّ الإصلاح وبأي ترتيب حدث. وُلد آدم من أرض بكر، ووُلد المسيح من العذراء (البكر)، خُلق آدم على صورة الله، أما المسيح فهو صورة الله (الجوهريَّة). كان للأول سلطان على كل الحيوانات غير العاقلة، أما الثاني فله سلطان على كل شيء.
اتَّصفَت حواء بالتردُّد، واتَّصفت العذراء بالحكمة.
جاءت الشجرة بالموت، وجاء الصليب بالحياة.
كان الأول في الفردوس، أما المسيح فكان في البرِّيَّة، لكنه جاء ليبدِّد ضلال المحكوم عليه ويردُّه للفردوس...
لم يكن ممكنًا أن يتراجع الله عن حُكمه، فتمَّ حُكم الموت في واحد عوض الآخر.
إن كان آدم قد سقط وهو في الفردوس لعدم وجود الراعي، فكيف كان يمكنه أن يجد الطريق وهو في البرِّيَّة بلا راعٍ يقوده؟ ففي البرِّيَّة تكثر التجارب... ويسهل الانحدار نحو الخطيَّة...
أي راع يستطيع أن يعيننا أمام فِخاخ هذه الحياة وخِداعات إبليس "لكي نجاهد ليس ضد لحم ودم، بل ضد الرؤساء والسلاطين وأجناد الشر الروحيَّة في الهواء" (أف 6: 11)؟! هل يُرسل الله ملاكًا وقد سقط بعض الملائكة؟!... هل يرسل ساروفًا، هذا الذي نزل على الأرض وسط شعب نجِس الشِفتين (إش 6: 6)، لم يُطهِّر سوى شَفتيّ نبي واحد بجمرَّة من نار؟! إذن كان يلزم البحث عن راعٍ آخر نتبعه جميعنا؛ فمن هو هذا الراعي العظيم الذي يستطيع أن يهيئ الخير للجميع إلا ذاك الذي هو أعلى من الكل؟! من يرفعني فوق هذا العالم إلا مَن هو فوق العالم؟! من هو هذا الراعي العظيم الذي يستطيع بقيادة واحدة يرعى الرجل والمرأة، اليهودي واليوناني، أهل الختان وأهل الغُرلة، البربري والسكِّيثي (كو 3: 11)، العبد والحر، إلا ذاك الذي هو الكل في الكل؟!
الفخاخ كثيرة أينما ذهبنا، فخاخ الجسد، وفخاخ الناموس (حرفيَّته)، والفخاخ التي ينصبها إبليس على جناح الهيكل وعلى قمَّة الجبل، وفخاخ الفلسفات، وفِخاخ الشهوات، لأن العين الزانية هي فخْ الخاطئ (أم 7: 22)، وفِخاخ محبَّة العالم، وفِخاخ التديُّن (الرياء)، وفِخاخ في حياة الطهارة (احتقار سرّ الزواج)... غير أن أفضل طريقة تحطِّم هذه الفِخاخ هو عرض طُعم لإبليس لينقَضْ على فريسته فينطبق الفخْ عليه، عندئذ نستطيع أن نردِّد: "نصبوا لرجلي فخاخًا فسقطوا فيها" (مز 56: 7). ما هذا الطُعم إلا الجسد... فقد أخذ الرب جسد تواضعنا وضعفنا، ليُعطي فرصة للعدو أن يحاربه فينهزم العدو إبليس...
الآن المسيح في البرِّيَّة يقود الإنسان ويعلِّمه ويشكِّله ويدرِّبه ويدهنه بالمسحة المقدَّسة، وعندما يراه قويًا يقوده إلى المراعي الخضراء المخصبة... أخيرًا يقوده إلى البستان أثناء الآلام، كما هو مكتوب: "تكلَّم يسوع بهذا ثم خرج مع تلاميذه إلى جبل الزيتون، حيث كان بستان دخله مع تلاميذه" (يو 18: 1)... أخيرًا فإن إرجاع الإنسان بقوَّة الرب تؤكِّد لنا هذه الحقيقة التي أبرزها القدّيس لوقا بين كل البشريِّين، بتلك الكلمات التي قالها الرب للِّص: "أنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 44).
+ رجع يسوع ممتلئًا من الروح القدس إلى البرِّيَّة يتحدَّى إبليس، فلو لم يجُرِّبه إبليس لما اِنتصر الرب لأجلي بطريقة سِرِّيَّة، محرِّرا آدم من السبي.
القدِّيس أمبروسيوس
+ "لقد أُصعد يسوع إلى البرِّيَّة من الروح"، بلا شك من الروح القدس، ليس كمن هو مُلزم أو من هو أسير، إنما اُقتيد باشتياق إلى المعركة ليُصارع.
+ يسوع قائدنا سمح لنفسه بالتجربة حتى يُعلِّم أولاده كيف يحاربون.
القدِّيس أغسطينوس
أ. تجربة الخبز
إذ دخل السيِّد المسيح المعركة نيابة عنا، ليغلب باسمنا ولحسابنا، بدأت التجارب بتجربة الخبز، فقد طلب الشيطان من السيِّد المسيح أن يحول الحجر إلى خبز ليأكله في جوعه. من جانب فإن هذه التجربة تقابل تجربة آدم الأول الذي سقط في العصيان خلال الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. فجاء السيِّد صائمًا يقاوم العدُو ويغلبه رافضًا السماع له رغم إمكانيَّته من تحويل الحجر إلى خبز، كما حوّل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل. ومن جانب آخر فإن هذه التجربة سمح بها الرب ليُعلن أُبوَّة الشيطان المخادعة للخطاة، فإن الآب الحقيقي لا يقدِّم حجرًا إن طلب منه ابنه خبزًا كقول السيِّد المسيح (لو 11: 11)، أما هذا العدو فيقدِّم حجرًا عوض الخبز ليأكله الإنسان، فيحمل في أحشائه حجرًا قاسيًا!
ليتنا نرفض كل حجر يقدِّمه العدو فلا نأكله كخبز لننمو قساة القلب بلا حب ولا حنو!
يرى العلامة أوريجينوس أن الحجر الذي يقدِّمه العدو هو الهرطقات التي يقدِّمها العدُو كخبزٍ غاشٍ، فنظنَّها كلمة الله المشبعة.
"وقال له إبليس:
إن كنتَ ابن الله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزًا.
فأجابه يسوع، قائلاً:
"مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان،
بل بكل كلمة تخرج من فم الله" [3-4].
+ قفز إبليس إلى حيث كان المسيح، ونظر إلى الحجر وخاطب المسيح، قائلاً: "إن كنت ابن الله، فقلْ لهذا الحجر أن يصير خبزًا" (لو 4: 3). ترون أن إبليس يدنو من المسيح كإنسانٍ، كأحد القدِّيسين، ومع ذلك يرتاب في المسيح. لكن كيف سعى الشيطان ليتحقَّق من لاهوت المسيح؟ كان يعلم أنه لا يمكن تغيير طبيعة المادة إلى طبيعة أخرى تغايرها في الجوهر إلا بقوَّة إلهيَّة، فإما المسيح يُغيِّر المادة فيرتبك إبليس في أمره، أو يعجز عن القيام بهذا العمل، فيُسَر الشيطان لأنه لم يجد أمامه سوى إنسانًا ضعيفًا يمكن مقاومته.علم السيِّد المسيح ما كان يجول بخُلد إبليس، فلم يغيِّر الخبز ولم يعلن عجزه عن تغييره. اِنتهر المسيح الشيطان بالقول: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" (لو 4: 5). ومعنى ذلك أنه إذا منح الله الإنسان القوَّة أمكنه أن يحيا بدون أكل، وعاش كما عاش موسى وإيليَّا بقوَّة أربعين يومًا ولم يذوقا شيئًا، فإذًا استطاع المسيح أن يعيش بدون
+ كان هدف ربَّنا يسوع المسيح في صومه وخلوته هو شفاؤنا من جاذبيَّة الشهوة، فلأجل الجميع قبِل أن يُجُرَّب من إبليس لنعرف كيف ننتصر نحن فيه.
+ جاء الرب ليعتمد لأنه صار للكل كل شيء (1 كو 9: 20). خضع للناموس لأجل الذين هم تحت الناموس، فاختتن ليكسب الذين تحت الناموس، وشارك الذين بلا ناموس في أكلهم ليربح الذين بلا ناموس. صار للضعفاء كضعيفٍ بالآلام التي تحمَّلها في جسده ليربحهم (2 كو 8: 9). فرحًا مع الفرحين، بكاءً مع الباكين (رو 12: 15)، جاع مع الجياع... كريمًا مع الأغنياء وسجينًا مع الفقير (إش 26: 20)، عطش مع السامريَّة (يو 4: 7)، وجاع في البرِّيَّة (مت 4: 6) ليُكفِّر بصومه عن سقوط آدم الأول الذي سبَّبه شهوة الطعام والتلذُّذ به، فشبع آدم من معرفة الخير والشر لضررنا، وجاع المسيح لفائدتنا.
القدِّيس أمبروسيوس
"وكان يُقتاد بالروح في البرِّيَّة،
أربعين يومًا يجُرَّب من إبليس،
ولم يأكل شيئًا في تلك الأيام،
ولما تمَّت جاع أخيرًا" [1-2].
+ سكن المسيح البرِّيَّة بالروح، أي روحيًا، وصام فلم يهب الجسم حاجاته الضروريَّة. قد يسأل أحدكم: وأي ضرر ينشأ إن سكن المسيح المدن على الدوام؟ وكيف اِستفاد المسيح من عيشته في البرِّيَّة، وهو لم يكن في حاجة إلى صلاح؟ ولمَ صام المسيح مع أنه لم يكن في حاجة إلى الصوم؟ فقد وُضعت هذه الفريضة لقتل اللذَّات والشهوات وإخضاع ناموس الخطيَّة الذي في داخلنا والمتملُّك على مختلف الانفعالات التي تبعث فينا شهوة الجسد الدنيئة؟ فهل كان المسيح في حاجة إلى الصوم، وهو الذي به قَتل الآب الخطيَّة في الجسد، حتى أن بولس الرسول الحكيم يقول: "لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه فيما كان ضعيفًا بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطيَّة، ولأجل الخطيَّة دان الخطيَّة في الجسد، لكي يتم حكم الناموس فينا، نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو 8: 3)؟
فالمسيح إذن دان الخطيَّة في الجسد ومحا الإثم الذي تمَلَّك الطبيعة البشريَّة رِدحًا من الزمن؟ مارس المسيح الصوم وهو مقدَّس ونقي بطبيعته لا عيب فيه ولا نقص ولا تغيير ولا ظل دوران! لمَ صام المسيح فاعتزل عيشة المدن وسكن البرِّيَّة وتحمَّل تعب الصوم؟ أن هذا العمل العظيم الذي قام به المسيح هو لتعليمنا يا أحبائي. فقد رسم لنا المسيح الخُطَّة التي يجب علينا انتهاجها، ومهَّد لنا طريقًا قويمًا نسير عليه، هذا الطريق الذي يسير فيه جماعة الرهبان المقدَّسين؟ وإلا كيف كان الناس يعشقون عيشة البراري، ويستفيدون من حياة العُزلة والانفراد ويرون فيها خلاصًا لنفوسهم وسلامًا لأرواحهم؟ إن جماعة الرهبان يهجرون العالم ليبتعدوا عن أمواجه الهائجة وعواصفه الثائرة، ويحرَّروا نفوسهم من الفوضى والاضطراب والغرور والشهوات، أو كما قال يوسف المغبوط يخلع الناس عنهم ما عليهم ليقدِّموا للعالم مقتنياته وممتلكاته. ويشير بولس الرسول إلى أولئك الذين تعوَّدوا العيشة مع المسيح:
"ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل 5: 24).
ويُضيف إلى ذلك قوله بأن عيشة الزهد لابد منها، وأن ثمار هذه العيشة الصوم والتحمُّل ونبذ الأطعمة قليلاً أو كثيرًا فإنه بذلك يمكن قهر الشيطان، ولكن لاحظوا أن المسيح عُمِّد أولاً ثم امتلأ بالروح القدس، وبعد ذلك سكن البرِّيَّة واتَّخذ الصوم سلاحًا له في محاربة إبليس وجنوده، وكل هذا لتعليمنا، حتى ننسج على منواله، ونحتذي منهجه، فعليكم بادئ ذي بدء أن تلبسوا خوذة الله، وتتمنطقوا بدِرع الإيمان، وتتمسَّكوا بصولجان الخلاص. يجب في بداية الأمر أن تُمنحوا قوَّة من الأعالي، وذلك عن طريق العماد المقدَّس، فيمكنكم بهذه أن تسلكوا حياة شريفة مع الله العظيم، ثم بشجاعة روحيَّة تعتزلون الناس للسكن في البراري، ثم تصومون صومًا مقدَّسا، فتقمعون أهواء الجسم، وتهزمون إبليس إذا ما أراد تجريبكم، ففي المسيح إذن نجد كل سلاح نتقوَّى به.
نعم يظهر المسيح بين المقاتلين فيَمنح الجائزة ويتوِّج المنتصرين بإكليل الفوز والغلبة. والآن فلنتأمَّل مصارعات المسيح مع إبليس؟ "صام أربعين يومًا، وجاع أخيرًا".
كيف يجوع المسيح وهو الذي يُشبعنا من دسم نعمته؟ أليس المسيح هو الخبز السماوي الذي نزل من السماء حتى لا يجوع من يتغذى منه؟ صام المسيح "وجاع" لأنه قَبِلَ أن يكون مثلنا، فكان لابد أن يتحمَّل ما يجب أن يتحمَّله إنسان بشري.
القدِّيس كيرلس الكبير
+ [يقدِّم لنا مقارنة بين تجرِبة آدم في الفردوس، وتجرِبة آدم الثاني في البرِّيَّة] لنتأمَّل كيف طُرد آدم الأول من الفردوس، ولنعرف كيف رجع آدم الثاني من البرِّيَّة إلى الفردوس، ولنتأمَّل أيضًا كيف تمَّ الإصلاح وبأي ترتيب حدث. وُلد آدم من أرض بكر، ووُلد المسيح من العذراء (البكر)، خُلق آدم على صورة الله، أما المسيح فهو صورة الله (الجوهريَّة). كان للأول سلطان على كل الحيوانات غير العاقلة، أما الثاني فله سلطان على كل شيء.
اتَّصفَت حواء بالتردُّد، واتَّصفت العذراء بالحكمة.
جاءت الشجرة بالموت، وجاء الصليب بالحياة.
كان الأول في الفردوس، أما المسيح فكان في البرِّيَّة، لكنه جاء ليبدِّد ضلال المحكوم عليه ويردُّه للفردوس...
لم يكن ممكنًا أن يتراجع الله عن حُكمه، فتمَّ حُكم الموت في واحد عوض الآخر.
إن كان آدم قد سقط وهو في الفردوس لعدم وجود الراعي، فكيف كان يمكنه أن يجد الطريق وهو في البرِّيَّة بلا راعٍ يقوده؟ ففي البرِّيَّة تكثر التجارب... ويسهل الانحدار نحو الخطيَّة...
أي راع يستطيع أن يعيننا أمام فِخاخ هذه الحياة وخِداعات إبليس "لكي نجاهد ليس ضد لحم ودم، بل ضد الرؤساء والسلاطين وأجناد الشر الروحيَّة في الهواء" (أف 6: 11)؟! هل يُرسل الله ملاكًا وقد سقط بعض الملائكة؟!... هل يرسل ساروفًا، هذا الذي نزل على الأرض وسط شعب نجِس الشِفتين (إش 6: 6)، لم يُطهِّر سوى شَفتيّ نبي واحد بجمرَّة من نار؟! إذن كان يلزم البحث عن راعٍ آخر نتبعه جميعنا؛ فمن هو هذا الراعي العظيم الذي يستطيع أن يهيئ الخير للجميع إلا ذاك الذي هو أعلى من الكل؟! من يرفعني فوق هذا العالم إلا مَن هو فوق العالم؟! من هو هذا الراعي العظيم الذي يستطيع بقيادة واحدة يرعى الرجل والمرأة، اليهودي واليوناني، أهل الختان وأهل الغُرلة، البربري والسكِّيثي (كو 3: 11)، العبد والحر، إلا ذاك الذي هو الكل في الكل؟!
الفخاخ كثيرة أينما ذهبنا، فخاخ الجسد، وفخاخ الناموس (حرفيَّته)، والفخاخ التي ينصبها إبليس على جناح الهيكل وعلى قمَّة الجبل، وفخاخ الفلسفات، وفِخاخ الشهوات، لأن العين الزانية هي فخْ الخاطئ (أم 7: 22)، وفِخاخ محبَّة العالم، وفِخاخ التديُّن (الرياء)، وفِخاخ في حياة الطهارة (احتقار سرّ الزواج)... غير أن أفضل طريقة تحطِّم هذه الفِخاخ هو عرض طُعم لإبليس لينقَضْ على فريسته فينطبق الفخْ عليه، عندئذ نستطيع أن نردِّد: "نصبوا لرجلي فخاخًا فسقطوا فيها" (مز 56: 7). ما هذا الطُعم إلا الجسد... فقد أخذ الرب جسد تواضعنا وضعفنا، ليُعطي فرصة للعدو أن يحاربه فينهزم العدو إبليس...
الآن المسيح في البرِّيَّة يقود الإنسان ويعلِّمه ويشكِّله ويدرِّبه ويدهنه بالمسحة المقدَّسة، وعندما يراه قويًا يقوده إلى المراعي الخضراء المخصبة... أخيرًا يقوده إلى البستان أثناء الآلام، كما هو مكتوب: "تكلَّم يسوع بهذا ثم خرج مع تلاميذه إلى جبل الزيتون، حيث كان بستان دخله مع تلاميذه" (يو 18: 1)... أخيرًا فإن إرجاع الإنسان بقوَّة الرب تؤكِّد لنا هذه الحقيقة التي أبرزها القدّيس لوقا بين كل البشريِّين، بتلك الكلمات التي قالها الرب للِّص: "أنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 44).
+ رجع يسوع ممتلئًا من الروح القدس إلى البرِّيَّة يتحدَّى إبليس، فلو لم يجُرِّبه إبليس لما اِنتصر الرب لأجلي بطريقة سِرِّيَّة، محرِّرا آدم من السبي.
القدِّيس أمبروسيوس
+ "لقد أُصعد يسوع إلى البرِّيَّة من الروح"، بلا شك من الروح القدس، ليس كمن هو مُلزم أو من هو أسير، إنما اُقتيد باشتياق إلى المعركة ليُصارع.
القدِّيس جيروم
+ يسوع قائدنا سمح لنفسه بالتجربة حتى يُعلِّم أولاده كيف يحاربون.
القدِّيس أغسطينوس
أ. تجربة الخبز
إذ دخل السيِّد المسيح المعركة نيابة عنا، ليغلب باسمنا ولحسابنا، بدأت التجارب بتجربة الخبز، فقد طلب الشيطان من السيِّد المسيح أن يحول الحجر إلى خبز ليأكله في جوعه. من جانب فإن هذه التجربة تقابل تجربة آدم الأول الذي سقط في العصيان خلال الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. فجاء السيِّد صائمًا يقاوم العدُو ويغلبه رافضًا السماع له رغم إمكانيَّته من تحويل الحجر إلى خبز، كما حوّل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل. ومن جانب آخر فإن هذه التجربة سمح بها الرب ليُعلن أُبوَّة الشيطان المخادعة للخطاة، فإن الآب الحقيقي لا يقدِّم حجرًا إن طلب منه ابنه خبزًا كقول السيِّد المسيح (لو 11: 11)، أما هذا العدو فيقدِّم حجرًا عوض الخبز ليأكله الإنسان، فيحمل في أحشائه حجرًا قاسيًا!
ليتنا نرفض كل حجر يقدِّمه العدو فلا نأكله كخبز لننمو قساة القلب بلا حب ولا حنو!
يرى العلامة أوريجينوس أن الحجر الذي يقدِّمه العدو هو الهرطقات التي يقدِّمها العدُو كخبزٍ غاشٍ، فنظنَّها كلمة الله المشبعة.
"وقال له إبليس:
إن كنتَ ابن الله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزًا.
فأجابه يسوع، قائلاً:
"مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان،
بل بكل كلمة تخرج من فم الله" [3-4].
+ قفز إبليس إلى حيث كان المسيح، ونظر إلى الحجر وخاطب المسيح، قائلاً: "إن كنت ابن الله، فقلْ لهذا الحجر أن يصير خبزًا" (لو 4: 3). ترون أن إبليس يدنو من المسيح كإنسانٍ، كأحد القدِّيسين، ومع ذلك يرتاب في المسيح. لكن كيف سعى الشيطان ليتحقَّق من لاهوت المسيح؟ كان يعلم أنه لا يمكن تغيير طبيعة المادة إلى طبيعة أخرى تغايرها في الجوهر إلا بقوَّة إلهيَّة، فإما المسيح يُغيِّر المادة فيرتبك إبليس في أمره، أو يعجز عن القيام بهذا العمل، فيُسَر الشيطان لأنه لم يجد أمامه سوى إنسانًا ضعيفًا يمكن مقاومته.علم السيِّد المسيح ما كان يجول بخُلد إبليس، فلم يغيِّر الخبز ولم يعلن عجزه عن تغييره. اِنتهر المسيح الشيطان بالقول: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" (لو 4: 5). ومعنى ذلك أنه إذا منح الله الإنسان القوَّة أمكنه أن يحيا بدون أكل، وعاش كما عاش موسى وإيليَّا بقوَّة أربعين يومًا ولم يذوقا شيئًا، فإذًا استطاع المسيح أن يعيش بدون
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:39 pm
طعام، فلم يحوِّل الحجر خبزًا إلا أن المسيح لم يقل قط أنه "لا يستطيع ذلك" حتى لا يتطرَّق الشك بأنه إنسان لا إله، ولم يقل أستطيع ذلك لئلا يتركه الشيطان وشأنه، وكان المسيح يريد تعليمنا دروسًا أخرى.
لاحظوا يا أحبائي كيف أن طبيعة المسيح نبذَت شراهة آدم ونهمه، فبأكل آدم غُلبنا، وبزهد المسيح انتصرنا.
الجسم يأكل ما تُخرجه الأرض من دسم، أما النفس العاقلة فطعامها كلمة الله الخالدة. فإن الخبز الذي تجود به الأرض يُغذي جسمًا عناصره هي عناصر الخبز الأرضي، أما الخبز السماوي الذي يبعث به الله من فوق يُغذِّي النفس الباقية. هذا هو الخبز السماوي الذي يتغذَّى به جمهور الملائكة.
القدِّيس كيرلس الكبير
+ ينكشف لنا من هذه التجربة أن لإبليس ثلاثة سهام اعتاد أن يستخدمها ليجْرح قلب الإنسان: شهوة الأكل، المجد الباطل، الطمع! (يبدأ من حيث اِنتصر إبليس) هكذا تبدأ نُصرتي في المسيح من حيث غلبني إبليس في آدم...
يقول: "إن كنتَ ابن الله"، فقد كان إبليس يعلم تمامًا أنه ينبغي أن يأتي ابن الله، لكنه لم يكن يعتقد أنه يأتي في ضعف، لهذا أراد أن يتأكَّد ثم يُجرِّبه بعد ذلك...
انظروا أسلحة المسيح التي بها اِنتصر من أجلكم وليس لأجل نفسه، فإنه قادر أن يحوِّل العناصر (كما في عرس قانا الجليل)، لكنه يعلِّمنا ألا نطيع إبليس في شيء، ولا لإظهار قوَّتَك. لنعرف أيضًا من هذه التجربة مهارة إبليس الخادعة فهو يجُرِّب ليتأكَّد من الحقيقة ليخترق الإنسان ويُجرِّبه... ولم يستخدم الرب سلطانه كإله وإلا فإننا لم نكن نجني فائدة، إنما استخدم الإمكانيَّة العامة وهي استخدام كلام الله.
القدِّيس أمبروسيوس
+ قل لهذا "الحجر"، أي حجر هو هذا؟ بلا شك الحجر الذي كان إبليس يريه إيّاه طالبًا أن يحوِّله إلى خبز. إذن ما هي التجربة؟...
الشيطان العدو المخادع يقدِّم حجرًا عوض الخبز (لو 11: 11). هذا ما يريده الشيطان أن يتحوَّل الحجر إلى خبز، فينمو الناس لا على الخبز، وإنما على الحجر الذي يُريه الشيطان على شكل خبز. وإنني اعتقد أن الشيطان لا يزال يُرينا الحجر ويقول لكل أحد: "قل لهذا الحجر أن يصير خبزًا..." فإن رأيت الهراطقة يأكلون تعاليمهم الكاذبة كخبزٍ، فاِعلم أن مناقشاتهم وتعاليمهم هي الحجر الذي يُظهره الشيطان لنأكله كخبز...
لنسهر إذن ولا نأكل حجارة الشيطان ظانِّين أننا ننمو بخبز الرب...
+ يخضع الجسد لتجربة الجوع لتُعطى فرصة لإبليس كي يجُرِّبه.
+ تأكَّد تمامًا أن العدو يهاجم القلب عن طريق امتلاء البطن.
الأب يوحنا من كرونستادت
ب. تجربة الصليب
في التجربة السابقة أراد إبليس أن يقدِّم للسيِّد الحجر خبزًا، لكن السيِّد رفض تحويل الحجر خبزًا، مقدَّما نفسه "الخبز الحيّ النازل من السماء" شبعًا لمؤمنيه. والآن إذ كان إبليس يعلم أن المسّيا القادم يملك إلى الأبد خلال الصليب والألم. أراه ممالك العالم ليملُك، لكن ليس خلال الصليب، وإنما خلال الطريق السهل والباب الواسع وهو "السجود لإبليس نفسه". رفض المسيح بهذا الطريق الواسع الرحب بقوَّة، فتح لنا الباب لنملُك نحن أيضًا معه خلال آلامه لا خلال الشر.
v يريد ابن الله كما ضد المسيح أن يملُكا، لكن ضد المسيح يريد أن يملك ليُهلك من له، أما المسيح فيملُك ليخلِّص (بالصليب). فمن كان فينا أمينًا يملُك المسيح عليه بكلمته وبالحكمة والعدل والحق؛ أما إذا فضَّلنا الشهوة عن الله فتملُك الخطيَّة علينا، حيث يقول الرسول: "إذًا لا تملُكنَّ الخطيَّة في جسدكم المائت" (رو 6: 12).
إذن ملِكان يبادران لكي يملُكا، تملُك الخطيَّة أو الشيطان على الأشرار، ويملُك العدل أو المسيح على الأبرار.
إذ كان إبليس يعلم أن المسيح جاء ليغتصب ملكوته، ويُخضع لقوته وسلطانه أولئك الذي كانوا قبلاً خاضعين للمخادع، "أراه جميع ممالك المسكونة" وكل سكان العالم، أراه كيف يملك على الواحد بالشهوة، وعلى الآخر بالبُخل، وثالث بحب المجد الباطل، ويأسِر آخرين خلال جاذبيَّة الجمال... وكأن الشيطان يقول له: أتريد أن تملك على كل الخليقة؟! وأراه الجموع غير المحصية التي تخضع له، والحق يُقال لو قبلنا أن نعرف في بساطة بؤسنا ونُدرك مصيبتنا لوجدنا الشيطان يملك في معظم العالم، لذلك يسمِّيه الرب "رئيس هذا العالم" (يو 12: 31؛ 16: 11). وعندما يقول إبليس ليسوع: أترى جميع الشعب الخاضع لسلطاني؟ يكون قد أراه ذلك "في لحظة من الزمان"، إذ يحسب الوقت الحالي لحظة أن قورن بالأبديَّة... حينئذ قال إبليس للرب: أجئت لتصارع ضدِّي، وتنزع عنِّي كل الذين هم تحت سلطاني؟ لا، لا تحاول أن تقارن نفسك بي، ولا تعرض نفسك لصعاب هذه المعركة. انظر كل ما أطلبه منك، "إن سجدت أمامي يكون لك الجميع".
بدون شك يريد ربَّنا ومخلِّصنا أن يملك، لكن بالعدل والحق وكل فضيلة... لا يريد أن يكلَّل كملكٍ بدون تعب (الصليب)...
أجابه الرب قائلاً: "مكتوب للرب إلهك تسجد، وإيّاه وحده تعبد" (تث 6: 13). إرادتي هي أن يكون الكل لي يعبدونني، ولا يسجدون لغيري. هذه هي الرغبة الملوكيَّة. أتريدني أن أخطئ أنا الذي جئت لأبيد الخطيَّة وأُحرَّر الناس منها؟!
لنفرح ولنبتهج نحن إذ صرنا له، ولنُصَلِ إليه ليقتل الخطيَّة التي ملَكت في أجسادنا (رو 6: 6) فيملك وحده علينا.
العلامة أوريجينوس
+ "وأراه جميع ممالك المسكونة" [5] كيف تجرؤ أيها الشيطان المارد اللعين فتُري السيِّد ممالك العالم وتخاطبه بالقول: "لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن... إن سجدتَ أمامي" (لو 4: 6)؟ كيف تعد بأن تهب ما ليس لك؟! من الذي نصَّبك وارثًا على مملكة الله؟! ؟إنك اِغتصبت هذه الممالك غشًا وزورًا، فرُد ما اغتصبته إلى الابن المتجسِّد رب العالم بأسره، واسمع ما يصرح به النبي إشعياء ضد إبليس وجنوده: "لأن تُفتة مرتَّبة منذ الأمس مهيَّأة، هي أيضًا للملِكِ عميقة واسعة، كومتها نار وحطب بكثرة، نفخة الرب كنهر كبريت توقدها" (إش 30: 33).
فكيف تتقدَّم أيها الشيطان، ونصيبك الهاويَّة السحيقة مِلكًا؟... وكيف يسجد السيِّد لك، والسيرافيم وجميع طغمات الملائكة لا يغفلون طرفة عين عن التسبيح لاسمه لأنه مكتوب: "للرب إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد" (لو 4: 8)؟!
حقًا لقد أصابت هذه الآية مقتلاً من إبليس لأنه كان قبل نزول المسيح ومجيئه يخدع كل الذين تظلِّلهم القبَّة الزرقاء، فتجثو له كل ركبة، أما وقد جاء المسيح فقد شاءت رحمته أن يرجع الناس عن غلوائهم ويقدِّموا له السجود والعبادة والإكرام.
القدِّيس كيرلس الكبير
+ ليس العيب في السلطان في ذاته، وإنما في الطمع الباطل، وعلى هذا فإن تأسيس السلطان يأتي من قِِبل الله، ومن يستعمله يكون سفيرًا لله بكونه خادم الله للصلاح (رو 13: 3-4). العمل في ذاته ليس خطيَّة، لكن العيب في الذي ينفِّذه... يجب أن نميِّز بين الاستخدام الصالح للسلطان والاستخدام الطالح...
القدِّيس أمبروسيوس
+ أراه مجد العالم على قمَّة جبل، هذا الذي يزول، أما المخلِّص فنزل إلى الأماكن السفليَّة ليهزم إبليس بالتواضع.
القدِّيس جيروم
+ أعلن الرب أن الشيطان كذَّاب من البدء، وليس فيه الحق (يو 8: 44)، وبكونه كذَّابًا وليس فيه الحق فإنه لا ينطق بالحق بل بالكذب، عندما قال: "إليّ قد دُفع وأنا أعطيه لمن يريد" (لو 4: 6).
لاحظوا يا أحبائي كيف أن طبيعة المسيح نبذَت شراهة آدم ونهمه، فبأكل آدم غُلبنا، وبزهد المسيح انتصرنا.
الجسم يأكل ما تُخرجه الأرض من دسم، أما النفس العاقلة فطعامها كلمة الله الخالدة. فإن الخبز الذي تجود به الأرض يُغذي جسمًا عناصره هي عناصر الخبز الأرضي، أما الخبز السماوي الذي يبعث به الله من فوق يُغذِّي النفس الباقية. هذا هو الخبز السماوي الذي يتغذَّى به جمهور الملائكة.
القدِّيس كيرلس الكبير
+ ينكشف لنا من هذه التجربة أن لإبليس ثلاثة سهام اعتاد أن يستخدمها ليجْرح قلب الإنسان: شهوة الأكل، المجد الباطل، الطمع! (يبدأ من حيث اِنتصر إبليس) هكذا تبدأ نُصرتي في المسيح من حيث غلبني إبليس في آدم...
يقول: "إن كنتَ ابن الله"، فقد كان إبليس يعلم تمامًا أنه ينبغي أن يأتي ابن الله، لكنه لم يكن يعتقد أنه يأتي في ضعف، لهذا أراد أن يتأكَّد ثم يُجرِّبه بعد ذلك...
انظروا أسلحة المسيح التي بها اِنتصر من أجلكم وليس لأجل نفسه، فإنه قادر أن يحوِّل العناصر (كما في عرس قانا الجليل)، لكنه يعلِّمنا ألا نطيع إبليس في شيء، ولا لإظهار قوَّتَك. لنعرف أيضًا من هذه التجربة مهارة إبليس الخادعة فهو يجُرِّب ليتأكَّد من الحقيقة ليخترق الإنسان ويُجرِّبه... ولم يستخدم الرب سلطانه كإله وإلا فإننا لم نكن نجني فائدة، إنما استخدم الإمكانيَّة العامة وهي استخدام كلام الله.
القدِّيس أمبروسيوس
+ قل لهذا "الحجر"، أي حجر هو هذا؟ بلا شك الحجر الذي كان إبليس يريه إيّاه طالبًا أن يحوِّله إلى خبز. إذن ما هي التجربة؟...
الشيطان العدو المخادع يقدِّم حجرًا عوض الخبز (لو 11: 11). هذا ما يريده الشيطان أن يتحوَّل الحجر إلى خبز، فينمو الناس لا على الخبز، وإنما على الحجر الذي يُريه الشيطان على شكل خبز. وإنني اعتقد أن الشيطان لا يزال يُرينا الحجر ويقول لكل أحد: "قل لهذا الحجر أن يصير خبزًا..." فإن رأيت الهراطقة يأكلون تعاليمهم الكاذبة كخبزٍ، فاِعلم أن مناقشاتهم وتعاليمهم هي الحجر الذي يُظهره الشيطان لنأكله كخبز...
لنسهر إذن ولا نأكل حجارة الشيطان ظانِّين أننا ننمو بخبز الرب...
العلامة أوريجينوس
+ يخضع الجسد لتجربة الجوع لتُعطى فرصة لإبليس كي يجُرِّبه.
القدِّيس جيروم
+ تأكَّد تمامًا أن العدو يهاجم القلب عن طريق امتلاء البطن.
الأب يوحنا من كرونستادت
ب. تجربة الصليب
في التجربة السابقة أراد إبليس أن يقدِّم للسيِّد الحجر خبزًا، لكن السيِّد رفض تحويل الحجر خبزًا، مقدَّما نفسه "الخبز الحيّ النازل من السماء" شبعًا لمؤمنيه. والآن إذ كان إبليس يعلم أن المسّيا القادم يملك إلى الأبد خلال الصليب والألم. أراه ممالك العالم ليملُك، لكن ليس خلال الصليب، وإنما خلال الطريق السهل والباب الواسع وهو "السجود لإبليس نفسه". رفض المسيح بهذا الطريق الواسع الرحب بقوَّة، فتح لنا الباب لنملُك نحن أيضًا معه خلال آلامه لا خلال الشر.
v يريد ابن الله كما ضد المسيح أن يملُكا، لكن ضد المسيح يريد أن يملك ليُهلك من له، أما المسيح فيملُك ليخلِّص (بالصليب). فمن كان فينا أمينًا يملُك المسيح عليه بكلمته وبالحكمة والعدل والحق؛ أما إذا فضَّلنا الشهوة عن الله فتملُك الخطيَّة علينا، حيث يقول الرسول: "إذًا لا تملُكنَّ الخطيَّة في جسدكم المائت" (رو 6: 12).
إذن ملِكان يبادران لكي يملُكا، تملُك الخطيَّة أو الشيطان على الأشرار، ويملُك العدل أو المسيح على الأبرار.
إذ كان إبليس يعلم أن المسيح جاء ليغتصب ملكوته، ويُخضع لقوته وسلطانه أولئك الذي كانوا قبلاً خاضعين للمخادع، "أراه جميع ممالك المسكونة" وكل سكان العالم، أراه كيف يملك على الواحد بالشهوة، وعلى الآخر بالبُخل، وثالث بحب المجد الباطل، ويأسِر آخرين خلال جاذبيَّة الجمال... وكأن الشيطان يقول له: أتريد أن تملك على كل الخليقة؟! وأراه الجموع غير المحصية التي تخضع له، والحق يُقال لو قبلنا أن نعرف في بساطة بؤسنا ونُدرك مصيبتنا لوجدنا الشيطان يملك في معظم العالم، لذلك يسمِّيه الرب "رئيس هذا العالم" (يو 12: 31؛ 16: 11). وعندما يقول إبليس ليسوع: أترى جميع الشعب الخاضع لسلطاني؟ يكون قد أراه ذلك "في لحظة من الزمان"، إذ يحسب الوقت الحالي لحظة أن قورن بالأبديَّة... حينئذ قال إبليس للرب: أجئت لتصارع ضدِّي، وتنزع عنِّي كل الذين هم تحت سلطاني؟ لا، لا تحاول أن تقارن نفسك بي، ولا تعرض نفسك لصعاب هذه المعركة. انظر كل ما أطلبه منك، "إن سجدت أمامي يكون لك الجميع".
بدون شك يريد ربَّنا ومخلِّصنا أن يملك، لكن بالعدل والحق وكل فضيلة... لا يريد أن يكلَّل كملكٍ بدون تعب (الصليب)...
أجابه الرب قائلاً: "مكتوب للرب إلهك تسجد، وإيّاه وحده تعبد" (تث 6: 13). إرادتي هي أن يكون الكل لي يعبدونني، ولا يسجدون لغيري. هذه هي الرغبة الملوكيَّة. أتريدني أن أخطئ أنا الذي جئت لأبيد الخطيَّة وأُحرَّر الناس منها؟!
لنفرح ولنبتهج نحن إذ صرنا له، ولنُصَلِ إليه ليقتل الخطيَّة التي ملَكت في أجسادنا (رو 6: 6) فيملك وحده علينا.
العلامة أوريجينوس
+ "وأراه جميع ممالك المسكونة" [5] كيف تجرؤ أيها الشيطان المارد اللعين فتُري السيِّد ممالك العالم وتخاطبه بالقول: "لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن... إن سجدتَ أمامي" (لو 4: 6)؟ كيف تعد بأن تهب ما ليس لك؟! من الذي نصَّبك وارثًا على مملكة الله؟! ؟إنك اِغتصبت هذه الممالك غشًا وزورًا، فرُد ما اغتصبته إلى الابن المتجسِّد رب العالم بأسره، واسمع ما يصرح به النبي إشعياء ضد إبليس وجنوده: "لأن تُفتة مرتَّبة منذ الأمس مهيَّأة، هي أيضًا للملِكِ عميقة واسعة، كومتها نار وحطب بكثرة، نفخة الرب كنهر كبريت توقدها" (إش 30: 33).
فكيف تتقدَّم أيها الشيطان، ونصيبك الهاويَّة السحيقة مِلكًا؟... وكيف يسجد السيِّد لك، والسيرافيم وجميع طغمات الملائكة لا يغفلون طرفة عين عن التسبيح لاسمه لأنه مكتوب: "للرب إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد" (لو 4: 8)؟!
حقًا لقد أصابت هذه الآية مقتلاً من إبليس لأنه كان قبل نزول المسيح ومجيئه يخدع كل الذين تظلِّلهم القبَّة الزرقاء، فتجثو له كل ركبة، أما وقد جاء المسيح فقد شاءت رحمته أن يرجع الناس عن غلوائهم ويقدِّموا له السجود والعبادة والإكرام.
القدِّيس كيرلس الكبير
+ ليس العيب في السلطان في ذاته، وإنما في الطمع الباطل، وعلى هذا فإن تأسيس السلطان يأتي من قِِبل الله، ومن يستعمله يكون سفيرًا لله بكونه خادم الله للصلاح (رو 13: 3-4). العمل في ذاته ليس خطيَّة، لكن العيب في الذي ينفِّذه... يجب أن نميِّز بين الاستخدام الصالح للسلطان والاستخدام الطالح...
القدِّيس أمبروسيوس
+ أراه مجد العالم على قمَّة جبل، هذا الذي يزول، أما المخلِّص فنزل إلى الأماكن السفليَّة ليهزم إبليس بالتواضع.
القدِّيس جيروم
+ أعلن الرب أن الشيطان كذَّاب من البدء، وليس فيه الحق (يو 8: 44)، وبكونه كذَّابًا وليس فيه الحق فإنه لا ينطق بالحق بل بالكذب، عندما قال: "إليّ قد دُفع وأنا أعطيه لمن يريد" (لو 4: 6).
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:39 pm
+ لقد كذب الشيطان في البداية وبقي في كذبه حتى النهاية، فإنه ليس هو الذي يقيم ممالك هذا العالم بل الله إذ "قلْب الملك في يد الله" (أم 21: 1). كما يقول الكلمة خلال سليمان: "بي تملك الملوك وتقضي العظماء عدلاً، بي تترآس الرؤساء والشرفاء وكل قضاة (ملوك) الأرض" (أم 8: 15).
+ لقد فضحه الرب كاشفًا حقيقة شخصيَّته، إذ قال له: "اذهب يا شيطان" [8]... مُظهرًا ذلك من ذات اسمه، فإن كلمة "شيطان" في العبريَّة تعني "مرتد".
القدِّيس إيريناؤس
ج. تجربة في المقدَّسات
إن كان عدو الخير إبليس قد حاول أن يُجرِّب "يسوع" في لقمة العيش بتحويل الحجر إلى خبزٍ، وقد فشل إذ قدَّم السيِّد المسيح نفسه خبزًا حقيقيًا يُنعش النفس وينزع عنها طبيعتها الحجريَّة، وفي التجربة السابقة أراد تحطيم هدفه بفتح طريق سهل وقصير لكي يملك دون الحاجة إلى صليب، لكن الرب أصرَّ ألا يقبل إلا أن يدخل دائرة الصليب. أما التجربة التي بين أيدينا فتمس العبادة ذاتها، إذ تمّت في أورشليم على جناح الهيكل، وقدَّم الشيطان عبارة من الكتاب المقدَّس: "لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك، وأنهم على أياديهم يحملونك، لكي لا تصدم بحجر رجلك" [10-11]، سائلاً إيّاه أن يطرح نفسه من جناح الهيكل إلى أسفل.
هذه التجربة يتعرَّض لها بالأكثر الرعاة والخدَّام والمتديِّنون، فإن عدو الخير يحاربهم في أورشليم في هيكل الرب، يقدِّم لهم كلمات الكتاب المقدَّس مشوَّهة سواء في بعض كلماتها أو في فهمها ليحوِّل عبادتهم إلى شكليَّات واستعراضات ورياء، طالبًا منهم عوض أن يصعدوا منطلقين نحو السماويَّات أن ينطرحوا من جناح الهيكل إلى أسفل، إذ يحدرهم الشكل أو الرياء عن غايتهم الحقَّة.
+ لنلاحظ بداية هذا الإنجيل الذي سمعناه اليوم، ولنضع في النور الأمور المخفية فيه "جاء (إبليس) به إلى أورشليم"، الأمر الذي يبدو غير مُصدق أن إبليس يقود ابن الله، وهو يتبعه؛ فإنه يشبه المصارع الذي يذهب إلى التجربة ولا يخشاها، ولا يرهب مصيدة العدو المخادع للغاية وغير المحتملة، وكأنه يقول: ستجدني أقوى منك.
قاده إلى قمَّة الهيكل وطلب منه أن يطرح نفسه من فوق، وكان هذا العرض تحت ستار أنه يتم لمجد الله...
يتكلَّم الشيطان ويستند على الكتاب المقدَّس... لكن ليته لا يخدعني الشيطان حتى وإن استخدم الكتاب المقدَّس...
تأمَّل العبارة التي يعرضها إبليس على الرب: "مكتوب أن يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك وعلى أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك". انظر كم هو مخادع حتى في اختياره للعبارات، فإنه يريد أن يقلِّل من مجد الرب، كما لو كان يسوع محتاجًا إلى معونة الملائكة؛ كما لو كان يمارس عملاً خاطئًا ما لم تسنده الملائكة. هكذا يقتبس إبليس عبارة من الكتاب لا تناسب المسيح ويطبِّقها عليه، إنما تناسب القدِّيسين بوجَّه عام... المسيح ليس بمحتاج لمعونة الملائكة، إذ هو أعظم منهم، ويرث اسمًا أعظم وأسمى: "لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك؟!" (عب 1: 5-7؛ مز 2: 7)...
بعد ما قال: "إنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصطدم بحجر رجليك"، يصمت إبليس عن التكملة وهي: "على الأسد والصل تطأ، الشبل والثعبان تدوس" (مز 91: 13). فلماذا تعبر على هذه العبارة بصمت أيها الشيطان؟! لأنك أنت هو الصل وملك كل الحيَّات. أنت تعرف أنك تحمل على جانبيك قوَّة عدوانيَّة أخرى تسمى "الأسد"، تخضع للأبرار تحت أقدامهم، لذلك لا تتكلَّم عن هذا الأمر.
أنت هو الشِبل والثعبان، حيث مكتوب: "لى الأسد والصل تطأ، الشِبل والثعبان تدوس". إن كنت تصمت ولا تذكر شيئًا ضدَّك، لكننا نحن إذ نقرأ الكتاب باستقامة ندرك تمامًا أن لدينا سلطانًا أن نطأك بالأقدام، هذا السلطان لم يوهب لنا في العهد القديم حيث كان المزمور يرنَّم به، وإنما أيضًا في العهد الجديد. ألم يقل المخلِّص: "ها أنا أعطيكم السلطان أن تدوسوا الحيَّات والعقارب وكل قوَّة العدو ولا يضرُّكم شيء؟!" (لو 10: 19). لنستند على هذا السلطان ونأخذ سلاحنا، ونطأ بسلوكنا الشِبل والثعبان...
العلامة أوريجينوس
+ "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل" [9]. أما التجربة الثالثة فكان محورها الزَهْو والخيلاء "اطرح نفسك من هنا" حتى تثبت أمام المِلأ لاهوتك، إلا أن المسيح أجابه: "لا تجُرِّب الرب إلهك" (لو 4: 12) فإن الله لا يساعد من يجرؤ على تجربته ولم يُعط المسيح قط آية لمن جاءه بقصد تجربته، إذ ورد: "فأجاب وقال لهم جيل شرِّير وفاسق يطلب آية ولا يُعطى له آية إلا آية يونان النبي" (مت 12: 39).
لا غرابة أن يتقهقر أمام المسيح بعد هذه الثلاث تجارب، فيقدِّم لنا المسيح المنتصر إكليل الفوز والغلبة على حد قول الصادق: "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيَّات والعقارب وكل قوَّة العدو ولا يضرُّكم شيء" (لو 10: 19).
"لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك" [10]
وانظروا كيف يقتبس إبليس من الأسفار الإلهيَّة ليستعين بها على تصويب سهمه الدنيء، لأن هذه الآية التي وردت في المزامير لا تشير إلى المسيح، لأن المسيح ليس في حاجة إلى ملائكة. أما جناح الهيكل فقصد به البناء المرتفع الذي أقيم بجوار الهيكل.
القدِّيس كيرلس الكبير
+ هذا هو شيطان المجد الباطل، فعندما يظن الإنسان أنه قد ارتفع عاليًا ويشتهي القيام بالأعمال العظيمة يسقط في الهاوية.
قال له: "إن كنتَ ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل" لا ينطق بهذه الكلمات إلا الشيطان الذي يحاول أن يُحدر الروح الإنسانيَّة إلى أسفل من حيث سمت بفضائلها؟! هل شيء يوافق الشيطان إلا النصح بالانحدار إلى أسفل؟!...
لا يستطيع إبليس أن يؤذي إلا من يدفع نفسه إلى أسفل، أي يترك السماء ليختار الأرض...
القدِّيس أمبروسيوس
+ هذه هي كلمات إبليس دائمًا إذ يتمنَّى السقوط للجميع.
القدِّيس جيروم
ختم حديثه عن التجربة "ولما أكمل إبليس كل تجاربه فارقه إلى حين" [13]. إن كان الشيطان لا يمِلّ عن المصارعة بالرغم من هزيمته المُرَّة في كل التجارب، إذ يقول "فارقه إلى حين"... فقد جاء بقيَّة السفر عبارة عن صراع مستمر بين السيِّد المسيح وإبليس بكل طريقة، سواء مباشرة أو خلال خدَّامه، لهذا يليق بنا ألا ننخدع إن تركنا العدو، فإنه يفارقنا إلى حين لكي يعود فيصارعنا.
+ لما سمع إبليس اسم "الله" فارقه إلى حين، إذ جاء بعد ذلك لا ليُجربه وإنما ليُحاربه علانيَّة. والكتاب المقدَّس يُعرِّفك أنك في حرب ليس مع لحم ودم بل مع السلاطين والرؤساء مع أجناد الشر الروحيَّة (أف 6: 12).
اُنظر رِفعة المسيحي الذي يُحارب رؤساء العالم (الشياطين)، فمع أنه يعيش على الأرض لكنه يبسط قوَّته الروحيَّة أمام أرواح الشرّ في السماويَّات. ونحن لا نُكافأ بأمور أرضيَّة في حربنا من أجله إنما مكافآتنا روحيَّة هي ملكوت السماوات وميراث المسيح.
يليق بنا أن نجاهد بكل مقاومة لإبليس، فالإكليل مقدَّم لنا، ويلزمنا أن نقبل الدخول معه في حرب. لا يكلَّل أحد ما لم يَغلب، ولا يمكن له أن يغلب ما لم يحارِب (2 تي 2: 5). والإكليل يعظُم كلما كثر الألم، لأنه ضيق وكرب هو الطريق المؤدِّي للحياة، وقليلون هم الذين يجدونه، وواسع هو الطريق المؤدِّي للموت (مت 7: 13).
يليق بنا ألا نخشى تجارب هذه الحياة قط، فهي فرصة مقدَّمة للغلبة ومادة للنصرة...
المُضل يُكثر من جرح المجاهد، ومع ذلك فالمُجاهد في شجاعته لا يضطرب قلبه...
إن تعرَّضت للتجارب فاعلم أن الأكاليل تُعد!....
أُلقي يوسف في السجن كثمرة لطهارته، لكنه ما كان يشارك في حكم مصر لو لم يبعه إخوته.
القدِّيس أمبروسيوس
2. يسوع في الجليل
"ورجع يسوع بقوَّة الروح إلى الجليل،
وخرج خبر عنه في جميع الكورة المحيطة،
وكان يعلِّم في مجامعهم ممجَّدا من الجميع".
لم يحمل السيِّد المسيح "قوَّة الروح" كقوَّة جديدة لم تكن فيه من قبل، وإنما إذ ترك المدن واعتزل في البرِّيَّة وصام هناك وجُرِّب من إبليس وغلبه بعدما اعتمد، عاد إلى مدن الجليل ليُقدِّم ما فعله باسم البشريَّة، فتحمل به "قوَّة الروح". بمعنى آخر ما صنعه ربَّنا يسوع من انطلاق إلى البرِّيَّة وممارسة للصوم وغلبة على إبليس، هو رصيد يتمتَّع به كل من يوَد التلمذة له، فلا يليق أن ينطلق أحد للخدمة بغير هذا الرصيد من الغلبة والنصرة في الرب.
يعلِّق العلامة أوريجينوس على العبارة: "كان يعلِّم في مجامعهم، ممجَّدا من الجميع"، قائلاً: [احذروا من تطويب هؤلاء الذين كانوا يسمعون كلمات المسيح، وتحكموا على أنفسكم كأنكم محرومون من تعاليمه... فالرب لم يتكلَّم قديمًا فحسب في جماعة اليهود، وإنما إلى اليوم يتكلَّم في جماعتنا، ليس فقط عندنا، وإنما في الاجتماعات الأخرى في العالم أجمع. يسوع يُعلِّم ويطلب آلات يستخدمها لنقل تعليمه، صلُّوا لعلَّه يجدني مستعدًا لذلك وأترنَّم له... اليوم يسوع يتمجَّد من الجميع بالأكثر لأنه لم يعد معروفًا في مكان واحد فقط (الشعب اليهودي)!]
+ لقد فضحه الرب كاشفًا حقيقة شخصيَّته، إذ قال له: "اذهب يا شيطان" [8]... مُظهرًا ذلك من ذات اسمه، فإن كلمة "شيطان" في العبريَّة تعني "مرتد".
القدِّيس إيريناؤس
ج. تجربة في المقدَّسات
إن كان عدو الخير إبليس قد حاول أن يُجرِّب "يسوع" في لقمة العيش بتحويل الحجر إلى خبزٍ، وقد فشل إذ قدَّم السيِّد المسيح نفسه خبزًا حقيقيًا يُنعش النفس وينزع عنها طبيعتها الحجريَّة، وفي التجربة السابقة أراد تحطيم هدفه بفتح طريق سهل وقصير لكي يملك دون الحاجة إلى صليب، لكن الرب أصرَّ ألا يقبل إلا أن يدخل دائرة الصليب. أما التجربة التي بين أيدينا فتمس العبادة ذاتها، إذ تمّت في أورشليم على جناح الهيكل، وقدَّم الشيطان عبارة من الكتاب المقدَّس: "لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك، وأنهم على أياديهم يحملونك، لكي لا تصدم بحجر رجلك" [10-11]، سائلاً إيّاه أن يطرح نفسه من جناح الهيكل إلى أسفل.
هذه التجربة يتعرَّض لها بالأكثر الرعاة والخدَّام والمتديِّنون، فإن عدو الخير يحاربهم في أورشليم في هيكل الرب، يقدِّم لهم كلمات الكتاب المقدَّس مشوَّهة سواء في بعض كلماتها أو في فهمها ليحوِّل عبادتهم إلى شكليَّات واستعراضات ورياء، طالبًا منهم عوض أن يصعدوا منطلقين نحو السماويَّات أن ينطرحوا من جناح الهيكل إلى أسفل، إذ يحدرهم الشكل أو الرياء عن غايتهم الحقَّة.
+ لنلاحظ بداية هذا الإنجيل الذي سمعناه اليوم، ولنضع في النور الأمور المخفية فيه "جاء (إبليس) به إلى أورشليم"، الأمر الذي يبدو غير مُصدق أن إبليس يقود ابن الله، وهو يتبعه؛ فإنه يشبه المصارع الذي يذهب إلى التجربة ولا يخشاها، ولا يرهب مصيدة العدو المخادع للغاية وغير المحتملة، وكأنه يقول: ستجدني أقوى منك.
قاده إلى قمَّة الهيكل وطلب منه أن يطرح نفسه من فوق، وكان هذا العرض تحت ستار أنه يتم لمجد الله...
يتكلَّم الشيطان ويستند على الكتاب المقدَّس... لكن ليته لا يخدعني الشيطان حتى وإن استخدم الكتاب المقدَّس...
تأمَّل العبارة التي يعرضها إبليس على الرب: "مكتوب أن يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك وعلى أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك". انظر كم هو مخادع حتى في اختياره للعبارات، فإنه يريد أن يقلِّل من مجد الرب، كما لو كان يسوع محتاجًا إلى معونة الملائكة؛ كما لو كان يمارس عملاً خاطئًا ما لم تسنده الملائكة. هكذا يقتبس إبليس عبارة من الكتاب لا تناسب المسيح ويطبِّقها عليه، إنما تناسب القدِّيسين بوجَّه عام... المسيح ليس بمحتاج لمعونة الملائكة، إذ هو أعظم منهم، ويرث اسمًا أعظم وأسمى: "لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك؟!" (عب 1: 5-7؛ مز 2: 7)...
بعد ما قال: "إنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصطدم بحجر رجليك"، يصمت إبليس عن التكملة وهي: "على الأسد والصل تطأ، الشبل والثعبان تدوس" (مز 91: 13). فلماذا تعبر على هذه العبارة بصمت أيها الشيطان؟! لأنك أنت هو الصل وملك كل الحيَّات. أنت تعرف أنك تحمل على جانبيك قوَّة عدوانيَّة أخرى تسمى "الأسد"، تخضع للأبرار تحت أقدامهم، لذلك لا تتكلَّم عن هذا الأمر.
أنت هو الشِبل والثعبان، حيث مكتوب: "لى الأسد والصل تطأ، الشِبل والثعبان تدوس". إن كنت تصمت ولا تذكر شيئًا ضدَّك، لكننا نحن إذ نقرأ الكتاب باستقامة ندرك تمامًا أن لدينا سلطانًا أن نطأك بالأقدام، هذا السلطان لم يوهب لنا في العهد القديم حيث كان المزمور يرنَّم به، وإنما أيضًا في العهد الجديد. ألم يقل المخلِّص: "ها أنا أعطيكم السلطان أن تدوسوا الحيَّات والعقارب وكل قوَّة العدو ولا يضرُّكم شيء؟!" (لو 10: 19). لنستند على هذا السلطان ونأخذ سلاحنا، ونطأ بسلوكنا الشِبل والثعبان...
العلامة أوريجينوس
+ "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل" [9]. أما التجربة الثالثة فكان محورها الزَهْو والخيلاء "اطرح نفسك من هنا" حتى تثبت أمام المِلأ لاهوتك، إلا أن المسيح أجابه: "لا تجُرِّب الرب إلهك" (لو 4: 12) فإن الله لا يساعد من يجرؤ على تجربته ولم يُعط المسيح قط آية لمن جاءه بقصد تجربته، إذ ورد: "فأجاب وقال لهم جيل شرِّير وفاسق يطلب آية ولا يُعطى له آية إلا آية يونان النبي" (مت 12: 39).
لا غرابة أن يتقهقر أمام المسيح بعد هذه الثلاث تجارب، فيقدِّم لنا المسيح المنتصر إكليل الفوز والغلبة على حد قول الصادق: "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيَّات والعقارب وكل قوَّة العدو ولا يضرُّكم شيء" (لو 10: 19).
"لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك" [10]
وانظروا كيف يقتبس إبليس من الأسفار الإلهيَّة ليستعين بها على تصويب سهمه الدنيء، لأن هذه الآية التي وردت في المزامير لا تشير إلى المسيح، لأن المسيح ليس في حاجة إلى ملائكة. أما جناح الهيكل فقصد به البناء المرتفع الذي أقيم بجوار الهيكل.
القدِّيس كيرلس الكبير
+ هذا هو شيطان المجد الباطل، فعندما يظن الإنسان أنه قد ارتفع عاليًا ويشتهي القيام بالأعمال العظيمة يسقط في الهاوية.
قال له: "إن كنتَ ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل" لا ينطق بهذه الكلمات إلا الشيطان الذي يحاول أن يُحدر الروح الإنسانيَّة إلى أسفل من حيث سمت بفضائلها؟! هل شيء يوافق الشيطان إلا النصح بالانحدار إلى أسفل؟!...
لا يستطيع إبليس أن يؤذي إلا من يدفع نفسه إلى أسفل، أي يترك السماء ليختار الأرض...
القدِّيس أمبروسيوس
+ هذه هي كلمات إبليس دائمًا إذ يتمنَّى السقوط للجميع.
القدِّيس جيروم
ختم حديثه عن التجربة "ولما أكمل إبليس كل تجاربه فارقه إلى حين" [13]. إن كان الشيطان لا يمِلّ عن المصارعة بالرغم من هزيمته المُرَّة في كل التجارب، إذ يقول "فارقه إلى حين"... فقد جاء بقيَّة السفر عبارة عن صراع مستمر بين السيِّد المسيح وإبليس بكل طريقة، سواء مباشرة أو خلال خدَّامه، لهذا يليق بنا ألا ننخدع إن تركنا العدو، فإنه يفارقنا إلى حين لكي يعود فيصارعنا.
+ لما سمع إبليس اسم "الله" فارقه إلى حين، إذ جاء بعد ذلك لا ليُجربه وإنما ليُحاربه علانيَّة. والكتاب المقدَّس يُعرِّفك أنك في حرب ليس مع لحم ودم بل مع السلاطين والرؤساء مع أجناد الشر الروحيَّة (أف 6: 12).
اُنظر رِفعة المسيحي الذي يُحارب رؤساء العالم (الشياطين)، فمع أنه يعيش على الأرض لكنه يبسط قوَّته الروحيَّة أمام أرواح الشرّ في السماويَّات. ونحن لا نُكافأ بأمور أرضيَّة في حربنا من أجله إنما مكافآتنا روحيَّة هي ملكوت السماوات وميراث المسيح.
يليق بنا أن نجاهد بكل مقاومة لإبليس، فالإكليل مقدَّم لنا، ويلزمنا أن نقبل الدخول معه في حرب. لا يكلَّل أحد ما لم يَغلب، ولا يمكن له أن يغلب ما لم يحارِب (2 تي 2: 5). والإكليل يعظُم كلما كثر الألم، لأنه ضيق وكرب هو الطريق المؤدِّي للحياة، وقليلون هم الذين يجدونه، وواسع هو الطريق المؤدِّي للموت (مت 7: 13).
يليق بنا ألا نخشى تجارب هذه الحياة قط، فهي فرصة مقدَّمة للغلبة ومادة للنصرة...
المُضل يُكثر من جرح المجاهد، ومع ذلك فالمُجاهد في شجاعته لا يضطرب قلبه...
إن تعرَّضت للتجارب فاعلم أن الأكاليل تُعد!....
أُلقي يوسف في السجن كثمرة لطهارته، لكنه ما كان يشارك في حكم مصر لو لم يبعه إخوته.
القدِّيس أمبروسيوس
2. يسوع في الجليل
"ورجع يسوع بقوَّة الروح إلى الجليل،
وخرج خبر عنه في جميع الكورة المحيطة،
وكان يعلِّم في مجامعهم ممجَّدا من الجميع".
لم يحمل السيِّد المسيح "قوَّة الروح" كقوَّة جديدة لم تكن فيه من قبل، وإنما إذ ترك المدن واعتزل في البرِّيَّة وصام هناك وجُرِّب من إبليس وغلبه بعدما اعتمد، عاد إلى مدن الجليل ليُقدِّم ما فعله باسم البشريَّة، فتحمل به "قوَّة الروح". بمعنى آخر ما صنعه ربَّنا يسوع من انطلاق إلى البرِّيَّة وممارسة للصوم وغلبة على إبليس، هو رصيد يتمتَّع به كل من يوَد التلمذة له، فلا يليق أن ينطلق أحد للخدمة بغير هذا الرصيد من الغلبة والنصرة في الرب.
يعلِّق العلامة أوريجينوس على العبارة: "كان يعلِّم في مجامعهم، ممجَّدا من الجميع"، قائلاً: [احذروا من تطويب هؤلاء الذين كانوا يسمعون كلمات المسيح، وتحكموا على أنفسكم كأنكم محرومون من تعاليمه... فالرب لم يتكلَّم قديمًا فحسب في جماعة اليهود، وإنما إلى اليوم يتكلَّم في جماعتنا، ليس فقط عندنا، وإنما في الاجتماعات الأخرى في العالم أجمع. يسوع يُعلِّم ويطلب آلات يستخدمها لنقل تعليمه، صلُّوا لعلَّه يجدني مستعدًا لذلك وأترنَّم له... اليوم يسوع يتمجَّد من الجميع بالأكثر لأنه لم يعد معروفًا في مكان واحد فقط (الشعب اليهودي)!]
+ + +
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:41 pm
اليوم الرابع ( الخميس ) من الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
النبوات .. إشعياء 11 ، 12
إشعياء – الإصحاح الحادى عشر
المسيا والعصر المسيانى
لم يكن ممكنا لإشعياء النبى أن ينحصر فى الأحداث المعاصرة له ولا الخاصة بالمستقبل القريب بالنسبة له وإنما اتجه نحو الخلاص الأبدى ، ليرى عمل الله العجيب لا بسقوط أشور ولا بعودة القلة الأمينة إلى يهوذا ، وإنما بسقوط عدو الخير إبليس واجتماع المؤمنين من اليهود والأمم كأعضاء فى جسد واحد يتمتعون بالملكوت المسيانى العجيب .
( 1 ) ظهور ابن يسى :
فى الإصحاح التاسع تحدث عن المخلص بكونه المولود العجيب : " لأنه يولد لنا ولد .. ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا " إش 9 : 6
أما هنا فيؤكد ناسوته بكونه الملك ابن يسى : " ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله " إش 11 : 1 .
لم يقل ابن داود مع أنه شرعا هو أبن داود ، لكنه أراد تقديمه بصورة متواضعة جدا ، كقضيب وغصن من يسى الذى عاش ومات قليل الشأن . والعجيب أن نسل داود الملك ضعف جدا حتى جاء يوسف والقديسة مريم فقراء للغاية .
بينما يتحدث الوحى فى الإصحاح السابق عن أشور – يمثل عدو الكنيسة – كأغصان مرتفعة وقوية ( إش 10 : 33 ) يظهر المسيا كقضيب أو غصن متواضع . أراد أن يسحق الكبرياء محطم البشرية بإتضاعه . وكما تقول عنه الكنيسة فى جمعة الصلبوت : " أظهر بالضعف ( الصليب ) ما هو أعظم من القوة "
+ هذا هو المسيح ، فقد حبل به بقوة الله بواسطة عذراء من نسل يعقوب ، أب يهوذا ، وأب اليهود ، من نسل يسى ..
( 2 ) المخلص وروح الرب :
" ويحل عليه روح الرب ، روح الحكمة والفهم ، روح المشورة والقوة ، روح المعرفة ومخافة الرب " إش 11 : 2
إذ جاء السيد المسيح ممثلا للبشرية حل عليه الروح القدس الذى ليس بغريب عنه ، لأنه روحه . حلول الروح القدس على المسيح يختلف عن حلوله علينا ؛ بالنسبة له حلول أقنومى ، واحد معه فى ذات الجوهر مع الآب ، حلول بلا حدود .
كلمة الله هو الحكمة عينها والفهم والقوة .. فحلول الروح القدس ليس حلولا زمنيا بل هو اتحاد أزلى بين الأقانيم الثلاثة . بالتجسد الإلهى قبل ربنا يسوع ظهور الروح القدس حالا عليه لكى يهبنا نحن فيه ، كأعضاء جسده ، عطية الروح القدس واهب الحكمة والفهم والمشورة والقوة والمعرفة ومخافة الرب .
ربما يسأل البعض : لماذا حل الروح القدس على السيد المسيح عند عماده ؟
نقول : الروح القدس هو الذى شكل ناسوت السيد المسيح منذ لحظة البشارة بالتجسد الإلهى . ولما كان لاهوت السيد لم يفارق ناسوته ، لم يكن الناسوت قط فى معزل عن الروح القدس . ولا فى حاجة إلى تجديد الروح له ، لأنه لم يسقط قط فى خطية ولا كان للإنسان القديم موضع فيه ، إنما طلب السيد أن يعتمد " لكى يكمل كل بر " ، أى يقدم لنا برا جديدا نحمله فينا خلال جسده المقدس . حلول الروح عليه فى الحقيقة كان لأجل الإنسانية التى تتقدس فيه ، فتقبل روحه القدوس .
( 3 ) أعمال المخلص :
" ولذته تكون فى مخافة الرب ، فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه ، بل يقضى بالعدل للمساكين ، ويحكم بالإنصاف لبائسى الأرض ، ويضرب الأرض بقضيب فمه ، ويميت المنافق بنفخة شفتيه " إش 11 : 3 ، 4 .
أ – يقدم لنا السيد المسيح صورة حية عن التعامل مع الآخرين ، وهى ألا تقوم على المظاهر الخارجية المجردة ، وألا تكون حواسنا هى الحكم خاصة الشم والنظر والسمع .
يقول " لذتهHis breath تكون فى مخافة الرب " إش 11 : 3 .
العبيد والأجراء يخافون سادتهم لئلا يقتلوهم أو يحرموهم الأجر أو المكافأة ، أما الأبناء فيخافون لئلا تجرح مشاعر آبائهم . هذا الخوف السامى الذى يهبه روح الرب لنا حتى نهاب الله ليس خشية العقوبة ولا الحرمان من المكافأة وإنما لأننا أبناء لا نريد أن نجرح مشاعر محبته .
ب – " لا يقضى بحسب نظر عينيه " إنما حسب الأعماق الداخلية بكونه فاحص القلوب والعارف بالأفكار والنيات . لقد وقف السيد المسيح حازما ضد القيادات الدينية التى تحكم بالمحاباة ، أى يأخذون بمظهر الناس وليس بعدل القضاء .
جـ - رفض الوشايات البشرية " لا يحكم بحسب سمع أذنيه " إش 11 : 3 .
د – اهتمامه بالمساكين والبائسين والمظلومين ( إش 11 : 4 ) .
هـ - " ويضرب الأرض بقضيب فمه " إش 11 : 4 . جاء رب المجد يضرب بكلمته ( قضيب فمه ) أو بسيف فمه ( رؤ 2 : 16 ؛ 19 : 6 ) ، سيف الكلمة ذى الحدين ( عب 4 : 3 ) كل من التصق بمحبة الأرضيات فصار أرضا . غايته أن يحطم فينا محبة الزمنيات ليرفع كل طاقاتنا نحو السمويات .
و – " ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه " إش 11 : 5
جاء ربنا يسوع المسيح إلى العالم ملكا روحيا لا يشارك العالم خاصة الأغنياء مظهرهم فى اللباس والمظاهر البراقة ، يتمنطق بالبر والأمانة علامة غناه وجماله بكونه القدوس واهب الحياة القدسية ، جاء كخادم يتمنطق لكى يغسل الأقدام البشرية حتى يظهر كل من يقبل إليه .
( 4 ) سمات العصر المسيانى :
بعد أن تحدث عن عمل السيد المسيح استطرد ليتحدث عن العصر المسيانى ، مقدما لنا صورة حية عنه أبرزها اتسام البشرية المؤمنة بالأتحاد معا فى جسد واحد ، يحملون طبيعة الحب والسلام ...
يصور هذا العصر قائلا :
" فيسكن الذئب مع الخروف " إش 11 : 6 ... لا يوجد تضاد أعظم من هذا ، يسكن سافك الدم مع الحمل الوديع العاجز عن الدفاع عن نفسه . يحملان طبيعة جديدة دستورها الحب والوفاق . صار الكل قطيعا واحدا يحمل الخليقة الجديدة التى فى المسيح يسوع .
" ويربض النمر مع الجدى " إش 11 : 6
" والعجل والشبل والمسمن معا ؛ وصبى صغير يسوقها " إش 11 : 7
قطيع عجيب غير متجانس ، تحت قيادة عجيبة . هذا الصبى الصغير يشير إلى القيادات الروحية الكنسية التى تستطيع بروح البساطة أن تخلق بروح الرب من المؤمنين القادمين من أمم وشعوب مختلفة والذين يحملون مواهب متعددة قطيعا وديعا يخضع بروح الإنجيل كما لصبى صغير .
" والبقرة والدبة ترعيان ، تربض أولادهما معا ، والأسد كالبقر يأكل تبنا " إش 11 : 7
قراءات باكر | قراءات القداس | ||||
أم 2 : 16 – 3 : 4 إش 11 : 10 – 12 : 2 | مز 9 : 11 ، 12 لو 20 : 20 - 26 | رو 4 : 6 - 11 | يع4 : 1 - 10 | أع 28 : 1 - 6 | مز 9 : 7 ، 8 يو 12 : 44 - 50 |
النبوات .. إشعياء 11 ، 12
إشعياء – الإصحاح الحادى عشر
المسيا والعصر المسيانى
لم يكن ممكنا لإشعياء النبى أن ينحصر فى الأحداث المعاصرة له ولا الخاصة بالمستقبل القريب بالنسبة له وإنما اتجه نحو الخلاص الأبدى ، ليرى عمل الله العجيب لا بسقوط أشور ولا بعودة القلة الأمينة إلى يهوذا ، وإنما بسقوط عدو الخير إبليس واجتماع المؤمنين من اليهود والأمم كأعضاء فى جسد واحد يتمتعون بالملكوت المسيانى العجيب .
( 1 ) ظهور ابن يسى :
فى الإصحاح التاسع تحدث عن المخلص بكونه المولود العجيب : " لأنه يولد لنا ولد .. ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا " إش 9 : 6
أما هنا فيؤكد ناسوته بكونه الملك ابن يسى : " ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله " إش 11 : 1 .
لم يقل ابن داود مع أنه شرعا هو أبن داود ، لكنه أراد تقديمه بصورة متواضعة جدا ، كقضيب وغصن من يسى الذى عاش ومات قليل الشأن . والعجيب أن نسل داود الملك ضعف جدا حتى جاء يوسف والقديسة مريم فقراء للغاية .
بينما يتحدث الوحى فى الإصحاح السابق عن أشور – يمثل عدو الكنيسة – كأغصان مرتفعة وقوية ( إش 10 : 33 ) يظهر المسيا كقضيب أو غصن متواضع . أراد أن يسحق الكبرياء محطم البشرية بإتضاعه . وكما تقول عنه الكنيسة فى جمعة الصلبوت : " أظهر بالضعف ( الصليب ) ما هو أعظم من القوة "
+ هذا هو المسيح ، فقد حبل به بقوة الله بواسطة عذراء من نسل يعقوب ، أب يهوذا ، وأب اليهود ، من نسل يسى ..
( 2 ) المخلص وروح الرب :
" ويحل عليه روح الرب ، روح الحكمة والفهم ، روح المشورة والقوة ، روح المعرفة ومخافة الرب " إش 11 : 2
إذ جاء السيد المسيح ممثلا للبشرية حل عليه الروح القدس الذى ليس بغريب عنه ، لأنه روحه . حلول الروح القدس على المسيح يختلف عن حلوله علينا ؛ بالنسبة له حلول أقنومى ، واحد معه فى ذات الجوهر مع الآب ، حلول بلا حدود .
كلمة الله هو الحكمة عينها والفهم والقوة .. فحلول الروح القدس ليس حلولا زمنيا بل هو اتحاد أزلى بين الأقانيم الثلاثة . بالتجسد الإلهى قبل ربنا يسوع ظهور الروح القدس حالا عليه لكى يهبنا نحن فيه ، كأعضاء جسده ، عطية الروح القدس واهب الحكمة والفهم والمشورة والقوة والمعرفة ومخافة الرب .
ربما يسأل البعض : لماذا حل الروح القدس على السيد المسيح عند عماده ؟
نقول : الروح القدس هو الذى شكل ناسوت السيد المسيح منذ لحظة البشارة بالتجسد الإلهى . ولما كان لاهوت السيد لم يفارق ناسوته ، لم يكن الناسوت قط فى معزل عن الروح القدس . ولا فى حاجة إلى تجديد الروح له ، لأنه لم يسقط قط فى خطية ولا كان للإنسان القديم موضع فيه ، إنما طلب السيد أن يعتمد " لكى يكمل كل بر " ، أى يقدم لنا برا جديدا نحمله فينا خلال جسده المقدس . حلول الروح عليه فى الحقيقة كان لأجل الإنسانية التى تتقدس فيه ، فتقبل روحه القدوس .
( 3 ) أعمال المخلص :
" ولذته تكون فى مخافة الرب ، فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه ، بل يقضى بالعدل للمساكين ، ويحكم بالإنصاف لبائسى الأرض ، ويضرب الأرض بقضيب فمه ، ويميت المنافق بنفخة شفتيه " إش 11 : 3 ، 4 .
أ – يقدم لنا السيد المسيح صورة حية عن التعامل مع الآخرين ، وهى ألا تقوم على المظاهر الخارجية المجردة ، وألا تكون حواسنا هى الحكم خاصة الشم والنظر والسمع .
يقول " لذتهHis breath تكون فى مخافة الرب " إش 11 : 3 .
العبيد والأجراء يخافون سادتهم لئلا يقتلوهم أو يحرموهم الأجر أو المكافأة ، أما الأبناء فيخافون لئلا تجرح مشاعر آبائهم . هذا الخوف السامى الذى يهبه روح الرب لنا حتى نهاب الله ليس خشية العقوبة ولا الحرمان من المكافأة وإنما لأننا أبناء لا نريد أن نجرح مشاعر محبته .
ب – " لا يقضى بحسب نظر عينيه " إنما حسب الأعماق الداخلية بكونه فاحص القلوب والعارف بالأفكار والنيات . لقد وقف السيد المسيح حازما ضد القيادات الدينية التى تحكم بالمحاباة ، أى يأخذون بمظهر الناس وليس بعدل القضاء .
جـ - رفض الوشايات البشرية " لا يحكم بحسب سمع أذنيه " إش 11 : 3 .
د – اهتمامه بالمساكين والبائسين والمظلومين ( إش 11 : 4 ) .
هـ - " ويضرب الأرض بقضيب فمه " إش 11 : 4 . جاء رب المجد يضرب بكلمته ( قضيب فمه ) أو بسيف فمه ( رؤ 2 : 16 ؛ 19 : 6 ) ، سيف الكلمة ذى الحدين ( عب 4 : 3 ) كل من التصق بمحبة الأرضيات فصار أرضا . غايته أن يحطم فينا محبة الزمنيات ليرفع كل طاقاتنا نحو السمويات .
و – " ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه " إش 11 : 5
جاء ربنا يسوع المسيح إلى العالم ملكا روحيا لا يشارك العالم خاصة الأغنياء مظهرهم فى اللباس والمظاهر البراقة ، يتمنطق بالبر والأمانة علامة غناه وجماله بكونه القدوس واهب الحياة القدسية ، جاء كخادم يتمنطق لكى يغسل الأقدام البشرية حتى يظهر كل من يقبل إليه .
( 4 ) سمات العصر المسيانى :
بعد أن تحدث عن عمل السيد المسيح استطرد ليتحدث عن العصر المسيانى ، مقدما لنا صورة حية عنه أبرزها اتسام البشرية المؤمنة بالأتحاد معا فى جسد واحد ، يحملون طبيعة الحب والسلام ...
يصور هذا العصر قائلا :
" فيسكن الذئب مع الخروف " إش 11 : 6 ... لا يوجد تضاد أعظم من هذا ، يسكن سافك الدم مع الحمل الوديع العاجز عن الدفاع عن نفسه . يحملان طبيعة جديدة دستورها الحب والوفاق . صار الكل قطيعا واحدا يحمل الخليقة الجديدة التى فى المسيح يسوع .
" ويربض النمر مع الجدى " إش 11 : 6
" والعجل والشبل والمسمن معا ؛ وصبى صغير يسوقها " إش 11 : 7
قطيع عجيب غير متجانس ، تحت قيادة عجيبة . هذا الصبى الصغير يشير إلى القيادات الروحية الكنسية التى تستطيع بروح البساطة أن تخلق بروح الرب من المؤمنين القادمين من أمم وشعوب مختلفة والذين يحملون مواهب متعددة قطيعا وديعا يخضع بروح الإنجيل كما لصبى صغير .
" والبقرة والدبة ترعيان ، تربض أولادهما معا ، والأسد كالبقر يأكل تبنا " إش 11 : 7
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:43 pm
البقرة تشير إلى اليهود لأنها من الحيوانات الطاهرة ، والدبة تشير إلى الأمم والشعوب الوثنية إذ هى مفترسة ( عنيفة ) وكأنه من سمات العصر المسيانى أن يجنمع أعضاء من أصل يهودى مع أصل أممى فى رعية واحدة تحت قيادة راعى واحد .
والأسد إذ فقد طبعه الوحشى وتغيرت طبيعته فصار كالحيوان المستأنس لا يطلب لحما بل تبنا .
" ويلعب الرضيع على سرب الصل ، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان " إش 11 : 8 .
فى اختصار عمل السيد المسيح هو تغيير الطبيعة البشرية الشرسة خلال خدامه المتسمين بروح الوداعة ، فتحمل الكنيسة كلها – خداما ومخدومين – روح الحب والوحدة . بهذا لا يصيب الكنيسة – جبل قدس الرب – فساد " لأن الأرض تمتلىء من معرفة الرب ، كما تغطى المياة البحر " إش 11 : 9 .
( 5 ) سلام بين الشعوب :
أ – جاء السيد المسيح ليقيم ملكوته من كل الأمم والشعوب ، واهبا سلاما للمؤمنين الحقيقيين " ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدا " إش 11 : 10 .
يقول " إياه تطلب الأمم " إنه مشتهى الشعوب ، بحث عنه اليونانيون ( يو 12 : 20 ، 21 ) ؛ وأرسل قائد المئة كرينليوس الأممى إلى بطرس لكى يسمع عن السيد المسيح ( أع 10 )
" ويكون مجده مجدا " جاء فى الترجمة اليسوعية " يكون مثواه مجدا " ، لعله يقصد أن صليبه الذى كان عارا صار بقيامته مجدا ، إذ صار قبره الفارغ مقدسا للمؤمنين فيه يدركون حقيقة مسيحهم واهب الحياة والقيامة .
ب – ضم السيد المسيح إلى كنيسته البقية التى قبلت الخلاص ، وقد جاءت من أماكن متفرقة ( أع 2 ، يع 1 : 1 ، 1 بط 1 : 1 ) . لذلك يقول النبى : " ويكون فى ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتنى بقية شعبه التى بقيت من أشور ومن مصر ومن فتروس ( مصر العليا ) ومن كوش ومن عيلام ( مملكة فى شرق نهر دجلة وشمال شرقى الخليج الفارسى ) ومن شنعار ( سهل بابل ) ومن حماة ومن جزائر البحر " إش 11 : 11 .
تحققت هذه النبوة فى عيد العنصرة وأيضا خلال خدمة الرسل وعبر الأجيال ، وستتحقق مرة أخرى بصورة أوسع فى الأيام الأخيرة حينما يقبل اليهود الإيمان بالسيد المسيح كقول الرسول بولس ( رو 11 : 11 – 27 ) .
فى ذلك اليوم ينضم قابلو الإيمان القادمون من اليهود إلى الكنيسة التى سبق أن ضمت الأمم ويكون الكل أعضاء فى جسد واحد : " ويرفع راية للأمم ويجمع منفيى إسرائيل ويضم مشتتى يهوذا من أربعة أطراف الأرض " إش 11 : 12 .
ح – يقدم الأتحاد الذى تم بين اسرائيل ( إفرايم ) ويهوذا عند عودتهم من السبى بع أن استحكمت النزاعات بل والعداوة بينهما قرونا طويلة صورة للأتحاد بين الأمم واليهود ( إش 11 : 13 ) .
فى القديم كان الفلسطينيون وبنو المشرق وأدوم وعمون وموآب ومصر مقاومين للشعب لذا وهب الله شعبه إمكانية النصرة عليه ( إش 11 : 14 – 16 ) ، أما فى العهد الجديد فتكون الغلبة لا بانتصارات حربية وإنما بقبول هذه الأمم للإيمان الحى فتصير أدوات للبناء لا للمقاومة والهدم . الله الذى سبق فحول البحر لخلاص شعبه إذ أجازهم فيه بعد أن فتح لهم فيه طريقا للعبور هكذا يجفف كل مقاومة فى قلوب الأمم لينفتح طريق الملكوت المسيانى .
بمعنى آخر الذى أصعد شعبه من مصر مجتازا بهم وسط مياة البحر الأحمر ، هو الذى يعبر بهم من أشور بعد السبى ( إش 11 : 16 ) ، وهو الذى يعبر بالأمم إلى ملكوته بالرغم من كل العقبات والصعوبات التى تقف أمامهم .
إشعياء – الإصحاح الثانى عشر
تسبحة المفديين
اجتاز إشعياء النبى حالة الضيق التى أصابت نفسه بسبب ما بلغ إليه الشعب من فساد ، الأمر الذى لأجله سمح الله بتأديبه بواسطة أشور وتلامس مع عمل الله الخلاصى لا بإعادة المسبيين إلى يهوذا وإنما ما هو أعظم : ظهور ابن يسى راية للأمم يجمع بحبه الفائق مؤمنيه من كل الشعوب ليتمتعوا بسلامه السماوى . لم يكن أمام النبى إلا أن يسجل على لسان هؤلاء المفديين بدم المخلص تسبحة مفرحة تعتبر امتدادا للنبوة الواردة فى الإصحاح السابق التى تشدو بمجد المسيح وشخصه وعمله وملكوته وشعبه .
( 1 ) مراحم الله وسط غضبه :
" وتقول فى ذلك اليوم : أحمدك يارب لأنه إذ غضبت على ارتد غضبك فتعزينى " إش 12 : 1 .
تبدأ الترنيمة الجديدة التى ينطق بها كل من يتمتع بعمل السيد المسيح الخلاصى بالكلمات :
" وتقول فى ذلك اليوم " . أى يوم هذا ؟
إنه يوم الصليب أو يوم الكفارة العظيم الذى فيه نحمد الرب الذى حول الغضب إلى خلاص وتعزية ومجد . لقد تجسم الغضب الإلهى على الخطية التى نرتكبها بصلب السيد المسيح – كلمة الله المتجسد – ليرفعنا من الغضب إلى المجد .
ظهرت تعزيات الله العجيبة إذ حررنا لا من السبى البابلى وإنما من أسر إبليس وجنوده وأعماله الشريرة ليملك البر فينا .
( 2 ) يهوه سر خلاصنا وقوتنا وفرحنا :
" هوذا الله خلاصى فأطمئن ولا أرتعب ، لأن ياه يهوه قوتى وترنيمتى ، وقد صار لى خلاصا ، فتستقون مياها بفرح من ينابيع الخلاص " إش 12 : 2 ، 3
اقتبست الكنيسة القبطية جزءا من هذه التسبحة لتنشدها للرب المصلوب فى يومى خميس العهد وجمعة الصلبوت ، وهو : " قوتى وتسبحتى ( ترنيمتى ) هو الرب ، وقد صار لى خلاصا . الله هو سر قوتنا وتسبيحنا وخلاصنا ! فى وسط مشاركة الكنيسة عريسها آلامه تسبح وتنشد ؛ أما تسبحتها أو أنشودتها فهو المسيح نفسه ، هو كل شىء بالنسبة لها .
بالمسيح المصلوب عرفنا الهتاف ( مز 89 : 15 ) ؛ هتاف الغلبة على إبليس وأعماله الشريرة ! هتاف الخلاص الذى به ننتقل من الشمال إلى اليمين ننعم بشركة الملكوت السماوى المفرح .
بالصليب تفجر ينبوع دم وماء من الجنب المطعون لنتقدس ونتطهر ، ولكن نشرب ونفرح ، إذ وجدنا ينبوع خلاصنا الأبدى .
هنا يدعو الله " ياه يهوه " ؛ " ياه " هى اختصار للإسم " يهوه" ، وكأن التسبحة تكرر هذا اللقب الإلهى " يهوه " لتأكيد أنه الله السرمدى غير المتغير ، يتكىء عليه المؤمن فيجد فيه قوته وفرحه وخلاصه إلى الأبد ، فيطمئن على الدوام دون تخوف .
وكما يقول القديس أغسطينوس : [ إن شئت أن يكون فرحك ثابتا باقيا ، التق بالله السرمدى ، ذاك الذى لا يعتريه تغيير ، بل يستمر ثابتا على حال واحد إلى الأبد ] .
(3 ) الشهادة لأعمال الله :
يرى البعض أن العبارات السابقة ( إش 12 : 1 – 3 ) تمثل تسبحة مستقلة عن العبارات التالية ( إش 12 : 4 – 6 ) التى تمثل تسبحة ثانية .
على أى الأحوال إن كانت الأولى تعلن انبعاث الحمد والتسبيح فى النفس خلال التمتع بخلاص الرب ، فإن الثانية مكملة لها تعلن الألتزام بالشهادة لله المخلص أمام الأمم . فما نختبره خلال اتحادنا مع الله مخلصنا يثير فينا شوقا نحو تمتع الغير بذات الخلاص .
" وتقولون فى ذلك اليوم : احمدوا الرب ، ادعوا باسمه ، عرفوا بين الشعوب بأفعاله ، ذكروا بأن اسمه قد تعالى .رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرا ، ليكن هذا معروفا فى كل الأرض . صوتى واهتفى يا ساكنة صهيون ، لأن قدوس إسرائيل عظيم فى وسطك " إش 12 : 4 – 6 .
كيف نكرز بالرب ؟
والأسد إذ فقد طبعه الوحشى وتغيرت طبيعته فصار كالحيوان المستأنس لا يطلب لحما بل تبنا .
" ويلعب الرضيع على سرب الصل ، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان " إش 11 : 8 .
فى اختصار عمل السيد المسيح هو تغيير الطبيعة البشرية الشرسة خلال خدامه المتسمين بروح الوداعة ، فتحمل الكنيسة كلها – خداما ومخدومين – روح الحب والوحدة . بهذا لا يصيب الكنيسة – جبل قدس الرب – فساد " لأن الأرض تمتلىء من معرفة الرب ، كما تغطى المياة البحر " إش 11 : 9 .
( 5 ) سلام بين الشعوب :
أ – جاء السيد المسيح ليقيم ملكوته من كل الأمم والشعوب ، واهبا سلاما للمؤمنين الحقيقيين " ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدا " إش 11 : 10 .
يقول " إياه تطلب الأمم " إنه مشتهى الشعوب ، بحث عنه اليونانيون ( يو 12 : 20 ، 21 ) ؛ وأرسل قائد المئة كرينليوس الأممى إلى بطرس لكى يسمع عن السيد المسيح ( أع 10 )
" ويكون مجده مجدا " جاء فى الترجمة اليسوعية " يكون مثواه مجدا " ، لعله يقصد أن صليبه الذى كان عارا صار بقيامته مجدا ، إذ صار قبره الفارغ مقدسا للمؤمنين فيه يدركون حقيقة مسيحهم واهب الحياة والقيامة .
ب – ضم السيد المسيح إلى كنيسته البقية التى قبلت الخلاص ، وقد جاءت من أماكن متفرقة ( أع 2 ، يع 1 : 1 ، 1 بط 1 : 1 ) . لذلك يقول النبى : " ويكون فى ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتنى بقية شعبه التى بقيت من أشور ومن مصر ومن فتروس ( مصر العليا ) ومن كوش ومن عيلام ( مملكة فى شرق نهر دجلة وشمال شرقى الخليج الفارسى ) ومن شنعار ( سهل بابل ) ومن حماة ومن جزائر البحر " إش 11 : 11 .
تحققت هذه النبوة فى عيد العنصرة وأيضا خلال خدمة الرسل وعبر الأجيال ، وستتحقق مرة أخرى بصورة أوسع فى الأيام الأخيرة حينما يقبل اليهود الإيمان بالسيد المسيح كقول الرسول بولس ( رو 11 : 11 – 27 ) .
فى ذلك اليوم ينضم قابلو الإيمان القادمون من اليهود إلى الكنيسة التى سبق أن ضمت الأمم ويكون الكل أعضاء فى جسد واحد : " ويرفع راية للأمم ويجمع منفيى إسرائيل ويضم مشتتى يهوذا من أربعة أطراف الأرض " إش 11 : 12 .
ح – يقدم الأتحاد الذى تم بين اسرائيل ( إفرايم ) ويهوذا عند عودتهم من السبى بع أن استحكمت النزاعات بل والعداوة بينهما قرونا طويلة صورة للأتحاد بين الأمم واليهود ( إش 11 : 13 ) .
فى القديم كان الفلسطينيون وبنو المشرق وأدوم وعمون وموآب ومصر مقاومين للشعب لذا وهب الله شعبه إمكانية النصرة عليه ( إش 11 : 14 – 16 ) ، أما فى العهد الجديد فتكون الغلبة لا بانتصارات حربية وإنما بقبول هذه الأمم للإيمان الحى فتصير أدوات للبناء لا للمقاومة والهدم . الله الذى سبق فحول البحر لخلاص شعبه إذ أجازهم فيه بعد أن فتح لهم فيه طريقا للعبور هكذا يجفف كل مقاومة فى قلوب الأمم لينفتح طريق الملكوت المسيانى .
بمعنى آخر الذى أصعد شعبه من مصر مجتازا بهم وسط مياة البحر الأحمر ، هو الذى يعبر بهم من أشور بعد السبى ( إش 11 : 16 ) ، وهو الذى يعبر بالأمم إلى ملكوته بالرغم من كل العقبات والصعوبات التى تقف أمامهم .
+ + +
إشعياء – الإصحاح الثانى عشر
تسبحة المفديين
اجتاز إشعياء النبى حالة الضيق التى أصابت نفسه بسبب ما بلغ إليه الشعب من فساد ، الأمر الذى لأجله سمح الله بتأديبه بواسطة أشور وتلامس مع عمل الله الخلاصى لا بإعادة المسبيين إلى يهوذا وإنما ما هو أعظم : ظهور ابن يسى راية للأمم يجمع بحبه الفائق مؤمنيه من كل الشعوب ليتمتعوا بسلامه السماوى . لم يكن أمام النبى إلا أن يسجل على لسان هؤلاء المفديين بدم المخلص تسبحة مفرحة تعتبر امتدادا للنبوة الواردة فى الإصحاح السابق التى تشدو بمجد المسيح وشخصه وعمله وملكوته وشعبه .
( 1 ) مراحم الله وسط غضبه :
" وتقول فى ذلك اليوم : أحمدك يارب لأنه إذ غضبت على ارتد غضبك فتعزينى " إش 12 : 1 .
تبدأ الترنيمة الجديدة التى ينطق بها كل من يتمتع بعمل السيد المسيح الخلاصى بالكلمات :
" وتقول فى ذلك اليوم " . أى يوم هذا ؟
إنه يوم الصليب أو يوم الكفارة العظيم الذى فيه نحمد الرب الذى حول الغضب إلى خلاص وتعزية ومجد . لقد تجسم الغضب الإلهى على الخطية التى نرتكبها بصلب السيد المسيح – كلمة الله المتجسد – ليرفعنا من الغضب إلى المجد .
ظهرت تعزيات الله العجيبة إذ حررنا لا من السبى البابلى وإنما من أسر إبليس وجنوده وأعماله الشريرة ليملك البر فينا .
( 2 ) يهوه سر خلاصنا وقوتنا وفرحنا :
" هوذا الله خلاصى فأطمئن ولا أرتعب ، لأن ياه يهوه قوتى وترنيمتى ، وقد صار لى خلاصا ، فتستقون مياها بفرح من ينابيع الخلاص " إش 12 : 2 ، 3
اقتبست الكنيسة القبطية جزءا من هذه التسبحة لتنشدها للرب المصلوب فى يومى خميس العهد وجمعة الصلبوت ، وهو : " قوتى وتسبحتى ( ترنيمتى ) هو الرب ، وقد صار لى خلاصا . الله هو سر قوتنا وتسبيحنا وخلاصنا ! فى وسط مشاركة الكنيسة عريسها آلامه تسبح وتنشد ؛ أما تسبحتها أو أنشودتها فهو المسيح نفسه ، هو كل شىء بالنسبة لها .
بالمسيح المصلوب عرفنا الهتاف ( مز 89 : 15 ) ؛ هتاف الغلبة على إبليس وأعماله الشريرة ! هتاف الخلاص الذى به ننتقل من الشمال إلى اليمين ننعم بشركة الملكوت السماوى المفرح .
بالصليب تفجر ينبوع دم وماء من الجنب المطعون لنتقدس ونتطهر ، ولكن نشرب ونفرح ، إذ وجدنا ينبوع خلاصنا الأبدى .
هنا يدعو الله " ياه يهوه " ؛ " ياه " هى اختصار للإسم " يهوه" ، وكأن التسبحة تكرر هذا اللقب الإلهى " يهوه " لتأكيد أنه الله السرمدى غير المتغير ، يتكىء عليه المؤمن فيجد فيه قوته وفرحه وخلاصه إلى الأبد ، فيطمئن على الدوام دون تخوف .
وكما يقول القديس أغسطينوس : [ إن شئت أن يكون فرحك ثابتا باقيا ، التق بالله السرمدى ، ذاك الذى لا يعتريه تغيير ، بل يستمر ثابتا على حال واحد إلى الأبد ] .
(3 ) الشهادة لأعمال الله :
يرى البعض أن العبارات السابقة ( إش 12 : 1 – 3 ) تمثل تسبحة مستقلة عن العبارات التالية ( إش 12 : 4 – 6 ) التى تمثل تسبحة ثانية .
على أى الأحوال إن كانت الأولى تعلن انبعاث الحمد والتسبيح فى النفس خلال التمتع بخلاص الرب ، فإن الثانية مكملة لها تعلن الألتزام بالشهادة لله المخلص أمام الأمم . فما نختبره خلال اتحادنا مع الله مخلصنا يثير فينا شوقا نحو تمتع الغير بذات الخلاص .
" وتقولون فى ذلك اليوم : احمدوا الرب ، ادعوا باسمه ، عرفوا بين الشعوب بأفعاله ، ذكروا بأن اسمه قد تعالى .رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرا ، ليكن هذا معروفا فى كل الأرض . صوتى واهتفى يا ساكنة صهيون ، لأن قدوس إسرائيل عظيم فى وسطك " إش 12 : 4 – 6 .
كيف نكرز بالرب ؟
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:44 pm
أ – بالتبشير : " عرفوا بين الشعوب بأفعاله " ،
وكما يقول الرب لتلاميذه : " اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " مر 16 : 5 . كل مؤمن يلتزم بالشهادة لمخلصه ، إذ نرى المرتل داود وهو يعلن توبته فى المزمور الخمسين يقول : " امنحنى بهجة خلاصك فأعلم الخطاة طرقك " .
ب – بالفرح المقدس : " رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرا ، ليكن هذا معروفا فى كل الأرض " .
ليست شهادة للمخلص أعظم من تلامس الغير مع فرحنا الداخلى بالرب الذى يجتاز كل الأحداث والمتاعب . يقول المرتل : " حينئذ امتلأت أفواهنا فرحا وألسنتنا ترنما ، حينئذ قالوا بين الأمم : إن الرب قد عظم الصنيع معنا " مز 26 : 2 .
الفرح المقدس يعلن عن ملكوت الله المفرح فى داخلنا . جاء فى سيرة القديس أبوللو الكاهن بطيبة على حدود هرموبوليس ( أشمونين ) ، ان وجهه كان دائم البشاشة ، مجتذبا بذلك كثيرين إلى الحياة النسكية كحياة مفرحة فى الداخل ، ومشبعة للقلب بالرب نفسه . كثيرا ما كان يردد القول : [ لماذا نجاهد ووجوهنا عابسة ؟! ألسنا ورثة الحياة الأبدية ؟ اتركوا العبوس والوجوم للوثنيين والعويل للخطاة ( الأشرار ) ، أما الأبرار والقديسون فحرى بهم أن يمرحوا ويبتسموا لأنهم يستمتعون بالروحيات ] .
البولس من رو 4 : 6 – 11
في الأصحاحات الثلاثة السابقة أظهر الرسول بولس فساد كل البشريّة، يستوي في ذلك اليهود كما الأمم، وصار الكل في حاجة إلى من يخلص ويبرر، والآن يقدّم الرسول مثلين لرجلين بارّين من رجال العهد القديم، أحدهما إبراهيم بكونه أب الآباء وقد تبرّر خلال إيمانه وهو بعد في الغُرْلة قبل ممارسة أعمال الناموس خاصة الخِتان. والثاني هو داود الذي نال الوعد أن من صُلبه يأتي المسيّا الملك، وهو من أهل الخِتان لكنه يقدّم التطويب لمن يتبرّر لا بأعمال الناموس بل بالإيمان.
ركّز الرسول بالأكثر على شخصية "إبراهيم" لأن اليهود كانوا يشعرون أنهم أحرار لمجرد انتسابهم له بالجسد. هذه العقيدة دفعتهم إلى العجرفة والكبرياء عِوض أن تدفعهم للحياة بفكر إبراهيم وإيمانه والامتثال به في سلوكه، فجاء الرسول يفنّد هذه العقيدة، مظهرًا أن سرّ قوّة إبراهيم تكمن في إيمانه الحيّ الذي عاشه وهو في الغُرْلة، كما عاش وهو في الخِتان، لذا فهو أب لأهل الغُرْلة كما لأهل الخِتان.
+ ماذا يعني الرسول بقوله: "وأما الذي لا يعمل، ولكن يؤمن بالذي يُبرّر الفاجر، فإيمانه يُحسب له برًا" [5]؟ هل يحثِّنا الرسول على تجاهل الأعمال لنتبرّر بالإيمان وحده؟
نجيب على ذلك بأن الرسول كان يُحدّث اليهود الذين تشامخوا على الأمم بأعمال الناموس بطريقة حرفيّة قاتلة، فإن هذه لا تبرّر الإنسان، إنما لو حُفظت بطريقة روحية، تدفعهم لإدراك الخلاص والتبرير بالمسيّا، الذي كانوا يتظرونه. هذا من جانب ومن جانب آخر، فإننا كمسيحيّين لا نتبرّر بأعمالنا الصالحة كأعمال من عندياتنا، وإلا حسبت "برًا ذاتيًا" تعطل خلاصنا، إنما نمارسها بكونها ثمرة عمل الله فينا،
إبراهيم أب لجميع المؤمنين
إذ قارن الرسول بين أعمال الناموس والإيمان في حياة أبينا إبراهيم ليُعلن سموّ الإيمان، الذي به يتبرّر، دون تجاهل لأعمال الناموس التي مارسها إبراهيم وإن كانت عاجزة عن التبرير، الآن يؤكّد الربط بين الإيمان وأعمال الناموس في حياة هذا الأب دون تعارض، قائلاً: "أخذ علامة الخِتان ختمًا لبر الإيمان الذي كان في الغُرْلة " [ 8 ] فالخِتان هو علامة جسديّة جاءت لا معارضة للإيمان، بل خاتمة على إيمانه ومؤكدة له، حتى كل من يحملها إنما يلزم أن يلتزم أيضًا بالإيمان. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن العلامة جاءت لاحقة للإيمان، إذ آمن إبراهيم حين كان أولاً في الغُرْلة، وبقيَ مؤمنًا أيضًا وهو في الخِتان، بهذا أعلن أبوته لأهل الغُرْلة أن يقبلوا الامتثال به في إيمانه، وأيضًا لأهل الخِتان أن يفعلوا ذات الأمر.
يُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة الرسولية مظهرًا أن اليهود لم يأتوا إلا كضيوف لاحقين لأهل الغُرْلة، وأنهم أضيفوا إليهم، أي جاءوا إلى بيت الإيمان مُضافين إلى إبراهيم الذي قبِل الإيمان وهو في الغُرْلة قبل الخِتان، قائلاً: [لأنه إن كان إبراهيم قد تبرّر وكلِّل وهو بعد في الغُرْلة، فقد جاء اليهود بعد ذلك. إذًا إبراهيم هو أب الأمميّين أولاً الذين ينتسبون إليه بالإيمان، كما أنه أب اليهود ثانيًا، أي أب الجنسين... لهذا يستكمل بولس حديثه، قائلاً: "ليكون أبًا لجميع الذين يؤمنون وهم في الغُرْلة كي يحسب لهم البرّ أيضًا وأبًا للختان " [ 11 ، 12 ].
هذا وينتسب الأمميّون لإبراهيم لا بسبب غرلتهم، وإنما لإقتدائهم بإيمانه، كذلك اليهود لا ينتفعون ببنوّتهم له لا لكونهم مختونين، وإنما لأنهم لم يؤمنوا... إذن لك الحق في أبوة إبراهيم إن سرْت في خطوات ذلك الإيمان، دون تنازع ولا مشايعة لمناصرتك للناموس.
هذا ويري الذهبي الفم أن الخِتان مجرّد علامة حملها إبراهيم من أجل ضعف اليهود، إذ يقول الرسول "ليكون أبًا للختان"، لا بمعنى أن يحملوا العلامة جسديًا فيصيرون أبناء له، وإنما يحملون ما وراء العلامة ألا وهو إيمانه. لأن هذه العلامة ليست إلاّ ختمًا للإيمان. فإن لم يسعَ اليهود إلى الإيمان مكتفين بالعلامة التي للجسد، تصير هذه نفاية لا ضرورة لها. هكذا أيضًا لا يليق بهم إذ نالوا الخِتان أن يحتقروا أهل الغُرْلة، بل أن يكونوا سندًا لهم، ليكون الكل معًا في ذات الإيمان الواحد.
لقد ظنّ اليهود أنهم ورثة إبراهيم في نواله المواعيد الإلهية لمجرد تمتعهم بهذه العلامة، أي ممارستهم لأعمال الناموس، متجاهلين التزامهم بالاقتفاء بأبيهم في إيمانه .
المزمور التاسع .. مزمور إنجيل باكر وإنجيل القداس
تسبحة الغلبة
يرتبط المزموران 9 ، 10 إرتباطا وثيقا ببعضهما البعض ، وقد وجد اتفاق شبه عام على أنهما يكونان مزمورا واحدا . وفى الحقيقة تدعوهما النسخة السبعينية المزمور التاسع ، وقد تبعتها الترجمة اللاتينية المسماة الفولجاتا وأيضا النصوص الليتورجية القديمة فى الكنيسة الشرقية والغربية .
" اعترف لك يارب من كل قلبى ،
وأحدث بجميع عجائبك ،
أفرح وأتهلل بك .
أرتل لأسمك أيها العلى " [ 1 ، 2 ] .
افتتاح هذا المزمور هى صلاة شكر من أجل نوال نصر ظافر وأكيد على أعداء المرتل . يمكن فهمه على أنه نذر للرب ، به ينذر العابد الحقيقى أنه سيشهد باسم الرب ويتحدث بجميع عجائبه .
الرب الديان
" فى ارتداد عدوى إلى خلف يضعفون ويهلكون جميعا من وجهك ، لأنك صنعت حكمى وانتقامى " [ 3 ]
إن سقط أعداؤنا الروحيون إنما يتحقق ذلك فى حضرة الله . فحضوره ومجد قوته كفيلان بتدمير لأعداء شعب الله
الرب الملجأ
" وكان الرب ملجأ للفقير ،
وعونا فى أوقات موافقة فى الضيق " [ 9 ]
وكما يقول الرب لتلاميذه : " اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " مر 16 : 5 . كل مؤمن يلتزم بالشهادة لمخلصه ، إذ نرى المرتل داود وهو يعلن توبته فى المزمور الخمسين يقول : " امنحنى بهجة خلاصك فأعلم الخطاة طرقك " .
ب – بالفرح المقدس : " رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرا ، ليكن هذا معروفا فى كل الأرض " .
ليست شهادة للمخلص أعظم من تلامس الغير مع فرحنا الداخلى بالرب الذى يجتاز كل الأحداث والمتاعب . يقول المرتل : " حينئذ امتلأت أفواهنا فرحا وألسنتنا ترنما ، حينئذ قالوا بين الأمم : إن الرب قد عظم الصنيع معنا " مز 26 : 2 .
صوت التهليل الداخلى يشهد لسكنى القدوس فينا !
الفرح المقدس يعلن عن ملكوت الله المفرح فى داخلنا . جاء فى سيرة القديس أبوللو الكاهن بطيبة على حدود هرموبوليس ( أشمونين ) ، ان وجهه كان دائم البشاشة ، مجتذبا بذلك كثيرين إلى الحياة النسكية كحياة مفرحة فى الداخل ، ومشبعة للقلب بالرب نفسه . كثيرا ما كان يردد القول : [ لماذا نجاهد ووجوهنا عابسة ؟! ألسنا ورثة الحياة الأبدية ؟ اتركوا العبوس والوجوم للوثنيين والعويل للخطاة ( الأشرار ) ، أما الأبرار والقديسون فحرى بهم أن يمرحوا ويبتسموا لأنهم يستمتعون بالروحيات ] .
+ + +
البولس من رو 4 : 6 – 11
في الأصحاحات الثلاثة السابقة أظهر الرسول بولس فساد كل البشريّة، يستوي في ذلك اليهود كما الأمم، وصار الكل في حاجة إلى من يخلص ويبرر، والآن يقدّم الرسول مثلين لرجلين بارّين من رجال العهد القديم، أحدهما إبراهيم بكونه أب الآباء وقد تبرّر خلال إيمانه وهو بعد في الغُرْلة قبل ممارسة أعمال الناموس خاصة الخِتان. والثاني هو داود الذي نال الوعد أن من صُلبه يأتي المسيّا الملك، وهو من أهل الخِتان لكنه يقدّم التطويب لمن يتبرّر لا بأعمال الناموس بل بالإيمان.
ركّز الرسول بالأكثر على شخصية "إبراهيم" لأن اليهود كانوا يشعرون أنهم أحرار لمجرد انتسابهم له بالجسد. هذه العقيدة دفعتهم إلى العجرفة والكبرياء عِوض أن تدفعهم للحياة بفكر إبراهيم وإيمانه والامتثال به في سلوكه، فجاء الرسول يفنّد هذه العقيدة، مظهرًا أن سرّ قوّة إبراهيم تكمن في إيمانه الحيّ الذي عاشه وهو في الغُرْلة، كما عاش وهو في الخِتان، لذا فهو أب لأهل الغُرْلة كما لأهل الخِتان.
+ ماذا يعني الرسول بقوله: "وأما الذي لا يعمل، ولكن يؤمن بالذي يُبرّر الفاجر، فإيمانه يُحسب له برًا" [5]؟ هل يحثِّنا الرسول على تجاهل الأعمال لنتبرّر بالإيمان وحده؟
نجيب على ذلك بأن الرسول كان يُحدّث اليهود الذين تشامخوا على الأمم بأعمال الناموس بطريقة حرفيّة قاتلة، فإن هذه لا تبرّر الإنسان، إنما لو حُفظت بطريقة روحية، تدفعهم لإدراك الخلاص والتبرير بالمسيّا، الذي كانوا يتظرونه. هذا من جانب ومن جانب آخر، فإننا كمسيحيّين لا نتبرّر بأعمالنا الصالحة كأعمال من عندياتنا، وإلا حسبت "برًا ذاتيًا" تعطل خلاصنا، إنما نمارسها بكونها ثمرة عمل الله فينا،
إبراهيم أب لجميع المؤمنين
إذ قارن الرسول بين أعمال الناموس والإيمان في حياة أبينا إبراهيم ليُعلن سموّ الإيمان، الذي به يتبرّر، دون تجاهل لأعمال الناموس التي مارسها إبراهيم وإن كانت عاجزة عن التبرير، الآن يؤكّد الربط بين الإيمان وأعمال الناموس في حياة هذا الأب دون تعارض، قائلاً: "أخذ علامة الخِتان ختمًا لبر الإيمان الذي كان في الغُرْلة " [ 8 ] فالخِتان هو علامة جسديّة جاءت لا معارضة للإيمان، بل خاتمة على إيمانه ومؤكدة له، حتى كل من يحملها إنما يلزم أن يلتزم أيضًا بالإيمان. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن العلامة جاءت لاحقة للإيمان، إذ آمن إبراهيم حين كان أولاً في الغُرْلة، وبقيَ مؤمنًا أيضًا وهو في الخِتان، بهذا أعلن أبوته لأهل الغُرْلة أن يقبلوا الامتثال به في إيمانه، وأيضًا لأهل الخِتان أن يفعلوا ذات الأمر.
يُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة الرسولية مظهرًا أن اليهود لم يأتوا إلا كضيوف لاحقين لأهل الغُرْلة، وأنهم أضيفوا إليهم، أي جاءوا إلى بيت الإيمان مُضافين إلى إبراهيم الذي قبِل الإيمان وهو في الغُرْلة قبل الخِتان، قائلاً: [لأنه إن كان إبراهيم قد تبرّر وكلِّل وهو بعد في الغُرْلة، فقد جاء اليهود بعد ذلك. إذًا إبراهيم هو أب الأمميّين أولاً الذين ينتسبون إليه بالإيمان، كما أنه أب اليهود ثانيًا، أي أب الجنسين... لهذا يستكمل بولس حديثه، قائلاً: "ليكون أبًا لجميع الذين يؤمنون وهم في الغُرْلة كي يحسب لهم البرّ أيضًا وأبًا للختان " [ 11 ، 12 ].
هذا وينتسب الأمميّون لإبراهيم لا بسبب غرلتهم، وإنما لإقتدائهم بإيمانه، كذلك اليهود لا ينتفعون ببنوّتهم له لا لكونهم مختونين، وإنما لأنهم لم يؤمنوا... إذن لك الحق في أبوة إبراهيم إن سرْت في خطوات ذلك الإيمان، دون تنازع ولا مشايعة لمناصرتك للناموس.
هذا ويري الذهبي الفم أن الخِتان مجرّد علامة حملها إبراهيم من أجل ضعف اليهود، إذ يقول الرسول "ليكون أبًا للختان"، لا بمعنى أن يحملوا العلامة جسديًا فيصيرون أبناء له، وإنما يحملون ما وراء العلامة ألا وهو إيمانه. لأن هذه العلامة ليست إلاّ ختمًا للإيمان. فإن لم يسعَ اليهود إلى الإيمان مكتفين بالعلامة التي للجسد، تصير هذه نفاية لا ضرورة لها. هكذا أيضًا لا يليق بهم إذ نالوا الخِتان أن يحتقروا أهل الغُرْلة، بل أن يكونوا سندًا لهم، ليكون الكل معًا في ذات الإيمان الواحد.
لقد ظنّ اليهود أنهم ورثة إبراهيم في نواله المواعيد الإلهية لمجرد تمتعهم بهذه العلامة، أي ممارستهم لأعمال الناموس، متجاهلين التزامهم بالاقتفاء بأبيهم في إيمانه .
+ + +
المزمور التاسع .. مزمور إنجيل باكر وإنجيل القداس
تسبحة الغلبة
يرتبط المزموران 9 ، 10 إرتباطا وثيقا ببعضهما البعض ، وقد وجد اتفاق شبه عام على أنهما يكونان مزمورا واحدا . وفى الحقيقة تدعوهما النسخة السبعينية المزمور التاسع ، وقد تبعتها الترجمة اللاتينية المسماة الفولجاتا وأيضا النصوص الليتورجية القديمة فى الكنيسة الشرقية والغربية .
" اعترف لك يارب من كل قلبى ،
وأحدث بجميع عجائبك ،
أفرح وأتهلل بك .
أرتل لأسمك أيها العلى " [ 1 ، 2 ] .
افتتاح هذا المزمور هى صلاة شكر من أجل نوال نصر ظافر وأكيد على أعداء المرتل . يمكن فهمه على أنه نذر للرب ، به ينذر العابد الحقيقى أنه سيشهد باسم الرب ويتحدث بجميع عجائبه .
الرب الديان
" فى ارتداد عدوى إلى خلف يضعفون ويهلكون جميعا من وجهك ، لأنك صنعت حكمى وانتقامى " [ 3 ]
إن سقط أعداؤنا الروحيون إنما يتحقق ذلك فى حضرة الله . فحضوره ومجد قوته كفيلان بتدمير لأعداء شعب الله
الرب الملجأ
" وكان الرب ملجأ للفقير ،
وعونا فى أوقات موافقة فى الضيق " [ 9 ]
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:46 pm
يعانى الأبرار الذين يعرفون اسم الرب من متاعب كثيرة ، خلالها يكتشفون أن الله ملجأ لهم . وقد استخدم المزموران 9 ، 10 العديد من الأسماء بها يشير إلى الأبرار : المساكين ، المتواضعين ، البائسين ، المحتاجين ، الأبرياء ، اليتامى ، طالبى الرب وعارفى اسمه .
الله هو ملجأ عال لحماية قديسيه ، لن يبلغ إليه أقوى أعدائهم الأشرار .
العدو يميتنى بالقلق والمخلص يرد لى البهجة والفرح :
" يا رافعى من أبواب الموت ،
لكيما أخبر بجميع تسابيحك ،
فى أبواب إبنة صهيون ،
أبتهج بخلاصك " [ 14 ]
بالخطية تغلق علينا أبواب الموت الأبدية ، وتفقد النفس سلامها مع الله ومع ذاتها فلا تقدر على التسبيح . أما مسيحنا الغالب للموت فيرفعنا من أبواب الموت بعدما حطم متاريسه ، وأطلق لسان قلوبنا بالفرح لننشد له تسابيح الفرح . يدخل بنا إلى إبنة صهيون ، الكنيسة السماوية ، التى تشارك السمائيين بهجتهم وليتورجياتهم وتسابيحهم .
يعاقب الله على الشر ، ويكافىء الأبرار على صبرهم :
" سيعرف الرب أنه صانع الأحكام ،
والخاطىء بأعمال يديه أخذ ...
وصبر البائس لا يهلك إلى الدهر " [ 16 ، 18 ]
تظهر عدالة الله فى معاقبته الأشرار ومكافأة الأبرار .
الأبركسيس ... أعمال 28 : 1 – 6
رحلة القديس بولس إلى روما
الآن قد اقترب وقت وصول الأسير بولس إلى روما، وبالرغم من كثرة المتاعب التي لحقت به في هذه الرحلة، لكن ما كان يشغله هو ووصوله إلى روما للشهادة هناك، وشهادته للسيد المسيح أمام رفقائه في السفينة أيّا كان دورهم أو مركزهم أو علاقتهم به، وأيضًا الشهادة لإنجيل المسيح أينما حلّ.
1. في مليطة
"ولمّا نجوا وجدوا أن الجزيرة تُدعى مليطة". [1]
جاءوا إلى جزيرة مالطة؛ لم يكن في حسبان الرسول بولس أن يذهب إليها ويشهد لإنجيل المسيح، لكن الله سمح بالعاصفة لكي ما يذهب هو ومن معه في السفينة ليشهد للكل.
مالطة أو مليطة، غالبًا مشتقة من الكلمة اليونانية التي معناها "عسل"، حيث كانت قبلاً مصدرًا غنيًا لإنتاج العسل. ويرى البعض أن اصل الكلمة كنعاني معناها "ملجأ Refuge" قطنها الفينيقيون.
طول الجزيرة حوالي 17 ميلاً تمتد من الشرق إلى الغرب، وعرضها 10 أميال من الشمال إلى الجنوب. محيطها حوالي 60 ميلاً. تبعد حوالي 60 ميلاً من ساحل سيسلياSicily .
توجد جزيرة أخرى كانت تدعى مليطة Meleda ، حاليًا في البحر الأدرياتيكي بجوار ساحلIlluricum .
إذ نجوا إلى البرّ ووجدوا أنفسهم في مليطة، لم ينشغل القدّيس بولس كيف يُسرع بالذهاب إلى روما، بالغم من شوقه للخدمة هناك، لكنّه حسب أن الله قد بعث به إلى الجزيرة لرسالة إنجيليّة، كما نلمس في هذا الأصحاح.
لم يكن القدّيس بولس يخطط للعمل، لكن في تسليمٍ كاملٍ كان الله يعمل به، بكل وسيلة. كانت حياته ملتهبة بالشهادة والعمل لحساب ملكوت الله ليلاً ونهارًا.
+ كان بولس يقضي بعض الليالي بلا نوم باختياره، وبعضها كان يلتزم بها عن ضرورة. عندما كان في متاعب مريرة كان يلتزم أن يسهر يطلب عون اللَّه. مرّة أخرى كان يُعًّلم ليس فقط في وقت النهار بل وأيضًا بالليل. كان في بردٍ ومعرض للخطر عند انكسار السفينة عند جزيرة مالطة عندما جاء الشعب المحلي لينقذوه.
أمبروسياستر
2. إحسان أهل مليطة
"فقدّم أهلها البرابرة لنا إحسانًا غير المعتاد،
لأنهم أوقدوا نارًا،
وقبلوا جميعنا من أجل المطر الذي أصابنا،
ومن أجل البرد". [2]
كان سكان مالطة بلا شك متحضرين، لكنهم كانوا يًدعون برابرة بالنسبة لليونانيين والرومانيين، لأن لغتهم لم تكن مفهومة لهم. فكلمة "برابرة" هنا تقابل "أجانب". خضعت للفينيقيّين واليونان والقرطاجنيّين والرومان. يرى البعض أنه إذ سكنها بعد الفينيقيين جالية من قرطاجنة، فكانت لغة المالطيين من أفريقيا مع خليطٍ من لغات أخرى.
أية ضيافة لجماعة يبلغ عددها 276 فردًا عانوا كل هذا الزمن من رياحٍ باردةٍ وأمطارٍ غزيرةٍ، مع أمواجٍ عاتيةٍ هددت حياتهم، وظلمة سوى إيقاد نارٍ لتدفئتهم وتجفيف ملابسهم. أي منظر هذا لهذا الحشد وقد التفوا حول النار كمن هم حول وليمة ثمينة أثمن من الطعام والشراب في مثل هذه الظروف. لم يسأل البرابرة عن جنسيات القادمين ولا عن دياناتهم، لكنهم أظهروا حنوًا فائقًا، وقبلوا الجميع.
نقف في دهشة أمام أهل مالطة الذين لم يسألوا شيئًا عن أخبار الرحلة، ولا استخفوا بالمسجونين، لكنّهم وهو وثنيّون بذلوا كل الجهد لخدمة الجميع بلا تمييز بين قائد جيش وسجين؛ وقائد سفينة ومسافر. ولعلّ الله أعطى للقدّيس بولس دفعة جديدة للعمل بين الأمم، فرأى في قائد المائة لطفًا وحبًّا واهتمامًا، الأمر الذي افتقد إليه في اليهود بني جنسه. وها هو يرى البرابرة في الجزيرة يقدّمون إحسانًا بسخاءٍ عظيمٍ دون مقابل.
لقد نال ذات خبرة يونان النبي في البحر، حيث أظهر النوتيّة الوثنيّون تقوى، وطالبوا النبي بالصلاة إلى إلهه، وعندما اكتشفوا أنّه هو سرّ كارثتهم بذلوا كل الجهد لإنقاذه بالرغم من طلبه منهم أن يُلقوه في البحر. لكن شتّان ما بين نبيٍ هارب من خدمة الأمم لتعلّقه بشعبه، وبين رسول يتّسع قلبه بحب كل إنسان، أيّا كانت جنسيّته!
+ ليخزى القائلون: "لا تحسنوا إلى الذين في السجن". ليت هؤلاء البرابرة يجعلوننا في خزي، فإنهم وهم لا يعرفون من هم هؤلاء الناس، لكن في بساطة لأنهم كانوا في ضيقة، أدركوا أنهم بشر، واهتموا بهم من أجل بشريتهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
3. نشوب أفعى في يد الرسول
"فجمع بولس كثيرًا من القضبان،
ووضعها على النار،
فخرجت من الحرارة أفعى،
ونشبت في يده". [3]
كانوا في حاجةٍ شديدةٍ إلى نيران كثيرة، فمن جانب إذ سبح أغلبهم أو جاءوا على ألواح خشبية، امتلأت ثيابهم ماءً، خاصة مع غزارة المطر وشدة الرياح العاصفة الباردة. لذا كان الكل محتاجين إلى النار أكثر من الطعام والشراب، خاصة وأنهم قد أكلوا وشبعوا كمشورة القديس بولس قبل مغادرتهم السفينة. لم يميز الرسول بولس نفسه عنهم بكونه كان السبب في نجاتهم، لكنه انهمك بكل سرورٍ في جمع قضبان الخشب لراحة الكل.
مع اهتمام القديس بولس بانتهاز كل فرصة للشهادة للسيد المسيح، مهما تكن الظروف، فقد اتسم بروح النشاط والعمل لخدمة الآخرين، فمع كونه مقيدًا ظلمًا لم تتحطم نفسيته، بل "جمع كثيرًا من القضبان، ووضعها على النار" [3].
كانت الأفعى وهو حية قاتلة في حالة سبات أشبه بمن قد تخدر بسبب البرد القارص، لكن ما أن استدفأت بالنار حتى انطلقت تنشب في يد القديس بولس لتنفث فيها يده.
"فلما رأى البرابرة الوحش معلقًا بيده،
قال بعضهم لبعضٍ:
لابد أن هذا الإنسان قاتل،
لم يدعه العدل يحيا،
ولو نجا من البحر". [4]
الله هو ملجأ عال لحماية قديسيه ، لن يبلغ إليه أقوى أعدائهم الأشرار .
العدو يميتنى بالقلق والمخلص يرد لى البهجة والفرح :
" يا رافعى من أبواب الموت ،
لكيما أخبر بجميع تسابيحك ،
فى أبواب إبنة صهيون ،
أبتهج بخلاصك " [ 14 ]
بالخطية تغلق علينا أبواب الموت الأبدية ، وتفقد النفس سلامها مع الله ومع ذاتها فلا تقدر على التسبيح . أما مسيحنا الغالب للموت فيرفعنا من أبواب الموت بعدما حطم متاريسه ، وأطلق لسان قلوبنا بالفرح لننشد له تسابيح الفرح . يدخل بنا إلى إبنة صهيون ، الكنيسة السماوية ، التى تشارك السمائيين بهجتهم وليتورجياتهم وتسابيحهم .
يعاقب الله على الشر ، ويكافىء الأبرار على صبرهم :
" سيعرف الرب أنه صانع الأحكام ،
والخاطىء بأعمال يديه أخذ ...
وصبر البائس لا يهلك إلى الدهر " [ 16 ، 18 ]
تظهر عدالة الله فى معاقبته الأشرار ومكافأة الأبرار .
+ + +
الأبركسيس ... أعمال 28 : 1 – 6
رحلة القديس بولس إلى روما
الآن قد اقترب وقت وصول الأسير بولس إلى روما، وبالرغم من كثرة المتاعب التي لحقت به في هذه الرحلة، لكن ما كان يشغله هو ووصوله إلى روما للشهادة هناك، وشهادته للسيد المسيح أمام رفقائه في السفينة أيّا كان دورهم أو مركزهم أو علاقتهم به، وأيضًا الشهادة لإنجيل المسيح أينما حلّ.
1. في مليطة
"ولمّا نجوا وجدوا أن الجزيرة تُدعى مليطة". [1]
جاءوا إلى جزيرة مالطة؛ لم يكن في حسبان الرسول بولس أن يذهب إليها ويشهد لإنجيل المسيح، لكن الله سمح بالعاصفة لكي ما يذهب هو ومن معه في السفينة ليشهد للكل.
مالطة أو مليطة، غالبًا مشتقة من الكلمة اليونانية التي معناها "عسل"، حيث كانت قبلاً مصدرًا غنيًا لإنتاج العسل. ويرى البعض أن اصل الكلمة كنعاني معناها "ملجأ Refuge" قطنها الفينيقيون.
طول الجزيرة حوالي 17 ميلاً تمتد من الشرق إلى الغرب، وعرضها 10 أميال من الشمال إلى الجنوب. محيطها حوالي 60 ميلاً. تبعد حوالي 60 ميلاً من ساحل سيسلياSicily .
توجد جزيرة أخرى كانت تدعى مليطة Meleda ، حاليًا في البحر الأدرياتيكي بجوار ساحلIlluricum .
إذ نجوا إلى البرّ ووجدوا أنفسهم في مليطة، لم ينشغل القدّيس بولس كيف يُسرع بالذهاب إلى روما، بالغم من شوقه للخدمة هناك، لكنّه حسب أن الله قد بعث به إلى الجزيرة لرسالة إنجيليّة، كما نلمس في هذا الأصحاح.
لم يكن القدّيس بولس يخطط للعمل، لكن في تسليمٍ كاملٍ كان الله يعمل به، بكل وسيلة. كانت حياته ملتهبة بالشهادة والعمل لحساب ملكوت الله ليلاً ونهارًا.
+ كان بولس يقضي بعض الليالي بلا نوم باختياره، وبعضها كان يلتزم بها عن ضرورة. عندما كان في متاعب مريرة كان يلتزم أن يسهر يطلب عون اللَّه. مرّة أخرى كان يُعًّلم ليس فقط في وقت النهار بل وأيضًا بالليل. كان في بردٍ ومعرض للخطر عند انكسار السفينة عند جزيرة مالطة عندما جاء الشعب المحلي لينقذوه.
أمبروسياستر
2. إحسان أهل مليطة
"فقدّم أهلها البرابرة لنا إحسانًا غير المعتاد،
لأنهم أوقدوا نارًا،
وقبلوا جميعنا من أجل المطر الذي أصابنا،
ومن أجل البرد". [2]
كان سكان مالطة بلا شك متحضرين، لكنهم كانوا يًدعون برابرة بالنسبة لليونانيين والرومانيين، لأن لغتهم لم تكن مفهومة لهم. فكلمة "برابرة" هنا تقابل "أجانب". خضعت للفينيقيّين واليونان والقرطاجنيّين والرومان. يرى البعض أنه إذ سكنها بعد الفينيقيين جالية من قرطاجنة، فكانت لغة المالطيين من أفريقيا مع خليطٍ من لغات أخرى.
أية ضيافة لجماعة يبلغ عددها 276 فردًا عانوا كل هذا الزمن من رياحٍ باردةٍ وأمطارٍ غزيرةٍ، مع أمواجٍ عاتيةٍ هددت حياتهم، وظلمة سوى إيقاد نارٍ لتدفئتهم وتجفيف ملابسهم. أي منظر هذا لهذا الحشد وقد التفوا حول النار كمن هم حول وليمة ثمينة أثمن من الطعام والشراب في مثل هذه الظروف. لم يسأل البرابرة عن جنسيات القادمين ولا عن دياناتهم، لكنهم أظهروا حنوًا فائقًا، وقبلوا الجميع.
نقف في دهشة أمام أهل مالطة الذين لم يسألوا شيئًا عن أخبار الرحلة، ولا استخفوا بالمسجونين، لكنّهم وهو وثنيّون بذلوا كل الجهد لخدمة الجميع بلا تمييز بين قائد جيش وسجين؛ وقائد سفينة ومسافر. ولعلّ الله أعطى للقدّيس بولس دفعة جديدة للعمل بين الأمم، فرأى في قائد المائة لطفًا وحبًّا واهتمامًا، الأمر الذي افتقد إليه في اليهود بني جنسه. وها هو يرى البرابرة في الجزيرة يقدّمون إحسانًا بسخاءٍ عظيمٍ دون مقابل.
لقد نال ذات خبرة يونان النبي في البحر، حيث أظهر النوتيّة الوثنيّون تقوى، وطالبوا النبي بالصلاة إلى إلهه، وعندما اكتشفوا أنّه هو سرّ كارثتهم بذلوا كل الجهد لإنقاذه بالرغم من طلبه منهم أن يُلقوه في البحر. لكن شتّان ما بين نبيٍ هارب من خدمة الأمم لتعلّقه بشعبه، وبين رسول يتّسع قلبه بحب كل إنسان، أيّا كانت جنسيّته!
+ ليخزى القائلون: "لا تحسنوا إلى الذين في السجن". ليت هؤلاء البرابرة يجعلوننا في خزي، فإنهم وهم لا يعرفون من هم هؤلاء الناس، لكن في بساطة لأنهم كانوا في ضيقة، أدركوا أنهم بشر، واهتموا بهم من أجل بشريتهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
3. نشوب أفعى في يد الرسول
"فجمع بولس كثيرًا من القضبان،
ووضعها على النار،
فخرجت من الحرارة أفعى،
ونشبت في يده". [3]
كانوا في حاجةٍ شديدةٍ إلى نيران كثيرة، فمن جانب إذ سبح أغلبهم أو جاءوا على ألواح خشبية، امتلأت ثيابهم ماءً، خاصة مع غزارة المطر وشدة الرياح العاصفة الباردة. لذا كان الكل محتاجين إلى النار أكثر من الطعام والشراب، خاصة وأنهم قد أكلوا وشبعوا كمشورة القديس بولس قبل مغادرتهم السفينة. لم يميز الرسول بولس نفسه عنهم بكونه كان السبب في نجاتهم، لكنه انهمك بكل سرورٍ في جمع قضبان الخشب لراحة الكل.
مع اهتمام القديس بولس بانتهاز كل فرصة للشهادة للسيد المسيح، مهما تكن الظروف، فقد اتسم بروح النشاط والعمل لخدمة الآخرين، فمع كونه مقيدًا ظلمًا لم تتحطم نفسيته، بل "جمع كثيرًا من القضبان، ووضعها على النار" [3].
كانت الأفعى وهو حية قاتلة في حالة سبات أشبه بمن قد تخدر بسبب البرد القارص، لكن ما أن استدفأت بالنار حتى انطلقت تنشب في يد القديس بولس لتنفث فيها يده.
"فلما رأى البرابرة الوحش معلقًا بيده،
قال بعضهم لبعضٍ:
لابد أن هذا الإنسان قاتل،
لم يدعه العدل يحيا،
ولو نجا من البحر". [4]
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:47 pm
في حسبان هؤلاء البرابرة أن من نجا من مخاطر عاصفة كهذه وجاء إلى البر، فتنشب في يده حية سامة، حتمًا إنسان ارتكب جريمة خطيرة. إنه سفاح أو قاتل، لهذا لم يفلت من يد العدالة الإلهية. ولعلهم فكروا هكذا، لأنهم اعتقدوا بأن العدل الإلهي يأخذ مجراه، فإذ امتدت يده للقتل لحق به الموت خلال هذه اليد السافكة للدماء. نال العقوبة من ذات صنف الجريمة التي ارتكبها، وخلال ذات العضو الآثم. هذا ما تلقنوه خلال الناموس الطبيعي، لكنهم تعجلوا في الحكم، لأن ما حدث للرسول بولس لم يكن ممكنًا لأحد في مثل هذه الظروف أن يتوقعه.
"العدل" كان تمثله عند بعض الوثنيين ابنة الإلهةJupter جوبيتر التي عملها هو الانتقام من الظالمين، والحكم على مرتكبي الجرائم.
يخطئ الوثنيون إذ يظنون إن العدل الإلهي حتمًا يتحقق في هذا العالم، مع أن بعض القتلة يعيشون إلى زمنٍ طويلٍ ويتمتعون بصحة جيدة وقوة، ولا يؤمنون بيوم الرب العظيم، حيث يسقطون تحت الدينونة. كما يخطئون إذ يحسبون أن كل من يصيبهم أذى حتما هم تحت عقوبة عادلة، فكل مرض أو تجربة إنما تسقط على الخطاة.
ولماذا نتحدّث عن الوثنيّين، فإنّه حتى الأنبياء يقفون أحيانًا في دهشة إذ يظنّون أن العدالة الإلهيَّة تأخذ مجراها حالاً في هذا العالم، فيدهشون حين يروا الأشرار ناجحين. فيقول المرتّل: "قد رأيت الشرّير عاتيّا وراقًا مثل شجرة شارقة ناضرة" (مز 37: 35)... لكن لن يبقى الحال هكذا، إذ "عبر فإذا هو ليس بموجود، والتمسته فلم يوجد" (مز 37: 36).
تحدثوا عن القديس بولس كمن قد مات فعلاً، فإنه لا يمكن لمن تنشب به مثل هذه الحية أن يحيا.
"فنفض هو الوحش إلى النار،
ولم يتضرر بشيءٍ رديءٍ". [5]
"نفض الوحش": سمح الرب بذلك لكي يكرز لهم القديس بولس بالسيد المسيح الذي يهبنا سلطانًا على الحيات، فلا تقدر أن تبث سموم الموت فينا.
نفض الرسول الأفعى دون أي انزعاج أو اضطراب، ودون طلب أية معونة، لأن السيد المسيح واهب الحياة وغالب الموت هو في داخله.
+ "تطأ الحية والصل، وتدوس الأسد والتنين" (مز 91: 13). اختار أقوى الحيوانات والمهلكة أكثر من الكل، إذ أراد أن يقدم العمل الشيطاني بكل صور الشر، فبذكر الأسد والتنين أشار إلى القوة، فإن هذه الحيوانات جميعها معًا عنيفة، أما بالإشارة إلى الحية والصل فيلمح إلى التطرف في الشر. الأولى تبث سمًا قاتلاً، والأخيرة تسبب موتًا بالتطلع إليها. بالطبع كثيرون ممن وثقوا في الله أكدوا ذلك حتى في علاقتهم بالوحوش المفترسة. هكذا دانيال المشهور سدّ أفواه الأسود. وبولس الملهم لم تضره الحية، ولكي نضع ذلك في إيجاز، فلنرجع إلى نوح الذي عاش بين الحيوانات وكان محفوظًا من أي ضرر. هكذا توجد أعداد لا حصر لها من الناس الذين احتضنوا الحياة الزاهدة مع الوحوش، وكانوا محميين من أي ضرر يصيبهم، وذلك خلال رجائهم في الله.
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
+ لهذا كان ولسببٍ معقول أن يصير الرب أيلاً، حتى تعد كلمة الرب مثل تلك الأيائل لنفسه؛ التي يقول عنها: "يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة (لغات) جديدةٍ، يحملون حياتٍ، وإن شربوا شيئًا مميتًا لا يضرهم" (مر 16: 17-18). وقد حملوا حياَّتٍ فعلاً وذلك حين طرح رسله قوة الشر الروحية (قابل أف 6:12) من أماكن خفية في أجسادهم، حين نفخوا فيها، ولم ينلهم ضرر من سمومها المميتة. وحينما قفزت أفعى من حزمة عصى ولدغت بولس، وإذ رأى الأهالي تلك الأفعى، وهي تتدلى من يده، ظنوا أنه ميِّت لا محالة (أَع 28: 3-6). لكنه وقف دون فزعٍ، ولم يتأثرْ بالجُرح، ولم يسرِ السُم فيه. لهذا نظروا إليه معتقدين أنه ليس من بني البشر، إن جاز التعبير. لكنه مولود حقًا بنعمة الله، وأنه يفوق البشر. تأملوا الأيل وهو يطرح الأفاعي من أماكن اختبائها، كما قال: "بروح الله الذي في أنفه" (أَي 27:3)، "والتفت بولس بالروح، وإذ نظر خلفه، قال في حزن للروح العَّراف: "أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة" (أع 16: 18). انظروا إلى الأيل حينما جاء إلى المعمودية (مز 41 [42]: 2)، التي صارت طاهرةً بالغسل الذي من النبع المقدس، فطرحت كلَ سموم الاضطهاد، انظروا إلى الأيل الرب يسوع، حينما أتى إلى يوحنا المعمدان. فقال له يوحنا: "أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليَّ (مت 3:14)، فأجابه: "اسمح الآن!" [أو حرفيا ليكن الآن] (مت 3:15). وحين قال ذلك، نزل بكل شوقٍ إلى المياه، لأنه عطش إلى خلاص البشرية.
القديس أمبروسيوس
+ ليس للأرواح الشريرة سلطانًا أن تضر أحدًا، يظهر ذلك بوضوح في حالة الطوباوي أيوب، حيث لم يتجاسر العدو أن يجربه إلا حسبما سمح الله به... وقد اعترفت الأرواح نفسها بذلك كما جاء في الإنجيل إذ قالت: "إن كنت تُخرِجنا فَأْذَنْ لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير" (مت 31:8). فإن كان ليس لديهم السلطان أن يدخلوا الحيوانات النجسة العُجم إلا بسماح من الله، فكم بالأحرى يعجزون عن الدخول في الإنسان المخلوق علي صورة الله؟!
لو كان لهؤلاء الأعداء (الشياطين) سلطان علينا والإضرار بنا وتجربتنا كما يشاءون لما كان يستطيع أحد أن يعيش في الصحراء بمفرده... ويظهر ذلك بأكثر وضوح من كلمات ربنا ومخلصنا الذي احتل آخر صفوف البشر، إذ قال لبيلاطس: "لم يكن لك عليَّ سلطان البتَّة لو لم تكن قد أُعطِيت من فوق" (يو 11:19).
+ واضح أن الأرواح النجسة لا تقدر أن تجد لها طريقًا في أجساد من اغتصبتهم بأي وسيلة ما لم تملك أولاً علي عقولهم وأفكارهم فتسلب منهم مخافة الرب وتذكره والتأمل فيه، وبهذا تتجاسر فتتقدم إليهم كمن هم بلا حصانة إلهية، وتقيدهم بسهولة وتجد لها موضعًا فيهم، كما لو كان لها حق الملكية عليهم.
الأب سيرينوس
أمران متكاملان يشغلان قلب الكارز بإنجيل المسيح: التمتّع بالشركة مع الله، وتحطيم قوّات الظلمة. قدر ما ينفتح القلب لسكنى الله، ويتمتّع بالمصالحة معه، ويحمل الطبيعة الجديدة، لا يكون لعدو الخير سلطان على المؤمن. هذه هي كرازتنا: النصرة بالرب على إبليس وكل جنوده!
وأمّا هم فكانوا ينتظرون أنه عتيد أن ينتفخ أو يسقط بغتة ميتًا،
فإذ انتظروا كثيرًا ورأوا أنه لم يعرض له شيء مضرّ،
تغيروا، وقالوا: هو إله". [6]
ما يراه الناس نقمة يراه الله نعمة، وما أثاره عدو الخير إبليس ليضيف إلى الآم الرسول آلامًا بل وموتًا يتحول إلى مجد لله وتكريم بولس الرسول. فبهذه الحية التي كان العدو يود أن يخلص بها من الرسول بولس في فضيحةٍ وعارٍ انفتح له باب الكرازة والشهادة، وبقي بولس في هذه الجزيرة لا يكف عن خدمة شعبها.
يُقال أن الرسول بولس لعن الحية، فاختفت كل الحيات، ولم يعد في مالطة حيات أو ثعابين.
حسب خبرتهم العملية كانوا يتوقعون انتفاخ جسم بولس وموته فورًا، وإذ لم يتحقق ذلك حسبوه إلهًا قادرًا أن يحطم الموت. كانوا يعبدون آلهة مجهولة، ولم يكونوا يتوقعون في آلهتهم أعظم مما لمسوه في بولس.
إن كان السيد المسيح قد انتهر الشيطان، قائلاً له: "ابعد عني شيطان"، فقد وهب تلاميذه روح النصرة والغلبة. لهذا في غير افتخار ولا تردد ألقى الحية في النار لتحترق. أعطانا سلطانًا أن نُلقى بالتجارب كما في نار ولا نخشاها.
الإنجيل من يو 12 : 44 - 50
44 فنادى يسوع و قال الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي ارسلني
45 و الذي يراني يرى الذي ارسلني
46 انا قد جئت نورا الى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة
47 و ان سمع احد كلامي و لم يؤمن فانا لا ادينه لاني لم ات لادين العالم بل لاخلص العالم
48 من رذلني و لم يقبل كلامي فله من يدينه الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الاخير
49 لاني لم اتكلم من نفسي لكن الاب الذي ارسلني هو اعطاني وصية ماذا اقول و بماذا اتكلم
50 و انا اعلم ان وصيته هي حياة ابدية فما اتكلم انا به فكما قال لي الاب هكذا اتكلم
"العدل" كان تمثله عند بعض الوثنيين ابنة الإلهةJupter جوبيتر التي عملها هو الانتقام من الظالمين، والحكم على مرتكبي الجرائم.
يخطئ الوثنيون إذ يظنون إن العدل الإلهي حتمًا يتحقق في هذا العالم، مع أن بعض القتلة يعيشون إلى زمنٍ طويلٍ ويتمتعون بصحة جيدة وقوة، ولا يؤمنون بيوم الرب العظيم، حيث يسقطون تحت الدينونة. كما يخطئون إذ يحسبون أن كل من يصيبهم أذى حتما هم تحت عقوبة عادلة، فكل مرض أو تجربة إنما تسقط على الخطاة.
ولماذا نتحدّث عن الوثنيّين، فإنّه حتى الأنبياء يقفون أحيانًا في دهشة إذ يظنّون أن العدالة الإلهيَّة تأخذ مجراها حالاً في هذا العالم، فيدهشون حين يروا الأشرار ناجحين. فيقول المرتّل: "قد رأيت الشرّير عاتيّا وراقًا مثل شجرة شارقة ناضرة" (مز 37: 35)... لكن لن يبقى الحال هكذا، إذ "عبر فإذا هو ليس بموجود، والتمسته فلم يوجد" (مز 37: 36).
تحدثوا عن القديس بولس كمن قد مات فعلاً، فإنه لا يمكن لمن تنشب به مثل هذه الحية أن يحيا.
"فنفض هو الوحش إلى النار،
ولم يتضرر بشيءٍ رديءٍ". [5]
"نفض الوحش": سمح الرب بذلك لكي يكرز لهم القديس بولس بالسيد المسيح الذي يهبنا سلطانًا على الحيات، فلا تقدر أن تبث سموم الموت فينا.
نفض الرسول الأفعى دون أي انزعاج أو اضطراب، ودون طلب أية معونة، لأن السيد المسيح واهب الحياة وغالب الموت هو في داخله.
+ "تطأ الحية والصل، وتدوس الأسد والتنين" (مز 91: 13). اختار أقوى الحيوانات والمهلكة أكثر من الكل، إذ أراد أن يقدم العمل الشيطاني بكل صور الشر، فبذكر الأسد والتنين أشار إلى القوة، فإن هذه الحيوانات جميعها معًا عنيفة، أما بالإشارة إلى الحية والصل فيلمح إلى التطرف في الشر. الأولى تبث سمًا قاتلاً، والأخيرة تسبب موتًا بالتطلع إليها. بالطبع كثيرون ممن وثقوا في الله أكدوا ذلك حتى في علاقتهم بالوحوش المفترسة. هكذا دانيال المشهور سدّ أفواه الأسود. وبولس الملهم لم تضره الحية، ولكي نضع ذلك في إيجاز، فلنرجع إلى نوح الذي عاش بين الحيوانات وكان محفوظًا من أي ضرر. هكذا توجد أعداد لا حصر لها من الناس الذين احتضنوا الحياة الزاهدة مع الوحوش، وكانوا محميين من أي ضرر يصيبهم، وذلك خلال رجائهم في الله.
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
+ لهذا كان ولسببٍ معقول أن يصير الرب أيلاً، حتى تعد كلمة الرب مثل تلك الأيائل لنفسه؛ التي يقول عنها: "يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة (لغات) جديدةٍ، يحملون حياتٍ، وإن شربوا شيئًا مميتًا لا يضرهم" (مر 16: 17-18). وقد حملوا حياَّتٍ فعلاً وذلك حين طرح رسله قوة الشر الروحية (قابل أف 6:12) من أماكن خفية في أجسادهم، حين نفخوا فيها، ولم ينلهم ضرر من سمومها المميتة. وحينما قفزت أفعى من حزمة عصى ولدغت بولس، وإذ رأى الأهالي تلك الأفعى، وهي تتدلى من يده، ظنوا أنه ميِّت لا محالة (أَع 28: 3-6). لكنه وقف دون فزعٍ، ولم يتأثرْ بالجُرح، ولم يسرِ السُم فيه. لهذا نظروا إليه معتقدين أنه ليس من بني البشر، إن جاز التعبير. لكنه مولود حقًا بنعمة الله، وأنه يفوق البشر. تأملوا الأيل وهو يطرح الأفاعي من أماكن اختبائها، كما قال: "بروح الله الذي في أنفه" (أَي 27:3)، "والتفت بولس بالروح، وإذ نظر خلفه، قال في حزن للروح العَّراف: "أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة" (أع 16: 18). انظروا إلى الأيل حينما جاء إلى المعمودية (مز 41 [42]: 2)، التي صارت طاهرةً بالغسل الذي من النبع المقدس، فطرحت كلَ سموم الاضطهاد، انظروا إلى الأيل الرب يسوع، حينما أتى إلى يوحنا المعمدان. فقال له يوحنا: "أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليَّ (مت 3:14)، فأجابه: "اسمح الآن!" [أو حرفيا ليكن الآن] (مت 3:15). وحين قال ذلك، نزل بكل شوقٍ إلى المياه، لأنه عطش إلى خلاص البشرية.
القديس أمبروسيوس
+ ليس للأرواح الشريرة سلطانًا أن تضر أحدًا، يظهر ذلك بوضوح في حالة الطوباوي أيوب، حيث لم يتجاسر العدو أن يجربه إلا حسبما سمح الله به... وقد اعترفت الأرواح نفسها بذلك كما جاء في الإنجيل إذ قالت: "إن كنت تُخرِجنا فَأْذَنْ لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير" (مت 31:8). فإن كان ليس لديهم السلطان أن يدخلوا الحيوانات النجسة العُجم إلا بسماح من الله، فكم بالأحرى يعجزون عن الدخول في الإنسان المخلوق علي صورة الله؟!
لو كان لهؤلاء الأعداء (الشياطين) سلطان علينا والإضرار بنا وتجربتنا كما يشاءون لما كان يستطيع أحد أن يعيش في الصحراء بمفرده... ويظهر ذلك بأكثر وضوح من كلمات ربنا ومخلصنا الذي احتل آخر صفوف البشر، إذ قال لبيلاطس: "لم يكن لك عليَّ سلطان البتَّة لو لم تكن قد أُعطِيت من فوق" (يو 11:19).
+ واضح أن الأرواح النجسة لا تقدر أن تجد لها طريقًا في أجساد من اغتصبتهم بأي وسيلة ما لم تملك أولاً علي عقولهم وأفكارهم فتسلب منهم مخافة الرب وتذكره والتأمل فيه، وبهذا تتجاسر فتتقدم إليهم كمن هم بلا حصانة إلهية، وتقيدهم بسهولة وتجد لها موضعًا فيهم، كما لو كان لها حق الملكية عليهم.
الأب سيرينوس
أمران متكاملان يشغلان قلب الكارز بإنجيل المسيح: التمتّع بالشركة مع الله، وتحطيم قوّات الظلمة. قدر ما ينفتح القلب لسكنى الله، ويتمتّع بالمصالحة معه، ويحمل الطبيعة الجديدة، لا يكون لعدو الخير سلطان على المؤمن. هذه هي كرازتنا: النصرة بالرب على إبليس وكل جنوده!
وأمّا هم فكانوا ينتظرون أنه عتيد أن ينتفخ أو يسقط بغتة ميتًا،
فإذ انتظروا كثيرًا ورأوا أنه لم يعرض له شيء مضرّ،
تغيروا، وقالوا: هو إله". [6]
ما يراه الناس نقمة يراه الله نعمة، وما أثاره عدو الخير إبليس ليضيف إلى الآم الرسول آلامًا بل وموتًا يتحول إلى مجد لله وتكريم بولس الرسول. فبهذه الحية التي كان العدو يود أن يخلص بها من الرسول بولس في فضيحةٍ وعارٍ انفتح له باب الكرازة والشهادة، وبقي بولس في هذه الجزيرة لا يكف عن خدمة شعبها.
يُقال أن الرسول بولس لعن الحية، فاختفت كل الحيات، ولم يعد في مالطة حيات أو ثعابين.
حسب خبرتهم العملية كانوا يتوقعون انتفاخ جسم بولس وموته فورًا، وإذ لم يتحقق ذلك حسبوه إلهًا قادرًا أن يحطم الموت. كانوا يعبدون آلهة مجهولة، ولم يكونوا يتوقعون في آلهتهم أعظم مما لمسوه في بولس.
إن كان السيد المسيح قد انتهر الشيطان، قائلاً له: "ابعد عني شيطان"، فقد وهب تلاميذه روح النصرة والغلبة. لهذا في غير افتخار ولا تردد ألقى الحية في النار لتحترق. أعطانا سلطانًا أن نُلقى بالتجارب كما في نار ولا نخشاها.
الإنجيل من يو 12 : 44 - 50
44 فنادى يسوع و قال الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي ارسلني
45 و الذي يراني يرى الذي ارسلني
46 انا قد جئت نورا الى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة
47 و ان سمع احد كلامي و لم يؤمن فانا لا ادينه لاني لم ات لادين العالم بل لاخلص العالم
48 من رذلني و لم يقبل كلامي فله من يدينه الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الاخير
49 لاني لم اتكلم من نفسي لكن الاب الذي ارسلني هو اعطاني وصية ماذا اقول و بماذا اتكلم
50 و انا اعلم ان وصيته هي حياة ابدية فما اتكلم انا به فكما قال لي الاب هكذا اتكلم
+ + +
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:48 pm
شهادة المسيح لنفسه
"فنادى يسوع وقال:
الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي،
بل بالذي أرسلني". (44)
هذا هو ختام عظته الموجهة للأشرار المصممين على عدم الإيمان، وتُحسب تكملة للعظة التي قُطعت بالآية ٣٧. لقد نادى (صرخ) يسوع بصوتٍ عالٍ، مظهرًا غيرته الشديدة على خلاصهم.
هنا يؤكد وحدته الخفية مع الآب، فمن يؤمن بالابن يؤمن بالآب الذي أرسله، ومن يرى الابن يرى الآب أيضًا، من يكرم الابن يكرم الآب.
+ معنى: "لا يؤمن" أي لا يكون ذلك عند حدود الشكل الجسدي، ولا عند حدود الإنسان الذي ترونه. فإنه يقرر أنه يلزمنا أن نؤمن بأنه ليس إنسانًا مجردًا، بل نؤمن بيسوع المسيح اللَّه والإنسان (في نفس الوقت).
القديس أمبروسيوس
+ كأن يقول: "لماذا تخشون أن تؤمنوا بي؟ الإيمان بي يعبر خلالي إلى الآب، كما أن إنكاركم إياي يصل إليه. انظروا كيف أنه بكل وسيلة يظهر عدم الاختلاف في الجوهر.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ تكريم الابن فيه تكريم للآب، إنه لا يُنقص من لاهوته.
+ الآن عندما يقول: "الذي يؤمن بي، ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني" (٤٤). ماذا نفهم سوى أنه ظهر كإنسانٍ للبشر بينما بقي غير منظور بكونه الله؟ ولكي لا يظن أحد أنه ليس بأكثر مما يروه فيه يشير إلى الإيمان به كمساوٍ للآب في الشخصية والرتبة... فمن يؤمن بالآب يلزمه أن يؤمن أنه أب، ومن يؤمن بالآب يؤمن أن له ابن، وبهذا فمن يؤمن بالآب يلزمه أن يؤمن بالابن.
القديس أغسطينوس
"والذي يراني، يرى الذي أرسلني". (45)
+ ماذا إذن؟ هل لله جسد؟ لا يمكن! فإن الرؤية التي يتحدث عنها ليست بجهة من الجهات جسمًا، فالبصر هنا إنما يريد به بصيرة العقل، وفي هذه الجهة بيَّن السيد المسيح أن جوهره هو جوهر أبيه. هنا يعلن عن الشركة في ذات الجوهر.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ نطق بالكلمات السابقة (٤٤) حتى لا يؤمن أحد أنه مجرد ما يظهر عليه، أي أنه ابن الإنسان، وبالكلمات التالية (٤٥) لكي يؤمنوا أنه مساوٍ للآب...
لقد أرسل المسيح رسله... لكن لم يكن ممكنًا لأحدهم أن يقول: "من يؤمن بي ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني"، فإنه ليس من أي أساس يمكن أن يقوم عليه القول: "يؤمن بي".
نحن نصدق الرسول، لكننا لا نؤمن به، لأنه ليس من رسول يبرر الخطاة. إنما نؤمن بالذي يبرر الخطاة، إيمانه يُحسب برًا (رو ٤: ٥).
يُمكن للرسول أن يقول: "من يقبلني يقبل الذي أرسلني"، أو "من يسمعني يسمع الذي أرسلني"، إذ يقول الرب: من يقبلكم يقبلني، ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني (مت ١٠: ٤٠). فإن السيد يُكرم في الخادم، والأب في الابن، وعندئذ الأب كما في الابن والسيد كما في الخادم.
أمكن للابن الوحيد الجنس بحقٍ أن يقول: "آمـنوا بالله، فآمنوا بي" (يو ١٤: ١). وكما يقول هنا أيضًا: "الذي يؤمن بي، ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني". إنه لا يحول إيمان المؤمن عنه، وإنما أراد ألا يقف المؤمن عند إيمانه به كعبدٍ، لأن كل من يؤمن بالآب يؤمن للحال بالابن، الذي بدونه لا يكون للآب وجود كآبٍ. وهكذا يبلغ إلى إيمانه بمساواته للآب، ذلك طبقًا للكلمات التالية لها: "والذي يراني، يرى الذي أرسلني" (٤٥).
القديس أغسطينوس
"أنا قد جئت نورًا إلى العالم،
حتى كل من يؤمن بي، لا يمكث في الظلمة". (46)
قبل مجيء المخلص - شمس البرّ - إلى العالم كان الكل في الظلمة. بإشراقه تبددت الظلمة، لكن لم ينتفع منها إلاَّ من كانت عيناه سليمتين قادرتين على رؤية أشعة شمس البرّ هذا. أشرقت شمس البرّ على البشرية كلها لكي يجد المؤمنون فيه نورًا وراحة، حيث لا يبقى للظلمة موضع فيهم. بنوره تنتهي المخاوف واليأس، ويحل الفرح السماوي والرجاء في الأبدية.
+ إذ يُدعى الآب بذات الاسم في كل موضع في العهدين القديم والجديد، يستخدم المسيح نفس الاسم أيضًا. لهذا يدعوه بولس: "البهاء" (عب 1:3)، متعلمًا أن يفعل هذا من ذات المصدر. أيضًا يظهر هنا العلاقة القوية بينه وبين الآب، وأنه لا يوجد فصل بينهما، وذلك متى قال أن الإيمان به ليس به، بل يعبر إلى الآب، ويدعو نفسه النور "لأنه يُخلص من الخطأ، ويزيل الظلمة العقلية.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ أليس بصالح ذاك الذي رفع الأرض إلى سماء حتى أن الكواكب المتلألئة المصاحبة له تعكس مجده في السماء كما في مرآة، هكذا طغمات الرسل والشهداء والكهنة يشرقون مثل كواكب مجيدة، وتهب نورًا للعالم؟
القديس أمبروسيوس
+ إنه لم يقل (لتلاميذه) "قد جئتم نورًا للعالم، حتى كل من يؤمن بكم لا يمكث في الظلمة". مثل هذا القول أقول لن يمكن قبوله بأي وضع. لذلك فكل القديسين هم أنوار، لكنهم استناروا به بالإيمان، وكل من ينفصل عنه تحوط به الظلمة. أما ذاك النور الذي ينيرهم، فلن يمكن أن ينفصل عن ذاته، لأنه غير قابل للتغيير.
القديس أغسطينوس
"وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن، أنا لا أدينه،
لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم". (47)
لم يأت السيد المسيح ليدين العالم بل ليخلصه. كلمات الأنبياء التي تنبأت عنه تدينهم.
v الآن هو زمن الرحمة، فيما بعد يأتي زمن الدينونة، إذ قيل: "اسبح لك يا رب الرحمة والحكم" (مز ١٠١: ١).
القديس أغسطينوس
"من رذلني ولم يقبل كلامي، فله من يدينه،
الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير". (48)
إن كان السيد المسيح يشتهي خلاص الكل لا دينونتهم، فإنه في اليوم الأخير كلماته تدين غير المؤمنين، كشاهد على جرائمهم. كل كلمة ينطق بها، وكل حنو يقدمه، وكل عطية يهبها، هذه كلها تشهد ضد من يستهين به.
+ قوله: "الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير" (٤٨) فيه الكفاية ليعلن أنه هو نفسه الديان بعد ذلك. فإنه هو نفسه الذي تكلم، وهو الذي أعلن ذلك، وهو نفسه الذي أقام نفسه كبابٍ يدخل منه كراعٍ إلى خرافه. فإنه سيُدان الذين لم يسمعوا الكلمة قط بطريقة غير الذي سيُدان بها من سمعوا واستخفوا بالكلمة. يقول الرسول: "لأن كل من أخطأ بدون الناموس فبدون الناموس يهلك، وكل من أخطأ في الناموس فبالناموس يُدان" (رو ٢: ١٢).
القديس أغسطينوس
"لأني لم أتكلم من نفسي،
لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم". (49)
يقوم يسوع بكونه المسيا برسالة الخلاص التي تسلمها من الآب لينطق بها ويتممها. إنه وكالة الآب، ما يفعله لحساب الآب الذي أحب العالم وبذل ابنه الوحيد من أجله.
لقد فشل آدم الأول في رسالته، وعصى الله، ولم يكن بالسفير اللائق ليمثل السماوي، فجاء آدم الثاني بروح الطاعة يتمم العمل المُوكل إليه، عمل الحب الإلهي الفائق. فيه يمكننا أن نمارس الطاعة التي فقدناها بانتسابنا لآدم أبينا.
+ حتمًا قال هذا من أجلهم... ألا ترون أنه قدم تعبيره في تواضع متزايد، حتى يجتذب هؤلاء الناس ويُسكت القادمين بعدهم؟ هذا هو السبب الذي نطق بكلمات تناسب إنسانًا مجردًا، إذ كان مدركًا أن الكلمات لا تخص طبيعته بل تناسب ضعف المستمعين.القديس يوحنا الذهبي الفم
"فنادى يسوع وقال:
الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي،
بل بالذي أرسلني". (44)
هذا هو ختام عظته الموجهة للأشرار المصممين على عدم الإيمان، وتُحسب تكملة للعظة التي قُطعت بالآية ٣٧. لقد نادى (صرخ) يسوع بصوتٍ عالٍ، مظهرًا غيرته الشديدة على خلاصهم.
هنا يؤكد وحدته الخفية مع الآب، فمن يؤمن بالابن يؤمن بالآب الذي أرسله، ومن يرى الابن يرى الآب أيضًا، من يكرم الابن يكرم الآب.
+ معنى: "لا يؤمن" أي لا يكون ذلك عند حدود الشكل الجسدي، ولا عند حدود الإنسان الذي ترونه. فإنه يقرر أنه يلزمنا أن نؤمن بأنه ليس إنسانًا مجردًا، بل نؤمن بيسوع المسيح اللَّه والإنسان (في نفس الوقت).
القديس أمبروسيوس
+ كأن يقول: "لماذا تخشون أن تؤمنوا بي؟ الإيمان بي يعبر خلالي إلى الآب، كما أن إنكاركم إياي يصل إليه. انظروا كيف أنه بكل وسيلة يظهر عدم الاختلاف في الجوهر.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ تكريم الابن فيه تكريم للآب، إنه لا يُنقص من لاهوته.
+ الآن عندما يقول: "الذي يؤمن بي، ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني" (٤٤). ماذا نفهم سوى أنه ظهر كإنسانٍ للبشر بينما بقي غير منظور بكونه الله؟ ولكي لا يظن أحد أنه ليس بأكثر مما يروه فيه يشير إلى الإيمان به كمساوٍ للآب في الشخصية والرتبة... فمن يؤمن بالآب يلزمه أن يؤمن أنه أب، ومن يؤمن بالآب يؤمن أن له ابن، وبهذا فمن يؤمن بالآب يلزمه أن يؤمن بالابن.
القديس أغسطينوس
"والذي يراني، يرى الذي أرسلني". (45)
+ ماذا إذن؟ هل لله جسد؟ لا يمكن! فإن الرؤية التي يتحدث عنها ليست بجهة من الجهات جسمًا، فالبصر هنا إنما يريد به بصيرة العقل، وفي هذه الجهة بيَّن السيد المسيح أن جوهره هو جوهر أبيه. هنا يعلن عن الشركة في ذات الجوهر.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ نطق بالكلمات السابقة (٤٤) حتى لا يؤمن أحد أنه مجرد ما يظهر عليه، أي أنه ابن الإنسان، وبالكلمات التالية (٤٥) لكي يؤمنوا أنه مساوٍ للآب...
لقد أرسل المسيح رسله... لكن لم يكن ممكنًا لأحدهم أن يقول: "من يؤمن بي ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني"، فإنه ليس من أي أساس يمكن أن يقوم عليه القول: "يؤمن بي".
نحن نصدق الرسول، لكننا لا نؤمن به، لأنه ليس من رسول يبرر الخطاة. إنما نؤمن بالذي يبرر الخطاة، إيمانه يُحسب برًا (رو ٤: ٥).
يُمكن للرسول أن يقول: "من يقبلني يقبل الذي أرسلني"، أو "من يسمعني يسمع الذي أرسلني"، إذ يقول الرب: من يقبلكم يقبلني، ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني (مت ١٠: ٤٠). فإن السيد يُكرم في الخادم، والأب في الابن، وعندئذ الأب كما في الابن والسيد كما في الخادم.
أمكن للابن الوحيد الجنس بحقٍ أن يقول: "آمـنوا بالله، فآمنوا بي" (يو ١٤: ١). وكما يقول هنا أيضًا: "الذي يؤمن بي، ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني". إنه لا يحول إيمان المؤمن عنه، وإنما أراد ألا يقف المؤمن عند إيمانه به كعبدٍ، لأن كل من يؤمن بالآب يؤمن للحال بالابن، الذي بدونه لا يكون للآب وجود كآبٍ. وهكذا يبلغ إلى إيمانه بمساواته للآب، ذلك طبقًا للكلمات التالية لها: "والذي يراني، يرى الذي أرسلني" (٤٥).
القديس أغسطينوس
"أنا قد جئت نورًا إلى العالم،
حتى كل من يؤمن بي، لا يمكث في الظلمة". (46)
قبل مجيء المخلص - شمس البرّ - إلى العالم كان الكل في الظلمة. بإشراقه تبددت الظلمة، لكن لم ينتفع منها إلاَّ من كانت عيناه سليمتين قادرتين على رؤية أشعة شمس البرّ هذا. أشرقت شمس البرّ على البشرية كلها لكي يجد المؤمنون فيه نورًا وراحة، حيث لا يبقى للظلمة موضع فيهم. بنوره تنتهي المخاوف واليأس، ويحل الفرح السماوي والرجاء في الأبدية.
+ إذ يُدعى الآب بذات الاسم في كل موضع في العهدين القديم والجديد، يستخدم المسيح نفس الاسم أيضًا. لهذا يدعوه بولس: "البهاء" (عب 1:3)، متعلمًا أن يفعل هذا من ذات المصدر. أيضًا يظهر هنا العلاقة القوية بينه وبين الآب، وأنه لا يوجد فصل بينهما، وذلك متى قال أن الإيمان به ليس به، بل يعبر إلى الآب، ويدعو نفسه النور "لأنه يُخلص من الخطأ، ويزيل الظلمة العقلية.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ أليس بصالح ذاك الذي رفع الأرض إلى سماء حتى أن الكواكب المتلألئة المصاحبة له تعكس مجده في السماء كما في مرآة، هكذا طغمات الرسل والشهداء والكهنة يشرقون مثل كواكب مجيدة، وتهب نورًا للعالم؟
القديس أمبروسيوس
+ إنه لم يقل (لتلاميذه) "قد جئتم نورًا للعالم، حتى كل من يؤمن بكم لا يمكث في الظلمة". مثل هذا القول أقول لن يمكن قبوله بأي وضع. لذلك فكل القديسين هم أنوار، لكنهم استناروا به بالإيمان، وكل من ينفصل عنه تحوط به الظلمة. أما ذاك النور الذي ينيرهم، فلن يمكن أن ينفصل عن ذاته، لأنه غير قابل للتغيير.
القديس أغسطينوس
"وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن، أنا لا أدينه،
لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم". (47)
لم يأت السيد المسيح ليدين العالم بل ليخلصه. كلمات الأنبياء التي تنبأت عنه تدينهم.
v الآن هو زمن الرحمة، فيما بعد يأتي زمن الدينونة، إذ قيل: "اسبح لك يا رب الرحمة والحكم" (مز ١٠١: ١).
القديس أغسطينوس
"من رذلني ولم يقبل كلامي، فله من يدينه،
الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير". (48)
إن كان السيد المسيح يشتهي خلاص الكل لا دينونتهم، فإنه في اليوم الأخير كلماته تدين غير المؤمنين، كشاهد على جرائمهم. كل كلمة ينطق بها، وكل حنو يقدمه، وكل عطية يهبها، هذه كلها تشهد ضد من يستهين به.
+ قوله: "الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير" (٤٨) فيه الكفاية ليعلن أنه هو نفسه الديان بعد ذلك. فإنه هو نفسه الذي تكلم، وهو الذي أعلن ذلك، وهو نفسه الذي أقام نفسه كبابٍ يدخل منه كراعٍ إلى خرافه. فإنه سيُدان الذين لم يسمعوا الكلمة قط بطريقة غير الذي سيُدان بها من سمعوا واستخفوا بالكلمة. يقول الرسول: "لأن كل من أخطأ بدون الناموس فبدون الناموس يهلك، وكل من أخطأ في الناموس فبالناموس يُدان" (رو ٢: ١٢).
القديس أغسطينوس
"لأني لم أتكلم من نفسي،
لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم". (49)
يقوم يسوع بكونه المسيا برسالة الخلاص التي تسلمها من الآب لينطق بها ويتممها. إنه وكالة الآب، ما يفعله لحساب الآب الذي أحب العالم وبذل ابنه الوحيد من أجله.
لقد فشل آدم الأول في رسالته، وعصى الله، ولم يكن بالسفير اللائق ليمثل السماوي، فجاء آدم الثاني بروح الطاعة يتمم العمل المُوكل إليه، عمل الحب الإلهي الفائق. فيه يمكننا أن نمارس الطاعة التي فقدناها بانتسابنا لآدم أبينا.
+ حتمًا قال هذا من أجلهم... ألا ترون أنه قدم تعبيره في تواضع متزايد، حتى يجتذب هؤلاء الناس ويُسكت القادمين بعدهم؟ هذا هو السبب الذي نطق بكلمات تناسب إنسانًا مجردًا، إذ كان مدركًا أن الكلمات لا تخص طبيعته بل تناسب ضعف المستمعين.القديس يوحنا الذهبي الفم
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:48 pm
+ الابن وحده هو كلمة الآب، وحكمة الآب، فيه كل وصايا الآب. فإنه لا يوجد زمن فيه لم يعرف الابن وصية الآب، مما يجعل من الضرورة أن يقتنيها في وقت معين، تلك التي اقتناها قبلاً. ما ناله من الآب هو أنه وُلد، فاقتناها بمولده (الأزلي)... لم يقدم الآب للابن وصية لم تكن لديه، وإنما كما قلت أنه في حكمة الآب وفي كلمة الآب تقوم كل وصايا الآب.
القديس أغسطينوس
"وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية،
فما أتكلم أنا به،
فكما قال لي الآب هكذا أتكلم". (50)
+ إن كان الابن نفسه هو الحياة الأبدية، وهو وصية الآب، فماذا يعني هذا سوى "أنا هو وصية الآب"؟ وبقوله: "فما أتكلم به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم" (٥٠).
لا يُفهم "قال لي" كما لو كان الآب يستخدم كلمات في حديثه مع الكلمة وحده، أو أن كلمة الله يحتاج إلى كلمات من الله.
تكلم الآب مع الابن بنفس الطريقة كما أعطى الحياة للابن، ليس كمن لا يعرف أمرًا، أو لم يكن له الأخرى (الحياة)، وإنما لأنه هو الابن... إنه الحقاني قد ولد الحق، فماذا يمكن أن يقول للحق؟ فإن الحق الذي ليس فيه نقص لا يحتاج إلى من يهبه حقًا إضافيًا. إذن هو تكلم مع الحق لأنه ولد الحق.
القديس أغسطينوس
+ + +
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:54 pm
اليوم الرابع ( الخميس ) من الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
النبوات .. إشعياء 11 ، 12
إشعياء – الإصحاح الحادى عشر
المسيا والعصر المسيانى
لم يكن ممكنا لإشعياء النبى أن ينحصر فى الأحداث المعاصرة له ولا الخاصة بالمستقبل القريب بالنسبة له وإنما اتجه نحو الخلاص الأبدى ، ليرى عمل الله العجيب لا بسقوط أشور ولا بعودة القلة الأمينة إلى يهوذا ، وإنما بسقوط عدو الخير إبليس واجتماع المؤمنين من اليهود والأمم كأعضاء فى جسد واحد يتمتعون بالملكوت المسيانى العجيب .
( 1 ) ظهور ابن يسى :
فى الإصحاح التاسع تحدث عن المخلص بكونه المولود العجيب : " لأنه يولد لنا ولد .. ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا " إش 9 : 6
أما هنا فيؤكد ناسوته بكونه الملك ابن يسى : " ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله " إش 11 : 1 .
لم يقل ابن داود مع أنه شرعا هو أبن داود ، لكنه أراد تقديمه بصورة متواضعة جدا ، كقضيب وغصن من يسى الذى عاش ومات قليل الشأن . والعجيب أن نسل داود الملك ضعف جدا حتى جاء يوسف والقديسة مريم فقراء للغاية .
بينما يتحدث الوحى فى الإصحاح السابق عن أشور – يمثل عدو الكنيسة – كأغصان مرتفعة وقوية ( إش 10 : 33 ) يظهر المسيا كقضيب أو غصن متواضع . أراد أن يسحق الكبرياء محطم البشرية بإتضاعه . وكما تقول عنه الكنيسة فى جمعة الصلبوت : " أظهر بالضعف ( الصليب ) ما هو أعظم من القوة "
+ هذا هو المسيح ، فقد حبل به بقوة الله بواسطة عذراء من نسل يعقوب ، أب يهوذا ، وأب اليهود ، من نسل يسى ..
( 2 ) المخلص وروح الرب :
" ويحل عليه روح الرب ، روح الحكمة والفهم ، روح المشورة والقوة ، روح المعرفة ومخافة الرب " إش 11 : 2
إذ جاء السيد المسيح ممثلا للبشرية حل عليه الروح القدس الذى ليس بغريب عنه ، لأنه روحه . حلول الروح القدس على المسيح يختلف عن حلوله علينا ؛ بالنسبة له حلول أقنومى ، واحد معه فى ذات الجوهر مع الآب ، حلول بلا حدود .
كلمة الله هو الحكمة عينها والفهم والقوة .. فحلول الروح القدس ليس حلولا زمنيا بل هو اتحاد أزلى بين الأقانيم الثلاثة . بالتجسد الإلهى قبل ربنا يسوع ظهور الروح القدس حالا عليه لكى يهبنا نحن فيه ، كأعضاء جسده ، عطية الروح القدس واهب الحكمة والفهم والمشورة والقوة والمعرفة ومخافة الرب .
ربما يسأل البعض : لماذا حل الروح القدس على السيد المسيح عند عماده ؟
نقول : الروح القدس هو الذى شكل ناسوت السيد المسيح منذ لحظة البشارة بالتجسد الإلهى . ولما كان لاهوت السيد لم يفارق ناسوته ، لم يكن الناسوت قط فى معزل عن الروح القدس . ولا فى حاجة إلى تجديد الروح له ، لأنه لم يسقط قط فى خطية ولا كان للإنسان القديم موضع فيه ، إنما طلب السيد أن يعتمد " لكى يكمل كل بر " ، أى يقدم لنا برا جديدا نحمله فينا خلال جسده المقدس . حلول الروح عليه فى الحقيقة كان لأجل الإنسانية التى تتقدس فيه ، فتقبل روحه القدوس .
( 3 ) أعمال المخلص :
" ولذته تكون فى مخافة الرب ، فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه ، بل يقضى بالعدل للمساكين ، ويحكم بالإنصاف لبائسى الأرض ، ويضرب الأرض بقضيب فمه ، ويميت المنافق بنفخة شفتيه " إش 11 : 3 ، 4 .
أ – يقدم لنا السيد المسيح صورة حية عن التعامل مع الآخرين ، وهى ألا تقوم على المظاهر الخارجية المجردة ، وألا تكون حواسنا هى الحكم خاصة الشم والنظر والسمع .
يقول " لذتهHis breath تكون فى مخافة الرب " إش 11 : 3 .
العبيد والأجراء يخافون سادتهم لئلا يقتلوهم أو يحرموهم الأجر أو المكافأة ، أما الأبناء فيخافون لئلا تجرح مشاعر آبائهم . هذا الخوف السامى الذى يهبه روح الرب لنا حتى نهاب الله ليس خشية العقوبة ولا الحرمان من المكافأة وإنما لأننا أبناء لا نريد أن نجرح مشاعر محبته .
ب – " لا يقضى بحسب نظر عينيه " إنما حسب الأعماق الداخلية بكونه فاحص القلوب والعارف بالأفكار والنيات . لقد وقف السيد المسيح حازما ضد القيادات الدينية التى تحكم بالمحاباة ، أى يأخذون بمظهر الناس وليس بعدل القضاء .
جـ - رفض الوشايات البشرية " لا يحكم بحسب سمع أذنيه " إش 11 : 3 .
د – اهتمامه بالمساكين والبائسين والمظلومين ( إش 11 : 4 ) .
هـ - " ويضرب الأرض بقضيب فمه " إش 11 : 4 . جاء رب المجد يضرب بكلمته ( قضيب فمه ) أو بسيف فمه ( رؤ 2 : 16 ؛ 19 : 6 ) ، سيف الكلمة ذى الحدين ( عب 4 : 3 ) كل من التصق بمحبة الأرضيات فصار أرضا . غايته أن يحطم فينا محبة الزمنيات ليرفع كل طاقاتنا نحو السمويات .
و – " ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه " إش 11 : 5
جاء ربنا يسوع المسيح إلى العالم ملكا روحيا لا يشارك العالم خاصة الأغنياء مظهرهم فى اللباس والمظاهر البراقة ، يتمنطق بالبر والأمانة علامة غناه وجماله بكونه القدوس واهب الحياة القدسية ، جاء كخادم يتمنطق لكى يغسل الأقدام البشرية حتى يظهر كل من يقبل إليه .
( 4 ) سمات العصر المسيانى :
بعد أن تحدث عن عمل السيد المسيح استطرد ليتحدث عن العصر المسيانى ، مقدما لنا صورة حية عنه أبرزها اتسام البشرية المؤمنة بالأتحاد معا فى جسد واحد ، يحملون طبيعة الحب والسلام ...
يصور هذا العصر قائلا :
" فيسكن الذئب مع الخروف " إش 11 : 6 ... لا يوجد تضاد أعظم من هذا ، يسكن سافك الدم مع الحمل الوديع العاجز عن الدفاع عن نفسه . يحملان طبيعة جديدة دستورها الحب والوفاق . صار الكل قطيعا واحدا يحمل الخليقة الجديدة التى فى المسيح يسوع .
" ويربض النمر مع الجدى " إش 11 : 6
" والعجل والشبل والمسمن معا ؛ وصبى صغير يسوقها " إش 11 : 7
قطيع عجيب غير متجانس ، تحت قيادة عجيبة . هذا الصبى الصغير يشير إلى القيادات الروحية الكنسية التى تستطيع بروح البساطة أن تخلق بروح الرب من المؤمنين القادمين من أمم وشعوب مختلفة والذين يحملون مواهب متعددة قطيعا وديعا يخضع بروح الإنجيل كما لصبى صغير .
" والبقرة والدبة ترعيان ، تربض أولادهما معا ، والأسد كالبقر يأكل تبنا " إش 11 : 7
قراءات باكر | قراءات القداس | ||||
أم 2 : 16 – 3 : 4 إش 11 : 10 – 12 : 2 | مز 9 : 11 ، 12 لو 20 : 20 - 26 | رو 4 : 6 - 11 | يع4 : 1 - 10 | أع 28 : 1 - 6 | مز 9 : 7 ، 8 يو 12 : 44 - 50 |
النبوات .. إشعياء 11 ، 12
إشعياء – الإصحاح الحادى عشر
المسيا والعصر المسيانى
لم يكن ممكنا لإشعياء النبى أن ينحصر فى الأحداث المعاصرة له ولا الخاصة بالمستقبل القريب بالنسبة له وإنما اتجه نحو الخلاص الأبدى ، ليرى عمل الله العجيب لا بسقوط أشور ولا بعودة القلة الأمينة إلى يهوذا ، وإنما بسقوط عدو الخير إبليس واجتماع المؤمنين من اليهود والأمم كأعضاء فى جسد واحد يتمتعون بالملكوت المسيانى العجيب .
( 1 ) ظهور ابن يسى :
فى الإصحاح التاسع تحدث عن المخلص بكونه المولود العجيب : " لأنه يولد لنا ولد .. ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا " إش 9 : 6
أما هنا فيؤكد ناسوته بكونه الملك ابن يسى : " ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله " إش 11 : 1 .
لم يقل ابن داود مع أنه شرعا هو أبن داود ، لكنه أراد تقديمه بصورة متواضعة جدا ، كقضيب وغصن من يسى الذى عاش ومات قليل الشأن . والعجيب أن نسل داود الملك ضعف جدا حتى جاء يوسف والقديسة مريم فقراء للغاية .
بينما يتحدث الوحى فى الإصحاح السابق عن أشور – يمثل عدو الكنيسة – كأغصان مرتفعة وقوية ( إش 10 : 33 ) يظهر المسيا كقضيب أو غصن متواضع . أراد أن يسحق الكبرياء محطم البشرية بإتضاعه . وكما تقول عنه الكنيسة فى جمعة الصلبوت : " أظهر بالضعف ( الصليب ) ما هو أعظم من القوة "
+ هذا هو المسيح ، فقد حبل به بقوة الله بواسطة عذراء من نسل يعقوب ، أب يهوذا ، وأب اليهود ، من نسل يسى ..
( 2 ) المخلص وروح الرب :
" ويحل عليه روح الرب ، روح الحكمة والفهم ، روح المشورة والقوة ، روح المعرفة ومخافة الرب " إش 11 : 2
إذ جاء السيد المسيح ممثلا للبشرية حل عليه الروح القدس الذى ليس بغريب عنه ، لأنه روحه . حلول الروح القدس على المسيح يختلف عن حلوله علينا ؛ بالنسبة له حلول أقنومى ، واحد معه فى ذات الجوهر مع الآب ، حلول بلا حدود .
كلمة الله هو الحكمة عينها والفهم والقوة .. فحلول الروح القدس ليس حلولا زمنيا بل هو اتحاد أزلى بين الأقانيم الثلاثة . بالتجسد الإلهى قبل ربنا يسوع ظهور الروح القدس حالا عليه لكى يهبنا نحن فيه ، كأعضاء جسده ، عطية الروح القدس واهب الحكمة والفهم والمشورة والقوة والمعرفة ومخافة الرب .
ربما يسأل البعض : لماذا حل الروح القدس على السيد المسيح عند عماده ؟
نقول : الروح القدس هو الذى شكل ناسوت السيد المسيح منذ لحظة البشارة بالتجسد الإلهى . ولما كان لاهوت السيد لم يفارق ناسوته ، لم يكن الناسوت قط فى معزل عن الروح القدس . ولا فى حاجة إلى تجديد الروح له ، لأنه لم يسقط قط فى خطية ولا كان للإنسان القديم موضع فيه ، إنما طلب السيد أن يعتمد " لكى يكمل كل بر " ، أى يقدم لنا برا جديدا نحمله فينا خلال جسده المقدس . حلول الروح عليه فى الحقيقة كان لأجل الإنسانية التى تتقدس فيه ، فتقبل روحه القدوس .
( 3 ) أعمال المخلص :
" ولذته تكون فى مخافة الرب ، فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه ، بل يقضى بالعدل للمساكين ، ويحكم بالإنصاف لبائسى الأرض ، ويضرب الأرض بقضيب فمه ، ويميت المنافق بنفخة شفتيه " إش 11 : 3 ، 4 .
أ – يقدم لنا السيد المسيح صورة حية عن التعامل مع الآخرين ، وهى ألا تقوم على المظاهر الخارجية المجردة ، وألا تكون حواسنا هى الحكم خاصة الشم والنظر والسمع .
يقول " لذتهHis breath تكون فى مخافة الرب " إش 11 : 3 .
العبيد والأجراء يخافون سادتهم لئلا يقتلوهم أو يحرموهم الأجر أو المكافأة ، أما الأبناء فيخافون لئلا تجرح مشاعر آبائهم . هذا الخوف السامى الذى يهبه روح الرب لنا حتى نهاب الله ليس خشية العقوبة ولا الحرمان من المكافأة وإنما لأننا أبناء لا نريد أن نجرح مشاعر محبته .
ب – " لا يقضى بحسب نظر عينيه " إنما حسب الأعماق الداخلية بكونه فاحص القلوب والعارف بالأفكار والنيات . لقد وقف السيد المسيح حازما ضد القيادات الدينية التى تحكم بالمحاباة ، أى يأخذون بمظهر الناس وليس بعدل القضاء .
جـ - رفض الوشايات البشرية " لا يحكم بحسب سمع أذنيه " إش 11 : 3 .
د – اهتمامه بالمساكين والبائسين والمظلومين ( إش 11 : 4 ) .
هـ - " ويضرب الأرض بقضيب فمه " إش 11 : 4 . جاء رب المجد يضرب بكلمته ( قضيب فمه ) أو بسيف فمه ( رؤ 2 : 16 ؛ 19 : 6 ) ، سيف الكلمة ذى الحدين ( عب 4 : 3 ) كل من التصق بمحبة الأرضيات فصار أرضا . غايته أن يحطم فينا محبة الزمنيات ليرفع كل طاقاتنا نحو السمويات .
و – " ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه " إش 11 : 5
جاء ربنا يسوع المسيح إلى العالم ملكا روحيا لا يشارك العالم خاصة الأغنياء مظهرهم فى اللباس والمظاهر البراقة ، يتمنطق بالبر والأمانة علامة غناه وجماله بكونه القدوس واهب الحياة القدسية ، جاء كخادم يتمنطق لكى يغسل الأقدام البشرية حتى يظهر كل من يقبل إليه .
( 4 ) سمات العصر المسيانى :
بعد أن تحدث عن عمل السيد المسيح استطرد ليتحدث عن العصر المسيانى ، مقدما لنا صورة حية عنه أبرزها اتسام البشرية المؤمنة بالأتحاد معا فى جسد واحد ، يحملون طبيعة الحب والسلام ...
يصور هذا العصر قائلا :
" فيسكن الذئب مع الخروف " إش 11 : 6 ... لا يوجد تضاد أعظم من هذا ، يسكن سافك الدم مع الحمل الوديع العاجز عن الدفاع عن نفسه . يحملان طبيعة جديدة دستورها الحب والوفاق . صار الكل قطيعا واحدا يحمل الخليقة الجديدة التى فى المسيح يسوع .
" ويربض النمر مع الجدى " إش 11 : 6
" والعجل والشبل والمسمن معا ؛ وصبى صغير يسوقها " إش 11 : 7
قطيع عجيب غير متجانس ، تحت قيادة عجيبة . هذا الصبى الصغير يشير إلى القيادات الروحية الكنسية التى تستطيع بروح البساطة أن تخلق بروح الرب من المؤمنين القادمين من أمم وشعوب مختلفة والذين يحملون مواهب متعددة قطيعا وديعا يخضع بروح الإنجيل كما لصبى صغير .
" والبقرة والدبة ترعيان ، تربض أولادهما معا ، والأسد كالبقر يأكل تبنا " إش 11 : 7
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:56 pm
البقرة تشير إلى اليهود لأنها من الحيوانات الطاهرة ، والدبة تشير إلى الأمم والشعوب الوثنية إذ هى مفترسة ( عنيفة ) وكأنه من سمات العصر المسيانى أن يجنمع أعضاء من أصل يهودى مع أصل أممى فى رعية واحدة تحت قيادة راعى واحد .
والأسد إذ فقد طبعه الوحشى وتغيرت طبيعته فصار كالحيوان المستأنس لا يطلب لحما بل تبنا .
" ويلعب الرضيع على سرب الصل ، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان " إش 11 : 8 .
فى اختصار عمل السيد المسيح هو تغيير الطبيعة البشرية الشرسة خلال خدامه المتسمين بروح الوداعة ، فتحمل الكنيسة كلها – خداما ومخدومين – روح الحب والوحدة . بهذا لا يصيب الكنيسة – جبل قدس الرب – فساد " لأن الأرض تمتلىء من معرفة الرب ، كما تغطى المياة البحر " إش 11 : 9 .
( 5 ) سلام بين الشعوب :
أ – جاء السيد المسيح ليقيم ملكوته من كل الأمم والشعوب ، واهبا سلاما للمؤمنين الحقيقيين " ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدا " إش 11 : 10 .
يقول " إياه تطلب الأمم " إنه مشتهى الشعوب ، بحث عنه اليونانيون ( يو 12 : 20 ، 21 ) ؛ وأرسل قائد المئة كرينليوس الأممى إلى بطرس لكى يسمع عن السيد المسيح ( أع 10 )
" ويكون مجده مجدا " جاء فى الترجمة اليسوعية " يكون مثواه مجدا " ، لعله يقصد أن صليبه الذى كان عارا صار بقيامته مجدا ، إذ صار قبره الفارغ مقدسا للمؤمنين فيه يدركون حقيقة مسيحهم واهب الحياة والقيامة .
ب – ضم السيد المسيح إلى كنيسته البقية التى قبلت الخلاص ، وقد جاءت من أماكن متفرقة ( أع 2 ، يع 1 : 1 ، 1 بط 1 : 1 ) . لذلك يقول النبى : " ويكون فى ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتنى بقية شعبه التى بقيت من أشور ومن مصر ومن فتروس ( مصر العليا ) ومن كوش ومن عيلام ( مملكة فى شرق نهر دجلة وشمال شرقى الخليج الفارسى ) ومن شنعار ( سهل بابل ) ومن حماة ومن جزائر البحر " إش 11 : 11 .
تحققت هذه النبوة فى عيد العنصرة وأيضا خلال خدمة الرسل وعبر الأجيال ، وستتحقق مرة أخرى بصورة أوسع فى الأيام الأخيرة حينما يقبل اليهود الإيمان بالسيد المسيح كقول الرسول بولس ( رو 11 : 11 – 27 ) .
فى ذلك اليوم ينضم قابلو الإيمان القادمون من اليهود إلى الكنيسة التى سبق أن ضمت الأمم ويكون الكل أعضاء فى جسد واحد : " ويرفع راية للأمم ويجمع منفيى إسرائيل ويضم مشتتى يهوذا من أربعة أطراف الأرض " إش 11 : 12 .
ح – يقدم الأتحاد الذى تم بين اسرائيل ( إفرايم ) ويهوذا عند عودتهم من السبى بع أن استحكمت النزاعات بل والعداوة بينهما قرونا طويلة صورة للأتحاد بين الأمم واليهود ( إش 11 : 13 ) .
فى القديم كان الفلسطينيون وبنو المشرق وأدوم وعمون وموآب ومصر مقاومين للشعب لذا وهب الله شعبه إمكانية النصرة عليه ( إش 11 : 14 – 16 ) ، أما فى العهد الجديد فتكون الغلبة لا بانتصارات حربية وإنما بقبول هذه الأمم للإيمان الحى فتصير أدوات للبناء لا للمقاومة والهدم . الله الذى سبق فحول البحر لخلاص شعبه إذ أجازهم فيه بعد أن فتح لهم فيه طريقا للعبور هكذا يجفف كل مقاومة فى قلوب الأمم لينفتح طريق الملكوت المسيانى .
بمعنى آخر الذى أصعد شعبه من مصر مجتازا بهم وسط مياة البحر الأحمر ، هو الذى يعبر بهم من أشور بعد السبى ( إش 11 : 16 ) ، وهو الذى يعبر بالأمم إلى ملكوته بالرغم من كل العقبات والصعوبات التى تقف أمامهم .
إشعياء – الإصحاح الثانى عشر
تسبحة المفديين
اجتاز إشعياء النبى حالة الضيق التى أصابت نفسه بسبب ما بلغ إليه الشعب من فساد ، الأمر الذى لأجله سمح الله بتأديبه بواسطة أشور وتلامس مع عمل الله الخلاصى لا بإعادة المسبيين إلى يهوذا وإنما ما هو أعظم : ظهور ابن يسى راية للأمم يجمع بحبه الفائق مؤمنيه من كل الشعوب ليتمتعوا بسلامه السماوى . لم يكن أمام النبى إلا أن يسجل على لسان هؤلاء المفديين بدم المخلص تسبحة مفرحة تعتبر امتدادا للنبوة الواردة فى الإصحاح السابق التى تشدو بمجد المسيح وشخصه وعمله وملكوته وشعبه .
( 1 ) مراحم الله وسط غضبه :
" وتقول فى ذلك اليوم : أحمدك يارب لأنه إذ غضبت على ارتد غضبك فتعزينى " إش 12 : 1 .
تبدأ الترنيمة الجديدة التى ينطق بها كل من يتمتع بعمل السيد المسيح الخلاصى بالكلمات :
" وتقول فى ذلك اليوم " . أى يوم هذا ؟
إنه يوم الصليب أو يوم الكفارة العظيم الذى فيه نحمد الرب الذى حول الغضب إلى خلاص وتعزية ومجد . لقد تجسم الغضب الإلهى على الخطية التى نرتكبها بصلب السيد المسيح – كلمة الله المتجسد – ليرفعنا من الغضب إلى المجد .
ظهرت تعزيات الله العجيبة إذ حررنا لا من السبى البابلى وإنما من أسر إبليس وجنوده وأعماله الشريرة ليملك البر فينا .
( 2 ) يهوه سر خلاصنا وقوتنا وفرحنا :
" هوذا الله خلاصى فأطمئن ولا أرتعب ، لأن ياه يهوه قوتى وترنيمتى ، وقد صار لى خلاصا ، فتستقون مياها بفرح من ينابيع الخلاص " إش 12 : 2 ، 3
اقتبست الكنيسة القبطية جزءا من هذه التسبحة لتنشدها للرب المصلوب فى يومى خميس العهد وجمعة الصلبوت ، وهو : " قوتى وتسبحتى ( ترنيمتى ) هو الرب ، وقد صار لى خلاصا . الله هو سر قوتنا وتسبيحنا وخلاصنا ! فى وسط مشاركة الكنيسة عريسها آلامه تسبح وتنشد ؛ أما تسبحتها أو أنشودتها فهو المسيح نفسه ، هو كل شىء بالنسبة لها .
بالمسيح المصلوب عرفنا الهتاف ( مز 89 : 15 ) ؛ هتاف الغلبة على إبليس وأعماله الشريرة ! هتاف الخلاص الذى به ننتقل من الشمال إلى اليمين ننعم بشركة الملكوت السماوى المفرح .
بالصليب تفجر ينبوع دم وماء من الجنب المطعون لنتقدس ونتطهر ، ولكن نشرب ونفرح ، إذ وجدنا ينبوع خلاصنا الأبدى .
هنا يدعو الله " ياه يهوه " ؛ " ياه " هى اختصار للإسم " يهوه" ، وكأن التسبحة تكرر هذا اللقب الإلهى " يهوه " لتأكيد أنه الله السرمدى غير المتغير ، يتكىء عليه المؤمن فيجد فيه قوته وفرحه وخلاصه إلى الأبد ، فيطمئن على الدوام دون تخوف .
وكما يقول القديس أغسطينوس : [ إن شئت أن يكون فرحك ثابتا باقيا ، التق بالله السرمدى ، ذاك الذى لا يعتريه تغيير ، بل يستمر ثابتا على حال واحد إلى الأبد ] .
(3 ) الشهادة لأعمال الله :
يرى البعض أن العبارات السابقة ( إش 12 : 1 – 3 ) تمثل تسبحة مستقلة عن العبارات التالية ( إش 12 : 4 – 6 ) التى تمثل تسبحة ثانية .
على أى الأحوال إن كانت الأولى تعلن انبعاث الحمد والتسبيح فى النفس خلال التمتع بخلاص الرب ، فإن الثانية مكملة لها تعلن الألتزام بالشهادة لله المخلص أمام الأمم . فما نختبره خلال اتحادنا مع الله مخلصنا يثير فينا شوقا نحو تمتع الغير بذات الخلاص .
" وتقولون فى ذلك اليوم : احمدوا الرب ، ادعوا باسمه ، عرفوا بين الشعوب بأفعاله ، ذكروا بأن اسمه قد تعالى .رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرا ، ليكن هذا معروفا فى كل الأرض . صوتى واهتفى يا ساكنة صهيون ، لأن قدوس إسرائيل عظيم فى وسطك " إش 12 : 4 – 6 .
كيف نكرز بالرب ؟
أ – بالتبشير : " عرفوا بين الشعوب بأفعاله " ،
والأسد إذ فقد طبعه الوحشى وتغيرت طبيعته فصار كالحيوان المستأنس لا يطلب لحما بل تبنا .
" ويلعب الرضيع على سرب الصل ، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان " إش 11 : 8 .
فى اختصار عمل السيد المسيح هو تغيير الطبيعة البشرية الشرسة خلال خدامه المتسمين بروح الوداعة ، فتحمل الكنيسة كلها – خداما ومخدومين – روح الحب والوحدة . بهذا لا يصيب الكنيسة – جبل قدس الرب – فساد " لأن الأرض تمتلىء من معرفة الرب ، كما تغطى المياة البحر " إش 11 : 9 .
( 5 ) سلام بين الشعوب :
أ – جاء السيد المسيح ليقيم ملكوته من كل الأمم والشعوب ، واهبا سلاما للمؤمنين الحقيقيين " ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدا " إش 11 : 10 .
يقول " إياه تطلب الأمم " إنه مشتهى الشعوب ، بحث عنه اليونانيون ( يو 12 : 20 ، 21 ) ؛ وأرسل قائد المئة كرينليوس الأممى إلى بطرس لكى يسمع عن السيد المسيح ( أع 10 )
" ويكون مجده مجدا " جاء فى الترجمة اليسوعية " يكون مثواه مجدا " ، لعله يقصد أن صليبه الذى كان عارا صار بقيامته مجدا ، إذ صار قبره الفارغ مقدسا للمؤمنين فيه يدركون حقيقة مسيحهم واهب الحياة والقيامة .
ب – ضم السيد المسيح إلى كنيسته البقية التى قبلت الخلاص ، وقد جاءت من أماكن متفرقة ( أع 2 ، يع 1 : 1 ، 1 بط 1 : 1 ) . لذلك يقول النبى : " ويكون فى ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتنى بقية شعبه التى بقيت من أشور ومن مصر ومن فتروس ( مصر العليا ) ومن كوش ومن عيلام ( مملكة فى شرق نهر دجلة وشمال شرقى الخليج الفارسى ) ومن شنعار ( سهل بابل ) ومن حماة ومن جزائر البحر " إش 11 : 11 .
تحققت هذه النبوة فى عيد العنصرة وأيضا خلال خدمة الرسل وعبر الأجيال ، وستتحقق مرة أخرى بصورة أوسع فى الأيام الأخيرة حينما يقبل اليهود الإيمان بالسيد المسيح كقول الرسول بولس ( رو 11 : 11 – 27 ) .
فى ذلك اليوم ينضم قابلو الإيمان القادمون من اليهود إلى الكنيسة التى سبق أن ضمت الأمم ويكون الكل أعضاء فى جسد واحد : " ويرفع راية للأمم ويجمع منفيى إسرائيل ويضم مشتتى يهوذا من أربعة أطراف الأرض " إش 11 : 12 .
ح – يقدم الأتحاد الذى تم بين اسرائيل ( إفرايم ) ويهوذا عند عودتهم من السبى بع أن استحكمت النزاعات بل والعداوة بينهما قرونا طويلة صورة للأتحاد بين الأمم واليهود ( إش 11 : 13 ) .
فى القديم كان الفلسطينيون وبنو المشرق وأدوم وعمون وموآب ومصر مقاومين للشعب لذا وهب الله شعبه إمكانية النصرة عليه ( إش 11 : 14 – 16 ) ، أما فى العهد الجديد فتكون الغلبة لا بانتصارات حربية وإنما بقبول هذه الأمم للإيمان الحى فتصير أدوات للبناء لا للمقاومة والهدم . الله الذى سبق فحول البحر لخلاص شعبه إذ أجازهم فيه بعد أن فتح لهم فيه طريقا للعبور هكذا يجفف كل مقاومة فى قلوب الأمم لينفتح طريق الملكوت المسيانى .
بمعنى آخر الذى أصعد شعبه من مصر مجتازا بهم وسط مياة البحر الأحمر ، هو الذى يعبر بهم من أشور بعد السبى ( إش 11 : 16 ) ، وهو الذى يعبر بالأمم إلى ملكوته بالرغم من كل العقبات والصعوبات التى تقف أمامهم .
+ + +
إشعياء – الإصحاح الثانى عشر
تسبحة المفديين
اجتاز إشعياء النبى حالة الضيق التى أصابت نفسه بسبب ما بلغ إليه الشعب من فساد ، الأمر الذى لأجله سمح الله بتأديبه بواسطة أشور وتلامس مع عمل الله الخلاصى لا بإعادة المسبيين إلى يهوذا وإنما ما هو أعظم : ظهور ابن يسى راية للأمم يجمع بحبه الفائق مؤمنيه من كل الشعوب ليتمتعوا بسلامه السماوى . لم يكن أمام النبى إلا أن يسجل على لسان هؤلاء المفديين بدم المخلص تسبحة مفرحة تعتبر امتدادا للنبوة الواردة فى الإصحاح السابق التى تشدو بمجد المسيح وشخصه وعمله وملكوته وشعبه .
( 1 ) مراحم الله وسط غضبه :
" وتقول فى ذلك اليوم : أحمدك يارب لأنه إذ غضبت على ارتد غضبك فتعزينى " إش 12 : 1 .
تبدأ الترنيمة الجديدة التى ينطق بها كل من يتمتع بعمل السيد المسيح الخلاصى بالكلمات :
" وتقول فى ذلك اليوم " . أى يوم هذا ؟
إنه يوم الصليب أو يوم الكفارة العظيم الذى فيه نحمد الرب الذى حول الغضب إلى خلاص وتعزية ومجد . لقد تجسم الغضب الإلهى على الخطية التى نرتكبها بصلب السيد المسيح – كلمة الله المتجسد – ليرفعنا من الغضب إلى المجد .
ظهرت تعزيات الله العجيبة إذ حررنا لا من السبى البابلى وإنما من أسر إبليس وجنوده وأعماله الشريرة ليملك البر فينا .
( 2 ) يهوه سر خلاصنا وقوتنا وفرحنا :
" هوذا الله خلاصى فأطمئن ولا أرتعب ، لأن ياه يهوه قوتى وترنيمتى ، وقد صار لى خلاصا ، فتستقون مياها بفرح من ينابيع الخلاص " إش 12 : 2 ، 3
اقتبست الكنيسة القبطية جزءا من هذه التسبحة لتنشدها للرب المصلوب فى يومى خميس العهد وجمعة الصلبوت ، وهو : " قوتى وتسبحتى ( ترنيمتى ) هو الرب ، وقد صار لى خلاصا . الله هو سر قوتنا وتسبيحنا وخلاصنا ! فى وسط مشاركة الكنيسة عريسها آلامه تسبح وتنشد ؛ أما تسبحتها أو أنشودتها فهو المسيح نفسه ، هو كل شىء بالنسبة لها .
بالمسيح المصلوب عرفنا الهتاف ( مز 89 : 15 ) ؛ هتاف الغلبة على إبليس وأعماله الشريرة ! هتاف الخلاص الذى به ننتقل من الشمال إلى اليمين ننعم بشركة الملكوت السماوى المفرح .
بالصليب تفجر ينبوع دم وماء من الجنب المطعون لنتقدس ونتطهر ، ولكن نشرب ونفرح ، إذ وجدنا ينبوع خلاصنا الأبدى .
هنا يدعو الله " ياه يهوه " ؛ " ياه " هى اختصار للإسم " يهوه" ، وكأن التسبحة تكرر هذا اللقب الإلهى " يهوه " لتأكيد أنه الله السرمدى غير المتغير ، يتكىء عليه المؤمن فيجد فيه قوته وفرحه وخلاصه إلى الأبد ، فيطمئن على الدوام دون تخوف .
وكما يقول القديس أغسطينوس : [ إن شئت أن يكون فرحك ثابتا باقيا ، التق بالله السرمدى ، ذاك الذى لا يعتريه تغيير ، بل يستمر ثابتا على حال واحد إلى الأبد ] .
(3 ) الشهادة لأعمال الله :
يرى البعض أن العبارات السابقة ( إش 12 : 1 – 3 ) تمثل تسبحة مستقلة عن العبارات التالية ( إش 12 : 4 – 6 ) التى تمثل تسبحة ثانية .
على أى الأحوال إن كانت الأولى تعلن انبعاث الحمد والتسبيح فى النفس خلال التمتع بخلاص الرب ، فإن الثانية مكملة لها تعلن الألتزام بالشهادة لله المخلص أمام الأمم . فما نختبره خلال اتحادنا مع الله مخلصنا يثير فينا شوقا نحو تمتع الغير بذات الخلاص .
" وتقولون فى ذلك اليوم : احمدوا الرب ، ادعوا باسمه ، عرفوا بين الشعوب بأفعاله ، ذكروا بأن اسمه قد تعالى .رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرا ، ليكن هذا معروفا فى كل الأرض . صوتى واهتفى يا ساكنة صهيون ، لأن قدوس إسرائيل عظيم فى وسطك " إش 12 : 4 – 6 .
كيف نكرز بالرب ؟
أ – بالتبشير : " عرفوا بين الشعوب بأفعاله " ،
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:57 pm
بالخطية تغلق علينا أبواب الموت الأبدية ، وتفقد النفس سلامها مع الله ومع ذاتها فلا تقدر على التسبيح . أما مسيحنا الغالب للموت فيرفعنا من أبواب الموت بعدما حطم متاريسه ، وأطلق لسان قلوبنا بالفرح لننشد له تسابيح الفرح . يدخل بنا إلى إبنة صهيون ، الكنيسة السماوية ، التى تشارك السمائيين بهجتهم وليتورجياتهم وتسابيحهم .
يعاقب الله على الشر ، ويكافىء الأبرار على صبرهم :
" سيعرف الرب أنه صانع الأحكام ،
والخاطىء بأعمال يديه أخذ ...
وصبر البائس لا يهلك إلى الدهر " [ 16 ، 18 ]
تظهر عدالة الله فى معاقبته الأشرار ومكافأة الأبرار .
الأبركسيس ... أعمال 28 : 1 – 6
رحلة القديس بولس إلى روما
الآن قد اقترب وقت وصول الأسير بولس إلى روما، وبالرغم من كثرة المتاعب التي لحقت به في هذه الرحلة، لكن ما كان يشغله هو ووصوله إلى روما للشهادة هناك، وشهادته للسيد المسيح أمام رفقائه في السفينة أيّا كان دورهم أو مركزهم أو علاقتهم به، وأيضًا الشهادة لإنجيل المسيح أينما حلّ.
1. في مليطة
"ولمّا نجوا وجدوا أن الجزيرة تُدعى مليطة". [1]
جاءوا إلى جزيرة مالطة؛ لم يكن في حسبان الرسول بولس أن يذهب إليها ويشهد لإنجيل المسيح، لكن الله سمح بالعاصفة لكي ما يذهب هو ومن معه في السفينة ليشهد للكل.
مالطة أو مليطة، غالبًا مشتقة من الكلمة اليونانية التي معناها "عسل"، حيث كانت قبلاً مصدرًا غنيًا لإنتاج العسل. ويرى البعض أن اصل الكلمة كنعاني معناها "ملجأ Refuge" قطنها الفينيقيون.
طول الجزيرة حوالي 17 ميلاً تمتد من الشرق إلى الغرب، وعرضها 10 أميال من الشمال إلى الجنوب. محيطها حوالي 60 ميلاً. تبعد حوالي 60 ميلاً من ساحل سيسلياSicily .
توجد جزيرة أخرى كانت تدعى مليطة Meleda ، حاليًا في البحر الأدرياتيكي بجوار ساحلIlluricum .
إذ نجوا إلى البرّ ووجدوا أنفسهم في مليطة، لم ينشغل القدّيس بولس كيف يُسرع بالذهاب إلى روما، بالغم من شوقه للخدمة هناك، لكنّه حسب أن الله قد بعث به إلى الجزيرة لرسالة إنجيليّة، كما نلمس في هذا الأصحاح.
لم يكن القدّيس بولس يخطط للعمل، لكن في تسليمٍ كاملٍ كان الله يعمل به، بكل وسيلة. كانت حياته ملتهبة بالشهادة والعمل لحساب ملكوت الله ليلاً ونهارًا.
+ كان بولس يقضي بعض الليالي بلا نوم باختياره، وبعضها كان يلتزم بها عن ضرورة. عندما كان في متاعب مريرة كان يلتزم أن يسهر يطلب عون اللَّه. مرّة أخرى كان يُعًّلم ليس فقط في وقت النهار بل وأيضًا بالليل. كان في بردٍ ومعرض للخطر عند انكسار السفينة عند جزيرة مالطة عندما جاء الشعب المحلي لينقذوه.
أمبروسياستر
2. إحسان أهل مليطة
"فقدّم أهلها البرابرة لنا إحسانًا غير المعتاد،
لأنهم أوقدوا نارًا،
وقبلوا جميعنا من أجل المطر الذي أصابنا،
ومن أجل البرد". [2]
كان سكان مالطة بلا شك متحضرين، لكنهم كانوا يًدعون برابرة بالنسبة لليونانيين والرومانيين، لأن لغتهم لم تكن مفهومة لهم. فكلمة "برابرة" هنا تقابل "أجانب". خضعت للفينيقيّين واليونان والقرطاجنيّين والرومان. يرى البعض أنه إذ سكنها بعد الفينيقيين جالية من قرطاجنة، فكانت لغة المالطيين من أفريقيا مع خليطٍ من لغات أخرى.
أية ضيافة لجماعة يبلغ عددها 276 فردًا عانوا كل هذا الزمن من رياحٍ باردةٍ وأمطارٍ غزيرةٍ، مع أمواجٍ عاتيةٍ هددت حياتهم، وظلمة سوى إيقاد نارٍ لتدفئتهم وتجفيف ملابسهم. أي منظر هذا لهذا الحشد وقد التفوا حول النار كمن هم حول وليمة ثمينة أثمن من الطعام والشراب في مثل هذه الظروف. لم يسأل البرابرة عن جنسيات القادمين ولا عن دياناتهم، لكنهم أظهروا حنوًا فائقًا، وقبلوا الجميع.
نقف في دهشة أمام أهل مالطة الذين لم يسألوا شيئًا عن أخبار الرحلة، ولا استخفوا بالمسجونين، لكنّهم وهو وثنيّون بذلوا كل الجهد لخدمة الجميع بلا تمييز بين قائد جيش وسجين؛ وقائد سفينة ومسافر. ولعلّ الله أعطى للقدّيس بولس دفعة جديدة للعمل بين الأمم، فرأى في قائد المائة لطفًا وحبًّا واهتمامًا، الأمر الذي افتقد إليه في اليهود بني جنسه. وها هو يرى البرابرة في الجزيرة يقدّمون إحسانًا بسخاءٍ عظيمٍ دون مقابل.
لقد نال ذات خبرة يونان النبي في البحر، حيث أظهر النوتيّة الوثنيّون تقوى، وطالبوا النبي بالصلاة إلى إلهه، وعندما اكتشفوا أنّه هو سرّ كارثتهم بذلوا كل الجهد لإنقاذه بالرغم من طلبه منهم أن يُلقوه في البحر. لكن شتّان ما بين نبيٍ هارب من خدمة الأمم لتعلّقه بشعبه، وبين رسول يتّسع قلبه بحب كل إنسان، أيّا كانت جنسيّته!
+ ليخزى القائلون: "لا تحسنوا إلى الذين في السجن". ليت هؤلاء البرابرة يجعلوننا في خزي، فإنهم وهم لا يعرفون من هم هؤلاء الناس، لكن في بساطة لأنهم كانوا في ضيقة، أدركوا أنهم بشر، واهتموا بهم من أجل بشريتهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
3. نشوب أفعى في يد الرسول
"فجمع بولس كثيرًا من القضبان،
ووضعها على النار،
فخرجت من الحرارة أفعى،
ونشبت في يده". [3]
كانوا في حاجةٍ شديدةٍ إلى نيران كثيرة، فمن جانب إذ سبح أغلبهم أو جاءوا على ألواح خشبية، امتلأت ثيابهم ماءً، خاصة مع غزارة المطر وشدة الرياح العاصفة الباردة. لذا كان الكل محتاجين إلى النار أكثر من الطعام والشراب، خاصة وأنهم قد أكلوا وشبعوا كمشورة القديس بولس قبل مغادرتهم السفينة. لم يميز الرسول بولس نفسه عنهم بكونه كان السبب في نجاتهم، لكنه انهمك بكل سرورٍ في جمع قضبان الخشب لراحة الكل.
مع اهتمام القديس بولس بانتهاز كل فرصة للشهادة للسيد المسيح، مهما تكن الظروف، فقد اتسم بروح النشاط والعمل لخدمة الآخرين، فمع كونه مقيدًا ظلمًا لم تتحطم نفسيته، بل "جمع كثيرًا من القضبان، ووضعها على النار" [3].
كانت الأفعى وهو حية قاتلة في حالة سبات أشبه بمن قد تخدر بسبب البرد القارص، لكن ما أن استدفأت بالنار حتى انطلقت تنشب في يد القديس بولس لتنفث فيها يده.
"فلما رأى البرابرة الوحش معلقًا بيده،
قال بعضهم لبعضٍ:
لابد أن هذا الإنسان قاتل،
لم يدعه العدل يحيا،
ولو نجا من البحر". [4]
في حسبان هؤلاء البرابرة أن من نجا من مخاطر عاصفة كهذه وجاء إلى البر، فتنشب في يده حية سامة، حتمًا إنسان ارتكب جريمة خطيرة. إنه سفاح أو قاتل، لهذا لم يفلت من يد العدالة الإلهية. ولعلهم فكروا هكذا، لأنهم اعتقدوا بأن العدل الإلهي يأخذ مجراه، فإذ امتدت يده للقتل لحق به الموت خلال هذه اليد السافكة للدماء. نال العقوبة من ذات صنف الجريمة التي ارتكبها، وخلال ذات العضو الآثم. هذا ما تلقنوه خلال الناموس الطبيعي، لكنهم تعجلوا في الحكم، لأن ما حدث للرسول بولس لم يكن ممكنًا لأحد في مثل هذه الظروف أن يتوقعه.
"العدل" كان تمثله عند بعض الوثنيين ابنة الإلهةJupter جوبيتر التي عملها هو الانتقام من الظالمين، والحكم على مرتكبي الجرائم.
يعاقب الله على الشر ، ويكافىء الأبرار على صبرهم :
" سيعرف الرب أنه صانع الأحكام ،
والخاطىء بأعمال يديه أخذ ...
وصبر البائس لا يهلك إلى الدهر " [ 16 ، 18 ]
تظهر عدالة الله فى معاقبته الأشرار ومكافأة الأبرار .
+ + +
الأبركسيس ... أعمال 28 : 1 – 6
رحلة القديس بولس إلى روما
الآن قد اقترب وقت وصول الأسير بولس إلى روما، وبالرغم من كثرة المتاعب التي لحقت به في هذه الرحلة، لكن ما كان يشغله هو ووصوله إلى روما للشهادة هناك، وشهادته للسيد المسيح أمام رفقائه في السفينة أيّا كان دورهم أو مركزهم أو علاقتهم به، وأيضًا الشهادة لإنجيل المسيح أينما حلّ.
1. في مليطة
"ولمّا نجوا وجدوا أن الجزيرة تُدعى مليطة". [1]
جاءوا إلى جزيرة مالطة؛ لم يكن في حسبان الرسول بولس أن يذهب إليها ويشهد لإنجيل المسيح، لكن الله سمح بالعاصفة لكي ما يذهب هو ومن معه في السفينة ليشهد للكل.
مالطة أو مليطة، غالبًا مشتقة من الكلمة اليونانية التي معناها "عسل"، حيث كانت قبلاً مصدرًا غنيًا لإنتاج العسل. ويرى البعض أن اصل الكلمة كنعاني معناها "ملجأ Refuge" قطنها الفينيقيون.
طول الجزيرة حوالي 17 ميلاً تمتد من الشرق إلى الغرب، وعرضها 10 أميال من الشمال إلى الجنوب. محيطها حوالي 60 ميلاً. تبعد حوالي 60 ميلاً من ساحل سيسلياSicily .
توجد جزيرة أخرى كانت تدعى مليطة Meleda ، حاليًا في البحر الأدرياتيكي بجوار ساحلIlluricum .
إذ نجوا إلى البرّ ووجدوا أنفسهم في مليطة، لم ينشغل القدّيس بولس كيف يُسرع بالذهاب إلى روما، بالغم من شوقه للخدمة هناك، لكنّه حسب أن الله قد بعث به إلى الجزيرة لرسالة إنجيليّة، كما نلمس في هذا الأصحاح.
لم يكن القدّيس بولس يخطط للعمل، لكن في تسليمٍ كاملٍ كان الله يعمل به، بكل وسيلة. كانت حياته ملتهبة بالشهادة والعمل لحساب ملكوت الله ليلاً ونهارًا.
+ كان بولس يقضي بعض الليالي بلا نوم باختياره، وبعضها كان يلتزم بها عن ضرورة. عندما كان في متاعب مريرة كان يلتزم أن يسهر يطلب عون اللَّه. مرّة أخرى كان يُعًّلم ليس فقط في وقت النهار بل وأيضًا بالليل. كان في بردٍ ومعرض للخطر عند انكسار السفينة عند جزيرة مالطة عندما جاء الشعب المحلي لينقذوه.
أمبروسياستر
2. إحسان أهل مليطة
"فقدّم أهلها البرابرة لنا إحسانًا غير المعتاد،
لأنهم أوقدوا نارًا،
وقبلوا جميعنا من أجل المطر الذي أصابنا،
ومن أجل البرد". [2]
كان سكان مالطة بلا شك متحضرين، لكنهم كانوا يًدعون برابرة بالنسبة لليونانيين والرومانيين، لأن لغتهم لم تكن مفهومة لهم. فكلمة "برابرة" هنا تقابل "أجانب". خضعت للفينيقيّين واليونان والقرطاجنيّين والرومان. يرى البعض أنه إذ سكنها بعد الفينيقيين جالية من قرطاجنة، فكانت لغة المالطيين من أفريقيا مع خليطٍ من لغات أخرى.
أية ضيافة لجماعة يبلغ عددها 276 فردًا عانوا كل هذا الزمن من رياحٍ باردةٍ وأمطارٍ غزيرةٍ، مع أمواجٍ عاتيةٍ هددت حياتهم، وظلمة سوى إيقاد نارٍ لتدفئتهم وتجفيف ملابسهم. أي منظر هذا لهذا الحشد وقد التفوا حول النار كمن هم حول وليمة ثمينة أثمن من الطعام والشراب في مثل هذه الظروف. لم يسأل البرابرة عن جنسيات القادمين ولا عن دياناتهم، لكنهم أظهروا حنوًا فائقًا، وقبلوا الجميع.
نقف في دهشة أمام أهل مالطة الذين لم يسألوا شيئًا عن أخبار الرحلة، ولا استخفوا بالمسجونين، لكنّهم وهو وثنيّون بذلوا كل الجهد لخدمة الجميع بلا تمييز بين قائد جيش وسجين؛ وقائد سفينة ومسافر. ولعلّ الله أعطى للقدّيس بولس دفعة جديدة للعمل بين الأمم، فرأى في قائد المائة لطفًا وحبًّا واهتمامًا، الأمر الذي افتقد إليه في اليهود بني جنسه. وها هو يرى البرابرة في الجزيرة يقدّمون إحسانًا بسخاءٍ عظيمٍ دون مقابل.
لقد نال ذات خبرة يونان النبي في البحر، حيث أظهر النوتيّة الوثنيّون تقوى، وطالبوا النبي بالصلاة إلى إلهه، وعندما اكتشفوا أنّه هو سرّ كارثتهم بذلوا كل الجهد لإنقاذه بالرغم من طلبه منهم أن يُلقوه في البحر. لكن شتّان ما بين نبيٍ هارب من خدمة الأمم لتعلّقه بشعبه، وبين رسول يتّسع قلبه بحب كل إنسان، أيّا كانت جنسيّته!
+ ليخزى القائلون: "لا تحسنوا إلى الذين في السجن". ليت هؤلاء البرابرة يجعلوننا في خزي، فإنهم وهم لا يعرفون من هم هؤلاء الناس، لكن في بساطة لأنهم كانوا في ضيقة، أدركوا أنهم بشر، واهتموا بهم من أجل بشريتهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
3. نشوب أفعى في يد الرسول
"فجمع بولس كثيرًا من القضبان،
ووضعها على النار،
فخرجت من الحرارة أفعى،
ونشبت في يده". [3]
كانوا في حاجةٍ شديدةٍ إلى نيران كثيرة، فمن جانب إذ سبح أغلبهم أو جاءوا على ألواح خشبية، امتلأت ثيابهم ماءً، خاصة مع غزارة المطر وشدة الرياح العاصفة الباردة. لذا كان الكل محتاجين إلى النار أكثر من الطعام والشراب، خاصة وأنهم قد أكلوا وشبعوا كمشورة القديس بولس قبل مغادرتهم السفينة. لم يميز الرسول بولس نفسه عنهم بكونه كان السبب في نجاتهم، لكنه انهمك بكل سرورٍ في جمع قضبان الخشب لراحة الكل.
مع اهتمام القديس بولس بانتهاز كل فرصة للشهادة للسيد المسيح، مهما تكن الظروف، فقد اتسم بروح النشاط والعمل لخدمة الآخرين، فمع كونه مقيدًا ظلمًا لم تتحطم نفسيته، بل "جمع كثيرًا من القضبان، ووضعها على النار" [3].
كانت الأفعى وهو حية قاتلة في حالة سبات أشبه بمن قد تخدر بسبب البرد القارص، لكن ما أن استدفأت بالنار حتى انطلقت تنشب في يد القديس بولس لتنفث فيها يده.
"فلما رأى البرابرة الوحش معلقًا بيده،
قال بعضهم لبعضٍ:
لابد أن هذا الإنسان قاتل،
لم يدعه العدل يحيا،
ولو نجا من البحر". [4]
في حسبان هؤلاء البرابرة أن من نجا من مخاطر عاصفة كهذه وجاء إلى البر، فتنشب في يده حية سامة، حتمًا إنسان ارتكب جريمة خطيرة. إنه سفاح أو قاتل، لهذا لم يفلت من يد العدالة الإلهية. ولعلهم فكروا هكذا، لأنهم اعتقدوا بأن العدل الإلهي يأخذ مجراه، فإذ امتدت يده للقتل لحق به الموت خلال هذه اليد السافكة للدماء. نال العقوبة من ذات صنف الجريمة التي ارتكبها، وخلال ذات العضو الآثم. هذا ما تلقنوه خلال الناموس الطبيعي، لكنهم تعجلوا في الحكم، لأن ما حدث للرسول بولس لم يكن ممكنًا لأحد في مثل هذه الظروف أن يتوقعه.
"العدل" كان تمثله عند بعض الوثنيين ابنة الإلهةJupter جوبيتر التي عملها هو الانتقام من الظالمين، والحكم على مرتكبي الجرائم.
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:58 pm
يخطئ الوثنيون إذ يظنون إن العدل الإلهي حتمًا يتحقق في هذا العالم، مع أن بعض القتلة يعيشون إلى زمنٍ طويلٍ ويتمتعون بصحة جيدة وقوة، ولا يؤمنون بيوم الرب العظيم، حيث يسقطون تحت الدينونة. كما يخطئون إذ يحسبون أن كل من يصيبهم أذى حتما هم تحت عقوبة عادلة، فكل مرض أو تجربة إنما تسقط على الخطاة.
ولماذا نتحدّث عن الوثنيّين، فإنّه حتى الأنبياء يقفون أحيانًا في دهشة إذ يظنّون أن العدالة الإلهيَّة تأخذ مجراها حالاً في هذا العالم، فيدهشون حين يروا الأشرار ناجحين. فيقول المرتّل: "قد رأيت الشرّير عاتيّا وراقًا مثل شجرة شارقة ناضرة" (مز 37: 35)... لكن لن يبقى الحال هكذا، إذ "عبر فإذا هو ليس بموجود، والتمسته فلم يوجد" (مز 37: 36).
تحدثوا عن القديس بولس كمن قد مات فعلاً، فإنه لا يمكن لمن تنشب به مثل هذه الحية أن يحيا.
"فنفض هو الوحش إلى النار،
ولم يتضرر بشيءٍ رديءٍ". [5]
"نفض الوحش": سمح الرب بذلك لكي يكرز لهم القديس بولس بالسيد المسيح الذي يهبنا سلطانًا على الحيات، فلا تقدر أن تبث سموم الموت فينا.
نفض الرسول الأفعى دون أي انزعاج أو اضطراب، ودون طلب أية معونة، لأن السيد المسيح واهب الحياة وغالب الموت هو في داخله.
+ "تطأ الحية والصل، وتدوس الأسد والتنين" (مز 91: 13). اختار أقوى الحيوانات والمهلكة أكثر من الكل، إذ أراد أن يقدم العمل الشيطاني بكل صور الشر، فبذكر الأسد والتنين أشار إلى القوة، فإن هذه الحيوانات جميعها معًا عنيفة، أما بالإشارة إلى الحية والصل فيلمح إلى التطرف في الشر. الأولى تبث سمًا قاتلاً، والأخيرة تسبب موتًا بالتطلع إليها. بالطبع كثيرون ممن وثقوا في الله أكدوا ذلك حتى في علاقتهم بالوحوش المفترسة. هكذا دانيال المشهور سدّ أفواه الأسود. وبولس الملهم لم تضره الحية، ولكي نضع ذلك في إيجاز، فلنرجع إلى نوح الذي عاش بين الحيوانات وكان محفوظًا من أي ضرر. هكذا توجد أعداد لا حصر لها من الناس الذين احتضنوا الحياة الزاهدة مع الوحوش، وكانوا محميين من أي ضرر يصيبهم، وذلك خلال رجائهم في الله.
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
+ لهذا كان ولسببٍ معقول أن يصير الرب أيلاً، حتى تعد كلمة الرب مثل تلك الأيائل لنفسه؛ التي يقول عنها: "يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة (لغات) جديدةٍ، يحملون حياتٍ، وإن شربوا شيئًا مميتًا لا يضرهم" (مر 16: 17-18). وقد حملوا حياَّتٍ فعلاً وذلك حين طرح رسله قوة الشر الروحية (قابل أف 6:12) من أماكن خفية في أجسادهم، حين نفخوا فيها، ولم ينلهم ضرر من سمومها المميتة. وحينما قفزت أفعى من حزمة عصى ولدغت بولس، وإذ رأى الأهالي تلك الأفعى، وهي تتدلى من يده، ظنوا أنه ميِّت لا محالة (أَع 28: 3-6). لكنه وقف دون فزعٍ، ولم يتأثرْ بالجُرح، ولم يسرِ السُم فيه. لهذا نظروا إليه معتقدين أنه ليس من بني البشر، إن جاز التعبير. لكنه مولود حقًا بنعمة الله، وأنه يفوق البشر. تأملوا الأيل وهو يطرح الأفاعي من أماكن اختبائها، كما قال: "بروح الله الذي في أنفه" (أَي 27:3)، "والتفت بولس بالروح، وإذ نظر خلفه، قال في حزن للروح العَّراف: "أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة" (أع 16: 18). انظروا إلى الأيل حينما جاء إلى المعمودية (مز 41 [42]: 2)، التي صارت طاهرةً بالغسل الذي من النبع المقدس، فطرحت كلَ سموم الاضطهاد، انظروا إلى الأيل الرب يسوع، حينما أتى إلى يوحنا المعمدان. فقال له يوحنا: "أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليَّ (مت 3:14)، فأجابه: "اسمح الآن!" [أو حرفيا ليكن الآن] (مت 3:15). وحين قال ذلك، نزل بكل شوقٍ إلى المياه، لأنه عطش إلى خلاص البشرية.
القديس أمبروسيوس
+ ليس للأرواح الشريرة سلطانًا أن تضر أحدًا، يظهر ذلك بوضوح في حالة الطوباوي أيوب، حيث لم يتجاسر العدو أن يجربه إلا حسبما سمح الله به... وقد اعترفت الأرواح نفسها بذلك كما جاء في الإنجيل إذ قالت: "إن كنت تُخرِجنا فَأْذَنْ لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير" (مت 31:8). فإن كان ليس لديهم السلطان أن يدخلوا الحيوانات النجسة العُجم إلا بسماح من الله، فكم بالأحرى يعجزون عن الدخول في الإنسان المخلوق علي صورة الله؟!
لو كان لهؤلاء الأعداء (الشياطين) سلطان علينا والإضرار بنا وتجربتنا كما يشاءون لما كان يستطيع أحد أن يعيش في الصحراء بمفرده... ويظهر ذلك بأكثر وضوح من كلمات ربنا ومخلصنا الذي احتل آخر صفوف البشر، إذ قال لبيلاطس: "لم يكن لك عليَّ سلطان البتَّة لو لم تكن قد أُعطِيت من فوق" (يو 11:19).
+ واضح أن الأرواح النجسة لا تقدر أن تجد لها طريقًا في أجساد من اغتصبتهم بأي وسيلة ما لم تملك أولاً علي عقولهم وأفكارهم فتسلب منهم مخافة الرب وتذكره والتأمل فيه، وبهذا تتجاسر فتتقدم إليهم كمن هم بلا حصانة إلهية، وتقيدهم بسهولة وتجد لها موضعًا فيهم، كما لو كان لها حق الملكية عليهم.
الأب سيرينوس
أمران متكاملان يشغلان قلب الكارز بإنجيل المسيح: التمتّع بالشركة مع الله، وتحطيم قوّات الظلمة. قدر ما ينفتح القلب لسكنى الله، ويتمتّع بالمصالحة معه، ويحمل الطبيعة الجديدة، لا يكون لعدو الخير سلطان على المؤمن. هذه هي كرازتنا: النصرة بالرب على إبليس وكل جنوده!
وأمّا هم فكانوا ينتظرون أنه عتيد أن ينتفخ أو يسقط بغتة ميتًا،
فإذ انتظروا كثيرًا ورأوا أنه لم يعرض له شيء مضرّ،
تغيروا، وقالوا: هو إله". [6]
ما يراه الناس نقمة يراه الله نعمة، وما أثاره عدو الخير إبليس ليضيف إلى الآم الرسول آلامًا بل وموتًا يتحول إلى مجد لله وتكريم بولس الرسول. فبهذه الحية التي كان العدو يود أن يخلص بها من الرسول بولس في فضيحةٍ وعارٍ انفتح له باب الكرازة والشهادة، وبقي بولس في هذه الجزيرة لا يكف عن خدمة شعبها.
يُقال أن الرسول بولس لعن الحية، فاختفت كل الحيات، ولم يعد في مالطة حيات أو ثعابين.
حسب خبرتهم العملية كانوا يتوقعون انتفاخ جسم بولس وموته فورًا، وإذ لم يتحقق ذلك حسبوه إلهًا قادرًا أن يحطم الموت. كانوا يعبدون آلهة مجهولة، ولم يكونوا يتوقعون في آلهتهم أعظم مما لمسوه في بولس.
إن كان السيد المسيح قد انتهر الشيطان، قائلاً له: "ابعد عني شيطان"، فقد وهب تلاميذه روح النصرة والغلبة. لهذا في غير افتخار ولا تردد ألقى الحية في النار لتحترق. أعطانا سلطانًا أن نُلقى بالتجارب كما في نار ولا نخشاها.
الإنجيل من يو 12 : 44 - 50
44 فنادى يسوع و قال الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي ارسلني
45 و الذي يراني يرى الذي ارسلني
46 انا قد جئت نورا الى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة
47 و ان سمع احد كلامي و لم يؤمن فانا لا ادينه لاني لم ات لادين العالم بل لاخلص العالم
48 من رذلني و لم يقبل كلامي فله من يدينه الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الاخير
49 لاني لم اتكلم من نفسي لكن الاب الذي ارسلني هو اعطاني وصية ماذا اقول و بماذا اتكلم
50 و انا اعلم ان وصيته هي حياة ابدية فما اتكلم انا به فكما قال لي الاب هكذا اتكلم
شهادة المسيح لنفسه
"فنادى يسوع وقال:
الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي،
بل بالذي أرسلني". (44)
هذا هو ختام عظته الموجهة للأشرار المصممين على عدم الإيمان، وتُحسب تكملة للعظة التي قُطعت بالآية ٣٧. لقد نادى (صرخ) يسوع بصوتٍ عالٍ، مظهرًا غيرته الشديدة على خلاصهم.
هنا يؤكد وحدته الخفية مع الآب، فمن يؤمن بالابن يؤمن بالآب الذي أرسله، ومن يرى الابن يرى الآب أيضًا، من يكرم الابن يكرم الآب.
+ معنى: "لا يؤمن" أي لا يكون ذلك عند حدود الشكل الجسدي، ولا عند حدود الإنسان الذي ترونه. فإنه يقرر أنه يلزمنا أن نؤمن بأنه ليس إنسانًا مجردًا، بل نؤمن بيسوع المسيح اللَّه والإنسان (في نفس الوقت).
القديس أمبروسيوس
ولماذا نتحدّث عن الوثنيّين، فإنّه حتى الأنبياء يقفون أحيانًا في دهشة إذ يظنّون أن العدالة الإلهيَّة تأخذ مجراها حالاً في هذا العالم، فيدهشون حين يروا الأشرار ناجحين. فيقول المرتّل: "قد رأيت الشرّير عاتيّا وراقًا مثل شجرة شارقة ناضرة" (مز 37: 35)... لكن لن يبقى الحال هكذا، إذ "عبر فإذا هو ليس بموجود، والتمسته فلم يوجد" (مز 37: 36).
تحدثوا عن القديس بولس كمن قد مات فعلاً، فإنه لا يمكن لمن تنشب به مثل هذه الحية أن يحيا.
"فنفض هو الوحش إلى النار،
ولم يتضرر بشيءٍ رديءٍ". [5]
"نفض الوحش": سمح الرب بذلك لكي يكرز لهم القديس بولس بالسيد المسيح الذي يهبنا سلطانًا على الحيات، فلا تقدر أن تبث سموم الموت فينا.
نفض الرسول الأفعى دون أي انزعاج أو اضطراب، ودون طلب أية معونة، لأن السيد المسيح واهب الحياة وغالب الموت هو في داخله.
+ "تطأ الحية والصل، وتدوس الأسد والتنين" (مز 91: 13). اختار أقوى الحيوانات والمهلكة أكثر من الكل، إذ أراد أن يقدم العمل الشيطاني بكل صور الشر، فبذكر الأسد والتنين أشار إلى القوة، فإن هذه الحيوانات جميعها معًا عنيفة، أما بالإشارة إلى الحية والصل فيلمح إلى التطرف في الشر. الأولى تبث سمًا قاتلاً، والأخيرة تسبب موتًا بالتطلع إليها. بالطبع كثيرون ممن وثقوا في الله أكدوا ذلك حتى في علاقتهم بالوحوش المفترسة. هكذا دانيال المشهور سدّ أفواه الأسود. وبولس الملهم لم تضره الحية، ولكي نضع ذلك في إيجاز، فلنرجع إلى نوح الذي عاش بين الحيوانات وكان محفوظًا من أي ضرر. هكذا توجد أعداد لا حصر لها من الناس الذين احتضنوا الحياة الزاهدة مع الوحوش، وكانوا محميين من أي ضرر يصيبهم، وذلك خلال رجائهم في الله.
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
+ لهذا كان ولسببٍ معقول أن يصير الرب أيلاً، حتى تعد كلمة الرب مثل تلك الأيائل لنفسه؛ التي يقول عنها: "يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة (لغات) جديدةٍ، يحملون حياتٍ، وإن شربوا شيئًا مميتًا لا يضرهم" (مر 16: 17-18). وقد حملوا حياَّتٍ فعلاً وذلك حين طرح رسله قوة الشر الروحية (قابل أف 6:12) من أماكن خفية في أجسادهم، حين نفخوا فيها، ولم ينلهم ضرر من سمومها المميتة. وحينما قفزت أفعى من حزمة عصى ولدغت بولس، وإذ رأى الأهالي تلك الأفعى، وهي تتدلى من يده، ظنوا أنه ميِّت لا محالة (أَع 28: 3-6). لكنه وقف دون فزعٍ، ولم يتأثرْ بالجُرح، ولم يسرِ السُم فيه. لهذا نظروا إليه معتقدين أنه ليس من بني البشر، إن جاز التعبير. لكنه مولود حقًا بنعمة الله، وأنه يفوق البشر. تأملوا الأيل وهو يطرح الأفاعي من أماكن اختبائها، كما قال: "بروح الله الذي في أنفه" (أَي 27:3)، "والتفت بولس بالروح، وإذ نظر خلفه، قال في حزن للروح العَّراف: "أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة" (أع 16: 18). انظروا إلى الأيل حينما جاء إلى المعمودية (مز 41 [42]: 2)، التي صارت طاهرةً بالغسل الذي من النبع المقدس، فطرحت كلَ سموم الاضطهاد، انظروا إلى الأيل الرب يسوع، حينما أتى إلى يوحنا المعمدان. فقال له يوحنا: "أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليَّ (مت 3:14)، فأجابه: "اسمح الآن!" [أو حرفيا ليكن الآن] (مت 3:15). وحين قال ذلك، نزل بكل شوقٍ إلى المياه، لأنه عطش إلى خلاص البشرية.
القديس أمبروسيوس
+ ليس للأرواح الشريرة سلطانًا أن تضر أحدًا، يظهر ذلك بوضوح في حالة الطوباوي أيوب، حيث لم يتجاسر العدو أن يجربه إلا حسبما سمح الله به... وقد اعترفت الأرواح نفسها بذلك كما جاء في الإنجيل إذ قالت: "إن كنت تُخرِجنا فَأْذَنْ لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير" (مت 31:8). فإن كان ليس لديهم السلطان أن يدخلوا الحيوانات النجسة العُجم إلا بسماح من الله، فكم بالأحرى يعجزون عن الدخول في الإنسان المخلوق علي صورة الله؟!
لو كان لهؤلاء الأعداء (الشياطين) سلطان علينا والإضرار بنا وتجربتنا كما يشاءون لما كان يستطيع أحد أن يعيش في الصحراء بمفرده... ويظهر ذلك بأكثر وضوح من كلمات ربنا ومخلصنا الذي احتل آخر صفوف البشر، إذ قال لبيلاطس: "لم يكن لك عليَّ سلطان البتَّة لو لم تكن قد أُعطِيت من فوق" (يو 11:19).
+ واضح أن الأرواح النجسة لا تقدر أن تجد لها طريقًا في أجساد من اغتصبتهم بأي وسيلة ما لم تملك أولاً علي عقولهم وأفكارهم فتسلب منهم مخافة الرب وتذكره والتأمل فيه، وبهذا تتجاسر فتتقدم إليهم كمن هم بلا حصانة إلهية، وتقيدهم بسهولة وتجد لها موضعًا فيهم، كما لو كان لها حق الملكية عليهم.
الأب سيرينوس
أمران متكاملان يشغلان قلب الكارز بإنجيل المسيح: التمتّع بالشركة مع الله، وتحطيم قوّات الظلمة. قدر ما ينفتح القلب لسكنى الله، ويتمتّع بالمصالحة معه، ويحمل الطبيعة الجديدة، لا يكون لعدو الخير سلطان على المؤمن. هذه هي كرازتنا: النصرة بالرب على إبليس وكل جنوده!
وأمّا هم فكانوا ينتظرون أنه عتيد أن ينتفخ أو يسقط بغتة ميتًا،
فإذ انتظروا كثيرًا ورأوا أنه لم يعرض له شيء مضرّ،
تغيروا، وقالوا: هو إله". [6]
ما يراه الناس نقمة يراه الله نعمة، وما أثاره عدو الخير إبليس ليضيف إلى الآم الرسول آلامًا بل وموتًا يتحول إلى مجد لله وتكريم بولس الرسول. فبهذه الحية التي كان العدو يود أن يخلص بها من الرسول بولس في فضيحةٍ وعارٍ انفتح له باب الكرازة والشهادة، وبقي بولس في هذه الجزيرة لا يكف عن خدمة شعبها.
يُقال أن الرسول بولس لعن الحية، فاختفت كل الحيات، ولم يعد في مالطة حيات أو ثعابين.
حسب خبرتهم العملية كانوا يتوقعون انتفاخ جسم بولس وموته فورًا، وإذ لم يتحقق ذلك حسبوه إلهًا قادرًا أن يحطم الموت. كانوا يعبدون آلهة مجهولة، ولم يكونوا يتوقعون في آلهتهم أعظم مما لمسوه في بولس.
إن كان السيد المسيح قد انتهر الشيطان، قائلاً له: "ابعد عني شيطان"، فقد وهب تلاميذه روح النصرة والغلبة. لهذا في غير افتخار ولا تردد ألقى الحية في النار لتحترق. أعطانا سلطانًا أن نُلقى بالتجارب كما في نار ولا نخشاها.
الإنجيل من يو 12 : 44 - 50
44 فنادى يسوع و قال الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي ارسلني
45 و الذي يراني يرى الذي ارسلني
46 انا قد جئت نورا الى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة
47 و ان سمع احد كلامي و لم يؤمن فانا لا ادينه لاني لم ات لادين العالم بل لاخلص العالم
48 من رذلني و لم يقبل كلامي فله من يدينه الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الاخير
49 لاني لم اتكلم من نفسي لكن الاب الذي ارسلني هو اعطاني وصية ماذا اقول و بماذا اتكلم
50 و انا اعلم ان وصيته هي حياة ابدية فما اتكلم انا به فكما قال لي الاب هكذا اتكلم
+ + +
شهادة المسيح لنفسه
"فنادى يسوع وقال:
الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي،
بل بالذي أرسلني". (44)
هذا هو ختام عظته الموجهة للأشرار المصممين على عدم الإيمان، وتُحسب تكملة للعظة التي قُطعت بالآية ٣٧. لقد نادى (صرخ) يسوع بصوتٍ عالٍ، مظهرًا غيرته الشديدة على خلاصهم.
هنا يؤكد وحدته الخفية مع الآب، فمن يؤمن بالابن يؤمن بالآب الذي أرسله، ومن يرى الابن يرى الآب أيضًا، من يكرم الابن يكرم الآب.
+ معنى: "لا يؤمن" أي لا يكون ذلك عند حدود الشكل الجسدي، ولا عند حدود الإنسان الذي ترونه. فإنه يقرر أنه يلزمنا أن نؤمن بأنه ليس إنسانًا مجردًا، بل نؤمن بيسوع المسيح اللَّه والإنسان (في نفس الوقت).
القديس أمبروسيوس
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 12:59 pm
+ كأن يقول: "لماذا تخشون أن تؤمنوا بي؟ الإيمان بي يعبر خلالي إلى الآب، كما أن إنكاركم إياي يصل إليه. انظروا كيف أنه بكل وسيلة يظهر عدم الاختلاف في الجوهر.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ تكريم الابن فيه تكريم للآب، إنه لا يُنقص من لاهوته.
+ الآن عندما يقول: "الذي يؤمن بي، ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني" (٤٤). ماذا نفهم سوى أنه ظهر كإنسانٍ للبشر بينما بقي غير منظور بكونه الله؟ ولكي لا يظن أحد أنه ليس بأكثر مما يروه فيه يشير إلى الإيمان به كمساوٍ للآب في الشخصية والرتبة... فمن يؤمن بالآب يلزمه أن يؤمن أنه أب، ومن يؤمن بالآب يؤمن أن له ابن، وبهذا فمن يؤمن بالآب يلزمه أن يؤمن بالابن.
القديس أغسطينوس
"والذي يراني، يرى الذي أرسلني". (45)
+ ماذا إذن؟ هل لله جسد؟ لا يمكن! فإن الرؤية التي يتحدث عنها ليست بجهة من الجهات جسمًا، فالبصر هنا إنما يريد به بصيرة العقل، وفي هذه الجهة بيَّن السيد المسيح أن جوهره هو جوهر أبيه. هنا يعلن عن الشركة في ذات الجوهر.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ نطق بالكلمات السابقة (٤٤) حتى لا يؤمن أحد أنه مجرد ما يظهر عليه، أي أنه ابن الإنسان، وبالكلمات التالية (٤٥) لكي يؤمنوا أنه مساوٍ للآب...
لقد أرسل المسيح رسله... لكن لم يكن ممكنًا لأحدهم أن يقول: "من يؤمن بي ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني"، فإنه ليس من أي أساس يمكن أن يقوم عليه القول: "يؤمن بي".
نحن نصدق الرسول، لكننا لا نؤمن به، لأنه ليس من رسول يبرر الخطاة. إنما نؤمن بالذي يبرر الخطاة، إيمانه يُحسب برًا (رو ٤: ٥).
يُمكن للرسول أن يقول: "من يقبلني يقبل الذي أرسلني"، أو "من يسمعني يسمع الذي أرسلني"، إذ يقول الرب: من يقبلكم يقبلني، ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني (مت ١٠: ٤٠). فإن السيد يُكرم في الخادم، والأب في الابن، وعندئذ الأب كما في الابن والسيد كما في الخادم.
أمكن للابن الوحيد الجنس بحقٍ أن يقول: "آمـنوا بالله، فآمنوا بي" (يو ١٤: ١). وكما يقول هنا أيضًا: "الذي يؤمن بي، ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني". إنه لا يحول إيمان المؤمن عنه، وإنما أراد ألا يقف المؤمن عند إيمانه به كعبدٍ، لأن كل من يؤمن بالآب يؤمن للحال بالابن، الذي بدونه لا يكون للآب وجود كآبٍ. وهكذا يبلغ إلى إيمانه بمساواته للآب، ذلك طبقًا للكلمات التالية لها: "والذي يراني، يرى الذي أرسلني" (٤٥).
القديس أغسطينوس
"أنا قد جئت نورًا إلى العالم،
حتى كل من يؤمن بي، لا يمكث في الظلمة". (46)
قبل مجيء المخلص - شمس البرّ - إلى العالم كان الكل في الظلمة. بإشراقه تبددت الظلمة، لكن لم ينتفع منها إلاَّ من كانت عيناه سليمتين قادرتين على رؤية أشعة شمس البرّ هذا. أشرقت شمس البرّ على البشرية كلها لكي يجد المؤمنون فيه نورًا وراحة، حيث لا يبقى للظلمة موضع فيهم. بنوره تنتهي المخاوف واليأس، ويحل الفرح السماوي والرجاء في الأبدية.
+ إذ يُدعى الآب بذات الاسم في كل موضع في العهدين القديم والجديد، يستخدم المسيح نفس الاسم أيضًا. لهذا يدعوه بولس: "البهاء" (عب 1:3)، متعلمًا أن يفعل هذا من ذات المصدر. أيضًا يظهر هنا العلاقة القوية بينه وبين الآب، وأنه لا يوجد فصل بينهما، وذلك متى قال أن الإيمان به ليس به، بل يعبر إلى الآب، ويدعو نفسه النور "لأنه يُخلص من الخطأ، ويزيل الظلمة العقلية.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ أليس بصالح ذاك الذي رفع الأرض إلى سماء حتى أن الكواكب المتلألئة المصاحبة له تعكس مجده في السماء كما في مرآة، هكذا طغمات الرسل والشهداء والكهنة يشرقون مثل كواكب مجيدة، وتهب نورًا للعالم؟
القديس أمبروسيوس
+ إنه لم يقل (لتلاميذه) "قد جئتم نورًا للعالم، حتى كل من يؤمن بكم لا يمكث في الظلمة". مثل هذا القول أقول لن يمكن قبوله بأي وضع. لذلك فكل القديسين هم أنوار، لكنهم استناروا به بالإيمان، وكل من ينفصل عنه تحوط به الظلمة. أما ذاك النور الذي ينيرهم، فلن يمكن أن ينفصل عن ذاته، لأنه غير قابل للتغيير.
القديس أغسطينوس
"وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن، أنا لا أدينه،
لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم". (47)
لم يأت السيد المسيح ليدين العالم بل ليخلصه. كلمات الأنبياء التي تنبأت عنه تدينهم.
v الآن هو زمن الرحمة، فيما بعد يأتي زمن الدينونة، إذ قيل: "اسبح لك يا رب الرحمة والحكم" (مز ١٠١: ١).
القديس أغسطينوس
"من رذلني ولم يقبل كلامي، فله من يدينه،
الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير". (48)
إن كان السيد المسيح يشتهي خلاص الكل لا دينونتهم، فإنه في اليوم الأخير كلماته تدين غير المؤمنين، كشاهد على جرائمهم. كل كلمة ينطق بها، وكل حنو يقدمه، وكل عطية يهبها، هذه كلها تشهد ضد من يستهين به.
+ قوله: "الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير" (٤٨) فيه الكفاية ليعلن أنه هو نفسه الديان بعد ذلك. فإنه هو نفسه الذي تكلم، وهو الذي أعلن ذلك، وهو نفسه الذي أقام نفسه كبابٍ يدخل منه كراعٍ إلى خرافه. فإنه سيُدان الذين لم يسمعوا الكلمة قط بطريقة غير الذي سيُدان بها من سمعوا واستخفوا بالكلمة. يقول الرسول: "لأن كل من أخطأ بدون الناموس فبدون الناموس يهلك، وكل من أخطأ في الناموس فبالناموس يُدان" (رو ٢: ١٢).
القديس أغسطينوس
"لأني لم أتكلم من نفسي،
لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم". (49)
يقوم يسوع بكونه المسيا برسالة الخلاص التي تسلمها من الآب لينطق بها ويتممها. إنه وكالة الآب، ما يفعله لحساب الآب الذي أحب العالم وبذل ابنه الوحيد من أجله.
لقد فشل آدم الأول في رسالته، وعصى الله، ولم يكن بالسفير اللائق ليمثل السماوي، فجاء آدم الثاني بروح الطاعة يتمم العمل المُوكل إليه، عمل الحب الإلهي الفائق. فيه يمكننا أن نمارس الطاعة التي فقدناها بانتسابنا لآدم أبينا.
+ حتمًا قال هذا من أجلهم... ألا ترون أنه قدم تعبيره في تواضع متزايد، حتى يجتذب هؤلاء الناس ويُسكت القادمين بعدهم؟ هذا هو السبب الذي نطق بكلمات تناسب إنسانًا مجردًا، إذ كان مدركًا أن الكلمات لا تخص طبيعته بل تناسب ضعف المستمعين.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ الابن وحده هو كلمة الآب، وحكمة الآب، فيه كل وصايا الآب. فإنه لا يوجد زمن فيه لم يعرف الابن وصية الآب، مما يجعل من الضرورة أن يقتنيها في وقت معين، تلك التي اقتناها قبلاً. ما ناله من الآب هو أنه وُلد، فاقتناها بمولده (الأزلي)... لم يقدم الآب للابن وصية لم تكن لديه، وإنما كما قلت أنه في حكمة الآب وفي كلمة الآب تقوم كل وصايا الآب.
القديس أغسطينوس
"وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية،
فما أتكلم أنا به،
فكما قال لي الآب هكذا أتكلم". (50)
+ إن كان الابن نفسه هو الحياة الأبدية، وهو وصية الآب، فماذا يعني هذا سوى "أنا هو وصية الآب"؟ وبقوله: "فما أتكلم به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم" (٥٠).
لا يُفهم "قال لي" كما لو كان الآب يستخدم كلمات في حديثه مع الكلمة وحده، أو أن كلمة الله يحتاج إلى كلمات من الله.
تكلم الآب مع الابن بنفس الطريقة كما أعطى الحياة للابن، ليس كمن لا يعرف أمرًا، أو لم يكن له الأخرى (الحياة)، وإنما لأنه هو الابن... إنه الحقاني قد ولد الحق، فماذا يمكن أن يقول للحق؟ فإن الحق الذي ليس فيه نقص لا يحتاج إلى من يهبه حقًا إضافيًا. إذن هو تكلم مع الحق لأنه ولد الحق.
القديس أغسطينوس
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ تكريم الابن فيه تكريم للآب، إنه لا يُنقص من لاهوته.
+ الآن عندما يقول: "الذي يؤمن بي، ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني" (٤٤). ماذا نفهم سوى أنه ظهر كإنسانٍ للبشر بينما بقي غير منظور بكونه الله؟ ولكي لا يظن أحد أنه ليس بأكثر مما يروه فيه يشير إلى الإيمان به كمساوٍ للآب في الشخصية والرتبة... فمن يؤمن بالآب يلزمه أن يؤمن أنه أب، ومن يؤمن بالآب يؤمن أن له ابن، وبهذا فمن يؤمن بالآب يلزمه أن يؤمن بالابن.
القديس أغسطينوس
"والذي يراني، يرى الذي أرسلني". (45)
+ ماذا إذن؟ هل لله جسد؟ لا يمكن! فإن الرؤية التي يتحدث عنها ليست بجهة من الجهات جسمًا، فالبصر هنا إنما يريد به بصيرة العقل، وفي هذه الجهة بيَّن السيد المسيح أن جوهره هو جوهر أبيه. هنا يعلن عن الشركة في ذات الجوهر.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ نطق بالكلمات السابقة (٤٤) حتى لا يؤمن أحد أنه مجرد ما يظهر عليه، أي أنه ابن الإنسان، وبالكلمات التالية (٤٥) لكي يؤمنوا أنه مساوٍ للآب...
لقد أرسل المسيح رسله... لكن لم يكن ممكنًا لأحدهم أن يقول: "من يؤمن بي ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني"، فإنه ليس من أي أساس يمكن أن يقوم عليه القول: "يؤمن بي".
نحن نصدق الرسول، لكننا لا نؤمن به، لأنه ليس من رسول يبرر الخطاة. إنما نؤمن بالذي يبرر الخطاة، إيمانه يُحسب برًا (رو ٤: ٥).
يُمكن للرسول أن يقول: "من يقبلني يقبل الذي أرسلني"، أو "من يسمعني يسمع الذي أرسلني"، إذ يقول الرب: من يقبلكم يقبلني، ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني (مت ١٠: ٤٠). فإن السيد يُكرم في الخادم، والأب في الابن، وعندئذ الأب كما في الابن والسيد كما في الخادم.
أمكن للابن الوحيد الجنس بحقٍ أن يقول: "آمـنوا بالله، فآمنوا بي" (يو ١٤: ١). وكما يقول هنا أيضًا: "الذي يؤمن بي، ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني". إنه لا يحول إيمان المؤمن عنه، وإنما أراد ألا يقف المؤمن عند إيمانه به كعبدٍ، لأن كل من يؤمن بالآب يؤمن للحال بالابن، الذي بدونه لا يكون للآب وجود كآبٍ. وهكذا يبلغ إلى إيمانه بمساواته للآب، ذلك طبقًا للكلمات التالية لها: "والذي يراني، يرى الذي أرسلني" (٤٥).
القديس أغسطينوس
"أنا قد جئت نورًا إلى العالم،
حتى كل من يؤمن بي، لا يمكث في الظلمة". (46)
قبل مجيء المخلص - شمس البرّ - إلى العالم كان الكل في الظلمة. بإشراقه تبددت الظلمة، لكن لم ينتفع منها إلاَّ من كانت عيناه سليمتين قادرتين على رؤية أشعة شمس البرّ هذا. أشرقت شمس البرّ على البشرية كلها لكي يجد المؤمنون فيه نورًا وراحة، حيث لا يبقى للظلمة موضع فيهم. بنوره تنتهي المخاوف واليأس، ويحل الفرح السماوي والرجاء في الأبدية.
+ إذ يُدعى الآب بذات الاسم في كل موضع في العهدين القديم والجديد، يستخدم المسيح نفس الاسم أيضًا. لهذا يدعوه بولس: "البهاء" (عب 1:3)، متعلمًا أن يفعل هذا من ذات المصدر. أيضًا يظهر هنا العلاقة القوية بينه وبين الآب، وأنه لا يوجد فصل بينهما، وذلك متى قال أن الإيمان به ليس به، بل يعبر إلى الآب، ويدعو نفسه النور "لأنه يُخلص من الخطأ، ويزيل الظلمة العقلية.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ أليس بصالح ذاك الذي رفع الأرض إلى سماء حتى أن الكواكب المتلألئة المصاحبة له تعكس مجده في السماء كما في مرآة، هكذا طغمات الرسل والشهداء والكهنة يشرقون مثل كواكب مجيدة، وتهب نورًا للعالم؟
القديس أمبروسيوس
+ إنه لم يقل (لتلاميذه) "قد جئتم نورًا للعالم، حتى كل من يؤمن بكم لا يمكث في الظلمة". مثل هذا القول أقول لن يمكن قبوله بأي وضع. لذلك فكل القديسين هم أنوار، لكنهم استناروا به بالإيمان، وكل من ينفصل عنه تحوط به الظلمة. أما ذاك النور الذي ينيرهم، فلن يمكن أن ينفصل عن ذاته، لأنه غير قابل للتغيير.
القديس أغسطينوس
"وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن، أنا لا أدينه،
لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم". (47)
لم يأت السيد المسيح ليدين العالم بل ليخلصه. كلمات الأنبياء التي تنبأت عنه تدينهم.
v الآن هو زمن الرحمة، فيما بعد يأتي زمن الدينونة، إذ قيل: "اسبح لك يا رب الرحمة والحكم" (مز ١٠١: ١).
القديس أغسطينوس
"من رذلني ولم يقبل كلامي، فله من يدينه،
الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير". (48)
إن كان السيد المسيح يشتهي خلاص الكل لا دينونتهم، فإنه في اليوم الأخير كلماته تدين غير المؤمنين، كشاهد على جرائمهم. كل كلمة ينطق بها، وكل حنو يقدمه، وكل عطية يهبها، هذه كلها تشهد ضد من يستهين به.
+ قوله: "الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير" (٤٨) فيه الكفاية ليعلن أنه هو نفسه الديان بعد ذلك. فإنه هو نفسه الذي تكلم، وهو الذي أعلن ذلك، وهو نفسه الذي أقام نفسه كبابٍ يدخل منه كراعٍ إلى خرافه. فإنه سيُدان الذين لم يسمعوا الكلمة قط بطريقة غير الذي سيُدان بها من سمعوا واستخفوا بالكلمة. يقول الرسول: "لأن كل من أخطأ بدون الناموس فبدون الناموس يهلك، وكل من أخطأ في الناموس فبالناموس يُدان" (رو ٢: ١٢).
القديس أغسطينوس
"لأني لم أتكلم من نفسي،
لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم". (49)
يقوم يسوع بكونه المسيا برسالة الخلاص التي تسلمها من الآب لينطق بها ويتممها. إنه وكالة الآب، ما يفعله لحساب الآب الذي أحب العالم وبذل ابنه الوحيد من أجله.
لقد فشل آدم الأول في رسالته، وعصى الله، ولم يكن بالسفير اللائق ليمثل السماوي، فجاء آدم الثاني بروح الطاعة يتمم العمل المُوكل إليه، عمل الحب الإلهي الفائق. فيه يمكننا أن نمارس الطاعة التي فقدناها بانتسابنا لآدم أبينا.
+ حتمًا قال هذا من أجلهم... ألا ترون أنه قدم تعبيره في تواضع متزايد، حتى يجتذب هؤلاء الناس ويُسكت القادمين بعدهم؟ هذا هو السبب الذي نطق بكلمات تناسب إنسانًا مجردًا، إذ كان مدركًا أن الكلمات لا تخص طبيعته بل تناسب ضعف المستمعين.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ الابن وحده هو كلمة الآب، وحكمة الآب، فيه كل وصايا الآب. فإنه لا يوجد زمن فيه لم يعرف الابن وصية الآب، مما يجعل من الضرورة أن يقتنيها في وقت معين، تلك التي اقتناها قبلاً. ما ناله من الآب هو أنه وُلد، فاقتناها بمولده (الأزلي)... لم يقدم الآب للابن وصية لم تكن لديه، وإنما كما قلت أنه في حكمة الآب وفي كلمة الآب تقوم كل وصايا الآب.
القديس أغسطينوس
"وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية،
فما أتكلم أنا به،
فكما قال لي الآب هكذا أتكلم". (50)
+ إن كان الابن نفسه هو الحياة الأبدية، وهو وصية الآب، فماذا يعني هذا سوى "أنا هو وصية الآب"؟ وبقوله: "فما أتكلم به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم" (٥٠).
لا يُفهم "قال لي" كما لو كان الآب يستخدم كلمات في حديثه مع الكلمة وحده، أو أن كلمة الله يحتاج إلى كلمات من الله.
تكلم الآب مع الابن بنفس الطريقة كما أعطى الحياة للابن، ليس كمن لا يعرف أمرًا، أو لم يكن له الأخرى (الحياة)، وإنما لأنه هو الابن... إنه الحقاني قد ولد الحق، فماذا يمكن أن يقول للحق؟ فإن الحق الذي ليس فيه نقص لا يحتاج إلى من يهبه حقًا إضافيًا. إذن هو تكلم مع الحق لأنه ولد الحق.
القديس أغسطينوس
+ + +
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 1:00 pm
اليوم الخامس ( الجمعة ) من الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
النبوات .... تثنيــــــة 9 ، 10
الإصحاح التاسع
بماذا يتبرر الشعب ؟
فى الإصحاح السابق ركز موسى النبى على تأكيد أن ما يتمتع به الشعب من بركات ليس هو ثمر برهم الذاتى ، إنما هو عطية مجانية من قبل الله الذى يشتهى أن يدخل معهم فى ميثاق . يدخل بهم إلى القفر لكى يدركوا قفر طبيعتهم الداخلية . ويبعث إليهم موسى قائدا ليعلن أنه مهتم بهم ، يحملهم إليه شخصيا .
إنه أمين فى مواعيده بالرغم من عدم أمانتهم . وفى هذا الإصحاح أوضح أن الله أقام عهده مع شعبه ليسكب فيض بركاته ، لا لأجل بر الإنسان الذاتى [ 1 – 6 ] ، بل من أجل أمانة الله فى وعوده .
الله فى أمانته قدم لشعبه الشريعة ، بينما عبد الشعب العجل الذهبى [ 7 – 21 ] . لم يقف موسى النبى فى سلبية أمام هذا الجرم العظيم ، بل يشفع فى شعب فى شعب الله مذكرا إياه بالوعود الإلهية [ 22 – 29 ] .
1 – الله هو قائد المعركة
9: 1 اسمع يا اسرائيل انت اليوم عابر الاردن لكي تدخل و تمتلك شعوبا اكبر و اعظم منك و مدنا عظيمة و محصنة الى السماء
9: 2 قوما عظاما و طوالا بني عناق الذين عرفتهم و سمعت من يقف في وجه بني عناق
9: 3 فاعلم اليوم ان الرب الهك هو العابر امامك نارا اكلة هو يبيدهم و يذلهم امامك فتطردهم و تهلكهم سريعا كما كلمك الرب
يرى البعض أن بقوله " اسمع يا إسرائيل " ، أنها عظة جديدة قدمها موسى ربما فى السبت التالى بعد العظة السابقة .
ربما تتشابه الكلمات التى نطق بها موسى النبى فى هذه العظة مع الكلمات التى نطق بها الجواسيس ( عد 13 : 28 ، 33 ) ، لكن شتان ما بين الروح الذى نطق به موسى ليعلن أمانة الله فى تحقيق وعوده لشعبه ، فيعبر أمام شعبه كنار آكلة تحرق كل مقاومة ، وبين روح الجواسيس الذى يحطم الإيمان ، ويفقد النفوس رجاءها فى التمتع بالوعود الإلهية .
2 – النصرة ليست بسبب برهم الذاتى
يحذرهم موسى النبى من الكبرياء والتشامخ ، فإنه ليس بسبب برهم ينالون النصرة ، بل بسبب أمانة الله .
9: 4 لا تقل في قلبك حين ينفيهم الرب الهك من امامك قائلا لاجل بري ادخلني الرب لامتلك هذه الارض و لاجل اثم هؤلاء الشعوب يطردهم الرب من امامك
إن نسبنا النصرة لله يمجدنا ويكللنا ، أما إن نسبناها إلى برنا الذاتى يسحب نعمته المجانية ، ونفقد النصرة ، ونصير فى هوان وعار .
3 – هزيمة الأمم بسبب شرهم
إن كان من أجل غنى مراحم الله يهب الله مؤمنيه قوة ونصرة ، فإن إبادة الأشرار وهلاكهم هو ثمر طبيعى لشرهم وفسادهم ، فإن الله ليس بظالم .
" و لاجل اثم هؤلاء الشعوب يطردهم الرب من امامك
9: 5 ليس لاجل برك و عدالة قلبك تدخل لتمتلك ارضهم بل لاجل اثم اولئك الشعوب يطردهم الرب الهك من امامك و لكي يفي بالكلام الذي اقسم الرب عليه لابائك ابراهيم و اسحق و يعقوب " .
يتمجد الله فى مؤمنيه بعطاياه المجانية ، ويتمجد فى الأشرار المصممين على شرهم وعنادهم بدمارهم . الذين يرذلهم الرب ، إنما بعدالة يستحقون أن يرذلوا ، أما الذين يقبلهم فليس من أجل برهم الذاتى ، بل من أجل مراحمه المجانية الفائقة .
4 – أمانة الله فى مواعيده مع آبائهم
" و لكي يفي بالكلام الذي اقسم الرب عليه لابائك ابراهيم و اسحق و يعقوب "
9: 6 فاعلم انه ليس لاجل برك يعطيك الرب الهك هذه الارض الجيدة لتمتلكها لانك شعب صلب الرقبة " .
لقد أقسم لآبائهم الذين أحبوه ، فقدم لأبنائهم ميراثا ، ليس عن استحقاقهم الذاتى بل من أجل أمانة الله . فاختيار العازر بن هرون كاهنا يوحى بغفران خطية هرون ، هكذا دامت وظيفة رئيس الكهنة .
5 – شعب متذمر منذ البداية
9: 7 اذكر لا تنسى كيف اسخطت الرب الهك في البرية من اليوم الذي خرجت فيه من ارض مصر حتى اتيتم الى هذا المكان كنتم تقاومون الرب
بعد أن أكد أنه ليس بسبب برهم الذاتى بل من أجل أمانة الله فى مواعيده مع آبائهم يعطيهم الميراث أوضح لهم أنهم لم يمارسوا البر ، بل كانوا مملوءين تذمرا وسخطا منذ بداية الطريق وهم فى مصر عند خروجهم ، وبقوا هكذا عبر الطريق أثناء التيه فى البرية ، كانت طبيعتهم هى التذمر ، مارسوه منذ البداية حتى نهاية رحلتهم .
هكذا يسجل موسى النبى خبرته المرة مع شعبه الذى دعاه " صلب الرقبة " ، دائم السخط من اليوم الذى خرجوا فيه من مصر حتى بلغوا إلى أرض موآب ، يحملون روح المقاومة للرب .
6 – شعب يعبد العجل أثناء تسلم الشريعة
مما أخزن قلب موسى أن الشعب فى أقدس اللحظات التى كان الله فيها يتحدث مع موسى مقدما شريعته له التى تحذر بشدة من العبادة الوثنية ؛ كان موسى صائما أربعين يوما وأربعين ليلا لا يأكل خبزا ولا يشرب ماء ، وكان الجبل يدخن بالنار فى حوريب ؛ إذا بالشعب يزوغ عن الحق ، وفى عناد وصلابة رقبة يصب عجلا ذهبيا يتعبد له .
فى الموضع الذى فيه استلموا الشريعة ، كسروها وفى نفس لحظات استلامها . بينما كانت عيونهم لا زالت تنظر الجبل متقد نارا لم تلن قلوبهم ، بل صبوا العجل الذهبى بسبكه فى نار متقدة .
9: 8 حتى في حوريب اسخطتم الرب فغضب الرب عليكم ليبيدكم
هكذا يعبر موسى النبى عن بشاعة خطيتهم حتى أن الرب أراد إبادتهم فى اللحظات التى فيها أراد أن يقدم لهم كل محبة ورحمة .
9: 9 حين صعدت الى الجبل لكي اخذ لوحي الحجر لوحي العهد الذي قطعه الرب معكم اقمت في الجبل اربعين نهارا و اربعين ليلة لا اكل خبزا و لا اشرب ماء
9: 10 و اعطاني الرب لوحي الحجر المكتوبين باصبع الله و عليهما مثل جميع الكلمات التي كلمكم بها الرب في الجبل من وسط النار في يوم الاجتماع
9: 11 و في نهاية الاربعين نهارا و الاربعين ليلة لما اعطاني الرب لوحي الحجر لوحي العهد
9: 12 قال الرب لي قم انزل عاجلا من هنا لانه قد فسد شعبك الذي اخرجته من مصر زاغوا سريعا عن الطريق التي اوصيتهم صنعوا لانفسهم تمثالا مسبوكا
9: 13 و كلمني الرب قائلا رايت هذا الشعب و اذا هو شعب صلب الرقبة
9: 14 اتركني فابيدهم و امحو اسمهم من تحت السماء و اجعلك شعبا اعظم و اكثر منهم
9: 15 فانصرفت و نزلت من الجبل و الجبل يشتعل بالنار و لوحا العهد في يدي
قراءات باكر | قراءات القداس | ||||
تث 9 : 7 – 10 : 11 إش 13 : 2 - 13 | مز 16 : 10 ، 11 لو 20 : 27 - 38 | عب 11 : 1 - 8 | يهوذا 1 : 17 - 25 | أع 23 : 6 - 11 | مز 16 : 1 ، 2 لو 11 : 14 - 26 |
النبوات .... تثنيــــــة 9 ، 10
الإصحاح التاسع
بماذا يتبرر الشعب ؟
فى الإصحاح السابق ركز موسى النبى على تأكيد أن ما يتمتع به الشعب من بركات ليس هو ثمر برهم الذاتى ، إنما هو عطية مجانية من قبل الله الذى يشتهى أن يدخل معهم فى ميثاق . يدخل بهم إلى القفر لكى يدركوا قفر طبيعتهم الداخلية . ويبعث إليهم موسى قائدا ليعلن أنه مهتم بهم ، يحملهم إليه شخصيا .
إنه أمين فى مواعيده بالرغم من عدم أمانتهم . وفى هذا الإصحاح أوضح أن الله أقام عهده مع شعبه ليسكب فيض بركاته ، لا لأجل بر الإنسان الذاتى [ 1 – 6 ] ، بل من أجل أمانة الله فى وعوده .
الله فى أمانته قدم لشعبه الشريعة ، بينما عبد الشعب العجل الذهبى [ 7 – 21 ] . لم يقف موسى النبى فى سلبية أمام هذا الجرم العظيم ، بل يشفع فى شعب فى شعب الله مذكرا إياه بالوعود الإلهية [ 22 – 29 ] .
1 – الله هو قائد المعركة
9: 1 اسمع يا اسرائيل انت اليوم عابر الاردن لكي تدخل و تمتلك شعوبا اكبر و اعظم منك و مدنا عظيمة و محصنة الى السماء
9: 2 قوما عظاما و طوالا بني عناق الذين عرفتهم و سمعت من يقف في وجه بني عناق
9: 3 فاعلم اليوم ان الرب الهك هو العابر امامك نارا اكلة هو يبيدهم و يذلهم امامك فتطردهم و تهلكهم سريعا كما كلمك الرب
يرى البعض أن بقوله " اسمع يا إسرائيل " ، أنها عظة جديدة قدمها موسى ربما فى السبت التالى بعد العظة السابقة .
ربما تتشابه الكلمات التى نطق بها موسى النبى فى هذه العظة مع الكلمات التى نطق بها الجواسيس ( عد 13 : 28 ، 33 ) ، لكن شتان ما بين الروح الذى نطق به موسى ليعلن أمانة الله فى تحقيق وعوده لشعبه ، فيعبر أمام شعبه كنار آكلة تحرق كل مقاومة ، وبين روح الجواسيس الذى يحطم الإيمان ، ويفقد النفوس رجاءها فى التمتع بالوعود الإلهية .
2 – النصرة ليست بسبب برهم الذاتى
يحذرهم موسى النبى من الكبرياء والتشامخ ، فإنه ليس بسبب برهم ينالون النصرة ، بل بسبب أمانة الله .
9: 4 لا تقل في قلبك حين ينفيهم الرب الهك من امامك قائلا لاجل بري ادخلني الرب لامتلك هذه الارض و لاجل اثم هؤلاء الشعوب يطردهم الرب من امامك
إن نسبنا النصرة لله يمجدنا ويكللنا ، أما إن نسبناها إلى برنا الذاتى يسحب نعمته المجانية ، ونفقد النصرة ، ونصير فى هوان وعار .
3 – هزيمة الأمم بسبب شرهم
إن كان من أجل غنى مراحم الله يهب الله مؤمنيه قوة ونصرة ، فإن إبادة الأشرار وهلاكهم هو ثمر طبيعى لشرهم وفسادهم ، فإن الله ليس بظالم .
" و لاجل اثم هؤلاء الشعوب يطردهم الرب من امامك
9: 5 ليس لاجل برك و عدالة قلبك تدخل لتمتلك ارضهم بل لاجل اثم اولئك الشعوب يطردهم الرب الهك من امامك و لكي يفي بالكلام الذي اقسم الرب عليه لابائك ابراهيم و اسحق و يعقوب " .
يتمجد الله فى مؤمنيه بعطاياه المجانية ، ويتمجد فى الأشرار المصممين على شرهم وعنادهم بدمارهم . الذين يرذلهم الرب ، إنما بعدالة يستحقون أن يرذلوا ، أما الذين يقبلهم فليس من أجل برهم الذاتى ، بل من أجل مراحمه المجانية الفائقة .
4 – أمانة الله فى مواعيده مع آبائهم
" و لكي يفي بالكلام الذي اقسم الرب عليه لابائك ابراهيم و اسحق و يعقوب "
9: 6 فاعلم انه ليس لاجل برك يعطيك الرب الهك هذه الارض الجيدة لتمتلكها لانك شعب صلب الرقبة " .
لقد أقسم لآبائهم الذين أحبوه ، فقدم لأبنائهم ميراثا ، ليس عن استحقاقهم الذاتى بل من أجل أمانة الله . فاختيار العازر بن هرون كاهنا يوحى بغفران خطية هرون ، هكذا دامت وظيفة رئيس الكهنة .
5 – شعب متذمر منذ البداية
9: 7 اذكر لا تنسى كيف اسخطت الرب الهك في البرية من اليوم الذي خرجت فيه من ارض مصر حتى اتيتم الى هذا المكان كنتم تقاومون الرب
بعد أن أكد أنه ليس بسبب برهم الذاتى بل من أجل أمانة الله فى مواعيده مع آبائهم يعطيهم الميراث أوضح لهم أنهم لم يمارسوا البر ، بل كانوا مملوءين تذمرا وسخطا منذ بداية الطريق وهم فى مصر عند خروجهم ، وبقوا هكذا عبر الطريق أثناء التيه فى البرية ، كانت طبيعتهم هى التذمر ، مارسوه منذ البداية حتى نهاية رحلتهم .
هكذا يسجل موسى النبى خبرته المرة مع شعبه الذى دعاه " صلب الرقبة " ، دائم السخط من اليوم الذى خرجوا فيه من مصر حتى بلغوا إلى أرض موآب ، يحملون روح المقاومة للرب .
6 – شعب يعبد العجل أثناء تسلم الشريعة
مما أخزن قلب موسى أن الشعب فى أقدس اللحظات التى كان الله فيها يتحدث مع موسى مقدما شريعته له التى تحذر بشدة من العبادة الوثنية ؛ كان موسى صائما أربعين يوما وأربعين ليلا لا يأكل خبزا ولا يشرب ماء ، وكان الجبل يدخن بالنار فى حوريب ؛ إذا بالشعب يزوغ عن الحق ، وفى عناد وصلابة رقبة يصب عجلا ذهبيا يتعبد له .
فى الموضع الذى فيه استلموا الشريعة ، كسروها وفى نفس لحظات استلامها . بينما كانت عيونهم لا زالت تنظر الجبل متقد نارا لم تلن قلوبهم ، بل صبوا العجل الذهبى بسبكه فى نار متقدة .
9: 8 حتى في حوريب اسخطتم الرب فغضب الرب عليكم ليبيدكم
هكذا يعبر موسى النبى عن بشاعة خطيتهم حتى أن الرب أراد إبادتهم فى اللحظات التى فيها أراد أن يقدم لهم كل محبة ورحمة .
9: 9 حين صعدت الى الجبل لكي اخذ لوحي الحجر لوحي العهد الذي قطعه الرب معكم اقمت في الجبل اربعين نهارا و اربعين ليلة لا اكل خبزا و لا اشرب ماء
9: 10 و اعطاني الرب لوحي الحجر المكتوبين باصبع الله و عليهما مثل جميع الكلمات التي كلمكم بها الرب في الجبل من وسط النار في يوم الاجتماع
9: 11 و في نهاية الاربعين نهارا و الاربعين ليلة لما اعطاني الرب لوحي الحجر لوحي العهد
9: 12 قال الرب لي قم انزل عاجلا من هنا لانه قد فسد شعبك الذي اخرجته من مصر زاغوا سريعا عن الطريق التي اوصيتهم صنعوا لانفسهم تمثالا مسبوكا
9: 13 و كلمني الرب قائلا رايت هذا الشعب و اذا هو شعب صلب الرقبة
9: 14 اتركني فابيدهم و امحو اسمهم من تحت السماء و اجعلك شعبا اعظم و اكثر منهم
9: 15 فانصرفت و نزلت من الجبل و الجبل يشتعل بالنار و لوحا العهد في يدي
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 1:01 pm
+ كان موسى فى أمجد لحظات عمره على الأرض ، إذ كان على قمة الجبل يتمتع برؤية ظل مجد الله ، ويتسلم الشريعة التى سجلها الله على لوحين ونحتها كما بنار إلهية ، وقد اهتز الجبل كله وامتلأ دخانا وضبابا . توقع عند نزوله أن يرى الشعب كله ، رجالا ونساء ، أطفالا وشيوخا لا يشغلهم شىء سوى استلام الشريعة . ظن أنه يرى عيونهم شاخصة نحو قمة الجبل ، نسوا أكلهم وشربهم ونومهم فى وسط هذا المجد العظيم . لكن نفسه تحطمت تماما إذ عوض النار الإلهية طلبوا من رئيس الكهنة أن يوقد نارا يلقون فيها الحلى الذهبية ليصب لهم عجلا مسبوكا يكون لهم إلها .
الذهب الذى سمح لهم الله أن يأخذوه من المصريين عوض سنوات ذلهم وعبوديتهم قدموه للعبادة الوثنية لإغاظة الله مخلصهم .
7 – غضب موسى وكسر لوحى العهد
9: 16 فنظرت و اذا انتم قد اخطاتم الى الرب الهكم و صنعتم لانفسكم عجلا مسبوكا و زغتم سريعا عن الطريق التي اوصاكم بها الرب
9: 17 فاخذت اللوحين و طرحتهما من يدي و كسرتهما امام اعينكم
9: 18 ثم سقطت امام الرب كالاول اربعين نهارا و اربعين ليلة لا اكل خبزا و لا اشرب ماء من اجل كل خطاياكم التي اخطاتم بها بعملكم الشر امام الرب لاغاظته
9: 19 لاني فزعت من الغضب و الغيظ الذي سخطه الرب عليكم ليبيدكم فسمع لي الرب تلك المرة ايضا
كأنه يقول لهم أى برتفتخرون به عند دخولكم أرض الموعد ، وأى استحقاق لكم وأنتم أفقدتمونى وعيى حين نظرت ما لم أكن اتوقعه .
+ كسر موسى النبى اللوحين الحجريين أمام أعين الشعب ليعلن لهم أنهم قد كسروا الناموس ، وصاروا تحت لعنة العصيان .
الآن وقد جاء السيد المسيح ليقدم لا لوحى حجر بل روحه القدوس النارى ، فينقش ناموس العهد الجديد على القلب ، فى الأعماق الداخلية . وكما يقول الإنجيلى : " لأن الناموس بموسى أعطى ، وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا " ( يو 1 ) .
8 – اشتراك رئيس الكهنة فى خطأهم
لقد اشترك رئيس الكهنة معهم فى الخطأ ، إذ قام بسبك الذهب وصنع تمثال العجل للتعبد له . كان يليق بذاك الذى يضع على جبهته صحيفة ذهبية مكتوب عليها " قدس للرب " أن يقاوم خطأ الشعب ، لكنه عوض تقديس الشعب ورفع غضب الله عنهم ، سقط تحت الغضب الإلهى .
9: 20 و على هرون غضب الرب جدا ليبيده فصليت ايضا من اجل هرون في ذلك الوقت
عندما تحدث موسى النبى عن غضب الرب على الشعب وسخطه لم يقل " غضب الرب جدا " ، لكنه قال ذلك عندما تحدث عن خطأ رئيس الكهنة ، ليس عند الله محاباة ، فإن من يعرف كثيرا ولا يعمل يضرب كثيرا .
خطية الراعى أكثر خطورة من خطية الشعب ، لهذا فإن الله يؤدب الرعاة بحزم أشد من تأديب الشعب عندما يخطئوا .
+ إن شرف الكهنوت عظيم ، لكن إن أخطأ الكهنة فهلاكهم فظيع .
+ لا يخلص الكاهن لأجل شرفه ، إنما إن سلك بما يليق بشرفه .
+ عوض أن يشفع رئيس الكهنة فى الشعب صار محتاجا إلى من يشفع فيه :
" فصليت ايضا من اجل هرون في ذلك الوقت " [ 20 ]
9 – قبول سحق العجل عوض عن سحقهم
استحق الشعب أن يسحقوا بسبب بشاعة خطيتهم حتى فى اختيارهم للمكان والتوقيت . لكن من مراحم الله أنه قبل أن يحرق العجل ويرضض ويطحن ثم يذرى كالغبار فى النهر عوض أن يصنع هكذا بالشعب .
9: 21 و اما خطيتكم العجل الذي صنعتموه فاخذته و احرقته بالنار و رضضته و طحنته جيدا حتى نعم كالغبار ثم طرحت غباره في النهر المنحدر من الجبل
10 – سلسلة من التذمر والسخط
لقد بدأ الشعب بالسخط والتذمر من قبل خروجهم من مصر ، ورافقهم هذا السخط فى البرية ، حتى بلغ الذروة فى حوريب ، أثناء تسلم موسى الشريعة . وقد صام موسى وتشفع فيهم ، ومع هذا لم تتغير طبيعتهم المتذمرة ، فصارت حياتهم سلسلة لا تنقطع من التذمر والسخط ، يذكر على سبيل المثال :
9: 22 و في تبعيرة و مسة و قبروت هتاوة اسخطتم الرب
9: 23 و حين ارسلكم الرب من قادش برنيع قائلا اصعدوا امتلكوا الارض التي اعطيتكم عصيتم قول الرب الهكم و لم تصدقوه و لم تسمعوا لقوله
9: 24 قد كنتم تعصون الرب منذ يوم عرفتكم
11 – موسى يشفع فيهم
9: 25 فسقطت امام الرب الاربعين نهارا و الاربعين ليلة التي سقطتها لان الرب قال انه يهلككم
9: 26 و صليت للرب و قلت يا سيد الرب لا تهلك شعبك و ميراثك الذي فديته بعظمتك الذي اخرجته من مصر بيد شديدة
9: 27 اذكر عبيدك ابراهيم و اسحق و يعقوب لا تلتفت الى غلاظة هذا الشعب و اثمه و خطيته
9: 28 لئلا تقول الارض التي اخرجتنا منها لاجل ان الرب لم يقدر ان يدخلهم الارض التي كلمهم عنها و لاجل انه ابغضهم اخرجهم لكي يميتهم في البرية
9: 29 و هم شعبك و ميراثك الذي اخرجته بقوتك العظيمة و بذراعك الرفيعة
إن الأمر خطير للغاية فقد سقط موسى أمام الرب ليصلى ليلا ونهارا من أجل الشعب ، يرى البعض أنها بخلاف الأربعين يوما التى صامها للمرة الثانية ويعيد الرب الكتابة على لوحى العهد ، وإن كان البعض يرى أنها ذات الأربعين يوما .
صلى موسى للرب وذكره بوعده مع آبائهم إبراهيم واسحق ويعقوب ، طالبا ألا يلتفت إلى غلظة قلوبهم وإثمهم وخطيتهم . ليذكر أنه شعبه الذى صنع معه عجائب لإنقاذه !
لم يبرر موسى نفسه ، لكنه بالحب صام وصلى وطلب من الله أن يعمل من أجل عهده مع أسلافهم المباركين .
من وحى تثنية 9
+ بماذا أتبرر أمامك يا فائق الحب .
إنى إنسان دائم التذمر .
أشترك مع شعبك القديم فى روح التذمر .
انطلقوا من مصر متذمرين ،
عوض أن يمجدوك يا واهب النصرة .
رافقهم تذمرهم حتى فى أروع اللحظات .
كان الجبل لا زال متقدا بالنار من أجلهم ،
وحمل موسى لوحى العهد المكتوبين بإصبعك .
السماء والطبيعة حتى الحجارة تشهد لحبك .
الذهب الذى سمح لهم الله أن يأخذوه من المصريين عوض سنوات ذلهم وعبوديتهم قدموه للعبادة الوثنية لإغاظة الله مخلصهم .
7 – غضب موسى وكسر لوحى العهد
9: 16 فنظرت و اذا انتم قد اخطاتم الى الرب الهكم و صنعتم لانفسكم عجلا مسبوكا و زغتم سريعا عن الطريق التي اوصاكم بها الرب
9: 17 فاخذت اللوحين و طرحتهما من يدي و كسرتهما امام اعينكم
9: 18 ثم سقطت امام الرب كالاول اربعين نهارا و اربعين ليلة لا اكل خبزا و لا اشرب ماء من اجل كل خطاياكم التي اخطاتم بها بعملكم الشر امام الرب لاغاظته
9: 19 لاني فزعت من الغضب و الغيظ الذي سخطه الرب عليكم ليبيدكم فسمع لي الرب تلك المرة ايضا
كأنه يقول لهم أى برتفتخرون به عند دخولكم أرض الموعد ، وأى استحقاق لكم وأنتم أفقدتمونى وعيى حين نظرت ما لم أكن اتوقعه .
+ كسر موسى النبى اللوحين الحجريين أمام أعين الشعب ليعلن لهم أنهم قد كسروا الناموس ، وصاروا تحت لعنة العصيان .
الآن وقد جاء السيد المسيح ليقدم لا لوحى حجر بل روحه القدوس النارى ، فينقش ناموس العهد الجديد على القلب ، فى الأعماق الداخلية . وكما يقول الإنجيلى : " لأن الناموس بموسى أعطى ، وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا " ( يو 1 ) .
8 – اشتراك رئيس الكهنة فى خطأهم
لقد اشترك رئيس الكهنة معهم فى الخطأ ، إذ قام بسبك الذهب وصنع تمثال العجل للتعبد له . كان يليق بذاك الذى يضع على جبهته صحيفة ذهبية مكتوب عليها " قدس للرب " أن يقاوم خطأ الشعب ، لكنه عوض تقديس الشعب ورفع غضب الله عنهم ، سقط تحت الغضب الإلهى .
9: 20 و على هرون غضب الرب جدا ليبيده فصليت ايضا من اجل هرون في ذلك الوقت
عندما تحدث موسى النبى عن غضب الرب على الشعب وسخطه لم يقل " غضب الرب جدا " ، لكنه قال ذلك عندما تحدث عن خطأ رئيس الكهنة ، ليس عند الله محاباة ، فإن من يعرف كثيرا ولا يعمل يضرب كثيرا .
خطية الراعى أكثر خطورة من خطية الشعب ، لهذا فإن الله يؤدب الرعاة بحزم أشد من تأديب الشعب عندما يخطئوا .
+ إن شرف الكهنوت عظيم ، لكن إن أخطأ الكهنة فهلاكهم فظيع .
+ لا يخلص الكاهن لأجل شرفه ، إنما إن سلك بما يليق بشرفه .
+ عوض أن يشفع رئيس الكهنة فى الشعب صار محتاجا إلى من يشفع فيه :
" فصليت ايضا من اجل هرون في ذلك الوقت " [ 20 ]
9 – قبول سحق العجل عوض عن سحقهم
استحق الشعب أن يسحقوا بسبب بشاعة خطيتهم حتى فى اختيارهم للمكان والتوقيت . لكن من مراحم الله أنه قبل أن يحرق العجل ويرضض ويطحن ثم يذرى كالغبار فى النهر عوض أن يصنع هكذا بالشعب .
9: 21 و اما خطيتكم العجل الذي صنعتموه فاخذته و احرقته بالنار و رضضته و طحنته جيدا حتى نعم كالغبار ثم طرحت غباره في النهر المنحدر من الجبل
10 – سلسلة من التذمر والسخط
لقد بدأ الشعب بالسخط والتذمر من قبل خروجهم من مصر ، ورافقهم هذا السخط فى البرية ، حتى بلغ الذروة فى حوريب ، أثناء تسلم موسى الشريعة . وقد صام موسى وتشفع فيهم ، ومع هذا لم تتغير طبيعتهم المتذمرة ، فصارت حياتهم سلسلة لا تنقطع من التذمر والسخط ، يذكر على سبيل المثال :
9: 22 و في تبعيرة و مسة و قبروت هتاوة اسخطتم الرب
9: 23 و حين ارسلكم الرب من قادش برنيع قائلا اصعدوا امتلكوا الارض التي اعطيتكم عصيتم قول الرب الهكم و لم تصدقوه و لم تسمعوا لقوله
9: 24 قد كنتم تعصون الرب منذ يوم عرفتكم
11 – موسى يشفع فيهم
9: 25 فسقطت امام الرب الاربعين نهارا و الاربعين ليلة التي سقطتها لان الرب قال انه يهلككم
9: 26 و صليت للرب و قلت يا سيد الرب لا تهلك شعبك و ميراثك الذي فديته بعظمتك الذي اخرجته من مصر بيد شديدة
9: 27 اذكر عبيدك ابراهيم و اسحق و يعقوب لا تلتفت الى غلاظة هذا الشعب و اثمه و خطيته
9: 28 لئلا تقول الارض التي اخرجتنا منها لاجل ان الرب لم يقدر ان يدخلهم الارض التي كلمهم عنها و لاجل انه ابغضهم اخرجهم لكي يميتهم في البرية
9: 29 و هم شعبك و ميراثك الذي اخرجته بقوتك العظيمة و بذراعك الرفيعة
إن الأمر خطير للغاية فقد سقط موسى أمام الرب ليصلى ليلا ونهارا من أجل الشعب ، يرى البعض أنها بخلاف الأربعين يوما التى صامها للمرة الثانية ويعيد الرب الكتابة على لوحى العهد ، وإن كان البعض يرى أنها ذات الأربعين يوما .
صلى موسى للرب وذكره بوعده مع آبائهم إبراهيم واسحق ويعقوب ، طالبا ألا يلتفت إلى غلظة قلوبهم وإثمهم وخطيتهم . ليذكر أنه شعبه الذى صنع معه عجائب لإنقاذه !
لم يبرر موسى نفسه ، لكنه بالحب صام وصلى وطلب من الله أن يعمل من أجل عهده مع أسلافهم المباركين .
من وحى تثنية 9
من يشفع فى ، فإنى دائم التذمر
+ بماذا أتبرر أمامك يا فائق الحب .
إنى إنسان دائم التذمر .
أشترك مع شعبك القديم فى روح التذمر .
انطلقوا من مصر متذمرين ،
عوض أن يمجدوك يا واهب النصرة .
رافقهم تذمرهم حتى فى أروع اللحظات .
كان الجبل لا زال متقدا بالنار من أجلهم ،
وحمل موسى لوحى العهد المكتوبين بإصبعك .
السماء والطبيعة حتى الحجارة تشهد لحبك .
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 1:03 pm
مع هذا كسروا عهدك قبل استلامهم لوحى العهد .
هرون الكاهن الأعظم صار محتاجا إلى من يشفع فيه عندك !
من ينقذنى من خطاياى غيرك يا صانع العجائب .
+ ايستبدلوم بعجل ذهبى يا من حركت كل الطبيعة لحسابهم .
عوض القداسة مارسوا الرجاسات لإغاظتك .
من يجدد فكرى وقلبى وإرادتى غيرك ؟!
+ نفسى مرة فى داخلى !
مع كل فسادى كثيرا ما أنسب بركاتك إلى برى الذاتى ،
أنت وحدك سر كل بر حقيقى .
أنت واهب القداسة ومعطى البركات .
تثنية - الإصحاح العاشر
غنى عطايا الله لهم
لم يقف موسى النبى عند السلبيات مهاجما اتكال الشعب على برهم الذاتى ، وإنما سألهم أن يسلكوا بروح إيجابية . كان يليق بهم أن يتأملوا فى فيض نعمة الله وغنى عطاياه لهم . فإنه حتى بعد سقوطهم فى العبادة الوثنية وتعلقهم بالعجل الذهبى ، وتعبدهم له ؛ قبل الرب أن يغفر لهم ، ويهبهم عطايا بلا حصر . يذكر منها أربع عطايا : إعادة كتابة لوحى الشريعة ، إبقاء الكهنوت اللاوى بعدما ارتكب هرون أول رئيس كهنة خطأ فاحشا ، إفراز سبط لاوى لخدمته ، قبوله شفاعة موسى عنهم .
1 – إعادة كتابة لوحى العهد
الله عجيب فى حبه للإنسان وشوقه للإلتصاق به ، فمع بشاعة ما فعله الشعب فى أدق اللحظات كما رأينا فى الإصحاح السابق ، وسط هذا الفساد عاد ليكتب لهم على لوحين حجريين آخرين بإصبعه من جديد ذات الوصايا ليوضعنا فى تابوت العهد ، معلنا رغبته فى المصالحة وإقامة العهد كما من جديد .
10: 1 في ذلك الوقت قال لي الرب انحت لك لوحين من حجر مثل الاولين و اصعد الي الى الجبل و اصنع لك تابوتا من خشب
10: 2 فاكتب على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الاولين اللذين كسرتهما و تضعهما في التابوت
+ لم يكن ممكنا أن يقدم موسى اللوحين المنحوتين ليكتب الله عليهما بإصبعه ما لم يعد التابوت الخشبى الذى يحفظ فيه اللوحين . ما هو هذا التابوت الخشبى إلا صليب ربنا يسوع المسيح ، الذى فيه تحفظ الوصية دون أن تكسر . فمن يلتصق بصليب المسيح ، ويشاركه صلبه يتقبل الوصية ، ويحفظها فى قلبه .
+ فى طاعة كاملة لله وحب شديد للشعب وضع موسى اللوحين فى التابوت وقدمهما للشعب :
10: 3 فصنعت تابوتا من خشب السنط و نحت لوحين من حجر مثل الاولين و صعدت الى الجبل و اللوحان في يدي
10: 4 فكتب على اللوحين مثل الكتابة الاولى الكلمات العشر التي كلمكم بها الرب في الجبل من وسط النار في يوم الاجتماع و اعطاني الرب اياها
10: 5 ثم انصرفت و نزلت من الجبل و وضعت اللوحين في التابوت الذي صنعت فكانا هناك كما امرني الرب
+ ما كتبه فى اللوحين هو بعينه ما سبق أن كتبه فى اللوحين السابقين ، فإن كلمة الله لا تحتاج إلى تصحيح أو تعديل ، إنما هى ثابتة إلى الأبد ...
كتب عشرة وصايا أو كلمات ولم يكتب عشرة مجلدات ؛ فإنه ليس بكثرة الكلام تخلص البشرية بل بكلمة الله الممتزجة بحبه العملى .
+ إذ تسلم الشعب لوحى العهد أمكنهم التحرك نحو كنعان
10: 6 و بنو اسرائيل ارتحلوا من ابار بني يعقان الى موسير هناك مات هرون و هناك دفن فكهن العازار ابنه عوضا عنه
2 – إبقاؤه الكهنوت اللاوى
لقد غضب الرب جدا على هرون ليبيده ( 9 : 20 ) ، فصلى أخوه موسى من أجله ، وقبل الرب صلاته عنه ، لهذا أكمل هرون عمله الكهنوتى ، وتسلم إبنه العمل من بعده .
" هناك مات هرون و هناك دفن فكهن العازار ابنه عوضا عنه " [ 6 ]
عوض هرون سار ألعازار رئيس الكهنة الجديد مع الشعب وانطلق بهم نحو كنعان ، إلى " أرض أنهار ماء " [ 7 ] ، فإن عمل رئيس الكهنة هو أن يدخل بشعب الله إلى ينابيع مياة الروح القدس التى تحول بريتهم القاحلة إلى فردوس سماوى ، يحمل ثمار الروح .
3 – فرز سبط لاوى لخدمته
أظهر الله حنوه على شعبه بعد سقوطهم فى عبادة العجل وصلاة موسى عنهم ، إذ عاد يؤكد فرز سبط لاوى لخدمته ، وأن يكون هو نفسه وليس الأرض نصيبهم .
10: 8 في ذلك الوقت افرز الرب سبط لاوي ليحملوا تابوت عهد الرب و لكي يقفوا امام الرب ليخدموه و يباركوا باسمه الى هذا اليوم
10: 9 لاجل ذلك لم يكن للاوي قسم و لا نصيب مع اخوته الرب هو نصيبه كما كلمه الرب الهك
4 – قبوله شفاعة موسى عنهم
بسبب عبادة العجل تعطل الموكب ، لكن موسى مكث أربعين يوما صائما ومصليا يشفع فى شعبه حتى لا يهلك ، فقبل الرب صلاته وطلب منه أن يتحرك مع الشعب لكى يدخلوا ويمتلكوا الأرض .
10: 10 و انا مكثت في الجبل كالايام الاولى اربعين نهارا و اربعين ليلة و سمع الرب لي تلك المرة ايضا و لم يشا الرب ان يهلكك
10: 11 ثم قال لي الرب قم اذهب للارتحال امام الشعب فيدخلوا و يمتلكوا الارض التي حلفت لابائهم ان اعطيهم
كان موسى رمزا للسيد المسيح الذى صام عنا ، وبذل ذاته لمصالحتنا مع أبيه ، حتى لا نهلك ، بل ندخل به إلى حضن الآب ونرث مع المسيح المجد الأبدى .
5 – دعوة لمخافة الرب والألتصاق به
الآن بروح الرجاء المفرح يحثهم على التقوى أو التمتع بمخافة الرب والألتصاق به . موضحا النقاط التالية :
أولا : الله لا يحتاج إلى خدمة الإنسان ولا إلى عطاياه ، بل يطلب قلبه وحبه الخالص
10: 12 فالان يا اسرائيل ماذا يطلب منك الرب الهك الا ان تتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه و تحبه و تعبد الرب الهك من كل قلبك و من كل نفسك
10: 13 و تحفظ وصايا الرب و فرائضه التي انا اوصيك بها اليوم لخيرك
10: 14 هوذا للرب الهك السماوات و سماء السماوات و الارض و كل ما فيها
+ عندما يأمرك أن تحبه فإنه يظهر فوق الكل أنه يحبك . ليس شىء يضمن خلاصنا مثل أن نحبه .
ثانيا : الله يود أن يلتصق بنا ، لكى نتمتع به بكونه حياتنا
هرون الكاهن الأعظم صار محتاجا إلى من يشفع فيه عندك !
من ينقذنى من خطاياى غيرك يا صانع العجائب .
+ ايستبدلوم بعجل ذهبى يا من حركت كل الطبيعة لحسابهم .
عوض القداسة مارسوا الرجاسات لإغاظتك .
من يجدد فكرى وقلبى وإرادتى غيرك ؟!
+ نفسى مرة فى داخلى !
مع كل فسادى كثيرا ما أنسب بركاتك إلى برى الذاتى ،
أنت وحدك سر كل بر حقيقى .
أنت واهب القداسة ومعطى البركات .
تثنية - الإصحاح العاشر
غنى عطايا الله لهم
لم يقف موسى النبى عند السلبيات مهاجما اتكال الشعب على برهم الذاتى ، وإنما سألهم أن يسلكوا بروح إيجابية . كان يليق بهم أن يتأملوا فى فيض نعمة الله وغنى عطاياه لهم . فإنه حتى بعد سقوطهم فى العبادة الوثنية وتعلقهم بالعجل الذهبى ، وتعبدهم له ؛ قبل الرب أن يغفر لهم ، ويهبهم عطايا بلا حصر . يذكر منها أربع عطايا : إعادة كتابة لوحى الشريعة ، إبقاء الكهنوت اللاوى بعدما ارتكب هرون أول رئيس كهنة خطأ فاحشا ، إفراز سبط لاوى لخدمته ، قبوله شفاعة موسى عنهم .
1 – إعادة كتابة لوحى العهد
الله عجيب فى حبه للإنسان وشوقه للإلتصاق به ، فمع بشاعة ما فعله الشعب فى أدق اللحظات كما رأينا فى الإصحاح السابق ، وسط هذا الفساد عاد ليكتب لهم على لوحين حجريين آخرين بإصبعه من جديد ذات الوصايا ليوضعنا فى تابوت العهد ، معلنا رغبته فى المصالحة وإقامة العهد كما من جديد .
10: 1 في ذلك الوقت قال لي الرب انحت لك لوحين من حجر مثل الاولين و اصعد الي الى الجبل و اصنع لك تابوتا من خشب
10: 2 فاكتب على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الاولين اللذين كسرتهما و تضعهما في التابوت
+ لم يكن ممكنا أن يقدم موسى اللوحين المنحوتين ليكتب الله عليهما بإصبعه ما لم يعد التابوت الخشبى الذى يحفظ فيه اللوحين . ما هو هذا التابوت الخشبى إلا صليب ربنا يسوع المسيح ، الذى فيه تحفظ الوصية دون أن تكسر . فمن يلتصق بصليب المسيح ، ويشاركه صلبه يتقبل الوصية ، ويحفظها فى قلبه .
+ فى طاعة كاملة لله وحب شديد للشعب وضع موسى اللوحين فى التابوت وقدمهما للشعب :
10: 3 فصنعت تابوتا من خشب السنط و نحت لوحين من حجر مثل الاولين و صعدت الى الجبل و اللوحان في يدي
10: 4 فكتب على اللوحين مثل الكتابة الاولى الكلمات العشر التي كلمكم بها الرب في الجبل من وسط النار في يوم الاجتماع و اعطاني الرب اياها
10: 5 ثم انصرفت و نزلت من الجبل و وضعت اللوحين في التابوت الذي صنعت فكانا هناك كما امرني الرب
+ ما كتبه فى اللوحين هو بعينه ما سبق أن كتبه فى اللوحين السابقين ، فإن كلمة الله لا تحتاج إلى تصحيح أو تعديل ، إنما هى ثابتة إلى الأبد ...
كتب عشرة وصايا أو كلمات ولم يكتب عشرة مجلدات ؛ فإنه ليس بكثرة الكلام تخلص البشرية بل بكلمة الله الممتزجة بحبه العملى .
+ إذ تسلم الشعب لوحى العهد أمكنهم التحرك نحو كنعان
10: 6 و بنو اسرائيل ارتحلوا من ابار بني يعقان الى موسير هناك مات هرون و هناك دفن فكهن العازار ابنه عوضا عنه
2 – إبقاؤه الكهنوت اللاوى
لقد غضب الرب جدا على هرون ليبيده ( 9 : 20 ) ، فصلى أخوه موسى من أجله ، وقبل الرب صلاته عنه ، لهذا أكمل هرون عمله الكهنوتى ، وتسلم إبنه العمل من بعده .
" هناك مات هرون و هناك دفن فكهن العازار ابنه عوضا عنه " [ 6 ]
عوض هرون سار ألعازار رئيس الكهنة الجديد مع الشعب وانطلق بهم نحو كنعان ، إلى " أرض أنهار ماء " [ 7 ] ، فإن عمل رئيس الكهنة هو أن يدخل بشعب الله إلى ينابيع مياة الروح القدس التى تحول بريتهم القاحلة إلى فردوس سماوى ، يحمل ثمار الروح .
3 – فرز سبط لاوى لخدمته
أظهر الله حنوه على شعبه بعد سقوطهم فى عبادة العجل وصلاة موسى عنهم ، إذ عاد يؤكد فرز سبط لاوى لخدمته ، وأن يكون هو نفسه وليس الأرض نصيبهم .
10: 8 في ذلك الوقت افرز الرب سبط لاوي ليحملوا تابوت عهد الرب و لكي يقفوا امام الرب ليخدموه و يباركوا باسمه الى هذا اليوم
10: 9 لاجل ذلك لم يكن للاوي قسم و لا نصيب مع اخوته الرب هو نصيبه كما كلمه الرب الهك
4 – قبوله شفاعة موسى عنهم
بسبب عبادة العجل تعطل الموكب ، لكن موسى مكث أربعين يوما صائما ومصليا يشفع فى شعبه حتى لا يهلك ، فقبل الرب صلاته وطلب منه أن يتحرك مع الشعب لكى يدخلوا ويمتلكوا الأرض .
10: 10 و انا مكثت في الجبل كالايام الاولى اربعين نهارا و اربعين ليلة و سمع الرب لي تلك المرة ايضا و لم يشا الرب ان يهلكك
10: 11 ثم قال لي الرب قم اذهب للارتحال امام الشعب فيدخلوا و يمتلكوا الارض التي حلفت لابائهم ان اعطيهم
كان موسى رمزا للسيد المسيح الذى صام عنا ، وبذل ذاته لمصالحتنا مع أبيه ، حتى لا نهلك ، بل ندخل به إلى حضن الآب ونرث مع المسيح المجد الأبدى .
5 – دعوة لمخافة الرب والألتصاق به
الآن بروح الرجاء المفرح يحثهم على التقوى أو التمتع بمخافة الرب والألتصاق به . موضحا النقاط التالية :
أولا : الله لا يحتاج إلى خدمة الإنسان ولا إلى عطاياه ، بل يطلب قلبه وحبه الخالص
10: 12 فالان يا اسرائيل ماذا يطلب منك الرب الهك الا ان تتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه و تحبه و تعبد الرب الهك من كل قلبك و من كل نفسك
10: 13 و تحفظ وصايا الرب و فرائضه التي انا اوصيك بها اليوم لخيرك
10: 14 هوذا للرب الهك السماوات و سماء السماوات و الارض و كل ما فيها
+ عندما يأمرك أن تحبه فإنه يظهر فوق الكل أنه يحبك . ليس شىء يضمن خلاصنا مثل أن نحبه .
ثانيا : الله يود أن يلتصق بنا ، لكى نتمتع به بكونه حياتنا
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 1:04 pm
10: 15 و لكن الرب انما التصق بابائك ليحبهم فاختار من بعدهم نسلهم الذي هو انتم فوق جميع الشعوب كما في هذا اليوم
ثالثا : الله يطلب ختان القلب
10: 16 فاختنوا غرلة قلوبكم و لا تصلبوا رقابكم بعد
يربط النبى بين ختان القلب وعدم تصلب الرقبة ، لأن من يقبل الختان الروحى ، ويمارس بالروح الموت عن شهوات الجسد تنحنى أعماقه بالطاعة لله فى فرح شديد ، ويكون الإنسان مستعدا فى الداخل لحمل نير المسيح بلذة وشوق .
رابعا : يدعونا للأنتساب إلى الله نفسه الذى هو إلهنا ، رب الأرباب وإله الآلهة ، الذى يشتهى أن نكون أرباب وآلهة .
10: 17 لان الرب الهكم هو اله الاهة و رب الارباب الاله العظيم الجبار المهيب الذي لا ياخذ بالوجوه و لا يقبل رشوة
خامسا : يدعونا إلى الأهتمام بالمرذولين والمحتاجين والمطرودين والغرباء ، متشبهين به .
10: 18 الصانع حق اليتيم و الارملة و المحب الغريب ليعطيه طعاما و لباسا
10: 19 فاحبوا الغريب لانكم كنتم غرباء في ارض مصر
سادسا : الدعوة لمخافة الرب والألتصاق به والأعتزاز به ، متذكرين عجائبه الدائمة معنا .
10: 20 الرب الهك تتقي اياه تعبد و به تلتصق و باسمه تحلف
10: 21 هو فخرك و هو الهك الذي صنع معك تلك العظائم و المخاوف التي ابصرتها عيناك
10: 22 سبعين نفسا نزل اباؤك الى مصر و الان قد جعلك الرب الهك كنجوم السماء في الكثرة
نسبح الله ليس فقط الذى نسمع عنه ، ولا الذى صنع عجائب مع آبائنا ، بل نتمتع بخبرة الحياة معه . وكما يقول القديس يوحنا الحبيب : " الذى رأيناه بعيوننا ، الذى سمعناه بآذاننا ، الذى لمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة " ( 1 يو 1 ) .
من وحى تثنية 10
+ برجاساتى كسرت عهدى معك ،
لكنك تطلب منى أن أنحت مع موسى حجرين .
لقد تحجر قلبى تماما ،
من ينقش عليه ناموسك سوى روحك النارى !
لتحول قلبى إلى لوحى عهد أودعهما فى تابوت عهدك .
لأحمل مع الكهنة التابوت بتقديسك لكل كيانى !
+ أخطأت مع هرون رئيس كهنتك وسبكت لى تمثالا !
لترد لى كرامة كهنوتى .
بالصفح عنى وتقديس قلبى !
+ أفسدت عمل الكهنوت ،
عد وأعمل فى ،
فأذكر أنك أنت نصيبى يا مشبع أعماقى !
+ شفع موسى فى هرون وكل الشعب .
دمك يشفع فى ، ويرد لى برك .
فى خجل أعترف لك :
كم مرة كسرت عهدك ؟
كم مرة شةهت جمال عملك فى ؟
كم مرة نسيت كهنوتى ؟
الآن أرجع إليك بروح المخافة الربانية .
ردنى إليك فأنت أنت الكل لى .
البولس من عب 11 : 1 – 8
يعتبر هذا الأصحاح تطبيقًا عمليًا من واقع رجال العهد القديم المؤمنين، فبعد أن تحدث الرسول عن السيد المسيح كرئيس الكهنة الذي فتح الأقداس السماوية، مقارنًا بين خدمة الكهنوت اللاوي والكهنوت الجديد، يؤكد ضرورة الإيمان كطريق للتمتع بهذه المقادس السماوية المفتوحة للبشرية كلها في المسيح يسوع.
ما هو الإيمان؟
"وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى.
فَإِنَّهُ فِي هَذَا شُهِدَ لِلْقُدَمَاءِ" [١-٢].
الإيمان هو الثقة بالمقدسات الإلهية غير المنظورة كحقائق واقعة وحاضرة، فيحيا الإنسان في يقين من جهة الأمور غير المنظورة ولا ملموسة بالحواس.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الإيمان هو رؤية واضحة للأمور وتأكد كامل من جهة غير المنظورات كأنها من المنظورات.]
كما يقول:
[سأوضح الأمر بأمثلة... فقد قال الرب أن من يترك أبًا أو أمًا أو إخوة أو أخوات يصير له أباء وأمهات، فنرى ذلك القول أنه يتحقق فعلاً. وأيضًا إذ يقول: "في العالم يكون ضيق لكن ثقوا (افرحوا) أنا قد غلبت العالم" (يو ١٦: ٣٣)، بمعنى أنه لا يغلبك أحد، هذا يدركه (المؤمن) أنه حقيقة واقعة. وأيضًا عندما يقول أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة (مت ١٦: ١٨) حتى وإن كانت مُضطهدة، وأنه لا يستطيع أحد أن يوقف الكرازة، يدرك أن هذه النبوة حقيقة واقعة مع أن هذا قيل في وقت كان يصعب فيها تصديقها.] بالإيمان قبلنا وصايا الله الصعبة ومواعيده التي يبرهن على صدقها لا بكلمات وإنما بخبرة عملية عند ممارستها. بالإيمان نسلكها ونتقبل مواعيدها التي تبدو غير معقولة لكننا نكتشف صدقها خلال الخبرة. لهذا [يتطلب الإيمان نفسًا نشطة ومملوءة غيرة، تسمو فوق الأمور الحسية وتعبر فوق كل تعقلات بشرية، فإنه لا يمكن أن تصير مؤمنة إن لم ترتفع فوق العادات العامة التي للعالم.]
ولما كان الرسول يتحدث إلى مسيحيين من أصل عبراني لهذا قال: "فَإِنَّهُ فِي هَذَا شُهِدَ لِلْقُدَمَاءِ" [٢]؛ وكأنه يقول لهم إن هذا الأمر ليس بغريبٍ عنكم، فقد اختبره آباؤكم. تاريخهم العبراني هو خير شاهد لحياة الإيمان. كأن الرسول يضع أمامهم أسفار العهد القديم ليتصفح معهم حياة الإيمان كما عاشتها كنيسة العهد القديم.
لقد بدأ العهد القديم بإعلان الله كخالق "بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ، حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ" [٣].
فإن رجال العهد الجديد لا يستطيعوا أن يتقبلوا السيد المسيح "كلمة الله المتجسد" كمخلص ومجدد طبيعتهم الداخلية بروحه القدوس، ما لم يتقبلوا الأساس الأول أن الله هو الخالق بكلمته. فالكلمة الذي يخلق هو وحده يقدر أن يجدد الخلقة بعد أن فسدت.
ثالثا : الله يطلب ختان القلب
10: 16 فاختنوا غرلة قلوبكم و لا تصلبوا رقابكم بعد
يربط النبى بين ختان القلب وعدم تصلب الرقبة ، لأن من يقبل الختان الروحى ، ويمارس بالروح الموت عن شهوات الجسد تنحنى أعماقه بالطاعة لله فى فرح شديد ، ويكون الإنسان مستعدا فى الداخل لحمل نير المسيح بلذة وشوق .
رابعا : يدعونا للأنتساب إلى الله نفسه الذى هو إلهنا ، رب الأرباب وإله الآلهة ، الذى يشتهى أن نكون أرباب وآلهة .
10: 17 لان الرب الهكم هو اله الاهة و رب الارباب الاله العظيم الجبار المهيب الذي لا ياخذ بالوجوه و لا يقبل رشوة
خامسا : يدعونا إلى الأهتمام بالمرذولين والمحتاجين والمطرودين والغرباء ، متشبهين به .
10: 18 الصانع حق اليتيم و الارملة و المحب الغريب ليعطيه طعاما و لباسا
10: 19 فاحبوا الغريب لانكم كنتم غرباء في ارض مصر
سادسا : الدعوة لمخافة الرب والألتصاق به والأعتزاز به ، متذكرين عجائبه الدائمة معنا .
10: 20 الرب الهك تتقي اياه تعبد و به تلتصق و باسمه تحلف
10: 21 هو فخرك و هو الهك الذي صنع معك تلك العظائم و المخاوف التي ابصرتها عيناك
10: 22 سبعين نفسا نزل اباؤك الى مصر و الان قد جعلك الرب الهك كنجوم السماء في الكثرة
نسبح الله ليس فقط الذى نسمع عنه ، ولا الذى صنع عجائب مع آبائنا ، بل نتمتع بخبرة الحياة معه . وكما يقول القديس يوحنا الحبيب : " الذى رأيناه بعيوننا ، الذى سمعناه بآذاننا ، الذى لمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة " ( 1 يو 1 ) .
من وحى تثنية 10
أقمنى كاهنا يا رئيس الكهنة الأعظم
+ برجاساتى كسرت عهدى معك ،
لكنك تطلب منى أن أنحت مع موسى حجرين .
لقد تحجر قلبى تماما ،
من ينقش عليه ناموسك سوى روحك النارى !
لتحول قلبى إلى لوحى عهد أودعهما فى تابوت عهدك .
لأحمل مع الكهنة التابوت بتقديسك لكل كيانى !
+ أخطأت مع هرون رئيس كهنتك وسبكت لى تمثالا !
لترد لى كرامة كهنوتى .
بالصفح عنى وتقديس قلبى !
+ أفسدت عمل الكهنوت ،
عد وأعمل فى ،
فأذكر أنك أنت نصيبى يا مشبع أعماقى !
+ شفع موسى فى هرون وكل الشعب .
دمك يشفع فى ، ويرد لى برك .
فى خجل أعترف لك :
كم مرة كسرت عهدك ؟
كم مرة شةهت جمال عملك فى ؟
كم مرة نسيت كهنوتى ؟
الآن أرجع إليك بروح المخافة الربانية .
ردنى إليك فأنت أنت الكل لى .
+ + +
البولس من عب 11 : 1 – 8
يعتبر هذا الأصحاح تطبيقًا عمليًا من واقع رجال العهد القديم المؤمنين، فبعد أن تحدث الرسول عن السيد المسيح كرئيس الكهنة الذي فتح الأقداس السماوية، مقارنًا بين خدمة الكهنوت اللاوي والكهنوت الجديد، يؤكد ضرورة الإيمان كطريق للتمتع بهذه المقادس السماوية المفتوحة للبشرية كلها في المسيح يسوع.
ما هو الإيمان؟
"وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى.
فَإِنَّهُ فِي هَذَا شُهِدَ لِلْقُدَمَاءِ" [١-٢].
الإيمان هو الثقة بالمقدسات الإلهية غير المنظورة كحقائق واقعة وحاضرة، فيحيا الإنسان في يقين من جهة الأمور غير المنظورة ولا ملموسة بالحواس.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الإيمان هو رؤية واضحة للأمور وتأكد كامل من جهة غير المنظورات كأنها من المنظورات.]
كما يقول:
[سأوضح الأمر بأمثلة... فقد قال الرب أن من يترك أبًا أو أمًا أو إخوة أو أخوات يصير له أباء وأمهات، فنرى ذلك القول أنه يتحقق فعلاً. وأيضًا إذ يقول: "في العالم يكون ضيق لكن ثقوا (افرحوا) أنا قد غلبت العالم" (يو ١٦: ٣٣)، بمعنى أنه لا يغلبك أحد، هذا يدركه (المؤمن) أنه حقيقة واقعة. وأيضًا عندما يقول أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة (مت ١٦: ١٨) حتى وإن كانت مُضطهدة، وأنه لا يستطيع أحد أن يوقف الكرازة، يدرك أن هذه النبوة حقيقة واقعة مع أن هذا قيل في وقت كان يصعب فيها تصديقها.] بالإيمان قبلنا وصايا الله الصعبة ومواعيده التي يبرهن على صدقها لا بكلمات وإنما بخبرة عملية عند ممارستها. بالإيمان نسلكها ونتقبل مواعيدها التي تبدو غير معقولة لكننا نكتشف صدقها خلال الخبرة. لهذا [يتطلب الإيمان نفسًا نشطة ومملوءة غيرة، تسمو فوق الأمور الحسية وتعبر فوق كل تعقلات بشرية، فإنه لا يمكن أن تصير مؤمنة إن لم ترتفع فوق العادات العامة التي للعالم.]
ولما كان الرسول يتحدث إلى مسيحيين من أصل عبراني لهذا قال: "فَإِنَّهُ فِي هَذَا شُهِدَ لِلْقُدَمَاءِ" [٢]؛ وكأنه يقول لهم إن هذا الأمر ليس بغريبٍ عنكم، فقد اختبره آباؤكم. تاريخهم العبراني هو خير شاهد لحياة الإيمان. كأن الرسول يضع أمامهم أسفار العهد القديم ليتصفح معهم حياة الإيمان كما عاشتها كنيسة العهد القديم.
لقد بدأ العهد القديم بإعلان الله كخالق "بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ، حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ" [٣].
فإن رجال العهد الجديد لا يستطيعوا أن يتقبلوا السيد المسيح "كلمة الله المتجسد" كمخلص ومجدد طبيعتهم الداخلية بروحه القدوس، ما لم يتقبلوا الأساس الأول أن الله هو الخالق بكلمته. فالكلمة الذي يخلق هو وحده يقدر أن يجدد الخلقة بعد أن فسدت.
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 1:05 pm
يقول البابا أثناسيوس الرسولي: [الله صالح، أو بالحري الصلاح في جوهره... خلق كل شيء من العدم بكلمته الذاتية، يسوع المسيح ربنا.]
وبه أيضًا جدد الخلقة وخلصها ويرى أيضًا في هذه العبارة الرسولية أن الله هو الخالق ليس من يبلغ قياسه، كائن قبل كل الدهور، به جاء الزمن.
رجال الإيمان
ينتقل من الأساس الأول للإيمان بكلمة الله الخالق الأزلي، إلى أمثلة عملية لرجاء الإيمان في العهد القديم، وكأن إيمان الكنيسة ما هو إلاَّ امتداد لرجال الكنيسة الأولى قبل التجسد. ولعله ذكر هذه الأمثال لأن الرسول بولس - كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم - أراد أن يعلن لهم أن العبرانيين قد بدأوا حياتهم مع الله بالإيمان خلال أشكال مختلفة، لكن للأسف كملوا في ضعف بقلوب فاترة في الإيمان.
وقد لاحظ القديس أثناسيوس الرسولي الذي قضى أغلب حياته الرعوية في جهاد من أجل الإيمان المستقيم، وغالبًا ما كان يضطر أن يترك كرسيه ويهرب من الأريوسيين الذين صمموا على قتله، أن الجهاد من أجل الإيمان لا يقل عن الاستشهاد. وأن رجال الإيمان الذين ذكرهم الرسول هنا غالبيتهم لم يستشهدوا لكنهم عاشوا رجال إيمان. يقول القديس: [لا تقوم تزكية الشهيد على مجرد رفضه للتبخير للأوثان وإنما على رفضه إنكار الإيمان، فإن هذا يمثل شهادة واضحة عن الضمير الصالح. هذا ولا يُدان فقط الذين ينجرفون إلى عبادة الأوثان كغرباء وإنما يُدان أيضًا الذين يخونوا الإيمان.] كما يمتدح الإيمان قائلاً: [إبراهيم الأب البطريرك قد قبل الإكليل ليس لأنه تألم حتى الموت، وإنما لأنه آمن بالله، وأيضًا القديسون الذين ذكرهم بولس من جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والبقية لم يتكملوا بسفك دمائهم، إنما تبرروا بالإيمان، إذ كانوا مستعدين أن يحتملوا الموت من أجل التقوى نحو الله.]
قدم بولس الرسول الأمثلة التالية من عظماء المؤمنين والمؤمنات:
أ. هابيل
إنه المثل الأول لرجال الإيمان، لا يقوم على أساس حياته الخاصة وإنما يقول الرسول:
"بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلَّهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ، فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ. وَبِهِ، وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمْ بَعْدُ!" [٤]
لقد شهد الله ببره ليس لأفضلية حياته أو أعماله الخاصة عما لقايين، وإنما لأفضلية ذبيحته عن قرابين قايين. لقد قدم قايين من ثمرات الأرض قربانًا، لكن الله اشتم رائحة الرضا في الذبيحة الدموية التي لهابيل. كانت تحمل رائحة السيد المسيح على الصليب وظلالها. هذا هو أساس إيماننا أن كلمة الله الخالق يجددنا نحن خليقته خلال الدم الثمين، فنقدم حياتنا ذبيحة حب خلال إتحادنا بالذبيح الحق، بهذا نصير كهابيل الذي صار هو نفسه كذبيحة وهو مرفوض من أخيه.
كأن الرسول يحدث المسيحيين العبرانيين المطرودين من الهيكل، أنهم قد صاروا كهابيل المرفوض من أخيه من أجل الذبيحة المقبولة لدى الله الآب، ذبيحة السيد المسيح. لهذا وإن حاول إخوتهم أن ينهوا حياتهم لكن صوتهم يبقى مدويًا، وشهادتهم لا يمكن كتمانها بالموت، ولا للزمن أن يحطمها. لا يزال صوت هابيل عاليًا يعلن عن قبول الله ذبيحته الدموية، ويبقى صوت المؤمنين المرذولين والمضطهدين صارخًا يشهد للحق بغير انقطاع.
ب. أخنوخ:
"بِالإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى الْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ نَقَلَهُ - إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللهَ" [٥].
إن كان هابيل بإيمانه أعلن عن سرّ ذبيحة المسيح المقبولة عنده، وقبولنا الموت معه كل يوم، فإن حياة أخنوخ حملت بالإيمان صورة حية للكنيسة السماوية الفائقة، والتي تعلو فوق الحياة البشرية الطبيعية، تشهد لسيرتها أمام العالم، لهذا ينقلها الرب إليه لتحيا معه شريكة في أمجاده. يقول الرسول: "فإن سيرتنا نحن هي في السماوات، التي منها ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده".
بالإيمان نتمتع بالحياة السماوية كأعضاء في كنيسة الله المقبولة لدى عريسها،
"وَلَكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ" [٦].
ليت قلبنا يكون بحق كأخنوخ يؤمن بالله فيُنقل إلى فوق لينتظر المجازاة للذين يطلبونه، التي هي بحق اقتناء ربنا يسوع. هذه هي مكافأة النفس التي تطلبه... إنها تناله وتوجد معه في سماواته وأمجاده الأبدية في حضن الآب السماوي.
ج. نوح:
إن كان هابيل يعلن في إيمانه الذبيحة الفريدة التي لا تصمت قط عن الشهادة للحق فينا، وأخنوخ يمثل الكنيسة المرتفعة إلى عريسها لكي تحيا في السماويات عبر وجودها بالجسد على الأرض، فإن نوحًا يمثل إيمانه إدانة العالم الذي رفض الدخول في الفلك، فإنه لا خلاص خارج الفلك، ولا تمتع بالحياة الجديدة إلى خلال مياه المعمودية. "بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكًا لِخَلاَصِ بَيْتِهِ، فَبِهِ دَانَ الْعَالَمَ، وَصَارَ وَارِثًا لِلْبِرِّ الَّذِي حَسَبَ الإِيمَانِ" [٧]. إن كانت الكنيسة تمتع بالخلاص في الصليب كما في فلك نوح وسط مياه المعمودية، فإن هذا الخلاص إنما يدين العالم.
لقد اعتاد الآباء أن يقيموا الكنيسة غالبًا على شكل فلك نوح علامة العبور من العالم القديم إلى الحياة الجديدة... وقد سبق لنا الحديث في شيء من التفصيل عن الكنيسة وعلاقتها بفلك نوح، مستندًا على كتابات الآباء الأولين.
د. إبراهيم:
قدم كل أب من الآباء جانبًا من جوانب الإيمان، هابيل قدم الجانب الإلهي وهو تقديم الذبيحة المقدسة، أي تقديم حمل الله، وأخنوخ كشف عن طبيعة الكنيسة المؤمنة ألا وهو الجانب السماوي، ونوح أعلن أنه لا خلاص خارج الكنيسة المقدسة، أما إبراهيم فقدم الجانب العملي للإيمان وهو الطاعة لله بجانب جوانب متفاعلة معًا. لقد آمن إبراهيم أب الآباء عمليًا فترك الملموسات والمنظورات في ثقة في وعود الله التي لم تكن ملموسة ولا منظورة. يقول الرسول:
"بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي. بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِنًا فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ" [٨-١٠].
لقد أطاع أن يخرج الذي كان عتيدًا أن يتمتع بالميراث، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب. الإيمان هو الذي قاده! لم يسمع من قبل عن أمثلة إيمانية حيَّة يقتدي بها إلاَّ ما قد تسلمه بالتقليد عن هابيل وأخنوخ ونوح، ليس بين يديه كتاب مقدس ولا شريعة مستلمة ولا من يرشده أو نبي أو كاهن، لكن الإيمان أنار له الطريق؛ وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كان أبوه أمميًا وعابد وثن، ولم يسمع أنبياء ولا عرف أين يذهب.] بالإيمان لم ينل أرض موعد، لكنه وثق أن نسله يرث الأرض التي يسير عليها كغريبٍ هو وابنه إسحق وحفيده يعقوب، وكان غير مضطرب وبلا هم، متأكدًا من تحقيق مواعيد الله في الأجيال القادمة الخارجة من صلبه.
هـ . سارة:
وكما قدم لنا الرسول رجال إيمان هكذا يقدم لنا أمثلة حية لنساء مؤمنات مثل سارة التي تمثل الكنيسة المؤمنة بالله واهب القيامة. "بِالإِيمَانِ سَارَةُ نَفْسُهَا أَيْضًا أَخَذَتْ قُدْرَةً عَلَى إِنْشَاءِ نَسْلٍ، وَبَعْدَ وَقْتِ السِّنِّ وَلَدَتْ، إِذْ حَسِبَتِ الَّذِي وَعَدَ صَادِقًا. لِذَلِكَ وُلِدَ أَيْضًا مِنْ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مِنْ مُمَاتٍ، مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ فِي الْكَثْرَةِ، وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُعَدُّ" [١١-١٢].إن كان رجال الإيمان قد ابتدأوا بهابيل الصديق ليعلن الوحي الإلهي ذبيحة السيد المسيح التي لن تصمت بل تبقى عاملة عبر الأجيال، فإن النساء المؤمنات يبتدئن بسارة الأم المباركة التي كانت في حكم الموت، كانت أحشاؤها عاقرًا غير قادرة على الإنجاب ويؤكد موتها شيخوختها! لقد نالت بالإيمان قوة القيامة لتنجب من الأحشاء الميتة أولادًا لله مثل نجوم السماء ورمل شاطيء البحر الذي لا يُعد! لقد قال القديس يوحنا المعمدان لليهود: "لا تفتكروا
وبه أيضًا جدد الخلقة وخلصها ويرى أيضًا في هذه العبارة الرسولية أن الله هو الخالق ليس من يبلغ قياسه، كائن قبل كل الدهور، به جاء الزمن.
رجال الإيمان
ينتقل من الأساس الأول للإيمان بكلمة الله الخالق الأزلي، إلى أمثلة عملية لرجاء الإيمان في العهد القديم، وكأن إيمان الكنيسة ما هو إلاَّ امتداد لرجال الكنيسة الأولى قبل التجسد. ولعله ذكر هذه الأمثال لأن الرسول بولس - كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم - أراد أن يعلن لهم أن العبرانيين قد بدأوا حياتهم مع الله بالإيمان خلال أشكال مختلفة، لكن للأسف كملوا في ضعف بقلوب فاترة في الإيمان.
وقد لاحظ القديس أثناسيوس الرسولي الذي قضى أغلب حياته الرعوية في جهاد من أجل الإيمان المستقيم، وغالبًا ما كان يضطر أن يترك كرسيه ويهرب من الأريوسيين الذين صمموا على قتله، أن الجهاد من أجل الإيمان لا يقل عن الاستشهاد. وأن رجال الإيمان الذين ذكرهم الرسول هنا غالبيتهم لم يستشهدوا لكنهم عاشوا رجال إيمان. يقول القديس: [لا تقوم تزكية الشهيد على مجرد رفضه للتبخير للأوثان وإنما على رفضه إنكار الإيمان، فإن هذا يمثل شهادة واضحة عن الضمير الصالح. هذا ولا يُدان فقط الذين ينجرفون إلى عبادة الأوثان كغرباء وإنما يُدان أيضًا الذين يخونوا الإيمان.] كما يمتدح الإيمان قائلاً: [إبراهيم الأب البطريرك قد قبل الإكليل ليس لأنه تألم حتى الموت، وإنما لأنه آمن بالله، وأيضًا القديسون الذين ذكرهم بولس من جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والبقية لم يتكملوا بسفك دمائهم، إنما تبرروا بالإيمان، إذ كانوا مستعدين أن يحتملوا الموت من أجل التقوى نحو الله.]
قدم بولس الرسول الأمثلة التالية من عظماء المؤمنين والمؤمنات:
أ. هابيل
إنه المثل الأول لرجال الإيمان، لا يقوم على أساس حياته الخاصة وإنما يقول الرسول:
"بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلَّهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ، فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ. وَبِهِ، وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمْ بَعْدُ!" [٤]
لقد شهد الله ببره ليس لأفضلية حياته أو أعماله الخاصة عما لقايين، وإنما لأفضلية ذبيحته عن قرابين قايين. لقد قدم قايين من ثمرات الأرض قربانًا، لكن الله اشتم رائحة الرضا في الذبيحة الدموية التي لهابيل. كانت تحمل رائحة السيد المسيح على الصليب وظلالها. هذا هو أساس إيماننا أن كلمة الله الخالق يجددنا نحن خليقته خلال الدم الثمين، فنقدم حياتنا ذبيحة حب خلال إتحادنا بالذبيح الحق، بهذا نصير كهابيل الذي صار هو نفسه كذبيحة وهو مرفوض من أخيه.
كأن الرسول يحدث المسيحيين العبرانيين المطرودين من الهيكل، أنهم قد صاروا كهابيل المرفوض من أخيه من أجل الذبيحة المقبولة لدى الله الآب، ذبيحة السيد المسيح. لهذا وإن حاول إخوتهم أن ينهوا حياتهم لكن صوتهم يبقى مدويًا، وشهادتهم لا يمكن كتمانها بالموت، ولا للزمن أن يحطمها. لا يزال صوت هابيل عاليًا يعلن عن قبول الله ذبيحته الدموية، ويبقى صوت المؤمنين المرذولين والمضطهدين صارخًا يشهد للحق بغير انقطاع.
ب. أخنوخ:
"بِالإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى الْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ نَقَلَهُ - إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللهَ" [٥].
إن كان هابيل بإيمانه أعلن عن سرّ ذبيحة المسيح المقبولة عنده، وقبولنا الموت معه كل يوم، فإن حياة أخنوخ حملت بالإيمان صورة حية للكنيسة السماوية الفائقة، والتي تعلو فوق الحياة البشرية الطبيعية، تشهد لسيرتها أمام العالم، لهذا ينقلها الرب إليه لتحيا معه شريكة في أمجاده. يقول الرسول: "فإن سيرتنا نحن هي في السماوات، التي منها ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده".
بالإيمان نتمتع بالحياة السماوية كأعضاء في كنيسة الله المقبولة لدى عريسها،
"وَلَكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ" [٦].
ليت قلبنا يكون بحق كأخنوخ يؤمن بالله فيُنقل إلى فوق لينتظر المجازاة للذين يطلبونه، التي هي بحق اقتناء ربنا يسوع. هذه هي مكافأة النفس التي تطلبه... إنها تناله وتوجد معه في سماواته وأمجاده الأبدية في حضن الآب السماوي.
ج. نوح:
إن كان هابيل يعلن في إيمانه الذبيحة الفريدة التي لا تصمت قط عن الشهادة للحق فينا، وأخنوخ يمثل الكنيسة المرتفعة إلى عريسها لكي تحيا في السماويات عبر وجودها بالجسد على الأرض، فإن نوحًا يمثل إيمانه إدانة العالم الذي رفض الدخول في الفلك، فإنه لا خلاص خارج الفلك، ولا تمتع بالحياة الجديدة إلى خلال مياه المعمودية. "بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكًا لِخَلاَصِ بَيْتِهِ، فَبِهِ دَانَ الْعَالَمَ، وَصَارَ وَارِثًا لِلْبِرِّ الَّذِي حَسَبَ الإِيمَانِ" [٧]. إن كانت الكنيسة تمتع بالخلاص في الصليب كما في فلك نوح وسط مياه المعمودية، فإن هذا الخلاص إنما يدين العالم.
لقد اعتاد الآباء أن يقيموا الكنيسة غالبًا على شكل فلك نوح علامة العبور من العالم القديم إلى الحياة الجديدة... وقد سبق لنا الحديث في شيء من التفصيل عن الكنيسة وعلاقتها بفلك نوح، مستندًا على كتابات الآباء الأولين.
د. إبراهيم:
قدم كل أب من الآباء جانبًا من جوانب الإيمان، هابيل قدم الجانب الإلهي وهو تقديم الذبيحة المقدسة، أي تقديم حمل الله، وأخنوخ كشف عن طبيعة الكنيسة المؤمنة ألا وهو الجانب السماوي، ونوح أعلن أنه لا خلاص خارج الكنيسة المقدسة، أما إبراهيم فقدم الجانب العملي للإيمان وهو الطاعة لله بجانب جوانب متفاعلة معًا. لقد آمن إبراهيم أب الآباء عمليًا فترك الملموسات والمنظورات في ثقة في وعود الله التي لم تكن ملموسة ولا منظورة. يقول الرسول:
"بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي. بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِنًا فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ" [٨-١٠].
لقد أطاع أن يخرج الذي كان عتيدًا أن يتمتع بالميراث، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب. الإيمان هو الذي قاده! لم يسمع من قبل عن أمثلة إيمانية حيَّة يقتدي بها إلاَّ ما قد تسلمه بالتقليد عن هابيل وأخنوخ ونوح، ليس بين يديه كتاب مقدس ولا شريعة مستلمة ولا من يرشده أو نبي أو كاهن، لكن الإيمان أنار له الطريق؛ وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كان أبوه أمميًا وعابد وثن، ولم يسمع أنبياء ولا عرف أين يذهب.] بالإيمان لم ينل أرض موعد، لكنه وثق أن نسله يرث الأرض التي يسير عليها كغريبٍ هو وابنه إسحق وحفيده يعقوب، وكان غير مضطرب وبلا هم، متأكدًا من تحقيق مواعيد الله في الأجيال القادمة الخارجة من صلبه.
هـ . سارة:
وكما قدم لنا الرسول رجال إيمان هكذا يقدم لنا أمثلة حية لنساء مؤمنات مثل سارة التي تمثل الكنيسة المؤمنة بالله واهب القيامة. "بِالإِيمَانِ سَارَةُ نَفْسُهَا أَيْضًا أَخَذَتْ قُدْرَةً عَلَى إِنْشَاءِ نَسْلٍ، وَبَعْدَ وَقْتِ السِّنِّ وَلَدَتْ، إِذْ حَسِبَتِ الَّذِي وَعَدَ صَادِقًا. لِذَلِكَ وُلِدَ أَيْضًا مِنْ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مِنْ مُمَاتٍ، مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ فِي الْكَثْرَةِ، وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُعَدُّ" [١١-١٢].إن كان رجال الإيمان قد ابتدأوا بهابيل الصديق ليعلن الوحي الإلهي ذبيحة السيد المسيح التي لن تصمت بل تبقى عاملة عبر الأجيال، فإن النساء المؤمنات يبتدئن بسارة الأم المباركة التي كانت في حكم الموت، كانت أحشاؤها عاقرًا غير قادرة على الإنجاب ويؤكد موتها شيخوختها! لقد نالت بالإيمان قوة القيامة لتنجب من الأحشاء الميتة أولادًا لله مثل نجوم السماء ورمل شاطيء البحر الذي لا يُعد! لقد قال القديس يوحنا المعمدان لليهود: "لا تفتكروا
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 1:06 pm
أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا، لأني أقول لكم ان الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم" (مت ٣: ٩).
هذا القول لم يكن حديث مبالغة فقد أقام الله بالفعل من الحجارة أولادًا لإبراهيم، إذ كانت أحشاء سارة أشبه بالحجارة التي لا تنجب، في حكم الجماد من جهة إمكانية الإنجاب، وبالإيمان وهبها الله أن يقيم لها من الحجارة أولادًا لإبراهيم. هذا هو إيمان سارة في قيامة السيد المسيح الذي بقيامته أقام من الحجارة أولادًا لإبراهيم ولا يزال يقيم! لقد كان آباؤنا من الأمم كالحجارة إذ يعبدون الوثن الحجري، وتحولوا إلى أولاد إبراهيم بل أولاد الله! لقد حوَّل الإيمان القلوب الحجرية إلى أولاد الله الحيّ!
الإيمان بالوطن السماوي:
إذ طُرد المؤمنون من الهيكل اليهودي وحرموا من ممارسة العبادة الجماعية مع إخوتهم، فإن الرسول يرفع أعينهم إلى هيكل آخر سماوي وعبادة على مستوى ملائكي، ليدركوا أن ما فقدوه من منظورات لا يقارن أمام ما يتمتعون به في عالم غير المنظورات. هذا ليس بأمر خيالي، إنما هو حياة إيمانية تمثل امتدادًا للحياة التي عاشها آباؤهم، محتملين الحرمان من الكثير، لينعموا بالمواعيد السماوية. يقول الرسول: "فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ. فَإِنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ وَطَنًا. فَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، لَكَانَ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلرُّجُوعِ. وَلَكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَنًا أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيًّا. لِذَلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً" [١٣-١٦].
هكذا يؤكد الرسول أن رجال العهد القديم، ليس كما يظن البعض قد وضعوا رجاءهم في مواعيد زمنية، وإنما رأوا الوطن السماوي والمواعيد الأبدية مختفية وراء المواعيد الزمنية. لقد تطلعوا بالإيمان إلى وعود الله الأبدية فصدقوها بالإيمان وحيّوها بالعمل الجاد للتمتع بها ولهيب قلبهم الذي لا ينقطع في الشوق إليها. لقد أحسوا أمام هذه الوعود أنهم بحق هم غرباء ينتظرون العبور إلى وطنهم السماوي للتمتع بها، ليس من أمر زمني - مهما كانت قدرته - يستحق أن يسحب القلب إلى الوراء نحو الأرضيات. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:
[حقًا كانوا في أوجاع الطلق كل يوم، مشتاقين إلى التحرر من هذا العالم ليرجعوا إلى وطنهم. أما نحن فعلى العكس متى أصابتنا حمى نهمل كل شيء ونبكي كأطفالٍ صغار خائفين من الموت. لسنا بلا سبب نفعل هذا، فإننا إذ لا نعيش هنا كغرباء ولا نسرع نحو وطننا نكون كمن يذهب لينال العقوبة لهذا نحزن. إننا لا نسلك كما ينبغي لكننا نقلب الأوضاع رأسًا على عقب. نحزن حينما يليق الفرح، ونرتجف كالمجرمين ورؤساء العصابات عندما يُقدمون إلى كرسي القضاء، متذكرين ما ارتكبوه فيخافون ويرتعبون.]
يشتهي رجال الإيمان وطنهم السماوي، لهذا يُسر الله بهم، فيدعى إلههم لأنه أعد لهم المدينة السماوية التي فيها يجتمعون معه ويسكن هو في وسطهم إلى الأبد، يفرح بأولاده ويفرحون بأبيهم السماوي. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [آه! يا لعظم الكرامة! لقد وهبهم أن يدعى إلههم... فإنه يتمجد عندما يدعى إلها للصالحين والمترفقين والذين يهتمون بالفضيلة.] لقد سبق في دراستنا للعهد القديم أن رأينا الله يعتز بنسب نفسه إلهًا للمباركين ولا ينسب نفسه إلهًا للأشرار مع أنه إله الكل! ويحسب الشعب "شعبه" حينما يكون مقدسًا، أما عند صنعه الشر فلا يدعوه "شعبي" بل "الشعب" أو "شعبك" (شعب موسى).
رجال الإيمان :
إذ قطع الرسول حديثه عن أمثلة من رجال الإيمان ليؤكد غايتهم وهو التمتع بالوطن السماوي عاد ليعطي أمثلة من رجال ونساء العهد القديم:
أ. إبراهيم:
عاد الرسول يتحدث عن إبراهيم ليعلن إيمانه العجيب في مواعيد الله التي وُهبت له والتي جاءت كأنها متضاربة مع الأوامر الإلهية الصادرة إليه. لقد أعطاه الله وعدًا أن يبارك إسحق ابنه ليقيم منه نسلاً بلا عدد، وفي نفس الوقت يطلب إليه تقديم هذا الابن الوحيد والحبيب ابن الموعد ذبيحة. بالإيمان قبل أبونا إبراهيم الوعد بثقة وأطاع الأمر بغير اضطراب أو شك. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [سمع إبراهيم ما يضاد المواعيد من ذاك الذي وهبه إياها، ومع هذا لم يضطرب بل نفذ الأمر غير المنسجم مع المواعيد. حقًا طبقًا للحسابات البشرية الأمر غير منسجم مع المواعيد، لكن بالإيمان تظهر منسجمة معًا. كيف حدث هذا؟ لقد علمنا الرسول نفسه هذا بقوله:
"حاسبًا أن الله قادر على إقامته من الأموات"، وذلك بذات الإيمان الذي كان له بأن الله يهبه (إسحق) مما لم يكن ويقيمه من الموت (إذ وهبه إياه خلال رحم سارة الميت فأقامه من العدم ووهبه حياة عوض الموت). لقد آمن أيضًا أنه سيقيمه بعد تقديمه ذبيحة. طبقًا للحسابات البشرية الأمران مستحيلان: أي إنجاب طفل من رحم ميت عقيم ومتقدم في الأيام، وإقامة إنسان ذبيح. إيمانه السابق قد أعد الطريق للأمور المقبلة.]
يعلق القديس أثناسيوس الرسولي على إيمان إبراهيم أب الآباء في تقديمه إسحق للرب قائلاً: [في تقديم ابنه تعبد لابن الله، إذ مع تقديم إسحق ذبيحة رأى المسيا في الكبش (تك ٢٢: ١٥) الذي قُدم ذبيحة لله عوضًا عنه، لقد جُرب الأب البطريرك في إسحق، لكنه على أي الأحوال لم يقدم ذبيحة من عيّن ذبيحة في إشعياء: "كشاة تُساق إلى الذبح، وكنعجة صامته أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش ٥٣: ٧)... لقد قبل الله إرادة (نية) مقدم الذبيحة لكنه منع الذبح، لأنه ما كان موت إسحق يقدر أن يهب للعالم الحرية وإنما هو موت المخلص وحده الذي َبِحُبُرِهِ شُفِينَا (إش ٥٣: ٥).]
هكذا بالإيمان قدم إبراهيم ابنه ذبيحة حب لله فرأى في الحمل الموثق بقرنيه صورة الفداء في حمل الله الذي يحمل خطية العالم. هذا ومن جانب آخر رأى في إسحق نفسه أيضًا صورة حية لعمل المسيح الفدائي، وقد اعتادت الكنيسة في كل خميس للعهد إذ تذكر تأسيس سرّ الإفخارستيا، تصلي بقسمة "ذبح إسحق" كرمز لذبيحة السيد المسيح على الصليب.
ب. إسحق:
"بِالإِيمَانِ إِسْحَاقُ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَعِيسُو مِنْ جِهَةِ أُمُورٍ عَتِيدَةٍ" [٢٠]. بارك إسحق المتغرب ابنيه يعقوب وعيسو ناظرًا إلى الأمور المستقبلة بوضوح. فقد قدّم ابنه يعقوب عن عيسو البكر جسديًا، لأن الأول قد صار في عيني الله بكرًا، مع أنه حسب الجسد هو الثاني. لقد حمل بهذا رمزًا لما هو عتيد أن يحدث فإن يسوع المسيح، آدم الثاني، صار بكرًا للبشرية وخسر آدم الأول البكورية، لأن آدم بعد سقوطه لم يكن قادرًا أن يرضي الله، أما رب المجد يسوع فهو موضع سرور الآب، فيه ننعم برضا الآب ويسر الآب بنا.
ج. يعقوب:
"بِالإِيمَانِ يَعْقُوبُ عِنْدَ مَوْتِهِ بَارَكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنَيْ يُوسُفَ، وَسَجَدَ عَلَى رَأْسِ عَصَاهُ" [٢١]. عندما بارك ابني يوسف وضع يعقوب يمينه على رأس الأصغر (إفرايم) ويساره على رأس الأكبر (منسي)، فصارت يداه أثناء تقديم البركة على شكل صليب، الأمر الذي أحزن قلب والدهما يوسف وحاول تصحيح الوضع، لكن يعقوب أصر على موقفه. بهذا وضع يمين البركة على الأصغر إفرايم، وليس على رأس البكر جسديًا منسى... وكأن البكورية لا تعطى حسب الجسد وإنما هي عطية توهب مجانًا لمن يستحقها روحيًا. كأن يعقوب يكرر ما فعله أبوه إسحق حين باركه وهو الأصغر. ومن ناحية أخرى أعلن أبونا يعقوب أن كل بركة روحية تحل علينا إنما هي خلال علامة الصليب وكما يتحدث القديس هيبوليتس عن فاعلية الصليب وبركته فينا: [الصليب هو سلم يعقوب، هذه الشجرة ذات الأبعاد السماوية ارتفعت من الأرض حتى السماء، أقامت ذاتها غرسًا أبديًا بين السماء والأرض، لكي ترفع المسكونة... وتضم معًا أنواعًا مختلفة من الطبيعة البشرية.]
أما سجوده على رأس عصاه فكان إشارة إلى سجوده للصليب.
ح . يوسف:
"بِالإِيمَانِ يُوسُفُ عِنْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَ خُرُوجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَوْصَى مِنْ جِهَةِ عِظَامِهِ" [٢٢]. سمع يوسف الوعد الإلهي لجده إبراهيم فآمن أن الله لن يترك شعبه متغربًا، لهذا بالإيمان أوصى بعظامه عند الخروج إعلانًا عن شوقه للدخول إلى مواعيد الله خلال عظامه اليابسة. كان يوسف في مصر يعيش في مجدٍ، بكونه الرجل الثاني بعد فرعون، لكن القصر لم يشغله عن الوعد الإلهي، مشتركًا بالإيمان مع الشعب في الخروج خلال النية، كرمز للخروج من عبودية الخطية إلى الحياة الجديدة في المسيا المخلص.
هذا القول لم يكن حديث مبالغة فقد أقام الله بالفعل من الحجارة أولادًا لإبراهيم، إذ كانت أحشاء سارة أشبه بالحجارة التي لا تنجب، في حكم الجماد من جهة إمكانية الإنجاب، وبالإيمان وهبها الله أن يقيم لها من الحجارة أولادًا لإبراهيم. هذا هو إيمان سارة في قيامة السيد المسيح الذي بقيامته أقام من الحجارة أولادًا لإبراهيم ولا يزال يقيم! لقد كان آباؤنا من الأمم كالحجارة إذ يعبدون الوثن الحجري، وتحولوا إلى أولاد إبراهيم بل أولاد الله! لقد حوَّل الإيمان القلوب الحجرية إلى أولاد الله الحيّ!
الإيمان بالوطن السماوي:
إذ طُرد المؤمنون من الهيكل اليهودي وحرموا من ممارسة العبادة الجماعية مع إخوتهم، فإن الرسول يرفع أعينهم إلى هيكل آخر سماوي وعبادة على مستوى ملائكي، ليدركوا أن ما فقدوه من منظورات لا يقارن أمام ما يتمتعون به في عالم غير المنظورات. هذا ليس بأمر خيالي، إنما هو حياة إيمانية تمثل امتدادًا للحياة التي عاشها آباؤهم، محتملين الحرمان من الكثير، لينعموا بالمواعيد السماوية. يقول الرسول: "فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ. فَإِنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ وَطَنًا. فَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، لَكَانَ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلرُّجُوعِ. وَلَكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَنًا أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيًّا. لِذَلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً" [١٣-١٦].
هكذا يؤكد الرسول أن رجال العهد القديم، ليس كما يظن البعض قد وضعوا رجاءهم في مواعيد زمنية، وإنما رأوا الوطن السماوي والمواعيد الأبدية مختفية وراء المواعيد الزمنية. لقد تطلعوا بالإيمان إلى وعود الله الأبدية فصدقوها بالإيمان وحيّوها بالعمل الجاد للتمتع بها ولهيب قلبهم الذي لا ينقطع في الشوق إليها. لقد أحسوا أمام هذه الوعود أنهم بحق هم غرباء ينتظرون العبور إلى وطنهم السماوي للتمتع بها، ليس من أمر زمني - مهما كانت قدرته - يستحق أن يسحب القلب إلى الوراء نحو الأرضيات. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:
[حقًا كانوا في أوجاع الطلق كل يوم، مشتاقين إلى التحرر من هذا العالم ليرجعوا إلى وطنهم. أما نحن فعلى العكس متى أصابتنا حمى نهمل كل شيء ونبكي كأطفالٍ صغار خائفين من الموت. لسنا بلا سبب نفعل هذا، فإننا إذ لا نعيش هنا كغرباء ولا نسرع نحو وطننا نكون كمن يذهب لينال العقوبة لهذا نحزن. إننا لا نسلك كما ينبغي لكننا نقلب الأوضاع رأسًا على عقب. نحزن حينما يليق الفرح، ونرتجف كالمجرمين ورؤساء العصابات عندما يُقدمون إلى كرسي القضاء، متذكرين ما ارتكبوه فيخافون ويرتعبون.]
يشتهي رجال الإيمان وطنهم السماوي، لهذا يُسر الله بهم، فيدعى إلههم لأنه أعد لهم المدينة السماوية التي فيها يجتمعون معه ويسكن هو في وسطهم إلى الأبد، يفرح بأولاده ويفرحون بأبيهم السماوي. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [آه! يا لعظم الكرامة! لقد وهبهم أن يدعى إلههم... فإنه يتمجد عندما يدعى إلها للصالحين والمترفقين والذين يهتمون بالفضيلة.] لقد سبق في دراستنا للعهد القديم أن رأينا الله يعتز بنسب نفسه إلهًا للمباركين ولا ينسب نفسه إلهًا للأشرار مع أنه إله الكل! ويحسب الشعب "شعبه" حينما يكون مقدسًا، أما عند صنعه الشر فلا يدعوه "شعبي" بل "الشعب" أو "شعبك" (شعب موسى).
رجال الإيمان :
إذ قطع الرسول حديثه عن أمثلة من رجال الإيمان ليؤكد غايتهم وهو التمتع بالوطن السماوي عاد ليعطي أمثلة من رجال ونساء العهد القديم:
أ. إبراهيم:
عاد الرسول يتحدث عن إبراهيم ليعلن إيمانه العجيب في مواعيد الله التي وُهبت له والتي جاءت كأنها متضاربة مع الأوامر الإلهية الصادرة إليه. لقد أعطاه الله وعدًا أن يبارك إسحق ابنه ليقيم منه نسلاً بلا عدد، وفي نفس الوقت يطلب إليه تقديم هذا الابن الوحيد والحبيب ابن الموعد ذبيحة. بالإيمان قبل أبونا إبراهيم الوعد بثقة وأطاع الأمر بغير اضطراب أو شك. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [سمع إبراهيم ما يضاد المواعيد من ذاك الذي وهبه إياها، ومع هذا لم يضطرب بل نفذ الأمر غير المنسجم مع المواعيد. حقًا طبقًا للحسابات البشرية الأمر غير منسجم مع المواعيد، لكن بالإيمان تظهر منسجمة معًا. كيف حدث هذا؟ لقد علمنا الرسول نفسه هذا بقوله:
"حاسبًا أن الله قادر على إقامته من الأموات"، وذلك بذات الإيمان الذي كان له بأن الله يهبه (إسحق) مما لم يكن ويقيمه من الموت (إذ وهبه إياه خلال رحم سارة الميت فأقامه من العدم ووهبه حياة عوض الموت). لقد آمن أيضًا أنه سيقيمه بعد تقديمه ذبيحة. طبقًا للحسابات البشرية الأمران مستحيلان: أي إنجاب طفل من رحم ميت عقيم ومتقدم في الأيام، وإقامة إنسان ذبيح. إيمانه السابق قد أعد الطريق للأمور المقبلة.]
يعلق القديس أثناسيوس الرسولي على إيمان إبراهيم أب الآباء في تقديمه إسحق للرب قائلاً: [في تقديم ابنه تعبد لابن الله، إذ مع تقديم إسحق ذبيحة رأى المسيا في الكبش (تك ٢٢: ١٥) الذي قُدم ذبيحة لله عوضًا عنه، لقد جُرب الأب البطريرك في إسحق، لكنه على أي الأحوال لم يقدم ذبيحة من عيّن ذبيحة في إشعياء: "كشاة تُساق إلى الذبح، وكنعجة صامته أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش ٥٣: ٧)... لقد قبل الله إرادة (نية) مقدم الذبيحة لكنه منع الذبح، لأنه ما كان موت إسحق يقدر أن يهب للعالم الحرية وإنما هو موت المخلص وحده الذي َبِحُبُرِهِ شُفِينَا (إش ٥٣: ٥).]
هكذا بالإيمان قدم إبراهيم ابنه ذبيحة حب لله فرأى في الحمل الموثق بقرنيه صورة الفداء في حمل الله الذي يحمل خطية العالم. هذا ومن جانب آخر رأى في إسحق نفسه أيضًا صورة حية لعمل المسيح الفدائي، وقد اعتادت الكنيسة في كل خميس للعهد إذ تذكر تأسيس سرّ الإفخارستيا، تصلي بقسمة "ذبح إسحق" كرمز لذبيحة السيد المسيح على الصليب.
ب. إسحق:
"بِالإِيمَانِ إِسْحَاقُ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَعِيسُو مِنْ جِهَةِ أُمُورٍ عَتِيدَةٍ" [٢٠]. بارك إسحق المتغرب ابنيه يعقوب وعيسو ناظرًا إلى الأمور المستقبلة بوضوح. فقد قدّم ابنه يعقوب عن عيسو البكر جسديًا، لأن الأول قد صار في عيني الله بكرًا، مع أنه حسب الجسد هو الثاني. لقد حمل بهذا رمزًا لما هو عتيد أن يحدث فإن يسوع المسيح، آدم الثاني، صار بكرًا للبشرية وخسر آدم الأول البكورية، لأن آدم بعد سقوطه لم يكن قادرًا أن يرضي الله، أما رب المجد يسوع فهو موضع سرور الآب، فيه ننعم برضا الآب ويسر الآب بنا.
ج. يعقوب:
"بِالإِيمَانِ يَعْقُوبُ عِنْدَ مَوْتِهِ بَارَكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنَيْ يُوسُفَ، وَسَجَدَ عَلَى رَأْسِ عَصَاهُ" [٢١]. عندما بارك ابني يوسف وضع يعقوب يمينه على رأس الأصغر (إفرايم) ويساره على رأس الأكبر (منسي)، فصارت يداه أثناء تقديم البركة على شكل صليب، الأمر الذي أحزن قلب والدهما يوسف وحاول تصحيح الوضع، لكن يعقوب أصر على موقفه. بهذا وضع يمين البركة على الأصغر إفرايم، وليس على رأس البكر جسديًا منسى... وكأن البكورية لا تعطى حسب الجسد وإنما هي عطية توهب مجانًا لمن يستحقها روحيًا. كأن يعقوب يكرر ما فعله أبوه إسحق حين باركه وهو الأصغر. ومن ناحية أخرى أعلن أبونا يعقوب أن كل بركة روحية تحل علينا إنما هي خلال علامة الصليب وكما يتحدث القديس هيبوليتس عن فاعلية الصليب وبركته فينا: [الصليب هو سلم يعقوب، هذه الشجرة ذات الأبعاد السماوية ارتفعت من الأرض حتى السماء، أقامت ذاتها غرسًا أبديًا بين السماء والأرض، لكي ترفع المسكونة... وتضم معًا أنواعًا مختلفة من الطبيعة البشرية.]
أما سجوده على رأس عصاه فكان إشارة إلى سجوده للصليب.
ح . يوسف:
"بِالإِيمَانِ يُوسُفُ عِنْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَ خُرُوجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَوْصَى مِنْ جِهَةِ عِظَامِهِ" [٢٢]. سمع يوسف الوعد الإلهي لجده إبراهيم فآمن أن الله لن يترك شعبه متغربًا، لهذا بالإيمان أوصى بعظامه عند الخروج إعلانًا عن شوقه للدخول إلى مواعيد الله خلال عظامه اليابسة. كان يوسف في مصر يعيش في مجدٍ، بكونه الرجل الثاني بعد فرعون، لكن القصر لم يشغله عن الوعد الإلهي، مشتركًا بالإيمان مع الشعب في الخروج خلال النية، كرمز للخروج من عبودية الخطية إلى الحياة الجديدة في المسيا المخلص.
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 1:08 pm
هـ . والدا موسى:
"بِالإِيمَانِ مُوسَى، بَعْدَمَا وُلِدَ، أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَا الصَّبِيَّ جَمِيلاً، وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ" [٢٣]. لم ينسَ الرسول عند حديثه عن موسى النبي كرجل إيمان عظيم أن يبرز أولاً إيمان والديه. لقد قدم الرسول لنا والدين كمثالٍ بين أمثلة الإيمان حتى ندرك خطورة دور الأسرة في الحياة الإيمانية وعمل الوالدين الجسديين مع الأب الروحي في تهيئة الأجيال المؤمنة بحق. هذا أيضًا أبرزه الرسول حين كتب إلى تلميذه تيموثاوس يقول له: "أتذكر الإيمان العديم الرياء الذي فيك، الذي سكن أولاً في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي، ولكن موقن أنه فيك أيضًا" (٢ تي ١: ٥).
لقد ظهر إيمان والدي موسى في إخفائهما الطفل ثلاثة أشهر، "لأنهما رأيا الصبي جميلاً"، وكما يقول الشماس اسطفانوس: "كان جميلاً جدًا". ماذا رأيا في وجهه إلاَّ انعكاس مجد السيد المسيح المقام من الأموات. فقد كان الطفل تحت حكم الموت، لأن فرعون طلب قتل كل الأطفال الذكور، لكن الوالدين استبقياه بإيمان أن جمالاً داخليًا يكمن فيه. لقد بقى ثلاثة شهور، ونحن نعلم أن رقم ٣ يشير إلى القيامة (حيث قام السيد في اليوم الثالث)، ليظهر بعد الشهور الثلاثة على وجه المياه، مقدسًا المياه لتهب المؤمن قوة القيامة معه.
لقد كان موسى جميلاً في أعينهما، لذا احتفظا به ثلاثة أشهر، وهكذا بالإيمان نحمل في داخلنا لا موسى بل ربه، مدركين أنه "أبرع جمالاً من بني البشرية"، نخفيه فينا ثلاثة أشهر حتى ننعم بالقيامة معه، فلا نوجد محمولين على مياه النهر بل على البحر الزجاجي في أورشليم العليا.
و. موسى
"بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مفضلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية..." [٢٤]. يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة، قائلاً:
[إذ وُضعت السماء أمام موسى صار الإعجاب بقصر مصري أمرًا تافهًا... لقد حسب العار من أجل المسيح أفضل من الحياة السهلة، وهذا في ذاته يحمل مكافأة... لقد ألقى موسى بنفسه في مخاطر كثيرة بمحض اختياره في الوقت الذي كان في إمكانه أن يعيش متدينًا وهو يتمتع بالخيرات...، لكنه حسبه خطية ألاَّ يكون مستعدًا لاحتمال الآلام مع الغير، فصار احتماله للآلام خيرًا عظيمًا، ملقيًا بنفسه فيها تاركًا القصر الملكي. لقد فعل هذا لأنه رأى أمامه أمورًا عظيمة، حاسبًا عار المسيح أفضل من خزائن مصر.]
بالإيمان ترك موسى مصر غير خائف من غضب الملك، لقد هرب أولاً خائفًا من الملك لكي لا يجرب الرب وسط المخاطر بلا هدف، وعندما دُعي للعمل أطاع وعاد ليواجه فرعون بلا خوف.
"بِالإِيمَانِ صَنَعَ الْفِصْح،َ وَرَشَّ الدَّم،َ لِئَلاَّ يَمَسَّهُمُ الَّذِي أَهْلَكَ الأَبْكَارَ" [٢٨]. لقد قام موسى بهذا العمل بكونه رمزًا لعمل السيد المسيح الخلاصي، أي الفصح الحقيقي الذي عبر بنا من عبودية إبليس إلى حرية مجد أولاد الله، وقد سبق لنا الحديث عن ذلك بشيءٍ من التوسع في دراستنا لسفر الخروج.
"بِالإِيمَانِ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ كَمَا فِي الْيَابِسَةِ، الأَمْرُ الَّذِي لَمَّا شَرَعَ فِيهِ الْمِصْرِيُّونَ غَرِقُوا" [٢٩]. هنا يقارن شعبًا بشعبٍ، فقد قاد موسى الشعب كله بالإيمان ليجتازوا البحر كيابسة. إن كان موسى بشعبه يمثل مملكة الله التي ينفتح لها الطريق خلال مياه المعمودية، فإن فرعون بجيشه يمثل مملكة إبليس التي تتحطم خلال نفس مياه المعمودية. في المعمودية تقوم مملكة السماوات فينا وتتحطم مملكة إبليس ولا يكون لها موضع فينا.
ز. يشوع:
"بِالإِيمَانِ سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا، بَعْدَمَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ" [٣٠]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بالتأكيد لا تستطيع أصوات الأبواق أن تسقط الحجارة (التي للأسوار)... لكن الإيمان يقدر أن يفعل كل شيء.]
ط. راحاب الزانية:
"بِالإِيمَانِ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ لَمْ تَهْلِكْ مَعَ الْعُصَاةِ، إِذْ قَبِلَتِ الْجَاسُوسَيْنِ بِسَلاَمٍ" [٣١].
ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على ذلك، قائلاً:
[من العار أن تظهر في عدم إيمان أكثر من زانية!
لقد سمعت ما رواه الرجلان وآمنت!
وكانت النتيجة هلاك الكل بينما حُفظت وحدها من الهلاك.
لم تقل في نفسها: أني أبقى مع أصدقائي الكثيرين،
ولا قالت: هل أنا أكثر حكمة من هؤلاء الرجال العقلاء الذين لا يؤمنون، وأنا أؤمن؟!
لم تقل شيئًا من هذا بل آمنت بما سيحدث وما سيعانيه (الكنعانيون).]
انتقل الرسول من الآباء البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب إلى يوسف فموسى كأول قائد للشعب ثم تلميذه يشوع الذي دخل بالشعب أرض الموعد، وهنا يتوقف أمام امرأة زانية غريبة الجنس "راحاب" نالت ما لم يستطع كثير من العبرانيين أن ينالوه، فقد استحقت أن تُحسب في نسب السيد المسيح (مت ١: ٥)، ثم يبلغ بنا إلى رجال إيمان من القضاة مثل جدعون وباراق وشمشون ويفتاح، والملوك مثل داود، والأنبياء كصموئيل. هكذا يجول بهم خلال كل تاريخهم ليقدم أمثلة من كل حقبة فقد وُجد شهود حق لله حتى في أحلك العصور.
انتقل الرسول من أمثلة رجال ونساء للإيمان إلى أمثلة للأعمال الإيمانية منها:
* قهر المالك بالإيمان.
* صنع البرّ.
* نوال المواعيد.
* سد أفواه الأسود.
* إطفاء قوة النار.
* النجاة من حد السيف.
* نوال قوة من ضعف.
* التشدد في الحرب.
* أخذت نساء أمواتهن بقيامة كما فعلت الأرملة مع إيليا النبي.
* احتمال العذاب ورفض النجاة الزمنية من أجل نوال قيامة أفضل.
* الدخول في تجارب من هزء وجلد وقيود وحبس.
* احتمال الموت من نشر وقتل بالسيف.
* الطواف في جلود غنم وجلود معزي في عوز مكروبين ومذلين.
هذه مجرد أمثلة حية واقعية لأعمال إيمانية عاشها رجال العهد القديم، ويعيشها المؤمن في العهد الجديد بفهمٍ روحيٍ جديدٍ، فبالمسيح يسوع يقهر المؤمن ممالك إبليس والخطية ومحبة العالم، وبه يمارس البرّ ليحيا كشبه إلهه، وينعم بالمواعيد الإلهية. بالإيمان نسد أفواه أسود الشر والرجاسات التي تود افتراسنا، ونطفئ لهيب الشهوات الجسدية النار الداخلية. بالإيمان بالسيد المسيح ننعم بالنجاة من كل سيف أو سهم شرير، ونتمتع بالقوة بالرغم مما لنا في ذاتنا من ضعف، ونتشدد كجنود روحيين في حربنا ضد العدو غير المنظور. بالإيمان تتقدم النفس كالأرملة التي مات وحيدها، فيقيم مسيحنا النفس الميتة. بالإيمان نحتمل الآلام بفرحٍ ولا نطلب خلاصًا زمنيًا بل المكافأة الأبدية.
في اختصار نردد ما قاله القديس يوحنا الذهبي الفم عما يفعله الإيمان في حياة المؤمنين وما يهبهم من قوة روحية وغلبة:
[لو وضعت العالم كله ضدهم، أجدهم راجحين في الميزان، ذوي قيمة عظيمة.] إن كانوا قد عاشوا في عوز ومذلة، لكن "لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقًّا لَهُمْ" [37].
إنجيل القداس .... لوقا 11 : 14 – 26
14 و كان يخرج شيطانا و كان ذلك اخرس فلما اخرج الشيطان تكلم الاخرس فتعجب الجموع
15 و اما قوم منهم فقالوا ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين
16 و اخرون طلبوا منه اية من السماء يجربونه
17 فعلم افكارهم و قال لهم كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب و بيت منقسم على بيت يسقط
18 فان كان الشيطان ايضا ينقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته لانكم تقولون اني ببعلزبول اخرج الشياطين
19 فان كنت انا ببعلزبول اخرج الشياطين فابناؤكم بمن يخرجون لذلك هم يكونون قضاتكم
20 و لكن ان كنت باصبع الله اخرج الشياطين فقد اقبل عليكم ملكوت الله
21 حينما يحفظ القوي داره متسلحا تكون امواله في امان
22 و لكن متى جاء من هو اقوى منه فانه يغلبه و ينزع سلاحه الكامل الذي اتكل عليه و يوزع غنائمه
"بِالإِيمَانِ مُوسَى، بَعْدَمَا وُلِدَ، أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَا الصَّبِيَّ جَمِيلاً، وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ" [٢٣]. لم ينسَ الرسول عند حديثه عن موسى النبي كرجل إيمان عظيم أن يبرز أولاً إيمان والديه. لقد قدم الرسول لنا والدين كمثالٍ بين أمثلة الإيمان حتى ندرك خطورة دور الأسرة في الحياة الإيمانية وعمل الوالدين الجسديين مع الأب الروحي في تهيئة الأجيال المؤمنة بحق. هذا أيضًا أبرزه الرسول حين كتب إلى تلميذه تيموثاوس يقول له: "أتذكر الإيمان العديم الرياء الذي فيك، الذي سكن أولاً في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي، ولكن موقن أنه فيك أيضًا" (٢ تي ١: ٥).
لقد ظهر إيمان والدي موسى في إخفائهما الطفل ثلاثة أشهر، "لأنهما رأيا الصبي جميلاً"، وكما يقول الشماس اسطفانوس: "كان جميلاً جدًا". ماذا رأيا في وجهه إلاَّ انعكاس مجد السيد المسيح المقام من الأموات. فقد كان الطفل تحت حكم الموت، لأن فرعون طلب قتل كل الأطفال الذكور، لكن الوالدين استبقياه بإيمان أن جمالاً داخليًا يكمن فيه. لقد بقى ثلاثة شهور، ونحن نعلم أن رقم ٣ يشير إلى القيامة (حيث قام السيد في اليوم الثالث)، ليظهر بعد الشهور الثلاثة على وجه المياه، مقدسًا المياه لتهب المؤمن قوة القيامة معه.
لقد كان موسى جميلاً في أعينهما، لذا احتفظا به ثلاثة أشهر، وهكذا بالإيمان نحمل في داخلنا لا موسى بل ربه، مدركين أنه "أبرع جمالاً من بني البشرية"، نخفيه فينا ثلاثة أشهر حتى ننعم بالقيامة معه، فلا نوجد محمولين على مياه النهر بل على البحر الزجاجي في أورشليم العليا.
و. موسى
"بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مفضلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية..." [٢٤]. يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة، قائلاً:
[إذ وُضعت السماء أمام موسى صار الإعجاب بقصر مصري أمرًا تافهًا... لقد حسب العار من أجل المسيح أفضل من الحياة السهلة، وهذا في ذاته يحمل مكافأة... لقد ألقى موسى بنفسه في مخاطر كثيرة بمحض اختياره في الوقت الذي كان في إمكانه أن يعيش متدينًا وهو يتمتع بالخيرات...، لكنه حسبه خطية ألاَّ يكون مستعدًا لاحتمال الآلام مع الغير، فصار احتماله للآلام خيرًا عظيمًا، ملقيًا بنفسه فيها تاركًا القصر الملكي. لقد فعل هذا لأنه رأى أمامه أمورًا عظيمة، حاسبًا عار المسيح أفضل من خزائن مصر.]
بالإيمان ترك موسى مصر غير خائف من غضب الملك، لقد هرب أولاً خائفًا من الملك لكي لا يجرب الرب وسط المخاطر بلا هدف، وعندما دُعي للعمل أطاع وعاد ليواجه فرعون بلا خوف.
"بِالإِيمَانِ صَنَعَ الْفِصْح،َ وَرَشَّ الدَّم،َ لِئَلاَّ يَمَسَّهُمُ الَّذِي أَهْلَكَ الأَبْكَارَ" [٢٨]. لقد قام موسى بهذا العمل بكونه رمزًا لعمل السيد المسيح الخلاصي، أي الفصح الحقيقي الذي عبر بنا من عبودية إبليس إلى حرية مجد أولاد الله، وقد سبق لنا الحديث عن ذلك بشيءٍ من التوسع في دراستنا لسفر الخروج.
"بِالإِيمَانِ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ كَمَا فِي الْيَابِسَةِ، الأَمْرُ الَّذِي لَمَّا شَرَعَ فِيهِ الْمِصْرِيُّونَ غَرِقُوا" [٢٩]. هنا يقارن شعبًا بشعبٍ، فقد قاد موسى الشعب كله بالإيمان ليجتازوا البحر كيابسة. إن كان موسى بشعبه يمثل مملكة الله التي ينفتح لها الطريق خلال مياه المعمودية، فإن فرعون بجيشه يمثل مملكة إبليس التي تتحطم خلال نفس مياه المعمودية. في المعمودية تقوم مملكة السماوات فينا وتتحطم مملكة إبليس ولا يكون لها موضع فينا.
ز. يشوع:
"بِالإِيمَانِ سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا، بَعْدَمَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ" [٣٠]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بالتأكيد لا تستطيع أصوات الأبواق أن تسقط الحجارة (التي للأسوار)... لكن الإيمان يقدر أن يفعل كل شيء.]
ط. راحاب الزانية:
"بِالإِيمَانِ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ لَمْ تَهْلِكْ مَعَ الْعُصَاةِ، إِذْ قَبِلَتِ الْجَاسُوسَيْنِ بِسَلاَمٍ" [٣١].
ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على ذلك، قائلاً:
[من العار أن تظهر في عدم إيمان أكثر من زانية!
لقد سمعت ما رواه الرجلان وآمنت!
وكانت النتيجة هلاك الكل بينما حُفظت وحدها من الهلاك.
لم تقل في نفسها: أني أبقى مع أصدقائي الكثيرين،
ولا قالت: هل أنا أكثر حكمة من هؤلاء الرجال العقلاء الذين لا يؤمنون، وأنا أؤمن؟!
لم تقل شيئًا من هذا بل آمنت بما سيحدث وما سيعانيه (الكنعانيون).]
انتقل الرسول من الآباء البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب إلى يوسف فموسى كأول قائد للشعب ثم تلميذه يشوع الذي دخل بالشعب أرض الموعد، وهنا يتوقف أمام امرأة زانية غريبة الجنس "راحاب" نالت ما لم يستطع كثير من العبرانيين أن ينالوه، فقد استحقت أن تُحسب في نسب السيد المسيح (مت ١: ٥)، ثم يبلغ بنا إلى رجال إيمان من القضاة مثل جدعون وباراق وشمشون ويفتاح، والملوك مثل داود، والأنبياء كصموئيل. هكذا يجول بهم خلال كل تاريخهم ليقدم أمثلة من كل حقبة فقد وُجد شهود حق لله حتى في أحلك العصور.
انتقل الرسول من أمثلة رجال ونساء للإيمان إلى أمثلة للأعمال الإيمانية منها:
* قهر المالك بالإيمان.
* صنع البرّ.
* نوال المواعيد.
* سد أفواه الأسود.
* إطفاء قوة النار.
* النجاة من حد السيف.
* نوال قوة من ضعف.
* التشدد في الحرب.
* أخذت نساء أمواتهن بقيامة كما فعلت الأرملة مع إيليا النبي.
* احتمال العذاب ورفض النجاة الزمنية من أجل نوال قيامة أفضل.
* الدخول في تجارب من هزء وجلد وقيود وحبس.
* احتمال الموت من نشر وقتل بالسيف.
* الطواف في جلود غنم وجلود معزي في عوز مكروبين ومذلين.
هذه مجرد أمثلة حية واقعية لأعمال إيمانية عاشها رجال العهد القديم، ويعيشها المؤمن في العهد الجديد بفهمٍ روحيٍ جديدٍ، فبالمسيح يسوع يقهر المؤمن ممالك إبليس والخطية ومحبة العالم، وبه يمارس البرّ ليحيا كشبه إلهه، وينعم بالمواعيد الإلهية. بالإيمان نسد أفواه أسود الشر والرجاسات التي تود افتراسنا، ونطفئ لهيب الشهوات الجسدية النار الداخلية. بالإيمان بالسيد المسيح ننعم بالنجاة من كل سيف أو سهم شرير، ونتمتع بالقوة بالرغم مما لنا في ذاتنا من ضعف، ونتشدد كجنود روحيين في حربنا ضد العدو غير المنظور. بالإيمان تتقدم النفس كالأرملة التي مات وحيدها، فيقيم مسيحنا النفس الميتة. بالإيمان نحتمل الآلام بفرحٍ ولا نطلب خلاصًا زمنيًا بل المكافأة الأبدية.
في اختصار نردد ما قاله القديس يوحنا الذهبي الفم عما يفعله الإيمان في حياة المؤمنين وما يهبهم من قوة روحية وغلبة:
[لو وضعت العالم كله ضدهم، أجدهم راجحين في الميزان، ذوي قيمة عظيمة.] إن كانوا قد عاشوا في عوز ومذلة، لكن "لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقًّا لَهُمْ" [37].
+ + +
إنجيل القداس .... لوقا 11 : 14 – 26
14 و كان يخرج شيطانا و كان ذلك اخرس فلما اخرج الشيطان تكلم الاخرس فتعجب الجموع
15 و اما قوم منهم فقالوا ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين
16 و اخرون طلبوا منه اية من السماء يجربونه
17 فعلم افكارهم و قال لهم كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب و بيت منقسم على بيت يسقط
18 فان كان الشيطان ايضا ينقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته لانكم تقولون اني ببعلزبول اخرج الشياطين
19 فان كنت انا ببعلزبول اخرج الشياطين فابناؤكم بمن يخرجون لذلك هم يكونون قضاتكم
20 و لكن ان كنت باصبع الله اخرج الشياطين فقد اقبل عليكم ملكوت الله
21 حينما يحفظ القوي داره متسلحا تكون امواله في امان
22 و لكن متى جاء من هو اقوى منه فانه يغلبه و ينزع سلاحه الكامل الذي اتكل عليه و يوزع غنائمه
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 1:09 pm
23 من ليس معي فهو علي و من لا يجمع معي فهو يفرق
24 متى خرج الروح النجس من الانسان يجتاز في اماكن ليس فيها ماء يطلب راحة و اذ لا يجد يقول ارجع الى بيتي الذي خرجت منه
25 فياتي و يجده مكنوسا مزينا
26 ثم يذهب و ياخذ سبعة ارواح اخر اشر منه فتدخل و تسكن هناك فتصير اواخر ذلك الانسان اشر من أوائله
+ + +
وحدة الروح (اتِّهامه ببعلزبول)
إن كانت صداقتنا مع الله تقوم على الصلاة بلجاجة، فإن هذه الصلاة يلزم أن تسندها وحدة الروح. فالله في صداقته معنا يريدنا أن نسلك معًا بالروح الواحد، وذلك بعمل روحه القدُّوس واهب الشركة والوحدانيَّة. لهذا يحدِّثنا الإنجيلي لوقا عن إبراء من به شيطان أخرس، وقد أخرجه السيِّد فأتُهم بأنه ببعلزبول رئيس الشيَّاطين. وجد السيِّد بهذا الاتهام فرصته لتأكيد الحاجة إلى وحدة الروح بلا انقسام، وذلك بعمل روحه واهب الشركة. وقد سبق لنا الحديث في هذا الأمر أثناء دراستنا لإنجيل متَّى 12: 22-37، ولإنجيل مرقس 3: 22-30، في شيء من التفصيل، لذا اَكتفي هنا بالملاحظات التالية:
أولاً: أثارت معجزة إخراج الشيطان الأخرس دهشة الجماهير وإعجابهم، الأمر الذي أثار قومًا غالبًا من الفرِّيسيِّين، وإذ اِمتلأوا حِقدًا وحسدًا لم يقدروا أن ينكروا المعجزة، لكنهم اِتَّهموا السيِّد أنه ببعلزبول رئيس الشيَّاطين يخرج الشيَّاطين.
"بعلزبول" هي الصيغة الآرامية للكلمة: "بعل زبوب"، أي إله الذباب عند العقرونيِّين (2 مل 1: 3)، الذين كانوا يعتقدون أن فيه القدرة على طرد الذباب من المنازل.
تشكَّك البعض في أمره، فطلبوا آية من السماء، ليتأكَّدوا أن ما يفعله بقوَّة سماويَّة إلهيَّة وليس بطريق شيطاني، فكانوا يتوقَّعون أن يُنزِل نارًا من السماء كما فعل إيليَّا، ولم يدركوا أن الذي في وسطهم هو السماوي الذي بتنازله حل في وسطهم كواحد منهم.
ثانيًا: لم يستجب لطلبتهم فيرسل نارًا من السماء لإِِفنائهم، إذ طلبوا آية من السماء، بل انتهر يوحنا ويعقوب تلميذيه حين سألاه أن يطلبا نارًا لحرق قرية بالسامرَّة رفضته (لو 9: 54). وإنما في طول أناة أجابهم، لا ليُفحِمهم وإنما ليرُدهم إلى الحق، غير متراجعٍ عن حبُّه حتى لمقاوميه، باذلاً حياته فدية عن الجميع. لهذا يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [اِحتمل كل هذه الأمور لكي نسلك على أثر خطواته، ونحتمل هذه السخريات التي تقلق أكثر من أي توبيخ.]
ثالثًا: جاءت إجابة السيِّد المسيح لمقاوميه كالعادة ليست دفاعًا عن نفسه بقدر ما هي لبنيان نفوسهم وإصلاح حياتهم، وقد حملت الإجابة جانبين:
أ. الجانب السلبي، وهو أنه لا ينقسم عدو الخير على نفسه وإلا هلكت مملكته. وهنا يسألنا ألا ننقسم نحن على أنفسنا، سواء على مستوى الممالك أو مستوى العائلات، إذ يقول:
"كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب،
وبيت منقسم على بيت يسقط،
فإن كان الشيطان أيضًا ينقسم على ذاته،
فكيف تثبت مملكته؟
لأنكم تقولون إني ببعلزبول أخرج الشيَّاطين؟" [17-18].
ب. الجانب الإيجابي، فيه يعلن فاعليَّة الروح القدس الذي هو واحد معه في اللاهوات، إذ يعمل بروحه القدُّوس وقوَّته، ويدعوه إصبع الله. في هذا يدعونا الرب ليس فقط ألا نسلك بروح الانقسام على أنفسنا أو على مستوى العائلات أو الكنائس، وإنما أن نقبل روح الله الذي هو روح الشركة عاملاً فينا بقوَّة، لبنيان ملكوت الله. إنه يقول:
"إن كنتُ أنا ببعلزبول أخرج الشيَّاطين،
فأبناؤكم بمن يُخرجون؟
لذلك هم يكونون قضاتكم،
ولكن إن كنتُ بإصبع الله أُخرج الشيَّاطين،
فقد أقبل عليكم ملكوت الله" [19-20].
لا يكفي أن نرفض روح الانقسام حتى لا نهلك، وإنما يليق بنا أن نقبل روحه عاملاً فينا، لكي يقبل علينا ملكوته في داخلنا بقوَّة!
رابعًا: يسمي السيِّد المسيح الروح القدس "إصبع الله"، ربَّما لأن الإنسان صاحب السلطان حين يشير بإصبعه يتحقَّق كل ما يريده، وكأن الآب والابن يعملان بروحهما القدُّوس كما بالإصبع. يقول القدِّيس كيرلس [يدعى الروح القدس إصبع الله لهذا السبب. قيل عن الابن أنه يد الله وذراعه (مز 98: 1)، به يعمل الآب كل شيء. ولما كان الإصبع غير منفصل عن اليد بل بالطبيعة هو جزء منها، هكذا (مع الفارق) الروح القدس متَّحد مع الابن، وخلاله يعمل الابن كل شيء.]
هذا والأصابع مع اختلاف مواضعها وأحجامها وأطوالها تعمل معًا بلا اِنقسام، فتشير إلى تنوُّع الخدمات أو المواهب والروح واحد. كقول الرسول بولس: "فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد، وأنواع خِدم موجودة، ولكن الرب واحد. وأنواع أعمال موجودة، ولكن الله واحد، الذي يعمل الكل في الكل، ولكنه لكل واحد يعطي إظهار الروح للمنفعة" (1 كو 12: 4-7).
يقول القدِّيس أغسطينوس: [يُدعى الروح القدس إصبع الله بسبب توزيع المواهب، فيه ينال كل واحد موهبته، سواء للبشر أو الملائكة، إذ لا يوجد في أعضائنا تقسيم مناسب أكثر من أصابعنا.] كم يقول القدِّيس أمبروسيوس [لقب "الإصبع" يشير إلى الوحدة لا إلى اِختلاف السلطان.]
خامسًا: من هم أبناؤهم الذين يُخرجون الشيَّاطين ويكونون قضاة عليهم، إلا جماعة من التلاميذ البسطاء، الذين هم من الأُمّة اليهوديَّة يعيشون ببساطة قلب بينهم، وأُميُون، يُخرجون الشيَّاطين بقوَّة وسلطان، فيدينون بهذا كل اِتهام يوجِّهه الفرِّيسيُّون والكتبة ضد سلطان السيِّد المسيح. يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [كان التلاميذ الطوباويُون يهودًا، وأبناء لليهود حسب الجسد، وقد نالوا سلطانًا من المسيح باستدعاء هذه الكلمات: "باسم يسوع المسيح". فإن بولس أيضًا مرَّة أمر الروح النجس بسلطان رسولي: "أنا آمرك باسم يسوع أن تخرج منها" (أع 16: 18). فإن كان أبناؤكم ـ كما يقول ـ باسمي يطئون بأقدامهم على بعلزبول باِنتهارهم أتباعه (شيَّاطينه) وإخراجهم من الساكنين فيهم، أفليس واضح أنه تجديف بجهل عظيم أن تتَّهمونني بأني أحمل سلطان بعلزبول؟ أنتم الآن متَّهمون خلال إيمان أبنائكم.]ينتقل السيِّد المسيح من إظهار أنه يخرج الشيَّاطين بروحه القدُّوس (إصبع الله) إلى السلطان الذي وهبه لتلاميذه الذين هم أبناء اليهود، ليجذب أنظارهم وأفكارهم من المناقشات الغبيَّة التي يُثيرونها خلال حقدهم وحسدهم إلى التطلُّع نحو السلطان الجديد الذي وُهب للتلاميذ خلاله
رد: تفسير قراءات الأسبوع الثالث من الصوم الكبير
الإثنين مارس 09, 2009 1:10 pm
، وإلى الإمكانيَّة التي صارت للبشريَّة خلال السيِّد المسيح. فما يفعله المسيح يسوع ربَّنا ليس اِستعراضًا لقوَّته الإلهيَّة وإنما هو رصيد يقدِّمه لحساب مملكته في قلوبنا، أي لحساب كنيسته التي في داخلنا، لذلك يقول: "فقد أقبل عليكم ملكوت الله" [20]. بمعنى آخر يوَد إن يقول لهم: عوض إن تتَّهموني بأن أعمل بقوَّة بعلزبول تمتَّعوا بسلطاني الذي أهبه للبشر لتحطيم بعلزبول وطرد أرواحه الشرِّيرة من النفوس والأجساد المحطَّمة.في هذا يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [يقول: إن كنتٌ كإنسان قد صرتُ مثلكم، وأخرج الشيَّاطين بروح الله، فقد نالت الطبيعة البشريَّة فيّ أولاً الملكوت الإلهي، إذ صارت ممجَّدة بكسر سلطان الشيطان واِنتهار الأرواح الدنسة، هذا هو معنى الكلمات: "أقبل عليكم ملكوت الله". لكن اليهود لم يفهموا تدبير الابن الوحيد في الجسد، وأنه كان يجب عليهم بالحري إن يتأمََّلوا أن الابن الوحيد الجنس، كلمة الله قد صار جسدًا دون أن يتغيَّر عما هو عليه، ممجِّدًا طبيعة الإنسان، إذ لم يستنكف أن يأخذ حقارتها لكي يُضفي عليها غناه هو.]
سادسًا: إذ نالت البشريَّة في المسيح يسوع سلطانًا بروحه القدُّوس وأعلن عن ملكوت الله فيها، فإنه لم يعد هناك مجال لمملكة الظلمة التي سادت زمانًا، والتي تملَّكت بشراسةٍ وعنفٍ وسلطانٍ خلال ضعفنا. لقد جاء القوي الذي يحطِّم من ظن في نفسه قويًا وأعطيناه الفرصة زمانًا ليسيطر علينا، إذ يقول السيِّد المسيح: "حينما يحفظ القوي داره متسلِّحًا تكون أمواله في أمان. ولكن متى جاء من هو أقوى منه، فإنه يغلبه، وينزع منه سلاحه الكامل الذي اتكل عليه، ويوزِّع غنائمه" [21-22].
هكذا يقدِّم لنا العمل المسيحاني في حياتنا بمثل إنسانٍ قوي متسلِّح في داره، تملك على القلب والعالم كدارٍ له، أسلحته الخبث والدهاء، لكن جاء المسيَّا الأقوى، سلاحه الحب والبذل يحطِّم بالحق الباطل، وبالحب الخبث، وبالنور الظلمة، فيطرد من استعمر القلب وملك على العالم، ساحبًا منه الغنائم. هكذا يوضِّح السيِّد أنه لا هوادة بين النور والظلمة، ولا اِتِّفاق بين المسيح وبليعال.
يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [دُعي الشيطان قويًا، ليس لأنه بالطبيعة هو هكذا، إنما بالإشارة إلى سلطانه القديم الذي صار له بسبب ضعفنا.] ويقول القدِّيس كيرلس الكبير: [هذا هو مصير عدوُّنا العام، الشيطان الخبيث، ذي الرؤوس المتعدِّدة، مبتدع الشرّ. فإنه قبل مجيء المخلِّص، كان في قوَّة عظيمة، يسوق القطعان التي ليست له إلى حظيرته، ويغلق عليها، هذه التي هي قطعان الله، فكان كلصٍ مفترسٍ ومتصلِّف للغاية. لكن إذ هاجمه كلمة الله الذي هو فوق الكل، واهب كل قوَّة، رب القوات، بكونه قد صار إنسانًا، فنهب منه أمتعته ووزَّع غنائمه. فإن أولئك الذين كانوا قبلاً قد أُسروا بواسطته في الخطأ والجحود دعاهم الرسل القدِّيسون إلى معرفة الحق والاقتراب إلى الله الآب خلال الإيمان بالابن.]
سابعًا: بعد أن قدَّم السيِّد المسيح هذا المثل، قال هذا المبدأ: "من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يُفرِّق"[23]. هنا يبرز السيِّد المسيح خطورة الحياة السلبيَّة التي خلالها يظن الإنسان أنه يقف في منتصف الطريق. فإن السيِّد المسيح يقدِّم طريقين لا ثالث لهما: النور أو الظلمة، مملكة الله أو إبليس. من كان يعمل بروح بعلزبول لا يطرد الشيَّاطين لحساب مملكة الله، إنما ينحني لمملكة الظلمة، وهكذا من يحمل روح الله لا يقبل إلا أن يعمل لحساب مملكة الله. وكأنه يطالبهم بمراجعة أنفسهم ليعرفوا بالحق أين هو مركزهم؟ هل هم معه يعملون على الجمع لحسابه، أو ضدُّه يعملون على تشتيت النفوس؟
كأنه يقول لهم قد جئت لأجمع أبناء الله فيّ، هؤلاء الذين شتَّتهم العدو إبليس، فالشيطان لا يعمل معي، بل يود تشتيت من أجمعهم، فهل تطلبونني لتعملوا للجمع أم تطلبونه فتقومون بالتشتيت؟ وكما يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [إنه يقول: جئت لأخلِّص كل إنسان من يدّ الشيطان، لأنقذهم من خبثه الذي اِصطادهم به، لأحرِّر المأسورين، وأُشرق نورًا على الذين في الظلمة، أُقيم الساقطين وأشفي منكسري القلوب، وأجمع أبناء الله المشتَّتين. وأما الشيطان فهو ليس معي، بل عليّ. بالعكس هو ضدِّي، إذ يتجاسر ليشتِّت الذين أجمعهم وأخلِّصهم. كيف إذن يمكن لذاك الذي يقاومني ويبُث شروره ضد غاياتي أن يعطيني سلطانًا ضدُّه؟ أليس من الغباوة إن تتخيَّلوا هذا؟]
يُعلِّق القدِّيس يوحنا الذهبي الفم على كلمات السيِّد، قائلاً على لسانه: [إن كان الذي لا يعمل معي يكون خصمًا لي، فكم بالأكثر من يقاومني؟ على أي الأحوال يبدو لي أنه قد أشار بهذا المثل إلى اليهود الذين ثاروا ضدَّه بواسطة الشيطان، إذ كانوا يعملون ضدَّه ويُشتِّتون من يجمعهم.]
ثامنًا: بعد أن عرض المثَل الأول الخاص بالأقوى الذي يطرد القوي ويوزِّع غنائمه معطيًا إيَّانا رجاء أن نختفي فيه لكي به نحارب العدو ونطرده من أعماقنا، يقدِّم لنا مثلاً آخر لتحذيرنا:
"متى خرج الروح النجس من الإنسان
يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة،
وإذ لا يجد يقول: أرجع إلى بيتي الذي خرجتُ منه.
فيأتي ويجده مكنوسًا مزيَّنًا.
ثم يذهب ويأخذ سبعة أرواح أُخر أشرّ منه،
فتدخل وتسكن هناك،
فتصير أواخر ذلك الإنسان أشرّ من أوائله" [24- 26].
بالمثلين وضَّح السيِّد المسيح الفارق بين عمل السيِّد المسيح وعمل الفرِّيسيِّين، ففي المثل الأول أظهر السيِّد المسيح بكونه الأقوى الذي يحرِّرنا ممن اِستقْوَى علينا وأسَرْنا بخُبثه، وفي المثَل الثاني أظهر عمل الفرِّيسيِّين وقادة اليهود الذين يجولون البَرّ والبحر لاصطياد إنسانٍ، وبعد قبوله الإيمان يجعلونه أشرّ منهم، إذ يتعثَّر فيهم. هكذا ينحرف للشرّ أكثر مما كان عليه قبل قبوله الإيمان. وكما قال الرب: "ويلٍ لكم أيها الكتبة والفرِّيسيُّون المراؤون، لأنكم تطوفون البحر والبَرْ، لتكسبوا دخيلاً واحدًا، ومتى حصل تصنعونه ابنًا لجُهنَّم أكثر منكم مضاعفًا" (مت 23: 15).
بهذا المثَل يحذِّرنا لئلاَّ نبدأ الطريق ولا نكمِّله، فإننا إذ نبدأ نطرد الشيَّاطين من قلوبنا كما من مسكنه، لكنه لا يجد راحته إلا في العودة من حيث طُرد، وهكذا يبقى متربِّصًا لعلَّه في تهاوننا يرجع بصورة أشرّ وأقوى لكي يسكن من جديد. هذا هو حال كثير من المسيحيِّين بدأوا بالروح وللأسف كمَّلوا بالجسد (غل 3: 3)، فعاد إبليس ليجد قلوبهم مسكنًا له مكنوسًا ومزيَّنًا لاستقباله.
هذا هو حال اليهود الذين سبقوا الأمم في معرفة الله، وكأنهم قد تمتَّعوا بطرد إبليس من قلوبهم، لكنهم إذ جحدوا الرب صاروا أشرّ ممَّا كان عليه قبل الإيمان، بل وأشرّ من الأمم. هذا ما يقوله القدِّيس أمبروسيوس: [بإنسان واحد يُرمز لكل الشعب اليهودي، فالروح النجس خرج بالناموس، ولما لم يجد راحة في الأمم، إذ قبلوا الإيمان المسيحي الذي يحرق الروح النجس، وقد ارتوت قلوب الأمم الجافة بندى الروح القدس وانطفأت سهام العدو الملتهبة نارًا (أف 6: 16)، رجع الروح النجس إلى الشعب اليهودي ومعه أرواح أشرّ منه. هنا رقم 7 يشير إلى كمال العدد.] بنفس المعنى يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [إذ كانوا تحت العبوديَّة بمصر، يعيشون حسب عادات المصريِّين ونواميسهم المملوءة دنسًا سلكوا حياة دنسة وسكن الروح النجس فيهم، إذ يسكن في القلوب الشرِّيرة. ولكن إذ خلصوا بواسطة موسى خلال رحمة الله وتقبَّلوا الشريعة كمعلِّم في مدرسة، ودُعوا إلى نور معرفة الله الحقيقيَّة، طُرد منهم الروح النجس الفاسد. ولكنهم إذ لم يؤمنوا بالمسيح بل جحدوا المخلِّص، هاجمهم الروح النجس من جديد، فوجد قلبهم فارغًا، خاليًا من مخافة الله، كما لو كان مكنوسًا فسكن فيهم. فكما أن الروح القدس إذ يجد قلبًا متحرِّرا من كل دنس، طاهرًا، يأتي ويسكن فيه ويستريح هناك، هكذا الروح الشرِّير اعتاد على السُكنى في قلوب الأشرار، لأنهم ـ كما قلت ـ خالون من كل فضيلة وليس فيهم خوف الرب. بهذا صار أواخر الإسرائيليِّين أشر من أوائلهم.]
سادسًا: إذ نالت البشريَّة في المسيح يسوع سلطانًا بروحه القدُّوس وأعلن عن ملكوت الله فيها، فإنه لم يعد هناك مجال لمملكة الظلمة التي سادت زمانًا، والتي تملَّكت بشراسةٍ وعنفٍ وسلطانٍ خلال ضعفنا. لقد جاء القوي الذي يحطِّم من ظن في نفسه قويًا وأعطيناه الفرصة زمانًا ليسيطر علينا، إذ يقول السيِّد المسيح: "حينما يحفظ القوي داره متسلِّحًا تكون أمواله في أمان. ولكن متى جاء من هو أقوى منه، فإنه يغلبه، وينزع منه سلاحه الكامل الذي اتكل عليه، ويوزِّع غنائمه" [21-22].
هكذا يقدِّم لنا العمل المسيحاني في حياتنا بمثل إنسانٍ قوي متسلِّح في داره، تملك على القلب والعالم كدارٍ له، أسلحته الخبث والدهاء، لكن جاء المسيَّا الأقوى، سلاحه الحب والبذل يحطِّم بالحق الباطل، وبالحب الخبث، وبالنور الظلمة، فيطرد من استعمر القلب وملك على العالم، ساحبًا منه الغنائم. هكذا يوضِّح السيِّد أنه لا هوادة بين النور والظلمة، ولا اِتِّفاق بين المسيح وبليعال.
يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [دُعي الشيطان قويًا، ليس لأنه بالطبيعة هو هكذا، إنما بالإشارة إلى سلطانه القديم الذي صار له بسبب ضعفنا.] ويقول القدِّيس كيرلس الكبير: [هذا هو مصير عدوُّنا العام، الشيطان الخبيث، ذي الرؤوس المتعدِّدة، مبتدع الشرّ. فإنه قبل مجيء المخلِّص، كان في قوَّة عظيمة، يسوق القطعان التي ليست له إلى حظيرته، ويغلق عليها، هذه التي هي قطعان الله، فكان كلصٍ مفترسٍ ومتصلِّف للغاية. لكن إذ هاجمه كلمة الله الذي هو فوق الكل، واهب كل قوَّة، رب القوات، بكونه قد صار إنسانًا، فنهب منه أمتعته ووزَّع غنائمه. فإن أولئك الذين كانوا قبلاً قد أُسروا بواسطته في الخطأ والجحود دعاهم الرسل القدِّيسون إلى معرفة الحق والاقتراب إلى الله الآب خلال الإيمان بالابن.]
سابعًا: بعد أن قدَّم السيِّد المسيح هذا المثل، قال هذا المبدأ: "من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يُفرِّق"[23]. هنا يبرز السيِّد المسيح خطورة الحياة السلبيَّة التي خلالها يظن الإنسان أنه يقف في منتصف الطريق. فإن السيِّد المسيح يقدِّم طريقين لا ثالث لهما: النور أو الظلمة، مملكة الله أو إبليس. من كان يعمل بروح بعلزبول لا يطرد الشيَّاطين لحساب مملكة الله، إنما ينحني لمملكة الظلمة، وهكذا من يحمل روح الله لا يقبل إلا أن يعمل لحساب مملكة الله. وكأنه يطالبهم بمراجعة أنفسهم ليعرفوا بالحق أين هو مركزهم؟ هل هم معه يعملون على الجمع لحسابه، أو ضدُّه يعملون على تشتيت النفوس؟
كأنه يقول لهم قد جئت لأجمع أبناء الله فيّ، هؤلاء الذين شتَّتهم العدو إبليس، فالشيطان لا يعمل معي، بل يود تشتيت من أجمعهم، فهل تطلبونني لتعملوا للجمع أم تطلبونه فتقومون بالتشتيت؟ وكما يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [إنه يقول: جئت لأخلِّص كل إنسان من يدّ الشيطان، لأنقذهم من خبثه الذي اِصطادهم به، لأحرِّر المأسورين، وأُشرق نورًا على الذين في الظلمة، أُقيم الساقطين وأشفي منكسري القلوب، وأجمع أبناء الله المشتَّتين. وأما الشيطان فهو ليس معي، بل عليّ. بالعكس هو ضدِّي، إذ يتجاسر ليشتِّت الذين أجمعهم وأخلِّصهم. كيف إذن يمكن لذاك الذي يقاومني ويبُث شروره ضد غاياتي أن يعطيني سلطانًا ضدُّه؟ أليس من الغباوة إن تتخيَّلوا هذا؟]
يُعلِّق القدِّيس يوحنا الذهبي الفم على كلمات السيِّد، قائلاً على لسانه: [إن كان الذي لا يعمل معي يكون خصمًا لي، فكم بالأكثر من يقاومني؟ على أي الأحوال يبدو لي أنه قد أشار بهذا المثل إلى اليهود الذين ثاروا ضدَّه بواسطة الشيطان، إذ كانوا يعملون ضدَّه ويُشتِّتون من يجمعهم.]
ثامنًا: بعد أن عرض المثَل الأول الخاص بالأقوى الذي يطرد القوي ويوزِّع غنائمه معطيًا إيَّانا رجاء أن نختفي فيه لكي به نحارب العدو ونطرده من أعماقنا، يقدِّم لنا مثلاً آخر لتحذيرنا:
"متى خرج الروح النجس من الإنسان
يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة،
وإذ لا يجد يقول: أرجع إلى بيتي الذي خرجتُ منه.
فيأتي ويجده مكنوسًا مزيَّنًا.
ثم يذهب ويأخذ سبعة أرواح أُخر أشرّ منه،
فتدخل وتسكن هناك،
فتصير أواخر ذلك الإنسان أشرّ من أوائله" [24- 26].
بالمثلين وضَّح السيِّد المسيح الفارق بين عمل السيِّد المسيح وعمل الفرِّيسيِّين، ففي المثل الأول أظهر السيِّد المسيح بكونه الأقوى الذي يحرِّرنا ممن اِستقْوَى علينا وأسَرْنا بخُبثه، وفي المثَل الثاني أظهر عمل الفرِّيسيِّين وقادة اليهود الذين يجولون البَرّ والبحر لاصطياد إنسانٍ، وبعد قبوله الإيمان يجعلونه أشرّ منهم، إذ يتعثَّر فيهم. هكذا ينحرف للشرّ أكثر مما كان عليه قبل قبوله الإيمان. وكما قال الرب: "ويلٍ لكم أيها الكتبة والفرِّيسيُّون المراؤون، لأنكم تطوفون البحر والبَرْ، لتكسبوا دخيلاً واحدًا، ومتى حصل تصنعونه ابنًا لجُهنَّم أكثر منكم مضاعفًا" (مت 23: 15).
بهذا المثَل يحذِّرنا لئلاَّ نبدأ الطريق ولا نكمِّله، فإننا إذ نبدأ نطرد الشيَّاطين من قلوبنا كما من مسكنه، لكنه لا يجد راحته إلا في العودة من حيث طُرد، وهكذا يبقى متربِّصًا لعلَّه في تهاوننا يرجع بصورة أشرّ وأقوى لكي يسكن من جديد. هذا هو حال كثير من المسيحيِّين بدأوا بالروح وللأسف كمَّلوا بالجسد (غل 3: 3)، فعاد إبليس ليجد قلوبهم مسكنًا له مكنوسًا ومزيَّنًا لاستقباله.
هذا هو حال اليهود الذين سبقوا الأمم في معرفة الله، وكأنهم قد تمتَّعوا بطرد إبليس من قلوبهم، لكنهم إذ جحدوا الرب صاروا أشرّ ممَّا كان عليه قبل الإيمان، بل وأشرّ من الأمم. هذا ما يقوله القدِّيس أمبروسيوس: [بإنسان واحد يُرمز لكل الشعب اليهودي، فالروح النجس خرج بالناموس، ولما لم يجد راحة في الأمم، إذ قبلوا الإيمان المسيحي الذي يحرق الروح النجس، وقد ارتوت قلوب الأمم الجافة بندى الروح القدس وانطفأت سهام العدو الملتهبة نارًا (أف 6: 16)، رجع الروح النجس إلى الشعب اليهودي ومعه أرواح أشرّ منه. هنا رقم 7 يشير إلى كمال العدد.] بنفس المعنى يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [إذ كانوا تحت العبوديَّة بمصر، يعيشون حسب عادات المصريِّين ونواميسهم المملوءة دنسًا سلكوا حياة دنسة وسكن الروح النجس فيهم، إذ يسكن في القلوب الشرِّيرة. ولكن إذ خلصوا بواسطة موسى خلال رحمة الله وتقبَّلوا الشريعة كمعلِّم في مدرسة، ودُعوا إلى نور معرفة الله الحقيقيَّة، طُرد منهم الروح النجس الفاسد. ولكنهم إذ لم يؤمنوا بالمسيح بل جحدوا المخلِّص، هاجمهم الروح النجس من جديد، فوجد قلبهم فارغًا، خاليًا من مخافة الله، كما لو كان مكنوسًا فسكن فيهم. فكما أن الروح القدس إذ يجد قلبًا متحرِّرا من كل دنس، طاهرًا، يأتي ويسكن فيه ويستريح هناك، هكذا الروح الشرِّير اعتاد على السُكنى في قلوب الأشرار، لأنهم ـ كما قلت ـ خالون من كل فضيلة وليس فيهم خوف الرب. بهذا صار أواخر الإسرائيليِّين أشر من أوائلهم.]
+ + +
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى